شرح ابن عقيل
ابن عقيل الهمداني ج 1
[ 1 ]
شرح ابن عقيل قاضي القضاة بآهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي الهمداني المصري المولود في سنة 698 والمتوفى في سنة 769 من الهجرة على ألفية الامام الحجة الثبت: أبي عبد الله محمد جمال الدين بن مالك المولود في سنة 600 والمتوفى في سنة 672 من الهجرة " ما تحت أديم السماء " " أتحى من ابن عقيل " أبو حبان ومعه كتاب منحة الجليل، بتحقيق شرح ابن عقيل تأليف محمد محيي الدين عبد الحميد غفر الله تعالى له ولوالديه ! وجميع حق الطبع محفوظ له الجزء الاول
[ 2 ]
مقدمة الطبعة الثانية: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المنعوت بجميل الصفات، وصلى الله على سيدنا محمد أشرف الكائنات، المبعوث بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وعلى آله وصحبه الذين نصبوا أنفسهم للدفاع عن بيضة الدين حتى رفع الله بهم مناره، وأعلى كلمته،
وجعله دينه المرضي، وطريقه المستقيم. وبعد، فقد كان مما جرى به القضاء أني كتبت منذ أربع سنوات كتاب تعليقات على كتاب الخلاصة (الالفية) الذي صنفه إمام النحاة، أبو عبد الله جمال الدين محمد ابن مالك المولود بجيان سنة ستمائة من الهجرة، والمتوفى في دمشق سنة اثنتين وسبعين وستمائة، وعلى شرحه الذي صنفه قاضي القضاة بهاء الدين عبد الله بن عقيل، المصري، الهاشمي، المولود في سنة ثمان وتسعين وستمائة، والمتوفى في سنة تسع وستين وسبعمائة من الهجرة، ولم يكن يدور بخلدي - علم الله - أن تعليقاتي هذه ستحوز قبول الناس ورضاهم، وأنها ستحل من أنفسهم المحل الذي حلته، بل كنت أقول في نفسي: " إنه أثر يذكرني به الاخوان والابناء، ولعله يجلب لي دعوة رجل صالح فأكون بذلك من الفائزين ". ثم جرت الايام بغير ما كنت أرتقب، فإذا الكتاب يروق قراءه، وينال منهم الاعجاب كل الاعجاب، وإذا هم يطلبون إلي في إلحاح أن أعيد طبعه، ولم يكن قد مضى على ظهوره سنتان، ولم أشأ أن أجيب هذه الرغبة إلا بعد أن أعيد النظر فيه، فأصلح ما عسى أن يكون قد فرط مني، أو أتمم بحثا، أو أبدل عبارة بعبارة أسهل منها وأدنى إلى القصد، أو أضبط مثالا أو كلمة غفلت عن
[ 3 ]
الطبعة الرابعة عشرة: تمتاز بدقة الضبط، وزيادة الشروح والتعليقات وبالتوسع في التكملة التي وضعناها في تصريف الافعال جمادى الاولى 1384 ه أكتوبر 1964 م يطلب من ناشره المكتبة التجارية الكبرى بمصر بميدان العتبة الخضراء، وبأول شارع القلعة م. السعادة
بمصر
[ 4 ]
ضبطها، أو ما أشبه ذلك من وجوه التحسين التي أستطيع أن أكافئ بها هؤلاء الذين رأوا في عملي هذا ما يستحق التشجيع والتنويه به والاشادة بذكره، وما زالت العوائق تدفعني عن القيام بهذه الامنية الشريفة وتذودني عن العمل لتحقيقها، حتى أذن الله تعالى، فسنحت لي الفرصة، فلم أتأخر عن أهتبالها، وعمدت إلى الكتاب، فأعملت في تعليقاتي يد الاصلاح والزيادة والتهذيب، كما أعملت في أصله يد التصحيح والضبط والتحرير، وسيجد كل قارئ أثر ذلك واضحا، إن شاء الله. والله سبحانه وتعالى ! المسئول أن يوفقني إلى مرضاته، وأن يجعل عملي خالصا لوجهه، وأن يكتبني ويكتبه عنده من المقبولين، آمين. كتبه المعتز بالله تعالى محمد محيي الدين عبد الحميد
[ 5 ]
مقدمة الطبعة الاولى بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على نعمائه، وصلاته وسلامه على خاتم أنبيائه، وعلى آله وأصحابه وأوليائه اللهم إني أحمدك أرضى الحمد لك، وأحب الحمد إليك، وأفضل الحمد عندك، حمدا لا ينقطع عدده، ولا يفنى مدده. وأسألك المزيد من صلواتك وسلامك على مصدر الفضائل، الذي ظل ماضيا على نفاذ أمرك، حتى أضاء الطريق للخابط، وهدى الله به القلوب، وأقام به موضحات الاعلام: سيدنا محمد بن عبد الله أفضل خلق الله، وأكرمهم عليه، وأعلاهم منزلة
عنده، صلى الله عليه وعلى صحابته الاخيار، وآله الابرار. ثم أما بعد، فلعلك لا تجد مؤلفا - ممن صنفوا في قواعد العربية - قد نال من الحظوة عند الناس، والاقبال على تصانيفه: قراءة، وإقراء، وشرحا، وتعليقا، مثل أبي عبد الله محمد جمال الدين بن عبد الله بن مالك، صاحب التآليف المفيدة، والتصنيفات الممتعة، وأفضل من كتب في علوم العربية من أهل طبقته علما، وأوسعهم اطلاعا، وأقدرهم على الاستشهاد لما يرى من الآراء بكلام العرب، مع تصون، وعفة، ودين، وكمال خلق. فلابن مالك مؤلفات في العربية كثيرة متعددة المشارب، مختلفة المناحي، وقل أن تجد من بينها كتابا لم يتناوله العلماء منذ زمنه إلى اليوم: بالقراءة، والبحث، وبيان معانيه: بوضع الشروح الوافية والتعليقات عليه. ومن هذه المؤلفات كتابه " الخلاصة " الذي اشتهر بين الناس باسم " الالفية " (1)
(1) تسمية " الالفية " مأخوذة من قوله في أولها: وأستعين الله في ألفيه مقاصد النحو بها محويه وتسمية " الخلاصة " مأخوذة من قوله في آخرها: حوى من الكافية الخلاصه كما اقتضى رضا بلا خصاصه (*)
[ 6 ]
والذي جمع فيه خلاصة علمي النحو والتصريف، في أرجوزة ظريفة، مع الاشارة إلى مذاهب العلماء، وبيان ما يختاره من الآراء، أحيانا. وقد كثر إقبال العلماء على هذا الكتاب من بين كتبه بنوع خاص، حتى طويت مصنفات أئمة النحو من قبله، ولم ينتفع من جاء بعده بأن يحاكوه أو يدعوا أنهم يزيدون عليه وينتصفون منه، ولو لم يشر في خطبته إلى ألفية الامام العلامة يحيى زين الدين بن عبد النور الزواوي الجزائري، المتوفى بمصر في يوم الاثنين آخر شهر
ذي القعدة من سنة 627 ه. والمعروف بابن معط - لما ذكره الناس، ولا عرفوه. * * * وشروح هذا الكتاب أكثر من أن تتسع هذه الكلمة الموجزة لتعدادها، وبيان مزاياها، وما انفرد به كل شرح، وأكثرها لاكابر العلماء ومبرزيهم: كالامام أبي محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الانصاري الشافعي الحنبلي، المتوفى ليلة الجمعة، الخامس من شهر ذي القعدة من سنة 761 ه، والذي يقول عنه ابن خلدون: " مازلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية - يقال له ابن هشام - أنحى من سيبويه " اه. وقد شرح ابن هشام الخلاصة مرتين: إحداهما في كتابه " أوضح المسالك، إلى ألفية ابن مالك (1) "، والثانية في كتاب سماه " دفع الخصاصة، عن قراء الخلاصة " ويقال: إنه أربع مجلدات، ويقول السيوطي بعد ذكر هذين الكتابين " وله عدة حواش على الالفية والتسهيل " اه. وممن شرح الخلاصة العلامة محمد بدر الدين بن محمد بن عبد الله بن مالك، المتوفى بدمشق في يوم الاحد، الثامن من شهر المحرم، سنة 686 ه، وهو ابن الناظم..
(1) قد أخرجنا هذا الكتاب إخراجا جيدا، وشرحناه ثلاثة شروح أخرجنا منها الوجيز والوسيط، ونسأل الله أن يوفق لاخراج البسيط، فقد أودعناه مالا يحتاج طالب علم العربية إلى ما وراءه.
[ 7 ]
ومنهم العلامة الحسن بدر الدين بن قاسم بن عبد الله بن عمر، المرادي، المصري المتوفى في يوم عيد الفطر سنة 849 ه. ومنهم الشيخ عبد الرحمن زين الدين أبو بكر المعروف بابن العيني الحنفي المتوفى سنة 849 ه ومنهم الشيخ عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي، المتوفى بمدينة فاس سنة 801 ه
ومنهم أبو عبد الله محمد شمس الدين بن أحمد بن علي بن جابر، الهواري، الاندلسي، المرسيني، الضرير. ومنهم أبو الحسن علي نور الدين بن محمد المصري، الاشموني، المتوفى في حدود سنة 900 ه (1). ومنهم الشيخ إبراهيم برهان الدين بن موسى بن أيوب، الا بناسي، الشافعي، المتوفى في شهر المحرم من سنة 802 ه. ومنهم الحافظ عبد الرحمن جلال الدين بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة 911 ه ومنهم الشيخ محمد بن قاسم الغزي، أحد علماء القرن التاسع الهجري. ومنهم أبو الخير محمد شمس الدين بن محمد، الخطيب، المعروف بابن الجزري، المتوفى في سنة 833 ه. ومنهم قاضي القضاة عبد الله بهاء الدين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله ابن عقيل، القرشي، الهاشمي، العقيلي - نسبة إلى عقيل بن أبي طالب - الهمداني الاصل، ثم البالسي، المصري، المولود في يوم الجمعة، التاسع من شهر المحرم من سنة 698، والمتوفى بالقاهرة في ليلة الاربعاء الثالث والعشرين من شهر ربيع الاول 769 ه، وشرحه هو الذي نعاني إخراجه للناس اليوم..
(1) قد أخرجنا هذا الكتاب إخراجا دقيقا، وشرحناه شرحا شاملا جامعا لاشتات الفن وأدلة مسائله، وظهر منه - منذ عهد بعيد - أربع مجلدات ضخام، والله المسئول أن يوفق لاكمال إظهاره بمنه وفضله. (*)
[ 8 ]
وقد شرح الكتاب - غير هؤلاء - الكثير من العلماء، ولست تجد شرحا من هذه الشروح لم يتناوله العلماء: بالكتابة عليه، وبيان ما فيه من إشارات، وإكمال ما عسى أن يشتمل عليه من نقص، وكل ذلك ببركة صاحب الاصل المشروح،
وبما ذاع له بين أساطين العلم من شهرة بالفقه في العربية وسعة الباع. * * * وهذه الشروح مختلفة، ففيها المختصر، وفيها المطول، فيها المتعقب صاحبه للناظم يتحامل عليه، ويتلمس له المزالق، وفيها المتحيز له، والمصحح لكل ما يجئ به، وفيها الذي اتخذ صاحبه طريقا وسطا بين الايجاز والاطناب، والتحامل والتحيز. ومن هؤلاء الذين سلكوا طريقا بين الطريقين بهاء الدين بن عقيل، فإنه لم يعمد إلى الايجاز حتى يترك بعض القواعد الهامة، ولم يقصد إلى الاطناب، فيجمع من هنا ومن هنا، ويبين جميع مذاهب العلماء ووجوه استدلالهم، ولم يتعسف في نقد الناظم: بحق، وبغير حق، كمالم ينحز له بحيث يتقبل كل ما يجئ به: وافق الصواب، أو لم يوافقه. ولصاحب هذا الشرح من الشهرة في الفن والبراعة فيه، ومن البركة والاخلاص ما دفع علماء العربية إلى قراءة كتابه والاكتفاء به عن أكثر شروح الخلاصة. * * * وقد أردت أن أقوم لهذا الكتاب بعمل أتقرب به إلى الله تعالى، فرأيت - في أول الامر - أن أتمم ما قصر فيه من البحث: فأبين اختلاف النحويين واستدلالاتهم ثم نظرت فإذا ذلك يخرج بالكتاب عن أصل الغرض منه، وقد يكون الاطناب باعثا على الازورار عنه، ونحن في زمن أقل ما فيه من عاب أنك لا تجد راغبا في علوم العرب إلا في القليل النادر، لانهم قوم ذهبت مدنيتهم، ودالت دولتهم، وأصبحت الغلبة لغيرهم. فاكتفيت بما لا بد منه، من إعراب أبيات الالفية، وشرح الشواهد شرحا وسطا بين الاقتصار والاسهاب، وبيان بعض المباحث التي أشار إليها الشارح أو أغفلها بتة في عبارة واضحة وفي إيجاز دقيق، والتذييل بخلاصة مختصرة في تصريف الافعال، فإن ابن
[ 9 ]
مالك قد أغفل ذلك في " ألفيته "، ووضع له لامية خاصة، سماها " لامية الافعال ".
* * * وأريد أن أنبهك إلى أنني وفقت في تصحيح هذه المطبوعة تصحيحا دقيقا، فإن نسخ الكتاب التي في أيدي الناس - رغم كثرتها، وتعدد طبعها - ليس فيها نسخة بلغت من الاتقان حدا ينفي عنك الريب والتوقف، فإنك لتجد في بعضها زيادة ليست في بعضهما الآخر، وتجد بينها تفاوتا في التعبير، وقد جمع الله تعالى لي بين اثنتى عشرة نسخة مختلفة، في زمان الطبع، ومكانه، ويسر لي - سبحانه ! - معارضة بعضها ببعض، فاستخلصت لك من بينها أكملها بيانا، وأصحها تعبيرا، وأدناها إلى ما أحب لك، فجاءت فيما أعتقد خير ما أخرج للناس من مطبوعات هذا الكتاب. وقد وضعنا زيادات بعض النسخ بين علامتين هكذا [ ]. والله سبحانه ! المسئول أن ينفع بهذا العمل على قدر العناء فيه، وأن يجعله في سبيل الاخلاص فيه لوجهه، إنه الرب المعين، وعليه التكلان ؟ محمد محيي الدين عبد الحميد
[ 10 ]
بسم الله الرحمن الرحيم قال محمد هو ابن مالك: أحمد ربي الله خير مالك (1) مصليا على النبي المصطفى وآله المستكملين الشرفا (2).
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، وصلاته وسلامه على من لا نبي بعده. (1) " قال " فعل ماض " محمد " فاعل " هو " مبتدأ " ابن " خبره " مالك " مضاف إليه، وكان حق " ابن " أن يكون نعتا لمحمد، ولكنه قطعه عنه، وجعله خبرا لضميره، والاصل أن ذلك إنما يجوز إذا كان المنعوت معلوما بدون النعت حقيقة أو ادعاء،
كما أن الاصل أنه إذا قطع النعت عن إتباعه لمنعوته في إعرابه ينظر، فإن كان النعت لمدح أو ذم وجب حذف العامل، وإن كان لغير ذلك جاز حذف العامل وذكره، والجملة هنا وهي قوله هو ابن مالك ليست للمدح ولا للذم، بل هي للبيان، فيجوز ذكر العامل وهو المبتدأ، وإذا فلا غبار على عبارة الناظم حيث ذكر العامل وهو المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الاعراب معترضة بين القول وقوله " أحمد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " ربي " رب منصوب على التعظيم، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال آخر الكلمة بحركة المناسبة، ورب مضاف وياء المتكلم مضاف إليه مبني على السكون في محل جر " الله " عطف بيان لرب، أو بدل منه، منصوب بالفتحة الظاهرة " خير " منصوب بعامل محذوف وجوبا تقديره أمدح، وقيل: حال لازمة، وخير مضاف و " مالك " مضاف إليه، والجملة من أحمد وفاعله وما تعلق به من المعمولات في محل نصب مفعول به لقال ويقال لها: مقول القول. (2) " مصليا " حال مقدرة، ومعنى كونها مقدرة أنها تحدث فيما بعد، وذلك لانه لا يصلى على النبي صلوات الله عليه في وقت حمده لله، وإنما تقع منه الصلاة بعد الانتهاء من الحمد، وصاحبها الضمير المستتر وجوبا في أحمد " على النبي " جار ومجرور متعلق بالحال " المصطفى " نعت للنبي، وهو مجرور بكسرة مقدرة على الالف منع من ظهورها التعذر " وآله " الواو عاطفة، آل: معطوف على النبي، وآل مضاف، والهاء مضاف = (*)
[ 11 ]
وأستعين الله في ألفيه مقاصد النحو بها محويه (1) نقرب الاقصى بلفظ موجز وتبسط البذل بوعد منجز (2) وتقتضي رضا بغير سخط فائقة ألفية ابن معط (3).
= إليه، مبني على الكسر في محل جر " المستكملين " نعت لآل، مجرور بالياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها، لانه جمع مذكر سالم، وفيه ضمير مستتر هو فاعله " الشرفا "
بفتح الشين: مفعول به للمستكملين، منصوب بالفتحة الظاهرة، والالف للاطلاق، أو بضم الشين نعت ثان للآل، مجرور بكسرة مقدرة على الالف، إذ هو مقصور من الممدود - وأصله " الشرفاء " جمع شريف ككرماء وظرفاء وعلماء في جمع كريم وظريف وعليم - وعلى هذا الوجه يكون مفعول قوله المستكملين محذوفا، وكأنه قد قال: مصليا على الرسول المصطفى وعلى آله المستكملين أنواع الفضائل الشرفاء. (1) " وأستعين " الواو حرف عطف، أستعين: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " الله " منصوب على التعظيم، والجملة من الفعل وفاعله وما تعلق به من المعمولات في محل نصب معطوفة على الجملة السابقة الواقعة مفعولا به لقال " في ألفيه " جار ومجرور متعلق بأستعين " مقاصد " مبتدأ، ومقاصد مضاف و " النحو " مضاف إليه " بها " جار ومجرور متعلق بمحوية " محويه " خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل جر نعت أول لالفية. (2) " تقرب " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى ألفية " الاقصى " مفعول به لتقرب " بلفظ " جار ومجرور متعلق بتقرب " موجز " نعت للفظ " وتبسط " الواو حرف عطف، تبسط: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى ألفية أيضا " البذل " مفعول به لتبسط " بوعد " جار ومجرور متعلق بتبسط " منجز " نعت لوعد، وجملتا الفعلين المضارعين اللذين هما " تقرب " و " تبذل " مع فاعليهما الضميرين المستترين وما يتعلق بكل منهما في محل جر عطف على الجملة الواقعة نعتا لالفية، والجملتان نعتان ثان وثالث لالفية. (3) " وتقتضي " الواو حرف عطف، تقتضي: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى ألفية " رضا " مفعول به لتقتضي " بغير " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لرضا، وغير مضاف و " سخط " مضاف إليه " فائقة " = (*)
[ 12 ]
وهو بسبق حائز تفضيلا مستوجب ثنائي الجميلا (1) والله يقضي بهبات وافره لي وله في درجات الآخره (2).
= حال من الضمير المستتر في تقتضي، وفاعل فائقة ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " ألفية " مفعول به لاسم الفاعل، وألفية مضاف و " ابن " مضاف إليه، وابن مضاف و " معط " مضاف إليه، وجملة " تقتضي " مع فاعله وما تعلق به من المعمولات في محل جر عطف على الجملة الواقعة نعتا لالفية أيضا. (1) " وهو " الواو للاستئناف، وهو: ضمير منفصل مبتدأ " بسبق " جار ومجرور متعلق بحائز الآتي بعد، والباء للسببية " حائز " خبر المبتدأ " تفضيلا " مفعول به لحائز، وفاعله ضمير مستتر فيه " مستوجب " خبر ثان لهو، وفاعله ضمير مستتر فيه " ثنائي " ثناء: مفعول به لمستوجب، وثناء مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " الجميلا " نعت لثناء، والالف للاطلاق. (2) " والله " الواو للاستئناف، ولفظ الجلالة مبتدأ " يقضي " فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الله، والجملة من الفعل الذي هو يقضي والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ " بهبات " جار ومجرور متعلق بيقضي " وافره " نعت لهبات " لي، وله، في درجات " كل واحد منهن جار ومجرور وكلهن متعلقات بيقضي، ودرجات مضاف و " الاخرة مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وسكنه لاجل الوقوف، وكان من حق المسلمين عليه أن يعمهم بالدعاء، ليكون ذلك أقرب إلى الاجابة. تنبيه: ابن معط هو الشيخ زين الدين، أبو الحسين، يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور - الزواوي نسبة إلى زواوة، وهي قبيلة كبيرة كانت تسكن بظاهر بجاية من أعمال إفريقيا الشمالية - الفقيه الحنفي. ولد في سنة 564، وأقرأ العربية مدة بمصر ودمشق، وروى عن القاسم بن عساكر وغيره، وهو أجل تلامذة الجزولي، وكان من المتفردين بعلم العربية، وهو صاحب الالفية المشهورة وغيرها من الكتب الممتعة، وقد طبعت ألفيته في أوربا،
وللعلماء عليها عدة شروح. وتوفى في شهر ذي القعدة من سنة 628 بمصر، وقبره قريب من تربة الامام الشافعي رضي الله عنهم جميعا (انظر ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد 5 / 129، وفي بغية الوعاة للسيوطي ص 416، وانظر النجوم الزاهرة 6 / 278. (*)
[ 13 ]
الكلام وما يتألف منه (1) كلامنا لفظ مفيد: كاستقم واسم، وفعل، ثم، حرف - الكلم (2) واحده كلمة، والقول عم، وكلمة بها كلام قد يؤم (3).
(1) " الكلام " خبر لمبتدأ محذوف على تقدير مضافين، وأصل نظم الكلام " هذا باب شرح الكلام وشرح ما يتألف الكلام منه " فحذف المبتدأ - وهو اسم الاشارة - ثم حذف الخبر وهو الباب، فأقيم " شرح " مقامه، فارتفع ارتفاعه، ثم حذف " شرح " أيضا وأقيم " الكلام " مقامه، فارتفع كما كان الذي قبله " وما " الواو عاطفة و " ما " اسم موصول معطوف على الكلام بتقدير مضاف: أي شرح ما يتألف، و " يتألف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الكلام، و " منه " جار ومجرور متعلق بيتألف، والجملة من الفعل الذي هو يتألف والفاعل لا محل لها من الاعراب صلة الموصول. (2) " كلامنا " كلام: مبتدأ، وهو مضاف ونا مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر " لفظ " خبر المبتدأ " مفيد " نعت للفظ، وليس خبرا ثانيا " كاستقم " إن كان مثالا فهو جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كاستقم وإن كان من تمام تعريف الكلام فهو جار ومجرور أيضا متعلق بمحذوف نعت لمفيد " واسم " خبر مقدم " وفعل، ثم حرف " معطوفان عليه الاول بالواو والثاني بثم " الكلم " مبتدأ مؤخر، وكأنه قال: كلام النحاة هو اللفظ الموصوف بوصفين أحدهما
الافادة والثاني التركيب المماثل لتركيب استقم، والكلم ثلاثة أنواع أحدها الاسم وثانيها الفعل وثالثها الحرف، وإنما عطف الفعل على الاسم بالواو لقرب منزلته منه حيث يدل كل منهما على معنى في نفسه، وعطف الحرف بثم لبعد رتبته. (3) " واحده كلمة " مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة لا محل لها من الاعراب " والقول " مبتدأ " عم " يجوز أن يكون فعلا ماضيا، وعلى هذا يكون فاعله ضميرا مستترا فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القول، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون " عم " اسم تفضيل - وأصله أعم - حذفت همزته كما = (*)
[ 14 ]
الكلام المصطلح عليه عند النحاه عبارة عن " اللفظ المفيد فائدة يحسن السك عليها " فاللفظ: جنس يشمل الكلام، والكلمة، والكلم، ويشمل المهمل ك " ديز " والمستعمل ك " عمرو "، ومفيد: أخرج المهمل، و " فائدة يحسن السكوت عليها " أخرج الكلمة، وبعض الكلم وهو ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر ولم يحسن السكوت عليه - نحو: إن قام زيد. ولا يتركب الكلام إلا من اسمين، نحو " زيد قائم "، أو من فعل واسم ك " قام زيد " وكقول المصنف " استقم " فإنه كلام مركب من فعل أمر وفاعل مستتر، والتقدير: استقم أنت، فاستغنى بالمثال عن أن يقول " فائدة يحسن السكوت عليها " فكأنه قال: " الكلام هو اللفظ المفيد فائدة كفائدة استقم ". وإنما قال المصنف " كلامنا " ليعلم أن التعريف إنما هو للكلام في اصطلاح النحويين، لا في اصطلاح اللغويين، وهو في اللغة: اسم لكل ما يتكلم به، مفيدا كان أو غير مفيد..
= حذفت من خير وشر لكثرة استعمالهما وأصلهما أخير وأشر، بدليل مجيئهما على الاصل أحيانا، كما في قول الراجز:
* بلال خير الناس وابن الاخير * وقد قرئ (سيعلمون غدا من الكذاب الاشر) بفتح الشين وتشديد الراء، وعلى هذا يكون أصل " عم " أعم كما قلنا، وهو على هذا الوجه خبر للمبتدأ " وكلمة " مبتدأ أول " بها " جار ومجرور متعلق بيؤم الآتي " كلام " مبتدأ ثان " قد " حرف تقليل " يؤم " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على كلام، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول، ومعنى " يؤم " يقصد، وتقدير البيت: ولفظ كلمة معنى الكلام قد يقصد بها، يعني أن لفظ الكلمة قد يطلق ويقصد بها المعنى الذي يدل عليه لفظ الكلام، ومثال ذلك ما ذكر الشارح من = (*)
[ 15 ]
والكلم: اسم جنس (1) واحده كلمة، وهي: إما اسم، وإما فعل، وإما حرف، لانها إن دلت على معنى في نفسها غير مقترنة بزمان فهي الاسم، وإن اقترنت بزمان فهي الفعل، وإن لم تدل على معنى في نفسها بل في غيرها - فهي الحرف. والكلم: ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر، كقولك: إن قام زيد. والكلمة: هي اللفظ الموضوع لمعنى مفرد، فقولنا " الموضوع لمعنى " أخرج المهمل كديز، وقولنا " مفرد " أخرج الكلام، فإنه موضوع لمعنى غير مفرد.
= أنهم قالوا " كلمة الاخلاص " وقالوا " كلمة التوحيد " وأرادوا بذينك قولنا: " لا إله إلا الله " وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: " أفضل كلمة قالها شاعر كلمة لبيد " وهو يريد قصيدة لبيد بن ربيعة العامري التي أولها: ألا كل شئ ما خلا الله باطل * * وكل نعيم لا محالة زائل (1) اسم الجنس على نوعين: أحدهما يقال له اسم جنس جمعي، والثاني يقال له اسم جنس إفرادي، فأما اسم الجنس الجمعي فهو " ما يدل على أكثر من اثنين،
ويفرق بينه وبين واحده بالتاء "، والتاء غالبا تكون في المفرد كبقرة وبقر وشجرة وشجر، ومنه كلم وكلمة، وربما كانت زيادة التاء في الدال على الجمع مثل كم ء للواحد وكمأة للكثير، وهو نادر. وقد يكون الفرق بين الواحد والكثير بالياء، كزنج وزنجي، وروم ورومي، فأما اسم الجنس الافرادي فهو " ما يصدق على الكثير والقليل واللفظ واحد " كماء وذهب وخل وزيت. فإن قلت: فإني أجد كثيرا من جموع التكسير يفرق بينها وبين مفردها بالتاء كما يفرق بين اسم الجنس الجمعي وواحده، نحو قرى وواحدة قرية، ومدى وواحدة مدية، فبماذا أفرق بين اسم الجنس الجمعي وما كان على هذا الوجه من الجموع ؟. فالجواب على ذلك أن تعلم أن بين النوعين اختلافا من وجهين، الوجه الاول: أن الجمع لابد أن يكون على زنة معينة من زنات الجموع المحفوظة المعروفة، فأما اسم الجنس الجمعي فلا يلزم فيه ذلك، أفلا ترى أن بقرا وشجرا وثمرا لا يوافق زنة من زنات الجمع ! والوجه الثاني: أن الاستعمال العربي جرى على أن الضمير وما أشبهه يرجع إلى اسم الجنس الجمعي مذكرا كقول الله تعالى: (إن البقر تشابه علينا) وقوله جل شأنه: (إليه = (*)
[ 16 ]
ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ! أن القول يعم الجميع، والمراد أنه يقعلى الكلام أنه قول، ويقع أيضا على الكلم والكلمة أنه قول، وزعم بعضهم أن الاصل استعماله في المفرد. ثم ذكر المصنف أن الكلمة قد يقصد بها الكلام، كقولهم في " لا إله إلا الله ": " كلمة الاخلاص ". وقد يجتمع الكلام والكلم في الصدق، وقد ينفرد أحدهما. فمثال اجتماعهما " قد قام زيد " فإنه كلام، لافادته معنى يحسن السكوت عليه، وكلم، لانه مركب من ثلاث كلمات.
ومثال انفراد الكلم " إن قام زيد " (1). ومثال انفراد الكلام " زيد قائم " (2). * * * بالجر والتنوين والندا، وأل ومسند للاسم تمييز حصل (3) ذكر - المصنف رحمه الله تعالى ! - في هذا البيت علامات الاسم..
= يصعد الكلم الطيب) فأما الجمع فإن الاستعمال العربي جرى على أن يعود الضمير إليه مؤنثا، كما تجد في قوله تعالى: (لهم غرف من فوقها غرف مبنية) وقوله سبحانه: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الانهار)، وكقول الشاعر: في غرف الجنة العليا التي وجبت لهم هناك بسعي كان مشكور (1) لم يكن هذا المثال ونحوه كلاما لانه لا يفيد معنى يحسن السكوت عليه. (2) لم يكن هذا المثال ونحوه كلما لانه ليس مؤلفا من ثلاث كلمات. (3) " بالجر " جار ومجرور متعلق بقوله " حصل " الآتي آخر البيت، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف خبر مقدم مبتدؤه المؤخر هو قوله " تمييز " الآتي " والتنوين، والندا، وأل، ومسند " كلهن معطوفات على قوله الجر " للاسم " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم إن جعلت قوله بالجر متعلقا بحصل، فإن جعلت بالجر خبرا مقدما - وهو الوجه الثاني - كان هذا متعلقا بحصل " تمييز " مبتدأ مؤخر، وقد عرفت أن خبره واحد = (*)
[ 17 ]
فمنها الجر، وهو يشمل الجر بالحرف والاضافة والتبعية، نحو " مررت بغلام زيد الفاضل " فالغلام: مجرور بالحرف، وزيد: مجرور بالاضافة، والفاضل: مجرور بالتبعية، وهو أشمل من قول غيره " بحرف الجر "، لان هذا لا يتناول الجر بالاضافة، ولا الجر بالتبعية.
ومنها التنوين، وهو على أربعة أقسام: تنوين التمكين، وهو اللاحق للاسماء المعربة، كزيد، ورجل، إلا جمع المؤنث السالم، نحو " مسلمات " وإلا نحو " جوار، وغواش " وسيأتي حكمهما. وتنوين التنكير، وهو اللاحق للاسماء المبنية فرقا بين معرفتها ونكرتها، نحو " مررت بسيبويه وبسيبويه آخر ". وتنوين المقابلة، وهو اللاحق لجمع الآمؤنث السالم، نحو " مسلمات " فإنه في مقابلة النون في جمع المذكر السالم كمسلمين. وتنوين العوض، وهو على ثلاثة أقسام: عوض عن جملة، وهو الذي يلحق " إذ " عوضا عن جملة تكون بعدها، كقوله تعالى: (وأنتم حينئذ تنظرون) أي: حين إذ بلغت الروح الحلقوم، فحذف " بلغت الروح الحلقوم " وأتى بالتنوين عوضا عنه، وقسم يكون عوضا عن اسم، وهو اللاحق ل " كل " عوضا عما تضاف إليه، نحو " كل قائم " أي: " كل إنسان قائم " فحذف " إنسان " وأتى بالتنوين عوضا عنه (1)،.
= من اثنين " حصل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تمييز، والجملة في محل رفع نعت لتمييز، وتقدير البيت: التمييز الحاصل بالجر والتنوين والندا وأل والاسناد كائن للاسم، أو التمييز الحاصل للاسم عن أخويه الفعل والحرف كائن بالجر والتنوين والنداء وأل والاسناد: أي كائن بكل واحد من هذه الخمسة. (1) في نسخة " وهو أقسام " بدون ذكر العدد، والمراد - على ذكر العدد - أن المختص بالاسم أربعة أقسام. (2) ومنه قول الله تعالى: (قل كل يعمل على شاكلته) وقوله جل شأنه: (كل له قانتون) وقوله تباركت كلماته: (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك)، ومثل = (2 - شرح ابن عقيل 1) (*)
[ 18 ]
وقسم يكون عوضا عن حرف، وهو اللاحق ل " جوار، وغواش " ونحوهما
رفعا وجرا، نحو " هؤلاء جوار، ومررت بجوار " فحذفت الياء وأتى بالتنوين عوضا عنها. وتنوين الترنم (1)، وهو الذي يلحق القوافي المطلقة بحرف علة، كقوله: 1 - أقلي اللوم - عاذل - والعتابن وقولي - إن أصبت -: لقد أصابن.
= كل في هذا الموضوع كلمة " بعض " ومن شواهد خذف المفرد الذي من حق " بعض " أن يضاف إليه والاتيان بالتنوين عوضا عنه قول رؤية بن العجاج في مطلع أرجوزة طويلة يمدح فيها تميما: داينت أروى والديون تقضى فمطلت بعضا وأدت بعضا يريد فمطلت بعض الدين وأدت بعضه الآخر. (1) هذا النوع خامس وقد ذكره وما بعده استطرادا. 1 - هذا بيت من الطويل، لجرير بن عطية بن الخطفى، أحد الشعراء المجيدين، وثالث ثلاثة ألقيت إليهم مقادة الشعراء في عصر بني أمية، وأولهم الفرزدق، وثانيهم الاخطل. اللغة: " أقلي " أراد منه في هذا البيت معنى اتركي، والعرب تستعمل القلة في معنى النفي بتة، يقولون: قل أن يفعل فلان كذا، وهم يريدون أنه لا يفعله أصلا " اللوم " العذل والتعنيف " عاذل " اسم فاعل مؤنث بالتاء المحذوفة للترخيم، وأصله عاذلة، من العذل وهو اللوم في تسخط، و " العتاب " التقريع على فعل شئ أو تركه. المعنى: اتركي أيتها العاذلة هذا اللوم والتعنيف، فإني لن أستمع لما تطلبين: من الكف عما آتى من الامور، والفعل لما أذر منها، وخير لك أن تعترفي بصواب ما أفعل الاعراب: " أقلي " فعل أمر - من الاقلال - مسند للياء التي لمخاطبة الواحدة مبني على حذف النون، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل، مبني على السكون في محل رفع " اللوم " مفعول به لاقلي " عاذل " منادى مرخم حذفت منه ياء النداء، مبني على ضم
الحرف المحذوف في محل نصب، وأصله يا عاذلة " والعتابا " الواو عاطفة، العتابا: معطوف على اللوم " وقولي " فعل أمر، والياء فاعله " إن " حرف شرط " أصبت " (*)
[ 19 ]
فجئ بالتنوين بدلا من الالف لاجل الترنم، وكقوله: 2 - أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قدن.
= فعل ماض فعل الشرط، وتاء المتكلم أو المخاطبة فاعله. وهذا اللفظ يروى بضم الياء على أنها للمتكلم، وبكسرها على أنها للمخاطبة " لقد أصابا " جملة في محل نصب مقول القول، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله، والتقدير: إن أصبت فقولي لقد أصابا، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها معترضة بين القول ومقوله. الشاهد فيه: قوله: " والعتابن، وأصابن " حيث دخلهما، في الانشاد، تنوين الترنم، وآخرهما حرف العلة، وهو هنا ألف الاطلاق، والقافية التي آخرها حرف علة تسمى مطلقة. 2 - هذا البيت للنابغة الذبياني، أحد فحول شعراء الجاهلية، وثالث شعراء الطبقة الاولى منهم، والحكم في سوق عكاظ، من قصيدة له يصف فيها المنجردة زوج النعمان ابن المنذر، ومطلعها: من آل مية رائح أو مغتدي عجلان ذا زاد وغير مزود ؟ اللغة: " رائح " اسم فاعل من راح يروح رواحا، إذا سار في وقت العشى " مغتدى " اسم فاعل من اغتدى الرجل يغتدى، إذا سار في وقت الغداة، وهي من الصبح إلى طلوع الشمس، وأراد بالزاد في قوله " عجلان ذا زاد " ما كان من تسليم مية عليه أوردها تحيته " أزف " دنا وقرب، وبابه طرب، ويروى " أفد " وهو بوزنه ومعناه " الترحل " الارتحال " تزل " - مضموم الزاي - مضارع زال، وأصله - تزول، فحذفت الواو - عند الجزم للتخلص من التقاء الساكنين. المعنى: يقول في البيت الذي هو المطلع: أتمضي أيها العاشق مفارقا أحبابك اليوم
مع العشى أو غدا مع الغداة ؟ وهل يكون ذلك منك وأنت عجلان، تزودت منهم أو لم تنزود، ثم يقول في البيت الشاهد: لقد قرب موعد الرحيل، إلا أن الركاب لم تغادر مكان أحبابنا بما عليها من الرحال، وكأنها قد زالت لقرب موعد الفراق. الاعراب: " أزف " فعل ماض " الترحل " فاعل " غير " نصب على الاستثناء " أن " حرف توكيد ونصب " ركابنا " ركاب: اسم أن، والضمير المتصل مضاف إليه " لما " حرف نفي وجزم " تزل " فعل مضارع مجزوم بلما " برحالنا " برحال: جار = (*)
[ 20 ]
والتنوين الغالي - وأثبته الاخفش - وهو الذي يلحق القوافي المقيدة، كقوله: * وقاتم الاعماق خاوي المخترقن *.
= ومجرور متعلق بتزول، ورحال مضاف و " نا " مضاف إليه " كأن " حرف تشبيه ونصب، واسمها ضمير الشأن، وخبرها جملة محذوفة تقديرها " وكأن قد زالت " فحذف الفعل وفاعله المستتر فيه، وأبقى الحرف الذي هو قد. الشاهد فيه: في هذا البيت شاهدان للنحاة، أولهما دخول التنوين الذي للترنم على الحرف، وهو قد، فذلك يدل على أن تنوين الترنم لا يختص بالاسم، لان الشئ إذا اختص بشئ لم يجئ مع غيره، والثاني في تخفيف " كأن " التي للتشبيه، ومجئ اسمها ضمير الشأن، والفصل بينها وبين خبرها بقد، لان الكلام إثبات. ولو كان نفيا لكان الفصل بلم، كما في قوله تعالى: (كأن لم يغنوا فيها) ومثل هذا البيت في الاستشهاد على ذلك قول الشاعر: لا يهولنك اصطلاء لظى الحرب، فمحذورها كأن قد ألما وسيأتي شرح ذلك في باب إن وأخواتها. 3 - هذا البيت لرؤبة بن العجاج، أحد الرجاز المشهورين، وأمضغهم للشيح
والقيصوم، والذي أخذ عنه العلماء أكثر غريب اللغة، وكان في عصر بني أمية، وبعده: * مشتبه الاعلام لماع الخفقن * اللغة: " القاتم " كالاقتم: الذي تعلوه القتمة، وهي لون فيه غبرة وحمرة، و " أعماق " جمع عمق - بفتح العين، وتضم - وهو: ما بعد من أطراف الصحراء. و " الخاوى " الخالى، و " المخترق " مهب الرياح، وهو اسم مكان من قولهم: خرق المفازة واخترقها، إذا قطعها ومر فيها، و " الاعلام " علامات كانوا يضعونها في الطريق للاهتداء بها، واحدها علم بفتح العين واللام جميعا، و " الخفق " اضطراب السراب، وهو الذي تراه نصف النهار كأنه ماء، وأصله بسكون الفاء، فحركها بالفتح ضرورة. المعنى: كثير من الامكنة التي لا يهتدى أحد إلى السير فيها لشدة التباسها وخفأئها قد أعملت فيها ناقتي وسرت فيها، يريد أنه شجاع شديد الاحتمال، أو أنه عظيم الخبرة بمسالك الصحراء. = (*)
[ 21 ]
وظاهر كلام المصنف أن التنوين كله من خواص الاسم، وليس كذلك، بل الذي يختص به الاسم إنما هو تنوين التمكين، والتنكير، والمقابلة، والعوض، وأما تنوين الترنم والغالي فيكونان في الاسم والفعل والحرف (1). ومن خواص الاسم النداء، نحو " يا زيد "، والالف واللام، نحو " الرجل " والاسناد إليه، نحو " زيد قائم ". فمعنى البيت: حصل للاسم تمييز عن الفعل والحرف: بالجر، والتنوين، والنداء، والالف واللام، والاسناد إليه: أي الاخبار عنه. واستعمل المصنف " أل " مكان الالف واللام، وقد وقع ذلك في عبارة بعض المتقدمين وهو الخليل واستعمل المصنف " مسند " مكان " الاسناد له ". * * *
.
= الاعراب: " وقاتم " الواو واو رب، قاتم: مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وقاتم مضاف و " الاعماق " مضاف إليه " خاوى " صفة لقاتم، وخاوى مضاف و " المخترق " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة، وسكنه لاجل الوقف، وخبر المبتدأ جملة من فعل ماض وفاعل في محل رفع، وذلك في قوله بعد أبيات: * تنشطته كل مغلاة الوهق * الشاهد فيه: قوله " المخترقن " و " الخفقن " حيث أدخل عليهما التنوين مع اقتران كل واحد منهما بأل، ولو كان هذا التنوين مما يختص بالاسم لم يلحق الاسم المقترن بأل، وإذا كان آخر الكلمة التي في آخر البيت حرفا صحيحا ساكنا كما هنا تسمى القافية حينئذ " قافية مقيدة ". (1) هذا الاعتراض لا يرد على الناظم، لان تسمية نون الترنم والنون التي تلحق القوافي المطلقة تنوينا إنما هي تسمية مجازية، وليست من الحقيقة التي وضع لها لفظ التنوين، فأنت لو أطلقت لفظ التنوين على المعنى الحقيقي الذي وضع له لم يشملهما، والاصل أن يحمل اللفظ على معناه الحقيقي، ولذلك نرى أنه لا غبار على كلام الناظم. (*)
[ 22 ]
بتا فعلت وأتت، ويا افعلي، ونون أقبلن - فعل ينجلي (1) ثم ذكر المصنف أن الفعل يمتاز عن الاسم والحرف بتاء " فعلت " والمراد بها تاء الفاعل، وهي المضمومة للمتكلم، نحو " فعلت " والمفتوحة للمخاطب، نحو " تباركت " والمكسورة للمخاطبة، نحو " فعلت ". ويمتاز أيضا بتاء " أتت "، والمراد بها تاء التأنيث الساكنة، نحو " نعمت " و " بئست " فاحترزنا بالساكنة عن اللاحقة للاسماء، فإنها تكون متحركة بحركة الاعراب، نحو " هذه مسلمة، ورأيت مسلمة، ومررت بمسلمة " ومن
اللاحقة للحرف، نحو " لات، وربت، وثمت (1) " وأما تسكينها مع رب وثم فقليل، نحو " ربت وثمت "..
(1) " بتا " جار ومجرور متعلق بينجلى الواقع هو وفاعله الضمير المستتر فيه في محل رفع خبرا عن المبتدأ، فإن قلت: يلزم تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ وهو لا يجوز، قلت: إن ضرورة الشعر هي التي ألجأته إلى ذلك، وإن المعمول لكونه جارا ومجرورا يحتمل فيه ذلك التقدم الذي لا يسوغ في غيره، وتا مضاف و " فعلت " قصد لفظه: مضاف إليه " وأتت " الواو حرف عطف، أتت: قصد لفظه أيضا: معطوف على فعلت " ويا " معطوف على تاء، ويا مضاف و " افعلي " مضاف إليه، وهو مقصود لفظه أيضا " ونون " الواو حرف عطف، نون: معطوف على تاء، وهو مضاف و " أقبلن " قصد لفظه: مضاف إليه " فعل " مبتدأ " ينجلى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. (2) أما دخول التاء على " لا " فأشهر من أن يستدل عليه، بل قد استعملت " لات " حرف نفي بكثرة، وورد استعماله في فصيح الكلام، ومن ذلك قوله تعالى: (ولات حين مناص) وأما دخولها على رب ففي نحو قول الشاعر: وربت سائل عني حفي أعارت عينه أم لم تعارا ونحو قول الآخر: ماوي يا ربتما غارة شعواء كاللذعة بالميسم = (*)
[ 23 ]
ويمتاز أيضا بياء " أفعلي " والمراد بها ياء الفاعلة، وتلحق فعل الامر، نحو " اضربي " والفعل المضارع، نحو " تضربين " ولا تلحق الماضي. وإنما قال المصنف " يا افعلي "، ولم يقل " ياء الضمير " لان هذه تدخل فيها ياء المتكلم، وهي لا تختص بالفعل، بل تكون فيه نحو " أكرمني " وفي الاسم
نحو " غلامي " وفي الحرف نحو " إني " بخلاف ياء " أفعلي " فإن المراد بها ياء الفاعلة على ما تقدم، وهي لا تكون إلا في الفعل. ومما يميز الفعل نون " أقبلن " والمراد بها نون التوكيد: خفيفة كانت، أو ثقيلة، فالخفيفة نحو قوله تعالى: (لنسفعا بالناصية) والثقيلة نحو قوله تعالى: (لنخرجنك يا شعيب). فمعنى البيت: ينجلى الفعل بتاء الفاعل، وتاء التأنيث الساكنة، وياء الفاعلة، ونون التوكيد. * * * سواهما الحرف كهل وفي ولم فعل مضارع يلي لم كيشم (1).
= وأما دخولها على ثم ففي نحو قول الشاعر: ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمت قلت لا يعنيني (1) " سواهما " سوى: خبر مقدم مرفوع بضمة مقدرة على الالف منع من ظهورها التعذر، وسوى مضاف والضمير مضاف إليه " الحرف " مبتدأ مؤخر، ويجوز العكس، لكن الاولى ما قدمناه " كهل " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير " وذلك كهل " " وفي ولم " معطوفان على هل " فعل " مبتدأ " مضارع " نعت له " يلي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فعل مضارع، والجملة خبر المبتدأ " لم " مفعول به ليلى، وقد قصد لفظه " كيشم " جار ومجرور متعلق بمحذوف يقع خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كيشم، وتقدير البيت كله: الحرف سوى الاسم والفعل، وذلك كهل وفي ولم، والفعل المضارع يلي لم، وذلك كائن = (*)
[ 24 ]
وماضي الافعال بالتامز، وسم بالنون فعل الامر، إن أمر فهم (1) يشير إلى أن الحرف يمتاز عن الاسم والفعل بخلوه عن علامات الاسماء،
وعلامات الافعال، ثم مثل ب " هل وفي ولم " منبها على أن الحرف ينقسم إلى قسمين: مختص، وغير مختص، فأشار بهل إلى غير المختص، وهو الذي يدخل على الاسماء والافعال، نحو " هل زيد قائم " و " هل قام زيد "، وأشار بفي ولم إلى المختص، وهو قسمان: مختص بالاسماء كفى، نحو " زيد في الدار "، ومختص بالافعال كلم، نحو " لم يقم زيد ". ثم شرع في تبيين أن الفعل ينقسم إلى ماض ومضارع وأمر، فجعل علامة.
= كيشم، ويشم فعل مضارع ماضيه قولك: شممت الطيب ونحوه - من باب فرح - إذا نشقته، وفيه لغة أخرى من باب نصر ينصر حكاها الفراء. (1) " وماضي " الواو للاستئناف، ماضي: مفعول به مقدم لقوله مز الآتي، وماضي مضاف و " الافعال " مضاف إليه " بالتا " جار ومجرور متعلق بمز " مز " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " وسم " الواو عاطفة أو للاستئناف سم: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بالنون " جار ومجرور متعلق بسم " فعل " مفعول به لسم، وفعل مضاف و " الامر " مضاف إليه " إن " حرف شرط " أمر " نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، وتقديره: إن فهم أمر " فهم " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على أمر، والجملة من الفعل ونائب فاعله لا محل لها من الاعراب تفسيرية، وجواب الشرط محذوف يدل عليه المذكور. وتقديره " إن فهم أمر فسم بالنون إلخ ". وتقدير البيت: ميز الماضي من الافعال بقبول التاء التي ذكرنا أنها من علامات كون الكلمة فعلا، وعلم فعل الامر بقبول النون إن فهم منه الطلب. ومز: أمر من ماز الشئ يميزه ميزا مثل باع يبيع بيعا إذا ميزه، وسم: أمر من وسم الشئ يسمه وسما مثل وصفه يصفه وصفا إذا جعل له علامة يعرفه بها، والامر قوله " إن أمر فهم " هو الامر اللغوي، ومعناه الطلب الجازم على وجه الاستعلاء. (*)
[ 25 ]
المضارع صحة دخول " لم " عليه، كقولك في يشم: " لم يشم " وفي يضرب: " لم يضرب "، وإليه أشار بقوله: " فعل مضارع يلي لم كيشم ". ثم أشار إلى ما يميز الفعل الماضي بقوله: " وماضي الافعال بالتامز " أي: ميز ماضي الافعال بالتاء، والمراد بها تاء الفاعل، وتاء التأنيث الساكنة، وكل منهما لايدخل إلا على ماضي اللفظ، نحو " تباركت يا ذا الجلال والاكرام " و " نعمت المرأة هند " و " بئست المرأة دعد ". ثم ذكر في بقية البيت أن علامة فعل الامر: قبول نون التوكيد، والدلالة على الامر بصيغته، نحو " اضربن، واخرجن ". فإن دلت الكلمة على الامر ولم تقبل نون التوكيد فهي أسم فعل (1)، وإلى ذلك أشار بقوله: والامر إن لم يك للنون محل فيه هو أسم نحو صه وحيهل (2).
(1) وكذا إذا دلت الكلمة على معنى الفعل المضارع ولم تقبل علامته وهي لم فإنها تكون اسم فعل مضارع، نحو أوه وأف، بمعنى أتوجع وأتضجر، وإن دلت الكلمة على معنى الفعل الماضي وامتنع قبولها علامته امتناعا راجعا إلى ذات الكلمة فإنها تكون اسم فعل ماض، نحو هيهات وشتان، بمعنى بعد وافترق، فإن كان امتناع قبول الكلمة الدالة على الماضي لا يرجع إلى ذات الكلمة، كما في فعل التعجب نحو: " ما أحسن السماء " وكما في " حبذا الاجتهاد " فإن ذلك لا يمنع من كون الكلمة فعلا. (2) " والامر " الواو عاطفة أو للاستئناف، الامر: مبتدأ " إن " حرف شرط " لم " حرف نفي وجزم " يك " فعل مضارع ناقص مجزوم بلم، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف، وأصله يكن " للنون " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر يك مقدما " محل " اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة، وسكن لاجل الوقف " فيه " جار
ومجرور متعلق بمحذوف نعت لمحل " هو اسم " مبتدأ وخبر، والجملة منهما في محل جزم جواب الشرط، وإنما لم يجئ بالفاء للضرورة. والجملة من الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ، أو تجعل جملة " هو اسم " في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو قوله = (*)
[ 26 ]
فصه وحيهل: اسمان وإن دلا على الامر، لعدم قبولهما نون التوكيد، فلا تقول: صهن ولا حيهلن، وإن كانت صه بمعنى اسكت، وحيهل بمعنى أقبل، فالفارق (1) بينهما قبول نون التوكيد وعدمه، نحو " اسكتن، وأقبلن "، ولا يجوز ذلك في " صه، وحيهل ". * * *.
= الامر في أول البيت، وتكون جملد جواب الشرط محذوفة دلت عليها جملة المبتدأ وخبره، والتقدير على هذا: والدال على الامر هو اسم إن لم يكن فيه محل للنون فهو اسم، وحذف جواب الشرط عندما لا يكون فعل الشرط ماضيا ضرورة أيضا، فالبيت لا يخلو من الضرورة " نحو " خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك نحو، ونحو مضاف و " صه " مضاف إليه، وقد قصد لفظه " وحيهل " معطوف على صه. (1) ثلاثة فوائد - الاولى: أسماء الافعال على ثلاثة أنواع، النوع الاول: ما هو واجب التنكير، وذلك نحو ويها وواها، والنوع الثاني: ما هو واجب التعريف، وذلك نحو نزال وتراك وبابهما، والثالث: ما هو جائز التنكير والتعريف، وذلك نحو صه ومه، فما نون وجوبا أو جوازا فهو نكرة، وما لم ينون فهو معرفة. والفائدة الثانية: توافق أسماء الافعال الافعال في ثلاثة أمور، أولها: الدلالة على المعنى، وثانيها: أن كل واحد من أسماء الافعال يوافق الفعل الذي يكون بمعناه في التعدي واللزوم غالبا، وثالثها: أنه يوافق الفعل الذي بمعناه في إظهار الفاعل وإضماره، ومن غير الغالب في التعدي نحو " آمين " فإنه لم يحفظ في كلام العرب تعديه لمفعول، مع أنه
بمعنى استجب وهو فعل متعد، وكذا " إيه " فإنه لازم مع أن الفعل الذي بمعناه وهو زدني متعد، وتخالفها في سبعة أمور، الاول: أنه لا يبرز معها ضمير، بل تقول " صه " بلفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع المذكر والمؤنث، بخلاف " اسكت " فإنك تقول: اسكتي، واسكتا، واسكتوا، واسكتن، والثاني أنها لا يتقدم معمولها عليها، فلا تقول: " زيدا عليك " كما تقول: " محمدا الزم " والثالث أنه يجوز توكيد الفعل توكيدا لفظيا باسم الفعل، تقول: انزل نزال، وتقول: اسكت صه، كما تقول: انزل انزل، واسكت اسكت، ولا يجوز توكيد اسم الفعل بالفعل، والرابع: أن الفعل إذا دل على الطلب جاز نصب = (*)
[ 27 ]
.
= المضارع في جوابه، فتقول: انزل فأحدثك، ولا يجوز نصب المضارع في جواب اسم الفعل ولو كان دالا على الطلب كصه ونزال، والخامس: أن أسماء الافعال لا تعمل مضمرة، بحيث تحذف ويبقى معمولها، ولا متأخرة عن معمولها، بل متى وجدت معمولا تقدم على اسم فعل تعين عليك تقدير فعل عامل فيه، فنحو قول الشاعر: يأيها المائح دلوي دونكا إني رأيت الناس يحمدونكا يقدر: خذ دلوى، ولا يجعل قوله: " دلوي " معمولا لدونكا الموجود، ولا لآخر مثله مقدر، على الاصح. والسادس: أن أسماء الافعال غير متصرفة، فلا تختلف أبنيتها لاختلاف الزمان، بخلاف الافعال. والسابع: أنها لا تقبل علامات الافعال كالنواصب والجوازم ونون التوكيد وياء المخاطبة وتاء الفاعل، وهو ما ذكره الشارح في هذا الموضع، فاحفظ هذا كله، وكن منه على ثبت، والله يتولاك. الفائدة الثالثة، اختلف النحاة في أسماء الافعال، فقال جمهور البصريين: هي أسما قامت مقام الافعال في العمل، ولا تتصرف تصرف الافعال بحيث تختلف أبنيتها لاختلاف الزمان، ولا تصرف الاسماء بحيث يسند إليها إسنادا معنويا فتقع مبتدأ وفاعلا، وبهذا فارقت الصفات كأسماء الفاعلين والمفعولين، وقال جمهور الكوفيين: إنها أفعال، لانها
تدل على الحدث والزمان، كل ما في الباب أنها جامدة لا تتصرف، فهي كليس وعسى ونحوهما، وقال أبو جعفر بن صابر: هي نوع خاص من أنواع الكلمة، فليست أفعالا وليست أسماء، لانها لا تتصرف تصرف الافعال ولا تصرف الاسماء، ولانها لا تقبل علامة الاسماء ولا علامة الافعال، وأعطاها أبو جعفر اسما خاصا بها حيث سماها " خالفة ". (*)
[ 28 ]
المعرب والمبني (1) والاسم منه معرب ومبني لشبه من الحروف مدني (2) يشير إلى أن الاسم ينقسم إلى قسمين: أحدهما المعرب، وهو: ما سلم من شبه الحروف، والثاني المبني، وهو: ما أشبه الحروف، وهو المعني بقوله: " لشبه من الحروف مدني " أي: لشبه مقرب من الحروف، فعلة البناء منحصرة عند المصنف - رحمه الله تعالى ! - في شبه الحرف، ثم نوع المصنف وجوه الشبه في البيتين اللذين بعد هذا البيت، وهذا قريب من مذهب أبي علي الفارسي حيث جعل البناء منحصرا في شبه الحرف أو ما تضمن معناه، وقد نص سيبويه - رحمه الله ! - على أن علة البناء كلها ترجع إلى شبه الحرف،.
(1) أي: هذا باب المعرب والمبني، وإعرابه ظاهر. (2) " والاسم " الواو للاستئناف، الاسم: مبتدأ أول " منه " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " معرب " مبتدأ مؤخر، والجملة منه ومن خبره خبر المبتدأ الاول، " ومبني " مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير " ومنه مبني " ولا يجوز أن تعطف قوله مبني على معرب، لانه يستلزم أن يكون المعنى أن بعض الاسم معرب ومبني في آن واحد، أو يستلزم أن بعض الاسم معرب ومبني وبعضه الآخر ليس بمعرب ولا مبني، وهو قول ضعيف أباه جمهور المحققين من النحاة " لشبه " جار ومجرور متعلق
بمبني، أو متعلق بخبر محذوف مع مبتدئه والتقدير: " وبناؤه ثابت لشبه " " من الحروف " جار ومجرور متعلق بشبه أو بمدني " مدني " نعت لشبه، وتقدير البيت: والاسم بعضه معرب وبعضه الآخر مبني، وبناء ذلك المبني ثابت لشبه مدن له من الحرف ومدني: اسم فاعل فعله أدنى، تقول: أدنيت الشئ من الشئ، إذا قربته منه، والياء فيه هنا ياء زائدة للاشباع، وليست لام الكلمة، لان ياء المنقوص المنكر غير المنصوب تحذف وجوبا. (*)
[ 29 ]
وممن ذكره ابن أبي الربيع (1). * * *.
(1) اعلم أنهم اختلفوا في سبب بناء بعض الاسماء: أهو شئ واحد يوجد في كل مبني منها أو أشياء متعددة يوجد واحد منها في بعض أنواع المبنيات وبعض آخر في نوع آخر، وهكذا ؟ فذهب جماعة إلى أن السبب متعدد، وأن من الاسباب مشابهة الاسم في المعنى للفعل المبني، ومثاله - عند هؤلاء - من الاسم: " نزال وهيهات " فإنهما لما أشبها " انزل وبعد " في المعنى بنيا، وهذا السبب غير صحيح، لانه لو صح للزم بناء نحو " سقيا لك " و " ضربا زيدا " فإنهما بمعنى فعل الامر وهو مبني. وأيضا يلزمه إعراب نحو " أف " و " أوه " ونحوهما من الاسماء التي تدل على معنى الفعل المضارع المعرب، ولم يقل بذلك أحد، وإنما العلة التي من أجلها بني " نزال " و " شتان " و " أوه " وغيرها من أسماء الافعال هي مشابهتها الحرف في كونها عاملة في غيرها غير معمولة لشئ، ألا ترى أنك إذا قلت نزال كان اسم فعل مبنيا على الكسر لا محل له من الاعراب، وكان له فاعل هو ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وهذا الفاعل هو المعمول لاسم الفعل، ولا يكون اسم الفعل أبدا متأثرا بعامل يعمل فيه، لا في لفظه ولا في محله.
وقال قوم منهم ابن الحاجب: إن من أسباب البناء عدم التركيب، وعليه تكون الاسماء قبل تركيبها في الجمل مبنية، وهو ظاهر الفساد، والصواب أن الاسماء قبل تركيبها في الجمل ليست معربة ولا مبنية، لان الاعراب والبناء حكمان من أحكام التراكيب، ألا ترى أنهم يعرفون الاعراب بأنه: أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل، أو يعرفونه بأنه: تغير أواخر الكلمات لاختلاف العوامل الداخلة عليها، والبناء ضده، فما لم يكن تركيب لا يجوز الحكم بإعراب الكلمة ولا ببنائها. وقال آخرون: إن من أسباب البناء أن يجتمع في الاسم ثلاثة أسباب من موانع الصرف، وعللوه بأن السببين يمنعان من صرف الاسم، وليس بعد منع الصرف إلا ترك الاعراب بالمرة، ومثلوا لذلك ب " حذام، وقطام " ونحوهما، وادعوا أن سبب بناء هذا الباب اجتماع العلمية، والتأنيث، والعدل عن حاذمة وقاطمة، وهو فاسد، فإنا وجدنا من الاسماء ما اجتمع فيه خمسة أسباب من موانع الصرف، وهو مع ذلك معرب، ومثاله " آذربيجان " فإن فيه العلمية والتأنيث والعجمة والتركيب وزيادة الالف والنون، = (*)
[ 30 ]
كالشبه الوضعي في اسمى جئتنا والمعنوي في متى وفي هنا (1) وكنيابة عن الفعل بلا تأثر، وكافتقار أصلا (2) ذكر في هذين البيتين وجوه شبه الاسم بالحرف في أربعة مواضع: (فالاول) شبهه له في الوضع، كأن يكون الاسم موضوعا على حرف.
= وليس بناء حذام ونحوه لما ذكروه، بل لمضارعته في الهيئة نزال ونحوه مما بنى لشبهه بالحرف في نيابته عن الفعل وعدم تأثره بالعامل. وقال قوم منهم الذين ذكرهم الشارح: إنه لا علة للبناء إلا مشابهة الحرف، وهو رأي الحذاق من النحويين، كل ما في الامر أن شبه الحرف على أنواع. (1) " كالشبه " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك
كائن كالشبه " الوضعي " نعت للشبه " في اسمى " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة للوضعي، واسمى مضاف و " جئتنا " قصد لفظه: مضاف إليه " والمعنوي " معطوف على الوضعي " في متى، وفي هنا " جاران ومجروران متعلقان بمحذوف نعت للمعنوي، وتقدير البيت: والشبه المدني من الحروف مثل الشبه الوضعي الكائن في الاسمين الموجودين في قولك " جئتنا " وهما تاء المخاطب و " نا " ومثل الشبه المعنوي الكائن في " متى " الاستفهامية والشرطية وفي " هنا " الاشارية. (2) " وكنيابة " الواو عاطفة، والجار والمجرور معطوف على كالشبه " عن الفعل " جار ومجرور متعلق بنيابة " بلا تأثر " الباء حرف جر، ولا: اسم بمعنى غير مجرور بالباء، وظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية، والجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لنيابة، ولا مضاف، وتأثر: مضاف إليه، مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية التي يقتضيها ما قبله " وكافتقار " الواو حرف عطف والجار والمجرور معطوف على كنيابة " أصلا " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على افتقار، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل جر نعت لافتقار، وتقدير البيت: ومثل النيابة عن الفعل في العمل مع أنه لا يتأثر بالعامل، ومثل الافتقار المتأصل، والافتقار المتأصل: هو الافتقار اللازم له الذي لا يفرقه في حالة من حالاته. (*)
[ 31 ]
[ واحد ]، كالتاء في ضربت، أو على حرفين ك " نا " في " أكرمنا "، وإذلك أشار بقوله: " في أسمى جئتنا " فالتاء في جئتنا اسم، لانه فاعل، وهو مبني، لانه أشبه الحرف في الوضع في كونه على حرف واحد، وكذلك " نا " اسم، لانها مفعول، وهو مبني، لشبهه بالحرف في الوضع في كونه على حرفين (1).
(والثاني) شبه الاسم له في المعنى، وهو قسمان: أحدهما ما أشبه حرفا موجودا، والثاني ما أشبه حرفا غير موجود، فمثال الاول " متى " فإنها مبنية لشبهها..
(1) الاصل في وضع الحرف أن يكون على حرف هجاء واحد كباء الجر ولامه وكافه وفاء العطف وواوه وألف الاستفهام وما شاكل ذلك، أو على حرفي هجاء ثانيهما لين كلا وما النافيتين، والاصل في وضع الاسم أن يكون على ثلاثة أحرف فصاعدا كما لا يحصى من الاسماء، فما زاد من حروف المعاني على حرفين من حروف الهجاء مثل إن وليت وإلا وثم ولعل ولكن فهو خارج عن الاصل في نوعه، وما نقص من الاسماء عن ثلاثة الاحرف كتاء الفاعل ونا وأكثر الضمائر فهو خارج عن الاصل في نوعه، وما خرج من الحروف عن الاصل في نوعه قد أشبه الاسماء، وما خرج من الاسماء عن الاصل في نوعه أشبه الحروف، وكلا الشبهين راجع إلى الوضع، وكان ذلك يقتضى أن يأخذ المشبه حكم المشبه به في الموضعين، إلا أنهم أعطوا الاسم الذي يشبه الحرف حكم الحرف وهو البناء، ولم يعطوا الحرف الذي أشبه الاسم حكم الاسم وهو الاعراب لسببين، أولهما أن الحرف حين أشبه الاسم قد أشبهه في شئ لا يخصه وحده، فإن الاصل في وضع الفعل أيضا أن يكون على ثلاثة أحرف، بخلاف الاسم الذي قد أشبه الحرف، فإنه قد أشبهه في شئ يخصه ولا يتجاوزه إلى نوع آخر من أنواع الكلمة، والسبب الثاني: أن الحرف لا يحتاج في حالة ما إلى الاعراب، لان الاعراب إنما يحتاج إليه من أنواع الكلمة ما يقع في مواقع متعددة من التراكيب بحيث لا يتميز بعضها عن بعض بغير الاعراب، والحرف لا يقع في هذه المواقع المتعددة، فلم يكن ثمة ما يدعو إلى أن يأخذ حكم الاسم حين يشبهه، ومعنى هذا الكلام أن في مشابهة الحرف للاسم قد وجد المقتضى ولكن لم ينتف المانع، فالمقتضى هو شبه الاسم، والمانع هو عدم توارد المعاني المختلفة عليه، وشرط تأثير المقتضى أن ينتفى المانع. (*)
[ 32 ]
الحرف، في المعنى، فإنها تستعمل للاستفهام، نحو " متى تقوم ؟ " وللشرط، نحو " متى تقم أقم " وفي الحالتين هي مشبهة لحرف موجود، لانها في الاستفهام كالهمزة، وفي الشرط كإن، ومثال الثاني " هنا " فإنها مبنية لشبهها حرفا كان ينبغي أن يوضع فلم يوضع، وذلك لان الاشارة معنى من المعاني، فحقها أن يوضع لها حرف يدل عليها، كما وضعوا للنفي " ما " وللنهي " لا " وللتمني " ليت " وللترجي " لعل " ونحو ذلك، فبنيت أسماء الاشارة لشبهها في المعنى حرفا مقدرا (1). (والثالث) شبهه له في النيابة عن الفعل وعدم التأثر بالعامل، وذلك كأسماء الافعال، نحو " دراك زيدا " فدراك: مبني، لشبهه بالحرف في كونه يعمل ولا يعمل فيه غيره (2) كما أن الحرف كذلك..
(1) نقل ابن فلاح عن أبي علي الفارسي أن أسماء الاشارة مبنية لانها من حيث المعنى أشبهت حرفا موجودا، وهو أل العهدية، فإنها تشير إلى معهود بين المتكلم والمخاطب، ولما كانت الاشارة في هنا ونحوها حسية وفي أل العهدية ذهنية لم يرتض المحققون ذلك، وذهبوا إلى ما ذكره الشارح من أن أسماء الاشارة بنيت لشبهها في المعنى حرفا مقدرا. ونظير " هنا " فبما ذكرناه " لدى " فإنها دالة على الملاصقة والقرب زيادة على الظرفية، والملاصقة والقرب من المعاني التي لم تضع العرب لها حرفا، وأيضا " ما " التعجبية، فإنها دالة على التعجب، ولم تضع العرب للتعجب حرفا، فيكون بناء كل واحد من هذين الاسمين لشبهه في المعنى حرفا مقدرا، فافهم ذلك. (2) اسم الفعل ما دام مقصودا معناه لا يدخل عليه عامل أصلا، فضلا عن أن يعمل فيه، وعبارة الشارح كغيره توهم أن العوامل قد تدخل عليه ولكنها لا تؤثر فيه، فكان الاولى به أن يقول " ولا يدخل عليه عامل أصلا " بدلا من قوله " ولا يعمل فيه غيره " وقولنا " ما دام مقصودا منه معناه " نريد به الاشارة إلى أن اسم الفعل إذا لم يقصد به
معناه - بأن يقصد لفظه مثلا - فإن العامل قد يدخل عليه، وذلك كما في قول زهير ابن أبي سلمى المزني: = (*)
[ 33 ]
واحترز بقوله: " بلا تأثر " عما ناب عن الفعل وهو متأثر بالعامل، نحو " ضربا زيدا " فإنه نائب مناب " أضرب " وليس بمبني، لتأثره بالعامل، فإنه منصوب بالفعل المحذوف، بخلاف " دراك " فإنه وإن كان نائبا عن " أدرك " فليس متأثرا بالعامل. وحاصل ما ذكره المصنف أن المصدر الموضوع موضع الفعل وأسماء الافعال اشتركا في النيابة مناب الفعل، لكن المصدر متأثر بالعامل، فأعرب لعدم مشابهته الحرف، وأسماء الافعال غير متأثرة بالعامل، فبنيت لمشابهتها الحرف في أنها نائبة عن الفعل وغير متأثرة به. وهذا الذي ذكره المصنف مبني على أن أسماء الافعال لامحل لها من الاعراب والمسألة خلافية (1)، وسنذكر ذلك في باب أسماء الافعال.
ولنعم حشو الدرع أنت إذا دعيت نزال ولج في الذعر فنزال في هذا البيت مقصود بها اللفظ، ولذلك وقعت نائب فاعل، فهي مرفوعة بضمة مقدرة على آخرها منع من ظهوها اشتغال المحل بحركة البناء الاصلي، ومثله قول زيد الخيل: وقد علمت سلامة أن سيفي كريه كلما دعيت نزال ونظيرهما قول جريبة الفقعسي: عرضنا نزال فلم ينزلوا وكانت نزال عليهم أطم (1) إذا قلت " هيهات زيد " مثلا فللعلماء في إعرابه ثلاثة آراء: الاول وهو مذهب الاخفش، وهو الصحيح الذي رجحه جمهور علماء النحو أن هيهات اسم فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الاعراب، وزيد: فاعل مرفوع بالضمة،
وهذا الرأي هو الذي يجري عليه قول الناظم إن سبب البناء في أسماء الافعال كونها نائبة عن الفعل غير متأثرة بعامل لا ملفوظ به ولا مقدر، والثاني - وهو رأي سيبويه - أن هيهات مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع، فهو متأثر بعامل معنوي وهو الابتداء، وزيد: فاعل سد مسد الخبر، والثالث - وهو رأي المازني - أن هيهات مفعول مطلق = (3 - ابن عقيل 1) (*)
[ 34 ]
(والرابع) شبه الحرف في الافتقار اللازم، وإليه أشار بقوله: " وكافتقار أصلا " وذلك كالاسماء الموصولة، نحو " الذي " فإنها مفتقرة في سائر أحوالها إلى الصلة، فأشبهت الحرف في ملازمة الافتقار، فبنيت (1). وحاصل البيتين أن البناء يكون في ستة أبواب: المضمرات، وأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، وأسماء الاشارة، وأسماء الافعال، والاسماء الموصولة. * * *.
= لفعل محذوف من معناه، وزيد: فاعل به، وكأنك قلت: بعد بعدا زيد، فهو متأثر بعامل لفظي محذوف من الكلام، ولا يجري كلام الناظم على واحد من هذين القولين، الثاني والثالث، وعلة بناء اسم الفعل على هذين القولين تضمن أغلب ألفاظه - وهي الالفاظ الدالة على الامر منه - معنى لام الامر، وسائره محمول عليه، يعني أن اسم الفعل أشبه الحرف شبها معنويا، لا نيابيا. (1) زاد ابن مالك في شرح الكافية الكبرى نوعا خامسا سماه الشبه الاهمالي، وفسره بأن يشبه الاسم الحرف في كونه لا عاملا ولا معمولا. ومثل له بأوائل السور نحو " ألم، ق، ص " وهذا جار على القول بأن فواتح السور لا محل لها من الاعراب، لانها من المتشابه الذي لا يدرك معناه، وقيل: إنها في محل رفع على أنها مبتدأ خبره محذوف، أو خبر مبتدؤه محذوف، أو في محل نصب بفعل مقدر كاقرأ ونحوه، أو في محل جر بواو القسم المحذوفة، وجعل بعضهم من هذا النوع الاسماء قبل التركيب، وأسماء
الهجاء المسرودة، وأسماء العدد المسرودة، وزاد ابن مالك أيضا نوعا سادسا سماه الشبه اللفظي، وهو: أن يكون لفظ الاسم كلفظ حرف من حروف المعاني، وذلك مثل " حاشا " الاسمية، فإنها أشبهت " حاشا " الحرفية في اللفظ. واعلم أنه قد يجتمع في اسم واحد مبني شبهان فأكثر، ومن ذلك المضمرات، فإن فيها الشبه المعنوي، إذ التكلم والخطاب والغيبة من المعاني التي تتأدى بالحروف، وفيها الشبه الافتقاري، لان كل ضمير يفتقر افتقارا متأصلا إلى ما يفسره، وفيها الشبه الوضعي، فإن أغلب الضمائر وضع على حرف أو حرفين، وما زاد في وضعه على ذلك فمحمول عليه، طردا للباب على وتيرة واحدة. (*)
[ 35 ]
ومعرب الاسماء ما قد سلما من شبه الحرف كأرض وسما (1) يريد أن المعرب خلاف المبني، وقد تقدم أن المبني ما أشبه الحرف، فالمعرب ما لم يشبه الحرف، وينقسم إلى صحيح - وهو: ما ليس آخره حرف علة كأرض، وإلى معتل - وهو: ما آخره حرف علة كسما - وسما: لغة في الاسم، وفيه ست لغات: اسم بضم الهمزة وكسرها، وسم بضم السين وكسرها، وسما - بضم السين وكسرها أيضا. وينقسم المعرب أيضا إلى متمكن أمكن - وهو المنصرف - كزيد وعمرو، وإلى متمكن غير أمكن - وهو غير المنصرف - نحو: أحمد ومساجد ومصابيح،.
(1) " ومعرب " مبتدأ، ومعرب مضاف و " الاسماء " مضاف إليه " ما " اسم موصول في محل رفع خبر المبتدأ " قد سلما " قد: حرف تحقيق، وسلم: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، والالف في " سلما " للاطلاق " من شبه " جار ومجرور متعلق بقوله سلم، وشبه مضاف و " الحرف " مضاف إليه " كأرض " جار ومجرور متعلق بمحذوف
خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كأرض " وسما " الواو حرف عطف، سما: معطوف على أرض، مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، وهو - بضم السين مقصورا - إحدى اللغات في اسم كما سيذكره الشارح، ونظيره في الوزن هدى وعلا وتقى وضحا. وههنا سؤال، وهو - أن الناظم في ترجمة هذا الباب بدأ بالمعرب وثنى بالمبني فقال " المعرب والمبني " وحين أراد التقسيم بدأ بالمعرب أيضا فقال " والاسم منه معرب ومبني " ولكنه حين بدأ في التفصيل وتعريف كل واحد منهما بدأ بالمبني وأخر المعرب، فما وجهه ؟ والجواب عن ذلك أنه بدأ في الترجمة والتقسيم بالمعرب لكونه أشرف من المبني بسبب كونه هو الاصل في الاسماء. وبدأ في التعريف بالمبني لكونه منحصرا، والمعرب غير منحصر، ألا ترى أن خلاصة الكلام في أسباب البناء قد أنتجت أن المبني من الاسماء ستة أبواب ليس غير ؟ ! (*)
[ 36 ]
فغير المتمكن هو المبني، والمتمكن: هو المعرب، وهو قسمان: متمكن امكن، ومتمكن غير أمكن (1). * * * وفعل أمر ومضي بنيا وأعربوا مضارعا: إن عريا (2) من نون توكيد مباشر، ومن نون إناث: كير عن من فتن (3).
(1) والمتمكن الامكن هو الذي يدخله التنوين، إذا خلا من أل ومن الاضافة، ويجر بالكسرة، ويسمى المنصرف، والمتمكن غير الامكن هو الذي لا ينون، ولا يجر بالكسرة إلا إذا اقترن بأل أو أضيف، ويسمى الاسم الذي لا ينصرف. (2) " وفعل " مبتدأ، وفعل مضاف و " أمر " مضاف إليه " ومضى " يقرأ
بالجر على أنه معطوف على أمر، ويقرأ بالرفع على أنه معطوف على فعل " بنيا " فعل ماض مبني للمجهول، والالف التي فيه للتثنية، وهي نائب فاعل، وذلك إذا عطفت " مضى " على " فعل " فإن عطفته على " أمر " فالالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فعل " أعربوا " فعل وفاعل " مضارعا " مفعول به " إن " حرف شرط " عريا " فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، وألفه للاطلاق، وفاعله ضمير مستتر فيه، وجواب الشرط محذوف يدل عليه السابق من الكلام، أي: إن عرى الفعل المضارع من النون أعرب، وعرى من باب رضى بمعنى خلا، وبأتى من باب قعد بمعنى آخر، تقول: عراه يعروه عروا - مثل سما يسمو سموا - إذا نزل به، ومنه قول أبي صخر الهذلي: وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض العصفور بلله القطر (3) " من نون " جار ومجرور متعلق بعرى، ونون مضاف و " توكيد " مضاف إليه، " مباشر " صفة لنون " ومن نون " جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور السابق، ونون مضاف و " إناث " مضاف إليه " كيرعن " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وتقديره: وذلك كائن كيرعن " من " اسم موصول مفعول به ليرعن، باعتباره فعلا قبل أن يقصد لفظه مع سائر التركيب، مبني على السكون في محل نصب، فأما بعد أن قصد لفظ الجملة فكل كلمة منها كحرف من = (*)
[ 37 ]
لما فرغ من بيان المعرب والمبني من الاسماء شرع في بيان المعرب والمبني من الافعال، ومذهب البصريين أن الاعراب أصل في الاسماء، فرع في الافعال (1)، فالاصل في الفعل البناء عندهم، وذهب الكوفيون إلى أن الاعراب أصل في الاسماء وفي الافعال، والاول هو الصحيح، ونقل ضياء الدين بن العلج في البسيط أن بعض النحويين ذهب إلى أن الاعراب أصل في الافعال، فرع في
الاسماء. والمبني من الافعال ضربان:.
= حروف زيد مثلا " فتن " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من، والجملة لا محل لها من الاعراب صلة الموصول. (1) لما كان الاصل عند البصريين في الاسماء الاعراب فإن ما كان منها معربا لا يسأل عن علة إعرابه، لان ما جاء على أصله لا يسأل عن علته، وما جاء منها مبنيا يسأل عن علة بنائه، وقد تقدم للناظم والشارح بيان علة بناء الاسم، وأنها مشابهته للحرف، ولما كان الاصل في الافعال عندهم أيضا البناء فإن ما جاء منها مبنيا لا يسأل عن علة بنائه، وإنما يسأل عن علة إعراب ما أعرب منه وهو المضارع، وعلة إعراب الفعل المضارع عند البصريين أنه أشبه الاسم في أن كل واحد منهما يتوارد عليه معان تركيبية لا يتضح التمييز بينها إلا بالاعراب، فأما المعاني التي تنوارد على الاسم فمثل الفاعلية والمفعولية والاضافة في نحو قولك: ما أحسن زيد، فإنك لو رفعت زيدا لكان فاعلا وصار المراد نفى إحسانه، ولو نصبته لكان مفعولا به وصار المراد التعجب من حسنه، ولو جررته لكان مضافا إليه، وصار المراد الاستفهام عن أحسن أجزائه، وأما المعاني التي تتوارد على الفعل فمثل النهي عن الفعلين جميعا أو عن الاول منهما وحده أو عن فعلهما متصاحبين في نحو قولك: لا تعن بالجفاء وتمدح عمرا، فإنك لو جزمت " تمدح " لكنت منهيا عنه استقلالا، وصار المراد أنه لا يجوز لك أن تعن بالجفاء ولا أن تمدح عمرا، ولو رفعت " تمدح " لكان مستأنفا غير داخل في حكم النهي، وصار المراد أنك منهى عن الجفاء مأذون لك في مدح عمرو، ولو نصبته لكان معمولا لان المصدرية وصار المراد أنك منهى عن الجمع بين الجفاء ومدح عمرو، وأنك لو فعلت أيهما منفردا جاز. (*)
[ 38 ]
(أحدهما) ما اتفق على بنائه، وهو الماضي، وهو مبني على الفتح (1) نحو " ضرب
وانطلق " ما لم يتصل به واو جمع فيضم، أو ضمير رفع متحرك فيسكن. (والثاني) ما اختلف في بنائه والراجح أنه مبني، وهو فعل الامر نحو " اضرب " وهو مبني عند البصريين، ومعرب عند الكوفيين (2). والمعرب من الافعال هو المضارع، ولا يعرب إلا إذا لم تتصل به نون التوكيد أو نون الاناث، فمثال نون التوكيد المباشرة " هل تضربن " والفعل معها مبني على الفتح، ولا فرق في ذلك بين الخفيفة والثقيلة (3) فإن لم تتصل به لم يبن، وذلك كما إذا.
(1) بنى الفعل الماضي لان البناء هو الاصل، وإنما كان بناؤه على حركة - مع أن الاصل في البناء السكون - لانه أشبه الفعل المضارع المعرب في وقوعه خبرا وصفة وصلة وحالا، والاصل في الاعراب أن يكون بالحركات، وإنما كانت الحركة في الفعل الماضي خصوص الفتحة لانها أخف الحركات، فقصدوا أن تتعادل خفتها مع ثقل الفعل بسبب كون معناه مركبا، لئلا يجتمع ثقيلان في شئ واحد، وتركيب معناه هو دلالته على الحدث والزمان. (2) عندهم أن نحو " اضرب " مجزوم بلام الامر مقدرة، وأصله لتضرب، فحذفت اللام تخفيفا، فصار " تضرب " ثم حذف حرف المضارعة قصدا للفرق بين هذا وبين المضارع غير المجزوم عند الوقف عليه، فاحتيج بعد حذف حرف المضارعة إلى همزة الوصل توصلا للنطق بالساكن - وهو الضاد - فصار " اضرب " وفي هذا من التكلف ما ليس تخفى. (3) لا فرق في اتصال نون التوكيد بالفعل المضارع ومباشرتها له بين أن تكون ملفوظا بها كما مثل الشارح، وأن تكون مقدرة كما في قول الشاعر، وهو الاضبط بن قريع لا تهين الفقير علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه فإن أصل قوله لا تهين لا تهينن بنونين أولاهما لام الكلمة والثانية نون التوكيد الخفيفة، فحذفت نون التوكيد الخفيفة، وبقى الفعل بعد حذفها مبنيا على الفتح في محل جزم بلام
النهي، ولو لم تكن نون التوكيد مقدرة في هذا الفعل لوجب عليه أن يقول لا تهن، (*)
[ 39 ]
فصل بينه وبينها ألف اثنين نحو " هل تضربان "، وأصله، هل تضربانن، فاجتمعت ثلاث نونات، فحذفت الاولى - وهي نون الرفع - كراهة توالي الامثال، فصار " هل تضربان (1) ". وكذلك يعرب الفعل المضارع إذا فصل بينه وبين نون التوكيد واو جمع أو ياء مخاطبة، نحو " هل تضربن يا زيدون " و " هل تضربن يا هند " وأصل " تضربن " تضربونن، فحذفت النون الاولى لتوالي الامثال، كما سبق، فصار تضربون، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فصار تضربن، وكذلك " تضربن " أصله تضربينن، ففعل به ما فعل بتضربونن. وهذا هو المراد بقوله: " وأعربوا مضارعا إن عريا من نون توكيد مباشر " فشرط في إعرابه أن يعرى من ذلك، ومفهومه أنه إذا لم يعر منه يكون مبنيا. فعلم أن مذهبه أن الفعل المضارع لا يبنى إلا إذا باشرته نون التوكيد، نحو " هل تضربن يا زيد " فإن لم تباشره أعرب، وهذا هو مذهب الجمهور. وذهب الاخفش إلى أنه مبني مع نون التوكيد، سواء اتصلت به نون التوكيد أو لم تتصل، ونقل عن بعضهم أنه معرب وإن اتصلت به نون التوكيد. ومثال ما اتصلت به نون الاناث " الهندات يضربن " والفعل معها مبني على السكون، ونقل المصنف - رحمه الله تعالى ! - في بعض كتبه أنه لا خلاف في.
= بحذف الياء التي هي عين الفعل تخلصا من التقاء الساكنين - وهما الياء وآخر الفعل - ثم يكسر آخر الفعل تخلصا من التقاء ساكنين آخرين هما آخر الفعل ولام التعريف التي في أول " الفقير " لان ألف الوصل لا يعتد بها، إذ هي غير منطوق بها، فلما وجدناه لم يحذف الياء علمنا أنه قد حذف نون التوكيد وهو ينوبها.
(1) أي: بعد أن حرك نون التوكيد بالكسر بعد أن كانت مفتوحة، فرقا بينها وبين نون التوكيد التي تتصل بالفعل المسند لواحد، في اللفظ، فإن ألف الاثنين تظهر في النطق كحركة مشبعة، فلو لم تكسر النون في المثنى التبس المسند للاثنين في اللفظ بالمسند إلى المفرد. (*)
[ 40 ]
بناء الفعل المضارع مع نون الاناث، وليس كذلك، بل الخلاف موجود، وممن نقله الاستاذ أبو الحسن بن عصفور في شرح الايضاح (1). * * * وكل حرف مستحق للبنا والاصل في المبني أن يسكنا (2) ومنه ذو فتح، وذو كسر، وضم كأين أمس حيث، والساكن كم (3) الحروف كلها مبنية، إذ لا يعتورها ما تفتقر في دلالتها عليه إلى إعراب، نحو " أخذت من الدراهم " فالتيعيض مستفاد من لفظ " من " بدون الاعراب. والاصل في البناء أن يكون على السكون، لانه أخف من الحركة، ولا يحرك المبني إلا لسبب كالتخلص من التقاء الساكنين، وقد تكون الحركة فتحة، كأين وقام وإن، وقد تكون كسرة، كأمس وجير، وقد تكون ضمة، كحيث، وهو اسم، و " منذ " وهو حرف [ إذا جررت به ]، وأما السكون فنحو " كم، واضرب، وأجل "..
(1) ممن قال بإعرابه السهيلي وابن درستويه وابن طلحة، ورأيهم أنه معرب بإعراب مقدر منع من ظهوره شبهه بالماضي في صيرورة النون جزءا منه، فتقول في نحو (والوالدات يرضعن): يرضعن فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع ظهورها شبه يرضعن بأرضعن في أن النون قد صارت فيه جزء ا منه. (2) " كل " مبتدأ، وكل مضاف و " حرف " مضاف إليه " مستحق " خبر المبتدأ " للبنا " جار ومجرور متعلق بمستحق " والاصل " مبتدأ " في المبني " جار ومجرور متعلق بالاصل " أن " مصدرية " يسكنا " فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن، والالف
للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المبني، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ، والتقدير: والاصل في المبنى تسكينه، والمراد كونه ساكنا. (3) " ومنه " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " ذو " مبتدأ مؤخر، مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لانه من الاسماء الستة، وذو مضاف و " فتح " مضاف إليه " وذو " معطوف على ذو السابق " كسر " مضاف إليه " وضم " معطوف على كسر بتقدير مضاف: أي وذو ضم " كأين " متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف " أمس، حيث " معطوفان على أين بحرف عطف محذوف " والساكن الواو عاطفة أو للاستئناف، الساكن: مبتدأ " كم " خبره، ويجوز العكس. (*)
[ 41 ]
وعلم مما مثلنا به أن البناء على الكسر والضم لا يكون في الفعل، بل في الاسم والحرف، وأن البناء على الفتح أو السكون: يكون في الاسم، والفعل، والحرف (1). * * * والرفع والنصب اجعلن إعرابا لاسم وفعل، نحو: لن أهابا (2) والاسم قد خصص بالجر، كما قد خصص الفعل بأن ينجز ما (3).
(1) ذكر الناظم والشارح أن من المبنيات ما يكون بناؤه على السكون، ومنه ما يكون بناؤه على حركة من الحركات الثلاث. واعلم أنه ينوب عن السكون في البناء الحذف، والحذف يقع في موضعين: الاول الامر المعتل الآخر، نحو: اغز وارم واسع، والثاني: الامر المسند إلى ألف اثنين أو واو جماعة أو ياء مخاطبة، نحو اكتبا واكتبوا واكتبي، وأنه ينوب عن الفتح في البناء شيآن: أولهما الكسر، وذلك في جمع المؤنث السالم إذا وقع اسما للا النافية للجنس، نحو لا مسلمات، وثانيهما الياء وذلك في جمع المذكر السالم والمثنى إذا وقع أحدهما اسما للا النافية للجنس أيضا، نحو: لا مسلمين، وأنه ينوب عن الضم في البناء
شيآن: أحدهما الالف وذلك في المثنى إذا وقع منادى نحو: يا زيدان، وثانيهما الواو، وذلك في جمع المذكر السالم إذا وقع منادى أيضا، نحو: يا زيدون. (2) " والرفع " مفعول به أول لاجعلن مقدم عليه " والنصب " معطوف عليه " اجعلن " فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إعرابا " مفعول ثان لاجعلن " لاسم " جار ومجرور متعلق بإعرابا " وفعل " معطوف على اسم " نحو " خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك نحو " لن " حرف نفي ونصب واستقبال " أهابا " فعل مضارع منصوب بلن، والالف للاطلاق، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، ونحو مضاف وجملة الفعل والفاعل في قوة مفرد مضاف إليه. (3) " والاسم " مبتدأ " قد " حرف تحقيق " خصص " فعل ماض، مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم، والجملة في محل رفع = (*)
[ 42 ]
فارفع بضم، وانصبن فتحا، وجر كسرا: كذكر الله عبده يسر (1) واجزم بتسكين، وغير ما ذكر ينوب، نحو: جا أخو بني نمر (2).
= خبر المبتدأ " بالجر " جار ومجرور متعلق بخصص " كما " الكاف حرف جر، وما: مصدرية " قد " حرف تحقيق " خصص " فعل ماض مبني للمجهول " الفعل " نائب فاعله، وما مع مدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف: أي ككون الفعل مخصصا " بأن " الباء حرف جر، وأن حرف مصدري ونصب " ينجز ما " فعل مضارع منصوب بأن، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل، وأن ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالباء: أي بالانجزام، والجار والمجرور متعلق بخصص. (1) " فارفع " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بضم " جار ومجرور متعلق بارفع " وانصبن " الواو عاطفة، انصب: فعل أمر مبني على الفتح
لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وهو معطوف على ارفع " فتحا " منصوب على نزع الخافض أي بفتح " وجر " الواو عاطفة، جر: فعل أمر معطوف على ارفع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " كسرا " مثل قوله فتحا منصوب على نزع الخافض " كذكر الله عبده يسر " الكاف حرف جر ومجروره محذوف، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: وذلك كائن كقولك، وذكر: مبتدأ، وذكر مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله، وعبد: مفعول به لذكر منصوب بالفتحة الظاهرة، وعبد مضاف والضمير مضاف إليه، ويسر: فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذكر، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. (2) " واجزم " الواو عاطفة، اجزم: فعل أمر معطوف على ارفع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بتسكين " جار ومجرور متعلق باجزم " وغير " الواو للاستئناف، غير: مبتدأ، وغير مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه مبني على السكون في محل جر " ذكر " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها من الاعراب صلة " ينوب " فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى غير، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " نحو " خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك نحو " جا " فعل ماض قصر للضرورة " أخو " فاعل مرفوع بالواو لانه من الاسماء الستة، وأخو مضاف و " بني " مضاف إليه = (*)
[ 43 ]
أنواع الاعراب أربعة: الرفع، والنصب، والجر، والجزم، فأما الرفع والنصب فيشترك فيهما الاسماء والافعال نحو " زيد يقوم، وإن زيدا لن يقوم " وأما الجر فيختص بالاسماء، نحو " زيد " وأما الجزم فيختص بالافعال، نحو " لم يضرب ". والرفع يكون بالضمة، والنصب يكون بالفتحة، والجر يكون بالكسرة، والجزم يكون بالسكون، وما عدا ذلك يكون نائبا عنه، كما نابت الواو عن الضمة
في " أخو " والياء عن الكسرة في " بني " من قوله: " جا أخو بني نمر " وسيذكر بعد هذا مواضع النيابة. * * * وارفع بواو، وانصبن بالالف، واجرر بياء - مامن الاسما أصف (1) شرع في بيان ما يعرب بالنيابة عما سبق ذكره، والمراد بالاسماء التي سيصفها.
= مجرور بالياء لانه جمع مذكر سالم، وبني مضاف و " نمر " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة، وسكن لاجل الوقف، والجملة من الفعل وفاعله في قوة مفرد مجرور بإضافة نحو إليه. (1) " وارفع " الواو للاستئناف، ارفع فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بواو " متعلق بارفع " وانصبن " الواو عاطفة، انصب: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وهو معطوف على ارفع " بالالف " جار ومجرور متعلق بانصب " واجرر " الواو عاطفة، اجرر: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وهو معطوف على ارفع " بياء " جار ومجرور متعلق باجرر " ما " اسم موصول تنازعه الافعال الثلاثة " من الاسما " جار ومجرور متعلق بأصف الآتي، أو بمحذوف حال من ما الموصولة " أصف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الاعراب، والعائد ضمير محذوف منصوب المحل بأصف، أي: الذي أصفه. (*)
[ 44 ]
الاسماء الستة، وهي أب، وأخ، وحم، وهن، وفوه، وذو مال، فهذه ترفع بالواو نحو " جاء أبو زيد " وتنصب بالالف نحو " رأيت أباه " وتجر بالياء نحو
" مررت بأبيه " والمشهور أنها معربة بالحروف، فالواو نائبة عن الضمة، والالف نائبة عن الفتحة، والياء نائبة عن الكسرة، وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله: " وارفع بواو إلى آخر البيت "، والصحيح أنها معربة بحركات مقدرة على الواو والالف والياء، فالرفع بضمة مقدرة على الواو، والنصب بفتحة مقدرة على الالف، والجر بكسرة مقدرة على الياء، فعلى هذا المذهب الصحيح لم ينب شئ عن شئ مما سبق ذكره (1)..
(1) في هذه المسألة أقوال كثيرة، وأشهر هذه الاقوال ثلاثة، الاول: أنها معربة من مكان واحد، والواو والالف والياء هي حروف الاعراب، وهذا رأي جمهور البصريين وإليه ذهب أبو الحسن الاخفش في أحد قوليه، وهو الذي ذكره الناظم هنا ومال إليه. والثاني: أنها معربة من مكان واحد أيضا، وإعرابها بحركات مقدرة على الواو والالف والياء، فإذا قلت " جاء أبوك " فأبوك: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل، وهذا مذهب سيبويه، وهو الذي ذكره الشارح وزعم أنه الصحيح، ورجحه الناظم في كتابه التسهيل، ونسبه جماعة من المتأخرين إلى جمهور البصريين، والصحيح أن مذهب هؤلاء هو الذي قدمنا ذكره، قال أتباع سيبويه: إن الاصل في الاعراب أن يكون بحركات ظاهرة أو مقدرة فمتى أمكن هذا الاصل لم يجز العدول عنه إلى الفروع، وقد أمكن أن نجعل الاعراب بحركات مقدرة، فيجب المصير إليه، والقول الثالث: قول جمهور الكوفيين، وحاصله أنها معربة من مكانين، قالوا: إن الحركات تكون إعرابا لهذه الاسماء في حال إفرادها: أي قطعها عن الاضافة، فتقول: هذا أب لك وقد رأيت أخا لك، ومررت بحم، فإذا قلت في حال الاضافة، " هذا أبوك " فالضمة باقية على ما كانت عليه في حال الافراد، فوجب أن تكون علامة إعراب، لان الحركة التي تكون علامة إعراب للمفرد في حالة إفراده هي بعينها التي تكون علامة لاعرابه في حال إضافته، ألا ترى أنك تقول " هذا غلام " فإذا قلت " هذا غلامك " لم يتغير
الحال ؟ فكذا هنا. وكذا الواو والالف والياء بعد هذه الحركات في حال إضافة الاسماء الستة تجري مجرى الحركات في كونها إعرابا، بدليل أنها تتغير في حال الرفع = (*)
[ 45 ]
من ذاك " ذو ": إن صحبة أبانا والفم، حيث الميم منه بانا (1) أي: من الاسماء التي ترفع بالواو، وتنصب بالالف، وتجر بالياء ذو، وفم، ولكن يشترط في " ذو " أن تكون بمعنى صاحب، نحو " جاءني ذو مال " أي: صاحب مال، وهو المراد بقوله: " إن صحبة أبانا " أي: إن أفهم صحبة، واحترز بذلك عن " ذو " الطائية، فإنها لا تفهم صحبة، بل هي بمعنى الذي، فلا تكون مثل " ذي " بمعنى صاحب، بل تكون مبنية، وآخرها الواو رفعا، ونصبا، وجرا، ونحو " جاءني ذو قام، ورأيت ذو قام، ومررت بذو قام "، ومنه قوله: 4 - فإما كرام موسرون لقيتهم فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا.
= والنصب والجر، فدل ذلك على أن الضمة والواو جميعا علامة للرفع، والفتحة والالف جميعا علامة للنصب، والكسرة والياء جميعا علامة للجر، وإنما ألجأ العرب إلى ذلك قلة حروف هذه الاسماء، فرفدوها في حال الاضافة التي هي من خصائص الاسم - بحروف زائدة، تكثيرا لحروفها. (1) " من ذاك " من ذا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والكاف حرف خطاب " ذو " مبتدأ مؤخر " إن " حرف شرط " صحبة " مفعول به مقدم لابان " أبانا " أبان: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذو، وألفه للاطلاق وهو فعل شرط مبني على الفتح في محل جزم، والجواب محذوف، والتقدير: إن أبان ذو صحبة فارفعه بالواو " والفم " معطوف على ذو " حيث " ظرف مكان " الميم "
مبتدأ " منه " جار ومجرور متعلق ببان " بانا " فعل ماض بمعنى انفصل، مبني على الفتح لا محل له من الاعراب، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الميم، وألفه للاطلاق وجملته في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو قوله الميم، وجملة المبتدأ وخبره في محل جر بإضافة " حيث " إليها. 4 - هذا بيت من الطويل، وهو من كلام منظور بن سحيم الفقعسي، وقد = (*)
[ 46 ]
.
استشهد به ابن هشام في أوضح المسالك (ش 7) في مبحث الاسماء الخمسة، وفي باب الموصول، كما فعل الشارح هنا، واستشهد به الاشموني (ش 155) مرتين أيضا. وقبل البيت المستشهد به قوله: ولست بهاج في القرى أهل منزل على زادهم أبكي وأبكي البواكيا فإما كرام موسرون لقيتهم فحسبي من ذو عندهم. البيت وإما كرام معسرون عذرتهم وإما لئام فادخرت حيائيا وعرضي أبقى ما ادخرت ذخيرة وبطني أطويه كطي ردائيا اللغة: " هاج " اسم فاعل من الهجاء، وهو الذم والقدح، تقول: هجاه يهجوه هجوا وهجاء " القرى " - بكسر القاف مقصورا - إكرام الضيف، و " في " هنا دالة على السببية والتعليل، مثلها في قوله صلى الله عليه وسلم: " دخلت امرأة النار في هرة " أي بسبب هرة ومن أجل ما صنعته معها، يريد أنه لن يهجو أحدا ولن يذمه ويقدح فيه بسبب القرى على أية حال، وذلك لان الناس على ثلاثة أنواع: النوع الاول كرام موسرون، والنوع الثاني كرام معسرون غير واجدين ما يقدمونه لضيفانهم، والنوع الثالث لئام بهم شح وبخل وضنانة، وقد ذكر هؤلاء الانواع الثلاثة، وذكر مع كل واحد حاله بالنسبة له " كرام " جمع كريم، وأراد الطيب العنصر الشريف الآباء، وقابلهم باللئام " موسرون " ذوو ميسرة وغنى، وعندهم ما يقدمونه للضيفان " معسرون "
ذوو عسرة وضيق لا يجدون ما يقدمونه مع كرم نفوسهم وطيب عنصرهم. الاعراب: " إما " حرف شرط وتفصيل، مبني على السكون لا محل له من الاعراب " كرام " فاعل بفعل محذوف يفسره السياق، وتقدير الكلام: إما لقيني كرام، ونحو ذلك، مرفوع بذلك الفعل المحذوف، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة " موسرون " نعت لكرام، ونعت المرفوع مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة لانه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد " لقيتهم " لقى: فعل ماض مبني على فتح مقدر لا محل له من الاعراب، والتاء ضمير المتكلم فاعل لقى، مبني على الضم في محل رفع، وضمير الغائبين العائد إلى كرام، مفعول به مبني على السكون في محل نصب، وجملة الفعل الماضي وفاعله = (*)
[ 47 ]
.
ومفعوله لا محل لها من الاعراب تفسيرية " فحسبي " الفاء واقعة في جواب الشرط، حرف مبني على الفتح لا محل له من الاعراب، حسب: اسم بمعنى كاف خبر مقدم، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، مبني على الفتح في محل جر " من " حرف جر مبني على السكون لا محل له " ذو " اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل جر بمن، وإن رويت " ذي " فهو مجرور بمن، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة، والجار والمجرور متعلق بحسب " عندهم " عند: ظرف متعلق بمحذوف يقع صلة للموصول الذي هو ذو بمعنى الذي، وعند مضاف وضمير الغائبين مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر " ما " اسم موصول بمعنى الذي مبتدأ مؤخر مبني على السكون في محل رفع " كفانيا " كفى: فعل ماض مبني على فتح مقدر على الالف منع من ظهوره التعذر، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم الموصول الذي هو ما، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به مبني على الفتح في محل نصب، والالف للاطلاق، وجملة كفى وفاعله ومفعوله لا محل صلة ما. الشاهد فيه: قوله " فحسبي من ذو عندهم " فإن " ذو " في هذه العبارة اسم موصول
بمعنى الذي، وقد رويت هذه الكلمة بروايتين، فمن العلماء من روى " فحسبي من ذي عندهم " بالياء، واستدل بهذه الرواية على أن " ذا " الموصولة تعامل معامل " ذي " التي بمعنى صاحب والتي هي من الاسماء الخمسة، فترفع بالواو، وتنصب بالالف، وتجر بالياء كما في هذه العبارة على هذه الرواية، ومعنى ذلك أنها معربة ويتغير آخرها بتغير التراكيب. ومن العلماء من روى " فحسبي من ذو عندهم " بالواو، واستدل بها على أن " ذو " التي هي اسم موصول مبنية، وأنها تجئ بالواو في حالة الرفع وفي حالة النصب وفي حالة الجر جميعا وهذا الوجه هو الراجح عند النحاة، وسيذكر الشارح هذا البيت مرة أخرى في باب الموصول، وينبه على الروايتين جميعا، وعلى أن رواية الواو تدل على البناء ورواية الياء تدل على الاعراب، لكن على رواية الياء يكون الاعراب فيها بالحروف نيابة عن الحركات على الراجح، وعلى رواية الواو تكون الكلمة فيها مبنية على السكون، فاعرف ذلك ولا تنسه. قال ابن منظور في لسان العرب: " وأما قول الشاعر: * فإن بيت تميم ذو سمعت به * = (*)
[ 48 ]
وكذلك يشترط في إعراب الفم بهذه الاحرف زوال الميم منه، نحو " هذا فوه، ورأيت فاه، ونظرت إلى فيه "، وإليه أشار بقوله: " والفم حيث الميم منه بانا " أي: انفصلت منه الميم، أي زالت منه، فإن لم تزل منه أعرب بالحركات، نحو " هذا فم، ورأيت فما، ونظرت إلى فم ". * * * أب، أخ، حم كذاك، وهن والنقص في هذا الاخير أحسن (1) وفي أب وتالييه يندر وقصرها من نقصهن أشهر (2) يعني أن " أبا، وأخا، وحما " تجري مجرى " ذو، وفم " اللذين سبق ذكرهما،
.
= فإن " ذو " هنا بمعنى الذي، ولا يكون في الرفع والنصب والجر إلا على لفظ واحد، وليست بالصفة التي تعرب نحو قولك: مررت برجل ذي مال، وهو ذو مال، ورأيت رجلا ذا مال، وتقول: رأيت ذو جاءك، وذو جاءاك، وذو جاءوك، وذو جاءتك، وذو جئنك، بلفظ واحد للمذكر والمؤنث، ومن أمثال العرب: أتى عليه ذو أتى على الناس، أي الذي أتى عليهم، قال أبو منصور: وهي لغة طيئ، وذو بمعنى الذي " اه. وفي البيت الذي أنشده في صدر كلامه شاهد كالذي معنا على أن " ذو والتي بمعنى الذي تكون بالواو ولو كان موضعها جرا أو نصبا، فإن قول الشاعر " ذو سمعت به " نعت لبيت تميم المنصوب على أنه اسم إن، ولو كانت " ذو " معربة لقال: فإن بيت تميم ذا سمعت به، فلما جاء بها بالواو في حال النصب علمنا أنه يراها مبنية، وبناؤها كما علمت على السكون (1) " أب " مبتدأ " أخ حم " معطوفان على أب مع حذف حرف العطف " كذاك " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر تنازعه كل من أب وما عطف عليه " وهن " الواو عاطفة، هن: مبتدأ، وخبره محذوف، أي: وهن كذا ك " والنقص " مبتدأ " في هذا " جار ومجرور متعلق بالنقص، أو بأحسن " الاخير " بدل أو عطف بيان من اسم الاشارة أو هو نعت له " أحسن " خبر المبتدأ. (2) " وفي أب " جار ومجرور متعلق بيندر الآتي " وتالييه " معطوف على أب " يندر " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النقص " وقصرها " الواو عاطفة، قصر: مبتدأ، وقصر مضاف والضمير مضاف إليه " من نقصهن " من نقص: جار ومجرور متعلق بأشهر، ونقص مضاف والضمير مضاف إليه " أشهر " خبر المبتدأ. (*)
[ 49 ]
فترفع بالواو، وتنصب بالالف، وتجر بالياء، نحو " هذا أبوه وأخوه وحموها، ورأيت أباه وأخاه وحماها، ومررت بأبيه وأخيه وحميها " وهذه هي اللغة المشهورة في هذه الثلاثة، وسيذكر المصنف في هذه الثلاثة لغتين أخريين.
وأما " هن " فالفصيح فيه أن يعرب بالحركات الظاهرة على النون، ولا يكون في آخره حرف علة، نحو " هذا هن زيد، ورأيت هن زيد، ومررت بهن زيد (1) " وإليه أشار بقوله: " والنقص في هذا الاخير أحسن " أي: النقص في " هن " أحسن من الاتمام، والاتمام جائز لكنه قليل جدا، نحو " هذا هنوه، ورأيت هناه، ونظرت إلى هنيه " وأنكر الفراء جواز إتمامه، وهو محجوج بحكاية سيبويه الاتمام عن العرب، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. وأشار المصنف بقوله: " وفي أب وتالييه يندر - إلى آخر البيت " إلى اللغتين الباقيتين في " أب " وتالييه - وهما " أخ، وحم " - فإحدى اللغتين النقص، وهو حذف الواو والالف والياء، والاعراب بالحركات الظاهرة على الباء والخاء والميم، نحو " هذا أبه وأخه وحمها، ورأيت أبه وأخه وحمها، ومررت بأبه وأخه وحمها " وعليه قوله:.
(1) ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه، ولا تكنوا " وتعزى بعزاء الجاهلية معناه دعا بدعائها فقال: يا لفلان، ويا لفلان، والغرض أنه يدعو إلى العصبية القبلية التي جهد النبي صلى الله عليه وسلم جهده في محوها. ومعنى " أعضوه بهن أبيه " قولوا له: عض أير أبيك، ومعنى " ولا تكنوا " قولوا له ذلك بلفظ صريح، مبالغة في التشنيع عليه، ومحل الاستشهاد قوله صلوات الله عليه: " بهن أبيه " حيث جر لفظ الهن بالكسرة الظاهرة، ومن ذلك قولهم في المثل: " من يطل هن أبيه ينتطق به " يريدون من كثر إخوته اشتد بهم ظهره وقوى بهم عزه (وانظره في مجمع الامثال رقم 4015 في 2 / 300 بتحقيقنا) (4 - شرح ابن عقيل 1) (*)
[ 50 ]
5 - بأبه اقتدى عدي في الكرم ومن يشابه أبه فما ظلم وهذه اللغة نادرة في " أب " وتالييه، ولهذا قال: " وفي أب وتالييه يندر "
أي: يندر النقص، واللغة الاخرى في " أب " وتاليه أن يكون بالالف: رفعا، ونصبا، وجرا، ونحو " هذا أباه وأخاه وحماها، ورأيت أباه وأخاه وحماها، ومررت بأباه وأخاه وحماها، وعليه قول الشاعر:.
5 - ينسب هذا البيت لرؤبة بن العجاج، من كلمة يزعمون أنه مدح فيها عدي بن حاتم الطائي، وقبله قوله: أنت الحليم والامير المنتقم تصدع بالحق وتنفي من ظلم اللغة: " عدي " أراد به عدي بن حاتم الطائي الجواد المشهور " اقتدى " يريد أنه جعله لنفسه قدوة فسار على نهج سيرته " فما ظلم " يريد أنه لم يظلم أمه، لانه جاء على مثال أبيه الذي ينسب إليه، وذلك لانه لو جاء مخالفا لما عليه أبوه من السمت أو الشبه أو من الخلق والصفات لنسبه الناس إلى غيره، فكان في ذلك ظلم لامه واتهام لها (انظر مجمع الامثال رقم 4020 في 2 / 300 بتحقيقنا). الاعراب: " بأبه " الجار والمجرور متعلق باقتدى، وأب مضاف والضمير مضاف إليه " اقتدى عدي " فعل ماض وفاعله " في الكرم " جار ومجرور بالكسرة الظاهرة متعلق باقتدى أيضا، وسكن المجرور للوقف " ومن " اسم شرط مبتدأ " يشابه " فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بالسكون، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من " أبه " مفعول به ليشابه، ومضاف إليه " فما " الفاء واقعة في جواب الشرط، وما: نافية " ظلم " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو اسم الشرط، وهذا أحد ثلاثة أقوال، وهو الذي نرجحه من بينها، وإن رجح كثير من النحاة غيره. الشاهد فيه: قوله " بأبه يشابه أبه " حيث جر الاول بالكسرة الظاهرة، ونصب الثاني بالفتحة الظاهرة. وهذا يدل على أن قوما من العرب يعربون هذا
الاسم بالحركات الظاهرة على أواخره، ولا يجتلبون لها حروف العلة لتكون علامة إعراب.
[ 51 ]
6 - إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها.
6 - نسب العيني والسيد المرتضى في شرح القاموس هذا البيت لابي النجم العجلي، ونسبه الجوهري لرؤبة بن العجاج، وذكر العيني أن أبا زيد نسبه في نوادره لبعض أهل اليمن. وقد بحثت النوادر فلم أجد فيها هذا البيت، ولكني وجدت أبا زيد أنشد فيها عن أبي الغول لبعض أهل اليمن: أي قلوص راكب تراها طاروا عليهن فشل علاها واشدد بمثنى حقب حقواها ناجية وناجيا أباها وفي هذه الابيات شاهد للمسألة التي معنا، وقافيتها هي قافية بيت الشاهد، ومن هنا وقع السهو للعيني، فأما الشاهد في هذه الابيات ففي قوله: " وناجيا أباها " فإن " أباها " فاعل بقوله: " ناجيا " وهذا الفاعل مرفوع بضمة مقدرة على الالف منع من ظهورها التعذر، وهذه لغة القصر، ولو جاء به على لغة التمام لقال: " وناجيا أبوها ". الاعراب: " إن " حرف توكيد ونصب " أباها " أبا: اسم إن منصوب بفتحة مقدرة على الالف، ويحتمل أن يكون منصوبا بالالف نيابة عن الفتحة كما هو المشهور، وأبا مضاف والضمير مضاف إليه " وأبا " معطوف على اسم إن، وأبا مضاف وأبا من " أباها " مضاف إليه، وهو مضاف والضمير مضاف إليه " قد " حرف تحقيق " بلغا " فعل ماض، وألف الاثنين فاعله، والجملة في محل رفع خبر إن " في المجد " جار ومجرور متعلق بالفعل قبله وهو بلغ " غايتاها " مفعول به لبلغ على لغة من يلزم المثنى الالف، أي منصوب بفتحة مقدرة على الالف منع من ظهورها التعذر، وغايتا مضاف وضمير الغائبة
مضاف إليه، وهذا الضمير عائد على المجد، وإنما جاء به مؤنثا ومن حقه التذكير لانه اعتبر المجد صفة أو رتبة، والمراد بالغايتين المبدأ والنهاية، أو نهاية مجد النسب ونهاية مجد الحسب، وهذا الاخير أحسن. الشاهد فيه: الذي يتعين الاستشهاد به في هذا البيت لما ذكر الشارح هو قوله: " أباها " الثالثة لان الاولى والثانية يحتملان الاجراء على اللغة المشهورة الصحيحة كما رأيت في الاعراب، فيكون نصبهما بالالف، أما الثالثة فهي في موضع الجر بإضافة = (*)
[ 52 ]
فعلامة الرفع والنصب والجر حركة مقدرة على الالف كما تقدر في المقصور، وهذه اللغة أشهر من النقص. وحاصل ما ذكره أن في " أب، وأخ، وحم " ثلاث لغات: أشهرها أن تكون بالواو والالف والياء، والثانية أن تكون بالالف مطلقا (1)، والثالثة أن تحذف منها الاحرف الثلاثة، وهذا نادر، وأن في " هن " لغتين: إحداهما النقص، وهو الاشهر، والثانية الاتمام، وهو قليل. * * * وشرط ذا الاعراب: أن يضفن لا لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا (2).
= ما قبلها إليها، ومع ذلك جاء بها بالالف، والارجح إجراء الاوليين كالثالثة، لانه يبعد جدا أن يجئ الشاعر بكلمة واحدة في بيت واحد على لغتين مختلفتين. (1) هذه لغة قوم بأعيانهم من العرب، واشتهرت نسبتها إلى بني الحارث وخثعم وزبيد، وكلهم ممن يلزمون المثنى الالف في أحواله كلها، وقد تكلم بها في الموضعين النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله: " ما صنع أبا جهل ؟ "، وقوله: " لا وتران في ليلة " وعلى هذه اللغة قال الامام أبو حنيفة رضي الله عنه: " لا قود في مثقل ولو ضربه بأبا قبيس " وأبو قبيس: جبل معروف.
(2) " وشرط " الواو للاستئناف، شرط: مبتدأ، وشرط مضاف و " ذا " مضاف إليه " الاعراب " بدل أو عطف بيان أو نعت لذا " أن " حرف مصدري ونصب " يضفن " فعل مضارع مبني للمجهول وهو مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل نصب بأن، وأن مدخولها في تأويل مصدر خبر المبتدأ، أي: شرط إعرابهن بالحروف كونهن مضافات، و " لا " حرف عطف " لليا " معطوف على محذوف، والتقدير: لكل اسم لا للياء " كجا " الكاف حرف جر، ومجروره محذوف والجار والمجرور متعلق بمحذوف، خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كقولك، وجا: أصله جاء: فعل ماض " أخو " فاعل جاء، وأخو مضاف وأبي من " أبيك " مضاف إليه مجرور بالياء، وأبي مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه " ذا " حال منصوب = (*)
[ 53 ]
ذكر النحويون لاعراب هذه الاسماء بالحروف شروطا أربعة: (أحدها) أن تكون مضافة، واحترز بذلك من ألا تضاف، فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة، نحو " هذا أب، ورأيت أبا، ومررت بأب ". (الثاني) أن تضاف إلى غير ياء المتكلم، نحو " هذا أبو زيد وأخوه وحموه "، فإن أضيفت إلى ياء المتكلم أعربت بحركات مقدرة، نحو " هذا أبي، ورأيت أبي، ومررت بأبي "، ولم تعرب بهذه الحروف، وسيأتي ذكر ما تعرب به حينئذ. (الثالث) أن تكون مكبرة، واحترز بذلك من أن تكون مصغرة، فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة، نحو: " هذا أبي زيد وذوي مال، ورأيت أبي زيد وذوي مال، ومررت بأبي زيد وذوي مال ". (الرابع): أن تكون مفردة، واحترز بذلك من أن تكون مجموعة أو مثناة، فإن كانت مجموعة أعربت بالحركات الظاهرة (1)، نحو " هؤلاء آباء
.
= بالالف نيابة عن الفتحة، وهو مضاف، و " اعتلا " مضاف إليه. وأصله اعتلاء فقصره للاضطرار، وتقدير البيت: وشرط هذا الاعراب (الذي هو كونها بالواو رفعا وبالالف نصبا وبالياء جرا) في كل كلمة من هذه الكلمات كونها مضافة إلى أي اسم من الاسماء لا لياء المتكلم، ومثال ذلك قولك: جاء أخو أبيك ذا اعتلاء، فأخو: مثال للمرفوع بالواو وهو مضاف لما بعده، وأبيك: مثال للمجرور بالياء، وهو مضاف لضمير المخاطب، وذا: مثال للمنصوب بالالف، وهو مضاف إلى " اعتلا "، وكل واحد من المضاف إليهن اسم غير ياء المتكلم كما ترى. (1) المراد جمع التكسير كما مثل، فأما جمع المذكر السالم فإنها لا تجمع عليه إلا شذوذا، وهي - حينئذ - تعرب إعراب جمع المذكر السالم شذوذا: بالواو رفعا، وبالياء المكسور ما قبلها نصبا وجرا، ولم يجمعوا منها جمع المذكر إلا الاب وذو. فأما الاب فقد ورد جمعه في قول زياد بن واصل السلمي: فلما تبين أصواتنا بكين وفديننا بالابينا = (*)
[ 54 ]
الزيدين، ورأيت آباءهم، ومررت بآبائهم "، وإن كانت مثناة أعربت أعراب المثنى: بالالف رفعا، وبالياء جرا ونصبا، نحو: " هذان أبوا زيد، ورأيت أبويه، ومررت بأبويه ". ولم يذكر المصنف - رحمه الله تعالى ! - " من هذه الاربعة سوى الشرطين الاولين، ثم أشار إليهما بقوله: " وشرط ذا الاعراب أن يضفن لا لليا " أي: شرط إعراب هذه الاسماء بالحروف أن تضاف إلى غير ياء المتكلم، فعلم من هذا أنه لابد من إضافتها، وأنه لابد أن تكون [ إضافتها ] إلى غير ياء المتكلم. ويمكن أن يفهم الشرطان الآخران من كلامه، وذلك أن الضمير في قوله " يضفن " راجع إلى الاسماء التي سبق ذكرها، وهو لم يذكرها إلا مفردة
مكبرة، فكأنه قال: " وشرط ذا الاعراب أن يضاف أب وإخوته المذكورة إلى غير ياء المتكلم ". واعلم أن " ذو " لا تستعمل إلا مضافة، ولا تضاف إلى مضمر، بل إلى اسم جنس ظاهر غير صفة، نحو: " جاءني ذو مال "، فلا يجوز " جاءني ذو قائم " (1) * * *.
= وأما " ذو " فقد ورد جمعه مضافا مرتين: إحداهما إلى اسم الجنس، والاخرى إلى الضمير شذوذا، وذلك في قول كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني: صبحنا الخزرجية مرهفات أبار ذوي أرومتها ذووها ففي " ذووها " شذوذ من ناحيتين: إضافته إلى الضمير، وجمعه جمع المذكر السالم (1) اعلم أن الاصل في وضع " ذو " التي بمعنى صاحب أن يتوصل بها إلى نعت ما قبلها بما بعدها، وذلك يستدعي شيئين، أحدهما: أن يكون ما بعدها مما لا يمتنع أن يوصف به، والثاني: أن يكون ما بعدها مما لا يصلح أن يقع صفة من غير حاجة إلى توسط شئ ومن أجل ذلك لازمت الاضافة إلى أسماء الاجناس المعنوية كالعلم والمال والفضل والجاه = (*)
[ 55 ]
بالالف ارفع المثنى، وكلا إذا بمضمر مضافا وصلا (1).
= فتقول: محمد ذو علم، وخالد ذو مال، وبكر ذو فضل، وعلى ذو جاه، وما أشبه ذلك لان هذه الاشياء لا يوصف بها إلا بواسطة شئ، ألا ترى أنك لا تقول " محمد فضل " إلا بواسطة تأويل المصدر بالمشتق، أو بواسطة تقدير مضاف، أو بواسطة قصد المبالغة، فأما الاسماء التي يمتنع أن تكون نعتا - وذلك الضمير والعلم - فلا يضاف " ذو " ولا مثناه ولا جمعه إلى شئ منها، وشذ قول كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني الذي سبق إنشاده: صبحنا الخزرجية مرهفات أبار ذوي أرومتها ذووها
كما شذ قول الآخر: إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه وشذ كذلك ما أنشده الاصمعي قال: أنشدني أعرابي من بني تميم ثم من بني حنظلة لنفسه: أهنأ المعروف ما لم تبتذل فيه الوجوه إنما يصطنع المعروف في الناس ذووه وإن كان اسم أو ما يقوم مقامه مما يصح أن يكون نعتا بغير حاجة إلى شئ - وذلك الاسم المشتق والجملة - لم يصح إضافة " ذو " إليه، وندر نحو قولهم: اذهب بذي تسلم، والمعنى: اذهب بطريق ذي سلامة، فتلخص أن " ذو " لا تضاف إلى واحد من أربعة أشياء: العلم، والضمير، والمشتق، والجملة، وأنها تضاف إلى اسم الجنس الجامد، سواء أكان مصدرا أم لم يكن. (1) " بالالف " جار ومجرور متعلق بارفع التالي " ارفع " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " المثنى " مفعول به لا رفع، منصوب بفتحة مقدرة على الالف " وكلا " معطوف على المثنى " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان " بمضمر " جار ومجرور متعلق بوصل الآتي " مضافا " حال من الضمير المستتر في وصل " وصلا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل جر بإضافة إذا إليها، وجواب إذا محذوف، والتقدير: إذا وصل كلا بالضمير حال كون كلا مضافا إلى ذلك الضمير فارفعه بالالف. (*)
[ 56 ]
كلتا كذاك، اثنان واثنتان كابنين وابنتين يجريان (1) وتخلف اليا في جميعها الالف جرا ونصبا بعد فتح قد ألف (2) ذكر المصنف - رحمه الله تعالى ! - أن مما تنوب فيه الحروف عن الحركات
الاسماء الستة، وقد تقدم الكلام عليها، ثم ذكر المثنى، وهو مما يعرب بالحروف. وحده: " لفظ دال على اثنين، بزيادة في آخره، صالح للتجريد، وعطف مثله عليه " فيدخل في قولنا " لفظ دال على اثنين " المثنى نحو " الزيدان " والالفاظ الموضوعة لاثنين نحو " شفع "، وخرج بقولنا (3) " بزيادة " نحو.
(1) " كلنا " مبتدأ " كذاك " الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر، والكاف حرف خطاب " اثنان " مبتدأ " واثنتان " معطوف عليه " كابنين " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير الذي هو ألف الاثنين في قوله يجريان الآتي " وابنتين " معطوف على ابنين " يجريان " فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، وألف الاثنين فاعل، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ وما عطف عليه. (2) " وتخلف " فعل مضارع " اليا " فاعله " في جميعها " الجار والمجرور متعلق بتخلف، وجميع مضاف والضمير مضاف إليه " الالف " مفعول به لتخلف " جرا " مفعول لاجله " ونصبا " معطوف عليه " بعد " ظرف متعلق بتخلف، وبعد مضاف و " فتح " مضاف إليه " قد " حرف تحقيق " ألف " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فتح، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل جر نعت لفتح. (3) وخرج بقوله " دال على اثنين " الاسم الذي تكون في آخره زيادة المثنى وهو مع ذلك لا يدل على اثنين، وإنما يدل على واحد أو على ثلاثة فصاعدا، فأما ما يدل على الواحد مع هذه الزيادة فمثاله من الصفات: رجلان، وشبعان، وجوعان، وسكران وندمان، ومثاله من الاعلام، عثمان، وعفان، وحسان، وما أشبه ذلك، وأما ما يدل على الثلاثة فصاعدا فمثاله: صنوان، وغلمان، وصردان، ورغفان، وجرذان وإعراب هذين النوعين بحركات ظاهرة على النون، والالف ملازمة لها في كل حال، لانها نون الصيغة، وليست النون القائمة مقام التنوين. (*)
[ 57 ]
" شفع "، وخرج بقولنا " صالح للتجريد " نحو " اثنان " فإنه لا يصلح لاسقاط الزيادة منه، فلا تقول " اثن " وخرج بقولنا " وعطف مثله عليه " ما صلح للتجريد وعطف غيره عليه، كالقمرين، فإنه صالح للتجريد، فتقول: قمر، ولكن يعطف عليه مغايره لا مثله، نحو: قمر وشمس، وهو المقصود بقولهم: " القمرين ". وأشار المصنف بقوله: " بالالف ارفع المثنى وكلا " إلى أن المثنى يرفع بالالف، وكذلك شبه المثنى، وهو: كل ما لا يصدق عليه حد المثنى، وأشار إليه المصنف بقوله " وكلا "، فما لا يصدق عليه حد المثنى مما دل على اثنين بزيادة أو شبهها، فهو ملحق بالمثنى، فكلا وكلتا واثنان واثنتان ملحقة بالمثنى، لانها لا يصدق عليها حد المثنى، لكن لا يلحق كلا وكلتا بالمثنى إلا إذا أضيفا إلى مضمر، نحو " جاءني كلاهما، ورأيت كليهما، ومررت بكليهما، وجاءتني كلتاهما، ورأيت كلتيهما، ومررت بكلتيهما " فإن أضيفا إلى ظاهر كانا بالالف رفعا ونصبا وجرا، نحو " جاءني كلا الرجلين وكلتا المرأتين، ورأيت كلا الرجلين وكلتا المرأتين، ومررت بكلا الرجلين وكلتا المرأتين "، فلهذا قال المصنف: " وكلا إذا بمضمر مضافا وصلا (1) "..
(1) هذا الذي ذكره الشارح تبعا للناظم - من أن لكلا وكلنا حالتين: حالة يعاملان فيها معاملة المثنى، وحالة يعاملان فيها معاملة المفرد المقصور، فيكونان بالالف في الاحوال الثلاثة كالفتى والعصا - هو مشهور لغة العرب، والسر فيه - على ما ذهب إليه نحاة البصرة - أن كلا وكلتا لفظهما لفظ المفرد ومعناهما معنى المثنى، فكان لهما شبهان شبه بالمفرد من جهة اللفظ، وشبه بالمثنى من جهة المعنى، فأخذا حكم المفرد تارة وحكم المثنى تارة أخرى، حتى يكون لكل شبه حظ، في الاعراب. وفي إعادة الضمير
عليهما أيضا. ومن العرب من يعاملهما معاملة المقصور في كل حال، فيغلب جانب اللفظ، وعليه جاء قول الشاعر: = (*)
[ 58 ]
ثم بين أن اثنين واثنتين يجريان مجرى ابنين وابنتين، فاثنان واثنتان ملحقان بالمثنى [ كما تقدم ]، وابنان وابنتان مثنى حقيقة. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ! أن الياء تخلف الالف في المثنى والملحق به في حالتي الجر والنصب، وأن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحا، نحو: " رأيت الزيدين كليهما، ومررت بالزيدين كليهما " واحترز بذلك عن ياء الجمع، فإن ما قبلها لا يكون إلا مكسورا، نحو: " مررت بالزيدين " وسيأتي ذلك. وحاصل ما ذكره أن المثنى وما ألحق به يرفع بالالف، وينصب ويجر بالياء، وهذا هو المشهور، والصحيح أن الاعراب في المثنى والملحق به بحركة مقدرة على الالف رفعا والياء نصبا وجرا. وما ذكره المصنف من أن المثنى والملحق به يكونان بالالف رفعا والياء نصبا وجرا هو المشهور في لغة العرب، ومن العرب (1) من يجعل المثنى والملحق به.
= نعم الفتى عمدت إليه مطيتي في حين جد بنا المسير كلانا ومحل الشاهد في قوله " كلانا " فإنه توكيد للضمير المجرور محلا بالباء في قوله " بنا " وهو مع ذلك مضاف إلى الضمير، وقد جاء به بالالف في حالة الجر. وقد جمع في عود الضمير عليهما بين مراعاة اللفظ والمعنى الاسود بن يعفر في قوله: إن المنية والحتوف كلاهما يوفي المخارم يرقبان سوادي
فتراه قال " يوفي المخارم " بالافراد، ثم قال " يرقبان " بالتثنية، فأما الاعراب فإن جعلت " كلاهما " توكيدا كان كإعراب المقصور، ولكن ذلك ليس بمتعين، بل يجوز أن يكون " كلاهما " مبتدأ خبره جملة المضارع بعده، وجملة المبتدأ وخبره في محل رفع خبر إن، وعلى هذا يكون اللفظ كإعراب المثنى جاريا على اللغة الفصحى. (1) هذه لغة كنانة وبني الحارث بن كعب وبني العنبر وبني هجيم وبطون من ربيعة = (*)
[ 59 ]
بالالف مطلقا: رفعا، ونصبا، وجرا، فيقول: " جاء الزيدان كلاهما، ورأيت الزيدان كلاهما، ومررت بالزيدان كلاهما ". * * * وارفع بواو وبيا اجرر وانصب سالم جمع " عامر، ومذنب " (1).
= بكر بن وائل وزبيد وخثعم وهمدان وعذرة. وخرج عليه قوله تعالى: (إن هذان لساحران) وقوله صلى الله عليه وسلم: " لاوتران في ليلة " وجاء عليها قول الشاعر: تزود منا بين أذناه طعنة دعته إلى هابي التراب عقيم فإن من حق " هذان، ووتران، وأذناه " لو جرين على اللغة المشهورة أن تكون بالياء: فإن الاولى اسم إن، والثانية اسم لا، وهما منصوبان، والثالثة في موضع المجرور بإضافة الظرف قبلها، وفي الآية الكريمة تخريجات أخرى تجريها على المستعمل في لغة عامة العرب: منها أن " إن " حرف بمعنى " نعم " مثلها في قول عبد الله بن قيس الرقيات: بكر العواذل في الصبوح يلمنني وألومهنه ويقلن: شيب قد علاك وقد كبرت، فقلت: إنه يريد فقلت نعم، والهاء على ذلك هي هاء السكت، و " هذان " في الآية الكريمة
حينئذ مبتدأ، واللام بعده زائدة، و " ساحران " خبر المبتدأ. ومنها أن " إن " مؤكدة ناصبة للاسم رافعة للخبر، واسمها ضمير شأن محذوف، و " هذان ساحران " مبتدأ وخبر كما في الوجه السابق، والجملة في محل رفع خبر إن، والتقدير: إنه (أي الحال والشأن) هذان لساحران. (1) " وارفع " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بواو " جار ومجرور متعلق بارفع " وبيا " جار ومجرور متعلق باجرر الآتي، ولقوله انصب معمول مثله حذف لدلالة هذا عليه، أي: اجرر بياء وانصب بياء " اجرر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " وانصب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا، وهو معطوف بالواو على اجرر " سالم " مفعول به تنازعه كل من ارفع واجرر وانصب = (*)
[ 60 ]
ذكر المصنف قسمين يعربان بالحروف: أحدهما الاسماء الستة، والثاني المثنى، وقد تقدم الكلام عليهما، ثم ذكر في هذا البيت القسم الثالث، وهو جمع المذكر السالم وما حمل عليه، وإعرابه: بالواو رفعا، وبالياء نصبا وجرا. وأشار بقوله: " عامر ومذنب " إلى ما يجمع هذا الجمع، وهو قسمان: جامد، وصفة. فيشترط في الجامد: أن يكون علما، لمذكر، عاقل، خاليا من تاء التأنيث، ومن التركيب، فإن لم يكن علما لم يجمع بالواو والنون، فلا يقال في " رجل " رجلون، نعم إذا صغر جاز ذلك نحو: " رجيل، ورجيلون " لانه وصف (1)، وإن كان علما لغير مذكر لم يجمع بهما، فلا يقال في " زينب " زينبون، وكذا إن كان علما لمذكر غير عاقل، فلا يقال في لاحق - اسم فرس - لاحقون، وإن كان فيه تاء التأنيث فكذلك لا يجمع بهما، فلا يقال في " طلحة " طلحون، وأجاز ذلك الكوفيون (2)، وكذلك إذا كان مركبا، فلا يقال في " سيبويه "
سيبويهون، وأجازه بعضهم..
= وسالم مضاف و " جمع " مضاف إليه، وجمع مضاف إليه و " عامر " مضاف إليه، و " مذنب " معطوف على عامر. (1) وجاء من ذلك قول الشاعر: زعمت تماضر أنني إما أمت يسدد أبينوها الاصاغر خلتي محل الشاهد في قوله " أبينوها " فإنه جمع مصغر " ابن " جمع مذكر سالما ورفعه بالواو نيابة عن الضمة، ولولا التصغير لما جاز أن يجمعه هذا الجمع، لان ابنا اسم جامد وليس بعلم، وإنما سوغ التصغير ذلك لان الاسم المصغر في قوة الوصف، ألا ترى أن رجيلا في قوة قولك: رجل صغير، أو حقير، وأن أبينا في قوة قولك: ابن صغير ؟ (2) ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز جمع العلم المذكر المختوم بتاء التأنيث كطلحة وحمزة جمع مذكر سالما بالواو والنون أو الياء والنون بعد حذف تاء التأنيث التي في = (*)
[ 61 ]
ويشترط في الصفة: أن تكون صفة، لمذكر، عاقل، خالية من تاء التأنيث، ليست من باب أفعل فعلاء، ولا من باب فعلان فعلى، ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، فخرج بقولنا " صفة لمذكر " ما كان صفة لمؤنث، فلا يقال في حائض حائضون، وخرج بقولنا " عاقل " ما كان صفة لمذكر غير عاقل، فلا يقال في سابق صفة فرس سابقون، وخرج بقولنا " خالية من تاء التأنيث " ما كان صفة لمذكر عاقل، ولكن فيه تاء التأنيث، نحو علامة، فلا يقال فيه: علامون، وخرج بقولنا " ليست من باب أفعل فعلاء " ما كان كذلك، نحو " أحمر " فإن مؤنثه حمراء، فلا يقال فيه: أحمرون، وكذلك ما كان من باب فعلان فعلى، نحو " سكران، وسكرى " فلا يقال: سكرانون،
وكذلك إذا استوى في الوصف المذكر والمؤنث، نحو " صبور، وجريح " فإنه يقال: رجل صبور، وامرأة صبور، ورجل جريح، وامرأة جريح، فلا يقال في جمع المذكر السالم: صبورون، ولا جريحون. وأشار المصنف رحمه الله إلى الجامد للشروط التي سبق ذكرها بقوله: " عامر " فإنه علم لمذكر عاقل خال من تاء التأنيث ومن التركيب، فيقال فيه: عامرون..
= المفرد، ووافقهم على ذلك أبو الحسن بن كيسان، وعلى ذلك يقولون: جاء الطلحون والحمزون، ورأيت الطلحين والحمزين، ولهم على ذلك ثلاثة أدلة، الاول: أن هذا علم على مذكر وإن كان لفظه مؤنثا، والعبرة بالمعنى لا باللفظ، والثاني: أن هذه التاء في تقدير الانفصال بدليل سقوطها في جمع المؤنث السالم في قولهم: طلحات، وحمزات، والثالث: أن الاجماع منعقد على جواز جمع العلم المذكر المختوم بألف التأنيث جمع مذكر سالما، فلو سمينا رجلا بحمراء أو حبلى جاز جمعه على حمراوين وحبلين ولا شك أن الاسم المختوم بألف التأنيث أشد تمكنا في التأنيث من المختوم بتاء التأنيث، وإذا جاز جمع الاسم الاشد تمكنا في التأنيث جمع مذكر سالما فجواز جمع الاسم الاخف تمكنا في التأنيث هذا الجمع جائز من باب أولى. (*)
[ 62 ]
وأشار إلى الصفة المذكورة أولا بقوله: " ومذنب " فإنه صفة لمذكر عاقل خالية من تاء التأنيث وليست من باب أفعل فعلاء ولا من باب فعلان فعلى ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، فيقال فيه: مذنبون. * * * وشبه ذين، وبه عشرونا وبابه ألحق، والاهلونا (1) أولو، وعالمون، عليونا وأرضون شذ، والسنونا (2)
وبابه، ومثل حين قد يرد ذا الباب، وهو عند قوم يطرد (3).
(1) " وشبه " الواو حرف عطف، شبه: معطوف على عامر ومذنب، وشبه مضاف و " ذين " مضاف إليه مبني على الياء في محل جر " وبه " جار ومجرور متعلق بقوله ألحق الآتي " عشرونا " مبتدأ " وبابه " الواو عاطفة، باب: معطوف على قوله عشرون، وباب مضاف والهاء ضمير الغائب العائد إلى قوله عشرونا مضاف إليه " ألحق " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قوله عشرونا، والجملة في محل رفع خبر المتبدأ " والاهلون " معطوف على قوله عشرون. (2) " أولو " و " عالمون " و " عليون " و " أرضون ": كلهن معطوف على قوله عشرون " شذ " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على المتعاطفات كلها، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها، لانها استئنافية، وقيل: بل الجملة في محل رفع خبر عن المتعاطفات، والمتعاطفات مبتدأ، وعلى هذا يكون قد أخبر عن الاخير منها فقط " والسنون " و " بابه " معطوفان على قوله عشرون. (3) " ومثل " الواو عاطفة أو للاستئناف، مثل: نصب على الحال من الفاعل المستتر في قوله يرد الآتي، ومثل مضاف، و " حين " مضاف إليه " قد " حرف تقليل " يرد " فعل مضارع " ذا " اسم إشارة فاعل يرد " الباب " بدل أو عطف بيان أو نعت لاسم الاشارة " وهو " مبتدأ " عند " ظرف متعلق بيطرد، وعند مضاف و " قوم " مضاف إليه " يطرد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الضمير المنفصل الواقع مبتدأ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، وتقدير = (*)
[ 63 ]
أشار المصنف - (رحمه الله ! - بقوله: " وشبه ذين " إلى شبه عامر، وهو كل علم مستجمع للشروط السابق ذكرها كمحمد وإبراهيم، فتقول: محمدون
وإبراهيمون، وإلى شبه مذنب، وهو كل صفة اجتمع فيها الشروط، كالافضل والضراب ونحوهما، فتقول: الافضلون والضرابون، وأشار بقوله: " وبه عشرون " إلى ما ألحق بجمع المذكر السالم في إعرابه: بالواو رفعا، وبالياء جرا ونصبا. وجمع المذكر السالم هو: ما سلم فيه بناء الواحد، ووجد فيه الشروط التي سبق ذكرها، فمالا واحد له من لفظه، أو له واحد غير مستكمل للشروط - فليس بجمع مذكر سالم، بل هو ملحق به، فعشرون وبابه - وهو ثلاثون إلى تسعين - ملحق بجمع المذكر السالم، لانه لا واحد له من لفظه، إذ لا يقال: عشر، وكذلك " أهلون " ملحق به، لان مفرده - وهو أهل - ليس فيه الشروط المذكورة (1)، لانه اسم جنس جامد كرجل، وكذلك " أولو "، لانه لا واحد له من لفظه، و " عالمون " جمع عالم، وعالم كرجل اسم جنس جامد، وعليون: اسم لاعلى الجنة، وليس فيه الشروط المذكورة، لكونه لما لا يعقل، وأرضون: جمع أرض، وأرض: اسم جنس جامد مؤنث، والسنون: جمع سنة، والسنة: اسم جنس مؤنث، فهذه كلها ملحقة بالجمع المذكر، لما سبق من أنها غير مستكملة للشروط..
= البيت: وقد يرد هذا الباب (وهو باب سنين) معربا بحركات ظاهرة على النون مع لزوم الياء، مثل إعراب " حين " بالضمة رفعا والفتحة نصبا والكسرة جرا، والاعراب بحركات ظاهرة على النون مع لزوم الياء يطرد في كل جمع المذكر وما ألحق به عند قوم من النحاة أو من العرب. (1) وقد جمع لفظ " أهل " جمع مذكر سالما شذوذا، وذلك كقول الشنفري: ولي دونكم أهلون: سيد عملس، وأرقط ذهلول، وعرفاء حبأل (*)
[ 64 ]
وأشار بقوله " وبابه " إلى باب سنة، وهو: كل اسم ثلاثي، حذفت لامه، وعوض عنها هاء التأنيث، ولم يكسر: كمائة ومئين وثبة وثبين. وهذا الاستعمال شائع في هذا ونحوه، فإن كسر كشفة وشفاه لم يستعمل كذلك إلا شذوذا، كظبة، فإنهم كسروه على ظباة وجمعوه أيضا بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا، فقالوا: ظبون، وظبين. وأشار بقوله: " ومثل حين قد يرد ذا الباب " إلى أن سنين (1) ونحوه قد.
(1) اعلم أن إعراب سنين وبابه إعراب الجمع بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا هي لغة الحجاز وعلياء قيس. وأما بعض بني تميم وبني عامر فيجعل الاعراب بحركات على النون ويلتزم الياء في جميع الاحوال، وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله " ومثل حين " وقد تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه اللغة، وذلك في قوله يدعو على المشركين من أهل مكة: " اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف " وقد روى هذا الحديث برواية أخرى على لغة عامة العرب: " اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فإما أن يكون عليه الصلاة والسلام قد تكلم باللغتين جميعا مرة بهذه ومرة بتلك، لان الدعاء مقام تكرار للمدعو به، وهذا هو الظاهر، وإما أن يكون قد تكلم بإحدى اللغتين، ورواه الرواة بهما جميعا كل منهم رواه بلغة قبيلته، لان الرواية بالمعنى جائزة عند المحدثين، وعلى هذه اللغة جاء الشاهد رقم 7 الذي رواه الشارح، كما جاء قول جرير: أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال وقول الشاعر: ألم نسق الحجيج سلي معدا سنينا ما تعد لنا حسابا وقول الآخر: سنيني كلها لاقيت حربا أعد مع الصلادمة الذكور ومن العرب من يلزم هذا الباب الواو، ويفتح النون في كل أحواله، فيكون
إعرابه بحركات مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل، ومنهم من يلزمه الواو ويجعل الاعراب بحركات على النون كإعراب زيتون ونحوه، ومنهم من يجري الاعراب الذي = (*)
[ 65 ]
تلزمه الياء ويجعل الاعراب على النون، فتقول: هذه سنين، ورأيت سنينا، ومررت بسنين، وإن شئت حذفت التنوين، وهو أقل من إثباته، واختلف في اطراد هذا، والصحيح أنه لا يطرد، وأنه مقصور على السماع، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف " في إحدى الروايتين، ومثله قول الشاعر: 7 - دعاني من نجد، فإن سنينه لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا.
= ذكرناه أولا في جميع أنواع جمع المذكر وما ألحق به، إجراء له مجرى المفرد، ويتخرج على هذه اللغة قول ذي الاصبع العدواني: إني أبي أبي ذو محافظة وابن أبي أبي من أبيين ويجوز في هذا البيت أن تخرجه على ما خرج عليه بيت سحيم (ش 9) الآتي قريبا فتلخص لك من هذا أن في سنين وبابه أربع لغات، وأن في الجمع عامة لغتين. 7 - البيت للصمة بن عبد الله، أحد شعراء عصر الدولة الاموية، وكان الصمة قد هوى ابنة عم له اسمها ريا، فخطبها، فرضي عمه أن يزوجها له على أن يمهرها خمسين من الابل، فذكر ذلك لابيه، فساق عنه تسعة وأربعين، فأبى عمه إلا أن يكملها له خمسين وأبى أبوه أن يكملها، ولج العناد بينهما، فلم ير الصمة بدا من فراقهما جميعا، فرحل إلى الشام، فكان وهو بالشام يحن إلى نجد أحيانا ويذمه أحيانا أخرى، وهذا البيت من قصيدة له في ذلك. اللغة: " دعاني " أي اتركاني، ويروى في مكانه " ذراتي " وهما بمعنى واحد " نجد " بلاد بعينها، أعلاها تهامة واليمن وأسفلها العراق والشام، و " الشيب " -
بكسر الشين - جمع أشيب، وهو الذي وخط الشيب شعر رأسه، و " المرد " - بضم فسكون - جمع أمرد، وهو من لم ينبت بوجهه شعر. الاعراب: " دعاني " دعا: فعل أمر مبني على حذف النون، وألف الاثنين فاعل والنون للوقاية، والياء مفعول به، مبني على الفتح في محل نصب " من نجد " جار ومجرور متعلق بدعاني " فإن " الفاء للتعليل، إن: حرف توكيد ونصب " سنينه " سنين: اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة - وهو محل الشاهد - وسنين مضاف والضمير = (*)
[ 66 ]
[ الشاهد فيه إجراء السنين مجرى الحين، في الاعراب بالحركات وإلزام النون مع الاضافة ]. * * * ونون مجموع وما به التحق فافتح، وقل من بكسره نطق (1).
العائد إلى نجد مضاف إليه، وجملة " لعبن " من الفعل وفاعله في محل رفع خبر إن " بنا " جار ومجرور متعلق بلعبن " شيبا " حال من الضمير المجرور المحل بالباء في بنا، وجملة " شيبننا " من الفعل وفاعله ومفعوله معطوفة بالواو على جملة لعبن " مردا " حال من المفعول به في قوله شيبننا. الشاهد فيه: قوله " فإن سنينه " حيث نصبه بالفتحة الظاهرة، بدليل بقاء النون مع الاضافة إلى الضمير، فجعل هذه النون الزائدة على بنية الكلمة كالنون التي من أصل الكلمة في نحو مسكين وغسلين، ألا ترى أنك تقول: هذا مسكين، ولقد رأيت رجلا مسكينا، ووقعت عيني على رجل مسكين، وتقول: هذا الرجل مسكينكم، فتكون حركات الاعراب على النون سواء أضيفت الكلمة أم لم تضف، لان مثلها مثل الميم في غلام والباء في كتاب، ولو أن الشاعر اعتبر هذه النون زائدة مع الياء للدلالة على أن الكلمة جمع مذكر سالم لوجب عليه هنا أن ينصبه بالياء ويحذف النون فيقول
" فإن سنيه " ومثل هذا البيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف " والابيات التي أنشدناها (في ص 58) وتقدم لنا ذكر ذلك. (1) " ونون " مفعول مقدم لا فتح، ونون مضاف و " مجموع " مضاف إليه " وما " الواو عاطفة، ما: اسم موصول معطوف على مجموع، مبني على السكون في محل جر " به " جار ومجرور متعلق بالتحق الآتي " التحق " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما، والجملة لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " فافتح " الفاء زائدة لتزيين اللفظ، وافتح: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " وقل " فعل ماض " من " اسم موصول في محل رفع فاعل بقل " بكسره " الجار والمجرور متعلق بنطق، وكسر مضاف والضمير العائد على النون مضاف إليه " نطق " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود ألى من، والجملة = (*)
[ 67 ]
ونون ما ثني والملحق به بعكس ذاك استعملوه، فانتبه (1) حق نون الجمع وما ألحق به الفتح، وقد تكسر شذوذا، ومنه قوله: 8 - عرفنا جعفرا وبني أبيه وأنكرنا زعانف آخرين.
= لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، وتقدير البيت: افتح نون الاسم المجموع والذي التحق به، وقل من العرب من نطق بهذه النون مسكورة: أي في حالتي النصب والجر أما في حالة الرفع فلم يسمع كسر هذه النون من أحد منهم. (1) " ونون " الواو عاطفة، نون: مبتدأ، ونو مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " ثنى " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لا محل لها من الاعراب صلة ما " والملحق " معطوف على ما " به " جار ومجرور متعلق بالملحق " بعكس " جار ومجرور متعلق باستعملوه، وعكس مضاف وذا من " ذاك " مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " استعملوه "
فعل ماض، والواو فاعل، والهاء مفعول به، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو " نون " في أول البيت " فانتبه " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، يريد أن لغة جمهور العرب جارية على أن ينطقوا بنون المثنى مكسورة، وقليل منهم من ينطق بها مفتوحة. 8 - هذا البيت لجرير بن عطية بن الخطفي، من أبيات خاطب بها فضالة العرني، وقبله قوله: عرين من عرينة، ليس منا برئت إلى عرينة من عرين المفردات: " جعفر " اسم رجل من ولد ثعلبة بن يربوع " وبني أبيه " إخوته، وهم عرين وكليب وعبيد " زعانف " جمع زعنفة - بكسر الزاي والنون بينهما عين مهملة ساكنة - وهم الاتباع، وفي القاموس " الزعنفة - بالكسر والفتح - القصير والقصيرة، وجمعه زعانف، وهي أجنحة السمك، وكل جماعة ليس أصلهم واحدا " ه. والزعانف أيضا: أهداب الثوب التي تنوس منه، أي تتحرك، ويقال للئام الناس ورذالهم: الزعانف. الاعراب: " عرفنا " فعل وفاعل " جعفرا " مفعوله " وبني " معطوف على جعفر وبني مضاف وأبي من " أبيه " مضاف إليه، وأبي مضاف وضمير الغائب العائد إلى جعفر مضاف إليه " وأنكرنا " الواو حرف عطف، أنكرنا: فعل وفاعل " زعانف " = (*)
[ 68 ]
وقوله: 9 - أكل الدهر حل وارتحال أما يبقي علي ولا يقيني ؟ ! وماذا تبتغي الشعراء مني وقد جاوز ت حد الاربعين ؟ وليس كسرها لغة، خلافا لمن زعم ذلك..
= مفعول به " آخرين " صفة له منصوب بالياء نيابة عن الفتحة لانه جمع مذكر سالم،
وجملة أنكرنا ومعمولاته معطوفة على جملة عرفنا ومعمولاته. الشاهد فيه: كسر نون الجمع في قوله " آخرين " بدليل أن القصيدة مكسورة حرف القافية، وقد روينا البيت السابق على بيت الشاهد ليتضح لك ذلك، وأول الكلمة قوله: أتوعدني وراء بني رياح ؟ كذبت، لتقصرن يداك دوني 9 - هذان البيتان لسحيم بن وثيل الرياحي، من قصيدة له يمدح بها نفسه ويعرض فيها بالابيرد الرياحي ابن عمه، وقبلهما: عذرت البزل إن هي خاطرتني فما بالي وبال ابني لبون ؟ وبعدهما قوله: أخو خمسين (مجتمع) ؟ أشدي ونجذني مداورة الشؤون المفردات: " يبتغي " معناه يطلب، ويروى في مكانه " يدرى " بتشديد الدال المهملة، وهو مضارع ادراه، إذا ختله وخدعه. المعنى: يقول: كيف يطلب الشعراء خديعتي ويطمعون في ختلي وقد بلغت سن التجربة والاختبار التي تمكنني من تقدير الامور ورد كيد الاعداء إلى نحورهم ؟ يريد أنه لا تجوز عليه الحيلة، ولا يمكن لعدوه أن يخدعه. الاعراب: " أكل " الهمزة للاستفهام، وكل: ظرف زمان متعلق بمحذوف خبر مقدم، وكل مضاف و " الدهر " مضاف إليه " حل " مبتدأ مؤخر " وارتحال " معطوف عليه " أما " أصل الهمزة للاستفهام، وما نافية، وأما هنا حرف استفتاح " يبقى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الدهر " على " جار ومجرور متعلق بيبقى " ولا " الواو عاطفة، ولا: زائدة لتأكيد النفي " يقيني " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والنون للوقاية، والياء مفعول به " وماذا " ما: اسم استفهام مبتدأ. وذا: اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع خبر = (*)
[ 69 ]
وحق نون المثنى والملحق به الكسر، وفتحها لغة، ومنه قوله: 10 - على أحوذيين استقلت عشية فما هي إلا لمحة وتغيب.
= " تبتغي " فعل مضارع " الشعراء " فاعله " مني " جار ومجرور متعلق بتبتغي، والجملة من الفعل وفاعله لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، والعائد ضمير منصوب بتبتغي، وهو محذوف: أي تبتغيه " وقد " الواو حالية، قد: حرف تحقيق " جاوزت " فعل وفاعل " حد " مفعول به لجاوز، وحد مضاف و " الاربعين " مضاف إليه، مجرور بالياء المكسور ما قبلها تحقيقا المفتوح ما بعدها تقديرا، وقيل: مجرور بالكسرة الظاهرة، لانه عومل معاملة حين في جعل الاعراب على النون، وسنوضح ذلك في بيان الاستشهاد بالبيت. الشاهد فيه: قوله " الاربعين " حيث وردت الرواية فيه بكسر النون كما رأيت في أبيات القصيدة، فمن العلماء من خرجه على أنه معرب بالحركات الظاهرة على النون على أنه عومل معاملة المفرد من نحو حين ومسكين وغسلين ويقطين، ومنهم من خرجه على أنه جمع مذكر سالم معرب بالياء نيابة عن الكسرة، ولكنه كسر النون، وعليه الشارح هنا. ونظيره بيت ذي الاصبع العدواني الذي رويناه لك (ص 65) وقول الفرزدق: ما سد حي ولا ميت مسدهما إلا الخلائف من بعد النبيين 10 - البيت لحميد بن ثور الهلالي الصحابي، أحد الشعراء المجيدين، وكان لا يقاربه شاعر في وصف القطاة، وهو من أبيات قصيدة له يصف فيها القطاة، وأول الابيات التي يصف فيها القطاة قوله: كما انقبضت كدراء تسقي فراخها بشمظة رفها والمياه شعوب غدت لم تصعد في السماء، وتحتها إذا نظرت أهوية ولهوب فجاءت وما جاء القطا، ثم قلصت بمفحصها، والواردات تنوب
اللغة: " الاحوذيان " مثنى أحوذي، وهو الخفيف السريع، وأراد به هنا جناح القطاة، يصفها بالسرعة والخفة، و " استقلت " ارتفعت وطارت في الهواء، و " العشية " ما بين الزوال إلى المغرب، و " هي " ضمير غائبة تعود إلى القطاة على تقدير مضافين، وأصل الكلام: فما زمان رؤيتها إلا لمحة وتغيب. = (*)
[ 70 ]
وظاهر كلام المصنف - رحمه الله تعالى ! - أن فتح النون في التثنية ككسر نون الجمع في القلة، وليس كذلك، بل كسرها في الجمع شاذ وفتحها في التثنية لغة، كما قدمناه، وهل يختص الفتح بالياء أو يكون فيها وفي الالف ؟ قولان، وظاهر كلام المصنف الثاني (1).
= المعنى: يريد أن هذه القطاة قد طارت بجناحين سريعين، فليس يقع نظرك عليها حين تهم بالطيران إلا لحظة يسيرة ثم تغيب عن ناظريك فلا تعود تراها، يقصد أنها شديدة السرعة. الاعراب: " على أحوذيين " جار ومجرور متعلق باستقلت " استقلت " استقل: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على القطاة التي تقدم وصفها " عشية " ظرف زمان منصوب على الظرفية متعلق باستقلت " فما " الفاء عاطفة، ما: نافية " هي " مبتدأ بتقدير مضافين، والاصل: فما زمان مشاهدتها إلا لمحة وتغيب بعدها " إلا " أداة استثناء ملغاة لا عمل لها " لمحة " خبر المبتدأ " وتغيب " الواو عاطفة، وتغيب فعل مضارع فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على القطاة، والجملة من الفعل والفاعل معطوفة عآلى جملة المبتدأ والخبر. الشاهد فيه: فتح نون المثنى من قوله " أحوذيين " وهي لغة، وليست بضرورة، لان كسرها يأتي معه الوزن ولا يفوت به غرض. (1) اعلم أنهم اتفقوا على زيادة نون بعد ألف المثنى ويائه وبعد واو الجمع ويائه،
واختلف النحاة في تعليل هذه الزيادة على سبعة أوجه، الاول - وعليه ابن مالك - أنها زيدت دفعا لتوهم الاضافة في " رأيت بنين كرماء " إذ لو قلت " رأيت بني كرماء " لم يدر السامع الكرام هم البنون أم الآباء ؟ فلما جاءت النون علمنا أنك إن قلت " بني كرماء " فقد أردت وصف الآباء بالكرم وأن بني مضاف وكرماء مضاف إليه، وإن قلت " بنين كرماء " فقد أردت وصف الابناء أنفسهم بالكرم وأن كرماء نعت لبنين، وبعدا عن توهم الافراد في " هذان " ونحو " الخوزلان " و " المهتدين "، إذ لولا النون لالتبست الصفة بالمضاف إليه على ما علمت أولا ولالتبس المفرد بالمثنى أو بالجمع، الثاني أنها زيدت عوضا عن الحركة في الاسم المفرد، وعليه الزجاج، والثالث: أن زيادتها عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وعليه ابن كيسان، وهو الذي يجري على ألسنة المعربين، والرابع: أنها عوض عن الحركة والتنوين معا، وعليه ابن ولاد والجزولي، = (*)
[ 71 ]
ومن الفتح مع الالف قول الشاعر: 11 - أعرف منها الجيد والعينانا ومنخرين أشبها ظبيانا.
= والخامس: أنها عوض عن الحركة والتنوين فيما كان التنوين والحركة في مفرده كمحمد وعلي، وعن الحركة فقط فيما لا تنوين في مفرده كزينب وفاطمة، وعن التنوين فقط فيما لا حركة في مفرده كالقاضي والفتى، وليست عوضا عن شئ منهما فيما لا حركة ولا تنوين في مفرده كالحبلى، وعليه ابن جنى، والسادس: أنها زيدت فرقا بين نصب المفرد ورفع المثنى، إذ لو حذفت النون من قولك " عليان " لاشكل عليك أمره، فلم تدر أهو مفرد منصوب أم مثنى مرفوع، وعلى هذا الفراء، والسابع: أنها نفس التنوين حرك للتخلص من التقاء الساكنين. ثم المشهور الكثير أن هذه النون مكسورة في المثنى مفتوحة في الجمع، فأما مجرد حركتها فيهما فلاجل التخلص من التقاء الساكنين، وأما المخالفة بينهما فلتميز كل
واحد من الآخر، وأما فتحها في الجمع فلان الجمع ثقيل لدلالته على العدد الكثير والمثنى خفيف، فقصدت المعادلة بينهما، لئلا يجتمع ثقيلان في كلمة، وورد العكس في الموضعين وهو فتحها مع المثنى وكسرها مع الجمع، ضرورة لا لغة، وقيل: ذلك خاص بحالة الياء فيهما، وقيل لا، بل مع الالف والواو أيضا. وذكر الشيباني وابن جنى أن من العرب من يضم النون في المثنى، وعلى هذا ينشدون قول الشاعر: يا أبتا أرقني القذان فالنوم لا تطعمه العينان وهذا إنما يجئ مع الالف، لا مع الياء. وسمع تشديد نون المثنى في تثنية اسم الاشارة والموصول فقط، وقد قرئ بالتشديد في قوله تعالى: (فذانك برهانان) وقوله: (واللذان يأتيانها) وقوله: (إحدى ابننى هاتين) وقوله سبحانه: (ربنا أرنا اللذين). 11 - البيت لرجل من ضبة كما قال المفضل، وزعم العيني أنه لا يعرف قائله، وقيل: هو لرؤبة، والصحيح الاول، وهو من رجز أوله: إن لسلمى عندنا ديوانا يخزي فلانا وابنه فلانا كانت عجوزا عمرت زمانا وهي ترى سيئها إحسانا = (*)
[ 72 ]
وقد قيل: إنه مصنوع (1)، فلا يحتج به. * * *.
= اللغة: " الجيد " العنق " منخرين " مثنى منخر، بزنة مسجد، وأصله مكان النخير وهو الصوت المنبعث من الانف، ويستعمل في الانف نفسه لانه مكانه، من باب تسمية الحال باسم محله، كإطلاق لفظ القرية وإرادة سكانها " ظبيان " اسم رجل، وقيل: مثنى ظبي، قال أبو زيد " ظبيان: اسم رجل، أراد أشبها منخرى ظبيان "، فحذف،
كما قال الله عز وجل: (واسأل القرية) يريد أهل القرية " اه، وتأويل أبي زيد في القرية على أنه مجاز بالحذف، وهو غير التأويل الذي ذكرناه آنفا. الاعراب: " أعرف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " منها " جار ومجرور متعلق بأعرف " الجيد " مفعول به لاعرف " والعينانا " معطوف على الجيد منصوب بفتحة مقدرة على الالف منع من ظهورها التعذر " ومنخرين " معطوف على الجيد أيضا، منصوب بالياء نيابة عن الفتحة لانه مثنى " أشبها " أشبه: فعل ماض، وألف الاثنين فاعل " ظبيانا " مفعول به، منصوب بالفتحة الظاهرة على أنه مفرد كما هو الصحيح، فأما على أنه مثنى فهو منصوب بفتحة مقدرة على الالف كما في قوله " والعينانا " السابق، وذلك على لغة من يلزم المثنى الالف، والجملة من الفعل وفاعله في محل نصب صفة لمنخرين. الشاهد فيه: قوله " والعينانا " حيث فتح نون المثنى، وقال جماعة منهم الهروي: الشاهد فيه في موضعين: أحدهما ما ذكرنا، وثانيهما قوله " ظبيانا "، ويتأتى ذلك على أنه تثنية ظبي، وهو فاسد من جهة المعنى، والصواب أنه مفرد، وهو اسم رجل كما قدمنا لك عن أبي زيد، وعليه لا شاهد فيه، وزعم بعضهم أن نون " منخرين " مفتوحة، وأن فيها شاهدا أيضا، فهو نظير قول حميد بن ثور " على أحوذيين " الذي تقدم (ش رقم 10). (1) حكى ذلك ابن هشام رحمه الله، وشبهة هذا القيل أن الراجز قد جاء بالمثنى بالالف في حاله النصب، وذلك في قوله " والعينانا " وفي قوله " ظبيانا " عند الهروي وجماعة، ثم جاء به بالياء في قوله " منخرين " فجمع بين لغتين من لغات العرب في بيت واحد، وذلك قلما يتفق لعربي، ويرد هذا الكلام شيئان، أولهما: أن أبا زيد رحمه الله قد روى هذه الابيات، ونسبها لرجل من ضبة، وأبو زيد ثقة ثبت حتى إن = (*)
[ 73 ]
وما بتا وألف قد جمعا يكسر في الجر وفي النصب معا (1) لما فرغ من الكلام على الذي تنوب فيه الحروف عن الحركات شرع في ذكر ما نابت فيه حركة عن حركة، وهو قسمان، أحدهما: جمع المؤنث السالم، نحو مسلمات، وقيدنا ب " السالم " احترازا عن جمع التكسير، وهو: ما لم يسلم فيه بناء الواحد، نحو: هنود، وأشار إليه المصنف - رحمه الله تعالى ! - بقوله: " وما بتا وألف قد جمعا " أي جمع بالالف والتاء المزيدتين، فخرج نحو قضاة (2)، فإن ألفه غير زائدة، بل هي منقلبة عن أصل وهو الياء، لان أصله.
= سيبويه رحمه الله كان يعبر عنه في كتابه بقوله " حدثني الثقة " أو " أخبرني الثقة " ونحو ذلك، وثانيهما: أن الرواية عند أبي زيد في نوادره: * ومنخران أشبها ظبيانا * بالالف في " منخرين " أيضا، فلا يتم ما ذكروه من الشبهة لادعاء أن الشاهد مصنوع، فافهم ذلك وتدبره. (1) " وما " الواو للاستئناف، ما: اسم موصول مبتدأ " بتا " جار ومجرور متعلق بجمع الآتي " وألف " الواو حرف عطف، ألف: معطوف على تا " قد " حرف تحقيق " جمعا " جمع: فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " يكسر " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم الموصول الواقع مبتدأ، والجملة من الفعل المضارع ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ " في الجر " جار ومجرور متعلق بيكسر " وفي النصب " الواو حرف عطف، في النصب: جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور الاول " معا " ظرف متعلق بمحذوف حال. (2) مثل قضاة في ذلك: بناة، وهداة، ورماة، ونظيرها: غزاة، ودعاة،
وكساة، فإن الالف فيها منقلبة عن أصل، لكن الاصل في غزاة ودعاة وكساة واو لا ياء. (*)
[ 74 ]
قضية، ونحو أبيات (1) فإن تاءه أصلية، والمراد [ منه ] ما كانت الالف والتاء سببا في دلالته على الجمع، نحو " هندات "، فاحترز بذلك عن نحو " قضاة، وأبيات "، فإن كل واحد منهما جمع ملتبس بالالف والتاء، وليس مما نحن فيه، لان دلالة كل واحد منهما على الجمع ليس بالالف والتاء، وإنما هو بالصيغة، فاندفع بهذا التقرير الاعتراض على المصنف بمثل " قضاة، وأبيات " وعلم أنه لا حاجة إلى أن يقول: بألف وتاء مزيدتين، فالباء في قوله " بتا " متعلقة بقوله: " جمع ". وحكم هذا الجمع أن يرفع بالضمة، وينصب ويجر بالكسرة، نحو: " جاءني هندات، ورأيت هندات، ومررت بهندات " فنابت فيه الكسرة عن الفتحة، وزعم بعضهم أنه مبني في حالة النصب، وهو فاسد، إذ لا موجب لبنائه (2). * * *.
(1) ومثل أبيات في ذلك: أموات، وأصوات، وأثبات، وأحوات جمع حوت، وأسحات جمع سحت بمعنى حرام. (2) اختلف النحويون في جمع المؤنث السالم إذا دخل عليه عامل يقتضي نصبه، فقيل: هو مبني على الكسر في محل نصب مثل هؤلاء وحذام ونحوهما، وقيل: هو معرب، ثم قيل: ينصب بالفتحة الظاهرة مطلقا: أي سواء كان مفرده صحيح الآخر نحو زينبات وطلحات في جمع زينب وطلحة، أم كان معتلا نحو لغات وثبات في جمع لغة وثبة، وقيل: بل ينصب بالفتحة إذا كان مفرده معتلا، وبالكسرة إذا
كان مفرده صحيحا، وقيل: ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة مطلقا، حملا لنصبه على جره، كما حمل نصب جمع المذكر السالم - الذي هو أصل جمع المؤنث - على جره فجعلا بالياء، وهذا الاخير هو أشهر الاقوال، وأصحها عندهم، وهو الذي جرى عليه الناظم هنا. (*)
[ 75 ]
كذا أولات، والذي اسما قد جعل - كأذرعات - فيه ذا أيضا قبل (1) أشار بقوله: " كذا أولات " إلى أن " أولات " تجري مجرى جمع المؤنث السالم في أنها تنصب بالكسرة، وليست بجمع مؤنث سالم، بل هي ملحقة به، وذلك لانها لا مفرد لها من لفظها. ثم أشار بقوله: " والذي اسما قد جعل " إلى أن ما سمي به من هذا الجمع والملحق به، نحو: " أذرعات " ينصب بالكسرة كما كان قبل التسمية به، ولا يحذف منه التنوين، نحو: " هذه أذرعات، ورأيت أذرعات، ومررت بأذرعات "، هذا هو المذهب الصحيح، وفيه مذهبان آخران، أحدهما: أنه يرفع بالضمة، وينصب ويجر بالكسرة، ويزال منه التنوين، نحو: " هذه أذرعات، ورأيت أذرعات، ومررت بأذرعات " والثاني: أنه يرفع بالضمة،.
(1) " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " أولات " مبتدأ مؤخر " والذي " الواو للاستئناف، الذي: اسم موصول مبتدأ أول " اسما " مفعول ثان لجعل الآتي " قد " حرف تحقيق " جعل " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل - وهو المفعول الاول - ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذي، والجملة لا محل لها صلة الموصول " كأذرعات " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كأذرعات " فيه " جار ومجرور متعلق بقبل الآتي " ذا " مبتدأ ثان " أيضا " مفعول مطلق حذف عامله " قبل " فعل ماض، مبني للمجهول، ونائب
الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول، وهو الذي، أي: وقد قبل هذا الاعراب في الجمع الذي جعل اسما - كأذرعات، والتقدير الاعرابي للبيت: وأولات كذلك، أي كالجمع بالالف والتاء، والجمع الذي جعل اسما أي سمي به بحيث صار علما، ومثاله أذرعات - هذا الاعراب قد قبل فيه أيضا، وأذرعات في الاصل: جمع أذرعة الذي هو جمع ذراع، كما قالوا: رجالات وبيوتات وجمالات، وقد سمي بأذرعات بلد في الشام كما ستسمع في الشاهد رقم 12. (*)
[ 76 ]
وينصب ويجر بالفتحة، ويحذف منه التنوين، نحو: " هذه أذرعات، ورأيت أذرعات، ومررت بأذرعات "، ويروى قوله: 12 - تنورتها من أذرعات، وأهلها بيثرب، أدنى دارها نظر عالي.
12 - البيت لامرئ القيس بن حجر الكندي، من قصيدة مطلعها: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي اللغة: " تنورتها " نظرت إليها من بعد، وأصل التنور: النظر إلى النار من بعد، سواء أراد قصدها أم لم يرد، و " أذرعات " بلد في أطراف الشام، و " يثرب " اسم قديم لمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم " أدنى " أقرب " عال " عظيم الارتفاع والامتداد. الاعراب: " تنورتها " فعل وفاعل ومفعول به " من " حرف جر " أذرعات " مجرور بمن، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، إذا قرأته بالجر منونا أو من غير تنوين، فإن قرأته بالفتح قلت: وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لانه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف العلمية والتأنيث، والجار والمجرور متعلق بتنور " وأهلها " الواو للحال، وأهل: مبتدأ، وأهل مضاف والضمير مضاف إليه " بيثرب " جار ومجرور
متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال " أدنى " مبتدأ، وأدنى مضاف ودار من " دارها " مضاف إليه، ودار مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه " نظر " خبر المبتدأ " عال " نعت لنظر. الشاهد فيه: قوله " أذرعات " فإن أصله جمع، كما بينا في تقدير بيت الناظم، ثم نقل فصار اسم بلد، فهو في اللفظ جمع، وفي المعنى مفرد، ويروى في هذا البيت بالاوجه الثلاثة التي ذكرها الشارح: فأما من رواه بالجر والتنوين فإنما لاحظ حاله قبل التسمية به، من أنه جمع بالالف والتاء المزيدتين، والذين يلاحظون ذلك يستندون إلى أن التنوين في جمع المؤنث السالم تنوين المقابلة، إذ هو في مقابلة النون التي في جمع المذكر السالم، وعلى هذا لا يحذف التنوين ولو وجد في الكلمة ما يقتضي منع صرفها، لان التنوين الذي يحذف عند منع الصرف هو تنوين التمكين، وهذا عندهم كما قلنا تنوين المقابلة، وأما من رواه بالكسر من غير تنوين - وهم جماعة منهم المبرد والزجاج - فقد لاحظوا فيه أمرين: أولهما أنه جمع بحسب أصله، وثانيهما: أنه علم على مؤنث، = (*)
[ 77 ]
بكسر التاء منونة كالمذهب الاول، وبكسرها بلا تنوين كالمذهب الثاني، وبفتحها بلا تنوين كالمذهب الثالث. * * * وجر بالفتحة ما لا ينصرف ما لم يضف أو يك بعد " أل " ردف (1) أشار بهذا البيت إلى القسم الثاني مما ناب فيه حركة عن حركة، وهو الاسم الذي لا ينصرف، وحكمه أنه يرفع بالضمة، نحو، " جاء أحمد " وينصب بالفتحة، نحو: " رأيت أحمد " ويجر بالفتحة أيضا، نحو: " مررت بأحمد "، فنابت الفتحة عن الكسرة. هذا إذا لم يضف أو يقع بعد الالف واللام، فإن أضيف جر بالكسرة، نحو: " مررت بأحمدكم " وكذا إذا دخله الالف واللام،
.
= فأعطوه من كل جهة شبها، فمن جهة كونه جمعا نصبوه بالكسرة نيابة عن الفتحة، ومن جهة كونه علم مؤنث حذفوا تنوينه، وأما الذين رووه بالفتح من غير تنوين - وهم جماعة منهم سيبويه وابن جنى - فقد لاحظوا حالته الحاضرة فقط، وهي أنه علم مؤنث. (1) " وجر " الواو للاستئناف، جر: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بالفتحة " جار ومجرور متعلق بجر " ما " اسم موصول مفعول به لجر، مبني على السكون في محل نصب " لا " نافية " ينصرف " فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وسكن للوقف، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها صلة الموصول " ما " مصدرية ظرفية " لم " حرف نفي وجزم وقلب " يضف " فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم، وعلامة جزمه السكون، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه، والجملة صلة ما المصدرية " أو " عاطفة " يك " معطوف على يضف، مجزوم بسكون النون المحذوفة للتخفيف، وهو متصرف من كان الناقصة، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة " بعد " ظرف متعلق بمحذوف خبر يك، وبعد مضاف و " أل " مضاف إليه مقصود لفظه " ردف " فعل = (*)
[ 78 ]
نحو " مررت بالاحمد (1) "، فإنه يجر بالكسرة (2). * * * واجعل لنحو " يفعلان " النونا رفعا، وتدعين وتسألونا (3).
= ماض مبني على الفتح لا محل له من الاعراب، وسكن للوقف، والفاعل ضمير مستتر فيه، والجملة في محل نصب حال من الاسم الموصول وهو ما: أي اجرر بالفتحة الاسم الذي لا ينصرف مدة عدم إضافته وكونه غير واقع بعد أل. (1) قد دخلت أل على العلم إما للمح الاصل وإما لكثرة شياعه بسبب تعدد المسمى
بالاسم الواحد وإن تعدد الوضع، وقد أضيف العلم لذلك السبب أيضا، فمن أمثلة دخول أل على العلم قول الراجز: باعد أم العمرو من أسيرها حراس أبواب على قصورها ومن أمثلة إضافة العلم قول الشاعر: علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم بأبيض ماضي الشفرتين يمان (2) سواء أكانت " أل " معرفة، نحو " الصلاة في المساجد أفضل منها في المنازل " أو موصولة كالاعمى والاصم، واليقظان، أو زائدة كقول ابن ميادة يمدح الوليد بن يزيد: رأيت الوليد بن اليزيد مباركا شديدا بأعباء الخلافة كاهله فأن الاسم مع كل واحد منها يجر بالكسرة. (3) " واجعل " الواو للاستئناف، اجعل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لنحو " جار ومجرور متعلق باجعل، ونحو مضاف، و " يفعلان " قصد لفظه: مضاف إليه " النونا " مفعول به لاجعل " رفعا " مفعول لاجله، أو منصوب على نزع الخافض " وتدعين " الواو عاطفة، وتدعين: معطوف على يفعلان، وقد قصد لفظه أيضا " وتسألونا " الواو عاطفة، تسألون: معطوف على يفعلان، وقد قصد لفظه أيضا، وأراد من " نحو يفعلان " كل فعل مضارع اتصلت به ألف الاثنين، وأراد من نحو تدعين كل فعل مضارع اتصلت به ياء المؤنثة المخاطبة، ومن نحو تسألون كل فعل مضارع اتصلت به واو الجماعة. (*)
[ 79 ]
وحذفها للجزم والنصب سمه كلم تكوني لترومي مظلمه (3) لما فرغ من الكلام على ما يعرب من الاسماء بالنيابة شرع في ذكر ما يعرب من الافعال بالنيابة، وذلك الامثلة الخمسة، فأشار بقوله " يفعلان " إلى كل فعل
اشتمل على ألف اثنين: سواء كان في أوله الياء، نحو " يضربان " أو التاء، نحو " تضربان " وأشار بقوله: " وتدعين " إلى كل فعل اتصل به ياء مخاطبة، نحو " أنت تضربين " وأشار بقوله " وتسألون " إلى كل فعل اتصل به واو الجمع، نحو " أنتم تضربون " سواء كان في أوله التاء كما مثل، أو الياء، نحو " الزيدون يضربون ". فهذه الامثلة الخمسة - وهي: يفعلان، وتفعلان، ويفعلون، وتفعلون، وتفعلين - ترفع بثبوت النون، وتنصب وتجزم بحذفها، فنابت النون فيه عن الحركة التي هي الضمة، نحو " الزيدان يفعلان " فيفعلان: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، وتنصب وتجزم بحذفها، نحو " الزيدان لن.
(1) " وحذفها " الواو للاستئناف، حذف: مبتدأ، وحذف مضاف، وها: مضاف إليه " للجزم " جار ومجرور متعلق بسمة الآتي " والنصب " معطوف على الجزم " سمة " خبر المبتدأ، والسمة - بكسر السين المهملة - العلامة، وفعلها وسم يسم سمة على مثال وعد يعد عدة ووصف يصف صفة وومق يمق مقة " كلم " الكاف حرف جر، والمجرور بها محذوف، والتقدير: وذلك كائن كقولك، ولم: حرف نفي وجزم وقلب " تكوني " فعل مضارع متصرف من كان الناقصة مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف النون، وياء المؤنثة المخاطبة اسم تكون، مبني على السكون في محل رفع " لترومي " اللام لام الجحود، وترومي فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد لام الجحود، وعلامة نصبه حذف النون، والياء فاعل " مظلمة " مفعول به لترومي، والمظلمة - بفتح اللام - الظلم، وأن المصدرية المضمرة مع مدخولها في تأويل مصدر مجرور بلام الجحود، واللام ومجرورها يتعلقان بمحذوف خبر تكوني، وجملة تكون واسمها وخبرها في محل نصب مقول القول الذي قدرناه. (*)
[ 80 ]
يقوما، ولم يخرجا " فعلامة النصب والجزم سقوط النون من " يقوما، ويخرجا " ومنه قوله تعالى: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار). * * * وسم معتلا من الاسماء ما كالمصطفى والمرتقي مكارما (1) فالاول الاعراب فيه قدرا جميعه، وهو الذي قد قصرا (2).
(1) " وسم " الواو للاستئناف، سم: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " معتلا " مفعول ثان لسم مقدم على المفعول الاول " من الاسماء " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ما " ما " اسم موصول مفعول أول لسم، مبني على السكون في محل نصب " كالمصطفى " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول " والمرتقي " معطوف على المصطفى " مكارما " مفعول به للمرتقي، والمعنى: اسم ما كان آخره ألفا كالمصطفى، أو ما كان آخره ياء كالمرتقي، حال كونه من الاسما، لا من الافعال معتلا. (2) " فالاول " مبتدأ أول " الاعراب " مبتدأ ثان " فيه " جار ومجرور متعلق بقدر الآتي " قدرا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الاعراب، والالف للاطلاق " جميعه " جميع: توكيد لنائب الفاعل المستتر، وجميع مضاف والهاء مضاف إليه، والجملة من الفعل ونائب الفاعل خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول، ويجوز أن يكون " جميعه " هو نائب الفاعل لقدر، وعلى ذلك لا يكون في " قدر " ضمير مستتر، كما يجوز أن يكون " جميعه " توكيدا للاعراب ويكون في " قدر " ضمير مستتر عائد إلى الاعراب أيضا " هو الذي " مبتدأ وخبر " قد " حرف تحقيق " قصرا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الذي، والالف للاطلاق، والجملة لا محل لها صلة الذي، والمعنى: فالاول - وهو ما آخره ألف
من الاسماء كالمصطفى - الاعراب جميعه: أي الرفع والنصب والجر، قدر على آخره الذي هو الالف، وهذا النوع هو الذي قد قصرا: أي سمي مقصورا، من القصر بمعنى الحبس، وإنما سمي بذلك لانه قد حبس ومنع من جنس الحركة. (*)
[ 81 ]
والثان منقوص، ونصبه ظهر ورفعه ينوى، كذا أيضا يجر (1) شرع في ذكر إعراب المعتل من الاسماء والافعال، فذكر أن ما كان مثل " المصطفى، والمرتقي " يسمى معتلا، وأشار " بالمصطفى " إلى ما في آخره ألف لازمة قبلها فتحة، مثل " عصا، ورحى "، وأشار " بالمرتقي " إلى ما في آخره ياء مكسور ما قبلها، نحو " القاضي، والداعي ". ثم أشار إلى أن ما في آخره ألف مفتوح ما قبلها يقدر فيه جميع حركات الاعراب: الرفع، والنصب، والجر، وأنه يسمى المقصور، فالمقصور هو: الاسم المعرب الذي في آخره ألف لازمة، فاحترز ب " الاسم " من الفعل، نحو يرضى، وب " المعرب " من المبني، نحو إذا، وب " الالف " من المنقوص، نحو القاضي كما سيأتي، وب " لازمة " من المثنى في حالة الرفع، نحو الزيدان، فإن ألفه لا تلزمه إذ تقلب ياء في الجر والنصب، نحو [ رأيت ] الزيدين. وأشار بقوله " والثان منقوص " إلى المرتقي، فالمنقوص هو: الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة قبلها كسرة نحو المرتقي، فاحترز ب " الاسم " عن الفعل نحو يرمي، وب " المعرب " عن المبني، نحو الذي، وبقولنا " قبلها كسرة " عن.
(1) " والثان منقوص " مبتدأ وخبر " ونصبه " الواو عاطفة، نصب: مبتدأ، ونصب مضاف والهاء ضمير الغائب العائد على الثاني مضاف إليه " ظهر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على نصب، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو نصب " ورفعه " الواو عاطفة، ورفع: مبتدأ، ورفع مضاف والهاء مضاف
إليه " ينوى " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على رفع، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو رفع " كذا " جار ومجرور متعلق بيجر " أيضا " مفعول مطلق لفعل محذوف " يجر " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المنقوص. (*)
[ 82 ]
التي قبلها سكون، نحو ظبي ورمي، فهذا معتل جار مجرى الصحيح، في رفعه بالضمة، ونصبه بالفتحة، وجره بالكسرة. وحكم هذا المنقوص أنه يظهر فيه النصب (1)، نحو " رأيت القاضي "، وقال الله تعالى: (يا قومنا أجيبوا داعي الله) ويقدر فيه الرفع والجر لثقلهما على الياء (2).
(1) من العرب من يعامل المنقوص في حالة النصب معاملته إياه في حالتي الرفع والجر، فيقدر فيه الفتحة على الياء أيضا، إجراء للنصب مجرى الرفع والجر، وقد جاء من ذلك قول مجنون ليلى: ولو أن واش باليمامة داره وداري بأعلى حضر موت اهتدى ليا وقول بشر بن أبي خازم، وهو عربي جاهلي: كفى بالنأي من أسماء كافي وليس لنأيها إذ طال شافي فأنت ترى المجنون قال " أن واش " فسكن الياء ثم حذفها مع أنه منصوب، لكونه اسم أن، وترى بشرا قال " كافي " مع أنه حال من النأي أو مفعول مطلق. وقد اختلف النحاة في ذلك، فقال المبرد: هو ضرورة، ولكنها من أحسن ضرورات الشعر، والاصح جوازه في سعة الكلام، فقد قرئ (من أوسط ما تطعمون أهاليكم) بسكون الياء. (2) من العرب من يعامل المنقوص في حالتي الرفع والجر كما يعامله في حالة النصب، فيظهر الضمة والكسرة على الياء كما يظهر الفتحة عليها، وقد ورد من ذلك قول جرير
ابن عطية: فيوما يوافين الهوى غير ماضي ويوما ترى منهن غولا تغول وقول الآخر: لعمرك ما تدري متى أنت جائي ولكن أقصى مدة الدهر عاجل وقول الشماخ بن ضرار الغطفاني: كأنها وقد بدا عوارض وفاض من أيديهن فائض وقول جرير أيضا: وعرق الفرزدق شر العروق خبيث الثرى كابي الازند = (*)
[ 83 ]
نحو " جاء القاضي، ومررت بالقاضي "، فعلامة الرفع ضمة مقدرة على الياء، وعلامة الجر كسرة مقدرة على الياء. وعلم مما ذكر أن الاسم لا يكون في آخره واو قبلها ضمة، نعم إن كان مبنيا وجد ذلك فيه، نحو هو، ولم يوجد ذلك في المعرب إلا في الاسماء الستة في حالة الرفع نحو " جاء أبوه " وأجاز ذلك الكوفيون في موضعين آخرين، أحدهما: ما سمي به من الفعل، نحو يدعو، ويغزو، والثاني: ما كان أعجميا، نحو سمندو، وقمندو. * * * وأي فعل آخر منه ألف، أو واو، أو ياء، فمعتلا عرف (1).
= ولا خلاف بين أحد من النحاة في أن هذا ضرورة لا تجوز في حالة السعة، والفرق بين هذا والذي قبله أن فيما مضى حمل حالة واحدة على حالتين، ففيه حمل النصب على حالتي الرفع والجر، فأعطينا الاقل حكم الاكثر، ولهذا جوزه بعض العلماء في سعة الكلام، وورد في قراءة جعفر الصادق رضي الله عنه: (من أوسط ما تطعمون
أهاليكم) أما هذا ففيه حمل حالتين وهما حالة الرفع وحالة الجر على حالة واحدة وهي حالة النصب، وليس من شأن الاكثر أن يحمل على الاقل، ومن أجل هذا اتفقت كلمة النحاة على أنه ضرورة يغتفر منها ما وقع فعلا في الشعر، ولا ينقاس عليها. (1) " أي " اسم شرط مبتدأ، وأي مضاف و " فعل " مضاف إليه " آخر " مبتدأ " منه " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لآخر، وهو الذي سوغ الابتداء به " ألف " خبر المبتدأ الذي هو آخر، والجملة مفسرة لضمير مستتر في كان محذوفا بعد أي الشرطية: أي فهذه الجملة في محل نصب خبر كان المحذوفة مع اسمها، وكان هي فعل الشرط، وقيل: آخر اسم لكان المحذوفة، وألف خبرها، وإنما وقف عليه بالسكون مع أن المنصوب المنون بوقف عليه بالالف على لغة ربيعة التي تقف على المنصوب المنون بالسكون، ويبعد هذا الوجه كون قوله " أو واو أو ياء " مرفوعين، وإن أمكن جعلهما خبرا لمبتدأ محذوف وتكون " أو " قد عطفت جملة على جملة " أو واو أو ياء " معطوفان على ألف " فمعتلا " الفاء واقعة في جواب الشرط، و " معتلا " = (*)
[ 84 ]
أشار إلى أن المعتل من الافعال هو ما كان في آخره واو قبلها ضمة، نحو: يغزو، أو ياء قبلها كسرة، نحو: يرمي، أو ألف قبلها فتحة، نحو: يخشى. * * * فالالف انو فيه غير الجزم وأبد نصب ما كيدعو يرمي (1) والرفع فيهما انو، واحذف جازما ثلاثهن، تقض حكما لازما (2).
= حال من الضمير المستتر في عرف مقدم عليه " عرف " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فعل، وخبر " أي " هو مجموع جملة الشرط والجواب على الذي نختاره في أخبار أسماء الشرط الواقعة مبتدأ،
والتقدير: أي فعل مضارع كان هو - أي الحال والشأن - آخره ألف أو واو أو ياء فقد عرف هذا الفعل بأنه معتل، يريد أن المعتل من الافعال المعربة هو ما آخره حرف علة ألف أو واو أو ياء. (1) " فالالف " مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده، وهو على حذف " في " توسعا، والتقدير: ففي الالف انو " انو " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " فيه " جار ومجرور متعلق بانو " غير " مفعول به لانو، وغير مضاف و " الجزم " مضاف إليه " وأبد " الواو حرف عطف، أبد: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " نصب " مفعول به لابد، ونصب مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر " كيدعو " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة لما " يرمي " معطوف على يدعو مع إسقاط حرف العطف، يريد أن ما كان من الافعال المعربة آخره ألف يقدر فيه الرفع والنصب اللذان هما غير الجزم، وما كان من الافعال المعربة آخره واو كيدعو أو ياء كيرمي يظهر فيه النصب. (2) " والرفع " الواو حرف عطف، الرفع: مفعول به مقدم على عامله وهو انو الآتي " فيهما " جار ومجرور متعلق بانو " انو " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " واحذف " فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " جزما " حال من فاعل احذف المستتر فيه " ثلاثهن " مفعول به لا حذف بتقدير مضاف، ومعمول جازما محذوف، والتقدير: واحذف أواخر ثلاثهن حال كونك جازما = (*)
[ 85 ]
ذكر في هذين البيتين كيفية الاعراب في الفعل المعتل، فذكر أن الالف يقدر فيها غير الجزم - وهو الرفع والنصب - نحو " زيد يخشى " فيخشى: مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الالف، و " لن يخشى " فيخشى: منصوب، وعلامة النصب فتحة مقدرة على الالف، وأما الجزم فيظهر، لانه
يحذف له الحرف الآخر، نحو " لم يخش ". وأشار بقوله: " وأبد نصب ما كيدعو يرمي " إلى أن النصب يظهر فيما آخره واو أو ياء، نحو " لن يدعو، ولن يرمي ". وأشار بقوله " والرفع فيهما انو " إلى أن الرفع يقدر في الواو والياء، نحو " يدعو، ويرمي " فعلامة الرفع ضمة مقدرة على الواو والياء. وأشار بقوله: " واحذف جازما ثلاثهن " إلى أن الثلاث وهي الالف، والواو، والياء تحذف في الجزم، نحو " لم يخش، ولم يغز، ولم يرم " فعلامة الجزم حذف الالف والواو والياء. وحاصل ما ذكره: أن الرفع يقدر في الالف والواو والياء، وأن الجزم يظهر في الثلاثة بحذفها، وأن النصب يظهر في الياء والواو، ويقدر في الالف. * * *.
الافعال، أو يكون " ثلاثهن " مفعولا لجازما، ومعمول احذف هو المحذوف، والتقدير: واحذف أحرف العلة حال كونك جازما ثلاثهن " تقض " فعل مضارع مجزوم في جواب الامر الذي هو احذف، وعلامة جزمه حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " حكما " مفعول به لتقض على تضمينه معنى تؤدى " لازما " نعت لحكما. (*)
[ 86 ]
النكرة والمعرفة نكرة: قابل أل، مؤثرا، أو واقع موقع ما قد ذكرا (1) النكرة: ما يقبل " أل " وتؤثر فيه التعريف، أو يقع موقع ما يقبل " أل " (2) فمثال ما يقبل " أل " وتؤثر فيه التعريف " رجل " فتقول: الرجل،
واحترز بقوله " وتؤثر فيه التعريف " مما يقبل " أل " ولا تؤثر فيه التعريف، كعباس علما، فإنك تقول فيه: العباس، فتدخل عليه " أل " لكنها لم تؤثر فيه التعريف: لانه معرفة قبل دخولها [ عليه ] ومثال ما وقع موقع ما يقبل " أل " ذو: التي بمعنى صاحب، نحو " جاءني ذو مال " أي: صاحب مال، فذو: نكرة، وهي لا تقبل " أل " لكنها واقعة موقع صاحب، وصاحب يقبل " أل " نحو الصاحب. * * *.
(1) " نكرة " مبتدأ، وجاز الابتداء بها لانها في معرض التقسيم، أو لكونها جارية على موصوف محذوف، أي: اسم نكرة، ويؤيد ذلك الاخير كون الخبر مذكرا " قابل " خبر المبتدأ، ويجوز العكس، لكن الاول أولى، لكون النكرة هي المحدث عنها، وقابل مضاف، و " أل " مضاف إليه، مقصود لفظه " مؤثرا " حال من أل " أو " عاطفة " واقع " معطوف على قابل، و " موقع " مفعول فيه ظرف مكان، وموقع مضاف و " ما " اسم موصول مبني على السكون في محل جر مضاف إليه " قد " حرف تحقيق " ذكرا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قابل أل، والالف للاطلاق، والجملة لا محل لها من الاعراب صلة الموصول. (2) اعترض قوم على هذا التعريف بأنه غير جامع، وذلك لان لنا أسماء نكرات لا تقبل أل ولا تقع موقع ما يقبل أل، وذلك الحال في نحو " جاء زيد راكبا " والتمييز = (*)
[ 87 ]
وغيره معرفة: كهم، وذي وهند، وابني، والغلام، والذي (1) أي: غير النكرة المعرفة، وهي ستة أقسام: المضمر كهم، واسم الاشارة كذي، والعلم كهند، والمحلى بالالف واللام كالغلام، والموصول
كالذي، وما أضيف إلى واحد منها كابني، وسنتكلم على هذه الاقسام. * * *.
= في نحو " اشتريت رطلا عسلا " واسم لا النافية للجنس في نحو " لا رجل عندنا " ومجرور رب في نحو " رب رجل كريم لقيته ". والجواب أن هذه كلها تقبل أل من حيث ذاتها، لا من حيث كونها حالا أو تمييزا أو اسم لا. واعترض عليه أيضا بأنه غير مانع، وذلك لان بعض المعارف يقبل أل نحو يهود ومجوس، فإنك تقول: اليهود، والمجوس، وبعض المعارف يقع موقع ما يقبل أل، مثل ضمير الغائب العائد إلى نكرة، نحو قولك: لقيت رجلا فأكرمته، فإن هذا الضمير واقع موقع رجل السابق وهو يقبل أل. والجواب أن يهود ومجوس اللذين يقبلان أل هما جمع يهودي ومجوسي، فهما نكرتان، فإن كانا علمين على القبيلين المعروفين لم يصح دخول أل عليهما، وأما ضمير الغائب العائد إلى نكرة فهو عند الكوفيين نكرة، فلا يضر صدق هذا التعريف عليه، والبصريون يجعلونه واقعا موقع " الرجل " لا موقع رجل، وكأنك قلت: لقيت رجلا فأكرمت الرجل، كما قال تعالى: (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول) وإذا كان كذلك فهو واقع موقع ما لا يقبل أل، فلا يصدق التعريف عليه. (1) " وغيره " غير: مبتدأ، وغير مضاف والهاء العائد على النكرة مضاف إليه " معرفة " خبر المبتدأ " كهم " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كهم " وذي، وهند، وابنى، والغلام، والذي " كلهن معطوفات على هم، وفي عبارة المصنف قلب، وكان حقه أن يقول: والمعرفة غير ذلك، لان المعرفة هي المحدث عنها. وهذه العبارة تنبئ عن انحصار الاسم في النكرة والمعرفة، وذلك هو الراجح عند = (*)
[ 88 ]
فما لذي غيبة أو حضور - كأنت، وهو - سم بالضمير (1) يشير إلى أن الضمير: ما دل على غيبة كهو، أو حضور، وهو قسمان: أحدهما ضمير المخاطب، نحو أنت، والثاني ضمير المتكلم، نحو أنا. * * * وذو اتصال منه ما لا يبتدا ولا يلي إلا اختيارا أبدا (2).
= علماء النحو، ومنهم قوم جعلوا الاسم على ثلاثة أقسام: الاول النكرة، وهو ما يقبل أل كرجل وكريم، والثاني: المعرفة، وهو ما وضع ليستعمل في شئ بعينه كالضمير والعلم، والثالث: اسم لا هو نكرة ولا هو معرفة، وهو ما لا تنوين فيه ولا يقبل أل كمن وما، وهذا ليس بسديد. (1) " فما " اسم موصول مفعول به أول اسم، مبني على السكون في محل نصب " لذي " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما، وذي مضاف و " غيبة " مضاف إليه " أو " عاطفة " حضور " معطوف على غيبة " كأنت " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أو متعلق بمحذوف حال من ما " وهو " معطوف على أنت " سم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بالضمير " جار ومجرور متعلق بسم، وهو المفعول الثاني لسم. (2) " وذو " مبتدأ، وذو مضاف و " اتصال " مضاف إليه " منه " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لذي اتصال " ما " اسم موصول خبر المبتدأ، مبني على السكون في محل رفع " لا " نافية " يبتدا " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة لا محل صلة الموصول، والعائد محذوف، أي: لا يبتدأ به، كذا قال الشيخ خالد، وهو عجيب غاية العجب، لان نائب الفاعل إذا
كان راجعا إلى ما كان هو العائد، وإن كان راجعا إلى شئ آخر غير مذكور فسد الكلام، ولزم حذف العائد المجرور بحرف جر مع أن الموصول غير مجرور بمثله، وذلك غير جائز، والصواب أن في قوله يبتدأ ضميرا مستترا تقديره هو يعود إلى ما هو العائد، وأن أصل الكلام ما لا يبتدأ به، فالجار والمجرور نائب فاعل، فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير فاستتر فيه، فتدبر ذلك وتفهمه " ولا " الواو عاطفة، لا: نافية = (*)
[ 89 ]
كالياء والكاف من " ابني أكرمك " والياء والها من " سليه ما ملك " (1) الضمير البارز ينقسم إلى: متصل، ومنفصل، فالمتصل هو: الذي لا يبتدأ به كالكاف من " أكرمك " ونحوه، ولا يقع بعد " إلا " في الاختيار (2)، فلا يقال: ما أكرمت إلاك، وقد جاء شذوذا في الشعر، كقوله: 13 - أعوذ برب العرش من فئة بغت علي، فما لي عوض إلاه ناصر.
= " يلي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة معطوفة على جملة الصلة " إلا " قصد لفظه: مفعول به ليلى " اختيارا " منصوب على نزع الخافض، أي: في الاختيار " أبدا " ظرف زمان متعلق بيلي. (1) " كالياء " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كالياء " والكاف " معطوف على الياء " من " حرف جر " ابني " مجرور بمن، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الياء " أكرمك " أكرم: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ابني، والكاف مفعول به، والجملة في محل نصب حال من قوله " الكاف " بإسقاط العاطف الذي يعطفها على الحال الاولى " والياء والهاء " معطوفان على الياء السابقة " من " حرف جار لقول محذوف،
والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال، أي والياء والهاء حال كونهما من قولك إلخ " سليه " سل: فعل أمر، وياء المخاطبة فاعل، والهاء مفعول أول " ما " اسم موصول مفعول ثان لسلي " ملك " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة لا محل لها من الاعراب صلة ما. (2) أجاز جماعة - منهم ابن الانباري - وقوعه بعد إلا اختيارا، وعلى هذا فلا شذوذ في البيتين ونحوهما. 13 - هذا البيت من الشواهد التي لا يعرف لها قائل. اللغة: " أعوذ " ألتجئ وأتحصن، و " الفئة " الجماعة، و " البغي " العدوان والظلم، و " عوض " ظرف يستغرق الزمان المستقبل مثل " أبدا " إلا أنه مختص بالنفي، وهو مبني على الضم كقبل وبعد. (*)
[ 90 ]
وقوله: 14 وما علينا - إذا ما كنت جارتنا - أن لا يجاورنا إلاك ديار * * *.
= المعنى: إني ألتجئ إلى رب العرش وأتحص بحماه من جماعة ظلموني وتجاوزوا معي حدود النصفة، فليس لي معين ولا وزر سواه. الاعراب: " أعوذ " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " برب " جار ومجرور متعلق بأعوذ، ورب مضاف و " العرش " مضاف إليه " من فئة " جار ومجرور متعلق بأعوذ " بغت " بغي: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى فئة، والتاء للتأنيث، والجملة في محل جر صفة لفئة " على " جار ومجرور متعلق ببغي " فما " نافية " لي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم
" عوض " ظرف زمان مبني على الضم في محل نصب متعلق بناصر الآتي " إلاه " الا: حرف استثناء، والهاء ضمير وضع للغائب، وهو هنا عائد إلى رب العرش، مستثنى مبني على الضم في محل نصب " ناصر " مبتدأ مؤخر. الشاهد فيه: قوله " إلاه " حيث وقع الضمير المتصل بعد إلا، وهو شاذ لا يجوز إلا في ضرورة الشعر، إلا عند ابن الانباري ومن ذهب نحو مذهبه، فإن ذلك عندهم سائغ جائز في سعة الكلام، ولك عندهم أن تحذو على مثاله. 14 - وهذا البيت أيضا من الشواهد التي لا يعرف قائلها. اللغة: " وما علينا " يروى في مكانه " وما نبالي " من المبالاة بمعنى الاكتراث بالامر والاهتمام له والعناية به، وأكثر ما تستعمل هذه الكلمة بعد النفي كما رأيت في بيت الشاهد، وقد تستعمل في الاثبات إذا جاءت معها أخرى منفية، وذلك كما في قول زهير بن أبي سلمى المزني: لقد باليت مظعن أم أوفى ولكن أم أوفى لا تبالي و " ديار " معناه أحد، ولا يستعمل إلا في النفي العام، تقول: ما في الدار من ديار، وما في الدار ديور، تريد ما فيها من أحد، قال الله تعالى: (وقال نوح رب = (*)
[ 91 ]
.
= لا تذر على الارض من الكافرين ديارا) يريد لا تذر منهم أحدا، بل استأصلهم وأفنهم جميعا. المعنى: إذا كنت جارتنا فلا نكترث بعدم مجاورة أحد غيرك، يريد أنها هي وحدها التي يرغب في جوارها ويسر له. الاعراب: " وما " نافية " نبالي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن " إذا " ظرف متضمن معنى الشرط " ما " زائدة " كنت " كان الناقصة واسمها " جارتنا " جارة: خبر كان، وجارة مضاف ونا: مضاف إليه، والجملة من كان
واسمها وخبرها في محل جر بإضافة إذا إليها " أن " مصدرية " لا " نافية " يجاورنا " يجاور: فعل مضارع منصوب بأن، ونا: مفعول به ليجاور " إلاك " إلا: أداة استثناء، والكاف مستثنى مبني على الكسر في محل نصب، والمستثنى منه ديار الآتي " ديار " فاعل يجاور، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول به لنبالي، ومن رواه " وما علينا " تكون ما نافية أيضا، وعلينا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وأن المصدرية وما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع يقع مبتدأ مؤخرا، ويجوز أن تكون ما استفهامية بمعنى النفي مبتدأ، وعلينا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، والمصدر المؤول من أن وما دخلت عليه منصوب على نزع الخافض، وكأنه قد قال: أي شئ كائن علينا في عدم مجاورة أحد لنا إذا كنت جارتنا، ويجوز أن تكون ما نافية، وعلينا: متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، والمصدر منصوب على نزع الخافض أيضا والتقدير على هذا: وما علينا ضرر في عدم مجاورة أحد لنا إذا كنت أنت جارتنا. الشاهد فيه: قوله " إلاك " حيث وقع الضمير المتصل بعد إلا شذوذا. وقال المبرد: ليست الرواية كما أنشدها النحاة " إلاك " وإنما صحة الرواية: * ألا يجاورنا سواك ديار * وقال صاحب اللب: رواية البصريين: * ألا يجاورنا حاشاك ديار * فلا شاهد فيه على هاتين الروايتين، فتفطن لذلك. (*)
[ 92 ]
وكل مضمر له البنا يجب، ولفظ ما جر كلفظ ما نصب (1) المضمرات كلها مبنية، لشبهها بالحروف في الجمود (2)، ولذلك لا تصغر.
(1) " وكل " مبتدأ أول، وكل مضاف و " مضمر " مضاف إليه " له " جار ومجرور متعلق بيجب الآتي " البنا " مبتدأ ثان " يجب " فعل مضارع، وفاعله ضمير
مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى البنا، والجملة من الفعل وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول " ولفظ " مبتدأ ولفظ مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه مبني على السكون في محل جر " جر " فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها من الاعراب صلة " كلفظ " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، ولفظ مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " نصب " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما المجرورة محلا بالاضافة، والجملة من الفعل ونائب فاعله لا محل لها من الاعراب صلة الموصول. (2) قد عرفت - فيما مضى أول باب المعرب والمبني - أن الضمائر مبنية لشبهها بالحروف شبها وضعيا، بسبب كون أكثرها قد وضع على حرف واحد أو حرفين، وحمل ما وضع على أكثر من ذلك عليه، حملا للاقل على الاكثر، وقد ذكر الشارح في هذا الموضع وجها ثانيا من وجوه شبه الضمائر بالحروف، وهو ما سماه بالشبه الجمودي، وهو: كون الضمائر بحيث لا تتصرف تصرف الاسماء، فلا تثنى ولا تصغر، وأما نحو " هما وهم وهن وأنتما وأنتم وأنتن "، فهذه صيغ وضعت من أول الامر على هذا الوجه، وليست علامة المثنى والجمع طارئة عليها. ونقول: قد أشبهت الضمائر الحروف في وجه ثالث، وهي أنها مفتقرة في دلالتها على معناها البتة إلى شئ، وهو المرجع في ضمير الغائب، وقرينة التكلم أو الخطاب في ضمير الحاضر، وأشبهته في وجه رابع، وهو أنها استغنت بسبب اختلاف صيغها عن أن تعرب فأنت ترى انهم قد وضعوا للرفع صيغة لا تستعمل في غيره، وللنصب صيغة أخرى ولم يجيزوا إلا أن تستعمل فيه، فكان مجرد الصيغة كافيا لبيان موقع الضمير، فلم يحتج للاعراب ليبين موقعه، فأشبه الحروف في عدم الحاجة إلى الاعراب، وإن كان سبب عدم الحاجة مختلفا فيهما (وانظر ص 28، 32). (*)
[ 93 ]
ولا تثنى ولا تجمع، وإذا ثبت أنها مبنية: فمنها ما يشترك فيه الجر والنصب، وهو: كل ضمير نصب أو جر متصل، نحو: أكرمتك، ومررت بك، وإنه وله، فالكاف في " أكرمتك " في موضع نصب، وفي " بك " في موضع جر، والهاء في " إنه " في موضع نصب، وفي " له " في موضع جر. ومنها ما يشترك فيه الرفع والنصب والجر، وهو " نا "، وأشار إليه بقوله: للرفع والنصب وجر " نا " صلح كاعرف بنا فإننا نلنا المنح (1) أي: صلح لفظ " نا " للرفع، نحو نلنا، وللنصب، نحو فإننا، وللجر، نحو بنا. ومما يستعمل للرفع والنصب والجر: الياء، فمثال الرفع نحو " اضربي " ومثال النصب نحو " أكرمني " ومثال الجر نحو " مر بي ". ويستعمل في الثلاثة أيضا " هم "، فمثال الرفع " هم قائمون " ومثال النصب " أكرمتهم " ومثال الجر " لهم ". وإنما لم يذكر المصنف الياء وهم لانهما لا يشبهان " نا " من كل وجه، لان " نا " تكون للرفع والنصب والجر والمعنى واحد، وهي ضمير متصل.
(1) " للرفع " جار ومجرور متعلق بصلح الآتي " والنصب وجر " معطوفان على الرفع و " نا " مبتدأ، وقد قصد لفظه " صلح " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نا، والجملة من صلح وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " كاعرف " الكاف حرف جر، والمجرور محذوف، والتقدير: كقولك، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، واعرف: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بنا " جار ومجرور متعلق باعرف " فإننا " الفاء تعليلية، وإن حرف توكيد ونصب، ونا: اسمها " نلنا " فعل وفاعل، والجملة من نال وفاعله في
محل رفع خبر إن " المنح " مفعول به لنال، منصوب بالفتحة الظاهرة، وسكن لاجل الوقف. (*)
[ 94 ]
في الاحوال الثلاثة، بخلاف الياء، فإنها - وإن استعملت للرفع والنصب والجر، وكانت ضميرا متصلا في الاحوال الثلاثة - لم تكن بمعنى واحد في الاحوال الثلاثة، لانها - في حالة الرفع للمخاطب، وفي حالتي النصب والجر للمتكلم، وكذلك " هم "، لانها وإن كانت بمعنى واحفي الاحوال الثلاثة - فليست مثل " نا "، لانها في حالة الرفع ضمير منفصل، وفي حالتي النصب والجر ضمير متصل. * * * وألف والواو والنون لما غاب وغيره، كقاما واعلما (1) الالف والواو والنون من ضمائر الرفع المتصلة، وتكون للغائب وللمخاطب، فمثال الغائب " الزيدان قاما، والزيدون قاموا، والهندات قمن " ومثال المخاطب " اعلما، واعلموا، واعلمن "، ويدخل تحت قول المصنف " وغيره " المخاطب والمتكلم، وليس هذا بجيد، لان هذه الثلاثة لا تكون للمتكلم أصلا، بل إنما تكون للغائب أو المخاطب كما مثلنا. * * *.
(1) " ألف " مبتدأ - وهو نكرة، وسوغ الابتداء به عطف المعرفة عليها " والواو، والنون " معطوفان على ألف " ما " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " غاب " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما، والجملة لا محل لها صلة ما " وغيره " الواو حرف عطف، غير: معطوف على ما، وغير مضاف والضمير مضاف إليه " كقاما " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور
يتعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك كائن كقولك، وقاما: فعل ماض وفاعل " واعلما " الواو عاطفة، واعلما: فعل أمر، وألف الاثنين فاعله، والجملة معطوفة بالواو على جملة قاما. (*)
[ 95 ]
ومن ضمير الرفع ما يستتر كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر (1) ينقسم الضمير إلى مستتر وبارز (2)، والمستتر إلى واجب الاستتار وجائزة،.
(1) " من ضمير، جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وضمير مضاف، و " الرفع " مضاف إليه " ما " اسم موصول مبتدأ مؤخر، مبني على السكون في محل رفع " يستتر " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لا محل لها صلة ما " كافعل " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور يتعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كقولك، وافعل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أوافق " فعل مضارع مجزوم في جواب الامر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " نغتبط " بدل من أوافق " إذ " ظرف وضع للزمن الماضي، ويستعمل مجازا في المستقبل، وهو متعلق بقوله " نغتبط " مبني على السكون في محل نصب " تشكر " فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة في محل جر بإضافة إذ إليها. (2) المنقسم هو الضمير المتصل لا مطلق الضمير، والمراد بالضمير البارز ماله صورة في اللفظ حقيقة نحو التاء والهاء في أكرمته، والياء في ابني، أو حكما كالضمير المتصل المحذوف من اللفظ جوازا في نحو قولك: جاء الذي ضربت، فإن التقدير جاء الذي ضربته، فحذفت التاء من اللفظ، وهي منوبة، لان الصلة لابد لها من عائد يربطها بالموصول. ومن هنا تعلم أن البارز ينقسم إلى قسمين: الاول المذكور، والثاني المحذوف، والفرق بين المحذوف والمستتر من وجهين، الاول: أن المحذوف يمكن
النطق به، وأما المستتر فلا يمكن النطق به أصلا، وإنما يستعيرون له الضمير المنفصل حين يقولون: مستتر جوازا تقديره هو، أو يقولون: مستتر وجوبا تقديره أنا أو أنت وذلك لقصد التقريب على المتعلمين، وليس هذا هو نفس الضمير المستتر على التحقيق، والوجه الثاني: أن الاستتار يختص بالفاعل الذي هو عمدة في الكلام، وأما الحذف فكثيرا ما يقع في الفضلات، كما في المفعول به في المثال السابق، وقد يقع في العمد في غير الفاعل كما في المبتدأ، وذلك كثير في العربية، ومنه قول سويد بن أبي كاهل اليشكري، في وصف امرئ يضمر بغضه: مستسر الشن ء، لو يفقدني لبدا منه ذباب فنبع = (*)
[ 96 ]
والمراد بواجب الاستتار: مالا يحل محله الظاهر، والمراد بجائز الاستتار: ما يحل محله الظاهر. وذكر المصنف في هذا البيت من المواضع التي يجب فيها الاستتار أربعة: الاول: فعل الامر للواحد المخاطب كافعل، التقدير أنت، وهذا الضمير لا يجوز إبرازه، لانه لا يحل محله الظاهر، فلا تقول: افعل زيد، فأما " افعل أنت " فأنت تأكيد للضمير المستتر في " افعل " وليس بفاعل لافعل، لصحة الاستغناء عنه، فتقول: افعل، فإن كان الامر لواحدة أو لاثنين أو لجماعة برز الضمير، نحو اضربي، واضربا، واضربوا، واضربن. الثاني: الفعل المضارع الذي في أوله الهمزة، نحو " أوافق " والتقدير أنا، فإن قلت " أوافق أنا " كان " أنا " تأكيدا للضمير المستتر. الثالث: الفعل المضارع الذي في أوله النون، نحو " نغتبط " أي نحن. الرابع: الفعل المضارع الذي في أوله التاء لخطاب الواحد، نحو " تشكر " أي أنت، فإن كان الخطاب لواحدة أو لاثنين أو لجماعة برز الضمير، نحو أنت
تفعلين، وأنتما تفعلان، وأنتم تفعلون، وأنتن تفعلن. هذا (1) ما ذكره المصنف من المواضع التي يجب فيها استتار الضمير..
= يريد هو مستسر البغض، فحذف الضمير، لانه معروف ينساق إلى الذهن، ومثل ذلك أكثر من أن يحصى في كلام العرب. (1) وبقيت مواضع أخرى يجب فيها استتار الضمير، الاول: اسم فعل الامر، نحو صه، ونزال، ذكره في التسهيل، والثاني: اسم فعل المضارع، نحو أف وأوه، ذكره أبو حيان، والثالث: فعل التعجب، نحو ما أحسن محمدا، والرابع: أفعل التفضيل، نحو محمد أفضل من علي، والخامس: أفعال الاستثناء، نحو قاموا ماخلا عليا، أو ما عدا بكرا، أو لا يكون محمدا. زادها ابن هشام في التوضيح تبعا لابن مالك في باب الاستثناء من التسهيل، وهو حق، السادس: المصدر النائب عن فعل الامر، = (*)
[ 97 ]
ومثال جائز الاستتار: زيد يقوم، أي هو، وهذا الضمير جائز الاستتار، لانه يحل محله الظاهر، فتقول: زيد يقوم أبوه، وكذلك كل فعل أسند إلى غائب أو غائبة، نحو هند تقوم، وما كان بمعناه، نحو زيد قائم، أي هو. * * * وذو ارتفاع وانفصال: أنا، هو، وأنت، والفروع لا تشتبه (1) تقدم أن الضمير ينقسم إلى مستتر وإلى بارز، وسبق الكلام في المستتر، والبارز ينقسم إلى: متصل، ومنفصل، فالمتصل يكون مرفوعا، ومنصوبا، ومجرورا، وسبق الكلام في ذلك، والمنفصل يكون مرفوعا ومنصوبا، ولا يكون مجرورا. وذكر المصنف في هذا البيت المرفوع المنفصل، وهو اثنا عشر: " وأنا " للمتكلم وحده، و " نحن " للمتكلم المشارك أو المعظم نفسه، و " أنت "
للمخاطب، و " أنت " للمخاطبة، و " أنتما " للمخاطبين أو المخاطبتين، و " أنتم " للمخاطبين، و " أنتن " للمخاطبات، و " هو " للغائب،.
= نحو قول الله تعالى (فضرب الرقاب) وأما مرفوع الصفة الجارية على من هي له فجائز الاستتار قطعا. وذلك نحو " زيد قائم " ألا ترى أنك تقول في تركيب آخر " زيد قائم أبوه " وقد ذكره الشارح في جائز الاستتار، وهو صحيح، وكذلك مرفوع نعم وبئس، نحو " نعم رجلا أبو بكر، وبئست امرأة هند "، وذلك لانك تقول في تركيب آخر " نعم الرجل زيد، وبئست المرأة هند ". (1) " وذو " مبتدأ، وذو مضاف و " ارتفاع " مضاف إليه " وانفصال " معطوف على ارتفاع " أنا " خبر المبتدأ " هو، وأنت " معطوفان على أنا " والفروع " مبتدأ " لا " نافية " تشتبه " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الفروع، والجملة من الفعل المضارع المنفي وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، الذي هو الفروع. (7 - شرح ابن عقيل 1) (*)
[ 98 ]
و " هي " للغائبة، و " هما " للغائبين أو الغائبتين، و " هم " للغائبين، و " هن " للغائبات. * * * وذو انتصاب في انفصال جعلا: إياي، والتفريع ليس مشكلا (1) أشار في هذا البيت إلى المنصوب المنفصل، وهو اثنا عشر: " إياي " للمتكلم وحده، و " إيانا " للمتكلم المشارك أو المعظم نفسه، و " إياك " للمخاطب، و " إياك " للمخاطبة، و " إياكما " للمخاطبين أو المخاطبتين، و " إياكم " للمخاطبين، و " إياكن " للمخاطبات، و " إياه " للغائب، و " إياها " للغائبة، و " إياهما " للغائبين أو الغائبتين، و " إياهم " للغائبين،
و " إياهن " للغائبات (2). * * *.
(1) " وذو " مبتدأ، وذو مضاف و " انتصاب " مضاف إليه " في انفصال " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في جعل الآتي " جعلا " فعل ماض، مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذو " إياي " مفعول ثان لجعل، والجملة من جعل ومعموليه في محل رفع خبر المبتدأ " والتفريع " مبتدأ " ليس " فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على التفريع " مشكلا " خبر ليس، والجملة من ليس واسمها وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ. (2) اختلف في هذه اللواحق التي بعد " إيا " فقيل: هي حروف تبين الحال وتوضح المراد من " إيا " متكلما أو مخاطبا أو غائبا، مفردا أو مثنى أو مجموعا، ومثلها مثل الحروف التي في أنت وأنتما وأنتن، ومثل اللواحق في أسماء الاشارة نحو تلك وذلك وأولئك، وهذا مذهب سيبويه والفارسي والاخفش، قال أبو حيان: وهو الذي صححه أصحابنا وشيوخنا. = (*)
[ 99 ]
وفي اختيار لا يجئ المنفصل إذا تأتى أن يجئ المتصل (1) كل موضع أمكن أن يؤتى فيه بالضمير المتصل لا يجوز العدول عنه إلى المنفصل، إلا فيما سيذكره المصنف، فلا تقول في أكرمتك " أكرمت إياك " لانه يمكن الاتيان بالمتصل فتقول: أكرمتك..
= وذهب الخليل والمازني، واختاره ابن مالك، إلى أن هذه اللواحق أسماء، وأنها ضمائر أضيفت إليها " إيا " زاعمين أن " إيا " أضيفت إلى غير هذه اللواحق في نحو " إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب " فيكون في ذلك دليل على أن اللواحق أسماء.
وذلك باطل لوجهين، الاول: أن هذا الذي استشهدوا به شاذ، ولم تعهد إضافة الضمائر. والثاني أنه لو صح ما يقولون لكانت " إيا " ونحوها ملازمة للاضافة، وقد علمنا أن الاضافة من خصائص الاسماء المعربة، فكان يلزم أن تكون إيا ونحوها معربة، ألست ترى أنهم أعربوا " أي " الموصولة والشرطية والاستفهامية لما لازمها من الاضافة ؟ وقال الفراء: إن " إيا " ليست ضميرا، وإنما هي حرف عماد جئ به توصلا للضمير، والضمير هو اللواحق، ليكون دعامة يعتمد عليها، لتمييز هذه اللواحق عن الضمائر المتصلة. وزعم الزجاج أن الضمائر هي اللواحق موافقا في ذلك للفراء، ثم خالفه في " إيا " فادعى أنها اسم ظاهر مضاف إلى الكاف والياء والهاء. وقال ابن درستويه: إن هذا اسم ليس ظاهرا ولا مضمرا، وإنما هو بين بين. وقال الكوفيون: المجموع من " إيا " ولواحقها ضمير واحد. (2) " وفي اختيار " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل يجئ الآتي " لا " نافية " يجئ " فعل مضارع " المنفصل " فاعل يجئ " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان " تأتى " فعل ماض " أن " حرف مصدري ونصب " يجئ " فعل مضارع منصوب بأن " المتصل " فاعل يجئ، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل تأتى، والتقدير: تأتى مجئ المتصل، والجملة من تأتى وفاعله في محل جر بإضافة إذا إليها، وجواب إذا محذوف لدلالة ما قبله عليه، والتقدير: إذا تأتى مجئ المتصل فلا يجئ المنفصل. (*)
[ 100 ]
فإن لم يمكن الاتيان بالمتصل تعين المنفصل، نحو إياك أكرمت (1)، وقد.
(1) اعلم أنه يتعين انفصال الضمير، ولا يمكن المجئ به متصلا، في عشرة مواضع:
الاول: أن يكون الضمير محصورا، كقوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) وكقول الفرزدق: أنا الذائد الحامي الذمار، وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي إذ التقدير: لا يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي ومن هذا النوع قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي: قد علمت سلمى وجاراتها ما قطر الفارس إلا أنا الثاني: أن يكون الضمير مرفوعا بمصدر مضاف إلى المنصوب به، نحو " عجبت من ضربك هو " وكقول الشاعر: بنصركم نحن كنتم فائزين، وقد أغرى العدى بكم استسلامكم فشلا الثالث: أن يكون عامل الضمير مضمرا، نحو قول السموأل: وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل وكقول لبيد بن ربيعة: فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب لعلك تهديك القرون الاوائل الرابع: أن يكون عامل الضمير متأخرا عنه، كقوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) وهذا هو الموضع الذي أشار إليه الشارح. الخامس: أن يكون عامل الضمير معنويا، وذلك إذا وقع الضمير مبتدأ، نحو " اللهم أنا عبد أثيم، وأنت مولى كريم " ومنه " أنا الذائد " في بيت الفرزدق السابق. السادس: أن يكون الضمير معمولا لحرف نفي، كقوله تعالى: (وما أنتم بمعجزين) (ما هن أمهاتهم) (وما أنا بطارد المؤمنين) (إن أنا إلا نذير مبين) وكقول الشاعر: إن هو مستوليا على أحد إلا على أضعف المجانين السابع: أن يفصل بين الضمير وعامله بمعمول آخر، كقوله تعالى: (يخرجون
الرسول وإياكم) وكقول الشاعر: = (*)
[ 101 ]
جاء الضمير في الشعر منفصلا مع إمكان الاتيان به متصلا، كقوله: 15 - بالباعث الوارث الاموات قد ضمنت إياهم الارض في دهر الدهارير * * *.
= مبرأ من عيوب الناس كلهم فالله يرعى أبا حفص وإيانا الثامن: أن يقع الضمير بعد واو المعية، كقول أبي ذؤيب الهذلي: فآليت لا أنفك أحذو قصيدة تكون وإياها بها مثلا بعدي التاسع: أن يقع بعد " أما " نحو " أما أنا فشاعر، وأما أنت فكاتب، وأما هو فنحوي ". العاشر: أن يقع بعد اللام الفارقة، نحو قول الشاعر: إن وجدت الصديق حقا لاياك، فمرني فلن أزال مطيعا وسيأتي موضع ذكر تفصيله المصنف والشارح. 15 - البيت من قصيدة للفرزدق، يفتخر فيها، ويمدح يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقبله: يا خير حي وقت نعل له قدما وميت بعد رسل الله مقبور إني حلفت، ولم أحلف على فند، فناء بيت من الساعين معمور اللغة: " الباعث " الذي يبعث الاموات ويحييهم بعد موتهم " الوارث " هو الذي ترجع إليه الاملاك بعد فناء الملاك " ضمنت " - بكسر الميم مخففة - بمعنى تضمنت، أي اشتملت أو بمعنى تكفلت يهم " الدهارير " الزمن الماضي، أو الشدائد، وهو جمع لا واحد له من لفظه.
الاعراب: " يا لباعث " جار ومجرور متعلق بقوله " حلفت " في البيت الذي أنشدناه قبل هذا البيت، والاموات: يجوز فيه وجهان، أحدهما: جره بالكسرة الظاهرة على أنه مضاف إليه، والمضاف هو الباعث والوارث على مثال قوله: يا من رأى عارضا أسر له بين ذراعي وجبهة الاسد = (*)
[ 102 ]
وصل أو افصل هاء سلنيه، وما أشبهه، في كنته الخلف انتمى (1).
= وقولهم " قطع الله يد ورجل من قالها " والوجه الثاني: نصب الاموات بالفتحة الظاهرة على أنه مفعول به (تنازعه) ؟ الوصفان فأعمل فيه الثاني وحذف ضميره من الاول لكونه فضلة " ضمنت " فعل ماض، والتاء للتأنيث " إياهم " مفعول به تقدم على الفاعل " الارض " فاعل ضمن " في دهر " جار ومجرور متعلق بضمنت، ودهر مضاف و " الدهارير " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة. الشاهد فيه: قوله " ضمنت إياهم " حيث عدل عن وصل الضمير إلى فصله، وذلك خاص بالشعر، ولا يجوز في سعة الكلام، ولو جاء به على ما يستحقه الكلام لقال " قد ضمنتهم الارض ". ومثل هذا البيت قول زياد بن منقذ العدوي التميمي من قصيدة له يقولها في تذكر أهله والحنين إلى وطنه، وكان قد نزل صنعاء فاستوبأها، وكان أهله بنجد في وادي أشى - بزنة المصغر (وانظر 1 / 65 من كتابنا هداية السالك إلى أوضح المسالك): وما أصاحب من قوم فأذكرهم إلا يزيدهم حبا إلي هم فقد جاء بالضمير منفصلا - وهو قوله " هم " في آخر البيت - وكان من حقه أن يجئ به متصلا بالعامل - وهو قوله " يزيد " - ولو جاء به على ما يقتضيه الاستعمال لقال " إلا يزيدونهم حبا إلى ". ومثل ذلك قول طرفة بن العبد البكري:
أصرمت حبل الوصل، بل صرموا يا صاح، بل قطع الوصال هم وكان من حقه أن يقول: " بل قطعوا الوصال " لكنه اضطر ففصل. (1) " وصل " الواو للاستئناف، صل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أو " حرف عطف دال على التخيير " افصل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وجملة افصل معطوفة على جملة صل " هاء " مفعول تنازعه الفعلان، فأعمل فيه الثاني، وهاء مضاف و " سلنيه " قصد لفظه: مضاف إليه " وما " الواو حرف عطف، ما: اسم موصول معطوف على سلنيه " أشبهه " أشبه: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والهاء مفعول به، والجملة لا محل = (*)
[ 103 ]
كذاك خلتنيه، واتصالا * أختار، غيري اختار الانفصالا (1) أشار في هذين البيتين إلى المواضع التي يجوز أن يؤتى فيها بالضمير منفصلا مع إمكان أن يؤتى به متصلا. فأشار بقوله: " سلنيه " إلى ما يتعدى إلى مفعولين الثاني منها ليس خيرا ؟ في الاصل، وهما ضميران، نحو: " الدرهم سلنيه " فيجوز لك في هاء " سلنيه " الاتصال نحو سلنيه، والانفصال نحو سلني إياه، وكذلك كل فعل أشبهه، نحو الدرهم أعطيتكه، وأعطيتك إياه. وظاهر كلام المصنف أنه يجوز في هذه المسألة الانفصال والاتصال على السواء، وهو ظاهر كلام أكثر النحويين، وظاهر كلام سيبويه أن الاتصال فيها واجب، وأن الانفصال مخصوص بالشعر. وأشار بقوله: " في كنته الخلف انتمى " إلى أنه إذا كان خبر " كان " وأخواتها ضميرا، فإنه يجوز اتصاله وانفصاله، واختلف في المختار منهما، فاختار المصنف
.
= لها صلة ما " في كنته " جار ومجرور متعلق بانتمى " الخلف " مبتدأ " انتمى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخلف، والجملة من انتمى وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وانتمى معناه انتسب، والمراد أن بين العلماء خلافا في هذه المسألة وأن هذا الخلاف معروف، وكل قول فيه معروف النسبة إلى قائله. (1) " كذاك " الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والكاف حرف خطاب " خلتنيه " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " واتصالا " الواو عاطفة، اتصالا: مفعول مقدم لاختار " أختار " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " غيري، غير: مبتدأ، وغير مضاف والياء التي للمتكلم مضاف إليه " اختار " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود لغيري، والجملة من اختار وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " الانفصالا " مفعول به لاختار، والالف للاطلاق. (*)
[ 104 ]
الاتصال، نحو كنته، واختار سيبويه الانفصال، نحو كنت إياه (1)، [ تقول، الصديق كنته، وكنت إياه ]. وكذلك المختار عند المصنف الاتصال في نحو " خلتنيه " (2) وهو: كل فعل تعدى إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الاصل، وهما ضميران، ومذهب سيبويه أن المختار في هذا أيضا الانفصال، نحو خلتني إياه، ومذهب سيبويه أرجح، لانه هو الكثير في لسان العرب على ما حكاه سيبويه عنهم وهو المشافه لهم، قال الشاعر:.
(1) قد ورد الامران كثيرا في كلام العرب، فمن الانفصال قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي: لئن كان إياه لقد حال بعدنا عن العهد، والانسان قد يتغير وقول الآخر:
ليس إياي وإياك، ولا نخشى رقيبا ومن الاتصال قول أبي الاسود الدؤلي يخاطب غلاما له كان يشرب النبيذ فيضطرب شأنه وتسوء حاله: فإن لا يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها وقول رسول الله صلى عليه وسلم لعمر بن الخطاب في شأن ابن الصياد: " إن يسكنه فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله " ومنه الشاهد رقم 17 الآتي في ص 109. (2) قد ورد الامران في فصيح الكلام أيضا، فمن الاتصال قوله تعالى: (إذ يريكهم الله في منامك قليلا، ولو أراكهم كثيرا) وقول الشاعر: بلغت صنع امرئ بر إخالكه إذ لم تزل لا كتساب الحمد معتذرا ومن الانفصال قول الشاعر: أخي حسبتك إياه، وقد ملئت أرجاء صدرك بالاضغان والاحن (*)
[ 105 ]
16 - إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام * * *.
16 - هذا البيت قيل إنه لديسم بن طارق أحد شعراء الجاهلية، وقد جرى مجرى المثل، وصار يضرب لكل من يعتد بكلامه، ويتمسك بمقاله، ولا يلتفت إلى ما يقول غيره، وفي هذا جاء به الشارح، وهو يريد أن سيبويه هو الرجل الذي يعتد بقوله، ويعتبر نقله، لانه هو الذي شافه العرب، وعنهم أخذ، ومن ألسنتهم استمد. المفردات: " حذام " اسم امرأة، زعم بعض أرباب الحواشي أنها الزباء، وقال: وقيل غيرها، ونقول: الذي عليه الادباء أنها زرقاء اليمامة، وهي امرأة من بنات لقمان بن عاد، وكانت ملكة اليمامة، واليمامة اسمها، فسميت البلد باسمها، زعموا أنها
كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام، وهي التي يشير إليها النابغة الذبياني في قوله: واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام سراع وارد الثمد قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد الاعراب: " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " قالت " قال: فعل ماض، والتاء للتأنيث " حذام " فاعل قال، مبني على الكسر في محل رفع " فصدقوها " الفاء واقعة في جواب إذا، وصدق: فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل، وها: مفعول به " فإن " الفاء للعطف، وفيها معنى التعليل، وإن: حرف توكيد ونصب " القول " اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة " ما " اسم موصول خبر إن، مبني على السكون في محل رفع " قالت " قال: فعل ماض، والتاء للتأنيث " حذام " فاعل قالت، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، والعائد محذوف، أي ما قالته حذام. التمثيل به: قد جاء الشارح بهذا البيت وهو يزعم أن مذهب سيبويه أرجح مما ذهب إليه الناظم، وكأنه أراد أن يعرف الحق بأن يكون منسوبا إلى عالم جليل كسيبويه، وهي فكرة لا يجوز للعلماء أن يتمسكوا بها، ثم إن الارجح في المسألة ليس هو ما ذهب إليه سيبويه والجمهور، بل الارجح ما ذهب إليه ابن مالك، والرماني، وابن الطراوة من أن الاتصال أرجح في خبر كان وفي المفعول الثاني من معمولي ظن وأخواتها، وذلك = (*)
[ 106 ]
وقدم الاخص في اتصال وقدمن ما شئت في انفصال (1) ضمير المتكلم أخص من ضمير المخاطب، وضمير المخاطب أخص من ضمير الغائب، فإن اجتمع ضميران منصوبان أحدهما أخص من الآخر، فإن كانا متصلين وجب تقديم الاخص منهما، فتقول: الدرهم أعطيتكه وأعطيتنيه، بتقديم الكاف والياء على الهاء، لانها أخص من الهاء، لان الكاف للمخاطب، والياء
للمتكلم، والهاء للغائب، ولا يجوز تقديم الغائب مع الاتصال، فلا تقول: أعطيتهوك، ولا أعطيتهوني، وأجازه قوم، ومنه ما رواه ابن الاثير في غريب الحديث من قول عثمان رضي الله عنه: " أراهمني الباطل شيطانا "، فإن فصل أحدهما كنت بالخيار، فإن شئت قدمت الاخص، فقلت: الدرهم أعطيتك إياه، وأعطيتني إياه، وإن شئت قدمت غير الاخص، فقلت: أعطيته إياك،.
= من قبل أن الاتصال في البابين أكثر ورودا عن العرب، وقد ورد الاتصال في خبر " كان " في الحديث الذي رويناه لك، وورد الاتصال في المفعول الثاني من باب ظن في القرآن الكريم فيما قد تلونا من الآيات، ولم يرد في القرآن الانفصال في أحد البابين أصلا، وبحسبك أن يكون الاتصال هو الطريق الذي استعمله القرآن الكريم باطراد. (1) " وقدم " الواو عاطفة، قدم: فعل أمر مبني على السكون لا محل له من الاعراب، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " الاخص " مفعول به لقدم " في اتصال " جار ومجرور متعلق بقدم " وقدمن " الواو عاطفة، قدم: فعل أمر، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ما " اسم موصول مفعول به لقدم المؤكد، مبني على السكون في محل نصب " شئت " فعل وفاعل، وجملتهما لا محل لها صلة ما الموصولة، والعائد محذوف، والتقدير: وقدمن الذي شئنه " في انفصال " جار ومجرور متعلق بقدمن. (*)
[ 107 ]
وأعطيته إياي، وإليه أشار بقوله: " وقدمن ما شئت في انفصال " وهذا الذي ذكره ليس على إطلاقه، بل إنما يجوز تقديم غير الاخص في الانفصال عند أمن اللبس، فإن خيف لبس لم يجز، فإن قلت: زيد أعطيتك إياه (1)،
لم يجز تقديم الغائب، فلا تقول: زيد أعطيته إياك، لانه لا يعلم هل زيد مأخوذ أو آخذ. * * * وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا وقد يبيح الغيب فيه وصلا (2) إذا اجتمع ضميران، وكانا منصوبين، واتحدا في الرتية - ؟ كأن يكونا لمتكلمين، أو مخاطبين، أو غائبين - فإنه يلزم الفصل في أحدهما، فتقول: أعطيتني إياي، وأعطيتك إياك، وأعطيته إياه، ولا يجوز اتصال الضميرين، فلا تقول: أعطيتنيني، ولا أعطيتكك، ولا أعطيتهوه، نعم إن كانا غائبين واختلف لفظهما فقد يتصلان، نحو الزيدان الدرهم أعطيتهماه، وإليه أشار بقوله في الكافية:.
(1) إنما يقع اللبس فيما إذا كان كل من المفعولين يصلح أن يكون فاعلا كما ترى في مثال الشارح، ألست ترى أن المخاطب وزيدا يصلح كل منهما أن يكون آخذا ويصلح أن يكون مأخوذا، أما نحو " الدرهم أعطيته إياك " أو " الدرهم أعطيتك إياه " فلا لبس لن المخاطب آخذ تقدم أو تأخر، والدرهم مأخوذ تقدم أو تأخر. (2) " وفي اتحاد " الواو حرف عطف، والجار والمجرور متعلق بالزم الآتي، واتحاد مضاف و " الرتبة " مضاف إليه " الزم " فعل أمر مبني على السكون لا محل له من الاعراب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " فصلا " مفعول به لا لزم " وقد " الواو عاطفة، قد: حرف دال على التقليل " يبيح " فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة " الغيب " فاعل يبيح " فيه " جار ومجرور متعلق بيبيح " وصلا " مفعول به ليبيح. (*)
[ 108 ]
مع اختلاف ما، ونحو " ضمنت إياهم الارض " الضرورة اقتضت
وربما أثبت هذا البيت في بعض نسخ الالفية، وليس منها، وأشار بقوله: " ونحو ضمنت - إلى آخر البيت " إلى أن الاتيان بالضمير منفصلا في موضع يجب فيه اتصاله ضرورة، كقوله: بالباعث الوارث الاموات قد ضمنت إياهم الارض في دهر الدهارير (1) [ 15 ] وقد تقدم ذكر ذلك. * * * وقبل يا النفس مع الفعل التزم نون وقاية، و " ليسي " قد نظم (2) إذا اتصل بالفعل ياء المتكلم لحقته لزوما نون تسمى نون الوقاية، وسميت بذلك لانها تقي الفعل من الكسر، وذلك نحو " أكرمني، ويكرمني، وأكرمني " وقد جاء حذفها مع " ليس " شذوذا، كما قال الشاعر:.
(1) مضى شرح هذا البيت قريبا (ص 101) فارجع إليه هناك، وهو الشاهد رقم 15 (2) " وقبل " الواو حرف عطف، قبل ظرف زمان متعلق بالتزم الآتي، وقبل مضاف و " يا " مضاف إليه، ويا مضاف و " النفس " مضاف إليه " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال من يا النفس، ومع مضاف و " الفعل " مضاف إليه " التزم " فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح لا محل له من الاعراب، وسكن لاجل الوقف " نون " نائب فاعل لالتزم مرفوع بالضمة، ونون مضاف و " قاية " مضاف إليه " وليسي " الواو عاطفة، ليسي: قصد لفظه مبتدأ " قد " حرف تحقيق " نظم " فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح لا محل له من الاعراب. وسكنه لاجل الوقف، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ليسي، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر المبتدأ. (*)
[ 109 ]
17 - عددت قومي كعديد الطيس إذ ذهب القوم الكرام ليسي.
17 - هذا البيت نسبه جماعة من العلماء ومنهم ابن منظور في العرب (ط ى س) - لرؤبة بن العجاج، وليس موجودا في ديوان رجزه، ولكنه موجود في زيادات الديوان. اللغة: " كعديد " العديد كالعدد، يقال: هم عديد الثرى، أي عددهم مثل عدده، و " الطيس " - بفتح الطاء المهملة، وسكون الياء المثناة من تحت، وفي آخره سين مهملة - الرمل الكثير، وقال ابن منظور: " واختلفوا في تفسير الطيس، فقال بعضهم: كل من على ظهر الارض من الانام فهو من الطيس، وقال بعضهم: بل هو كل خلق كثير النسل نحو النمل والذباب والهوام، وقيل: يعني الكثير من الرمل " اه " ليسي " أراد غيري، استثنى نفسه من القوم الكرام الذين ذهبوا، هذا ويروى صدر الشاهد: * عهدي بقومي كعديد الطيس * وهي الرواية الصحيحة المعنى. المعنى: يفخر بقومه، ويتحسر على ذهابهم، فيقول: عهدي بقومي الكرام الكثيرين كثرة تشبه كثرة الرمل حاصل، وقد ذهبوا إلا إياي، فإنني بقيت بعدهم خلفا عنهم. الاعراب: " عددت " فعل وفاعل " قومي " قوم: مفعول به، وقوم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " كعديد " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف، والتقدير: عددتهم عدا مثل عديد، وعديد مضاف و " الطيس " مضاف إليه " إذ " ظرف دال على الزمان الماضي، متعلق بعددت " ذهب " فعل ماض " القوم " فاعله " الكرام " صفة له، والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها " ليسي " ليس: فعل ماض ناقص دال على الاستثناء، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو يعود على
البعض المفهوم من القوم، والياء خبره مبني على السكون في محل نصب. الشاهد فيه: في هذا البيت شاهدان، وكلاهما في لفظ " ليسي " أما الاول فإنه أتى بخبره ضميرا متصلا ولا يجوز عند جمهرة النحاة أن يكون إلا منفصلا، فكان يجب عليه - على مذهبهم هذا - أن يقول: ذهب القوم الكرام ليس إياي. والثاني - وهو = (*)
[ 110 ]
واختلف في أفعل التعجب: هل تلزمه نون الوقاية أم لا ؟ فتقول: ما أفقرني إلى عفو الله، وما أفقري إلى عفو الله، عند من لا يلتزمها فيه، والصحيح أنها تلزم (1). * * * " ليتني " فشا، و " ليتي " ندرا * ومع " لعل " اعكس، وكن مخبرا (2) في الباقيات، واضطرارا خففا * مني وعني بعض من قد سلفا (3).
= الذي جاء الشارح بالبيت من أجله هنا - حيث حذف نون الوقاية من ليس مع اتصالها بياء المتكلم، وذلك شاذ عند الجمهور الذين ذهبوا إلى أن " ليس " فعل، وانظر ما ذكرناه في ص 104. (1) الخلاف بين البصريين والكوفيين في اقتران نون الوقاية بأفعل في التعجب مبني على اختلافهم في أنه هو اسم أو فعل، فقال الكوفيون: هو اسم، وعلى هذا لا تتصل به نون الوقاية، لانها إنما تدخل على الافعال لتقيها الكسر الذي ليس منها في شئ، وقال البصريون: هو فعل، وعلى هذا يجب اتصاله بنون الوقاية لتقيه الكسر. (2) " وليتني " الواو عاطفة، ليتني قصد لفظه: مبتدأ " فشا " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ليتني، والجملة من فشا وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " وليتي " قصد لفظه أيضا: مبتدأ " ندرا " فعل ماض، والالف للاطلاق، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ليتي، والجملة من ندر وفاعله في محل رفع
خبر المبتدأ " ومع " الواو عاطفة، مع: ظرف متعلق باعكس الآتي، ومع مضاف و " لعل " قصد لفظه: مضاف إليه " اعكس " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ومفعوله محذوف، والتقدير: واعكس الحكم مع لعل " وكن " الواو عاطفة، كن: فعل أمر ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " مخيرا " خبره. (3) " في الباقيات " جار ومجرور متعلق بمخير في البيت السابق " واضطرارا " الواو عاطفة، اضطرارا: مفعول لاجله " خففا " فعل ماض، والالف للاطلاق " مني " قصد لفظه: مفعول به لخفف " وعني " قصد لفظه أيضا: معطوف على مني = (*)
[ 111 ]
ذكر في هذين البيتين حكم نون الوقاية مع الحروف، فذكر " ليت " وأن نون الوقاية لا تحذف منها، إلا ندورا، كقوله: 18 - كمنية جابر إذ قال: ليتي أصادفه وأتلف جل مالي.
= " بعض " فاعل خفف، وبعض مضاف، و " من " اسم موصول: مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر " قد " حرف تحقيق " سلفا " فعل ماض، والالف للاطلاق، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على من الموصولة، والجملة من سلف وفاعله لا محل لها من الاعراب صلة الموصول الذي هو من. 18 - هذا البيت لزيد الخير الطائي، وهو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم، وكان اسمه في الجاهلية قبل هذه التسمية زيد الخيل، لانه كان فارسا. اللغة: " المنية " بضم فسكون اسم للشئ الذي تتمناه، وهي أيضا اسم للتمني، والمنية المشبهة بمنية جابر تقدم ذكرها في بيت قبل بيت الشاهد، وذلك في قوله: تمنى مزيد زيدا فلاقى أخا ثقة إذا اختلف العوالي كمنية جابر، إذ قال: ليتي أصادفه وأفقد جل مالي
تلاقينا، فما كنا سواء ولكن خر عن حال لحال ولولا قوله: يا زيد قدني، لقد قامت نويرة بالمآلي شككت ثيابه لما التقينا بمطرد المهزة كالخلال " مزيد " بفتح الميم وسكون الزاي: رجل من بني أسد، وكان يتمنى لقاء زيد ويزعم أنه إلى لقيه نال منه، فلما تلاقيا طعنه زيد طعنة فولى هاربا " أخا ثقة " أي صاحب وثوق في نفسه واصطبار على منازلة الاقران في الحرب " العوالي " جمع عالية، وهي ما يلي موضع السنان من الرمح، واختلافها: ذهابها في جهة العدو ومجيئها عند الطعن " جابر " رجل من غطفان، كان يتمنى لقاء زيد، فلما تلاقيا قهره زيد وغلبه " وأتلف " يروى " وأفقد ". الاعراب: " كمنية " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف، والتقدير: تمنى مزيد تمنيا مشابها لمنية جابر، ومنية مضاف و " جابر " مضاف إليه " إذ " ظرف للماضي من الزمان " قال " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا = (*)
[ 112 ]
والكثير في لسان العرب ئبوتها، وبه ورد القرآن، قال الله تعالى: (يا ليتني كنت معهم). وأما " لعل " فذكر أنها بعكس ليت، فالفصيح تجريدها من النون كقوله تعالى - حكاية عن فرعون - (لعلي أبلغ الاسباب) ويقل ثبوت النون، كقول الشاعر:.
= تقديره هو يعود إلى جابر، والجملة في محل جر بإضافة إذ إليها " ليتي " ليت: حرف تمن ونصب، والياء اسمه، مبني على السكون في محل نصب " أصادف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والهاء مفعول به، والجملة في محل رفع خبر ليت " وأفقد " الواو حالية، وأفقد: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا
تقديره أنا، والجملة في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، وتقديره: وأنا أفقد، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب حال " جل " مفعول به لا فقد، وجل مضاف ومال من " مالي " مضاف إليه، ومال مضاف وياء المتكلم مضاف إليه. الشاهد فيه: قوله " ليتي " حيث حذف نون الوقاية من ليت الناصبة لياء المتكلم، وظاهر كلام المصنف والشارح أن هذا الحذف ليس بشاذ، وإنما هو نادر قليل، وهذا الكلام على هذا الوجه هو مذهب الفراء من النحاة، فإنه لا يلزم عنده أن تجئ بنون الوقاية مع ليت، بل يجوز لك في السعة أن تتركها، وإن كان الاتيان بها أولى، وعبارة سيبويه تفيد أن ترك النون ضرورة حيث قال: " وقد قالت الشعراء " ليتي " إذا اضطروا كأنهم شبهوه بالاسم حيث قالوا: " الضاربي " اه، وانظر شرح الشاهد (21) الآتي. ومثل هذا الشاهد - في حذف نون الوقاية مع ليت - قول ورقة بن نوفل الاسدي: فيا ليتي إذا ما كان ذاكم ولجت وكنت أولهم ولوجا وقد جمع بين ذكر النون وتركها حارثة بن عبيد البكري أحد المعمرين في قوله: ألا يا ليتتي أنضيت عمري وهل يجدي علي اليوم ليتي ؟ (*)
[ 113 ]
19 فقلت: أعيراني القدوم، لعلني أخط بها قبرا لابيض ماجد.
19 - هذا البيت من الشواهد التي لا يعرف قائلها. اللغة: " أعيراني " ويروى " أعيروني " وكلاهما أمر من العارية، وهي أن تعطى غيرك ما ينتفع به مع بقاء عينه ثم يرده إليك " القدوم " بفتح القاف وضم الدال المخففة الآلة التي ينجر بها الخشب " أخط بها " أي أنحت بها، وأصل الخط من قولهم: خط بأصبعه في الرمل " قبرا " المراد به الجفن، أي القراب، وهو الجراب
الذي يغمد فيه السيف " لابيض ماجد " لسيف صقيل. الاعراب: " فقلت " فعل وفاعل " أعيراني " أعيرا: فعل أمر مبني على حذف النون، والالف ضمير الاثنين فاعل، والنون للوقاية، والياء مفعول أول لاعيرا " القدوم " مفعول ثان لاعيرا " لعلني " لعل: حرف تعليل ونصب، والنون للوقاية، والياء اسمها " أخط " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، وجملة المضارع وفاعله في محل رفع خبر لعل " بها " جار ومجرور متعلق بأخط " قبرا " مفعول به لاخط " لابيض " اللام حرف جر، وأبيض مجرور بها، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لانه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف الوصفية ووزن الفعل، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لقبر " ماجد " صفة لابيض، مجرور بالكسرة الظاهرة. الشاهد فيه: قوله " لعلني " حيث جاء بنون الوقاية مع لعل، وهو قليل. ونظيره قول حاتم الطائي يخاطب امرأته، وكانت قد لامته على البذل والجود: أريني جوادا مات هزلا لعلني أرى ما ترين، أو بخيلا مخلدا والكثير في الاستعمال حذف النون مع " لعل " وهو الذي استعمله القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: (لعلي أبلغ الاسباب) وقوله سبحانه: (لعلي أعمل صالحا)، ومنه قول الفرزدق: وإني لراج نظرة قبل التي لعلي وإن شطت نواها أزورها وقول الآخر: ولي نفس تنازعني إذا ما أقول لها: لعلي أو عساني (8 - شرح ابن عقيل - 1) (*)
[ 114 ]
ثم ذكر أنك بالخيار في الباقيات، أي: في باقي أخوات ليت ولعل - وهي: إن، وأن، وكأن، ولكن - فتقول: إني وإنني، وأني وأنني، وكأني
وكأنني، ولكني ولكنني. ثم ذكر أن " من، وعن " تلزمهما نون الوقاية، فتقول: مني وعني - بالتشديد - ومنهم من يحذف النون، فيقول: مني وعني - بالتخفيف - وهو شاذ، قال الشاعر: 20 - أيها السائل عنهم وعني لست من قيس ولا قيس مني * * *.
20 - وهذا البيت أيضا من الشواهد المجهول قائلها، بل قال ابن الناظم: إنه من وضع النحويين، وقال ابن هشام عنه " وفي النفس من هذا البيت شئ " ووجه تشكك هذين العالمين المحققين في هذا البيت أنه قد اجتمع الحرفان " من " و " عن " وأتى بهما على لغة غير مشهورة من لغات العرب، وهذا يدل على قصد ذلك وتكلفه. اللغة: " قيس " هو قيس عيلان أبو قبيلة من مضر، واسمه الناس - بهمزة وصل ونون - ابن مضر بن نزار، وهو أخو إلياس - بياء مثناة تحتية - وقيس هنا غير منصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، لانه بمعنى القبيلة، وبعضهم يقول: قيس ابن عيلان. الاعراب: " أيها " أي: منادى حذف منه ياء النداء، مبني على الضم في محل نصب، وها للتنبيه " السائل " صفة لاي " عنهم " جار ومجرور متعلق بالسائل " وعني " معطوف على عنهم " لست " ليس: فعل ماض ناقص، والتاء اسمها " من قيس " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليس " ولا " الواو عاطفة، ولا نافية " قيس " مبتدأ " مني " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وهذه الجملة معطوفة على جملة ليس واسمها وخبرها. الشاهد فيه: قوله " عني " و " مني " حيث حذف نون الوقاية منهما شذوذا للضرورة. (*)
[ 115 ]
وفي لدني لدني قل، وفي قدني وقطني الحذف أيضا قد يفي (1) أشار بهذا إلى أن الفصيح في " لدني " إثبات النون، كقوله تعالى: (قد بلغت من لدني عذرا) ويقل حذفها، كقراءة من قرأ (من لدني) بالتخفيف والكثير في " قد، وقط " ثبوت النون، نحو: قدني وقطني، ويقل الحذف نحو: قدي وقطي، أي حسبي، وقد اجتمع الحذف والاثبات في قوله: 21 - قدني من نصر الخبيبين قدي [ ليس الامام بالشحيح الملحد ] * * *.
(1) " في لدنى " جار ومجرور متعلق بقل " لدنى " قصد لفظه: مبتدأ " قل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على لدنى المخففة، والجملة من قل وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " وفي قدني " جار ومجرور متعلق بيفي الآتي " وقطني " معطوف على قدني " الحذف " مبتدأ " أيضا " مفعول مطلق لفعل محذوف " قد " حرف تقليل " يفي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الحذف، والجملة من يفي وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو " الحذف " والجملة معطوفة على جملة المبتدأ والخبر السابقة. 21 - هذا البيت لابي نخيلة حميد بن مالك الارقط، أحد شعراء عصر بني أمية، من أرجوزة له يمدح بها الحجاج بن يوسف الثقفي، ويعرض بعبد الله بن الزبير. اللغة: أراد بالخبيبين عبد الله بن الزبير - وكنيته أبو خبيب - (ومصعبا أخاه، وغلبه لشهرته، ويروى " الخبيبين " - بصيغة الجمع - يريد أبا خبيب وشيعته، ومعنى " قدني " حسبي وكفاني " ليس الامام إلخ " أراد بهذه الجملة التعريض بعبد الله بن الزبير، لانه كان قد نصب نفسه خليفة بعد موت معاوية بن يزيد، وكان - مع ذلك -
مبخلا لا تبض يده بعطاء. الاعراب: " قدني " قد: اسم بمعنى حسب مبتدأ، مبني على السكون في محل رفع، والنون للوقاية، وقد مضاف والياء التي للمتكلم مضاف إليه مبني على السكون في = (*)
[ 116 ]
.
= محل جر " من نصر " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، ونصر مضاف و " الخبيبين " مضاف إليه " قدى " يجوز أن يكون قد هنا اسم فعل، وقد جعله ابن هشام اسم فعل مضارع بمعنى يكفيني، وجعله غيره اسم فعل ماض بمعنى كفاني، وجعله آخرون اسم فعل أمر بمعنى ليكفني، وهذا رأي ضعيف جدا، وياء المتكلم على هذه الآراء مفعول به، ويجوز أن يكون قد اسما بمعنى حسب مبتدأ، وياء المتكلم مضاف إليه، والخبر محذوف، وجملة المبتدأ وخبره مؤكدة لجملة المبتدأ وخبره السابقة " ليس " فعل ماض ناقص " الامام " اسمها " بالشحيح " الباء حرف جر زائد، الشحيح: خبر ليس منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد " الملحد " صفة للشحيح. الشاهد فيه: قوله " قدني " و " قدى " حيث أثبت النون في الاولى وحذفها من الثانية وقد اضطربت عبارات النحويين في ذلك، فقال قوم: إن الحذف غير شاذ، ولكنه قليل، وتبعهم المصنف والشارح، وقال سيبويه: " وقد يقولون في الشعر قطى وقدى فأما الكلام فلا بد فيه من النون، وقد اضطر الشاعر فقال قدى شبهه بحسبي لان المعنى واحد " اه. وقال الاعلم: " وإثباتها (النون) في قد وقط هو المستعمل، لانهما في البناء ومضارعة الحروف بمنزلة من وعن، فتلزمهما النون المكسورة قبل الياء، لئلا يغير آخرهما عن السكون " اه وقال الجوهري: " وأما قولهم قدك بمعنى حسب فهو اسم، وتقول: قدى، وقدني أيضا بالنون على غير قياس، لان هذه النون إنما تزاد في الافعال وقاية لها، مثل ضربني وشتمني " وقال ابن (بري) ؟ يرد على الجوهري " وهم الجوهري في قوله إن
النون في قدني زيدت على غير قياس " وجعل النون مخصوصا بالفعل لا غير، وليس كذلك، وإنما تزاد وقاية لحركة أو سكون في فعل أو حرف، كقولك في من وعن إذا أضفتهما لنفسك: مني وعني، فزدت نون الوقاية لتبقى نون من وعن على سكونها، وكذلك في قد وقط، وتقول: قدني وقطني، فتزيد نون الوقاية لتبقى الدال والطاء على سكونها، وكذلك زادوها في ليت، فقالوا: ليتني، لتبقى حركة التاء على حالها، وكذلك قالوا في ضرب: ضربني، لتبقى الباء على فتحها، وكذلك قالوا في اضرب: اضربني، أدخلوا نون الوقاية لتبقى الباء على سكونها " اه.
[ 117 ]
.
ولابن هشام ههنا كلام كثير وتفريعات طويلة لم يسبقه إليها أحد من قدامى العلماء وهي في مغنى اللبيب، وقد عنينا بذكرها والرد عليها في حواشينا المستفيضة على شرح الاشموني فارجع إليها هناك إن شئت (وانظر الابيات التي أنشدناها في شرح الشاهد رقم 18 ففيها شاهد لهذه المسألة، وهو رابع تلك الابيات). هذا، ولم يتكلم المصنف ولا الشارح عن الاسم المعرب إذا أضيف لياء المتكلم. واعلم أن الاصل في الاسم المعرب ألا تتصل به نون الوقاية، نحو ضاربي ومكرمي وقد ألحقت نون الوقاية باسم الفاعل المضاف إلى ياء المتكلم في قوله صلى الله عليه وسلم: " فهل أنتم صادقوني " وفي قول الشاعر: وليس الموافيني ليرفد خائبا فإن له أضعاف ما كان أملا وفي قول الآخر: ألا فتى من بني ذبيان يحملني وليس حاملني إلا ابن حمال وفي قول الآخر: وليس بمعييني وفي الناس ممتع صديق إذا أعيا علي صديق كما لحقت أفعل التفضيل في قوله صلى الله عليه وسلم " غير الدجال أخوفني عليكم "
لمشابهة أفعل التفضيل لفعل التعجيب. (*)
[ 118 ]
العلم (1) اسم يعين المسمى مطلقا علمه: كجعفر، وخرنقا (2) وقرن، وعدن، ولاحق، وشذقم، وهيلة، وواشق (3) العلم هو: الاسم الذي يعين مسماه مطلقا، أي بلا قيد التكلم أو الخطاب أو الغيبة، فالاسم: جنس يشمل النكرة والمعرفة، و " يعين مسماه ": فصل أخرج النكرة، و " بلا قيد " أخرج بقية المعارف، كالمضمر، فإنه يعين مسماه بقيد التكلم ك " أنا " أو الخطاب ك " أنت " أو الغيبة ك " هو "، ثم مثل الشيخ بأعلام الاناسي وغيرهم، تنبيها على أن مسميات الاعلام العقلاء وغيرهم من المألوفات، فجعفر: اسم رجل، وخرنق: اسم امرأة من شعراء العرب (4)،.
(1) هو في اللغة مشترك لفظي بين معان، منها الجبل، قال الله تعالى: (وله الجوار المنشآت في البحر كالاعلام) أي كالجبال، وقالت الخنساء ترثي أخاها صخرا: وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار ومنها الراية التي تجعل شعارا للدولة أو الجند، ومنها العلامة، ولعل المعنى الاصطلاحي مأخوذ من هذا الاخير، وأصل الترجمة " هذا باب العلم " فحذف المبتدأ، ثم الخبر، وأقام المضاف إليه مقامه، وليس يخفى عليك إعرابه. (2) " اسم " مبتدأ " يعين " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم " المسمى " مفعول به ليعين، والجملة من يعين وفاعله ومفعوله في محل رفع صفة لاسم " مطلقا " حال من الضمير المستتر في يعين " علمه " علم: خبر المبتدأ، وعلم مضاف والضمير مضاف إليه، ويجوز العكس، فيكون " اسم يعين المسمى " خبرا مقدما، و " علمه " مبتدأ مؤخرا " كجعفر " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر
لمبتدأ محذوف، وتقدير الكلام: وذلك كائن كقولك جعفر إلخ. (3) " وخرنقا، وقرن، وعدن، ولاحق، وشذقم، وهيلة، وواشق " كلهن معطوفات على جعفر. (4) لعل الاولى - بل الاصوب - أن يقول " من شواعر العرب ". (*)
[ 119 ]
وهي أخت طرفة بن العبد لامه، وقرن: اسم قبيلة، وعدن: اسم مكان، ولاحق: اسم فرس، وشذقم: اسم جمل، وهيلة: اسم شاة، وواشق: اسم كلب. * * * واسما أتى، وكنية، ولقبا وأخرن ذا إن سواه صحبا (1) ينقسم العلم إلى ثلاثة أقسام: إلى اسم، وكنية، ولقب، والمراد بالاسم هنا ما ليس بكنية ولا لقب، كزيد وعمرو، وبالكنية: ما كان في أوله أب أو أم، كأبي عبد الله وأم الخير، وباللقب: ما أشعر بمدح كزين العابدين، أو ذم كأنف الناقة. وأشار بقوله " وأخرن ذا - إلخ " إلى أن اللقب إذا صحب الاسم وجب تأخيره، كزيد أنف الناقة، ولا يجوز تقديمه على الاسم، فلا تقول: أنف الناقة زيد، إلا قليلا، ومنه قوله:.
(1) " واسما " حال من الضمير المستتر في أتى " أتى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى العلم " وكنية، ولقبا " معطوفان على قوله اسما " وأخرن " الواو حرف عطف، أخر: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ذا " مفعول به لاخر، وهو اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب " إن " حرف شرط " سواه " سوى: مفعول به
مقدم لصحب، وسوى مضاف، وضمير الغائب العائد إلى اللقب مضاف إليه " صحبا " صحب: فعل ماض فعل الشرط، مبني على الفتح في محل جزم، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اللقب، وجواب الشرط محذوف، والتقدير: إن صحب اللقب سواه فأخره. (*)
[ 120 ]
22 - بأن ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا ببطن شريان يعوي حوله الذيب.
22 - البيت لجنوب أخت عمرو ذي الكلب بن العجلان أحد بني كاهل، وهو من قصيدة لها ترثيه بها، وأولها: كل امرئ بمحال الدهر مكذوب وكل من غالب الايام مغلوب اللغة: " محال الدهر " بكسر الميم، بزنة كتاب - كيده أو مكره، وقيل: قوته وشدته " شريان " - بكسر أوله وسكون ثانيه - موضع بعينه، أو واد، أو هو شجر تعمل منه القسى " يعوى حوله الذيب " كناية عن موته، والباء من قولها " بأن " متعلقة بأبلغ في بيت قبل بيت الشاهد، وهو قوله: أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلغهم عني حديثا، وبعض القول تكذيب الاعراب: " بأن " الباء حرف جر، وأن: حرف توكيد ونصب " ذا " بمعنى صاحب اسم أن، منصوب بالالف نيابة عن الفتحة لانه من الاسماء الستة، وذا مضاف و " الكلب " مضاف إليه " عمرا " بدل من ذا " خيرهم " خير: صفة لعمرا، وخير مضاف والضمير مضاف إليه " حسبا " تمييز " ببطن " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أن، وبطن مضاف و " شريان " مضاف إليه " يعوى " فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل " حوله " حول: ظرف متعلق بيعوى، وحول مضاف وضمير الغائب العائد إلى عمرو مضاف إليه " الذيب " فاعل يعوى، والجملة في محل
نصب حال من عمرو، ويجوز أن يكون قولها " ببطن " جارا ومجرورا متعلقا بمحذوف حال من عمرو، وتكون جملة " يعوى إلخ " في محل رفع خبر أن، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلق بأبلغ في البيت الذي أنشدناه. الشاهد فيه: قولها " ذا الكلب عمرا " حيث قدمت اللقب - وهو قولها " ذا الكلب " - على الاسم - وهو قولها " عمرا " - والقياس أن يكون الاسم مقدما على اللقب، ولو جاءت بالكلام على ما يقتضيه القياس لقالت " بأن عمرا ذا الكلب ". وإنما وجب في القياس تقديم الاسم وتأخير اللقب لان الاسم يدل على الذات وحدها واللقب يدل عليها وعلى صفة مدح أو ذم كما هو معلوم، فلو جئت باللقب أولا لما كان = (*)
[ 121 ]
وظاهر كلام المصنف أنه يجب تأخير اللقب إذا صحب سواه، ويدخل تحت قوله " سواه " الاسم والكنية، وهو إنما يجب تأخيره مع الاسم، فأما مع الكنية فأنت بالخيار (1) بين أن تقدم الكنية على اللقب، فتقول: أبو عبد الله زين
= لذكر الاسم بعده فائدة، بخلاف ذكر الاسم أولا، فإن الاتيان بعده باللقب يفيد هذه الزيادة. ومثل هذا البيت في تقديم اللقب على الاسم قول أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم الانصاري الخزرجي: أنا ابن مزيقيا عمرو، وجدي أبوه عامر ماء السماء والشاهد في قوله " مزيقيا عمرو " فإن " مزيقيا " لقب، و " عمرو " اسم صاحب اللقب، وقد قدم هذا اللقب على الاسم كما ترى، أما قوله " عامر ماء السماء " فقد جاء على الاصل، (1) هذا الذي ذكره الشارح هو ما ذكره كبار النحويين من جواز تقديم الكنية
على اللقب أو تأخيرها عنه، والذي نريد أن ننبه عليه أن الشارح وغيره - كصاحب التوضيح ابن هشام الانصاري - ذكروا أن قول ابن مالك * وأخرن ذا إن سواه صحبا * موهم لخلاف المراد، معتمدين في ذلك على مذهب جمهرة النحاة، لكن قال السيوطي في همعه: إن كان (أي اللقب) مع الكنية فالذي ذكروه جواز تقدمه عليها، وتقدمها عليه، ومقتضى تعليل ابن مالك امتناع تقديمه عليها، وهو المختار، وهذا يفيد أن الذي يوهمه كلام المصنف مقصود له، وأن مذهبه وجوب تأخير اللقب على ما عداه، سواء أكان اسما أم كنية، وكنت قد كتبت على هامش نسختي تصحيحا لبيت المصنف هذا نصه: " وأخرن هذا إن اسما صحبا " ثم ظهر لي أن لا يجوز تصحيح العبارة بشئ مما ذكرناه وذكره الشارح أو غيره، وعبارة ابن هشام في أوضح المسالك تفيد أن هذه العبارة التي اعترضها الشارح قد وردت على وجه صحيح في نظر الجمهور، قال ابن هشام: " وفي نسخة من الخلاصة ما يقتضي أن اللقب يجب تأخيره عن الكنية كأبي عبد الله أنف الناقة، وليس كذلك " اه. ومعنى ذلك أنه قد وردت في النسخة المعتمدة عنده على الوجه الصحيح في نظر الجمهور، وقد ذكر الشارح هنا نص هذه النسخة. (*)
[ 122 ]
العابدين، وبين أن تقدم اللقب على الكنية، فتقول: زين العابدين أبو عبد الله، ويوجد في بعض النسخ بدل قوله: * " وأخرن ذا إن سواه صحبا " *: * " وذا اجعل آخرا إذا اسما صحبا " * وهو أحسن منه، لسلامته مما ورد على هذا، فإنه نص في أنه إنما يجب تأخير اللقب إذا صحب الاسم، ومفهومه أنه لا يجب ذلك مع الكنية، وهو كذلك، كما تقدم، ولو قال: " وأخرن ذا إن سواها صحبا " لما ورد عليه شئ، إذ يصير التقدير: وأخر اللقب إذا صحب سوى الكنية، وهو الاسم، فكأنه قال: وأخر اللقب إذا صحب الاسم. * * *
وإن يكونا مفردين فأضف حتما، وإلا أتبع الذي ردف (1) إذا اجتمع الاسم واللقب: فإما أن يكونا مفردين، أو مركبين، أو الاسم مركبا واللقب مفردا، أو الاسم مفردا واللقب مركبا..
(1) " إن " حرف شرط " يكونا " فعل مضارع متصرف من كان الناقصة فعل الشرط مجزوم بإن، وعلامة جزمه حذف النون، والالف اسمها مبني على السكون في محل رفع " مفردين " خبر يكون منصوب بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها لانه مثنى " فأضف " الفاء واقعة في جواب الشرط، وأضف: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة في محل جزم جواب الشرط " حتما " مفعول مطلق " وإلا " الواو عاطفة، إلا: هو عبارة عن حرفين أحدهما إن، والآخر لا، فأدغمت النون في اللام، وإن حرف شرط، ولا: نافية، وفعل الشرط محذوف يدل عليه الكلام السابق: أي وإن لم يكونا مفردين " أتبع " فعل أمر مبني على السكون، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وحذف الفاء منها للضرورة، لان جملة جواب الشرط إذا كانت طلبية وجب اقترانها بالفاء فكان عليه أن يقول: وإلا فأتبع " الذي " اسم موصول مفعول به لاتبع، مبني على السكون في محل نصب " ردف " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذي، وجملة ردف وفاعله المستتر فيه لا محل لها من الاعراب صلة الموصول وهو " الذي ". (*)
[ 123 ]
فإن كانا مفردين وجب عند البصريين الاضافة (1)، نحو: هذا سعيد كرز، ورأيت سعيد كرز، ومررت بسعيد كرز، وأجاز الكوفيون الاتباع، فتقول: هذا سعيد كرز، ورأيت سعيدا كرزا، ومررت بسعيد كرز، ووافقهم المصنف على ذلك في غير هذا الكتاب.
وإن لم يكونا مفردين - بأن كانا مركبين، نحو عبد الله أنف الناقة، أو مركبا ومفردا، نحو عبد الله كرز، وسعيد أنف الناقة - وجب الاتباع، فتتبع الثاني الاول في إعرابه، ويجوز القطع إلى الرفع أو النصب، نحو مررت بزيد أنف الناقة، وأنف الناقة، فالرفع على إضمار مبتدأ، والتقدير: هو أنف الناقة، والنصب على إضمار فعل، والتقدير: أعني أنف الناقة، فيقطع مع المرفوع إلى النصب، ومع المنصوب إلى الرفع، ومع المجرور إلى النصب أو الرفع، نحو هذا زيد أنف الناقة، ورأيت زيدا أنف الناقة، ومررت بزيد أنف الناقة، وأنف الناقة. * * *.
(1) وجوب الاضافة عندهم مشروط بما إذا لم يمنع منها مانع: كأن يكون الاسم مقترنا بأل، فإنه لا تجوز فيه الاضافة، فتقول: جاءني الحارث كرز، بإتباع الثاني للاول بدلا أو عطف بيان، إذ لو أضفت الاول للثاني للزم على ذلك أن يكون المضاف مقرونا بأل والمضاف إليه خاليا منها ومن الاضافة إلى المقترن بها، وذلك لا يجوز عند جمهور النحاة. قال أبو رجاء غفر الله تعالى له ولوالديه: بقي أن يقال: كيف أوجب البصريون هنا إضافة الاسم إلى اللقب إذا كانا مفردين ولا مانع، مع أن مذهبهم أنه لا يجوز أن يضاف اسم إلى ما اتحد به في المعنى كما سيأتي في باب الاضافة ؟ ويمكن أن يجاب عن هذا بأن امتناع إضافة الاسم إلى ما اتحد به في المعنى إنما هو في الاضافة الحقيقية التي يعرف فيها المضاف بالمضاف إليه، وإضافة الاسم إلى اللقب من قبيل الاضافة اللفظية على ما اختاره الزمخشري. (*)
[ 124 ]
ومنه منقول: كفضل وأسد وذو ارتجال: كسعاد، وأدد (1)
وجملة، وما بمزج ركبا، ذا إن بغير " ويه " تم أعربا (2) وشاع في الاعلام ذو الاضافة كعبد شمس وأبي قحافه (3).
(1) " ومنه " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " منقول " مبتدأ مؤخر " كفضل " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كفضل " وأسد " معطوف على فضل " وذو " الواو عاطفة، وذو: معطوف على قوله منقول وذو مضاف و " ارتجال " مضاف إليه " كسعاد " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك كائن كسعاد " وأدد " معطوف على سعاد. (2) " وجملة " مبتدأ خبره محذوف، وتقديره: ومنه جملة، وجملة المبتدأ والخبر معطوفة بالواو على جملة " ومنه منقول "، " وما " الواو عاطفة، وما اسم موصول معطوف على جملة، مبني على السكون في محل رفع " بمزج " جار ومجرور متعلق بقوله ركب الآتي " ركبا " ركب: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والالف للاطلاق، والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " ذا " اسم إشارة مبتدأ، مبني على السكون في محل رفع " إن " حرف شرط " بغير " جار ومجرور متعلق بقوله تم الآتي، وغير مضاف و " ويه " قصد لفظه: مضاف إليه " تم " فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط " أعرب " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ذا، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه خبر المبتدأ، وتقدير الكلام: هذا أعرب، إن تم بغير لفظ ويه أعرب. (3) " وشاع " فعل ماض " في الاعلام " جار ومجرور متعلق بقوله شاع " ذو " فاعل شاع، وذو مضاف، و " الاضافة " مضاف إليه " كعبد " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كعبد، وعبد مضاف و " شمس " مضاف
إليه " وأبي " الواو عاطفة، وأبي: معطوف على عبد، مجرور بالياء نيابة عن الكسرة لانه من الاسماء الخمسة، وأبي مضاف " وقحافه " مضاف إليه. (*)
[ 125 ]
ينقسم العلم إلى: مرتجل، وإلى منقول، فالمرتجل هو: ما لم يسبق له استعمال قبل العلمية في غيرها، كسعاد، وأدد، والمنقول: ما سبق له استعمال في غير العلمية، والنقل إما من صفة كحارث، أو من مصدر كفضل، أو من اسم جنس كأسد، وهذه تكون معربة، أو من جملة: كقام زيد، وزيد قائم (1)، وحكمها أنها تحكى، فتقول: جاءني زيد قائم، ورأيت زيد قائم، ومررت بزيد قائم، وهذه من الاعلام المركبة. ومنها أيضا: ما ركب تركيب مزج، كبعلبك، ومعدي كرب، وسيبويه. وذكر المصنف أن المركب تركيب مزج: إن ختم بغير " ويه " أعرب، ومفهومه أنه إن ختم ب " ويه " لا يعرب، بل يبنى، وهو كما ذكره، فتقول: جاءني بعلبك، ورأيت بعلبك، ومررت ببعلبك، فتعربه إعراب ما لا ينصرف، ويجوز فيه أيضا البناء على الفتح، فتقول: جاءني بعلبك، ورأيت بعلبك، ومررت ببعلبك، ويجوز [ أيضا ] أن يعرب أيضا إعراب المتضايفين، فتقول: جاءني حضر موت، ورأيت حضر موت، ومررت بحضر موت. وتقول [ فيما ختم بويه ]: جاءني سيبويه، ورأيت سيبويه، ومررت بسيبويه، فتبنيه على الكسر، وأجاز بعضهم إعرابه إعراب ما لا ينصرف، نحو جاءني سيبويه، ورأيت سيبويه، ومررت بسيبويه..
(1) الذي سمع عن العرب هو النقل من الجمل الفعلية، فقد سموا " تأبط شرا " وسموا " شاب قرناها " ومنه قول الشاعر وهو من شواهد سيبويه:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها بني شاب قرناها تصر وتحلب وسموا " ذرى حبا " ويشكر، ويزيد، وتغلب، فأما الجملة الاسمية فلم يسموا بها، وإنما قاسها النحاة على الجملة الفعلية. (*)
[ 126 ]
ومنها: ما ركب تركيب إضافة: كعبد شمس، وأبي قحافة، وهو معرب، فتقول: جاءني عبد شمس وأبو قحافة، ورأيت عبد شمس وأبا قحافة، ومررت بعبد شمس وأبي قحافة. ونبه بالمثالين على أن الجزء الاول، يكون معربا بالحركات، ك " عبد "، وبالحروف، ك " أبي "، وأن الجزء الثاني، يكون منصرفا، ك " شمس "، وغير منصرف، ك " قحافة ". * * * ووضعوا لبعض الاجناس علم كعلم الاشخاص لفظا، وهو عم (1) من ذاك: أم عريط للعقرب، وهكذا ثعالة للثعلب (2).
(1) " ووضعوا " الواو عاطفة، ووضع: فعل ماض، والواو ضمير الجماعة فاعل مبني على السكون في محل رفع " لبعض " جار ومجرور متعلق بوضعوا، وبعض مضاف، و " الاجناس " مضاف إليه " علم " مفعول به لوضعوا، وأصله منصوب منون فوقف عليه بالسكون على لغة ربيعة " كعلم " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لعلم، وليس حالا منه لانه نكرة وصاحب الحال إنما يكون معرفة، وعلم مضاف، و " الاشخاص " مضاف إليه " لفظا " تمييز لمعنى الكاف، أي: مثله من جهة اللفظ " وهو " ضمير منفصل مبتدأ " عم " يجوز أن يكون فعلا ماضيا، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الضمير العائد إلى علم الجنس، وعلى هذا تكون الجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون عم أفعل تفضيل وأصله أعم فسقطت همزته
لكثرة الاستعمال كما سقطت من خير وشر، ويكون أفعل التفضيل على غير بابه، وهو خبر عن الضمير الواقع مبتدأ. (2) " من " حرف جر " ذاك " ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بمن، والكاف حرف خطاب، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " أم " مبتدأ مؤخر، وأم مضاف و " عريط " مضاف إليه " للعقرب " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في الخبر، والتقدير: أم عريط كائن من ذاك حال كونه علما للعقرب " وهكذا " الواو عاطفة، وها: حرف تنبيه، والكاف حرف جر، وذا: اسم =
[ 127 ]
ومثله برة للمبره، كذا فجار علم للفجره (1) العلم على قسمين: علم آشخص، وعلم جنس. فعلم الشخص له حكمان: معنوي، وهو: أن يراد به واحد بعينه: كزيد، وأحمد، ولفظي، وهو صحة مجئ الحال متأخرة عنه، نحو " جاءني زيد ضاحكا " ومنعه من الصرف مع سبب آخر غير العلمية، نحو " هذا أحمد ومنع دخول الالف واللام عليه، فلا تقول " جاء العمرو " (2)..
= إشارة مبني على السكون في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " ثعالة " مبتدأ مؤخر " للثعلب " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ضمير الخبر كما تقدم فيما قبله. (1) " ومثله " الواو عاطفة، مثل: خبر مقدم، ومثل مضاف والهاء ضمير غائب عائد على المذكور قبله من الامثلة مضاف إليه، مبني على الضم في محل جر " برة " مبتدأ مؤخر " للمبرة " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في الخبر، لانه في تقدير مشتق " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " فجار " مبتدأ مؤخر، مبني على الكسر في محل رفع " علم " مبتدأ خبره محذوف " للفجرة "
جار ومجرور متعلق بذلك الخبر المحذوف، والتقدير: فجار كذا علم موضوع للفجرة، ويجوز أن يكون قوله " للفجرة " جارا ومجرورا في محل الوصف لعلم، ويجوز غير هذين الاعرابين لعلم أيضا، فتأمل. (2) اعلم أن العلم بحسب الاصل لا تدخله الالف واللام، ولا يضاف، وذلك لانه معرفة بالعلمية، وأل والاضافة وسيلتان للتعريف، ولا يجوز أن يجتمع على الاسم الواحد معرفان، إلا أنه قد يحصل الاشتراك الاتفاقي في الاسم العلم، فيكون لك صديقان اسم كل واحد منهما زيد أو عمرو، مثلا. وفي هذه الحالة يشبه العلم اسم الجنس، فتصل به أل، وتضيفه، كما تفعل ذلك برجل وغلام، وقد جاء ذلك عنهم، فمن دخول " أل " على علم الشخص قول أبي النجم العجلي: باعد أم العمرو من أسيرها حراس أبواب على قصورها = (*)
[ 128 ]
وعلم الجنس كعلم الشخص في حكمه [ اللفظي ]، فتقول: " هذا أسامه مقبلا " فتمنعمن الصرف، وتأتي بالحال بعده، ولا تدخل عليه الالف واللام، فلا تقول: " هذا الاسامة " (1)..
= وقول الاخطل التغلبي: وقد كان منهم حاجب وابن أمه أبو جندل والزيد زيد المعارك وفي هذا البيت اقتران العلم بأل، وإضافته. ومن مجئ العلم مضافا قولهم: ربيعة الفرس، وأنمار الشاة، ومضر الحمراء، وقال رجل من طيئ: علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم بأبيض ماضي الشفرتين يمان وقال ربيعة الرقي: لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد سليم والاغر ابن حاتم
وقال الراجز يخاطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يا عمر الخير جزيت الجنه اكس بنياتي وأمهنه * أقسمت بالله لتفعلنه * والشواهد على ذلك كثيرة، وانظر ص 87 السابقة. (1) ذكر الشارح من أحكام العلم اللفظية ثلاثة أحكام يشترك فيها النوعان، وترك ثلاثة أخرى: (الاول) أنه يبتدأ به بلا احتياج إلى مسوغ، تقول: أسامة مقبل: وثعالة هارب، كما تقول: علي حاضر، وخالد مسافر. (الثاني) أنه لا يضاف بحسب أصل وضعه، فلا يجوز أن تقول: أسامتنا، كما يمتنع أن تقول: محمدنا، فإن حصل فيه الاشتراك الاتفاقي صحت إضافته على ما علمت في علم الشخص. (الثالث) أنه لا ينعت بالنكرة، لانه معرفة، ومن شرط النعت أن يكون مثل المنعوت في تعريفه أو تنكيره كما هو معلوم. (*)
[ 129 ]
وحكم علم الجنس في المعنى كحكم النكرة: من جهة أنه لا يخص واحدا بعينه، فكل أسد يصدق عليه أسامة، وكل عقرب يصدق عليها أم عريط، وكل ثعلب يصدق عليه ثعالة. وعلم الجنس: يكون للشخص، كما تقدم، ويكون للمعنى كما مثل بقوله: " برة للمبرة، وفجار للفجرة ". * * * (9 - شرح ابن عقيل - 1) (*)
[ 130 ]
اسم الاشارة بذا لمفرد مذكر أشر بذي وذه تي تا على الانثى اقتصر (1) يشار إلى المفرد المذكر ب " ذا " ومذهب البصريين أن الالف من نفس الكلمة، وذهب الكوفيون إلى أنها زائدة (2)..
(1) " بذا " جار ومجرور متعلق بقوله " أشر " الآتي " لمفرد " جار ومجرور متعلق بأشر كذلك " مذكر " نعت لمفرد " أشر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بذي " جار ومجرور متعلق بقوله اقتصر الآتي " وذه " الواو عاطفة، وذه: معطوف على ذي " تي تا " معطوفان على ذي بإسقاط حرف العطف " على الانثى " جار ومجرور متعلق بقوله اقتصر الآتي أيضا " اقتصر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وجملة " اقتصر " معطوفة على جملة " أشر " بإسقاط العاطف. (2) ههنا ثلاثة أمور، أولها: أن الشارح لم يذكر - تبعا للمصنف - في هذا الكتاب من ألفاظ الاشارة إلى المفرد المذكر سوى " ذا " وقد ذكر العلماء أربعة ألفاظ أخرى: الاول " ذاء " بهمزة مكسورة بعد الالف، والثاني " ذائه " بهاء مكسورة بعد الهمزة المكسورة، والثالث " ذاؤه " بهمزة مضمومة وبعدها هاء مضمومة، الرابع " آلك " بهمزة ممدودة بعدها لام ثم كاف، وممن ذكر ذلك الناظم في كتابه التسهيل. الامر الثاني: أن " ذا " إشارة للمفرد، وهذا المفرد إما أن يكون مفردا حقيقة أو حكما، فالمفرد الحقيقي نحو: هذا زيد، وهذا خالد، وهذا الكتاب، والمفرد حكما نحو: هذا الرهط، وهذا الفريق، ومنه قول الله تعالى: (عوان بين ذلك) أي بين المذكور من الفارض والبكر، وربما استعمل " ذا " في الاشارة إلى الجمع، كما في قول لبيد بن ربيعة العامري:
ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا الناس: كيف لبيد ؟ الامر الثالث: أن الاصل في " ذا " أن يشار به إلى المذكر حقيقة، كما في الامثلة التي ذكرناها، وقد يشار به إلى المؤنث إذا نزل منزلة المذكر، كما في قول الله تعالى: = (*)
[ 131 ]
ويشار إلى المؤنثة ب " ذي "، و " ذه " بسكون الهاء، و " تي "، و " تا "، و " ذه " بكسر الهاء: باختلاس، وبإشباع، و " ته " بسكون الهاء، وبكسرها، باختلاس، وإشباع، و " ذات ". * * * وذان تان للمثنى المرتفع وفي سواه ذين تين اذكر تطع (1) يشار إلى المثنى المذكر في حالة الرفع ب " ذان " وفي حالة النصب والجر ب " ذين " وإلى المؤنثتين ب " تان " في الرفع، و " تين " في النصب والجر. * * * وبأولى أشر لجمع مطلقا، والمد أولى، ولدى البعد انطقا (2).
= (فلما رأى الشمس بازغة قال: هذا ربي) أشار إلى الشمس وهي مؤنثة بدليل قوله (بازغة) - بقوله: (هذا ربي) لانه نزلها منزلة المذكر، ويقال: بل لانه أخبر عنها بمذكر، ويقال: بل لان لغة إبراهيم - عليه السلام ! - الذي ذكر هذا الكلام على لسانه لا تفرق بين المذكر والمؤنث. (1) " وذان " الواو عاطفة، ذان: مبتدأ " تان " معطوف عليه بإسقاط حرف العطف " للمثنى " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " المرتفع " نعت للمثنى، وجملة المبتدأ وخبره معطوفة على ما قبلها " وفي سواه " الجار والمجرور متعلق بقوله " اذكر " الآتي، وسوى مضاف والهاء ضمير الغائب العائد إلى المثنى المرتفع مضاف إليه، وقد أعمل الحرف في " سوى " لانها عنده متصرفة " ذين " مفعول به مقدم
على عامله وهو قوله " اذكر " الآتي " تين " معطوف على ذين بإسقاط حرف العطف " اذكر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وجملة " اذكر " معطوفة بالواو على ما قبلها. (2) " وبأولى " الواو عاطفة، والباء حرف جر، و " أولى " مجرور المحل بالباء، والجار والمجرور متعلق بقوله " أشر " الآتي " أشر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لجمع " جار ومجرور متعلق بقوله " أشر " السابق " مطلقا " حال من قوله " جمع " " والمد " مبتدأ " أولى " خبره " ولدى " الواو = (*)
[ 132 ]
بالكاف حرفا: دون لام، أو معه واللام - إن قدمت ها - ممتنعه (1) يشار إلى الجمع - مذكرا كان أو مؤنثا - ب " أولى " ولهذا قال المصنف: " أشر لجمع مطلقا "، ومقتضى هذا أنه يشار بها إلى العقلاء وغيرهم، وهو كذلك، ولكن الاكثر استعمالها في العاقل، ومن ورودها في غير العاقل قوله: 23 - ذم المنازل بعد منزلة اللوى والعيش بعد أولئك الايام.
= عاطفة، لدى: ظرف بمعنى عند متعلق بقوله انطق الآتي، ولدى مضاف و " البعد " مضاف إليه " انطقا " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والالف للاطلاق، ويجوز أن تكون الالف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة للوقف. (1) " بالكاف " جار ومجرور متعلق بقوله انطق في البيت السابق " حرفا " حال من " الكاف " " دون " ظرف متعلق بمحذوف حال ثان من " الكاف " ودون مضاف و " لام " مضاف إليه " أو " حرف عطف " معه " مع: ظرف معطوف على الظرف الواقع متعلقه حالا وهو دون، ومع مضاف والهاء ضمير الغائب مضاف
إليه " واللام " مبتدأ " إن " حرف شرط " قدمت " قدم: فعل ماض مبني على الفتح المقدر في محل جزم على أنه فعل الشرط، وتاء المخاطب فاعله، و " ها " مفعول به لقدم " ممتنعه " خبر المبتدأ، وجواب الشرط محذوف دل عليه المبتدأ وخبره، والتقدير: واللام ممتنعة إن قدمت ها فاللام ممتنعة، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها، لانها (معترضة) ؟ بين المبتدأ وخبره. 23 - البيت لجرير بن عطية بن الخطفي، من كلمة له يهجو فيها الفرزدق، وقبله - وهو المطلع - قوله: سرت الهموم فبتن غير نيام وأخو الهموم يروم كل مرام اللغة: " ذم " فعل أمر من الذم، ويجوز لك في الميم تحريكها بإحدى الحركات الثلاث: الكسر، لانه الاصل في التخلص من التقاء الساكنين، فهو مبني على السكون وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين، والفتح للتخفيف، لان الفتحة = (*)
[ 133 ]
وفيها لغتان: المد، وهي لغة أهل الحجاز، وهي الواردة في القرآن العزيز، والقصر، وهي لغة بني تميم. وأشار بقوله: " ولدى البعد انطقا بالكاف - إلى آخر البيت " إلى أن المشار إليه له رتبتان: القرب، والبعد، فجميع ما تقدم يشار به إلى القريب،.
= أخف الحركات، وهذه لغة بني أسد، والضم، لاتباع حركة الذال، وهذا الوجه أضعف الوجوه الثلاثة " المنازل " جمع منزل، أو منزلة، وهو محل النزول، وكونه ههنا جمع منزلة أولى، لانه يقول فيما بعد " منزلة اللوى " - واللوى - بكسر اللام مقصورا موضع بعينه " العيش " أراد به الحياة. المعنى: ذم كل موضع تنزل فيه بعد هذا الموضع الذي لقيت فيه أنواع المسرة، وذم أيام الحياة التي تقضيها بعد هذه الايام التي قضيتها هناك في هناءة وغبطة.
الاعراب: " ذم " فعل أمر، مبني على السكون لا محل له من الاعراب، وهو مفتوح الآخر للخفة أو مكسوره على الاصل في التخلص من التقاء الساكنين أو مضمومه للاتباع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " المنازل " مفعول به لذم " بعد " ظرف متعلق بمحذوف حال من المنازل، وبعد مضاف و " منزلة " مضاف إليه، ومنزلة مضاف، و " اللوى " مضاف إليه " والعيش " الواو عاطفة، العيش: معطوف على المنازل " بعد " ظرف متعلق بمحذوف حال من العيش، وبعد مضاف وأولاء من " أولائك " مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " الايام " بدل من اسم الاشارة أو عطف بيان عليه. الشاهد فيه: قوله " أولئك " حيث أشار به إلى غير العقلاء، وهي " الايام " ومثله في ذلك قول الله تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) وقد ذكر ابن هشام عن ابن عطية أن الرواية الصحيحة في بيت الشاهد * والعيش بعد أولئك الاقوام * وهذه هي رواية النقائض حين جرير والفرزدق، وعلى ذلك لا يكون في البيت شاهد، لان الاقوام عقلاء، والخطب في ذلك سهل، لان الآية الكريمة التي تلوناها كافية أعظم الكفاية للاستشهاد بها على جواز الاشارة بأولاء إلى الجمع من غير العقلاء. (*)
[ 134 ]
فإذا أريد الاشارة إلى البعيد أتي بالكاف وحدها، فتقول: " ذاك " أو الكاف واللام نحو " ذلك ". وهذه الكاف حرف خطاب، فلا موضع لها من الاعراب، وهذا لا خلاف فيه. فإن تقدم حرف التنبيه الذي هو " ها " على اسم الاشارة أتيت بالكاف وحدها، فتقول " هذاك " (1) وعليه قوله:
24 - رأيت بني غبراء لا ينكرونني ولا أهل هذاك الطراف الممدد.
(1) إذا كان اسم الاشارة لمثنى أو لجمع فإن ابن مالك يرى أنه لا يجوز أن يؤتى بالكاف مع حرف التنبيه حينئذ، وذهب أبو حيان إلى أن ذلك قليل لا ممتنع، ومما ورد منه قول العرجي، وقيل: قائله كامل الثقفي: ياما أميلح غزلانا شدن لنا من هؤليائكن الضال والسمر الشاهد فيه هنا: قوله " هؤليائكن " فإنه تصغير " أولاء " الذي هو اسم إشارة إلى الجمع، وقد اتصلت به " ها " التنبيه في أوله، وكاف الخطاب في آخره. 24 - هذا البيت لطرفة بن العبد البكري، من معلقته المشهورة التي مطلعها: لخولة أطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد وقبل بيت الشاهد قوله: وما زال تشرابي الخمور ولذتي وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي إلى أن تحامتني العشيرة كلها وأفردت إفراد البعير المعبد اللغة: " خولة " اسم امرأة " أطلال " جمع طلل، بزنة جبل وأجبال، والطلل: ما شخص وظهر وارتفع من آثار الديار (كالاثافي) ؟ " برقة " بضم فسكون - هي كل رابية فيها رمل وطين أو حجارة، وفي بلاد العرب نيف ومائة برقة عدها صاحب القاموس، = (*)
[ 135 ]
ولا يجوز الاتيان بالكاف واللام، فلا تقول " هذالك ". وظاهر كلام المصنف أنه ليس للمشار إليه إلا رتبتان: قربى، وبعدي، كما قررناه، والجمهور على أن له ثلاث مراتب: قربى، ووسطى، وبعدي،
فيشار إلى من في القربى بما ليس فيه كاف ولا لام: كذا، وذي، وإلى من في الوسطى بما فيه الكاف وحدها نحو ذاك، وإلى من في البعدى بما فيه كاف ولام، نحو " ذلك ". * * *.
= وألف فيها غير واحد من علماء اللغة، ومنها برقة ثهمد " تلوح " تظهر " الوشم " أن يغرز بالابرة في الجلد ثم يذر عليه الكحل أو دخان الشحم فيبقى سواده ظاهرا " البعير المعبد " الاجرب " بني غبراء " الغبراء هي الارض، سميت بهذا لغبرتها، وأراد ببني الغبراء الفقراء الذين لصقوا بالارض لشدة فقرهم، أو الاضياف، أو اللصوص " الطراف " بكسر الطاء بزنة الكتاب - البيت من الجلد، وأهل الطراف الممدد: الاغنياء. المعنى: يريد أن جميع الناس - من غير تفرقة بين فقيرهم وغنيهم - يعرفونه، ولا ينكرون محله من الكرم والمواساة للفقراء وحسن العشرة وطيب الصحبة للاغنياء وكأنه يتألم من صنبع قومه معه. الاعراب: " رأيت " فعل وفاعل " بني " مفعول به، وبني مضاف، و " غبراء " مضاف إليه، ثم إذا كانت رأى بصربة فجملة " لا ينكرونني " من الفعل وفاعله ومفعوله في محل نصب حال من بني غبراء، وإذا كانت رأى علمية وهو أولى فالجملة في محل نصب مفعول ثان لرأى " ولا " الواو عاطفة، ولا: زائدة لتأكيد النفي " أهل " معطوف على الواو الذي هو ضمير الجماعة في قوله " لا ينكرونني " وأهل مضاف واسم الاشارة من " هذاك " مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " الطراف " بدل من اسم الاشارة أو عطف بيان عليه " الممدد " نعت للطراف. الشاهد فيه: قوله " هذاك " حيث جاء بها التنبيه مع الكاف وحدها، ولم يجئ باللام، ولم يقع لي - مع طويل البحث وكثرة الممارسة - نظير لهذا البيت مما اجتمعت فيه " ها " التنبيه مع كاف الخطاب بينهما اسم إشارة للمفرد، ولعل العلماء الذين قرروا = (*)
[ 136 ]
وبهنا أو ههنا أشر إلى داني المكان، وبه الكاف صلا (1) في البعد، أو بثم فه، أو هنا أو بهنالك انطقن، أو هنا (2) يشار إلى المكان القريب ب " هنا " ويتقدمها هاء التنبيه، فيقال " ههنا "، ويشار إلى البعيد على رأي المصنف ب " هناك، وهنالك، وهنا " بفتح الهاء وكسرها مع تشديد النون، وب " ثم " و " هنت "، وعلى مذهب غيره " هناك " للمتوسط، وما بعده للبعيد. * * *
= هذه القواعد قد حفظوا من شواهد هذه المسألة ما لم يبلغنا، أو لعل قداماهم الذين شافهوا العرب قد سمعوا ممن يوثق بعربيته استعمال مثل ذلك في أحاديثهم في غير شذوذ ولا ضرورة تحوج إليه، فلهذا جعلوه قاعدة. (1) " وبهنا " الواو عاطفة، بهنا: جار ومجرور متعلق بقوله " أشر " الآتي، " أو " حرف عطف " ههنا " معطوف على هنا " أشر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إلى " حرف جر يتعلق بأشر " داني " مجرور بإلى، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء للثقل، وداني مضاف و " المكان " مضاف إليه " وبه " الواو عاطفة، به: جار ومجرور متعلق بقوله صلا الآتي " الكاف " مفعول به مقدم على عامله وهو صلا الآتي " صلا " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والالف للاطلاق، ويجوز أن تكون هذه الالف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة للوقف. (2) " في البعد " جار ومجرور متعلق بقوله " صلا " في البيت السابق " أو " حرف عطف معناه هنا التخيير " بثم " جار ومجرور متعلق بقوله " فه " الآتي " فه " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أو " حرف عطف " هنا "
معطوف على قوله " ثم " السابق " أو " حرف عطف " بهنالك " جار ومجرور متعلق بقوله انطق الآتي " انطقن " انطق: فعل أمر، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ونون التوكيد الخفيفة حرف لا محل له من الاعراب " أو " حرف عطف " هنا " معطوف على قوله " هنالك ". (*)
[ 137 ]
الموصول موصول الاسماء الذي، الانثى التي، واليا إذا ما ثنيا لا تثبت (1) بل ما تليه أوله العلامه، والنون إن تشدد فلا ملامه (2).
(1) " موصول " مبتدأ أول، وموصول مضاف و " الاسماء " مضاف إليه " الذي " مبتدأ ثان، وخبر المبتدأ الثاني محذوف تقديره: منه، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول " الانثى " مبتدأ " التي " خبره، والجملة معطوفة على الجملة الصغرى السابقة - وهي جملة المبتدأ الثاني وخبره - بحرف عطف مقدر، والرابط للجملة المعطوفة بالمبتدأ الاول مقدر وكان أصل الكلام: موصول الاسماء أنثاه التي، ويجوز أن يكون قوله " الانثى " مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: كائنة منه، فيكون على هذا قوله " التي " بدلا من الانثى " واليا " مفعول مقدم لقوله " لا تثبت " الآتي " إذا " ظرف ضمن معنى الشرط " ما " زائدة " ثنيا " ثنى: فعل ماض مبني للمجهول وألف الاثنين نائب فاعل، والجملة في محل جر بإضافة " إذا " إليها، وهي جملة الشرط " لا " ناهية " تثبت " فعل مضارع مجزوم بلا، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر لاجل الروى والوزن، وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام، والتقدير: ولا تثبت الياء، إذا ثنيتهما - أي الذي والتي - فلا تثبتها. (2) " بل " حرف عطف معناه الانتقال " ما " اسم موصول مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، والتقدير: بل أول - إلخ، فهو مبني على السكون في
محل نصب " تليه " تلي: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقدير هي يعود إلى الياء، والهاء ضمير الغائب العائد إلى ما مفعول به مبني على الكسر في محل نصب، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " أوله " أول: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت والضمير الذي للغائب مفعول أول " العلامه " مفعول ثان لاول " والنون " مبتدأ " إن " شرطية " تشدد " فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على المبتدأ الذي هو النون " فلا " الفاء لربط الشرط = (*)
[ 138 ]
والنون من ذين وتين شددا أيضا، وتعويض بذاك قصدا (1) ينقسم الموصول إلى اسمي، وحرفي ولم يذكر المصنف الموصولات الحرفية، وهي خمسة أحرف: أحدها: " أن " المصدرية، وتوصل بالفعل المتصرف: ماضيا، مثل " عجبت من أن قام زيد " ومضارعا، نحو " عجبت من أن يقوم زيد " وأمرا، نحو " أشرت إليه بأن قم "، فإن وقع بعدها فعل غير متصرف - نحو قوله تعالى: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) وقوله تعالى: (وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) - فهي مخففة من الثقيلة. ومنها: " أن " وتوصل باسمها وخبرها، نحو " عجبت من أن زيدا قائم " ومنه قوله تعالى: (أو لم يكفهم أنا أنزلنا) وأن المخففة كالمثقلة، وتوصل باسمها وخبرها، لكن اسمها يكون محذوفا، واسم المثقلة مذكورا. ومنها: " كي " وتوصل بفعل مضارع فقط، مثل " جئت لكي تكرم زيدا "..
= بالجواب، ولا: نافية للجنس " ملامه " اسم لا مبني على الفتح في محل نصب، وسكونه للوقف، وخبر " لا " محذوف، وتقديره: فلا ملامة عليك، مثلا، والجملة من لا واسمها
وخبرها في محل جزم جواب الشرط، وجملة الشرط والجواب في محل رفع خبر المبتدأ. (1) " والنون " مبتدأ " من ذين " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه ضمير مستتر في " شددا " الآتي " وتين " معطوف على " ذين " " شددا " شدد: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النون، والالف للاطلاق، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " أيضا " مفعول مطلق حذف فعله العامل فيه " وتعويض " مبتدأ " بذاك " جار ومجرور متعلق بقوله قصد الآتي " قصدا " قصد: فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تعويض، والجملة من قصد ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو قوله تعويض. (*)
[ 139 ]
ومنها: " ما " وتكون مصدرية ظرفية، نحو " لا أصحبك ما دمت منطلقا " [ أي: مدة دوامك منطلقا ] وغير ظرفية، نحو " عجبت مما ضربت زيدا " وتوصل بالماضي، كما مثل، وبالمضارع، نحو " لا أصحبك ما يقوم زيد، وعجبت مما تضرب زيدا " ومنه (1): (بما نسوا يوم الحساب) وبالجملة الاسمية، نحو " عجبت مما زيد قائم، ولا أصحبك ما زيد قائم " وهو قليل (2)، وأكثر ما توصل الظرفية المصدرية بالماضي أو بالمضارع المنفي بلم، نحو " لا أصحبك ما لم تضرب زيدا " وبقل وصلها أعني المصدرية بالفعل المضارع الذي ليس منفيا بلم، نحو " لا أصحبك ما يقوم زيد " ومنه قوله: 25 - أطوف ما أطوف ثم آوي إلى بيت قعيدته لكاع.
(1) أي من وصلها بالفعل، بقطع النظر عن كونه ماضيا أو مضارعا. (2) اختلف النحويون فيما إذا وقع بعد " ما " هذه جملة اسمية مصدرة بحرف
مصدري نحو قولهم: لا أفعل ذلك ما أن في السماء نجما، ولا أكلمه ما أن حراء مكانه فقال جمهور البصريين: أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع على أنه فاعل لفعل محذوف، والتقدير على هذا: لا أكلمه ما ثبت كون نجم في السماء، وما ثبت كون حراء مكانه، فهو حينئذ من باب وصل " ما " المصدرية بالجملة الفعلية الماضوية، ووجه ذلك عندهم أن الاكثر وصلها بالافعال، والحمل على الاكثر أولى، وذهب الكوفيون إلى أن " أن " وما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع أيضا، إلا أن هذا المصدر المرفوع مبتدأ خبره محذوف، والتقدير على هذا الوجه: لا أفعل كذا ما كون حراء في مكانه ثابت، وما كون نجم في السماء موجود، فهو من باب وصل " ما " بالجملة الاسمية، لان ذلك أقل تقديرا. 25 - اشتهر أن هذا البيت للحطيئة - واسمه جرول - بهجو امرأته، وهو بيت مفرد ليس له سابق أو لاحق، وقد نسبه ابن السكيت في كتاب الالفاظ (ص 73 ط بيروت) - وتبعه الخطيب التبريزي في تهذيبه - إلى أبي غريب النصري. اللغة: " أطوف " أي أكثر التجوال والتطواف والدوران، ويروى " أطود " = (*)
[ 140 ]
ومنها: " لو " وتوصل بالماضي، نحو " وددت لو قام زيد " والمضارع، نحو " وددت لو يقوم زيد ". فقول المصنف " موصول الاسماء " احتراز من الموصول الحرفي - وهو..
= بالدال المهملة مكان الفاء والمعنى واحد " آوى " مضارع أوى - من باب ضرب - إلى منزله، إذا رجع إليه وأقام به " قعيدته " قعيدة البيت: هي المرأة. وقيل لها ذلك لانها تطيل القعود فيه " لكاع " يريد أنها متناهية في الخبث. المعنى: أنا أكثر دوراني وارتيادي الاماكن عامة النهار في طلب الرزق وتحصيل القوت، ثم أعود إلى بيتي لاقيم فيه، فلا تقع عيني فيه إلا على امرأة شديدة الخبث
متناهية في الدناءة واللؤم. الاعراب: " أطوف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، و " ما " مصدرية " أطوف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا و " ما " مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول مطلق عامله قوله " أطوف " الاول " ثم " حرف عطف " آوى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " إلى بيت " جار ومجرور متعلق بقوله " آوى " " قعيدته " قعيدة: مبتدأ، وقعيدة مضاف والضمير مضاف إليه " لكاع " خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ وخبره في محل جر نعت لقوله " بيت "، وهذا هو الظاهر، وأحسن من ذلك أن يكون خبر المبتدأ محذوفا، ويكون قوله " لكاع " منادى بحرف نداء محذوف، وجملة النداء في محل نصب مفعول به للخبر، وتقدير الكلام على ذلك الوجه: قعيدته مقول لها: يالكاع. الشاهد فيه: في هذا البيت شاهدان للنحاة، أولهما في قوله " ما أطوف " حيث أدخل " ما " المصدرية الظرفية على فعل مضارع غير منفي بلم، وهو الذي عناه الشارح من إتيانه بهذا البيت ههنا، والشاهد الثاني يذكر في أواخر باب النداء في ذكر أسماء ملازمة النداء، وهو في قوله " لكاع " حيث يدل ظاهره على أنه استعمله خبرا للمبتدأ فجاء به في غير النداء ضرورة، والشائع الكثير في كلام العرب أن ما كان على زنة فعال - بفتح الفاء والعين - مما كان سبا للاناث لا يستعمل إلا منادى، فلا يؤثر فيه عامل غير حرف النداء، تقول: يالكاع ويادفار، ولا يجوز أن تقول: رأيت دفار، ولا أن تقول: مررت بدفار، ومن أجل هذا يخرج قوله " لكاع " هنا على حذف خبر المبتدأ وجعل " لكاع " منادى بحرف نداء محذوف كما قلنا في إعراب البيت. (*)
[ 141 ]
" أن وأن وكي وما ولو " وعلامته صحة وقوع المصدر موقعه، نحو " وددت لو تقوم " أي قيامك، و " عجبت مما تصنع، وجئت لكي أقرأ،
ويعجبني أنك قائم، وأريد أن تقوم " وقد سبق ذكره. وأما الموصول الاسمي ف " الذي " للمفرد المذكر (1)، و " التي " للمفردة المؤنثة. فإن ثنيت أسقطت الياء وأتيت مكانها: بالالف في حالة الرفع، نحو " اللذان، واللتان " وبالياء في حالتي الجر والنصب، فتقول: " اللذين، واللتين ". وإن شئت شددت النون - عوضا عن الياء المحذوفة - فقلت: " اللذان واللتان " وقد قرئ: (واللذان يأتيانها منكم) ويجوز التشديد أيضا مع الياء - وهو مذهب الكوفيين - فتقول: " اللذين، واللتين " وقد قرئ: (ربنا أرنا اللذين) - بتشديد النون - وهذا التشديد يجوز أيضا في تثنية " ذا، وتا " اسمى الاشارة، فتقول: " ذان، وتان " وكذلك مع الياء، فتقول: " ذين وتين " وهو مذهب الكوفيين - والمقصود بالتشديد أن يكون عوضا عن الالف المحذوفة كما تقدم في " الذي، والتي ". * * * جمع الذي الالى الذين مطلقا وبعضهم بالواو رفع نطقا (2).
(1) لا فرق بين أن يكون المفرد مفردا حقيقة، كما تقول: زيد الذي يزورنا رجل كريم، وأن يكون مفردا حكما كما تقول: الفريق الذي أكون فيح فريق مخلص نافع، كما أنه لا فرق بين أن يكون عاقلا كما مثلنا، وأن يكون غير عاقل كما تقول: اليوم آالذي سافرت فيه كان يوما ممطرا. (2) " جمع " مبتدأ، وجمع مضاف و " الذي " مضاف إليه " الاولى " خبر المبتدأ " الذين " معطوف على الخبر بتقدير حرف العطف " مطلقا " حال من الذين " وبعضهم " الواو عاطفة، بعض: مبتدأ، وبعض مضاف والضمير العائد إلى العرب = (*)
[ 142 ]
باللات واللاء - التي قد جمعا واللاء كالذين نزرا وقعا (1) يقال في جمع المذكر " الالى " مطلقا: عاقلا كان، أو غيره، نحو " جاءني الالى فعلوا " وقد يستعمل في جمع المؤنث، وقد اجتمع الامران في قوله: 26 - وتبلي الالى يستلئمون على الالى تراهن يوم الروع كالحدإ القبل.
= مضاف إليه " بالواو " جار ومجرور متعلق بقوله نطق الآتي " رفعا " يجوز أن يكون حالا، وأن يكون منصوبا بنزغ الخافض، وأن يكون مفعولا لاجله " نطقا " نطق: فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " بعضهم " والالف للاطلاق، والجملة من نطق وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو بعضهم. (1) " باللات " جار ومجرور متعلق بقوله جمع الآتي " واللاء " معطوف على اللات " التي " مبتدأ " قد " حرف تحقيق " جمعا " جمع: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على التي، والالف للاطلاق، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " واللاء " الواو حرف عطف، اللاء: مبتدأ " كالذين " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه الضمير المستتر في " وقع " الآتي " نزرا " حال ثانية من الضمير المستتر في وقع " وقعا " وقع: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " اللاء " والالف للاطلاق، والجملة من وقع وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو قوله اللاء. 26 - هذا البيت من كلام أبي ذؤيب - خويلد بن خالد الهذلي، وقبله: وتلك خطوب قد تملت شبابنا قديما، فتبلينا المنون، وما نبلي اللغة: " خطوب " جمع خطب، وهو الامر العظيم " تملت شبابنا " استمتعت بهم " تبلينا " تفنينا " المنون " المنية والموت " يستلئمون " يلبسون اللامة، وهي الدرع،
و " يوم الروع " يوم الخوف والفزع، وأراد به يوم الحرب " الحدأ " جمع حدأة، وهو طائر معروف، ووزنه عنبة وعنب، وأراد بها الخيل على التشبيه " القبل " جمع قبلاء، وهي التي في عينها القبل - بفتح القاف والباء جميعا - وهو الحور. المعنى: إن حوادث الدهر والزمان قد تمتعت بشبابنا قديما، فتبلينا المنون ونبليها، = (*)
[ 143 ]
.
= وتبلي من بيننا الدارعين والمقاتلة فوق الخيول التي تراها يوم الحرب كالحدأ في سرعتها وخفتها. الاعراب: " وتبلي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على المنون في البيت الذي ذكرناه في أول الكلام على البيت " الالى " مفعول به لتبلي " يستلئمون " فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، وواو الجماعة فاعله، والجملة لا محل لها صلة الموصول، " على " حرف جر " الالى " اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه " الالى " الواقع مفعولا به لتبلي " تراهن " ترى: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والضمير البارز مفعول أول " يوم " ظرف زمان متعلق بقوله ترى، ويوم مضاف و " الروع " مضاف إليه " كالحدأ " جار ومجرور متعلق بترى، وهو المفعول الثاني " القبل " صفة للحدإ، وجملة ترى وفاعله ومفعوليه لا محل لها صلة الموصول. الشاهد فيه: قوله " الاولى يستلئمون "، وقوله " الالى تراهن " حيث استعمل لفظ الاولى في المرة الاولى في جمع المذكر العاقل، ثم استعمله في المرة الثانية في جمع المؤنث غير العاقل، لان المراد بالاولى تراهن إلخ الخيل كما بينا في لغة البيت، والدليل على أنه استعملها هذا الاستعمال ضمير جماعة الذكور في " يستلئمون " وهو الواو، وضمير جماعة الاناث في " تراهن " وهو " هن ". ومن استعمال " الالى " في جمع الاناث العاقلات قول مجنون بني عامر:
محا حبها حب الالى كن قبلها وحلت مكانا لم يكن حل من قبل وقول الآخر: فأما الالى يسكن غور تهامة فكل فتاة تترك الحجل أقصما وهذا البيت يقع في بعض نسخ الشرح، ولا يقع في أكثرها، ولهذا أثبتناه ولم تشرحه، ومن استعماله في الذكور العقلاء قول الشاعر: فإن الالى بالطف من آل هاشم تآسوا فسنوا للكرام التآسيا ومن استعماله في الذكور غير العقلاء وإن كان قد أعاد الضمير عليه كما يعيده على جمع المؤنثات قول الاخر: تهيجني للوصل أيامنا الالى مررن علينا والزمان وريق (*)
[ 144 ]
فقال: " يستلئمون " ثم قال: " تراهن ". ويقال للمذكر العاقل في الجمع " الذين " مطلقا - أي: رفعا، ونصبا، وجرا - فتقول: " جاءني الذين أكرموا زيدا، ورأيت الذين أكرموه، ومررت بالذين أكرموه ". وبعض العرب يقول: " الذون " في الرفع، و " الذين " في النصب والجر، وهم بنو هذيل، ومنه قوله: 27 - نحن الذون صبحوا الصباحا يوم النخيل غارة ملحاحا.
27 - اختلف في نسبة هذا البيت إلى قائله اختلافا كثيرا، فنسبه أبو زيد (النوادر 47) إلى رجل جاهلي من بني عقيل سماه أبا حرب الاعلم، ونسبه الصاغاني في العباب إلى ليلى الاخيلية، ونسبه جماعة إلى رؤبة بن العجاج، وهو غير موجود في ديوانه، وبعد الشاهد في رواية أبي زيد: نحن قتلنا الملك الجحجاحا ولم ندع لسارح مراحا
إلا ديارا أو دما مفاحا نحن بنو خويلد صراحا * لا كذب اليوم ولا مزاحا * اللغة: " نحن الذون " هكذا وقع في رواية النحويين لهذا البيت، والذي رواه الثقة أبو زيد في نوادره " نحن الذين " على الوجه المشهور في لغة عامة العرب، وقوله " صبحوا " معناه جاءوا بعددهم وعددهم في وقت الصباح مباغتين للعدو، وعلى هذا يجري قول الله تعالى: (فأخذتهم الصيحة مصبحين) " النخيل " - بضم النون وفتح الخاء - اسم مكان بعينه " غارة " اسم من الاغارة على العدو " ملحاحا " هو مأخوذ من قولهم " ألح المطر " إذا دام، وأراد أنها غارة شديدة تدوم طويلا " مفاحا " بضم الميم - مرافا حتى يسيل " صراحا " يريد أن نسبهم إليه (صريح) ؟ خالص لا شبهة فيه ولا ظنة وهو بزنة غراب، وجعله العيني - وتبعه البغدادي - بكسر الصاد جمع صريح مثل كريم وكرام. الاعراب: " نحن " ضمير منفصل مبتدأ " الذون " اسم موصول خبر المبتدأ " صبحوا " فعل وفاعل، والجملة لا محل لها من الاعراب صلة " الصباحا، يوم " ظرفان = (*)
[ 145 ]
ويقال في جمع المؤنث: " اللات، واللاء " بحذف الياء، فتقول " جاءني اللات فعلن، واللاء فعلن " ويجوز إثبات الياء، فتقول " اللاتي، واللائي " وقد ورد " اللاء " بمعنى الذين، قال الشاعر: 28 - فما آباؤنا بأمن منه علينا اللاء قد مهدوا الحجورا [ كما قد تجئ " الاولى " بمعنى " اللاء " كقوله: فأما الاولى يسكن غور تهامة فكل فتاة تترك الحجل أقصما ] * * *.
= يتعلقان بقوله " صبحوا " ويوم مضاف و " النخيل " مضاف إليه " غارة " مفعول لا جله،
ويجوز أن يكون حالا بتأويل المشتق - أي مغيرين - وقوله " ملحاحا " نعت لغارة. الشاهد فيه: قوله " الذون " حيث جاء به بالواو في حالة الرفع، كما لو كان جمع مذكر سالما، وبعض العلماء قد اغتر بمجئ " الذون " في حالة الرفع ومجئ " الذين " في حالتي النصب والجر، فزعم أن هذه الكلمة معربة، وأنها جمع مذكر سالم حقيقة، وذلك بمعزل عن الصواب، والصحيح أنه مبني جئ به على صورة المعرب، والظاهر أنه مبني على الواو والياء. 28 - البيت لرجل من بني سليم، ولم يعينه أحد ممن اطلعنا على كلامهم من العلماء اللغذ: " أمن " أفعل تفضيل من قولهم: من عليه، إذا أنعم عليه " مهدوا " بفتح الهاء مخففة من قولك: مهدت الفراش مهدا، إذا بسطته ووطأته وهيأته، ومن هنا سمي الفراش مهادا لوثارته، وقال الله تعالى: (فلانفسهم يمهدون) أي: يوطئون، ومن ذلك تمهيد الامور، أي تسويتها وإصلاحها " الحجور " جمع حجر - بفتح الحاء أو كسرها أو ضمها - وهو حضن الانسان، ويقال: نشأ فلان في حجر فلان - بكسر الحاء أو فتحها - يريدون في حفظه وستره ورعايته. المعنى: ليس آباؤنا - وهم الذين أصلحوا شأننا، ومهدوا أمرنا، وجعلوا لنا حجورهم كالمهد - بأكبر نعمة علينا وفضلا من هذا الممدوح. الاعراب: " ما " نافية بمعنى ليس " آباؤنا " آباء: اسم ما، وآباء مضاف والضمير مضاف إليه " بأمن " الباء زائدة، وأمن: خبر ما " منه، علينا " كلاهما جار ومجرور متعلق بقوله أمن، وقوله " اللاء " اسم موصول صفة لآباء " قد " حرف تحقيق = (*)
[ 146 ]
ومن، وما، وأل - تساوي ما ذكر وهكذا " ذو " عند طيئ شهر (1) وكالتي - أيضا - لديهم ذات، وموضع اللاتي أتى ذوات (2).
= " مهدوا " مهد: فعل ماض، وواو الجماعة فاعله " الحجورا " مفعول به لمهد،
والالف للاطلاق، وجملة الفعل الماضي - الذي هو مهد - وفاعله ومفعوله لا محل لها صلة الموصول. الشاهد فيه: قوله " اللاء " حيث أطلقه على جماعة الذكور، فجاء به وصفا لآباء. وقد استعملوا " الالاء " اسما موصولا وأصله اسم إشارة، وأطلقوه على جمع الذكور كما في قول خلف بن حازم: إلى النفر البيض الالاء كأنهم صفائح يوم الروع أخلصها الصقل وقول كثير بن عبد الرحمن المشهور بكثير عزة: أبى الله للشم الالاء كأنهم سيوف اجاد القين يوما صقالها (1) " ومن " مبتدأ " وما، وأل " معطوفان على من " تساوي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الالفاظ الثلاثة من وما وأل، والجملة من تساوي وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " ما " اسم موصول مفعول به لقوله " تساوي " وقوله " ذكر " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ما " الواقع مفعولا به، والجملة لا محل لها صلة الموصول " وهكذا " ها: حرف تنبيه، كذا: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه الضمير في قوله " شهر " الآتي " ذو " مبتدأ " عند " ظرف متعلق بقوله " شهر " الآتي، وعند مضاف و " طيئ " مضاف إليه " شهر " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ذو " والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو ذو. (2) " كالتي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " أيضا " مفعول مطلق فعله محذوف " لديهم " لدى: ظرف متعلق بما تعلق به الجار والمجرور السابق، ولدى مضاف والضمير مضاف إليه " ذات " مبتدأ مؤخر " وموضع " منصوب على الظرفية المكانية ناصبه قوله " أتى " الآتي، وموضع مضاف و " اللاتي " مضاف إليه
" أتى ذوات " فعل ماض وفاعله. (*)
[ 147 ]
أشار بقوله: " تساوي ما ذكر " إلى أن " من، وما " والالف واللام، تكون بلفظ واحد: للمذكر، والمؤنث - [ المفرد ] والمثنى، والمجموع - فتقول: جاءني من قام، ومن قامت، ومن قاما، ومن قامتا، ومن قاموا، ومن قمن، وأعجبني ما ركب، وما ركبت، وما ركبا، وما ركبتا، وما ركبوا، وما ركبن، وجاءني القائم، والقائمة، والقائمان، والقائمتان، والقائمون، والقائمات. وأكثر ما تستعمل " ما " في غير العاقل، وقد تستعمل في العاقل (1)، ومنه قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى) وقولهم: " سبحان ما سخركن لنا " و " سبحان ما يسبح الرعد بحمده ". و " من " بالعكس، فأكثر ما تستعمل في العاقل، وقد تستعمل في غيره (2)،.
(1) تستعمل " ما " في العاقل في ثلاثة مواضع، الاول: أن يختلط العاقل مع غير العاقل نحو قوله تعالى: (يسبح لله ما في السموات وما في الارض) فإن ما يتناول ما فيهما من إنس وملك وجن وحيوان وجماد، بدليل قوله: (وإن من شئ إلا يسبح بحمده) والموضع الثاني: أن يكون أمره مبهما على المتكلم، كقولك - وقد رأيت شبحا من بعيد -: انظر ما ظهر لي، وليس منه قوله تعالى: (إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا) لان إبهام ذكورته وأنوثته لا يخرجه عن العقل، بل استعمال " ما " هنا في ما لا يعقل لان الحمل ملحق بالجماد، والموضع الثالث: أن يكون المراد صفات من يعقل، كقوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم) وهذا الموضع هو الذي ذكره الشارح بالمثال الاول من غير بيان. (2) تستعمل " من " في غير العاقل في ثلاثة مواضع، الاول: أن يقترن
غير العاقل مع من يعقل في عموم فصل بمن الجارة، نحو قوله تعالى: (فمنهم من يمشي على بطنه، ومنهم من يمشي على رجلين، ومنهم من يمشي على أربع) ومن المستعملة فيما لا يعقل مجاز مرسل علاقته المجاورة في هذا الموضع، والموضع الثاني: أن يشبه غير العاقل بالعاقل فيستعار له لفظه، نحو قوله تعالى: (من لا يستجيب له تعالى) وقول الشاعر * أسرب القطا هل من يعير جناحه * وهو الذي استشهد به المؤلف = (*)
[ 148 ]
كقوله تعالى: (ومنهم من يمشي على أربع، يخلق الله ما يشاء) ومنه قول الشاعر: 29 - بكيت على سرب القطا إذ مررن بي فقلت ومثلي بالبسكاء جدير: أسرب القطا، هل من يعير جناحه لعلي إلى من قد هويت أطير ؟.
= فيما يلي، وسنذكر معه نظائره، واستعمال من فيما لا يعقل حينئذ استعارة، لان العلاقة المشابهة، والموضع الثالث: أن يختلط من يعقل بما لا يعقل نحو قول الله تعالى: (ولله يسجد من في السموات ومن في الارض) واستعمال من فيما لا يعقل - في هذا الموضع - من باب التغليب، واعلم أن الاصل تغليب من يعقل على ما لا يعقل، وقد يغلب ما لا يعقل على من يعقل، لنكتة، وهذه النكت تختلف باختلاف الاحوال والمقامات. 29 - هذان البيتان للعباس بن الاحنف، أحد الشعراء المولدين، وقد جاء بهما الشارح تمثيلا لا استشهادا، كما يفعل المحقق الرضي ذلك كثيرا، يمثل بشعر المتنبي والبحتري وأبي تمام، وقيل: قائلهما مجنون ليلى، وهو ممن يستشهد بشعره، وقد وجدت بيت الشاهد ثابتا في كل ديوان من الديوانين: ديوان المجنون، وديوان العباس، وذلك من خلط الرواة. اللغة: " السرب " جماعة الظباء والقطا ونحوهما، و " القطا " ضرب من الطير قريب الشبه من الحمام " جدير " لائق وحقيق " هويت " بكسر الواو - أي أحببت.
الاعراب: " بكيت " فعل وفاعل " على سرب " جار ومجرور متعلق ببكيت، وسرب مضاف و " القطا " مضاف إليه " إذ " ظرف زمان متعلق ببكيت مبني على السكون في محل نصب " مررن " فعل وفاعل، والجملة في محل جر بإضافة إذ إليها، أي بكيت وقت مرورهن بي " بي " جار ومجرور متعلق بمر " فقلت " فعل وفاعل " ومثلي " الواو للحال، مثل: مبتدأ، ومثل مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " بالبكاء " جار ومجرور متعلق بقوله جدير الآتي " جدير " خبر المبتدأ " أسرب " الهمزة حرف نداء، وسرب: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، وسرب مضاف، و " القطا " مضاف إليه " هل " استفهامية " من " اسم موصول مبتدأ " يعير " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من، والجملة من يعير وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، هكذا قالوا، وعندي أن جملة " يعير جناحه " لا محل لها من الاعراب صلة الموصول الذي هو من، وأما خبر المبتدأ فمحذوف، وتقدير الكلام: هل الذي يعير جناحه = (*)
[ 149 ]
وأما الالف واللام فتكون للعاقل، ولغيره، نحو " جاءني القائم، والمركوب " واختلف فيها، فذهب قوم إلى أنها اسم موصول، وهو الصحيح، وقيل: إنها حرف موصول، وقيل: إنها حرف تعريف، وليست من الموصولية في شئ. وأما من وما غير المصدرية فاسمان اتفاقا، وأما " ما " المصدرية فالصحيح أنها حرف، وذهب الاخفش إلى أنها اسم. ولغة طيئ استعمال " ذو " موصولة، وتكون للعاقل، ولغيره، وأشهر لغاتهم فيها أنها تكون بلفظ واحد: للمذكر، والمؤنث، مفردا، ومثنى، ومجموعا (1)،.
= موجود " جناحه " جناح: مفعول به ليعير، وجناح مضاف والضمير مضاف إليه " لعلي " لعل: حرف ترج ونصب، والياء ضمير المتكلم اسمها " إلى " حرف جر " من " اسم موصول
مبني على السكون في محل جر بإلى، والجار والمجرور متعلق بقوله أطير الآتي " قد " حرف تحقيق " هويت " فعل ماض وفاعله، والجملة لا محل لها صلة الموصول، والعائد محذوف، والتقدير: إلى الذي قد هويته " أطير " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة في محل رفع خبر " لعل ". الشاهد فيه: قوله " أسرب القطا " وقوله " من يعير جناحه " والنداء معناه طلب إقبال من تناديه عليك، ولا يتصور أن تطلب الاقبال إلا من العاقل الذي يفهم الطلب ويفهم الاقبال، أو الذي تجعله بمنزلة من يفهم الطلب ويفهم الاقبال، فلما تقدم بندائه استساغ أن يطلق عليه اللفظ الذي لا يستعمل إلا في العقلاء بحسب وضعه، وقد تمادى في معاملته معاملة ذوي العقل، فاستفهم منه طالبا أن يعيره جناحه، والاستفهام وطلب الاعارة إنما يتصور توجيههما إلى العقلاء. ومثل ذلك قول امرئ القيس بن حجر الكندي: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي (1) لا فرق بين أن يكون ما استعمل فيه " ذو " الموصولة عاقلا أو غير عاقل، = (*)
[ 150 ]
فتقول: " جاءني ذو قام، وذو قامت، وذو قاما، وذو قامتا، وذو قاموا، وذو قمن "، ومنهم من يقول في المفرد المؤنث: " جاءني ذات قامت "، وفي جمع المؤنث: " جاءني ذوات قمن " وهو المشار إليه بقوله: " وكالتي أيضا - البيت " ومنهم من يثنيها ويجمعها فيقول: " ذوا، وذوو " في الرفع و " ذوي، وذوي " في النصب والجر، و " ذواتا " في الرفع، و " ذواتي " في الجر والنصب، و " ذوات " في الجمع، وهي مبنية على الضم، وحكى الشيخ بهاء الدين ابن النحاس أن إعرابها كإعراب جمع المؤنث السالم. والاشهر في " ذو " هذه - أعني الموصولة - أن تكون مبنية، ومنهم من
يعربها: بالواو رفعا، وبالالف نصبا، وبالياء جرا، فيقول: " جاءني ذو قام، ورأيت ذا قام، ومررت بذي قام " فتكون مثل " ذي " بمعنى صاحب، وقد روى قوله: فإما كرام موسرون لقيتهم فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا [ 4 ] (1).
= فمن استعمالها في المفرد المذكر العاقل قول منظور بن سحيم الذي سيستشهد الشارح به، وقول قوال الطائي: فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا: هلم فإن المشرفي الفرائض يريد فقولا لهذا المرء الذي جاء ساعيا ومن استعمالها في المفرد المؤنث غير العاقل قول سنان بن الفحل الطائي: فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت يريد: وبئري التي حفرتها والتي طويتها، لان البئر مؤنثة بدون علامة تأنيث. ومن استعمالها في المفرد المذكر غير العاقل قول قوال الطائي أيضا: أظنك دون المال ذو جئت طالبا ستلقاك بيض للنفوس قوابض (1) قد مضى شرح هذا البيت في باب " المعرب والمبني " (ش رقم 4) شرحا = (*)
[ 151 ]
بالياء على الاعراب، وبالواو على البناء. وأما " ذات " فالفصيح فيها أن تكون مبنية على الضم رفعا ونصبا وجرا، مثل " ذوات "، ومنهم من يعربها إعراب مسلمات: فيرفعها بالضمة، وينصبها ويجرها بالكسرة (1). * * * ومثل ما " ذا " بعد ما استفهام أو من، إذا لم تلغ في الكلام (2)
.
= وافيا لا تحتاج معه إلى إعادة شئ منه هنا، وقد ذكرنا هناك أن المؤلف سينشده مرة أخرى في باب الموصول، وأنه سيذكر فيه روايتين، وقد بينا ثمة تخريج كل واحدة منهما، ووجه الاستدلال بهما. (1) قال ابن منظور: " قال شمر: قال الفراء: سمعت أعرابيا يقول: بالفضل ذو فضلكم الله به، والكرامة ذات أكرمكم الله بها، فيجعلون مكان الذي ذو، ومكان التي ذات، ويرفعون التاء على كل حال، ويخلطون في الاثنين والجمع، وربما قالوا: هذا ذو تعرف، وفي التثنية: هذان ذوا تعرف، وهاتان ذوا تعرف، وأنشد الفراء: * وبئري ذو حفرت وذو طويت * ومنهم من يثني، ويجمع، ويؤنث، فيقول: هذان ذوا قالا، وهؤلاء ذوو قالوا، وهذه ذات قالت، وأنشد: جمعتها من أينق موارق ذوات ينهضن بغير سائق " اه كلام ابن منظور، وهو في الاصل كلام الفراء. (2) " ومثل " خبر مقدم، ومثل مضاف و " ما " مضاف إليه " ذا " مبتدأ مؤخر " بعد " ظرف متعلق بمحذوف حال من ذا، وبعد مضاف و " ما " قصد لفظه: مضاف إليه، وما مضاف و " استفهام " مضاف إليه " أو " حرف عطف " من " معطوف على ما " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " لم " حرف نفي وجزم وقلب " تلغ " فعل مضارع مبني للمجهول، مجزوم بحذف الالف والفتحة قبلها دليل عليها، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى ذا، والجملة في محل جر = (*)
[ 152 ]
يعني أن " ذا " اختصت من بين سائر أسماء الاشارة بأنها تستعمل موصولة، وتكون مثل " ما " في أنها تستعمل بلفظ [ واحد ]: للمذكر، والمؤنث - مفردا كان، أو مثنى، أو مجموعا - فتقول: " من ذا عندك " و " ماذا عندك " سواء كان ما عنده مفردا مذكرا أو غيره.
وشرط استعمالها موصولة أن تكون مسبوقة ب " ما " أو " من " الاستفهاميتين، نحو " من ذا جاءك، وماذا فعلت " فمن: اسم استفهام، وهو مبتدأ، و " ذا " موصولة بمعنى الذي، وهو خبر من، و " جاءك " صلة الموصول، والتقدير " من الذي جاءك " ؟ وكذلك " ما " مبتدأ، و " ذا " موصول [ بمعنى الذي ]، وهو خبر ما، و " فعلت " صلته، والعائد محذوف، تقديره " ماذا فعلته " ؟ أي: ما الذي فعلته. واحترز بقوله: " إذا لم تلغ في الكلام " من أن تجعل " ما " مع " ذا " أو " من " مع " ذا " كلمة واحدة للاستفهام، نحو " ماذا عندك ؟ " أي: أي شئ عندك ؟ وكذلك " من ذا عندك ؟ " فماذا: مبتدأ، و " عندك " خبره [ وكذلك: " من ذا " مبتدأ، و " عندك " خبره ] فذا في هذين الموضعين ملغاة، لانها جزء كلمة، لان المجموع استفهام. * * * وكلها يلزم بعده صله على ضمير لائق مشتمله (2).
= بإضافة إذا إليها، وهي فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام، وتقديره: ذا مثل ما حال كونها بعدما أو من الاستفهاميتين، إذا لم تلغ في الكلام فهي كذلك، وقوله " في الكلام " جار ومجرور متعلق بقوله تلغ. (2) " وكلها " الواو للاستئناف، كل: مبتدأ، وكل مضاف والضمير مضاف إليه ومرجعه الموصولات الاسمية وحدها، خلافا لتعميم الشارح، لانه نعت الصلة بكونها مشتملة على عائد، وهذا خاص بصلة الموصول الاسمي، ولان المصنف لم يتعرض للموصول الحرفي هنا أصلا، بل خص كلامه بالاسمي، ألا ترى أنه بدأ الباب بقوله " موصول = (*)
[ 153 ]
الموصولات كلها - حرفية كانت، أو اسمية - يلزم أن يقع بعدها صلة
تبين معناها. ويشترط في صلة الموصول الاسمي أن تشتمل على ضمير لائق بالموصول: إن كان مفردا فمفرد، وإن كان مذكرا فمذكر، وإن كان غيرهما فغيرهما، نحو " جاءني الذي ضربته " وكذلك المثنى والمجموع، نحو " جاءني اللذان ضربتهما، والذين ضربتهم " وكذلك المؤنث، تقول: " جاءت التي ضربتها، واللتان ضربتهما، واللاتي ضربتهن ". وقد يكون الموصول لفظه مفردا مذكرا ومعناه مثنى أو مجموعا أو غيرهما، وذلك نحو " من، وما " إذا قصدت بهما غير المفرد المذكر، فيجوز حينئذ مراعاة اللفظ، ومراعاة المعنى، فتقول: " أعجبني من قام، ومن قامت، ومن قاما، ومن قامتا، ومن قاموا، ومن قمن " على حسب ما يعنى بهما. * * * وجملة أو شبهها الذي وصل به، كمن عندي الذي ابنه كفل (1).
= الاسماء " ؟ و " يلزم " فعل مضارع " بعده " بعد: ظرف متعلق بقوله يلزم، وبعد مضاف والضمير العائد على كل مضاف إليه " صلة " فاعل يلزم " على ضمير " جار ومجرور متعلق بقوله " مشتملة " الآتي " لائق " نعت لضمير " مشتملة " نعت لصلة. (1) " وجملة " خبر مقدم " أو شبهها " أو: حرف عطف، شبه: معطوف على جملة، وشبه مضاف والضمير مضاف إليه " الذي " اسم موصول مبتدأ مؤخر " وصل " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على قوله " كلها " في البيت السابق " به " جار ومجرور متعلق بقوله " وصل " وتقدير الكلام على هذا الوجه: والذي وصل به كل واحد من الموصولات السابق ذكرها جملة أو شبه جملة، وقيل: قوله " جملة " مبتدأ، وقوله " الذي " خبره، ونائب فاعل وصل ليس ضميرا مستترا، بل هو الضمير المجرور بالباء في قوله " به " وليس هذا = (*)
[ 154 ]
صلة الموصول لا تكون إلا جملة أو شبه جملة، ونعني بشبه الجملة الظرف والجار والمجرور، وهذا في غير صلة الالف واللام، وسيأتي حكمها. ويشترط في الجملة الموصول بها ثلاثة شروط، أحدها: أن تكون خبرية (1)، الثاني: كونها خالية من معنى التعجب (2)، الثالث: كونها غير مفتقرة إلى كلام.
الاعراب بجيد " كمن " الكاف جارة لمحذوف تقديره: كقولك، ومن اسم موصول مبتدأ " عندي " عند: ظرف متعلق بفعل محذوف تقع جملته صلة، وعند مضاف والضمير مضاف إليه " الذي " خبر المبتدأ " ابنه " ابن: مبتدأ، وابن مضاف والضمير مضاف إليه " كفل " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ابن " والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو قوله ابنه، والجملة من المبتدأ وخبره لا محل لها من الاعراب صلة الذي. (1) ذهب الكسائي إلى أنه يجوز أن تكون صلة الموصول جملة إنشائية، واستدل على ذلك بالسماع، فمن ذلك قول الفرزدق: وإني لراج نظرة قبل التي لعلي وإن شطت نواها أزورها وقول جميل بن معمر العذري المعروف بجميل بثينة: وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا سوى أن يقولوا إنني لك عاشق وزعم الكسائي أن جملة " لعلي أزورها " من لعل واسمها وخبرها صلة التي، كما زعم أن " ما " في قول جميل " وماذا " اسم استفهام مبتدأ، و " ذا " اسم موصول خبره، وجملة عسى واسمها وخبرها صلة. والجواب أن صلة التي في البيت الاول محذوفة، والتقدير: قبل التي أقول فيها لعلي إلخ، وماذا (..) ؟ ؟ البيت الثاني اسم استفهام مبتدأ، وليس ثمة اسم
موصول أصلا. (2) اختلف العلماء في جملة التعجب: أخبرية هي أم إنشائية ؟ فذهب قوم إلى أنها جملة إنشائية، وهؤلاء جميعا قالوا: لا يجوز أن يوصل بها الاسم الموصول، وذهب فريق إلى أنها خبرية، وقد اختلف هذا الفريق في جواز وصل الموصول بها، فقال ابن خروف: يجوز، وقال الجمهور: لا يجوز، لان التعجب، إنما يتكلم به عند = (*)
[ 155 ]
قبلها، واحترز ب " الخبرية " من غيرها، وهي الطلبية والانشائية، فلا يجوز " جاءني الذي اضربه " خلافا للكسائي، ولا " جاءني الذي ليته قائم " خلافا لهشام، واحترز ب " خالية من معنى التعجب " من جملة التعجب، فلا يجوز " جاءني الذي ما أحسنه " وإن قلنا إنها خبرية، واحترز " بغير مفتقرة إلى كلام قبلها " من نحو: " جاءني الذي لكنه قائم "، فإن هذه الجملة تستدعي سبق جملة أخرى، نحو: " ما قعد زيد لكنه قائم ". ويشترط في الظرف والجار والمجرور أن يكونا تامين، والمعنى بالتام: أن يكون في الوصل به فائدة، نحو: " جاء الذي عندك، والذي في الدار " والعامل فيهما فعل محذوف وجوبا، والتقدير: " جاء الذي استقر عندك " أو " الذي استقر في الدار " فإن لم يكونا تامين لم يجز الوصل بهما، فلا تقول " جاء الذي بك " ولا " جاء الذي اليوم ". * * * وصفة صريحة صلة أل وكونها بمعرب الافعال قل (1).
= خفاء سبب ما يتعجب منه، فإن ظهر السبب بطل العجب، ولاشك أن المقصود بالصلة إيضاح الموصول وبيانه، وكيف يمكن الايضاح والبيان بما هو غير ظاهر في نفسه ؟ فلما تنافيا لم يصح ربط أحدهما بالآخر، ويؤيد هذا التفصيل قول الشارح فيما بعد: " فلا
يجوز جاءني الذي ما أحسنه وإن قلنا إنها خبرية " فإن معنى هذه العبارة: لا يجوز أن تكون جملة التعجب صلة إن قلنا إنها إنشائية وإن قلنا إنها خبرية، فلا تلتفت لما قاله الكاتبون في هذا المقام مما يخالف هذا التحقيق. (1) " وصفة " الواو للاستئناف، صفة: خبر مقدم " صريحة " نعت لصفة " صلة " مبتدأ مؤخر، وصلة مضاف و " أل " مضاف إليه " وكونها " كون: مبتدأ، وهو من جهة الابتداء يحتاج إلى خبر، ومن جهة كونه مصدرا لكان الناقصة يحتاج إلى اسم وخبر، فالضمير المتصل به اسمه، و " بمعرب " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبره من = (*)
[ 156 ]
الالف واللام لا توصل إلا بالصفة الصريحة، قال المصنف في بعض كتبه: وأعني بالصفة الصريحة اسم الفاعل نحو: " الضارب " واسم المفعول نحو: " المضروب " والصفة المشبهة نحو: " الحسن الوجه " فخرج نحو: " القرشي، والافضل " وفي كون الالف واللام الداخلتين على الصفة المشبهة موصولة خلاف، وقد اضطرب اختيار الشيخ أبي الحسن بن عصفور في هذه المسألة، فمرة قال: إنها موصولة، ومرة منع ذلك (1). وقد شذ وصل الالف واللام بالفعل المضارع، وإليه أشار بقوله: " وكونها بمعرب الافعال قل " ومنه قوله:.
= حيث النقصان، ومعرب مضاف، و " الافعال " مضاف إليه " قل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كونه الواقع مبتدأ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. (1) للعلماء خلاف طويل في جواز وصل أل بالصفة المشبهة، فجمهورهم على أن الصفة المشبهة لا تكون صلة لال، فأل الداخلة على الصفة المشبهة عند هؤلاء معرفة لا موصولة، والسر في ذلك أن الاصل في الصلات للافعال، والصفة المشبهة بعيدة الشبه
بالفعل من حيث المعنى، وذلك لان الفعل يدل على الحدوث، والصفة المشبهة لا تدل عليه، وإنما تدل على اللزوم، ويؤيد هذا أنهم اشترطوا في اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة التي تقع صلة لال أن يكون كل واحد منها دالا على الحدوث، ولو دل أحدها على اللزوم لم يصح أن يكون صلة لال، بل تكون أل الداخلة عليه معرفة، وذلك كالمؤمن والفاسق والكافر والمنافق، وذهب قوم إلى أنه يجوز أن تكون الصفة المشبهة صلة لال، لانها أشبهت الفعل من حيث العمل - وإن خالفته في المعنى -، أفلست ترى أنها ترفع الضمير المستتر، والضمير البارز، والاسم الظاهر، كما يرفعها الفعل جميعا ؟ وأجمعوا على أن أفعل التفضيل لا يكون صلة لال، لانه لم يشبه الفعل لا من حيث المعنى ولا من حيث العمل، أما عدم مشابهته الفعل من حيث المعنى فلانه يدل على الاشتراك مع الزيادة والفعل يدل على الحدوث، وأما عدم شبهه بالفعل من حيث العمل فلان الفعل يرفع الضمير المستتر والبارز، ويرفع الاسم الظاهر، أما أفعل التفضيل فلا يرفع باطراد إلا الضمير المستتر، ويرفع الاسم الظاهر في مسألة واحدة هي المعروفة بمسألة الكحل. (*)
[ 157 ]
30 - ما أنت بالحكم الترضى حكومته ولا الاصيل ولا ذي الرأي والجدل.
30 - هذا البيت للفرزدق، من أبيات له يهجو بها رجلا من بني عذرة، وكان هذا الرجل العذري قد دخل على عبد الملك بن مروان يمدحه، وكان جرير والفرزدق والاخطل عنده، والرجل لا يعرفهم، فعرفه بهم عبد الملك، (فعاعتم) ؟ العذري أن قال: فحيا الاله أبا حزرة وأرغم أنفك يا أخطل وجد الفرزدق أتعس به ودق خياشيمه الجندل و " أبو حزرة ": كنية جرير، و " أرغم أنفك ": يدعو عليه بالذل والمهانة حتى يلصق أنفه بالرغام وهو التراب و " الجد " الحظ والبخت، وفي قوله
" وجد الفرزدق أتعس به " دليل على أنه يجوز أن يقع خبر المبتدأ جملة إنشائية، وهو مذهب الجمهور، وخالف فيه ابن الانباري، وسنذكر في ذلك بحثا في باب المبتدأ والخبر فأجابه الفرزدق ببيتين ثانيهما بيت الشاهد، والذي قبله قوله: يا أرغم الله أنفا أنت حامله يا ذا الخنى ومقال الزور والخطل اللغة: " الخنى " - بزنة الفتى - هو الفحش، و " الخطل " - بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة - هو المنطق الفاسد المضطرب، والتفحش فيه " الحكم " - بالتحريك - الذي يحكمه الخصمان كي يقضي بينهما، ويفصل في خصومتهما " الاصيل " ذو الحسب، و " الجدل " شدة الخصومة. المعنى: يقول: لست أيها الرجل بالذي يرضاه الناس للفصل في أقضيتهم، ولا أنت بذي حسب رفيع، ولا أنت بصاحب عقل وتدبير سديد، ولا أنت بصاحب جدل، فكيف نرضاك حكما ؟ !. الاعراب: " ما " نافية، تعمل عمل ليس " أنت " اسمها " بالحكم " الباء زائدة الحكم: خبر ما النافية " الترضى " أل: موصول اسمي نعت للحكم، مبني على السكون في محل جر " ترضى " فعل مضارع مبني للمجهول " حكومته " حكومة: نائب فاعل لترضى، وحكومة مضاف والضمير مضاف إليه، والجملة لا محل لها صلة الموصول " ولا " الواو حرف عطف، لا: زائدة لتأكيد النفي " الاصيل " معطوف على الحكم " ولا " = (*)
[ 158 ]
وهذا عند جمهور البصريين مخصوص بالشعر، وزعم المصنف - في غير هذا الكتاب - أنه لا يختص به، بل يجوز في الاختيار، وقد جاء وصلها بالجملة الاسمية، وبالظرف شذوذا، فمن الاول قوله: 31 - من القوم الرسول الله منهم لهم دانت رقاب بني معد.
= مثل السابق " ذي " معطوف على الحكم أيضا، وذي مضاف و " الرأي " مضاف
إليه، " والجدل " معطوف على الرأي. الشاهد فيه: قوله " الترضى حكومته " حيث أنى بصلة " أل " جملة فعلية فعلها مضارع، ومثله قول ذي الخرق الطهوي: يقول الخنى، وأبغض العجم ناطقا إلى ربنا صوت الحمار اليجدع فيستخرج اليربوع من نافقائه ومن جحره بالشيخة اليتقصع 31 - هذا البيت من الشواهد التي لا يعرف قائلها، قال العيني: " أنشده ابن مالك للاحتجاج به، ولم يعزه إلى قائله " اه، وروى البغدادي بيتا يشبه أن يكون هذا البيت، ولم يعزه أيضا إلى قائل، وهو: بل القوم الرسول الله فيهم هم أهل الحكومة من قصي اللغة: " دانت " ذلت، وخضعت، وانقادت " معد " هو ابن عدنان، وبنو قصي هم قريش، وبنو هاشم قوم النبي صلى الله عليه وسلم منهم. الاعراب: " من القوم الرسول الله ": الجار والمجرور متعلق بمحذوف يجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، ويكون تقدير الكلام: هو من القوم إلخ، والالف واللام في كلمة " الرسول " موصول بمعنى الذين صفة للقوم مبني على السكون في محل جر، ورسول مبتدأ، ورسول مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه " منهم " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة أل الموصولة " لهم " جار ومجرور متعلق بقوله دانت الآتي " دانت " دان: فعل ماض، والتاء تاء التأنيث " رقاب " فاعل دان، ورقاب مضاف و " بني " مضاف إليه، وبني مضاف و " معد " مضاف إليه. = (*)
[ 159 ]
.
= الشاهد فيه: قوله " الرسول الله منهم " حيث وصل أل بالجملة الاسمية، وهي جملة المبتدأ والخبر، وذلك شاذ.
ومن العلماء من يجيب عن هذا الشاهد ونحوه بأن " أل " إنما هي هنا بعض كلمة، وأصلها " الذين " فحذف ما عدا الالف واللام، قال هؤلاء: ليس حذف بعض الكلمة وإبقاء بعضها بعجب في العربية، وهذا لبيد بن ربيعة العامري يقول: * درس المنا بمتالع فأبان * أراد " المنازل " فحذف حرفين لغير ترخيم. وهذا رؤبة يقول: * أو الفا مكة من ورق الحمى * أراد " الحمام " فحذف الميم ثم قلب فتحة الميم كسرة والالف ياء، وقد قال الشاعر، وهو أقرب شئ إلى ما نحن بصدده: وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد أراد " وإن الذين " بدليل ضمير جماعة الذكور في قوله " دماؤهم " وقوله فيما بعد " هم القوم " وعليه خرجوا قول الله تعالى: (وخضتم كالذي خاضوا) أي كالذين خاضوا - وفي الآية تخريجان آخران، أحدهما: أن الذي موصول حرفي كما، أي وخضتم كخوضهم، وثانيهما: أن الذي موصول اسمي صفة لموصوف محذوف، والعائد إليه من الصلة محذوف أي: وخضتم كالخوض الذي خاضوه قالوا: وربما حذف الشاعر الكلمة كلها، فلم يبق منها إلا حرفا واحدا، ومن ذلك قول الشاعر: نادوهم: أن ألجموا، ألاتا، قالوا جميعا كلهم: ألافا فإن هذا الراجز أراد في الشطر الاول " ألا تركبون " فحذف ولم يبق إلا التاء، وحذف من الثاني الذي هو الجواب فلم يبق إلا حرف العطف، وأصله " ألا فاركبوا ". وبعض العلماء يجعل الحروف التي تفتتح بها بعض سور القرآن - نحو ألم، حم، ص - من هذا القبيل، فيقولون: ألم أصله: أنا الله أعلم، أو ما أشبه ذلك، وانظر مع هذا ما ذكرناه في شرح الشاهد رقم 31 6 الآتي في باب الترخيم. قلت: وهذا الذي ذهبوا إليه ليس إلا قياما من ورطة للوقوع في ورطة أخرى أشد = (*)
[ 160 ]
ومن الثاني قوله: 32 - من لا يزال شاكرا على المعه فهو حر بعيشة ذات سعه * * *.
منها وأنكى، فهو تخلص من ضرورة إلى ضرورة أصعب منها مخلصا وأعسر نجاء، ولا يشك أحد أن هذا الحذف بجميع أنواعه التي ذكروها من الضرورات التي لا يسوغ القياس عليها، ولذلك استبعد كثير تخريج الآية الكريمة التي تلوناها أولا على هذا الوجه كما (استبعد) ؟ كثيرون تخريجها على أن " الذي " موصول حرفي. 32 - وهذا البيت - أيضا - من الشواهد التي لم ينسبوها إلى قائل معين. اللغة: " ألمعه " يريد الذي معه " حر " حقيق، وجدير، ولائق، ومستحق " سعة " بفتح السين، وقد تكسر - اتساع ورفاهية ورغد. المعنى: من كان دائم الشكر لله تعالى على ما هو فيه من خير فإنه يستحق الزيادة ورغد العيش، وهو مأخوذ من قوله تعالى: (لئن شكرتم لازيدنكم). الاعراب: " من " اسم موصول مبتدأ " لا يزال " فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على المبتدأ " شاكرا " خبر لا يزال، والجملة من يزال واسمه وخبره لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " على " حرف جر " المعه " هو عبارة عن " أل " الموصولة بمعنى الذي، وهي مجرورة المحل بعلى، والجار والمجرور متعلق بشاكر، ومع: ظرف متعلق بمحذوف واقع صلة لال، ومع مضاف والضمير مضاف إليه " فهو حر " الفاء زائدة، و " هو " ضمير منفصل مبتدأ، و " حر " خبره، والجملة منهما في محل رفع خبر المبتدأ، وهو " من " في أول البيت، ودخلت الفاء على جملة الخبر لشبه المبتدأ بالشرط " بعيشة " جار ومجرور متعلق بقوله " حر "
الواقع خبرا لهو " ذات " صفة لعيشة، وذات مضاف و " سعة " مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة، ولكنه سكنه للوقف. الشاهد فيه: قوله " المعه " حيث جاء بصلة " أل " ظرفا، وهو شاذ على خلاف القياس. ومثل هذا البيت - في وصل أل بالظرف شذوذا قول الآخر: = (*)
[ 161 ]
أي كما، وأعربت ما لم تضف وصدر وصلها ضمير انحذف (1) يعني أن " أيا " مثل " ما " في أنها تكون بلفظ واحد: للمذكر، والمؤنث - مفردا كان، أو مثنى، أو مجموعا - نحو: " يعجبني أيهم هو قائم ". ثم إن " أيا " لها أربعة أحوال، أحدها: أن تضاف ويذكر صدر صلتها، نحو: " يعجبني أيهم هو قائم " الثاني: أن لا تضاف ولا يذكر صدر صلتها، نحو: " يعجبني أي قائم " الثالث: أن لا تضاف ويذكر صدر صلتها، نحو: " يعجبني أي هو قائم " وفي هذه الاحوال الثلاثة تكون معربة بالحركات الثلاث، نحو: " يعجبني أيهم هو قائم، ورأيت أيهم هو قائم، ومررت بأيهم هو قائم " وكذلك: " أي قائم، وأيا قائم، وأي قائم " وكذا، " أي.
= وغيرني ما غال قيسا ومالكا وعمرا وحجرا بالمشقر ألمعا يريد: الذين معه، فاستعمل أل موصولة بمعنى الذين، وهو أمر لا شئ فيه، وأنى بصلتها ظرفا، وهو شاذ، فإن أل بجميع ضروبها وأنواعها مختصة بالاسماء، وقال الكسائي في هذا البيت: إن الشاعر يريد " معا " فزاد أل (1) " أي " مبتدأ " كما " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر " وأعربت " الواو عاطفة، أعرب: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء تاء التأنيث، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على " أي " " ما " مصدرية ظرفية " لم " حرف نفي
وجزم " تضف " فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على " أي " " وصدر " الواو واو الحال، صدر: مبتدأ، وصدر مضاف ووصل من " وصلها " مضاف إليه، ووصل مضاف والضمير مضاف إليه " ضمير " خبر المبتدأ والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال صاحبه الضمير المستتر في تضف العائد على أي " انحذف " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ضمير " والتقدير: أي مثل ما - في كونها موصولا صالحا لكل واحد من المفرد والمثنى والجمع مذكرا كان أو مؤنثا - وأعربت هذه الكلمة مدة عدم إضافتها في حال كون صدر صلتها ضميرا محذوفا. (11 - شرح ابن عقيل 1) (*)
[ 162 ]
هو قائم، وأيا هو قائم، وأي هو قائم " الرابع، أن تضاف ويحذف صدر الصلة، نحو: " يعجبني أيهم قائم " ففي هذه الحالة تبنى على الضم، فتقول: " يعجبني أيهم قائم، ورأيت أيهم قائم، ومررت بأيهم قائم " وعليه قوله تعالى: (ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا) وقول الشاعر: 33 - إذا ما لقيت بني مالك فسلم على أيهم أفضل.
33 - هذا البيت ينسب لغسان بن وعلة أحد الشعراء المخضرمين من بني مرة بن عباد، وأنشده أبو عمرو الشيباني في كتاب الحروف، وابن الانباري في كتاب الانصاف، وقال قبل إنشاده: " حكى أبو عمرو الشيباني عن غسان وهو أحد من تؤخذ عنهم اللغة من العرب - أنه أنشد " وذكر البيت. الاعراب: " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " ما " زائدة " لقيت " فعل وفاعل، والجملة في محل جر بإضافة " إذا " إليها، وهي جملة الشرط " بني " مفعول به
للقى، وبني مضاف و " مالك " مضاف إليه " فسلم " الفاء داخلة في جواب الشرط، وسلم: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " على " حرف جر " أيهم " يروى بضم " أي " وبجره، وهو اسم موصول على الحالين، فعلى الضم هو مبني، وهو الاكثر في مثل هذه الحالة، وعلى الجر هو معرب بالكسرة الظاهرة، وعلى الحالين هو مضاف والضمير مضاف إليه " أفضل " خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو أفضل، والجملة من المبتدأ وخبره لا محل لها صلة الموصول الذي هو أي. الشاهد فيه: قوله " أيهم أفضل " حيث أتى بأي مبنيا على الضم - على الرواية المشهورة الكثيرة الدوران على ألسنة الرواة - لكونه مضافا، وقد حذف صدر صلته وهو المبتدأ الذي قدرناه في إعراب البيت، وهذا هو مذهب سيبويه وجماعة من البصريين في هذه الكلمة، يذهبون إلى أنها تأتى موصولة، وتكون مبنية إذا اجتمع فيها أمران، أحدهما أن تكون مضافة لفظا، والثاني: أن يكون صدر صلتها محذوفا، فإذا لم تكن مضافة أصلا، أو كانت مضافة لكن ذكر صدر صلتها، فإنها تكون معربة، وذهب الخليل بن أحمد ويونس بن حبيب - وهما شيخان من شيوخ سيبويه - إلى أن = (*)
[ 163 ]
وهذا مستفاد من قوله: " وأعربت ما لم تضف - إلى آخر البيت " أي: وأعربت أي إذا لم تضف في حالة حذف صدر الصلة، فدخل في هذه الاحوال الثلاثة السابقة، وهي ما إذا أضيفت وذكر صدر الصلة، أو لم تضف ولم يذكر صدر الصلة، أو لم تضف وذكر صدر الصلة، وخرج الحالة الرابعة، وهي: ما إذا أضيفت وحذف صدر الصلة، فإنها لا تعرب حينئذ. * * * وبعضهم أعرب مطلقا، وفي ذا الحذف أيا غير أي يقتفي (1)
إن يستطل وصل، وإن لم يستطل فالحذف نزر، وأبوا أن يختزل (2).
= أيا لا تجئ موصولة، بل هي إما شرطية وإما استفهامية، لا تخرج عن هذين الوجهين، وذهب جماعة من الكوفيين إلى أنها قد تأتى موصولة، ولكنها معربة في جميع الاحوال، أضيفت أو لم تضف، حذف صدر صلتها أو ذكر. (1) " وبعضهم " الواو للاستئناف، بعض: مبتدأ، وبعض مضاف والضمير مضاف إليه " أعرب " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى بعض، والجملة من أعرب وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو بعضهم " مطلقا " حال من مفعول به لاعرب محذوف، والتقدير: وبعضهم أعرب أيا مطلقا " وفي ذا " جار ومجرور متعلق بقوله " يقتفي " الآتي " الحذف " بدل من اسم الاشارة، أو عطف بيان عليه، أو نعت له " أيا " مفعول به لقوله " يقتفي " الآتي " غير " مبتدأ، وغير مضاف و " أي " مضاف إليه " يقتفي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على المبتدأ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، ومعنى الكلام: وبعض النحاة حكم بإعراب أي الموصولة في جميع الاحوال، وغير أي يقتفي ويتبع أيا في جواز حذف صدر الصلة، أذا كانت الصلة طويلة. (2) " إن " شرطية " يستطل " فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط " وصل " نائب فاعل ليستطل، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله، وتقديره: إن يستطل = (*)
[ 164 ]
إن صلح الباقي لوصل مكمل والحذف عندهم كثير منجلي (1) في عائد متصل إن انتصب بفعل، أو وصف: كمن نرجو يهب (2) يعني أن بعض العرب أعرب " أيا " مطلقا، أي: وإن أضيفت وحذف.
= وصل فغير أي يقتفي أيا " وإن " الواو عاطفة، إن شرطية " لم " حرف نفي وجزم وقلب " يستطل " فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم، وجملته فعل الشرط، ونائب
الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى " وصل " " فالحذف " الفاء واقعة في جواب الشرط، والحذف: مبتدأ " نزر " خبره، والجملة في محل جزم جواب الشرط " وأبوا " فعل وفاعل " أن " مصدرية " يختزل " فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن، وسكن للوقف، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى " وصل " والمراد أنهم امتنعوا عن تجويز الحذف، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول به لابوا. (1) " إن " شرطية " صلح " فعل ماض فعل الشرط مبني على الفتح في محل جزم، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله، والتقدير: إن صلح الباقي بعد الحذف للوصل فقد أبوا الحذف " الباقي " فاعل صلح " لوصل " جار ومجرور متعلق بصلح " مكمل " نعت لوصل " والحذف " مبتدأ " عندهم " عند: ظرف متعلق بالحذف أو بكثير أو بمنجلي، وعند مضاف والضمير العائد إلى العرب أو النحاة مضاف إليه " كثير " خبر المبتدأ " منجلي " خبر ثان، أو نعت للخبر. (2) " في عائد " جار ومجرور متعلق بكثير أو بمنجل في البيت السابق " متصل " نعت لعائد " إن " شرطية " انتصب " فعل ماض فعل الشرط مبني على الفتح في محل جزم، وسكن للوقف، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يرجع إلى عائد " بفعل " جار ومجرور متعلق بانتصب " أو وصف " معطوف على فعل " كمن " الكاف جارة، ومجرورها محذوف، ومن: اسم موصول مبتدأ " نرجو " فعل مضارع، مرفوع بضمة مقدرة على الواو، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن، ومفعوله محذوف، وهو العائد، والتقدير كمن نرجوه، والجملة لا محل لها صلة " يهب " فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وسكن للوقف، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " من " والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. (*)
[ 165 ]
صدر صلتها، فيقول: " يعجبني أيهم قائم، ورأيت أيهم قائم، ومررت بأيهم قائم " وقد قرئ (ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد) بالنصب، وروى * فسلم على أيهم أفضل * [ 33 ] بالجر. * * * وأشار بقوله: " وفي ذا الحذف - إلى آخره " إلى المواضع التي يحذف فيها العائد على الموصول، وهو: إما أن يكون مرفوعا، أو غيره، فإن كان مرفوعا لم يحذف، إلا إذا كان مبتدأ وخبره مفرد [ نحو (وهو الذي في السماء إله) وأيهم أشد ]، فلا تقول: " جاءني اللذان قام " ولا " اللذان ضرب "، لرفع الاول بالفاعلية والثاني بالنيابة، بل يقال: " قاما، وضربا " وأما المبتدأ فيحذف مع " أي " وإن لم تطل الصلة، كما تقدم من قولك: " يعجبني أيهم قائم " ونحوه، ولا يحذف صدر الصلة مع غير " أي " إلا إذا طالت الصلة، نحو " جاء الذي هو ضارب زيدا " فيجوز حذف " هو " فتقول " جاء الذي ضارب زيدا " ومنه قولهم " ما أنا بالذي قائل لك سواءا " التقدير " بالذي هو قائل لك سوءا " فإن لم تطل الصلة فالحذف قليل، وأجازه الكوفيون قياسا، نحو " جاء الذي قائم " التقدير " جاء الذي هو قائم " ومنه قوله تعالى: (تماما على الذي أحسن) في قراءة الرفع، والتقدير " هو أحسن " (1)..
(1) ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز حذف العائد المرفوع بالابتداء مطلقا، أي سواء أكان الموصول أيا أم غيره، وسواء أطالت الصلة أم لم تطل، وذهب البصريون إلى جواز حذف هذا العائد إذا كان الموصول أيا مطلقا، فإن كان الموصول غير أي لم يجيزوا الحذف إلا بشرط طول الصلة، فالخلاف بين الفريقين منحصر فيما إذا لم تطل الصلة وكان الموصول غير أي، فأما الكوفيون فاستدلوا بالسماع، فمن ذلك قراءة يحيى بن يعمر: (تماما على الذي أحسن) قالوا: التقدير على الذي هو أحسن، ومن ذلك قراءة مالك
ابن دينار وابن السماك: (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها) قالوا: التقدير: مثلا الذي هو بعوضة فما فوقها، ومن ذلك قول الشاعر: = (*)
[ 166 ]
وقد جوزوا في " لا سيما زيد " إذا رفع زيد: أن تكون " ما " موصولة، وزيد: خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير " لا سي الذي هو زيد " فحذف العائد الذي هو المبتدأ - وهو قولك هو - وجوبا، فهذا موضع حذف فيه صدر الصلة مع غير " أي " وجوبا ولم تطل الصلة، وهو مقيس وليس بشاذ (1)..
= لا تنو إلا الذي خير، فما شقيت إلا نفوس الالى للشر ناوونا قالوا: التقدير لا تنو إلا الذي هو خير، ومن ذلك قول الآخر: من يعن بالحمد لم ينطق بما سفه ولا يحد عن سبيل المجد والكرم قالوا: تقدير هذا البيت: من يعن بالحمد لم ينطق بالذي هو سفه، ومن ذلك قول عدي بن زيد العبادي: لم أر مثل الفتيان في غبن الايام يدرون ما عواقبها قالوا: ما موصولة، والتقدير: يدرون الذي هو عواقبها. وبعض هذه الشواهد يحتمل وجوها من الاعراب غير الذي ذكروه، فمن ذلك أن " ما " في الآية الثانية يجوز أن تكون زائدة، وبعوضة خبر مبتدأ محذوف، ومن ذلك أن " ما " في بيت عدي بن زيد يحتمل أن تكون استفهامية مبتدأ، وما بعدها خبر، والجملة في محل نصب مفعول به ليدرون، وقد علق عنها لانها مصدرة بالاستفهام، والكلام يطول إذا نحن تعرضنا لكل واحد من هذه الشواهد، فلنجتزئ لك بالاشارة. (1) الاسم الواقع بعد " لا سيما " إما معرفة، كأن يقال لك: أكرم العلماء لا سيما الصالح منهم، وإما نكرة، كما في قول امرئ القيس:
ألا رب يوم صالح لك منهما ولا سيما يوم بدارة جلجل فإن كان الاسم الواقع بعد " لاسيما " نكرة جاز فيه ثلاثة أوجه: الجر، وهو أعلاها، والرفع وهو أقل من الجر، والنصب، وهو أقل الاوجه الثلاثة. فأما الجر فتخريجه على وجهين، أحدهما: أن تكون " لا " نافية للجنس و " سي " اسمها منصوب بالفتحة الظاهرة، و " ما " زائدة، وسي مضاف، و " يوم " مضاف = (*)
[ 167 ]
.
= إليه، وخبر لا محذوف، والتقدير: ولا مثل يوم بدارة جلجل موجود، والوجه الثاني أن تكون " لا " نافية للجنس أيضا، و " سي " اسمها منصوب بالفتحة الظاهر، وهو مضاف و " ما " نكرة غير موصوفة مضاف إليه مبني على السكون في محل جر، و " يوم " بدل من ما. وأما الرفع فتخريجه على وجهين أيضا، أحدهما: أن تكون " لا " نافية للجنس أيضا و " سي " اسمها، و " ما " نكرة موصوفة مبني على السكون في محل جر بإضافة " سي " إليها، و " يوم " خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو يوم، وخبر لا محذوف، وكأنك قلت: ولا مثل شئ عظيم هو يوم بدارة جلجل موجود، والوجه الثاني، أن تكون " لا " نافية للجنس أيضا، و " سي " اسمها، و " ما " موصول اسمي بمعنى الذي مبني على السكون في محل جر بإضافة " سي " إليه، و " يوم " خبر مبتدأ محذوف، والتقدير هو يوم، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، وخبر " لا " محذوف، وكأنك قلت: ولا مثل الذي هو يوم بدارة جلجل موجود. وهذا الوجه هو الذي أشار إليه الشارح. وأما النصب فتخريجه على وجهين أيضا، أحدهما: أن تكون " ما " نكرة غير موصوفة وهو مبني على السكون في محل جر بإضافة " سي " إليها، و " يوما " مفعول به لفعل محذوف، وكأنك قلت: ولا مثل شئ أعني يوما بدارة جلجل، وثانيهما: أن
تكون " ما " أيضا نكرة غير موصوفة وهو مبني على السكون في محل جر بالاضافة، و " يوما " تمييز لها. وإن كان الاسم الواقع بعدها معرفة كالمثال الذي ذكرناه فقد أجمعوا على أنه يجوز فيه الجر والرفع، واختلفوا في جواز النصب، فمن جعله بإضمار فعل أجاز كما أجاز في النكرة، ومن جعل النصب على التمييز وقال إن التمييز لا يكون إلا نكرة منع النصب في المعرفة، لانه لا يجوز عنده أن تكون تمييزا، ومن جعل نصبه على التمييز وجوز أن يكون التمييز معرفة كما هو مذهب جماعة الكوفيين جوز نصب المعرفة بعد " سيما ". والحاصل أن نصب المعرفة بعد " لاسيما " لا يمتنع إلا بشرطين: التزام كون المنصوب تمييزا، والتزام كون التمييز نكرة. (*)
[ 168 ]
وأشار بقوله " وأبوا أن يختزل * إن صلح الباقي لوصل مكمل " إلى أن شرط حذف صدر الصلة أن لا يكون ما بعده صالحا لان يكون صلة، كما إذا وقع بعده جملة، نحو " جاء الذي هو أبوه منطلق "، أو " هو ينطلق " أو ظرف، أو جار ومجرور، تامان، نحو " جاء الذي هو عندك " أو " هو في الدار "، فإنه لا يجوز في هذه المواضع حذف صدر الصلة، فلا تقول " جاء الذي أبوه منطلق " تعني " الذي هو أبوه منطلق "، لان الكلام يتم دونه، فلا يدرى أحذف منه شئ أم لا ؟ وكذا بقية الامثلة المذكورة، ولا فرق في ذلك بين " أي " وغيرها، فلا تقول في " يعجبني أيهم هو يقوم ": " يعجبني أيهم يقوم " لانه لا يعلم الحذف، ولا يختص هذا الحكم بالضمير إذا كان مبتدأ، بل الضابط أنه متى احتمل الكلام الحذف وعدمه لم يجز حذف العائد، وذلك كما إذا كان في الصلة ضمير - غير ذلك الضمير المحذوف - صالح لعوده على الموصول، نحو " جاء الذي ضربته في داره "، فلا يجوز حذف الهاء من
ضربته، فلا تقول: " جاء الذي ضربت في داره " لانه لا يعلم المحذوف. وبهذا يظهر لك ما في كلام المصنف من الايهام، فإنه لم يبين أنه متى صلح ما بعد الضمير لان يكون صلة لا يحذف، سواء أكان الضمير مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا، وسواء أكان الموصول أيا أم غيرها، بل ربما يشعر ظاهر كلامه بأن الحكم مخصوص بالضمير المرفوع، وبغير أي من الموصولات، لان كلامه في ذلك، والامر ليس كذلك، بل لا يحذف مع " أي " ولا مع غيرها متى صلح ما بعدها لان يكون صلة كما تقدم، نحو " جاء الذي هو أبوه منطلق، ويعجبني أيهم هو أبوه منطلق " وكذلك المنصوب والمجرور، نحو " جاءني الذي ضربته في داره، ومررت بالذي مررت به في داره "، و " يعجبني أيهم ضربته في داره، ومررت (بأبيهم) ؟ مررت به في داره ". * * * (*)
[ 169 ]
وأشار بقوله: " والحذف عندهم كثير منجلى - إلى آخره " إلى العائد (المنصوب) ؟. وشرط جواز حذفه أن يكون: متصلا منصوبا، بفعل تام أو بوصف، نحو " جاء الذي ضربته، والذي أنا معطيكه درهم ". فيجوز حذف الهاء من " ضربته " فتقول " جاء الذي ضربت " ومنه قوله تعالى: (ذرني ومن خلقت وحيدا) وقوله تعالى: (أهذا الذي بعث الله رسولا) التقدير " خلقته، وبعثه " (1). وكذلك يجوز حذف الهاء من " معطيكه "، فتقول " الذي أنا معطيك درهم " ومنه قوله: 34 - ما الله موليك فضل فاحمدنه به
فما لدى غيره نفع ولا ضرر تقديره: الذي الله موليكه فضل، فحذفت الهاء..
(1) لم يذكر الشارح شيئا من الشواهد من الشعر العربي على جواز حذف العائد المنصوب بالفعل المتصرف، بل اكتفى بذكر الآيتين الكريمتين، لان مجيئه في القرآن دليل على كثرة استعماله في الفصيح، ومن ذلك قول عروة بن حزام: وما هو إلا أن أراها فجاءة فأبهت حتى ما أكاد أجيب وأصرف عن (وجهي) ؟ الذي كنت أرتئي وأنسى الذي أعددت حين أجيب أراد أن يقول: أصرف عن وجهي الذي كنت أرتئيه، وأنسى الذي أعددته، فحذف العائد المنصوب بأرتئي وبأعددت، وكل منهما فعل تام متصرف: 34 - هذا البيت من الشواهد التي ذكروها ولم ينسبوها إلى قائل معين. اللغة: " موليك " اسم فاعل من أولاه النعمة، إذا أعطاه إياها " فضل " إحسان. المعنى: الذي يمنحك الله من النعم فضل منه عليك، ومنة جاءتك من عنده من غير = (*)
[ 170 ]
.
= أن تستوجب عليه سبحانه شيئا من ذلك، فاحمد ربك عليه، واعلم أنه هو الذي ينفعك ويضرك، وأن غيره لا يملك لك شيئا من نفع أو ضر. الاعراب: " ما " أسم موصول مبتدأ " الله " مبتدأ " موليك " مولى: خبر عن لفظ الجلالة، وله فاعل مستتر فيه عائد على الاسم الكريم، والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل جر بالاضافة، وهو المفعول الاول، وله مفعول ثان محذوف وهو العائد على الموصول، والتقدير: موليكه، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " خير " خبر عن " ما " الموصولة " فاحمدنه " الفاء عاطفة، احمد: فعل أمر.
وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والنون نون التوكيد، والضمير البارز المتصل مفعول به " به " جار ومجرور متعلق باحمد " فما " الفاء للتعليل، وما: نافية تعمل عمل ليس " لدى " ظرف متعلق بمحذوف خبر " ما " مقدم على اسمها، وجاز تقديمه لانه ظرف يتوسع فيه، ولدى مضاف وغير من " غيره " مضاف إليه، وغير مضاف وضمير الغائب العائد على الله مضاف إليه " نفع " اسم " ما " مؤخر " ولا " الواو عاطفة، ولا: نافية " ضرر " معطوف على نفع، ويجوز أن تكون " ما " نافية مهملة، و " لدى " متعلق بمحذوف خبر مقدم، و " نفع " مبتدأ مؤخر. الشاهد فيه: قوله: " ما الله موليك " حيث حذف الضمير العائد على الاسم الموصول لانه منصوب بوصف، وهذا الوصف اسم فاعل، وأصل الكلام: ما الله موليكه، أي: الشئ الذي الله تعالى معطيكه هو فضل وإحسان منه عليك. واعلم أنه يشترط في حذف العائد المنصوب بالوصف ألا يكون هذا الوصف صلة لال فإن كان الوصف صلة لال كان الحذف شاذا، كما في قول الشاعر: ما المستفز الهوى محمود عاقبة ولو أتيح له صفو بلا كدر كان ينبغي أن يقول: ما المستفزة الهوى محمود عاقبة، فحذف الضمير المنصوب مع أن ناصبه صلة لال، ومثله قول الآخر: في المعقب البغي أهل البغي ما ينهى امرأ حازما أن يسأما أراد أن يقول: في المعقبه البغي، فلم يتسع له. وإنما يمتنع حذف المنصوب بصلة أل إذا كان هذا المنصوب عائدا على أل نفسها، لانه هو الذي يدل على اسمية أل، فإذا حذف زال الدليل على ذلك. (*)
[ 171 ]
وكلام المصنف يقتضي أنه كثير، وليس كذلك، بل الكثير حذفه من الفعل المذكور، وأما [ مع ] الوصف فالحذف منه قليل.
فإن كان الضمير منفصلا (1) لم يجز الحذف، نحو " جاء الذي إياه ضربت " فلا يجوز حذف " إياه " وكذلك يمتنع الحذف إن كان متصلا منصوبا بغير فعل أو وصف - وهو الحرف - نحو " جاء الذي إنه منطلق " فلا يجوز حذف.
(1) الذي لا يجوز حذفه هو الضمير الواجب الانفصال، فأما الضمير الجائز الانفصال فيجوز حذفه، وإنما يكون الضمير واجب الانفصال إذا كان مقدما على عامله كما في المثال الذي ذكره الشارح، أو كان مقصورا عليه كقولك: جاء الذي ما ضربت إلا إياه، والسر في عدم جواز حذفه حينئذ أن غرض المتكلم يفوت بسبب حذفه، ألا ترى أنك إذا قلت " جاء الذي إياه ضربت " كان المعنى: جاء الذي ضربته ولم أضرب سواه، فإذا قلت " جاء الذي ضربت " صار غير دال على أنك لم تضرب سواه، وكذلك الحال في قولك " جاء الذي ما ضربت إلا إياه " فإنه يدل على أنك قد ضربت هذا الجائي ولم تضرب غيره، فإذا قلت: " جاء الذي ما ضربت " دل الكلام على أنك لم تضرب هذا الجائي فحسب. فأما المنفصل جوازا فيجوز حذفه، والدليل على ذلك قول الشاعر: * ما الله موليك فضل فاحمدنه به * فإن التقدير يجوز أن يكون " ما الله موليكه " ويجوز أن يكون " ما الله موليك إياه " وقد عرفت فيما سبق (في مباحث الضمير) السر في جواز الوجهين، ومما يدل على جواز حذف الجائز الانفصال قول الله تعالى: (فاكهين بما آتاهم ربهم) فإنه يجوز أن يدون التقدير " بالذي آتاهموه ربهم " وأن يكون التقدير " بالذي آتاهم إياه ربهم " والثاني أولى، فيحمل عليه تقدير الآية الكريمة، وكذلك قول الله تعالى: (ومما رزقناهم ينفقون) فإنه يجوز أن يكون التقدير " ومن الذي رزقناهموه " كما يجوز أن يكون التقدير " ومن الذي رزقناهم إياه ". (*)
[ 172 ]
الهاء (1)، وكذلك يمتنع الحذف إذا كان منصوبا [ متصلا ] بفعل ناقص، نحو
" جاء الذي كانه زيد ". * * * كذاك حذف ما بوصف خفضا كأنت قاض بعد أمر من قضى (2) كذا الذي جر بما الموصول جر ك " مر بالذي مررت فهو بر " (3).
(1) إنما قال الشارح " فلا يجوز حذف الهاء " إشارة إلى أن الممنوع هو حذف الضمير المنصوب بالحرف مع إبقاء الحرف، فأما إذا حذفت الضمير والحرف الناصب له جميعا فإنه لا يمتنع، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: (أين شركائي الذين كنتم تزعمون) هذا إذا قدرت أصل الكلام: أين شركائي الذين كنتم تزعمون أنهم شركائي، على حد قول كثير: وقد زعمت أني تغيرت بعدها ومن ذا الذي يا عز لا يتغير ؟ فإن قدرت الاصل " الذين كنتم تزعمونهم شركائي " لم يكن من هذا النوع. (2) " كذاك " الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والكاف حرف خطاب " حذف " مبتدأ مؤخر، وحذف مضف و " ما " اسم موصول مضاف إليه مبني على السكون في محل جر " بوصف " جار ومجرور متعلق بقوله " خفض " الآتي " خفضا " خفض: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ما " والجملة لا محل لها من الاعراب صلة " كأنت " الكاف جارة لقول محذوف، أي كقولك، أنت: مبتدأ " قاض " خبر المبتدأ " بعد " ظرف متعلق بمحذوف نعت للقول الذي قدرناه مجرورا بالكاف، وبعد مضاف و " أمر " مضاف إليه " من قضى " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لامر، أي: بعد فعل أمر مشتق من مادة قضى، يشير إلى قوله تعالى: (فاقض ما أنت قاض) كما قال الشارح. (3) " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " الذي " اسم موصول
مبتدأ مؤخر " جر " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " الذي " والجملة لا محل لها صلة " بما " جار ومجرور متعلق = (*)
[ 173 ]
لما فرغ من الكلام على الضمير المرفوع والمنصوب شرع في الكلام على المجرور، وهو إما أن يكون مجرورا بالاضافة، أو بالحرف. فإن كان مجرورا بالاضافة لم يحذف، إلا إذا كان مجرورا بإضافة اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، نحو " جاء الذي أنا ضاربه: الآن، أو غدا "، فتقول: جاء الذي أنا ضارب، بحذف الهاء. وإن كان مجرورا بغير ذلك لم يحذف، نحو " جاء الذي أنا غلامه، أو أنا مضروبه، أو أنا ضاربه أمس " وأشار بقوله: " كأنت قاض " إلى قوله تعالى: (فاقض ما أنت قاض) التقدير " ما أنت قاضيه " فحذفت الهاء، وكأن المصنف استغنى بالمثال عن أن يقيد الوصف بكونه اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال. وإن كان مجرورا بحرف فلا يحذف إلا إن دخل على الموصول حرف مثله: لفظا ومعنى، واتفق العامل فيهما مادة، نحو: " مررت بالذي مررت به، أو أنت مار به " فيجوز حذف الهاء، فتقول: " مررت بالذي مررت " قال الله تعالى: (ويشرب مما تشربون) أي: منه، وتقول: " مررت بالذي أنت مار " أي به، ومنه قوله:.
= بالفعل الذي قبله " الموصول " مفعول مقدم لجر الآتي " جر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ما " والجملة لا محل لها صلة " كمر " الكاف جارة لقول محذوف، وهي ومجرورها يتعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كقولك، مر: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بالذي " جار ومجرور متعلق بمر السابق " مررت " فعل وفاعل، والجملة لا محل
لها صلة، والعائد محذوف تقديره " به " وقوله: " فهو بر " الفاء واقعة في جواب شرط محذوف، وهو: ضمير منفصل مبتدأ، بر: خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل جزم جواب ذلك الشرط المحذوف. (*)
[ 174 ]
35 - وقد كنت تخفي حب سمراء حقبة فبح لان منها بالذي أنت بائح أي: أنت بائح به..
35 - هذا البيت لعنترة بن شداد العبسي، الشاعر المشهور والفارس المذكور، من كلمة مطلعها: طربت وهاجتك الظباء السوانح غداة غدت منها سنيح وبارح تغالت بي الاشواق حتى كأنما بزندين في جوفي من الوجد قادح اللغة: " طربت " الطرب: خفة تعتريك من سرور أو حزن " هاجتك " أثارت همك، وبعثت شوقك " الظباء " جمع ظبى " السوانح " جمع سانح، وهو ما أتاك عن يمينك فولاك مياسره من ظبى أو طير أو غيرهما، ويقال له: سنيح " بارح " هو ضد السانح، وهو ما أتاك عن يسارك فولاك ميامنه " قادح " اسم فاعل من قدح الزند قدحا، إذا ضربه لتخرج منه النار " حقبة " - بكسر فسكون - في الاصل تطلق على ثمانين عاما، وقد أراد بها المدة الطويلة " فبح " أمر من " باح بالامر يبوح به ": أي أعلنه وأظهره " لان " أي الآن، فحذف همزة الوصل والهمزة التي بعدم اللام، ثم فتح اللام لمناسبة الالف، وقيل: بل هي لغة في الآن، ومثله قول جرير بن عطية: ألان وقد نزعت إلى نمير فهذا حين صرت لهم عذابا وقول الآخر: ألا يا هند هند بني عمير أرث لان وصلك أم جديد ؟
وقول أشجع السلمي: ألان استرحنا واستراحت ركابنا وأمسك من يجدي ومن كان يجتدي وروى الاعلم بيت الشاهد: تعزيت عن ذكرى سمية حقبة فبح عنك منها بالذي أنت بائح وأنشده الاخفش كما في الشرح، وهو كذلك في المشهور من شعر عنترة. الاعراب: " قد " حرف تحقيق " كنت " كان: فعل ماض ناقص، وتاء = (*)
[ 175 ]
فإن اختلف الحرفان لم يجز الحذف، نحو: " مررت بالذي غضبت عليه " فلا يجوز حذف " عليه " وكذلك " مررت بالذي مررت به على زيد " فلا يجوز حذف " به " منه، لاختلاف معنى الحرفين، لان الباء الداخلة على الموصول للالصاق، والداخلة على الضمير للسببية، وإن اختلف العاملان لم يجز الحذف أيضا، نحو: " مررت بالذي فرحت به " فلا يجوز حذف " به ". وهذا كله هو المشار إليه بقوله: " كذا الذي جر بما الموصول جر " أي كذلك يحذف الضمير الذي جر بمثل ما جر الموصول به (1)، نحو: " مررت.
= المخاطب اسمه مبني على الفتح في محل رفع " تخفي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة من تخفي وفاعله خبر " كان " في محل نصب " حب " مفعول به لتخفي، وحب مضاف و " سمراء " مضاف إليه " حقبة " ظرف زمان متعلق بتخفي " فبح " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لان " ظرف زمان متعلق ببح " بالذي " جار ومجرور متعلق ببح أيضا " أنت بائح " مبتدأ وخبر، والجملة منهما لا محل لها صلة الموصول المجرور محلا بالباء، والعائد محذوف، وتقدير الكلام: فبح الآن بالذي أنت بائح به.
الشاهد فيه: قوله " بالذي أنت بائح " حيث استساغ الشاعر حذف العائد المجرور على الموصول من جملة الصلة، لكونه مجرورا بمثل الحرف الذي جر الموصول وهو الباء والعامل في الموصول متحد مع العامل في العائد مادة: الاول " بح " والثاني " بائح " ومعنى: لانهما جميعا من البوح بمعنى الاظهار والاعلان. (1) ومثله أن يكون الموصول وصفا لاسم، وقد جر هذا الموصوف بحرف مثل الذي مع العائد، ومنه قول كعب بن زهير: إن تعن نفسك بالامر الذي عنيت نفوس قوم سموا تظفر بما ظفروا لا تركنن إلى الامر الذي ركنت أبناء يعصر حين اضطرها القدر = (*)
[ 176 ]
بالذي مررت فهو بر " أي: " بالذي مررت به " فاستغنى بالمثال عن ذكر بقية الشروط التسبق ذكرها. * * *.
= ففي كل بيت من هذين البيتين شاهد لما ذكرناه. أما البيت الاول فإن الشاهد فيه قوله " بالامر الذي عنيت " فإن التقدير فيه: بالامر الذي عنيت به، فحذف المجرور ثم الجار، لكون الموصوف بالموصول مجرورا بمثل الذي جر ذلك العائد. وأما البيت الثاني فالشاهد فيه قوله " إلى الامر الذي ركنت " فإن تقدير الكلام: إلى الامر الذي ركنت إليه، فحذف المجرور، ثم حذف الجار، لكون الموصوف - وهو الامر - مجرورا بحرف مماثل للحرف الذي جر به ذلك العائد. * * * (*)
[ 177 ]
المعرف بأداة التعريف
أل حرف تعريف، أو اللام فقط، فنمط عرفت قل فيه: " النمط " (1) اختلف النحويون في حرف التعريف في " الرجل " ونحوه، فقال الخليل المعرف هو " أل "، وقال سيبويه: هو اللام وحدها، فالهمزة عند الخليل همزة قطع، وعند سيبويه همزة وصل اجتلبت للنطق بالساكن (2)..
(1) " أل " مبتدأ " حرف " خبر المبتدأ، وحرف مضاف و " تعريف " مضاف إليه " أو " عاطفة " اللام " مبتدأ، وخبره محذوف يدل عليه ما قبله، والتقدير: أو اللام حرف تعريف " فقط " الفاء حرف زائد (لتزيين) ؟ اللفظ، وقط: اسم بمعنى حسب - أي كاف - حال من " اللام " وتقدير الكلام: أو اللام حال كونه كافيك، أو الفاء داخلة في جواب شرط محذوف و " قط " على هذا إما اسم فعل أمر بمعنى انته، وتقدير الكلام " إذا عرفت ذلك فانته " وإما اسم بمعنى كاف خبر لمبتدأ محذوف، أي إذا عرفت ذلك فهو كافيك، وقوله " نمط " مبتدأ " عرفت " فعل وفاعل، والجملة في محل رفع نعت لنمط " قل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " فيه " جار ومجرور متعلق بقل " النمط " مفعول به لقل، لانه مقصود لفظه، وقيل: إن " عرفت " فعل شرط حذفت أداته، وجملة " قل " جواب الشرط حذفت منه الفاء، والتقدير: نمط إن عرفته فقل فيه النمط، أي إن أردت تعريفه، وجملة الشرط وجوابه على هذا خبر المبتدأ، وهو تكلف لا داعي له. (2) ذهب الخليل إلى أن أداة التعريف هي " أل " برمتها، وأن الهمزة همزة أصلية، وأنها همزة قطع، بدليل أنها مفتوحة، إذ لو كانت همزة وصل لكسرت، لان الاصل في همزة الوصل الكسر، ولا تفتح أو تضم إلا لعارض، وليس هنا عارض يقتضي ضمها أو فتحها، وبقي عليه أن يجيب عما دعا إلى جعلها في الاستعمال همزة وصل، = (12 - شرح ابن عقيل 1)
[ 178 ]
والالف واللام المعرفة تكون للعهد، كقولك: " لقيت رجلا فأكرمت الرجل " وقوله تعالى: (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا، فعصى فرعون الرسول) ولاستغراق الجنس، نحو: (إن الانسان لفي خسر) وعلامتها أن يصلح موضعها " كل " ولتعريف الحقيقة، نحو: " الرجل خير من المرأة " أي: هذه الحقيقة خير من هذه الحقيقة. و " النمط " ضرب من البسط، والجمع أنماط مثل سبب وأسباب والنمط أيضا الجماعة من الناس الذين أمرهم واحد، كذا قاله الجوهري. * * * وقد تزاد لازما: كاللات، والآن، والذين، ثم اللات (1) ولاضطرار: كبنات الاوبر كذا، " وطبت النفس يا قيس " السري (2).
= والجواب عنده أنها إنما صارت همزة وصل في الاستعمال، لقصد التخفيف الذي اقتضاه كثرة استعمال هذا اللفظ. وذهب سيبويه رحمه الله إلى أن أداة التعريف هي اللام وحدها، وأن الهمزة زائدة، وأنها همزة وصل أتى بها توصلا إلى النطق بالساكن، فإن قيل: فلماذا أتى بالهمزة ليتوصل بها إلى النطق بالساكن ولم تتحرك اللام ؟ أجيب عن ذلك بأنها لو حركت لكانت إما أن تحرك بالكسر فتلتبس بلام الجر، أو بالفتح فتلتبس بلام الابتداء، أو بالضم فتكون مما لا نظير له في العربية، فلاجل ذلك عدل عن تحريك اللام، وأبقيت على أصل وضعها، وجئ بهمزة الوصل قبلها. (1) " قد " حرف تقليل " تزاد " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى " أل " " لازما " حال من مصدر الفعل السابق، وتقديره: تزاد حال كون الزيد لازما، وقيل: هو مفعول مطلق، وهو
وصف لمصدر محذوف: أي زيدا لازما، وأنكر هذا ابن هشام على المعربين " كاللات " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كاللات " والآن، والذين، ثم اللات " معطوفات على اللات. (2) " لاضطرار " جار ومجرور متعلق بتزاد " كبنات " الكاف جارة لقول = (*)
[ 179 ]
ذكر المصنف في هذين البيتين أن الالف واللام تأتي زائدة، وهي - في زيادتها - على قسمين: لازمة، وغير لازمة. ثم مثل الزائدة اللازمة ب " اللات " (1) وهو اسم صنم كان بمكة، وب " الآن " وهو ظرف زمان مبني على الفتح (2)، واختلف في الالف واللام الداخلة عليه،.
= محذوف، وهي ومجرورها يتعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كقولك إلخ، وبنات مضاف و " الاوبر " مضاف إليه " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ من مادة القول محذوف أيضا " طبت " فعل وفاعل " النفس " تمييز " يا " حرف نداء " قيس " منادى مبني على الضم في محل نصب " السري " نعت له، وتقدير الكلام: وقولك: " طبت النفس يا قيس " كذلك. (1) مثل اللات كل علم قارنت " أل " وضعه لمعناه العلمي، سواء أكان مرتجلا أم كان منقولا، فمثال المرتجل من الاعلام التي فيها " أل " وقد قارنت وضعه: السموأل، وهو اسم شاعر جاهلي مشهور يضرب به المثل في الوفاء، ومثال المنقول من الاعلام التي فيها " أل " وقد قارنت وضعه للعلمية أيضا: العزى، وهو في الاصل مؤنث الاعز وصف من العزة، ثم سمى به صنم أو شجرة كانت غطفان تعبدها، ومنه اللات، وهو في الاصل اسم فاعل من لت السويق بلته، ثم سمى به صنم، وأصله بتشديد التاء، فلما سمى به خففت تاؤه، لان الاعلام كثيرا ما يغير فيها، ومنه " اليسع " فإن أصله فعل مضارع ماضيه وسع ثم سمى به.
(2) أكثر النحاة على أن " الآن " مبني على الفتح، ثم اختلفوا في سبب بنائه ؟ فذهب قوم إلى أن علة بنائه تضمنه معنى " أل " الحضورية، وهذا الرأي هو الذي نقله الشارح عن المصنف وجماعة، وهؤلاء يقولون: إن " أل " الموجودة فيه زائدة، وبناؤه لتضمنه معنى " أل " أخرى غير موجودة، ونظير ذلك بناء " الامس " في قول نصيب بن رباح: وإني وقفت اليوم والامس قبله ببابك حتى كادت الشمس تغرب فإنهم جعلوا بناءه في هذا وما أشبهه لتضمنه معنى " أل " غير الموجودة فيه، وهذا = (*)
[ 180 ]
فذهب قوم إلى أنها لتعريف الحضور كما في قولك: " مررت بهذا الرجل "، لان قولك: " الآن " بمعنى هذا الوقت، وعلى هذا لا تكون زائدة، وذهب قوم - منهم المصنف - إلى أنها زائدة، وهو مبني لتضمنه معنى الحرف، وهو لام الحضور. ومثل - أيضا - ب " الذين "، و " اللات " والمراد بهما ما دخل عليه " أل " من الموصولات، وهو مبني على أن تعريف الموصول بالصلة، فتكون الالف واللام زائدة، وهو مذهب قوم، واختاره المصنف، وذهب قوم إلى أن تعريف الموصول ب " أل " إن كانت فيه نحو: " الذي " فإن لم تكن فيه فبنيتها نحو: " من، وما " إلا " أيا " فإنها تتعرف بالاضافة، فعلى هذا المذهب لا تكون الالف واللام زائدة، وأما حذفها في قراءة من قرأ: (صراط الذين أنعمت عليهم) فلا يدل على أنها زائدة، إذ يحتمل أن تكون حذفت شذوذا وإن كانت معرفة، كما حذفت من قولهم: " سلام عليكم " من غير تنوين يريدون " السلام عليكم ".
وأما الزائدة غير اللازمة فهي الداخلة اضطرارا على العلم، كقولهم في " بنات أوبر " علم لضرب من الكمأة " بنات الاوبر " ومنه قوله:.
= عجيب منهم، لانهم ألغوا الموجود، واعتبروا المعدوم، وقال قوم: بني " الآن " لضمنه معنى الاشارة، فإنه بمعنى هذا الوقت، وهذا قول الزجاج، وقيل: بني " الآن " لشبهه بالحرف شبها جموديا، ألا ترى أنه لا يثنى ولا يجمع ولا يصغر ؟ بخلاف غيره من أسماء الزمان كحين ووقت وزمن وساعة، ومن الناس من يقول: الآن اسم إشارة إلى الزمان، كما أن هنا اسم إشارة إلى المكان، فبناؤه على هذا لتضمنه معنى كان حقه أن يؤدى بالحرف، ومن النحاة من ذهب إلى أنه معرب، وأنه ملازم للنصب على الظرفية وقد يخرج عنها إلى الجر بمن، فيقال: سأحالفك من الآن، بالجر، ويقول صاحب النكت: " وهذا قول لا يمكن القدح فيه، وهو الراجح عندي، والقول ببنائه لا توجد له علة صحيحة " اه. (*)
[ 181 ]
36 - ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الاوبر.
36 - هذا البيت من الشواهد التي لم يعرفوا لها قائلا، وممن استشهد به أبو زيد في النوادر. اللغة: " جنيتك " معناه جنيت لك، ومثله - في حذف اللام وإيصال الفعل إلى ما كان مجرورا - قوله تعالى: (وإذا كالوهم أو وزنوهم) و (يبغونها عوجا) و (والقمر قدرناه منازل) " أكمؤا " جمع كم ء - بزنة فلس - ويجمع الكم ء على كمأة، أيضا، فيكون المفرد خاليا من التاء وهي في جمعه، على عكس تمرة وتمر، وهذا من نوادر اللغة، " وعساقلا " جمع عسقول - بزنة عصفور - وهو نوع من الكمأة، وكان أصله عساقيل، فحذفت الياء كما حذفت في قوله تعالى: (وعنده
مفاتح الغيب) فإنه جمع مفتاح، وكان قياسه مفاتيح، فحذفت الياء، ويقال: المفاتح جمع مفتح، وليس جمع مفتاح، فلا حذف، وكذا يقال: العساقل جمع عسقل بزنة منبر و " بنات الاوبر " كمأة صغار مزغبة كلون التراب، وقال أبو حنيفة الدينوري: بنات أوبر كمأة كأمثال الحصي صغار، وهي رديئة الطعم. الاعراب: " ولقد " الواو للقسم، واللام للتأكيد، وقد: حرف تحقيق " جنيتك " فعل وفاعل ومفعول أول " أكمؤا " مفعول ثان " وعساقلا " معطوف على قوله أكمؤا " ولقد " الواو عاطفة، واللام موطئة للقسم، و " قد " حرف تحقيق " نهيتك " فعل وفاعل ومفعول " عن " حرف جر " بنات " مجرور بعن، وبنات مضاف و " الاوبر " مضاف إليه. الشاهد فيه: قوله " بنات الاوبر " حيث زاد " أل " في العلم مضطرا، لان " بنات أوبر " علم على نوع من الكمأة ردئ، والعلم لا تدخله " أل "، فرارا من اجتماع معرفين، وهما حينئذ العلمية وأل، فزادها هنا ضرورة، قال الاصمعي: " وأما قول الشاعر: * ولقد نهيتك عن بنات الاوبر * فإنه زاد الالف واللام للضرورة، وكقول الراجز: باعد أم العمرو من أسيرها حراس أبواب لدى قصورها = (*)
[ 182 ]
والاصل " بنات أوبر " فزيدت الالف واللام، وزعم المبرد أن " بنات أوبر " ليس بعلم، فالالف واللام - عنده - غير زائدة. ومنه الداخلة اضطرارا على التمييز، كقوله: 37 - رأيتك لما أن عرفت وجوهنا صددت، وطبت النفس يا قيس عن عمرو
.
(وقد سبق لنا ذكر هذا البيت في باب العلم، ونسبناه هناك لابي النجم العجلي) وقول آخر: يا ليت أم العمرو كانت صاحبي مكان من أشتى على الركائب قال: وقد يجوز أن أوبر نكرة فعرفه باللام، كما حكى سيبويه أن عرسا من ابن عرس قد نكره بعضهم فقال: هذا ابن عرس مقبل " اه كلام الاصمعي. 37 - البيت لرشيد بن شهاب اليشكري، وزعم التوزي - نقلا عن بعضهم - أنه مصنوع لا يحتج به، وليس كذلك، لان العلماء عرفوا قائله ونسبوه إليه. اللغة: " رأيتك " الخطاب لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد اليشكري، وهو المذكور في آخر البيت " وجوهنا " أراد بالوجوه ذواتهم، ويروى " لما أن عرفت جلادنا " أي: ثباتنا في الحرب وشدة وقع سيوفنا " صددت " أعرضت ونأيت " طبت النفس " يريد أنك رضيت " عمرو " كان صديقا حميما لقيس، وكان قوم الشاعر قد قتلوه. المعنى: يندد بقيس، لانه فر عن صديقه لما رأى وقع أسيافهم، ورضي من الغنيمة بالاياب، فلم يدافع عنه، ولم يتقدم للاخذ بثأره بعد أن قتل. الاعراب: " رأيتك " فعل وفاعل ومفعول، وليس بحاجة لمفعول ثان، لان " رأى " هنا بصرية " لما " ظرفية بمعنى حين تتعلق برأى " أن " زائدة " عرفت " فعل وفاعل " وجوهنا " وجوه: مفعول به لعرف، ووجوه مضاف والضمير مضاف إليه " صددت " فعل وفاعل، وهو جواب " لما " و " طبت " فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة صددت " النفس " تمييز نسبة " يا قيس " يا: حرف نداء، و " قيس " منادى، وجملة النداء لا محل لها معترضة بين العامل ومعموله " عن عمرو " جار ومجرور متعلق بصددت، أو بطبت على أنه ضمنه معنى تسليت. = (*)
[ 183 ]
والاصل " وطبت نفسا " فزاد الالف واللام، وهذا بناء على أن التمييز لا يكون إلا نكرة، وهو مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى جواز كونه معرفة، فالالف واللام عندهم غير زائدة. وإلى هذين البيتين اللذين أنشدناهما أشار المصنف بقوله: " كبنات الاوبر "، وقوله: " وطبت النفس يا قيس السرى ". * * * وبعض الاعلام عليه دخلا للمح ما قد كان عنه نقلا (1)
= الشاهد فيه: قوله " طبت النفس " حيث أدخل الالف واللام على التمييز الذي يجب له التنكير - ضرورة، وذلك في اعتبار البصريين، وقد ذكر الشارح أن الكوفيين لا يوجبون تنكير التمييز، بل يجوز عندهم أن يكون معرفة وأن يكون نكرة، وعلى ذلك لا تكون " أل " زائدة، بل تكون معرفة. ومن العلماء من قال: " النفس " مفعول به لصددت، وتمييز طبت محذوف، والتقدير على هذا: صددت النفس وطبت نفسا يا قيس عن عمرو، وعلى هذا لا يكون في البيت شاهد، ولكن في هذا التقدير من التكلف مالا يخفى. (1) " وبعض " مبتدأ، وبعض مضاف و " الاعلام " مضاف إليه " عليه " جار ومجرور متعلق بدخل الآتي " دخلا " دخل فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على أل، والالف للاطلاق، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " للمح " جار ومجرور متعلق بدخل، ولمح مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " قد " حرف تحقيق " كان " فعل ماض، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على بعض الاعلام " عنه " جار ومجرور متعلق بقوله نقل الآتي " نقلا " نقل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على بعض الاعلام، والالف للاطلاق، والجملة في محل نصب خبر كان، والجملة من كان ومعموليها لا محل لها صلة الموصول. (*)
[ 184 ]
كالفضل، والحارث، والنعمان، فذكر ذا وحذفه سيان (1) ذكر المصنف - فيما تقدم - أن الالف واللام تكون معرفة، وتكون زائدة، وقد تقدم الكلام عليهما، ثم ذكر في هذين البيتين أنها تكون للمح الصفة، والمراد بها الداخلة على ما سمي به من الاعلام المنقولة، مما يصلح دخول " أل " عليه، كقولك في " حسن ": " الحسن " وأكثر ما تدخل على المنقول من صفة، كقولك في " حارث ": " الحارث " وقد تدخل على المنقول من مصدر، كقولك في " فضل ": " الفضل " وعلى المنقول من اسم جنس غير مصدر، كقولك في " نعمان ": " النعمان " وهو في الاصل من أسماء الدم (2)، فيجوز دخول " أل " في هذه الثلاثة نظرا إلى الاصل، وحذفها نظرا إلى الحال. وأشار بقوله " للمح ما قد كان عنه نقلا " إلى أن فائدة دخول الالف واللام الدلالة على الالتفات إلى ما نقلت عنه من صفة، أو ما في معناها..
(1) " كالفضل " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كالفضل " والحارث والنعمان " معطوفان على الفضل " فذكر " مبتدأ، وذكر مضاف و " ذا " اسم إشارة مضاف إليه " وحذفه " الواو حرف عطف، حذف: معطوف على المبتدأ، وحذف مضاف والضمير مضاف إليه " سيان " خبر المبتدأ وما عطف عليه، مرفوع بالالف نيابة عن الضمة لانه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد: (2) هنا شيئان: الاول أن الذي تلمحه حين تدخل " أل " على نعمان هو وصف الحمرة التي يدل عليها لفظه بحسب الاصل الاول التزاما، لان الحمره لازمة للدم. والثاني: أن الناظم في كتاب التسهيل جعل " نعمان " من أمثلة العلم الذي قارنت " أل " وضعه كاللات والعزى والسموأل، وهذه لازمة، بدليل قوله هناك " وقد تزاد لازما "
وهنا مثل به لما زيدت عليه " أل " بعد وضعه للمح الاصل، وهذه ليست بلازمة على ما قال " فذكر ذا وحذفه سيان " والخطب في هذا سهل، لانه يحمل على أن العرب سمت " النعمان " أحيانا مقرونا بأل، فيكون من النوع الاول، وسمت أحيانا أخرى " نعمان " بدون أل، فيكون من النوع الثاني. (*)
[ 185 ]
وحاصله: أنك إذا أردت بالمنقول من صفة ونحوه أنه إنما سمى به تفاؤلا بمعناه أتيت بالالف واللام للدلالة على ذلك، كقولك: " الحارث " نظرا إلى أنه إنما سمى به للتفاؤل، وهو أنه يعيش ويحرث، وكذا كل ما دل على معنى وهو مما يوصف به في الجملة، كفضل ونحوه، وإن لم تنظر إلى هذا ونظرت إلى كونه علما لم تدخل الالف واللام، بل تقول: فضل، وحارث، ونعمان، فدخول الالف واللام أفاد معنى لا يستفاد بدونهما، فليستا بزائدتين، خلافا لمن زعم ذلك، وكذلك أيضا ليس حذفهما وإثباتهما على السواء كما هو ظاهر كلام المصنف، بل الحذف والاثبات ينزل على الحالتين اللتين سبق ذكرهما، وهو أنه إذا لمح الاصل جئ بالالف واللام، وإن لم يلمح لم يؤت بهما. * * * وقد يصير علما بالغلبة مضاف أو مصحوب أل كالعقبه (1) وحذف أل ذي إن تناد أو تضف أوجب، وفي غيرهما قد تنحذف (2).
(1) " وقد " الواو للاستئناف، قد: حرف تقليل " يصير " فعل مضارع ناقص " علما " خبر يصير مقدم على اسمه " بالغلبة " جار ومجرور متعلق بيصير " مضاف " اسم يصير مؤخر عن خبره " أو مصحوب " أو: حرف عطف، مصحوب معطوف على مضاف، ومصحوب مضاف، و " أل " قصد لفظه: مضاف إليه " كالعقبة " جار
ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وتقدير الكلام: وذلك كائن كالعقبة. (2) " وحذف " الواو للاستئناف، حذف: مفعول به مقدم على عامله وهو " أوجب " الآتي، وحذف مضاف، و " أل " قصد لفظه: مضاف إليه " ذي " اسم إشارة نعت لال " إن " شرطية " تناد " فعل مضارع فعل الشرط، مجزوم بحذف الياء، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أو " عاطفة " تضف " معطوف على " تناد " مجزوم = (*)
[ 186 ]
من أقسام الالف واللام أنها تكون للغلبة، نحو: " المدينة "، و " الكتاب "، فإن حقهما الصدق على كل مدينة وكل كتاب، لكن غلبت " المدينة " على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، و " الكتاب " على كتاب سيبويه رحمه الله تعالى، حتى إنهما إذا أطلقا لم يتبادر إلى الفهم غيرهما. وحكم هذه الالف واللام أنها لا تحذف إلا في النداء أو الاضافة، نحو " يا صعق " في الصعق (1)، و " هذه مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وقد تحذف في غيرهما شذوذا، سمع من كلامهم: " هذا عيوق طالعا " (2)، والاصل العيوق (2)، وهو اسم نجم. وقد يكون العلم بالغلبة أيضا مضافا: كابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود،.
= بالسكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أوجب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقدير أنت، وجواب الشرط محذوف لدلالة هذا عليه، أو جملة أوجب وفاعله في محل جزم جواب الشرط، وحذف الفاء منها - مع أنها جملة طلبية - ضرورة " وفي " الواو حرف عطف، في: حرف جر " غيرهما " غير: مجرور بفي، وغير مضاف والضمير - الذي يعود على النداء والاضافة - مضاف إليه، والجار والمجرور متعلق بتنحذف الآتي " قد " حرف تقليل " تنحذف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على " أل " وتقدير البيت: إن تناد أو تضف
فأوجب حذف أل هذه، وقد تنحذف أل في غير النداء والاضافة. (1) الصعق - في أصل اللغة - اسم يطلق على كل من رمى بصاعقة، ثم اختص بعد ذلك بخويلد بن نفيل، وكان من شأنه أنه كان يطعم الناس بتهامة، فعصفت الربح التراب في جفانه، فسبها، فرمى بصاعقة، فقال الناس عنه: الصعق. (2) العيوق - في أصل الوضع - كلمة على زنة فيعول من قولهم: عاق فلان فلانا يعوقه، إذا حال بينه وبين غرضه، ومعناه عائق، وهو بهذا صالح للاطلاق على كل معوق لغيره، وخصوا به نجما كبيرا قريبا من نجم الثريا ونجم الدبران، زعموا أنهم سموه بذلك لان الدبران يطلب الثريا والعيوق يحول بينه وبين إدراكها. (*)
[ 187 ]
فإنه غلب على العبادلة (2) دون غيرهم من أولادهم، وإن كان حقه الصدق عليهم، لكن غلب على هؤلاء، حتى إنه إذا أطلق " ابن عمر " لا يفهم منه غير عبد الله، وكذا " ابن عباس " و " ابن مسعود " رضي الله عنهم أجمعين، وهذه الاضافة لا تفارقه، لا في نداء، ولا في غيره، نحو: " يا ابن عمر ". * * *
(1) العبادلة: جمع عبدل، بزنة جعفر، وعبدل يحتمل أمرين: أولهما أن يكون أصله " عبد " فزيدت لام في آخره، كما زيدت في " زيد " حتى صار زيدلا، والثاني أن يكونوا قد نحتوه من " عبد الله " فاللام هي لام لفظ الجلالة، والنحت باب واسع، فقد قالوا: عبشم، من عبد شمس، وعبدر، من عبد الدار، ومرقس، من امرئ القيس، وقالوا: حمدلة، من الحمد لله، وسبحلة، من سبحان الله، وجعفده، من قولهم: جعلت فداءك، وطلبقة، من قولهم: أطال الله بقاءك - وأشباه لهذا كثيرة. وقال الشاعر، وينسب لعمر بن أبي ربيعة، فجاء بالفعل واسم فاعله على طريق النحت:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها * فيا حبذا ذاك الحبيب المبسمل ولكثرة ما ورد من هذا النحو نرى أنه يجوز لك أن تقيس عليه، فتقول " مشأل مشألة " إذا قال: ما شاء الله، وتقول " سبحر سبحرة " إذا قال: سبحان ربي، وتقول " نعمص نعمصة " إذا قال: نعم صباحك، وتقول " نعمس نعمسة " إذا قال: نعم مساؤك، وهكذا، وقدامي العلماء يرون باب النحت مقصورا على ما سمع منه عن العرب وهو من تحجير الواسع، فتدبر هذا، ولا تكن أسير التقليد، وانظر القسم الاول من كتابنا دروس التصريف (ص 22 طبعة ثانية). (*)
[ 188 ]
الابتداء مبتدأ زيد، وعاذر خبر، إن قلت " زيد عاذر من اعتذر " (1) وأول مبتدأ، والثاني فاعل اغنى في " أسار ذان " (2) وقس، وكاستفهام النفي، وقد يجوز نحو " فائز أولو الرشد " (3).
(1) " مبتدأ " خبر مقدم " زيد " مبتدأ مؤخر " وعاذر " الواو عاطفة، وعاذر مبتدأ " خبر " خبر المبتدأ " إن " شرطية " قلت " قال: فعل ماض فعل الشرط، وتاء المخاطب فاعل " زيد " مبتدأ " عاذر " خبره، وفاعله - من جهة كونه اسم فاعل - ضمير مستتر فيه، والجملة من المبتدأ والخبر مقول القول " من " اسم موصول مفعول به لعاذر " اعتذر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من، والجملة لا محل لها صلة الموصول، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام وتقدير الكلام: إن قلت زيد عاذر من اعتذر فزيد مبتدأ وعاذر خبره. (2) " وأول " مبتدأ " مبتدأ " خبره " والثاني " مبتدأ " فاعل " خبر " أغنى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقدير هو يعود إلى فاعل، والجملة في محل رفع صفة لفاعل " في " حرف جر، ومجروره قول (..) ؟ " أسار " الهمزة للاستفهام،
وسار: مبتدأ، و " ذان " فاعل سد مسد الخبر، والجملة من المبتدأ وفاعله مقول القول المحذوف، وتقدير الكلام: وأول اللفظين مبتدأ وثانيهما فاعل أغنى عن الخبر في قولك: أسار ذان. (3) " وقس " الواو عاطفة، قس: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ومفعوله ومتعلقه محذوفان، والتقدير: وقس على ذلك ما أشبهه " وكاستفهام " الواو حرف عطف، والكاف حرف جر، واستفهام: مجرور بها، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " النفي " مبتدأ مؤخر " وقد " الواو حرف، قد حرف تقليل " يجوز " فعل مضارع " نحو " فاعل يجوز " فائز " مبتدأ " أولو " فاعل بفائز سد مسد الخبر، وأولو مضاف و " الرشد " مضاف إليه، والجملة من المبتدأ وفاعله المغنى عن الخبر مقول قول محذوف، والتقدير: وقد يجوز نحو قولك فائز أولو الرشد، والمراد بنحو هذا المثال: كل وصف وقع بعده مرفوع يستغنى به ولم تتقدمه أداة استفهام ولا أداة نفي. (*)
[ 189 ]
ذكر المصنف أن المبتدأ على قسمين: مبتدأ له خبر، ومبتدأ له فاعل سد مسد الخبر، فمثال الاول " زيد عاذر من اعتذر " والمراد به: ما لم يكن المبتدأ فيه وصفا مشتملا على ما يذكر في القسم الثاني، فزيد: مبتدأ، وعاذر: خبره، ومن اعتذر: مفعول لعاذر، ومثال الثاني " أسار ذان " فالهمزة: للاستفهام، وسار: مبتدأ، وذان: فاعل سد مسد الخبر، ويقاس على هذا ما كان مثله، وهو: كل وصف اعتمد على استفهام، أو نفي - نحو: أقائم الزيدان، وما قائم الزيدان - فإن لم يعتمد الوصف لم يكن مبتدأ، وهذا مذهب البصريين إلا الاخفش - ورفع (1) فاعلا ظاهرا، كما مثل، أو ضميرا منفصلا، نحو: " أقائم أنتما " وتم الكلام به (1)، فإن لم يتم به [ الكلام ] لم يكن مبتدأ،
نحو: " أقائم أبواه زيد " فزيد: مبتدأ مؤخر، وقائم: خبر مقدم، وأبواه: فاعل بقائم، ولا يجوز أن يكون " قائم " مبتدأ، لانه لا يستغنى بفاعله حينئذ، إذ لا يقال " أقائم أبواه " فيتم الكلام، وكذلك لا يجوز أن يكون الوصف مبتدأ إذا رفع ضميرا مستترا، فلا يقال في " ما زيد قائم ولا قاعد ": إن " قاعدا " مبتدأ، والضمير المستتر فيه فاعل أغنى عن الخبر، لانه ليس بمنفصل، على أن في المسألة خلافا (2)، ولا فرق بين أن يكون الاستفهام بالحرف، كما مثل،.
(1) " ورفع " هذا الفعل معطوف بالواو على " اعتمد " في قوله " وهو كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي " وكذلك قوله " وتم الكلام به " ويتحصل من ذلك أنه قد اشترط في الوصف الذي يرفع فاعلا بغنى عن الخبر ثلاثة شروط، أولها: أن يكون معتمدا على استفهام أو نفي - عند البصريين - والثاني أن يكون مرفوعه اسما ظاهرا أو ضميرا منفصلا، وفي الضمير المنفصل خلاف سنذكره، والثالث أن يتم الكلام بمرفوعه المذكور. (2) سنبسط القول في هذه المسألة قريبا (انظر ص 192 من هذا الجزء). (*)
[ 190 ]
أو بالاسم كقولك: كيف جالس العمران (1) ؟ وكذلك لا فرق بين أن يكون النفي بالحرف، كما مثل، أو بالفعل كقولك: " ليس قائم الزيدان " فليس: فعل ماض [ ناقص ]، وقائم: اسمه، والزيدان: فاعل سد مسد خبر ليس، وتقول: " غير قائم الزيدان " فغير: مبتدأ، وقائم: مخفوض بالاضافة، والزيدان: فاعل بقائم سد مسد خبر غير، لان المعنى " ما قائم الزيدان " فعومل " غير قائم " معاملة " ما قائم " ومنه قوله: 38 - غير لاه عداك، فاطرح اللهو، ولا تغترر بعارض سلم.
(1) " كيف " اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال من " العمران "
الآتي و " جالس " مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، و " العمران " فاعل بجالس أغنى عن الخبر، مرفوع بالالف نيابة عن الضمة لانه مثنى. 38 - لم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين. اللغة: " لاه " اسم فاعل مأخوذ من مصدر لها يلهو، وذلك إذا ترك وسلا وروح عن نفسه بما لا تقتضيه الحكمة، ولكن المراد هنا لازم ذلك، وهو الغفلة " اطرح " - بتشديد الطاء - أي - اترك " سلم " بكسر السين أو فتحها - أي صلح وموادعة، وإضافة عارض إليه من إضافة الصفة للموصوف. المعنى: إن أعداءك ليسوا غافلين عنك، بل يتربصون بك الدوائر، فلا تركن إلى الغفلة، ولا تغتر بما يبدو لك منهم من المهادنة وترك القتال، فإنهم يأخذون في الاهبة والاستعداد. الاعراب: " غير " مبتدأ، وغير مضاف و " لاه " مضاف إليه " عداك " عدى: فاعل لاه سد مسد خبر غير، لان المضاف والمضاف إليه كالشئ الواحد، وعدى مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه " فاطرح " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " اللهو " مفعول به لاطرح " ولا " الواو عاطفة، لا: ناهية " تغترر " = (*)
[ 191 ]
فغير: مبتدأ، ولاه: مخفوض بالاضافة، وعداك: فاعل بلاه سد مسد خبر غير، ومثل قوله: 39 - غير مأسوف على زمن ينقضي بالهم والحزن.
= فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بعارض " جار ومجرور متعلتى بتغترر، وعارض مضاف، و " سلم " مضاف إليه. الشاهد فيه: قوله " غير لاه عداك " حيث استغنى بفاعل " لاه " عن خبر المبتدأ
وهو غير، لان المبتدأ المضاف لاسم الفاعل دال على النفي، فكأنه " ما " في قولك " ما قائم محمد " فالوصف مخفوض لفظا بإضافة المبتدأ إليه وهو في قوة المرفوع بالابتداء وللكلام بقية تأتى في شرح الشاهد التالي لهذا الشاهد. 39 - البيت لابي نواس - الحسن بن هاني بن عبد الاول، الحكمي - وهو ليس ممن يستشهد بكلامه، وإنما أورده الشارح مثالا للمسألة، ولهذا قال " ومثله قوله " وبعد هذا البيت بيت آخر، وهو: إنما يرجو الحياة فتى عاش في أمن من المحن اللغة: " مأسوف " اسم مفعول من الاسف، وهو أشد الحزن، وفعله من باب فرح، وزعم ابن الخشاب أنه مصدر جاء على صيغة اسم المفعول مثل الميسور، والمعسور، والمجلود، والمحلوف، بمعنى اليسر والعسر والجلد والحلف، ثم أريد به اسم الفاعل، وستعرف في بيان الاستشهاد ما ألجأه إلى هذا التكلف ووجه الرد عليه. المعنى: إنه لا ينبغي لعاقل أن يأسف على زمن ليس فيه إلا هموم تتلوها هموم، وأحزان تأتي من ورائها أحزان، بل يجب عليه أن يستقبل الزمان بغير مبالاة ولا اكتراث. الاعراب: " غير " مبتدأ، وغير مضاف " مأسوف " مضاف إليه " على زمن " جار ومجرور متعلق بمأسوف، على أنه نائب فاعل سد مسد خبر المبتدأ " ينقضي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " زمن " والجملة من ينقضي وفاعله في محل جر صفة لزمن " بالهم " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في ينقضي " والحزن " الواو حرف عطف، الحزن: معطوف على الهم. = (*)
[ 192 ]
فغير: مبتدأ، ومأسوف: مخفوض بالاضافة، وعلى زمن: جار ومجرور في موضع رفع بمأسوف لنيابته مناب الفاعل، وقد سد مسد خبر غير. وقد سأل أبو الفتح بن جنى ولده عن إعراب هذا البيت، فارتبك
في إعرابه. ومذهب البصريين - إلا الاخفش - أن هذا الوصف لا يكون مبتدأ إلا إذا اعتمد على نفي أو استفهام (1)، وذهب الاخفش والكوفيون إلى عدم اشتراط.
= التمثيل به: في قوله " غير مأسوف على زمن " حيث أجرى قوله " على زمن " النائب عن الفاعل مجرى الزيدين في قولك " ما مضروب الزيدان في أن كل واحد منهما سد مسد الخبر، لان المتضايفين بمنزلة الاسم الواحد، فحيث كان نائب الفاعل يسد مع أحدهما مسد الخبر فإنه يسد مع الآخر أيضا، وكأنه قال " ما مأسوف على زمن " على ما بيناه في الشاهد السابق. هذا أحد توجيهات ثلاثة في ذلك ونحوه، وإليه ذهب ابن الشجري في أماليه. والتوجيه الثاني لابن جنى وابن الحاجب، وحاصله أن قوله " غير " خبر مقدم، وأصل الكلام: " زمن ينقضي بالهم غير مأسوف عليه " وهو توجيه ليس بشئ ؟ لما يلزم عليه من التكلفات البعيدة، لان العبارة الواردة في البيت لا تصير إلى هذا إلا بتكلف كثير. والتوجيه الثالث لابن الخشاب، وحاصله أن قوله " غير " خبر لمبتدأ محذوف تقديره " أنا غير - إلخ " وقوله " مأسوف " ليس اسم مفعول، بل هو مصدر مثل " الميسور والمعسور، والمجلود، والمحلوف " وأراد به هنا اسم الفاعل، فكأنه قال " أنا غير آسف - إلخ " وانظر ما فيه من التكلف والمشقة والجهد. ومثل هذا البيت والشاهد السابق قول المتنبي يمدح بدر بن عمار: ليس بالمنكر أن برزت سبقا غير مدفوع عن السبق (العراب) ؟ (1) مذهب جماعة من النحاة أنه يجب أن يكون الفاعل الذي يرفعه الوصف المعتمد اسما ظاهرا، ولا يجوز أن يكون ضميرا منفصلا، فإن سمع ما ظاهره ذلك فهو محمول على أن الوصف خبر مقدم والضمير مبتدأ مؤخر، وعند هؤلاء أنك إذا قلت " أمسافر = (*)
[ 193 ]
ذلك، فأجازوا " قائم الزيدان " فقائم: مبتدأ، والزيدان: فاعل سد مسد الخبر...
أنت " صح هذا الكلام عربية، ولكن يجب أن يكون " مسافر " خبرا مقدما، و " أنت " مبتدأ مؤخرا، والجمهور على أنه يجوز أن يكون الفاعل المغنى عن الخبر ضميرا بارزا كما يكون اسما ظاهرا، ولا محل لانكار ذلك عليهم بعد وروده في الشعر العربي الصحيح، وفي القرآن الكريم عبارات لا يجوز فيها عربية أن تحمل على ما ذكروا من التقديم والتأخير، فمن ذلك قوله تعالى: (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم) إذ لو جعلت " راغب " خبرا مقدما و " أنت " مبتدأ مؤخرا للزم عليه الفصل بين " راغب " وما يتعلق به وهو قوله " عن آلهتي " بأجنبي وهو أنت، لان المبتدأ بالنسبة للخبر أجنبي منه، إذ لا عمل للخبر فيه على الصحيح، ولا يلزم شئ من ذلك إذا جعلت " أنت " فاعلا، لان الفاعل بالنظر إلى العامل فيه ليس أجنبيا منه ونظير الآية الكريمة في هذا وعدم صحة التخريج على التقديم والتأخير قول الشاعر " فخير نحن " في الشاهد رقم 40 الآتي. ومن ذلك أيضا قول الشاعر: أمنجز أنتم وعدا وثقت به أم اقتفيتم جميعا نهج عرقوب ؟ ومثله قول الآخر: خليلي ما واف بعهدي أنتما إذا لم تكونا لي على من أقاطع وقول الآخر: فما باسط خيرا ولا دافع أذى عن الناس إلا أنتم آل دارم ولا يجوز في بيت من هذه الابيات الثلاثة أن تجعل الوصف خبرا مقدما والمرفوع
بعده مبتدأ مؤخرا، كما لا يجوز ذلك في الشاهد الآتي على ما ستعرفه، لانه يلزم على ذلك أن يفوت التطابق بين المبتدأ وخبره، وهو شرط لا بد منه، فإن الوصف مفرد والضمير البارز للمثنى أو للمجموع، أما جعل الضمير فاعلا فلا محظور فيه، لان الفاعل يجب إفراد عامله. (13 - شرح ابن عقيل 1) (*)
[ 194 ]
وإلى هذا أشار المصنف بقوله: " وقد يجوز نحو: (فائر) ؟ أولو الرشد " أي: وقد يجوز استعمال هذا الوصف مبتدأ من غير أن يسبقه نفي أو استفهام. وزعم المصنف أن سيبويه يجيز ذلك على ضعف، ومما ورد منه قوله: 40 - فخير نحن عند الناس منكم إذا الداعي المثوب قال: يالا.
40 - هذا البيت لزهير بن مسعود الضبى. اللغة: " الناس " هكذا هو بالنون في كافة النسخ، ويروى " البأس " بالباء والهمزة وهو أنسب بعجز البيت " المثوب " من التثويب، وأصله: أن يجئ الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر، ثم سمى الدعاء تثويبا لذلك " قال يالا " أي: قال يالفلان، فحذف فلانا وأبقى اللام، وانظر ص 159 السابقة. الاعراب: " فخير " مبتدأ " نحن " فاعل سد مسد الخبر " عند " ظرف متعلق بخير، وعند مضاف و " والناس " أو " البأس " مضاف إليه " منكم " جار ومجرور متعلق بخير أيضا " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان " الداعي " فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور، والتقدير: إذا قال الداعي، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله في محل جر بإضافة إذا إليها " المثوب " نعت للداعي " قال " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الداعي، والجملة من قال المذكور وفاعله لا محل لها من الاعراب مفسرة " يالا " مقول القول، وهو على ما عرفت من أن أصله يالفلان. الشاهد فيه: في البيت شاهدان لهذه المسألة، وكلاهما في قوله " فخير نحن "، أما الاول
فإن " نحن " فاعل سد مسد الخبر، ولم يتقدم على الوصف - وهو " خير " - نفي ولا استفهام وزعم جماعة من النحاة - منهم أبو علي وابن خروف - أنه لا شاهد في هذا البيت، لان قوله " خير " خبر لمبتدأ محذوف، تقديره " نحن خير - إلخ " وقوله " نحن " المذكور في البيت تأكيد للضمير المستتر في خير، وانظر كيف يلجأ إلى تقدير شئ وفي الكلام ما يغنى عنه ؟ وأما الشاهد الثاني فإن " نحن " الذي وقع فاعلا أغنى عن الخبر هو ضمير منفصل، فهو دليل للجمهور على صحة ما ذهبوا إليه من جواز كون فاعل الوصف المغنى عن الخبر ضميرا منفصلا، ولا يجوز في هذا البيت أن يكون قوله " نحن " مبتدأ مؤخرا ويكون " خير " خبرا مقدما، إذ يلزم على ذلك الفصل بين " خير " وما يتعلق به - وهو قوله " عند الناس " وقوله " منكم " - بأجنبي، على ما قررناه في قوله تعالى: = (*)
[ 195 ]
فخير: مبتدأ، ونحن: فاعل سد مسد الخبر، ولم يسبق " خير " نفي ولا استفهام، وجعل من هذا قوله: 41 - خبير بنو لهب، فلا تك ملغيا * مقالة لهب إذا الطير مرت فخبير: مبتدأ، وبنو لهب: فاعل سد مسد الخبر. * * *.
= (أراغب أنت عن آلهتي) (في ص 193)، فهذا البيت يتم به استدلال الكوفيين على جواز جعل الوصف مبتدأ وإن لم يعتمد على نفي أو استفهام، ويتم به استدلال الجمهور على جواز أن يكون مرفوع الوصف المغنى عن خبره ضميرا بارزا. 41 - هذا البيت ينسب إلى رجل طائي، ولم يعين أحد اسمه فيما بين أيدينا من المراجع. اللغة: " خبير " من الخبرة، وهي العلم بالشئ " بنو لهب " جماعة من بني نصر ابن الازد، يقال: إنهم أزجر قوم، وفيهم يقول كثير بن عبد الرحمن المعروف
بكثيرة عزة: تيممت لهبا أبتغي العلم عندهم * وقد صار علم العائفين إلى لهب المعنى: إن بني لهب عالمون بالزجر والعيافة، فإذا قال أحدهم كلاما فاستمع إليه، ولا تلغ ما يذكره لك إذا زجر أو عاف حين تمر الطير عليه. الاعراب: " خبير " مبتدأ، والذي سوغ الابتداء به - مع كونه نكرة - أنه عامل فيما بعده " بنو " فاعل بخبير سد مسد الخبر، وبنو مضاف، و " لهب " مضاف إليه " فلا " الفاء عاطفة، لا: ناهية " تك " فعل مضارع ناقص مجزوم بلا، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ملغيا " خبرتك، وهو اسم فاعل فيحتاج إلى فاعل، وفاعله ضمير مستتر فيه " مقالة " مفعول به لملغ، ومقالة مضاف و " لهبي " مضاف إليه " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان ويجوز أن يكون مضمنا معنى الشرط " الطير " فاعل بفعل محذوف يفسره المذكور بعده، والتقدير: إذا مرت الطير، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله في محل جر = (*)
[ 196 ]
والثان مبتدا، وذا الوصف خبر إن في سوى الافراد طبقا استقر (1).
= بإضافة " إذا " إليها، وهي جملة الشرط، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام، والتقدير: إذا مرت الطير فلاتك ملغيا. إلخ " مرت " مر: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على " الطير " والجملة من مرت المذكور وفاعله لا محل لها من الاعراب مفسرة. الشاهد فيه: قوله " خبير بنو لهب " حيث استغنى بفاعل خبير عن الخبر، مع أنه لم يتقدم على الوصف نفي ولا استفهام، هذا توجيه الكوفيين والاخفش للبيت، ومن ثم لم يشترطوا تقدم النفي أو نحوه على الوصف استنادا إلى هذا البيت ونحوه.
ويرى البصريون - ما عدا الاخفش - أن قوله " خبير " خبر مقدم، وقوله " بنو " مبتدأ مؤخر، وهذا هو الراجح الذي نصره العلماء كافة، فإذا زعم أحد أنه يلزم على هذا محظور - وإيضاحه أن شرط المبتدأ والخبر أن يكونا متطابقين، إفرادا وتثنية وجمعا، وهنا لا تطابق بينهما لان " خبير " مفرد، و " بنو لهب " جمع، فلزم على توجيه البصريين الاخبار عن الجمع بالمفرد - فالجواب على هذا أيسر مما تظن، فإن " خبير " في هذا البيت يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع، بسبب كونه على زنة المصدر مثل الذميل والصهيل، والمصدر يخبر به عن الواحد والمثنى والجمع بلفظ واحد، تقول: محمد عدل، والمحمدان عدل، والمحمدون عدل، ومن عادة العرب أن يعطوا الشئ الذي يشبه شيئا حكم ذلك الشئ، تحقيقا لمقتضى المشابهة، وقد وردت صيغة فعيل مخبرا بها عن الجماعة، والدليل على أنه كما ذكرناه وروده خبرا ظاهرا عن الجمع في نحو قوله تعالى: (والملائكة بعد ذلك ظهير) وقول الشاعر: * هن صديق للذي لم يشب * (1) " والثان " مبتدأ " مبتدأ " خبر " وذا " الواو عاطفة، ذا اسم إشارة مبتدأ " الوصف " بدل أو عطف بيان من اسم الاشارة " خبر " خبر المبتدأ الذي هو اسم الاشارة " إن " شرطية " في سوى " جار ومجرور متعلق باستقر الآتي، وسوى مضاف، و " الافراد " مضاف إليه " طبقا " حال من الضمير المستتر في " استقر " الآتي وقيل: هو تمييز محول عن الفاعل " استقر " فعل ماض فعل الشرط، وفاعله ضمير = (*)
[ 197 ]
الوصف مع الفاعل: إما أن يتطابقا إفرادا أو تثنية أو جمعا، أو لا يتطابقا، وهو قسمان: ممنوع، وجائز. فإن تطابقا إفرادا - نحو " أقائم زيد " - جاز فيه وجهان (1)، أحدهما: أن.
= مستتر فيه جوازا تقديره هو، وجواب الشرط محذوف، وتقدير الكلام " إن في سوى
الافراد طبقا استقر فالثان مبتدأ - إلخ ". (1) ههنا ثلاثة أمور نحب أن ننبهك إليها، الاول: أنه لا ينحصر جواز الوجهين في أن (يتطابق) ؟ الوصف والمرفوع إفرادا، بل مثله ما إذا كان الوصف مما يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع وكان المرفوع بعده واحدا منها، نحو أقتيل زيد، ونحو أجريح الزيدان، ونحو أصديق المحمدون ؟ وقد اختلفت كلمة العلماء فيما إذا كان الوصف جمع تكسير والمرفوع بعده مثنى أو مجموعا، فذكر قوم أنه يجوز فيه الوجهان أيضا، وذلك نحو: أقيام أخواك ؟ ونحو أقيام إخوتك ؟ وعلى هذا تكون الصور التي يجوز فيها الامران ست صور: أن يتطابق الوصف والمرفوع إفرادا، وأن يكون الوصف مما يستوي فيه المفرد وغيره والمرفوع مفردا، أو مثنى، أو مجموعا، وأن يكون الوصف جمع تكسير والمرفوع مثنى، أو جمعا، وذهب قوم منهم الشاطبي إلى أنه يجب في الصورتين الاخيرتين كون الوصف خبرا مقدما. والامر الثاني: أنه مع جواز الوجهين فيما ذكرنا من هذه الصور فإن جعل الوصف مبتدأ والمرفوع بعده فاعلا أغنى عن الخبر أرجح من جعل الوصف خبرا مقدما، وذلك لان جعله خبرا مقدما فيه الحمل على شئ مختلف فيه، إذ الكوفيون لا يجوزون تقديم الخبر على المبتدأ أصلا، ومع هذا فالتقديم والتأخير خلاف الاصل عند البصريين. والامر الثالث: أن محل جواز الوجهين فيما إذا لم يمنع من أحدهما مانع، فإذا منع من أحدهما مانع تعين الآخر، ففي قوله تعالى (أراغب أنت عن آلهتي) وفي قولك " أحاضر اليوم أختك " يمتنع جعل الوصف خبرا مقدما، أما في الآية فقد ذكر الشارح وجه ذلك فيها، وإن يكن قد ذكره بعبارة يدل ظاهرها على أنه مرجح لا موجب، وأما المثال فلانه يلزم على جعل الوصف خبرا مقدما الاخبار بالمذكر عن المؤنث، وهو لا يجوز أصلا، والفصل بين الفاعل والعامل فيه يجوز ترك علامة التأنيث من العامل إذا كان الفاعل مؤنثا، وفي قولك " أفي داره أبوك " يمتنع جعل " أبوك " = (*)
[ 198 ]
يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعل سد مسد الخبر، والثاني: أن يكون ما بعده مبتدأ مؤخرا، ويكون الوصف خبرا مقدما، ومنه قوله تعالى (1): (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم) فيجوز أن يكون " أراغب " مبتدأ، و " أنت " فاعل سد مسد الخبر، ويحتمل أن يكون " أنت " مبتدأ مؤخرا، و " أراغب " خبرا مقدما. والاول - في هذه الآية - أولى، لان قوله: " عن آلهتي " معمول ل " راغب "، فلا يلزم في الوجه الاول الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي، لان " أنت " على هذا التقدير فاعل ل " راغب "، فليس بأجنبي، منه، وأما على الوجه الثاني فيلزم [ فيه ] الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي، لان " أنت " أجنبي من " راغب " على هذا التقدير، لانه مبتدأ، فليس ل " راغب " عمل فيه، لانه خبر، والخبر لا يعمل في المبتدأ على الصحيح. وإن تطابقا تثنية نحو " أقائمان الزيدان " أو جمعا نحو " أقائمون الزيدون " فما بعد الوصف مبتدأ، والوصف خبر مقدم، وهذا معنى قول المصنف: " والثان مبتدا وذا الوصف خبر - إلى آخر البيت " أي: والثاني - وهو ما بعد الوصف - مبتدأ، والوصف خبر عنه مقدم عليه، إن تطابقا في غير الافراد.
= فاعلا، لانه يلزم عليه عود الضمير من " في داره " على المتأخر لفظا ورتبة، وهو ممتنع. (1) قد عرفت (ص 193 و 195) أن هذه الآية الكريمة لا يجوز فيها إلاوجه واحد، لان فيها ما يمنع من تجويز الوجه الثاني، وعلى هذا فمراد الشارح أنه مما يجوز فيه الوجهان في حد ذاته مع قطع النظر عن المانع العارض الذي يمنع أحدهما، فإذا نظرنا إلى ذلك المانع لم يجز إلا وجه واحد، ومن هنا تعلم أن قول الشارح فيما بعد " والاول
في هذه الآية أولى " ليس دقيقا، والصواب أن يقول " والاول في هذه الآية واجب لا يجوز غيره ". (*)
[ 199 ]
- وهو التثنية والجمع - هذا على المشهور من لغة العرب، ويجوز على لغة " أكلوني البراغيث " أن يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعل أغنى عن الخبر. وإن لم يتطابقا - وهو قسمان: ممتنع، وجائز، كما تقدم - فمثال الممتنع " أقائمان زيد " و " أقائمون زيد " فهذا التركيب غير صحيح، ومثال الجائز " أقائم الزيدان " و " أقائم الزيدون " وحينئذ يتعين أن يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعل سد مسد الخبر (1). * * *.
(1) أحب أن أجلى لك حقيقة هذه المسألة، وأبين لك عللها وأسبابها بيانا لا يبقى معه لبس عليك في صورة من صورها، وذلك البيان يحتاج إلى شرح أمرين، الاول: لم جاز في الوصف الذي يقع بعده مرفوع أن يكون الوصف مبتدأ والمرفوع بعده فاعلا، وأن يكون الوصف خبرا مقدما والمرفوع مبتدأ مؤخرا، والثاني: على أي شئ يستند تعين أحد هذين الوجهين وامتناع الآخر منهما ؟. أما عن الامر الاول فنقول لك: إن اسم الفاعل واسم المفعول ونحوهما من الاوصاف قد أشبهت الفعل نوع شبه من حيث المعنى، لدلالتها على الحدث الذي يدل عليه الفعل، وهي في طبيعتها أسماء تقبل علامات الاسم، فتردد أمرها بين أن تعامل معاملة الاسماء بالنظر إلى لفظها وبين أن تعامل معاملة الافعال فتسند إلى ما بعدها بالنظر إلى دلالتها على معنى الفعل، ثم ترجح ثاني هذين الوجهين بسبب دخول حرف النفي أو حرف الاستفهام عليها، وذلك لان الاصل في النفي وفي الاستفهام أن يكونا متوجهين إلى أوصاف الذوات، لا إلى الذوات أنفسها، لان الذوات يقل أن تكون مجهولة،
والموضوع للدلالة على أوصاف الذوات وأحوالها هو الفعل، لا جرم كان الاصل في النفي والاستفهام أن يكونا عن الفعل وما هو في معناه، ومن هنا تفهم السر في اشتراط البصريين - في جعل الوصف مبتدأ والمرفوع بعده فاعلا أغنى عن الخبر - تقدم النفي والاستفهام عليه. وأما عن الامر الثاني فإنا نقرر لك أن النحاة بنوا تجويز الوجهين وتعين أحدهما وامتناعه جميعا على أصول مقررة ثابتة، فبعضها يرجع إلى حكم الفاعل ورافعه، وبعضها يرجع إلى حكم المبتدأ وخبره، وبعضها إلى حكم عام للعامل والمعمول. = (*)
[ 200 ]
ورفعوا مبتدأ بالابتدا كذاك رفع خبر بالمبتدا (1) مذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ..
= فالفاعل يجب أن يكون عامله مجردا من علامة التثنية والجمع على أفصح اللغتين، فمتى كان الوصف مثنى أو مجموعا لم يجز أن يكون المرفوع بعده فاعلا في الفصحى. والمبتدأ مع خبره تجب مطابقتهما في الافراد والتثنية والجمع، فمتى كان الوصف مفردا والمرفوع بعده مثنى أو مجموعا لم يجز أن تجعل الوصف خبرا والمرفوع بعده مبتدأ. وإذا كان الوصف مفردا والمرفوع بعده مفردا كذلك فقد اجتمع شرط الفاعل مع رافعه وشرط المبتدأ مع خبره، فيجوز الوجهان. ثم إن كان الوصف مفردا مذكرا والمرفوع مفردا مؤنثا فإذا لم يكن بينهما فاصل امتنع الكلام، لان مطابقة المبتدأ وخبره والفاعل ورافعه في التأنيث واجبة حينئذ، وإن كان بينهما فاصل صح جعل المرفوع فاعلا ولم يصح جعله مبتدأ، فإن وجوب المطابقة بين المبتدأ والخبر لا تزول بالفصل بينهما، وصح جعل المرفوع فاعلا، لان الفصل يبيح فوات المطابقة في التأنيث بين الفاعل المؤنث الحقيقي التأنيث ورافعه.
وإن كان الوصف والمرفوع مفردين مذكرين وقد وقع بعدهما معمول للوصف جاز أن يكون المرفوع فاعلا ولم يجز أن يكون مبتدأ، إذ يترتب على جعله مبتدأ أن يفصل بين العامل والمعمول بأجنبي. وإذا كان الوصف مثنى أو مجموعا والمرفوع مفرد لم يصح الكلام بتة، لا على اللغة الفصحى، ولا على غير اللغة الفصحى من لغات العرب، لان شرط المبتدأ والخبر - وهو التطابق - غير موجود، وشرط الفاعل وعامله - وهو تجرد العامل من علامة التثنية والجمع غير موجود، وغير الفصحى لا تلحقها مع الفاعل المفرد. (1) " ورفعوا " الواو للاستئناف، رفعوا: فعل وفاعل " مبتدأ " مفعول به رفعوا " بالابتدا " جار ومجرور متعلق برفعوا " كذاك " الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والكاف حرف خطاب " رفع " مبتدأ مؤخر، ورفع مضاف و " خبر " مضاف إليه " بالمبتدا " جار ومجرور متعلق برفع. (*)
[ 201 ]
فالعامل في المبتدأ معنوي - وهو كون الاسم مجردا عن العوامل اللفظية غير الزائدة، وما أشبهها - واحترز بغير الزائدة من مثل " بحسبك درهم " فيحسبك: مبتدأ، وهو مجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة، ولم يتجرد عن الزائدة، فإن الباء الداخلة عليه زائدة، واحترز " بشبهها " من مثل " رب رجل قائم " فرجل: مبتدأ، وقائم: خبره، ويدل على ذلك رفع المعطوف عليه، نحو " رب رجل قائم وامرأة ". والعامل في الخبر لفظي، وهو المبتدأ، وهذا هو مذهب سيبويه رحمه الله !. وذهب قوم إلى أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء، فالعامل فيهما معنوي. وقيل: المبتدأ مرفوع بالابتداء، والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدإ. وقيل: ترافعا، ومعناه أن الخبر رفع المبتدأ، وأن المبتدأ رفع الخبر.
وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه [ وهو الاول ]، وهذا الخلاف [ مما ] لا طائل فيه. * * * والخبر: الجزء المتم الفائدة، كالله بر، والايادي شاهده (1) عرف المصنف الخبر بأنه الجزء المكمل للفائدة، ويرد عليه الفاعل، نحو " قام زيد " فإنه يصدق على زيد أنه الجزء المتم للفائدة، وقيل في تعريفه: إنه الجزء المنتظم منه مع المبتدأ جملة، ولا يرد الفاعل على هذا التعريف، لانه لا ينتظم منه مع المبتدأ جملة، بل ينتظم منه مع الفعل جملة، وخلاصة هذا أنه.
(1) " والخبر " الواو للاستئناف، الخبر: مبتدأ " الجزء " خبر المبتدأ " المتم " نعت له، والمتم مضاف و " الفائدة " مضاف إليه " كالله " الكاف جارة لقول محذوف، ولفظ الجلالة مبتدأ " بر " خبر المبتدأ " والايادي شاهده " الواو عاطفة، وما بعدها مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة بالواو على الجملة السابقة. (*)
[ 202 ]
عرف الخبر بما يوجد فيه وفي غيره، والتعريف ينبغي أن يكون مختصا بالمعرف دون غيره. * * * ومفردا يأتي، ويأتي جمله حاوية معنى الذي سيقت له (1) وإن تكن إياه معنى اكتفى بها: كنطقي الله حسبي وكفى (2) ينقسم الخبر إلى: مفرد، وجملة، وسيأتي الكلام على المفرد. فأما الجملة فإما أن تكون هي المبتدأ في المعنى أو لا..
(1) " ومفردا " حال من الضمير في " يأتي " الاول " يأتي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الخبر " ويأتي " الواو عاطفة، ويأتي
فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الخبر أيضا، والجملة معطوفة على جملة " يأتي " وفاعله السابقة " جملة " حال من الضمير المستتر في " يأتي " الثاني منصوب بالفتحة الظاهرة، وسكن لاجل الوقف " حاوية " نعت لجملة، وفيه ضمير مستتر هو فاعل " معنى " مفعول به لحاوية. ومعنى مضاف و " الذي " مضاف إليه " سيقت " سيق: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقدير هي يعود إلى جملة، والجملة من سيق ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول " له " جار ومجرور متعلق بسيق. (2) " وإن " شرطية " تكن " فعل مضارع ناقص فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على قوله جملة " إياه " خبر تكن " معنى " منصوب بنزع الخافض أو تمييز " اكتفى " فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الالف في محل جزم جواب الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر " بها " جار ومجرور متعلق باكتفى " كنطقي " الكاف جارة لقول محذوف، نطق: مبتدأ أول، ونطق مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " الله " مبتدأ ثان " وحسبي " خبر المبتدأ الثاني ومضاف إليه، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول " وكفى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، وأصله وكفى به، فحذف حرف الجر، فاتصل الضمير واستتر. (*)
[ 203 ]
فإن لم تكن هي المبتدأ في المعنى فلا بد فيها من رابط يربطها بالمبتدأ (1)، وهذا معنى قوله: " حاوية معنى الذي سيقت له " والرابط: (1) إما ضمير يرجع إلى المبتدأ، نحو " زيد قام أبوه " وقد يكون الضمير مقدرا، نحو " السمن منوان بدرهم " التقدير: منوان منه بدرهم (2) أو إشارة إلى المبتدأ،.
(1) يشترط في الجملة التي تقع خبرا ثلاثة شروط، الاول: أن تكون مشتملة على رابط يربطها بالمبتدأ، وقد ذكر الشارح هذا الشرط، وفصل القول فيه، والشرط
الثاني: ألا تكون الجملة ندائية، فلا يجوز أن تقول: محمد يا أعدل الناس، على أن يكون محمد مبتدأ وتكون جملة " يا أعدل الناس " خبرا عن محمد، الشرط الثالث: ألا تكون جملة الخبر مصدرة بأحد الحروف: لكن، وبل، وحتى. وقد أجمع النحاة على ضرورة استكمال الخبر لهذه الشروط الثلاثة، وزاد ثعلب شرطا رابعا، وهو ألا تكون جملة الخبر قسمية، وزاد ابن الانباري خامسا وهو ألا تكون إنشائية، والصحيح عند الجمهور صحة وقوع القسمية خبرا عن المبتدأ، كأن تقول: زيد والله إن قصدته ليعطينك، كما أن الصحيح عند الجمهور جواز وقع الانشائية خبرا عن المبتدأ، كأن تقول: زيد اضربه، وذهب ابن السراج إلى أنه إن وقع خبر المبتدأ جملة طليبة فهو على تقدير قول، فالتقدير عنده في المثال الذي ذكرناه: زيد مقول فيه اضربه، تشبيها للخبر بالنعت، وهو غير لازم عند الجمهور (،) ؟ وفرقوا بين الخبر والنعت بأن النعت يقصد منه تمييز المنعوت وإيضاحه، فيجب أن يكون معلوما للمخاطب قبل التكلم، والانشاء لا يعلم إلا بالتكلم، وأما الخبر فإنه يقصد منه الحكم، فلا يلزم أن يكون معلوما من قبل، بل الاحسن أن يكون مجهولا قبل التكلم ليفيد المتكلم المخاطب ما لا يعرفه، وقد ورد الاخبار بالجملة الانشائية في قول العذري (انظر شرح الشاهد رقم 30). وجد الفرزدق أتعس به ودق خياشيمه الجندل وكل النحاة أجاز رفع الاسم المشغول عنه قبل فعل الطلب، وأجاز جعل المخصوص بالمدح مبتدأ خبره جملة نعم وفاعلها، وهي إنشائية، وسيمثل المؤلف في هذا الموضوع بمثال منه، فاحفظ ذلك كله، وكن منه على ثبت. (*)
[ 204 ]
كقوله تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير) (1) في قراءة من رفع اللباس (3) أو تكرار المبتدأ بلفظه، وأكثر ما يكون في مواضع التفخيم كقوله تعالى:
(الحاقة ما الحاقة) و (القارعة ما القارعة)، وقد يستعمل في غيرها، كقولك: " زيد ما زيد " (4) أو عموم يدخل تحته المبتدأ، نحو " زيد نعم الرجل ". وإن كانت الجملة الواقعة خبرا هي المبتدأ في المعنى لم تحتج إلى رابط، وهذا معنى قوله: " وإن تكن - إلى آخر البيت " أي: وإن تكن الجملة إياه - أي المبتدأ - في المعنى اكتفى بها عن الرابط، كقولك: " نطقي الله حسبي "، فنطقي: مبتدأ [ أ ول ]، والاسم الكريم: مبتدأ ثان، وحسبي: خبر عن المبتدإ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبر عن المبتدإ الاول، واستغنى عن الرابط، لان قولك " الله حسبي " هو معنى " نطقي " وكذلك " قولي لا إله إلا الله ". * * *.
(1) هذه الآية الكريمة أولها: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير) وقد قرئ فيها في السبعة بنصب " لباس التقوى " وبرفعه، فأما قراءة النصب فعلى العطف على " لباسا يواري " ولا كلام لنا فيها الآن، وأما قراءة الرفع فيجوز فيها عدة وجوه من الاعراب، الاول: أن يكون " لباس التقوى " مبتدأ أول، و " ذلك " مبتدأ ثانيا، و " خير " خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول، وهذا هو الوجه الذي خرج الشارح وغيره من النحاة الآية عليه، والوجه الثاني: أن يكون " ذلك " بدلا من " لباس التقوى "، والثالث: أن يكون " ذلك " نعتا للباس التقوى على ما هو مذهب جماعة و " خير " خبر المبتدأ الذي هو " لباس التقوى " وعلى هذين لا شاهد في الآية لما نحن بصدده في هذا الباب. (*)
[ 205 ]
والمفرد الجامد فارغ، وإن يشتق فهو ذو ضمير مستكن (1) تقدم الكلام في الخبر إذا كان جملة، وأما المفرد: فإما أن يكون جامدا، أو مشتقا. فإن كان جامدا فذكر المصنف أنه يكون فارغا من الضمير، نحو " زيد أخوك " وذهب الكسائي والرماني وجماعة إلى أنه يتحمل الضمير، والتقدير عندهم: " زيد أخوك هو " وأما البصريون فقالوا: إما أن يكون الجامد متضمنا معنى المشتق، أولا، فإن تضمن معناه نحو " زيد أسد " - أي شجاع - تحمل الضمير، وإن لم يتضمن معناه لم يتحمل الضمير كما مثل. وإن كان مشتقا فذكر المصنف أنه يتحمل الضمير، نحو " زيد قائم " أي: هو، هذا إذا لم يرفع ظاهرا.
(1) " والمفرد " مبتدأ " الجامد " نعت له " فارغ " خبر المبتدأ " وإن " شرطية " يشتق " فعل مضارع فعل الشرط مبني للمجهول، مجزوم بإن الشرطية، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالفتح تخلصا من التقاء الساكنين وطلبا للخفة، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على قوله المفرد " فهو " الفاء واقعة في جواب الشرط، والضمير المنفصل مبتدأ " ذو " اسم بمعنى صاحب خبر المبتدأ وذو مضاف و " ضمير " مضاف إليه " مستكن " نعت لضمير، وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط، ويجوز أن يكون قوله " المفرد " مبتدأ أول، وقوله " الجامد " مبتدأ ثانيا، وقوله " فارغ " خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول، والرابط بين جملة الخبر والمبتدأ الاول محذوف، وتقدير الكلام على هذا: والمفرد الجامد منه فارغ، والشاطبي يوجب هذا الوجه من الاعراب، لان الضمير المستتر في قوله " يشتق " في الوجه الاول عاد على " المفرد " الموصوف بقوله " الجامد " بدون صفته، إذا لو عاد على الموصوف وصفته لكان المعنى:
إن يكن المفرد الجامد مشتقا، وهو كلام غير مستقيم، وزعم أن عود الضمير على الموصوف وحده - دون صفته - خطأ، وليس كما زعم، لا جرم جوزنا الوجهين في إعراب هذه العبارة. (*)
[ 206 ]
وهذا الحكم إنما هو للمشتق الجاري مجرى الفعل: كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، واسم التفضيل، فأما ما ليس جاريا مجرى الفعل من المشتقات فلا يتحمل ضميرا، وذلك كأسماء الآلة، نحو " مفتاح " فإنه مشتق من " الفتح " ولا يتحمل ضميرا، فإذا قلت: " هذا مفتاح " لم يكن فيه ضمير، وكذلك ما كان على صيغة مفعل وقصد به الزمان أو المكان ك " مرمى " فإنه مشتق من " الرمي " ولا يتحمل ضميرا، فإذا قلت " هذا مرمى زيد " تريد مكان رميه أو زمان رميه كان الخبر مشتقا ولا ضمير فيه. وإنما يتحمل المشتق الجاري مجرى الفعل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا، فإن رفعه لم يتحمل ضميرا، وذلك نحو " زيد قائم غلاماه " فغلاماه: مرفوع بقائم، فلا يتحمل ضميرا. وحاصل ما ذكر: أن الجامد يتحمل الضمير مطلقا عند الكوفيين، ولا يتحمل ضميرا عند البصريين، إلا إن أول بمشتق، وأن المشتق إنما يتحمل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا وكان جاريا مجرى الفعل، نحو: " زيد منطلق " أي: هو، فإن لم يكن جاريا مجرى الفعل لم يتحمل شيئا، نحو: " هذا مفتاح "، و " هذا مرمى زيد ". * * * وأبرزنه مطلقا حيث تلا ما ليس معناه له محصلا (1).
(1) " وأبرزنه " الواو للاستئناف، أبرز: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون
التوكيد الخفيفة، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقدير أنت، ونون التوكيد حرف مبني على السكون لا محل له من الاعراب، والضمير المتصل البارز مفعول به لابرز " مطلقا " حال من الضمير البارز، ومعناه سواء أمنت اللبس أم لم تأمنه " حيث " = (*)
[ 207 ]
إذا جرى الخبر المشتق على من هو له استتر الضمير فيه، نحو: " زيد قائم " أي هو، فلو أتيت بعد المشتق ب " هو " ونحوه وأبرزته فقلت: " زيد قائم هو " فقد جوز سيبويه فيه وجهين، أحدهما: أن يكون " هو " تأكيدا للضمير المستتر في " قائم " والثاني أن يكون فاعلا ب " قائم ". هذا إذا جرى على من هو له. فإن جرى على غير من هو له - وهو المراد بهذا البيت - وجب إبراز الضمير، سواء أمن اللبس، أو لم يؤمن، فمثال ما أمن فيه اللبس: " زيد هند ضاربها هو " ومثال ما لم يؤمن فيه اللبس لولا الضمير " زيد عمرو ضاربه هو " فيجب إبراز الضمير في الموضعين عند البصريين، وهذا معنى قوله: " وأبرزنه مطلقا " أي سواء أمن اللبس، أو لم يؤمن. وأما الكوفيون فقالوا: إن أمن اللبس جاز الامران كالمثال الاول - وهو:
= ظرف مكان متعلق بأبرز " تلا " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر المشتق، والجملة من تلا وفاعله في محل جر بإضافة حيث إليها " ما " اسم موصول مفعول به لتلا، مبني على السكون في محل نصب " ليس " فعل ماض ناقص " معناه " معنى: اسم ليس، ومعنى مضاف والضمير مضاف إليه " له " جار ومجرور متعلق بقوله " محصلا " الآتي " محصلا " خبر ليس، والجملة من ليس ومعموليها لا محل لها من الاعراب صلة الموصول الذي هو " ما "، وتقدير البيت: وأبرز ضمير الخبر المشتق مطلقا إن تلا الخبر مبتدأ ليس معنى ذلك الخبر محصلا لذلك المبتدأ، وقد عبر الناظم في الكافية عن هذا المعنى بعبارة سالمة من هذا الاضطراب
والقلق، وذلك قوله: وإن تلا غير الذي تعلقا به فأبرز الضمير مطلقا في المذهب الكوفي شرط ذاك أن لا يؤمن اللبس، ورأيهم حسن وقد أشار الشارح إلى اختيار الناظم في غير الالفية من كتبه لمذهب الكوفيين في هذه المسألة، وأنت تراه يقول في آخر هذين البيتين عن مذهب الكوفيين " ورأيهم حسن ". (*)
[ 208 ]
" زيد هند ضاربها هو " - فإن شئت أتيت ب " هو " وإن شئت لم تأت به، وإن خيف اللبس وجب الابراز كالمثال الثاني، فإنك لو لم تأت بالضمير فقلت: " زيد عمرو ضاربه " لاحتمل أن يكون فاعل الضرب زيدا، وأن يكون عمرا، فلما أتيت بالضمير فقلت: " زيد عمرو ضاربه هو " تعين أن يكون " زيد " هو الفاعل. واختار المصنف في هذا الكتاب مذهب البصريين، ولهذا قال: " وأبرزنه مطلقا " يعني سواء خيف اللبس، أو لم يخف، واختار في غير هذا الكتاب مذهب الكوفيين، وقد ورد السماع بمذهبهم، فمن ذلك قول الشاعر: 42 - قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت بكنه ذلك عدنان وقحطان التقدير: بانوها هم، فحذف الضمير لا من اللبس. * * *.
42 - هذا الشاهد غير منسوب إلى قائل معين فيما بين أيدينا من المراجع. اللغة: " ذرا " بضم الذال - جمع ذروة، وهي من كل شئ أعلاه " المجد " الكرم " بانوها " جعله العيني فعلا ماضيا بمعنى زادوا عليها (وتميزوا) ؟، ويحتمل أن
يكون جمع " بان " جمعا سالما مثل قاض وقاضون وغاز وغازون، وحذفت النون للاضافة كما حذفت النون في قولك " قاضو المدينة ومفتوها " وهو عندنا أفضل مما ذهب إليه العيني " كنه " كنه كل شئ: غايته، ونهايته، وحقيقته. الاعراب: " قومي " قوم: مبتدأ أول، وقوم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " ذرا " مبتدأ ثان، وذرا مضاف و " المجد " مضاف إليه " بانوها " بانو: خبر المبتدأ الثاني، وبانو مضاف وضمير الغائبة العائد إلى ذرا المجد مضاف إليه، وجملة المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الاول " وقد " الواو واو الحال، قد: حرف تحقيق " علمت " علم: فعل ماض، والتاء للتأنيث " بكنه " جار ومجرور متعلق بعلمت، = (*)
[ 209 ]
وأخبروا بظرف أو بحرف جر ناوين معنى " كائن " أو " استقر " (1).
= وكنه مضاف واسم الاشارة في " ذلك " مضاف إليه، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب " عدنان " فاعل علمت " وقحطان " معطوف عليه. الشاهد فيه: قوله " قومي ذرا المجد بانوها " حيث جاء بخبر المبتدأ مشتقا ولم يبرز الضمير، مع أن المشتق ليس وصفا لنفس مبتدئه في المعنى، ولو أبرز الضمير لقال: " قومي ذرا المجد بانوهاهم " وإنما لم يبرز الضمير ارتكانا على انسياق المعنى المقصود إلى ذهن السامع من غير تردد، فلا لبس في الكلام بحيث يفهم منه معنى غير المعنى الذي يقصد إليه المتكلم، فإنه لا يمكن أن يتسرب إلى ذهنك أن " بانوها " هو في المعنى وصف للمبتدأ الثاني الذي هو " ذرا المجد " لان ذرا المجد مبنية وليست بانية، وإنما الباني هو القوم. وهذا الذي يدل عليه هذا البيت - من عدم وجوب إبراز الضمير إذا أمن الالتباس، وقصر وجوب إبرازه على حالة الالتباس - هو مذهب الكوفيين في الخبر
والحال والنعت والصلة، قالوا في جميع هذه الابواب: إذا كان واحد من هذه الاشياء جاريا على غير من هو له ينظر، فإذا كان يؤمن اللبس ويمكن تعين صاحبه من غير إبراز الضمير فلا يجب إبرازه، وإن كان لا يؤمن اللبس واحتمل عوده على من هو له وعلى غير من هو له وجب إبراز الضمير، والبيت حجة لهم في ذلك. والبصريون يوجبون إبراز الضمير بكل حال، ويرون مثل هذا البيت غير موافق للقياس الذي عليه أكثر كلام العرب، فهو عندهم شاذ. ومنهم من زعم أن " ذرا المجد " ليس مبتدأ ثانيا كما أعربه الكوفيون، بل هو مفعول به لوصف محذوف، والوصف المذكور بعده بدل من الوصف المحذوف، وتقدير الكلام: قومي بانون ذرا المجد بانوها، فالخبر محذوف، وهو جار على من له، وفي هذا من التكلف ما ليس يخفى. (1) " وأخبروا " الواو للاستئناف، وأخبروا: فعل وفاعل " بظرف " جار ومجرور متعلق بأخبروا " أو " عاطفة " بحرف " جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور السابق، وحرف مضاف، و " جر " مضاف إليه " ناوين " حال من الواو = (*)
[ 210 ]
تقدم أن الخبر يكون مفردا، ويكون جملة، وذكر المصنف في هذا البيت أنه يكون ظرفا أو [ جارا و ] مجرورا (1)، نحو: " زيد عندك "، و " زيد في الدار " فكل منهما متعلق بمحذوف واجب الحذف (2)، وأجاز قوم منهم -.
= في قوله " أخبروا " منصوب بالياء نيابة عن الفتحة، وفاعله ضمير مستتر فيه " معنى " مفعول به لناوين، ومعنى مضاف، و " كائن " مضاف إليه " أو " عاطفة " استقر " قصد لفظه، وهو معطوف على كائن. (1) يشترط لصحة الاخبار بالظرف والجار والمجرور: أن يكون كل واحد منهما تاما، ومعنى التمام أن يفهم منه متعلقه المحذوف، وإنما يفهم متعلق كل واحد منهما منه
في حالتين: أولاهما: أن يكون المتعلق عاما، نحو: زيد عندك، وزيد في الدار. وثانيهما: أن يكون المتعلق خاصا وقد قامت القرينة الدالة عليه، كأن يقول لك قائل: زيد مسافر اليوم وعمرو غدا، فتقول له: بل عمرو اليوم وزيد غدا، وجعل ابن هشام في المغنى من هذا الاخير قوله تعالى: (الحر بالحر والعبد بالعبد) أي الحر يقتل بالحر والعبد يقتل بالعبد. (2) ههنا أمران، الاول: أن المتعلق يكون واجب الحذف إذا كان عاما، فأما إذا كان خاصا ففيه تفصيل، فإن قامت قرينة تدل عليه إذا حذف جاز حذفه وجاز ذكره، وإن لم تكن هناك قرينة ترشد إليه وجب ذكره، هذا مذهب الجمهور في هذا الموضوع، وسنعود إليه في شرح الشاهد رقم 43 الآتي قريبا. الامر الثاني: اعلم أنه قد اختلف النحاة في الخبر: أهو متعلق الظرف والجار والمجرور فقط، أم هو نفس الظرف والجار والمجرور فقط، أم هو مجموع المتعلق والظرف أو الجار والمجرور ؟ فذهب جمهور البصريين إلى أن الخبر هو المجموع، لتوقف الفائدة على كل واحد منهما، والصحيح الذي ترجحه أن الخبر هو نفس المتعلق وحده، وأن الظرف أو الجار والمجرور قيد له، ويؤيد هذا أنهم أجمعوا على أن المتعلق إذا كان خاصا فهو الخبر وحده، سواء أكان مذكورا أم كان قد حذف لقرينة تدل عليه، وهذا الخلاف إنما هو في المتعلق العام، فليكن مثل الخاص، طردا للباب على وتيرة واحدة. (*)
[ 211 ]
المصنف - أن يكون ذلك المحذوف اسما أو فعلا نحو: " كائن " أو " استقر " فإن قدرت " كائنا " كان من قبيل الخبر بالمفرد، وإن قدرت " استقر " كان من قبيل الخبر بالجملة.
واختلف النحويون في هذا، فذهب الاخفش إلى أنه من قبيل الخبر بالمفرد، وأن كلا منهما متعلق بمحذوف، وذلك المحذوف اسم فاعل، التقدير " زيد كائن عندك، أو مستقر عندك، أو في الدار " وقد نسب هذا لسيبويه. وقيل: إنهما من قبيل الجملة، وإن كلا منهما متعلق بمحذوف هو فعل، والتقدير " زيد استقر - أو يستقر - عندك، أو في الدار " ونسب هذا إلى جمهور البصريين، وإلى سيبويه أيضا. وقيل: يجوز أن يجعلا من قبيل المفرد، فيكون المقدر مستقرا ونحوه، وأن يجعلا من قبيل الجملة، فيكون التقدير " استقر " ونحوه، وهذا ظاهر قول المصنف " ناوين معنى كائن أو استقر ". وذهب أبو بكر بن السراج إلى أن كلا من الظرف والمجرور قسم برأسه، وليس من قبيل المفرد ولا من قبيل الجملة، نقل عنه هذا المذهب تلميذه أبو علي الفارسي في الشيرازيات. والحق خلاف هذا المذهب، وأنه متعلق بمحذوف، وذلك المحذوف واجب الحذف، وقد صرح به شذوذا، كقوله: 43 - لك العز إن مولاك عز، وإن يهن فأنت لدى بحبوحة الهون كائن.
43 - هذا البيت من الشواهد التي لم يذكروها منسوبة إلى قائل معين. اللغة: " مولاك " يطلق المولى على معان كثيرة، منها السيد، والعبد، والحليف، والمعين، والناصر، وابن العم، والمحب، والجار، والصهر " يهن " يروى بالبناء = (*)
[ 212 ]
. = للمجهول كما قاله العيني وتبعه عليه كثير من أرباب الحواشي، ولا مانع من بنائه للمعلوم بل هو الواضح عندنا، لان الفعل الثلاثي لازم، فبناؤه للمفعول مع غير الظرف أو
الجار والمجرور ممتنع، نعم يجوز أن يكون الفعل من أهنته أهينه، وعلى هذا يجئ ما ذكره العيني، ولكنه ليس بمتعين، ولا هو مما يدعو إليه المعنى، بل الذي اخترناه أقرب، لمقابلته بقوله: " عز " الثلاثي اللازم، وقوله: " بحبوحة " هو بضم فسكون، وبحبوحة كل شئ: وسطه " الهون " الذل والهوان. الاعراب: " لك " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " العز " مبتدأ مؤخر " إن " شرطية " مولاك " مولى: فاعل لفعل محذوف يقع فعل الشرط، يفسره المذكور بعده، ومولى مضاف والكاف ضمير خطاب مضاف إليه " عز " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مولاك، والجملة لا محل لها مفسرة، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام، أي: إن عز مولاك فلك العز " وإن " الواو عاطفة، وإن: شرطية " يهن " فعل مضارع فعل الشرط مجزوم وعلامة مجزمه السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مولاك " فأنت " الفاء واقعة في جواب الشرط، أنت: ضمير منفصل مبتدأ " لدى " ظرف متعلق بكائن الآتي، ولدى مضاف و " بحبوحة " مضاف إليه، وبحبوحة مضاف و " الهون " مضاف إليه " كائن " خبر المبتدأ، والجلمة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط. الشاهد فيه: قوله " كائن " حيث صرح به - وهو متعلق الظرف الواقع خبرا - شذوذا، وذلك لان الاصل عند الجمهور أن الخبر - إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا - أن يكون كل منهما متعلقا بكون عام، وأن يكون هذا الكون العام واجب الحذف، كما قرره الشارح العلامة، فإن كان متعلقهما كونا خاصا وجب ذكره، إلا أن تقوم قرينة تدل عليه إذا حذف، فإن قامت هذه القرينة جاز ذكره وحذفه، وذهب ابن جنى إلى أنه يجوز ذكر هذا الكون العام لكون الذكر أصلا، وعلى هذا يكون ذكره في هذا البيت ونحوه ليس شاذا، كذلك قالوا.
والذي يتجه للعبد الضعيف - عفا الله تعالى عنه - ! وذكره كثير من أكابر =
[ 213 ]
وكما يجب حذف عامل الظرف والجار والمجرور - إذا وقعا خبرا - كذلك يجب حذفه إذا وقعا صفة، نحو: " مررت برجل عندك، أو في الدار " أو حالا، نحو: " مررت بزيد عندك، أو في الدار " أو صلة، نحو: " جاء الذي عندك، أو في الدار " لكن يجب في الصلة أن يكون المحذوف فعلا، التقدير: " جاء الذي استقر عندك، أو في الدار " وأما الصفة والحال فحكمهما حكم الخبر كما تقدم. * * * ولا يكون اسم زمان خبرا عن جثة، وإن يفد فأخبرا (1).
= العلماء أن " كائنا، واستقر " قد يراد بهما مجرد الحصول والوجود فيكون كل منهما كونا عاما واجب الحذف، وقد يراد بهما حصول مخصوص كالثبات وعدم قبول التحول والانتقال ونحو ذلك فيكون كل منهما كونا خاصا، وحينئذ يجوز ذكره، و " ثابت " و " ثبت " بهذه المنزلة، فقد يراد بهما الوجود المطلق الذي هو ضد الانتقال فيكونان عامين، وقد يراد بهما القرار وعدم قابلية الحركة مثلا، وحينئذ يكونان خاصين، وبهذا يرد على ابن جنى ما ذهب إليه، وبهذا - أيضا - يتجه ذكر " كائن " في هذا البيت وذكر " مستقر " في نحو قوله تعالى: (فلما رآه مستقرا عنده)، لان المعنى أنه لما رآه ثابتا كما لو كان موضعه بين يديه من أول الامر. (1) " ولا " الواو للاستئناف، ولا: نافية " يكون " فعل مضارع ناقص " اسم " هو اسم يكون، واسم مضاف و " زمان " مضاف إليه " خبرا " خبر يكون " عن جثة " جار ومجرور متعلق بقوله خبرا، أو بمحذوف صفة لخبر " وإن " الواو للاستئناف، إن: شرطية " يفد " فعل مضارع فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر
فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كون الخبر اسم زمان " فأخبرا " الفاء واقعة في جواب الشرط، أخبر فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا للوقف، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة من فعل الامر وفاعله في محل جزم جواب الشرط. (*)
[ 214 ]
ظرف المكان يقع خبرا عن الجثة، نحو: " زيد عندك " وعن المعنى نحو: " القتال عندك " وأما ظرف الزمان فيقع خبرا عن المعنى منصوبا أو مجرورا بفي، نحو: " القتال يوم الجمعة، أو في يوم الجمعة " ولا يقع خبرا عن الجثة، قال المصنف: إلا إذا أفاد نحو " الليلة الهلال، والرطب شهري ربيع " فإن لم يفد لم يقع خبرا عن الجثة، نحو: " زيد اليوم " وإلى هذا ذهب قوم منهم المصنف، وذهب غير هؤلاء إلى المنع مطلقا، فإن جاء شئ من ذلك يؤول، نحو قولهم: الليلة الهلال، والرطب شهري ربيع، التقدير: طلوع الهلال الليلة، ووجود الرطب شهري ربيع، هذا مذهب جمهور البصريين، وذهب قوم - منهم المصنف - إلى جواز ذلك من غير شذوذ [ لكن ] بشرط أن يفيد (1)، كقولك: " نحن في يوم طيب، وفي شهر كذا "،.
(1) هنا أمران يحسن بنا أن نبينهما لك تبيينا واضحا، الاول: أن الاسم الذي يقع مبتدأ، إما أن يكون اسم معنى كالقتل والاكل والنوم، وإما أن يكون اسم جثة، والمراد بها الجسم على أي وضع كان، كزيد والشمس والهلال والورد، والظرف الذي يصح أن يقع خبرا، إما أن يكون اسم زمان كيوم وزمان وشهر ودهر، وإما أن يكون اسم مكان نحو عند ولدى وأمام وخلف، والغالب أن الاخبار باسم المكان يفيد سواء أكان المخبر عنه اسم جثة أم كان المخبر عنه اسم معنى، والغالب أن الاخبار باسم الزمان يفيد إذا كان المخبر عنه اسم معنى، فلما كان الغالب في هذه الاحوال الثلاثة حصول الفائدة
أجاز الجمهور الاخبار بظرف المكان مطلقا وبظرف الزمان عن اسم المعنى بدون شرط إعطاء للجميع حكم الاغلب الاكثر، ومن أجل أن الاخبار بالظرف المكاني مطلقا وبالزمان عن اسم المعنى مفيد غالبا لا دائما، ومعنى هذا أن حصول الفائدة ليس بواجب في الاخبار حينئذ، من أجل ذلك استظهر جماعة من المحققين أنه لا يجوز الاخبار إلا إذا حصلت الفائدة به فعلا، فلو لم تحصل الفائدة من الاخبار باسم الزمان عن المعنى نحو " القتال زمانا " أو لم تحصل من الاخبار باسم المكان نحو " زيد مكانا " ونحو " القتال مكانا " لم يجز الاخبار، وإذن فالمدار عند هذا الفريق على حصول الفائدة في الجميع، والغالب أن الاخبار باسم الزمان عن الجثة لا يفيد، وهذا هو السر في تخصيص الجمهور هذه الحالة بالنص عليها. = (*)
[ 215 ]
وإلى هذا أشار بقوله: " وإن يفد فأخبرا " فإن لم يفد امتنع، نحو: " زيد يوم الجمعة ". * * * ولا يجوز الابتدا بالنكرة ما لم تفد: كعند زيد نمره (1) وهل فتى فيكم ؟ فما خل لنا، ورجل من الكرام عندنا (2).
= الامر الثاني: أن الفائدة من الاخبار باسم الزمان عن اسم الجثة تحصل بأحد أمور ثلاثة، أولها: أن يتخصص اسم الزمان بوصف أو بإضافة، ويكون مع ذلك مجرورا بفي، نحو قولك: " نحن في يوم قائظ، ونحن في زمن كله خير وبركة " ولا يجوز في هذا إلا الجر بفي، فلا يجوز أن تنصب الظرف ولو أن نصبه على تقدير في، وثانيها أن يكون الكلام على تقدير مضاف هو اسم معنى، نحو قولهم: الليلة الهلال فإن تقديره الليلة طلوع الهلال، ونحو قول امرئ القيس بن حجر الكندي بعد مقتل أبيه: اليوم خمر، وغدا أمر، فإن التقدير عند النحاة في هذا المثل: اليوم شرب خمر، وثالثها:
أن يكون اسم الجثة مما يشبه اسم المعنى في حصوله وقتا بعد وقت، نحو قولهم: " الرطب شهري ربيع، والورد أيار، ونحو قولنا: القطن سبتمبر، ويجوز في هذا النوع أن تجره بفي، فتقول: الرطب في شهري ربيع، والورد في أيار وهو شهر من الشهور الرومية يكون زمن الربيع. (1) " لا " نافية " يجوز " فعل مضارع " الابتدا " فاعل يجوز " بالنكرة " جار ومجرور متعلق بالابتدا " ما " مصدرية ظرفية " لم " حرف نفي وجزم وقلب " تفد " فعل مضارع مجزوم بلم، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على النكرة " كعند " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وعند ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، وعند مضاف و " زيد " مضاف إليه " نمرة " مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب مقول القول المحذوف، وتقدير الكلام: وذلك كائن كقولك عند زيد نمرة. (2) " هل " حرف استفهام " فتى " مبتدأ " فيكم " جار ومجرور متعلق = (*)
[ 216 ]
ورغبة في الخير خير، وعمل بر يزين، وليقس ما لم يقل (1) الاصل في المبتدأ أن يكون معرفة (2) وقد يكون نكرة، لكن بشرط أن تفيد، وتحصل الفائدة بأحد أمور ذكر المصنف منها ستة: أحدها: أن يتقدم الخبر عليها، وهو ظرف أو جار ومجرور (3)، نحو: " في.
= بمحذوف خبر المبتدأ " فما " نافية " خل " مبتدأ " لنا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر " ورجل " مبتدأ " من الكرام " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لرجل " عندنا " عند: ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وعند مضاف والضمير مضاف إليه. (1) " رغبة " مبتدأ " في الخير " جار ومجرور متعلق به " خير " خبر المبتدأ " وعمل " مبتدأ، وعمل مضاف و " بر " مضاف إليه " يزين " فعل مضارع، وفاعله
ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على عمل، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " وليقس " الواو عاطفة أو للاستئناف، واللام لام الامر، يقس: فعل مضارع مجزوم بلام الامر، وهو مبني للمجهول " ما " اسم موصول نائب فاعل يقس " لم " حرف نفي وجزم وقلب " يقل " فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ما " والجملة من الفعل المبني للمجهول ونائب فاعله لا محل لها من الاعراب صلة. (2) المبتدأ محكوم عليه، والخبر حكم، والاصل في المبتدأ أن يتقدم على الخبر، والحكم على المجهول لا يفيد، لان ذكر المجهول أول الامر يورث السامع حيرة، فتبعثه على عدم الاصغاء إلى حكمه، ومن أجل هذا وجب أن يكون المبتدأ معرفة حتى يكون معينا، أو نكرة مخصوصة. ولم يجب في الفاعل أن يكون معرفة ولا نكرة مخصصة، لان حكمه - وهو المعبر عنه بالفعل - متقدم عليه البتة، فيتقرر الحكم أولا في ذهن السامع ثم يطلب له محكوما عليه أيا كان، ومن هنا تعرف الفرق بين المبتدأ والفاعل، مع أن كل واحد منهما محكوم عليه، وكل واحد منهما معه حكمه، ومن هنا تعرف أيضا السر في جواز أن يكون المبتدأ نكرة إذا تقدم الخبر عليه. (3) مثل الظرف والجار والمجرور الجملة، نحو قولك: قصدك غلامه لرجل، فرجل مبتدأ مؤخر، وجملة " قصدك غلامه " من الفعل وفاعله في محل رفع خبر مقدم، لسوغ للابتداء بالنكرة، هو تقديم خبرها وهو جملة، واعلم أنه لابد - مع تقديم = (*)
[ 217 ]
الدار رجل "، و " عند زيد نمرة " (1)، فإن تقدم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور لم يجز، نحو: " قائم رجل ". الثاني: أن يتقدم على النكرة استفهام (2)، نحو: " هل فتى فيكم ". الثالث: أن يتقدم عليها نفي (3)، نحو: " ما خل لنا ".
.
= الخبر وكونه أحد الثلاثة: الجملة، والظرف، والجار والمجرور - من أن يكون مختصا، وذلك بأن يكون المجرور أو ما أضيف إليه والمسند إليه في الجملة مما يجوز الاخبار عنه، لو قلت: في دار رجل رجل، أو قلت عند رجل رجل، أو قلت ولد له ولد رجل - لم يصح. (1) النمرة - بفتح النون وكسر الميم - كساء مخطط تلبسه الاعراب، وجمعه نمار. (2) اشترط جماعة من النحويين - منهم ابن الحاجب - لجواز الابتداء بالنكرة بعد الاستفهام شرطين، الاول: أن يكون حرف الاستفهام الهمزة، والثاني: أن يكون بعده " أم " نحو أن تقول: أرجل عندك أم امرأة ؟ وهذا الاشتراط غير صحيح، فلهذا بادر الناظم والشارح بإظهار خلافه بالمثال الذي ذكراه، فإن قلت: فلماذا كان تقدم الاستفهام على النكرة مسوغا للابتداء بها ؟ فالجواب: أن نذكرك بأن الاستفهام إما إنكاري وإما حقيقي، أما الاستفهام الانكاري فهو بمعنى حرف النفي، وتقدم حرف النفي على النكرة يجعلها عامة، وعموم النكرة عند التحقيق هو المسوغ للابتداء بها، إذ الممنوع إنما هو الحكم على فرد مبهم غير معين، فأما الحكم على جميع الافراد فلا مانع منه، وأما الاستفهام الحقيقي فوجه تسويغه أن المقصود به السؤال عن فرد غير معين بطلب بالسؤال تعيينه، وهذا الفرد غير المعين شائع في جميع الافراد، فكأن السؤال في الحقيقة عن الافراد كلهم، فأشبه العموم، فالمسوغ إما العموم الحقيقي وإما العموم الشبيه به. (3) قد عرفت مما ذكرناه في وجه تسويغ الاستفهام الابتداء بالنكرة أن الاصل فيه هو النفي، لان النفي هو الذي يجعل النكرة عامة متناولة جميع الافراد، وحمل الاستفهام الانكاري عليه لانه بمعناه، وحمل الاستفهام الحقيقي عليه لانه شبيه بما هو بمعنى النفي، فالوجه في النفي هو صيرورة النكرة عامة. (*)
[ 218 ]
الرابع: أن توصف (1)، نحو: " رجل من الكرام عندنا ". الخامس: أن تكون عاملة (2)، نحو: " رغبة في الخير خير ". السادس: أن تكون مضافة، نحو: " عمل بر يزين ". هذا ما ذكره المصنف في هذا الكتاب، وقد أنهاها غير المصنف إلى نيف وثلاثين موضعا [ وأكثر من ذلك (3) ]، فذكر [ هذه ] الستة المذكورة..
(1) يشترط في الوصف الذي يسوغ الابتداء بالنكرة أن يكون مخصصا للنكرة فإن لم يكن الوصف مخصصا للنكرة - نحو أن تقول: رجل من الناس عندنا لم يصح الابتداء بالنكرة، والوصف على ثلاثة أنواع، النوع الاول: الوصف اللفظي، كمثال الناظم والشارح، والنوع الثاني: الوصف التقديري، وهو الذي يكون محذوفا من الكلام لكنه على تقدير ذكره في الكلام، كقوله تعالى (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) فإن تقدير الكلام: وطائفة من غيركم، بدليل ما قبله، وهو قوله تعالى (يغشى طائفة منكم) والنوع الثالث: الوصف المعنوي، وضابطه ألا يكون مذكورا في الكلام ولا محذوفا على نية الذكر، ولكن صيغة النكرة تدل عليه، ولذلك موضعان، الموضع الاول: أن تكون النكرة على صيغة التصغير، نحو قولك: رجيل عندنا، فإن المعنى رجل صغير عندنا، والموضع الثاني: أن تكون النكرة دالة على التعجب، نحو " ما " التعجبية في قولك: ما أحسن زيدا، فإن الذي سوغ الابتداء بما التعجبية وهي نكرة كون المعنى: شئ عظيم حسن زيدا، فهذا الامر الواحد وهو كون النكرة موصوفة - يشتمل على أربعة أنواع. (2) قد تكون النكرة عاملة الرفع، نحو قولك: ضرب الزيدان حسن - بتنوين ضرب، لانه مصدر - وهو مبتدأ، والزيدان: فاعل المصدر، وحسن: خبر المبتدأ، وقد تكون عاملة النصب كما في مثال الناظم والشارح، فإن الجار والمجرور في محل نصب على أنه مفعول به للمصدر، وقد تكون عاملة الجر، كما في قوله عليه الصلاة والسلام
" خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة " ومن هذا تعلم أن ذكر الامر الخامس يغني عن ذكر السادس، لان السادس نوع منه. (3) قد علمت أن بعض الامور الستة يتنوع كل واحد منها إلى أنواع، فالذين = (*)
[ 219 ]
والسابع: أن تكون شرطا، نحو: " من يقم أقم معه ". الثامن: أن تكون جوابا، نحو أن يقال: من عندك ؟ فتقول: " رجل "، التقدير " رجل عندي ". التاسع: أن تكون عامة، نحو: " كل يموت ". العاشر: أن يقصد بها التنويع، كقوله: 44 - فأقبلت زحفا على الركبتين فثوب لبست، وثوب أجر [ فقوله " ثوب " مبتدأ، و " لبست " خبره، وكذلك " ثوب أجر " ]..
= عدوا أمورا كثيرة لم يكتفوا بذكر جنس يندرج تحته الانواع المتعددة، وإنما فصلوها تفصيلا لئلا يحوجوا المبتدئ إلى إجهاد ذهنه، وستري في بعض ما يذكره الشارح زيادة على الناظم أنه مندرج تحت ما ذكره كالسابع والتاسع والثاني عشر والرابع عشر وسنبين ذلك. 44 - هذا البيت من قصيدة لامرئ القيس أثبتها له أبو عمرو الشيباني، والمفضل الضبي، وغيرهما، وأول هذه القصيدة قوله: لا، وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر وزعم الاصمعي - في روايته عن أبي عمرو بن العلاء - أن القصيدة لرجل من أولاد النمر بن قاسط يقال له ربيعة بن جشم، وأولها عنده: أحار ابن عمرو كأني خمر ويعدو على المرء ما يأتمر ويروى صدر البيت الشاهد هكذا:
* فلما دنوت تسديتها * اللغة: " تسديتها " تخطيت إليها، أو علوتها، والباقي ظاهر المعنى، ويروى " فثوب نسيت ". الاعراب: " فأقبلت " الفاء عاطفة، أقبلت: فعل ماض مبني على فتح مقدر وفاعل " زحفا " يجوز أن يكون مصدرا في تأويل اسم الفاعل فيكون حالا من التاء في " أقبلت " ويجوز بقاؤه على مصدريته فهو مفعول مطلق لفعل محذوف، = (*)
[ 220 ]
الحادي عشر: أن تكون دعاء، نحو: (سلام على آل ياسين). الثاني عشر: أن يكون فيها معنى التعجب (1)، نحو: " ما أحسن زيدا ! "..
= تقديره: أزحف زحفا " على الركبتين " جار ومجرور متعلق بقوله " زحفا " " فثوب " مبتدأ " نسيت " أو " لبست " فعل وفاعل، والجملة في محل رفع خبر، والرابط ضمير محذوف، والتقدير نسيته، أو لبسته " وثوب " الواو عاطفة، ثوب: مبتدأ " أجر " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة في محل رفع خبر، والرابط ضمير منصوب محذوف، والتقدير: أجره، والجملة من المبتدأ وخبره معطوفة بالواو على الجملة السابقة. الشاهد فيه: قوله " ثوب " في الموضعين، حيث وقع كل منهما مبتدأ - مع كونه نكرة - لانه قصد التنويع، إذ جعل أثوابه أنواعا، فمنها نوع أذهله حبها عنه فنسيه، ومنها نوع قصد أن يجره على آثار سيرهما ليعفيها حتى لا يعرفهما أحد، وهذا توجيه ما ذهب إليه العلامة الشارح. وفي البيت توجيهان آخران ذكرهما ابن هشام وأصلهما للاعلم، أحدهما: أن جملتي " نسيت، وأجر " ليستا خبرين، بل هما نعتان للمبتدأين، وخبراهما محذوفان، والتقدير: فمن أثوابي ثوب منسى وثوب مجرور، والتوجيه الثاني: أن الجملتين خبران
ولكن هناك نعتان محذوفان، والتقدير: فثوب لي نسيته وثوب لي أجره، وعلى هذين التوجيهين فالمسوغ للابتداء بالنكرة كونها موصوفة، وفي البيت رواية أخرى، وهي * فثوبا نسيت وثوبا أجر * بالنصب فيهما، على أن كلا منهما مفعول للفعل الذي بعده، ولا شاهد في البيت على هذه الرواية، ويرجح هذه الرواية على رواية الرفع أنها لا تحوج إلى تقدير محذوف، وأن حذف الضمير المنصوب العائد على المبتدأ من جملة الخبر مما لا يجيزه جماعة من النحاة منهم سيبويه إلا لضرورة الشعر. (1) قد عرفت أن هذا الموضع والذي بعده داخلان في الموضع الرابع، لاننا بينا لك أن الوصف إما لفظي وإما تقديري، والتقديري: أعم من أن يكون المحذوف هو الوصف أو الموصوف، ومثل هذا يقال في الموضع الرابع عشر، وكذلك في الموضع الخامس عشر على ثاني الاحتمالين، وكان على الشارح ألا يذكر هذه المواضع، تيسيرا للامر على الناشئين، وقد سار ابن هشام في أوضحه على ذلك. (*)
[ 221 ]
الثالث عشر: أن تكون خلفا من موصوف، نحو: " مؤمن خير من كافر ". الرابع عشر: أن تكون مصغرة، نحو: " رجيل عندنا "، لان التصغير فيه فائدة معنى الوصف، تقديره " رجل حقير عندنا ". الخامس عشر: أن تكون في معنى المحصور، نحو: " شر أهر ذا ناب، وشئ جاء بك " التقدير " ما أهر ذا ناب إلا شر، وما جاء بك إلا شئ ". على أحد القولين، والقول الثاني [ أن التقدير ] " شر عظيم أهر ذا ناب، وشئ عظيم جاء بك "، فيكون داخلا في قسم ما جاز الابتداء به لكونه موصوفا، لان الوصف أعم من أن يكون ظاهرا أو مقدرا، وهو ها هنا مقدر. السادس عشر: أن يقع قبلها واو الحال، كقوله: 45 - سرينا ونجم قد أضاء، فمذ بدا محياك أخفى ضوؤه كل شارق
.
45 - هذا البيت من الشواهد التي لا يعرف قائلها. اللغة: " سرينا " من السري - بضم السين - وهو السير ليلا " أضاء " أنار " بدا " ظهر " محياك " وجهك. المعنى: شبه الممدوح بالبدر تشبيها ضمنيا، ولم يكتف بذلك حتى جعل ضوء وجهه أشد من نور البدر وغيره من الكواكب المشرقة. الاعراب: " سرينا " فعل وفاعل " ونجم " الواو للحال، نجم: مبتدأ " قد " حرف تحقيق " أضاء " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نجم، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " فمذ " اسم دال على الزمان في محل رفع مبتدأ " بدا " فعل ماض " محياك " محيا: فاعل بدا، ومحيا مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه، والجملة في محل جر بإضافة مذ إليها، وقيل: مذ مضاف إلى زمن محذوف، والزمن مضاف إلى الجملة " أخفى " فعل ماض " ضوؤه " ضوء: فاعل أخفى، وضوء مضاف والضمير مضاف إليه " كل " مفعول به لاخفى، وكل مضاف و " شارق " مضاف إليه، والجملة من الفعل - الذي هو أخفى - والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ وهو مذ. الشاهد فيه: قوله " ونجم قد أضاء " حيث أتى بنجم مبتدأ - مع كونه نكرة - = (*)
[ 222 ]
السابع عشر: أن تكون معطوفة على معرفة، نحو: " زيد ورجل قائمان ". الثامن عشر: أن تكون معطوفة على وصف، نحو: " تميمي ورجل في الدار ". التاسع عشر: أن يعطف عليها موصوف، نحو: " رجل وامرأة طويلة في الدار ". العشرون: أن تكون مبهمة، كقول امرئ القيس: 46 - مرسعة بين أرساغه به عسم يبتغي أرنبا.
= لسبقه بواو الحال، والذي نريد أن ننبهك إليه ها هنا أن المدار في التسويغ على وقوع
النكرة في صدر الجملة الحالية، سواء أكانت مسبوقة بواو الحال كهذا الشاهد، أم لم تكن مسبوقة به، كقول شاعر الحماسة (انظر شرح التبريزي 4 / 130 بتحقيقنا): تركت ضأني تود الذئب راعيها وأنها لا تراني آخر الابد الذئب يطرقها في الدهر واحدة وكل يوم تراني مدية بيدي الشاهد فيهما قوله " مدية " فإنه مبتدأ مع كونه نكرة، وسوغ الابتداء به وقوعه في صدر جملة الحال، لان جملة " مدية بيدي " في محل نصب حال من ياء المتكلم في قوله " تراني ". ويجوز أن يكون مثل بيت الشاهد قول الشاعر: عندي اصطبار، وشكوى عند فاتنتي فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا ؟ فإن الواو في قوله " وشكوى عند فاتنتي " يجوز أن تكون واو الحال، وشكوى مبتدأ وهو نكرة، وعند ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، فإذا أعربناه على هذا الوجه كان مثل بيت الشاهد تماما. 46 - اتفق الرواة على أن هذا البيت لشاعر اسمه امرؤ القيس، كما قاله الشارح العلامة، لكن اختلفوا فيما وراء ذلك، فقيل: لامرئ القيس بن حجر الكندي الشاعر المشهور، وقال أبو القاسم الكندي: ليس ذلك بصحيح، بل هو لامرئ القيس = (*)
[ 223 ]
.
= ابن مالك الحميري، لكن الثابت في نسخة ديوان امرئ القيس بن حجر الكندي - برواية أبي عبيدة والاصمعي وأبي حاتم والزيادي، وفيما رواه الاعلم الشنتمري من القصائد المختارة - نسبة هذا البيت لامرئ القيس بن حجر الكندي، وقال السيد المرتضى في شرح القاموس، نقلا عن العباب، مانصه: " هو لامرئ القيس بن مالك
الحميري، كما قاله الآمدي، وليس لابن حجر كما وقع في دواوين شعره، وهو موجود في أشعار حمير " اه، ومهما يكن من شئ فقد روى الرواة قبل بيت الشاهد قوله: أيا هند لا تنكحي بوهة عليه عقيقته أحسبا اللغة: " بوهة " هو بضم الباء - الرجل الضعيف الطائش، وقيل: هو الاحمق " عقيقته " العقيقة الشعر الذي يولد به الطفل " أحسبا " الاحسب من الرجال: الرجل الذي ابيضت جلدته. وقال القتيبي: أراد بقوله " عليه عقيقته " أنه لا يتنظف، وقال أبو علي: معناه أنه لم يعق عنه في صغره فما زال حتى كبر وشابت معه عقيقته " مرسعة " هي التميمة يعلقها مخافة العطب على طرف الساعد فيما بين الكوع والكرسوع، وقيل: هي مثل المعاذة، وكان الرجل من جهلة العرب يشد في يده أو رجله حرزا لدفع العين أو مخافة أن يموت أو يصيبه بلاء " بين أرساغه " الارساغ جمع رسغ - بوزن قفل - يعني أنه يجعلها في هذا المكان، ويروى " بين أرباقه " والارباق: جمع ربق - بكسر فسكون - وهو الحبل فيه عدة عرى، ومعناه أنه يجعل تميمته في حبال " عسم " اعوجاج في الرسغ ويبس " أرنبا " حيوان معروف، وإنما طلب الارنب دون الظباء ونحوها لما كانت تزعمه العرب من أن الجن تجتنبها، فمن اتخذ كعبها تميمة لم يقربه جن، ولم يؤذه سحر، كذا كانوا يزعمون وأراد أنه جبان شديد الخوف. المعنى: يخاطب هندا أخته - فيما ذكر الرواة - ويقول لها: لا تتزوجي رجلا من جهلة العرب: يضع التمائم، ويقعد عن الخروج للحروب، وفي رسغه اعوجاج ويبس، لا يبحث إلا عن الارانب ليتخذ كعوبها تمائم جبنا وفرقا. الاعراب: " مرسعة " مبتدأ " بين " ظرف منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وبين مضاف وأرساغ من " أرساغه " مضاف إليه، وأرساغ مضاف والضمير مضاف إليه، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب نعت لبوهة في البيت السابق، = (*)
[ 224 ]
الحادي والعشرون: أن تقع بعد " لولا "، كقوله: 47 - لولا اصطبار لاودى كل ذي مقة لما استقلت مطاياهن للظعن.
= والرابط بين جملة الصفة والموصوف هو الضمير المجرور محلا بالاضافة في قوله أرساغه " به " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " عسم " بمتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب صفة ثانية لبوهة " يبتغي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى بوهة، وجملة الفعل وفاعله في محل نصب صفة لبوهة أيضا " أرنبا " مفعول به ليبتغي، فقد وصف البوهة في هذين البيتين بخمس صفات: الاولى قوله " عليه عقيقه " والثانية قوله " أحسبا " والثالثة جملة " مرسعة بين أرساغه "، والرابعة جملة " به عسم "، والخامسة جملة " يبتغي أرنبا ". الشاهد فيه: قوله " مرسعة " فإنها نكرة وقعت مبتدأ، وقد سوغ الابتداء بها إبهامها، ومعنى ذلك أن المتكلم قصد الابهام بهذه النكرة، ولم يكن له غرض في البيان والتعيين أن تقليل الشيوع، وأنت خبير بأن الابهام قد يكون من مقاصد البلغاء ألا ترى أنه لا يريد مرسعة دون مرسعة، وهذا معنى قصد الابهام الذي ذكره الشارح. واعلم أن الاستشهاد بهذا البيت لا يتم إلا على رواية مرسعة بتشديد السين مفتوحة، وبرفعها وتفسيرها بما ذكرنا، وقد رويت بتشديد السين مكسورة، ومعناها الرجل الذي فسد موق عينه، وعلى هذا تروى بالرفع والنصب، فرفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو مرسعة، أي البوهة السابق مرسعة، ونصبها على أنها صفة لبوهة في البيت السابق من باب الوصف بالمفرد، ولا شاهد في البيت لما نحن فيه الآن على إحدى هاتين الروايتين. 47 - لم ينسبوا هذا الشاهد إلى قائل معين.
اللغة: " أودى " فعل لازم معناه هلك " مقة " حب، وفعله ومقه يمقه مقة كوعده يعده عدة - والتا، في مقة عوض عن فاء الكلمة - وهي الواو - كعدة وزنة ونحوهما " استقلت " نهضت وهمت بالمسير " الظعن " الرحيل والسفر، وهو بفتح العين هنا. المعنى: يقول: إنه صبر على سفر أحبابه، وتجلد حين اعتزموا الرحيل، ولولا ذلك الصبر الذي أبداه وتمسك به لظهر منه ما يهلك بسببه كل من يحبه ويعطف عليه. = (*)
[ 225 ]
الثاني والعشرون: أن تقع بعد فاء الجزاء، كقولهم: " إن ذهب عير فعير في الرباط " (1). الثالث والعشرون: أن تدخل على النكرة لام الابتداء، نحو " لرجل قائم "..
= الاعراب: " لولا " حرف يدل على امتناع الجواب لوجود الشرط " اصطبار " مبتدأ، والخبر محذوف وجوبا تقديره: موجود، وقوله " لاودى " اللام واقعة في جواب لولا، وأودى: فعل ماض " كل " فاعل أودى، وكل مضاف، و " ذي " مضاف إليه، وذي مضاف و " مقة " مضاف إليه " لما " ظرف بمعنى حين مبني على السكون في محل نصب متعلق بقوله أودى " استقلت " استقل: فعل ماض، والتاء للتأنيث " مطاياهن " مطايا: فاعل استقل، ومطايا مضاف والضمير مضاف إليه، والجملة في محل جر بإضافة لما إليها " للظعن " جار ومجرور متعلق باستقلت. الشاهد فيه: قوله " اصطبار " فإنه مبتدأ - مع كونه نكرة - والمسوغ لوقوعه مبتدأ وقوعه بعد " لولا ". وإنما كان وقوع النكرة بعد " لولا " مسوغا للابتداء بها لان " لولا " تستدعي جوابا يكون معلقا على جملة الشرط التي يقع المبتدأ فيها نكرة، فيكون ذلك سببا في تقليل شيوع هذه النكرة.
(1) هذا من أمثال العرب، والعير بفتح فسكون - هو الحمار، والرباط - بزنة كتاب - ما تشد به الدابة، ويقال: قطع الظبي رباطه، ويريدون قطع حبالته، يضرب للرضا بالحاضر وعدم الاسف على الغائب، والاستشهاد به في قوله " فعير " حيث وقع مبتدأ مع كونه نكرة لكونه واقعا بعد الفاء الواقعة في جواب الشرط، وانظر هذا المثل في مجمع الامثال للميداني (1 / 21 طبع بولاق، رقم 82 في 1 / 25 بتحقيقنا) وانظره في جمهرة الامثال لابي هلال العسكري (1 / 81 بهامش مجمع الامثال طبع الخيرية) ورواه هناك " إن هلك عير فعير في الرباط " وقال بعد روايته: يضرب مثلا للشئ يقدر على العوض منه فيستخف بفقده، ونحو هذا المثل في المعنى قول كثير عزة: هل وصل عزة إلا وصل غانية في وصل غانية من وصلها بدل (15 - شرح ابن عقيل 1) (*)
[ 226 ]
الرابع والعشرون: أن تكون بعد " كم " الخبرية، نحو قوله: 48 - كم عمة لك يا جرير وخالة فدعاء قد حلبت علي عشاري.
48 - البيت للفرزدق بهجو جريرا، وقبله قوله: كم من أب لي يا جرير كأنه قمر المجرة أو سراج نهار ورث المكارم كابرا عن كابر ضخم الدسيعة كل يوم فخار اللغة: " المجرة " باب السماء، وقيل: هي الطريق التي تسير منها الكواكب " الدسيعة " الجفنة، أو المائدة الكبيرة، وضخامتها: كناية عن الكرم، لان ذلك يدل على كثرة الاكلة الذين يلتفون حولها " فدعاء " هي المرأة التي اعوجت إصبعها من كثرة حلبها، ويقال: الفدعاء هي التي أصاب رجلها الفدع من كثرة مشيها وراء الابل، والفدع: زيغ في القدم بينها وبين الساق، وقال ابن فارس: الفدع اعوجاج
في المفاصل كأنها قد زالت عن أماكنها " عشاري " العشار: جمع عشراء - بضم العين المهملة وفتح الشين - وهي الناقة التي أتى عليها من وضعها عشرة أشهر، وفي التنزيل الكريم: (وإذا العشار عطلت). الاعراب: " كم " يجوز أن تكون استفهامية، وأن تكون خبرية " عمة " يجوز فيها وفي " خالة " المعطوفة عليها الحركات الثلاث: أما الجر فعلى أن " كم " خبرية في محل رفع مبتدأ، وخبره جملة " حلبت " وعمة: تمييز لها، وتمييز كم الخبرية مجرور كما هو معلوم، وخالة: معطوف عليها، وأما النصب فعلى أن " كم " استفهامية في محل رفع مبتدأ، وخبره جملة " حلبت " أيضا، وعمة: تمييز لها، وتمييز كم الاستفهامية منصوب كما هو معلوم، وخالة معطوف عليها، وأما الرفع فعلى أن كم خبرية أو استفهامية في محل نصب ظرف متعلق بحلبت أو مفعول مطلق عامله " حلبت " الآتي، وعلى هذين يكون قوله " عمة " مبتدأ، وقوله " لك " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت له، وجملة " قد حلبت " في محل رفع خبره، وتمييز " كم " على هذا الوجه محذوف، وهي - على ما عرفت - يجوز أن تكون خبرية فيقدر تمييزها مجرورا، ويجوز أن تكون استفهامية فيقدر تمييزها منصوبا، و " فدعاء " صفة لخالة، وقد حذف صفة لعمة ممائلة لها كما حذف صفة لخالة ممائلة لصفة عمة، وأصل الكلام قبل الحذفين " كم عمة لك فدعاء، وكم خالة لك فدعاء " فحذف من الاول كلمة فدعاء وأثبتها في الثاني، وحذف من الثاني كلمة = (*)
[ 227 ]
وقد أنهى بعض المتأخرين ذلك إلى نيف وثلاثين موضعا، وما لم أذكره منها أسقطته، لرجوعه إلى ما ذكرته، أو لانه ليس بصحيح. * * * والاصل في الاخبار أن تؤخرا وجوزوا التقديم إذ لا ضررا (1) الاصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر، وذلك لان الخبر وصف في المعنى
للمبتدأ، فاستحق التأخير كالوصف، ويجوز تقديمه إذا لم يحصل بذلك لبس أو نحوه، على ما سيبين، فتقول " قائم زيد، وقائم أبوه زيد، وأبوه منطلق زيد، وفي الدار زيد، وعندك عمرو " وقد وقع في كلام بعضهم أن مذهب.
= لك وأثبتها في الاول، فحذف من كل مثل الذي أثبته في الآخر، وهذا ضرب من البديع يسميه أهل البلاغة " الاحتباك ". الشاهد فيه: قوله " عمة " على رواية الرفع حيث وقعت مبتدأ - مع كونها نكرة لوقوعها بعد " كم " الخبرية، كذا قال الشارح العلامة، وأنت خبير بعد ما ذكرناه لك في الاعراب أن " عمة " على أي الوجوه موصوفة بمتعلق الجار والمجرور وهو قوله " لك " وبفدعاء المحذوف الذي يرشد إليه وصف خالة به، وعلى هذا لا يكون المسوغ في هذا البيت وقوع النكرة بعد " كم " الخبرية، وإنما هو وصف النكرة، وبحثت عن شاهد فيه الابتداء بالنكرة بعد كم الخبرية، ولا مسوغ فيه سوى ذلك، فلم أوفق للعثور عليه. (1) " والاصل " مبتدأ " في الاخبار " جار ومجرور متعلق به " أن " مصدرية " تؤخرا " فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الاخبار، والالف للاطلاق، و " أن " وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ " وجوزوا " فعل وفاعل " التقديم " مفعول به لجوزوا " إذ " ظرف زمان متعلق بجوزوا " لا " نافية للجنس " ضررا " اسم لا، مبني على الفتح في محل نصب، والالف للاطلاق، وخبر لا محذوف، أي: لا ضرر موجود، والجملة من لا واسمها وخبرها في محل جر بإضافة إذ إليها. (*)
[ 228 ]
الكوفيين منع تقدم الخبر الجائز التأخير [ عند البصريين ] وفيه نظر (1)، فإن بعضهم نقل الاجماع - من البصريين، والكوفيين - على جواز " في داره
زيد " فنقل المنع عن الكوفيين مطلقا ليس بصحيح، هكذا قال بعضهم، وفيه بحث (1)، نعم منع الكوفيون التقديم في مثل " زيد قائم، وزيد قام أبوه،.
(1) في كلام الشارح في هذا الموضوع قلق وركاكة لا تكاد تتبين منهما غرضه واضحا فهو أولا ينقل عن بعضهم أنه ذكر أن الكوفيين لم يجوزوا تقديم الخبر على المبتدأ. ثم يعترض على هذا النقل بقوله " وفيه نظر " وينقل عن بعض آخر أن الكوفيين يجوزون عبارة ظاهر أمرها أنها من باب تقديم الخبر، فيكون كلام الناقل الاول على إطلاقه باطلا، وكان ينبغي - على ذلك - تخصيصه بما عدا هذه الصورة. ثم يعترض على النقل الثاني بقوله: " وفيه بحث "، وظاهر المعنى من ذلك أن هذه العبارة التي ظنها ناقل المثال الثاني من باب تقديم الخبر ليست منه على وجه الجزم والقطع، لانه يجوز فيها أن يكون " زيد " من قوله " في داره زيد " فاعلا بالجار والمجرور، ولو لم يعتمد على نفي أو استفهام، لان الاعتماد ليس شرطا عند الكوفيين، فيكون تجويز الكوفيين هذه العبارة ليس دليلا على أنهم يجوزون تقديم الخبر في صورة من الصور، فقد رجع الشارح على أول كلامه بالنقض، هذا من حيث تعبيره. فأما من حيث الموضوع في ذاته، فقد ذكر أبو البركات بن الانباري في كتابه " الانصاف، في مسائل الخلاف " (ص 46 طبعة ثالثة بتحقيقنا) أن علماء الكوفة يرون أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر على المبتدأ، مفردا كان أو جملة، وعقد في ذلك مسألة خاصة، وعلى هذا لا يجوز أن يكون قولك " في الدار زيد " من باب تقديم الخبر على المبتدأ عندهم. فإن قلت: فهذا الخبر جار ومجرور، والذي نقلته عنهم عدم تجويز التقديم إذا كان الخبر مفردا أو جملة. فالجواب أن الجار والمجرور - عند الجمهور، خلافا لابن السراج الذي جعله قسما يرأسه - لا يخلو حاله من أن يكون في تقدير المفرد، أو في تقدير الجملة، وأيضا فقد
عللوا عدم تجويز التقديم بأن الخبر اشتمل على ضمير يعود على المبتدأ، فلو قدمناه لتقدم الضمير على مرجعه، وذلك لا يجوز عندهم، وهذه العلة نفسها موجودة في الجار والمجرور سواء أقدرت متعلقه اسما مشتقا أم قدرته فعلا. (*)
[ 229 ]
وزيد أبوه منطلق " والحق الجواز، إذ لا مانع من ذلك، وإليه أشار بقوله " وجوزوا التقديم إذ لا ضررا " فتقول: " قائم زيد " ومنه قولهم: " مشنوء من يشنؤك " فمن: مبتدأ ومشنوء: خبر مقدم، و " قام أبوه زيد " ومنه قوله: 49 - قد ثكلت أمه من كنت واحده وبات منتشبا في برثن الاسد ف " من كنت واحده " مبتدأ مؤخر، و " قد ثكلت أمه ": خبر مقدم، و " أبوه منطلق زيد "، ومنه قوله:.
49 - البيت لشاعر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت الانصاري اللغة: " ثكلت أمه " هو من الثكل، وهو فقد المرأة ولدها " منتشبا " عالقا داخلا " برثن الاسد " مخلبه، وجمعه براثن، مثل برقع وبراقع، والبراثن للسباع بمنزلة الاصابع للانسان، وقال ابن الاعرابي: البرثن: الكف بكمالها مع الاصابع. الاعراب: " قد " حرف تحقيق " ثكلت " ثكل: فعل ماض، والتاء تاء التأنيث " أمه " أم: فاعل ثكلت، وأم مضاف والضمير مضاف إليه، والجملة من الفعل وفاعله في محل رفع خبر مقدم " من " اسم موصول مبتدأ مؤخر " كنت " كان: فعل ماض ناقص، والتاء ضمير المخاطب اسمه مبني على الفتح في محل رفع " واحده " واحد خبر كان، وواحد مضاف، والضمير مضاف إليه، والجملة من " كان " واسمها وخبرها لا محل لها صلة الموصول الذي هو من " وبات " الواو عاطفة، بات: فعل ماض ناقص،
واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من " منتشبا " خبر بات " في برثن " جار ومجرور متعلق بمنتشب، وبرئن مضاف و " الاسد " مضاف إليه. الشاهد فيه: قوله " قد ثكلت أمه من كنت واحده " حيث قدم الخبر، وهو جملة " ثكلت أمه " على المبتدأ وهو " من كنت واحده " وفي جملة الخبر المتقدم ضمير يعود على المبتدأ المتأخر، وسهل ذلك أن المبتدأ - وإن وقع متأخرا - بمنزلة المتقدم في اللفظ، فإن رتبته التقدم على الخبر كما ترى في بيت الناظم وفي مطلع شرح المؤلف لهذا الموضوع. (*)
[ 230 ]
50 - إلى ملك ما أمه من محارب أبوه، ولا كانت كليب تصاهره ف " أبوه ": مبتدأ [ مؤخر ]، و " ما أمه من محارب ": خبر مقدم..
50 - هذا البيت من كلمة للفرزدق يمدح بها الوليد بن عبد الملك بن مروان. اللغة: " محارب " ورد في عدة قبائل: أحدها من قريش، وهو محارب بن فهر ابن مالك بن النضر، والثاني من قيس عيلان، وهو محارب بن خصفة بن قيس عيلان، والثالث من عبد القيس، وهو محارب بن عمر بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس " كليب " بزنة التصغير - اسم ورد في عدة قبائل أيضا: أحدها في خزاعة، وهو كليب بن حبشية بن سلول، والثاني في تغلب بن واثل، وهو كليب بن ربيعة بن الحارث بن زهير، والثالث في تميم، وهو كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك، والرابع في النخع، وهو كليب بن ربيعة بن خزيمة بن معد بن مالك بن النخع، والخامس في هوازن، وهو كليب بن ربيعة بن صعصعة. الاعراب: " إلى ملك " جار ومجرور متعلق بقوله " أسوق مطيتي " في بيت سابق على بيت الشاهد، وهو قوله: رأوني، فنادوني، أسوق مطيتي
بأصوات هلال صعاب جرائره " ما " نافية تعمل عمل ليس " أمه " أم: اسم ما، وأم مضاف والضمير مضاف إليه " من محارب " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر " ما " وجملة " ما " ومعموليها في محل رفع خبر مقدم " أبوه " أبو: مبتدأ مؤخر، وأبو مضاف والضمير مضاف إليه وجملة المبتدأ وخبره في محل جر صفة لملك " ولا " الواو عاطفة، لا نافية " كانت " كان: فعل ماض ناقص، والتاء تاء التأنيث " كليب " اسم كان " تصاهره " تصاهر: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى كليب، والضمير البارز مفعول به، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل نصب خبر " كان " وجملة كان واسمها وخبرها في محل جر معطوفة على جملة الصفة. الشاهد فيه: في هذا البيت شاهد للنحاة وشاهد لعلماء البلاغة، فأما النحاة فيستشهدون به على تقديم الخبر - وهو جملة " ما أمه من محارب " على المبتدأ - وهو قوله " أبوه " والتقدير: إلى ملك أبوه ليست أمه من محارب، وأما علماء البلاغة فيذكرونه شاهدا على = (*)
[ 231 ]
ونقل الشريف أبو السعادات هبة الله بن الشجري الاجماع من البصريين والكوفيين على جواز تقديم الخبر إذا كان جملة، وليس بصحيح، وقد قدمنا نقل الخلاف في ذلك عن الكوفيين. * * * فامنعه حين يستوي الجزآن: عرفا، ونكرا، عادمي بيان (1) كذا إذا ما الفعل كان الخبرا، أو قصد استعماله منحصرا (2).
= التعقيد اللفظي الذي سببه التقديم والتأخير، ومثله في ذلك قول الفرزدق أيضا يمدح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي وهو خال هشام بن عبد الملك بن مروان: وما مثله في الناس إلا مملكا أبو أمه حي أبوه يقاربه
التقدير: وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملكا أبو أمه أبوه. (1) " فامنعه " امنع: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والضمير البارز العائد على تقديم الخبر - مفعول به لا منع " حين " ظرف زمان متعلق بامنع " يستوي " فعل مضارع " الجزآن " فاعل يستوي، والجملة من الفعل والفاعل في محل جر بإضافة " حين " إليها " عرفا " تمييز " ونكرا " معطوف عليه " عادمي " حال من " الجزآن " وعادمي مضاف و " بيان " مضاف إليه، والتقدير: فامنع تقديم الخبر في وقت استواء جزءي الجملة - وهما المبتدأ والخبر - من جهة التعريف والتنكير، بأن يكونا معرفتين أو نكرتين كل منهما صالحة للابتداء بها، حال كونهما عادمي بيان، أي لا قرينة معهما تعين المبتدأ منهما من الخبر. (2) " كذا " جار ومجرور متعلق بامنع " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط " ما " زائدة " الفعل " اسم لكان محذوفة تفسرها المذكورة بعدها، والخبر محذوف أيضا، والجملة من كان المحذوفة واسمها وخبرها في محل جر بإضافة إذا إليها " كان " فعل ماض ناقص، واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل " الخبرا " الخبر: خبر " كان " والالف للاطلاق، والجملة لا محل = (*)
[ 232 ]
أو كان مسندا: لذي لام ابتدا، أو لازم الصدر، كمن لي منجدا (1) ينقسم الخبر - بالنظر إلى تقديمه على المبتدأ أو تأخيره عنه - ثلاثة أقسام: قسم يجوز فيه التقديم والتأخير، وقد سبق ذكره، وقسم يجب فيه تأخير الخبر، وقسم يجب فيه تقديم الخبر. فأشار بهذه الابيات إلى الخبر الواجب التأخير، فذكر منه خمسة مواضع: الاول: أن يكون كل من المبتدأ والخبر معرفة أو نكرة صالحة لجعلها مبتدأ، ولا مبين للمبتدأ من الخبر، نحو " زيد أخوك، وأفضل من زيد
أفضل من عمرو " ولا يجوز تقديم الخبر في هذا ونحوه، لانك لو قدمته فقلت " أخوك زيد، وأفضل من عمرو أفضل من زيد " لكان المقدم مبتدأ (2)، وأنت.
= لها مفسرة " أو " عاطفة " قصد " فعل ماض مبني للمجهول " استعماله " استعمال: نائب فاعل قصد، واستعمال مضاف والضمير مضاف إليه " منحصرا " حال من المضاف إليه لان المضاف عامل فيه. (1) " أو " عاطفة " كان " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر " مسندا " خبر كان " لذي " جار ومجرور متعلق بمسند، وذي مضاف، و " لام " مضاف إليه، ولام مضاف، و " ابتدا " مضاف إليه " أو " عاطفة " لازم " معطوف على ذي، ولازم مضاف، و " الصدر " مضاف إليه " كمن " الكاف جارة لقول محذوف كما تقدم مرارا " من " اسم استفهام مبتدأ " لي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " منجدا " حال من الضمير المستتر في الخبر الذي هو الجار والمجرور، وذلك الضمير عائد على المبتدأ الذي هو اسم الاستفهام. (2) إذا كانت الجملة مكونة من مبتدأ وخبر، وكانا جميعا معرفتين، فللنحاة في إعرابها أربعة أقوال، أولها: أن المقدم مبتدأ والمؤخر خبر، سواء أكانا متساويين في درجة التعريف أم كانا متفاوتين، وهذا هو الظاهر من عبارة الناظم والشارح، وثانيها أنه يجوز جعل كل واحد منهما مبتدأ، لصحة الابتداء بكل واحد منهما، والثالث: أنه إن كان أحدهما مشتقا والآخر جامدا فالمشتق هو الخبر، سواء أتقدم أم تأخر، وإلا = (*)
[ 233 ]
تريد أن يكون خبرا، من غير دليل يدل عليه، فإن وجد دليل يدل على أن المتقدم خبر جاز، كقولك " أبو يوسف أبو حنيفة " فيجوز تقدم الخبر وهو أبو حنيفة - لانه معلوم أن المراد تشبيه أبي يوسف بأبي حنيفة، لا تشبيه أبي حنيفة بأبي يوسف، ومنه قوله:
51 - بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الاباعد.
- بأن كانا جامدين، أو كان كلاهما مشتقا - فالمقدم مبتدأ، والرابع: أن المبتدأ هو الاعرف عند المخاطب سواء أتقدم أم تأخر، فإن تساويا عنده فالمقدم هو المبتدأ. 51 - نسب جماعة هذا البيت للفرزدق، وقال قوم: لا يعلم قائله، مع شهرته في كتب النحاة وأهل المعاني والفرضيين. الاعراب: " بنونا " بنو: خبر مقدم، وبنو مضاف والضمير مضاف إليه " بنو " مبتدأ مؤخر، وبنو مضاف وأبناء من " أبنائنا " مضاف إليه، وأبناء مضاف والضمير مضاف إليه " وبناتنا " الواو عاطفة، بنات: مبتدأ أول، وبنات مضاف والضمير مضاف إليه " بنوهن " بنو: مبتدأ ثان، وبنو مضاف والضمير مضاف إليه " أبناء " خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول، وأبناء مضاف و " الرجال " مضاف إليه " الاباعد " صفة للرجال. الشاهد فيه: قوله " بنونا بنو أبنائنا " حيث قدم الخبر وهو " بنونا " على المبتدأ وهو " بنو أبنائنا " مع استواء المبتدأ والخبر في التعريف، فإن كلا منهما مضاف إلى ضمير المتكلم - وإنما ساغ ذلك لوجود قرينة معنوية تعين المبتدأ منهما، فإنك قد عرفت أن الخبر هو محط الفائدة، فما يكون فيه أساس التشبيه وهو الذي تذكر الجملة لاجله - فهو الخبر. وبعد، فقد قال ابن هشام يعترض على ابن الناظم استشهاده بهذا البيت: " قد يقال إن هذا البيت لا تقديم فيه ولا تأخير، وإنه جاء على التشبيه - المقلوب، كقول ذي الرمة: * ورمل كأوراك العذارى قطعته * = (*)
[ 234 ]
فقوله " بنونا " خبر مقدم، و " بنو أبنائنا " مبتدأ مؤخر، لان المراد الحكم على بني أبنائهم بأنهم كبنيهم، وليس المراد الحكم على بنيهم بأنهم كبني أبنائهم. والثاني: أن يكون الخبر فعلا رافعا لضمير المبتدأ مستترا، نحو " زيد قام " فقام وفاعله المقدر (1): خبر عن زيد، ولا يجوز التقديم، فلا يقال " قام زيد " على أن يكون " زيد " مبتدأ مؤخرا، والفعل خبرا مقدما، بل يكون " زيد " فاعلا لقام، فلا يكون من باب المبتدأ والخبر، بل من باب الفعل والفاعل، فلو كان الفعل رافعا لظاهر - نحو " زيد قام أبوه " - جاز التقديم، فتقول.
= فكان ينبغي أن يستشهد بما أنشده في شرح التسهيل من قول حسان بن ثابت: قبيلة ألام الاحياء أكرمها وأغدر الناس بالجيران وافيها إذ المراد الاخبار عن أكرمها بأنه ألام الاحياء، وعن وافيها بأنه أغدر الناس، (") ؟ لا العكس " اه كلام ابن هشام. والجواب عنه من وجهين، أحدهما: أن التشبيه المقلوب من الامور النادرة، والحمل على ما يندر وقوعه لمجرد الاحتمال مما لا يجوز أن يصار إليه، وإلا فإن كل كلام يمكن تطريق احتمالات بعيدة إليه، فلا تكون ثمة طمأنينة على إفادة غرض المتكلم بالعبارة، وثانيهما: أن ما ذكره في بيت حسان من أن الغرض الاخبار عن أكرم هذه القبيلة بأنه ألام الاحياء وعن أوفى هذه القبيلة بأنه أغدر الاحياء، هذا نفسه يجري في بيت الشاهد فيقال: إن غرض المتكلم الاخبار عن أبناء أبنائهم بأنهم يشبهون أبناءهم، وليس الغرض أن يخبر عن بنيهم بأنهم يشبهون بني أبنائهم، فلما صح أن يكون غرض المتكلم معينا للمبتدأ صح الاستشهاد ببيت الشاهد. ومثل بيت الشاهد قول الكميت بن زيد الاسدي: كلام النبيين الهداة كلامنا وأفعال أهل الجاهلية نفعل
فإن الغرض تشبيه كلامهم بكلام النبيين الهداة، لا العكس. (1) أراد بالمقدر ههنا المستتر فيه. (*)
[ 235 ]
" قام أبوه زيد "، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك (1)، وكذلك يجوز التقديم إذا رفع الفعل ضميرا بارزا، نحو " الزيدان قاما " فيجوز أن تقدم الخبر فتقول " قاما الزيدان " ويكون " الزيدان " مبتدأ مؤخرا، و " قاما " خبرا مقدما، ومنع ذلك قوم. وإذا عرفت هذا فقول المصنف: " كذا إذا ما الفعل كان الخبر " يقتضي [ وجوب ] تأخير الخبر الفعلي مطلقا، وليس كذلك، بل إنما يجب تأخيره إذا رفع ضميرا للمبتدأ مستترا، كما تقدم. الثالث: أن يكون الخبر محصورا بإنما، نحو " إنما زيد قائم " أو بإلا، نحو " ما زيد إلا قائم " وهو المراد بقوله " أو قصد استعماله منحصرا "، فلا يجوز تقديم " قائم " على " زيد " في المثالين، وقد جاء التقديم مع " إلا " شذوذا، كقول الشاعر: 52 - فيارب هل إلا بك النصر يرتجى عليهم ؟ وهل إلا عليك المعول ؟.
(1) يريد خلاف البصريين والكوفيين، حيث جوز البصريون التقديم، ومنعه الكوفيون (واقرأ الهامشة رقم 1 في ص 228). 52 - البيت للكميت بن زيد الاسدي، وهو الشاعر المقدم، العالم بلغات العرب، الخبير بأيامها، وأحد شعراء مضر المتعصبين على القحطانية، والبيت من قصيدة له من قصائد تسمى الهاشميات قالها في مدح بني هاشم، وأولها قوله: ألا هل عم في رأيه متأمل ؟ وهل مدبر بعد الاساءة مقبل ؟
اللغة: " عم " العمى ذهاب البصر من العينين جميعا، ولا يقال عمى إلا على ذلك، ويقال لمن ضل عنه وجه الصواب: هو أعمى، وعم، والمرأة عمياء وعمية " مدبر " هو في الاصل من ولاك قفاه، ويراد منه الذي يعرض عنك ولا يباليك " المعول " تقول: عولت على فلان، إذا جعلته سندك الذي تلجأ إليه، وجعلت أمورك كلها بين يديه، والمعول ههنا مصدر ميمي بمعنى التعويل. = (*)
[ 236 ]
الاصل " وهل المعول إلا عليك " فقدم الخبر. الرابع: أن يكون خبرا لمبتدإ قد دخلت عليه لام الابتداء، نحو " لزيد قائم " وهو المشار إليه بقوله: " أو كان مسندا لذي لام ابتدا " فلا يجوز تقديم الخبر.
= الاعراب: " يا رب " يا: حرف نداء، رب: منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اكتفاء بكسر ما قبلها " هل " حرف استفهام إنكاري دال على النفي " إلا " أداة استثناء ملغاة " بك " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " النصر " مبتدأ مؤخر " يرتجى " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " النصر " ويجوز أن يكون " بك " متعلقا بقوله يرتجى، وجملة يرتجى مع نائب فاعله المستتر فيه في محل رفع خبر " عليهم " جار ومجرور متعلق في المعنى بالنصر ولكن الصناعة تأباه، لما يلزم عليه من الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي، لهذا يجعل متعلقا بيرتجى " وهل " حرف استفهام تضمن معنى النفي " إلا " أداة استثناء ملغاة " عليك " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " المعول " مبتدأ مؤخر. الشاهد فيه: قوله " بك النصر " و " عليك المعول " حيث قدم الخبر المحصور بإلا في الموضعين شذوذا، وقد كان من حقه أن يقول: هل يرتجى النصر إلا بك، وهل المعول إلا عليك، وأنت خبير بأن الاستشهاد بقوله: " بك النصر " لا يتم إلا
على اعتبار أن الجار والمجرور خبر مقدم، والنصر مبتدأ مؤخر، فأما على اعتبار أن الخبر هو جملة " يرتجى " فلا شاهد في الجملة الاولى من البيت لما نحن فيه، ويكون الشاهد في الجملة الثانية وحدها. وعبارة الشارح تفيد ذلك، فإنه ترك ذكر الاستشهاد بالجملة الاولى لاحتمالها وجها آخر، وقد علمت أن الدليل إذا احتمل وجها آخر سقط الاستدلال به، والحكم بشذوذ هذا التقديم إطلاقا - كما ذكره الشارح - هو رأي جماعة النحاة، فأما علماء البلاغة فيقولون: إن كانت أداة القصر هي " إنما " لم يسغ تقديم الخبر إذا كان مقصورا عليه، وإن كانت إداة القصر " إلا " فإن قدمت الخبر وقدمت معه إلا كما في هذه العبارة صح التقديم، لان المعنى المقصود لا يضيع، إذ تقديم " إلا " معه يبين المراد. (*)
[ 237 ]
على اللام، فلا تقول: " قائم لزيد " لان لام الابتداء لها صدر الكلام، وقد جاء التقديم شذوذا، كقول الشاعر: 53 - خالي لانت، ومن جرير خاله ينل العلاء ويكرم الاخوالا ف " لانت " مبتدأ [ مؤخر ] و " خالي " خبر مقدم..
53 - البيت من الشواهد التي لم يعرف قائلها. اللغة: " جرير " يروى في مكانه " تميم "، ويروى أيضا عويف " العلاء " بفتح العين المهملة ممدودا - الشرف والرفعة، وقيل: هو مصدر على في المكان يعلى، مثل رضى يرضى، وأما في المرتبة فيقال: علا يعلو، مثل سما يسمو سموا. الاعراب: " خالي لانت " يجوز فيه إعرابان أحدهما أن يكون " خال " مبتدأ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، واللام للابتداء، و " أنت " خبر المبتدأ، وفيه - على هذا الوجه من الاعراب - شذوذ من حيث دخول اللام على الخبر، مع أنها خاصة بالدخول على المبتدأ، وثانيهما أن يكون " خالي " خبرا مقدما، و " لانت " مبتدأ مؤخرا، وهذا الوجه هو الذي قصد الشارح الاستشهاد بالبيت من أجله، وليس
شاذا من الجهة التي ذكرناها أولا، وإن كان فيه الشذوذ الذي ذكره الشارح، وسنبينه عند الكلام على الاستشهاد " ومن " الواو للاستئناف، من: اسم موصول مبتدأ " جرير " مبتدأ " خاله " خال: خبر المبتدأ الذي هو جرير، وخال مضاف والضمير مضاف إليه، والجملة من جرير وخبره لا محل لها صلة الموصول " ينل " فعل مضارع تشبيها للموصول بالشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من " العلاء " مفعول به لينل، وجملة الفعل والفاعل والمفعول في محل رفع خبر المبتدأ، وهو من " ويكرم " الواو عاطفة، يكرم: فعل مضارع معطوف على " ينل " وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من " الاخوالا " قال العيني: هو مفعول به، وهو بعيد كل البعد، ولا يسوغ إلا على أن يكون يكرم مضارع أكرم مبنيا للمجهول، والاولى أن يكون قوله: " يكرم " مضارع كرم ويكون قوله " الاخوالا " تمييزا: إما على مذهب الكوفيين الذين يجوزون دخول " أل " المعرفة على التمييز، وإما على أن تكون أل زائدة على ما قاله البصريون في قول الشاعر: * وطبت النفس يا قيس عن عمرو * = (*)
[ 238 ]
الخامس: أن يكون المبتدأ له صدر الكلام: كأسماء الاستفهام، نحو " من لي منجدا ؟ " فمن: مبتدأ، ولي: خبر، ومنجدا: حال، ولا يجوز تقديم الخبر على " من "، فلا تقول " لي من [ منجدا ] ". * * *.
= الشاهد فيه: في هذا البيت ثلاثة شواهد للنحاة: الاول: في قوله " ينل العلاء " فإن هذا فعل مضارع لم يسبقه ناصب ولا جازم، وقد كان من حقه أن يجئ به الشاعر مرفوعا فيقول " ينال العلاء " ولكنه جاء به مجزوما، فحذف عين الفعل كما يحذفها في " لم بخف " ونحوه، والحامل له على الجزم
تشبيه الموصول بالشرط كما شبهه الشاعر به حيث يقول: كذاك الذي يبغي على الناس ظالما تصبه على رغم عواقب ما صنع وليس لك أن تزعم أن من في قوله " من جرير خاله " شرطية، فلذلك جزم المضارع في جوابها، لان ذلك يستدعي أن تجعل جملة " جرير خاله " شرطا، وهو غير جائز عند أحد من النحاة، لان جملة الشرط لا تكون اسمية أصلا (وانظر - مع ذلك - شرح الشاهد رقم 58 الآتي). والشاهد الثاني: في قوله " ويكرم الاخوالا " فإنه تمييز، وقد جاء به معرفة، وهذا يدل للكوفيين الذين يرون جواز مجئ التمييز معرفة، والبصريون يقولون: أل في هذا زائدة لا معرفة، والشاهد الثالث: - وهو الذي من أجله أنشد الشارح هذا البيت هنا - في قوله " خالي لانت " حيث قدم الخبر مع أن المبتدأ متصل بلام الابتداء، شذوذا، وفي البيت توجيهات أخرى أشرنا إلى أحدها في الاعراب، والثاني: أنه أراد " لخالي أنت " فأخر اللام إلى الخبر ضرورة، والثالث: أن يكون أصل الكلام " خالي لهو أنت " فخالي: مبتدأ أول، والضمير مبتدأ ثان، وأنت: خبر الثاني، فحذفت الضمير، فاتصلت اللام بخبره مع أنها لا تزال في صدر ما ذكر من جملتها. ومثل هذا البيت في هذين التوجيهين قول الراجز: أم الحليس لعجوز شهربه ترضى من اللحم بعظم الرقبه (*)
[ 239 ]
ونحو عندي درهم، ولي وطر، ملتزم فيه تقدم الخبر (1) كذا إذا عاد عليه مضمر مما به عنه مبينا يخبر (2) كذا إذا يستوجب التصديرا: كأين من علمته نصيرا (3).
(1) " ونحو " مبتدأ " عندي " عند: ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، وعند
مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " درهم " مبتدأ مؤخر " ولي " الواو عاطفة، لي: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " وطر " مبتدأ مؤخر " ملتزم " اسم مفعول: خبر المبتدأ الذي هو قوله " نحو " في أول البيت " فيه " جار ومجرور متعلق بملتزم " تقدم " نائب فاعل لقوله " ملتزم " وتقدم مضاف و " الخبر " مضاف إليه. (2) " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف يدل عليه ما قبله، أي: يلتزم تقدم الخبر التزاما كذا الالتزام " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان، تضمن معنى الشرط " عاد " فعل ماض " عليه " جار ومجرور متعلق بعاد " مضمر " فاعل عاد " مما " جار ومجرور متعلق بعاد أيضا، وما اسم موصول " به، عنه " متعلقان بيخبر الآتي " مبينا " حال من المجرور في " به " " يخبر " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه، والجملة لا محل لها صلة " ما " وجملة " عاد عليه مضمر " في محل جر بإضافة إذا إليها، وهي شرط إذا، وجوابها محذوف يدل عليه سابق الكلام، وتقدير البيت: يلتزم تقدم الخبر التزاما كذلك الالتزام السابق إذا عاد على الخبر ضمير من المبتدأ الذي يخبر بذلك الخبر عنه حال كونه مبينا - أي مفسرا - لذلك الضمير. قال ابن غازي: وهذا البيت مع تعقده وتشتيت ضمائره كان يغنى عنه وعما بعده أن يقول: كذا إذا عاد عليه مضمر من مبتدا، وما له التصدر (3) " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف مثل سابقه في أول البيت السابق " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان " يستوجب " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر " التصديرا " مفعول به ليستوجب، والجملة في محل جر بإضافة " إذا " إليها " كأين " الكاف جارة لقول محذوف، أين: اسم استفهام مبني على الفتح في محل رفع خبر مقدم " من " اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر " علمته " فعل وفاعل ومفعول أول " نصيرا " مفعول ثان لعلم،
والجملة لا محل لها صلة. (*)
[ 240 ]
وخبر المحصور قدم أبدا: كما لنا إلا اتباع أحمدا (1) أشار في هذه الابيات إلى القسم الثالث، وهو وجوب تقديم الخبر، فذكر أنه يجب في أربعة مواضع: الاول: أن يكون المبتدأ نكرة ليس لها مسوغ إلا تقدم الخبر، والخبر ظرف أو جار ومجرور، نحو " عندك رجل، وفي الدار امرأة "، فيجب تقديم الخبر هنا، فلا تقول: " رجل عندك "، ولا " امرأة في الدار " وأجمع النحاة والعرب على منع ذلك، وإلى هذا أشار بقوله: " ونحو عندي درهم، ولي وطر البيت "، فإن كان للنكرة مسوغ جاز الامران، نحو " رجل ظريف عندي "، و " عندي رجل ظريف ". الثاني: أن يشتمل المبتدأ على ضمير يعود على شئ في الخبر، نحو " في الدار صاحبها " فصاحبها: مبتدأ، والضمير المتصل به راجع إلى الدار، وهو جزء من الخبر، فلا يجوز تأخير الخبر، نحو " صاحبها في الدار "، لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة. وهذا مراد المصنف بقوله: " كذا إذا عاد عليه مضمر - البيت " أي: كذلك يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه مضمر مما يخبر بالخبر عنه، وهو المبتدأ، فكأنه قال: يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه ضمير من المبتدأ، وهذه عبارة ابن عصفور في بعض كتبه، وليست بصحيحة، لان الضمير في قولك " في الدار.
(1) " وخبر " مفعول مقدم لقدم الآتي، وخبر مضاف و " المحصور " مضاف إليه " قدم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أبدا " منصوب على الظرفية متعلق بقدم " كما " الكاف جارة لقول محذوف، و " ما " نافية " لنا " جار
ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " إلا " أداة استثناء ملغاة " اتباع " مبتدأ مؤخر، واتباع مضاف و " أحمدا " مضاف إليه، مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة، لانه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، والالف للاطلاق. (*)
[ 241 ]
صاحبها " إنما هو عائد على جزء من الخبر، لا على الخبر، فينبغي أن تقدر مضافا محذوفا في قول المصنف " عاد عليه " التقدير " كذا إذا عاد على ملابسه " ثم حذف المضاف - الذي هو ملابس - وأقيم المضاف إليه - وهو الهاء - مقامه، فصار اللفظ " كذا إذا عاد عليه ". ومثل قولك " في الدار صاحبها " قولهم: " على التمرة مثلها زبدا " وقوله: 54 - أهابك إجلالا، ما بك قدرة علي، ولكن مل ء عين حبيبها.
54 - هذا البيت قد نسبه قوم منهم أبو عبيد البكري في شرحه على الامالي (ص 401) - لنصيب بن رياح الاكبر، ونسبه آخرون - ومنهم ابن نباتة المصري في كتابه " سرح العيون " (ص 191 بولاق) إلى مجنون بني عامر من أبيات أولها قوله: وناديت يا رباه أول سؤلتي لنفسي ليلى، ثم أنت حسيبها دعا المحرمون الله يستغفرونه بمكة يوما أن تمحى ذنوبها اللغة: " أهابك " من الهيبة، وهي المخافة " إجلالا " إعظاما لقدرك. المعنى: إني لاهابك وأخافك، لا لاقتدارك علي، ولكن إعظاما لقدرك، لان العين تمتلئ بمن تحبه فتحصل المهابة، وهو معنى أكثر الشعراء منه، انظر إلى قول بن الدمينة: وإني لاستحييك حتى كأنما علي بظهر الغيب منك رقيب الاعراب: " أهابك " أهاب: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا
تقديره أنا، والضمير البارز المتصل مفعول به، مبني على الكسر في محل نصب " إجلالا " مفعول لاجله " وما " الواو واو الحال، وما: نافية " بك " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " قدرة " مبتدأ مؤخر " علي " جار ومجرور متعلق بقدرة، أو بمحذوف نعت لقدرة " ولكن " حرف استدراك " مل ء " خبر مقدم، ومل ء مضاف و " عين " مضاف إليه " حبيبها " حبيب: مبتدأ مؤخر، وحبيب مضاف والضمير مضاف إليه. = (16 - شرح ابن عقيل 1) (*)
[ 242 ]
فحبيبها: مبتدأ [ مؤخر ] ومل ء عين: خبر مقدم، ولا يجوز تأخيره، لان الضمير متصل بالمبتدأ - وهو " ها " - عائد على " عين " وهو متصل بالخبر، فلو قلت " حبيبها مل ء عين " عاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة. وقد جرى الخلاف في جواز " ضرب غلامه زيدا (1) " مع أن الضمير فيه عائد على متأخر لفظا ورتبة، ولم يجر خلاف - فيما أعلم - في منع " صاحبها في الدار " فما الفرق بينهما ؟ وهو ظاهر، فليتأمل، والفرق [ بينهما ] أن ما عاد عليه الضمير وما اتصل به الضمير اشتركا في العامل في مسألة " ضرب غلامه زيدا " بخلاف مسألة " في الدار صاحبها " فإن العامل فيما اتصل به الضمير وما عاد عليه الضمير مختلف (2)..
= الشاهد فيه: قوله " مل ء عين حبيبها " فإنه قدم الخبر وهو قوله " مل ء عين " على المبتدأ - وهو قوله " حبيبها " - لاتصال المبتدأ بضمير يعود على ملابس الخبر، وهو المضاف إليه، فلو قدمت المبتدأ - مع أنك تعلم أن رتبة الخبر التأخير - لعاد الضمير الذي اتصل بالمبتدأ على متأخر لفظا ورتبة، وذلك لا يجوز، لكنك بتقديمك الخبر قد رجعت الضمير على متقدم لفظا وإن كانت رتبته التأخير، وهذا جائز، ولا إشكال فيه. (1) مثل ذلك المثال: كل كلام اتصل فيه ضمير بالفاعل المتقدم، وهذا الضمير عائد
على المفعول المتأخر، نحو مثال ابن مالك في باب الفاعل من الالفية " زان نوره الشجر " ونحو قول الشاعر: جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر وحسن فعل كما يجزى سنمار ونحو قول الشاعر الآخر: كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد ورقى نداه ذا الندى في ذرى المجد وسيأتي بيان ذلك وإيضاحه في باب الفاعل. (2) وأيضا فإن المفعول قد تقدم على الفاعل كثيرا في سعة الكلام، حتى ليظن أن رتبته قد صارت التقدم، بخلاف الخبر، فإنه - وإن تقدم على المبتدأ أحيانا - لا يتصور أحد أن رتبته التقدم، لكونه حكما، والحكم في مرتبة التأخر عن المحكوم عليه البتة، = (*)
[ 243 ]
الثالث: أن يكون الخبر له صدر الكلام، وهو المراد بقوله: " كذا إذا يستوجب التصديرا " نحو " أين زيد " ؟ فزيد: مبتدأ [ مؤخر ]، وأين: خبر مقدم، ولا يؤخر، فلا تقول: " زيد أين "، لان الاستفهام له صدر الكلام، وكذلك " أين من علمته نصيرا " ؟ فأين: خبر مقدم، ومن: مبتدأ مؤخر، و " علمته نصيرا " صلة من. الرابع: أن يكون المبتدأ محصورا، نحو " إنما في الدار زيد، وما في الدار إلا زيد " ومثله " ما لنا إلا اتباع أحمد ". * * * وحذف ما يعلم جائز، كما تقول " زيد " بعد " من عند كما " (1).
= وأيضا فإن الفاعل والفعل المتعدي جميعا يشعران بالمفعول، فكان المفعول كالمتقدم، بخلاف الخبر المتصل بمبتدئه ضمير يعود على ملابسه، فإن المبتدأ إن أشعر بالخبر لم يشعر
لما يلابس الخبر الذي هو مرجع الضمير. (1) " وحذف " مبتدأ، وحذف مضاف، و " ما " اسم موصول مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر " يعلم " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول الذي هو ما " جائز " خبر المبتدأ " كما " الكاف جارة، وما مصدرية " تقول " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وما مع مدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، أي: كقولك، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك كائن كقولك، و " زيد " مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير: زيد عندنا " بعد " منصوب على الظرفية متعلق بتقول " من " اسم استفهام مبتدأ " عندكما " عند: ظرف متعلق بمحذوف خبر عن اسم الاستفهام، وعند مضاف والضمير الذي للمخاطب مضاف إليه، والميم حرف عماد، والالف حرف دال على التثنية، والجملة في محل جر بإضافة بعد إليها. (*)
[ 244 ]
وفي جواب " كيف زيد " قل " دنف " فزيد استغني عنه إذ عرف (1) يحذف كل من المبتدأ والخبر إذا دل عليه دليل: جوازا، أو وجوبا، فذكر في هذين البيتين الحذف جوازا، فمثال حذف الخبر أن يقال: " من عندكما " ؟ فتقول: " زيد " التقدير " زيد عندنا " ومثله - في رأي - " خرجت فإذا السبع " التقدير (2) " فإذا السبع حاضر " قال الشاعر: 55 - نحن بما عندنا، وأنت بما عندك راض، والرأي مختلف التقدير " نحن بما عندنا راضون "..
(1) " وفي جواب " جار ومجرور متعلق بقل " كيف " اسم استفهام خبر مقدم " زيد " مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ والخبر مقصود لفظها فهي في محل جر بإضافة
" جواب " إليها " قل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " دنف " خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: زيد دنف " فزيد " الفاء للتعليل، زيد: مبتدأ " استغنى " فعل ماض مبني للمجهول " عنه " نائب فاعل لاستغنى، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر المبتدأ " إذ " ظرف متعلق باستغنى، أو حرف دال على التعليل " عرف " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى زيد المستغنى عنه في الجواب، والجملة في محل جر بإضافة إذ إليها. (2) " إذا " في هذا المثال ونحوه تسمى " إذا الفجائية " وللعلماء فيها خلاف: أهي حرف أم ظرف ؟ والذين قالوا هي ظرف اختلفوا: أهي ظرف زمان أم ظرف مكان ؟ فمن قال هي ظرف جعلها خبرا مقدما، وجعل الاسم المرفوع بعدها مبتدأ مؤخرا، وكأن القائل قد قال - على تقدير أنها ظرف زمان - خرجت ففي وقت خروجي الاسد، أو قال - على تقدير أنها ظرف مكان - خرجت ففي مكان خروجي الاسد، ولا حذف على هذا الوجه بشقيه، ومن قال: هي حرف جعل الاسم المرفوع بعدها مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: خرجت فإذا الاسد موجود، أو حاضر، أو نحو ذلك. وهذا الوجه هو الذي عناه الشارح بقوله: " في رأي ". 55 - هذا البيت نسبه ابن هشام اللخمي وابن بري إلى عمرو بن امرئ القيس = (*)
[ 245 ]
.
= الانصاري، ونسبه غيرهما - ومنهم العباسي في معاهد التنصيص (ص 99 بولاق) - إلى قيس بن الخطيم أحد فحول الشعراء في الجاهلية، وهو الصواب، وهو من قصيدة له، أولها قوله: رد الخليط الجمال فانصرفوا ماذا عليهم لو أنهم وقفوا ؟ وقيس بن الخطيم - بالخاء المعجمة - هو صاحب القصيدة التي أولها قوله: أتعرف رسما كاطراد المذاهب لعمرة وحشا غير موقف راكب ؟
اللغة: " الرأي " أراد به هنا الاعتقاد، وأصل جمعه أرآء، مثل سيف وأسياف وثوب وأثواب، وقد نقلوا العين قبل الفاء، فقالوا: آراء، كما قالوا في جمع بئر آبار وفي جمع رئم آرام، ووزن آراء وآبار وآرام أعفال. الاعراب: " نحن " ضمير منفصل مبتدأ، مبني على الضم في محل رفع، وخبره محذوف دل عليه ما بعده، والتقدير: نحن راضون " بما " جار ومجرور متعلق بذلك الخبر المحذوف " عندنا " عند: ظرف متعلق بمحذوف صلة " ما " المجرورة محلا بالباء، وعند مضاف والضمير مضاف إليه " وأنت " مبتدأ " بما " جار ومجرور متعلق بقوله " راض " الآتي " عندك " عند: ظرف متعلق بمحذوف صلة " ما " المجرورة محلا بالباء، وعند مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه " راض " خبر المبتدأ الذي هو " أنت " و " الرأي مختلف " مبتدأ وخبره. الشاهد فيه: قوله " نحن بما عندنا " حيث حذف الخبر - احترازا عن العبث وقصدا للاختصار مع ضيق المقام - من قوله " نحن بما عندنا " والذي جعل حذفه سائغا سهلا دلالة خبر المبتدأ الثاني عليه. واعلم أولا أن الحذف من الاول لدلالة الثاني عليه شاذ، والاصل الغالب هو الحذف من الثاني لدلالة الاول عليه. واعلم ثانيا أن بعض العلماء أراد أن يجعل هذا البيت جاريا على الاصل المذكور، فزعم أن " راض " في الشطر الثاني من البيت ليس خبرا عن " أنت " بل هو خبر عن " نحن " الذي في أول البيت، وذلك بناء على أن " نحن " للمتكلم المعظم نفسه = (*)
[ 246 ]
ومثال حذف المبتدأ أن يقال: " كيف زيد " ؟ فتقول " صحيح " أي: " هو صحيح ". وإن شئت صرحت بكل واحد منهما فقلت: " زيد عندنا، وهو صحيح ".
ومثله قوله تعالى: (من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها) أي: " من عمل صالحا فعمله لنفسه، ومن أساء فإساءته عليها ". قيل: وقد يحذف الجزآن - أعني المبتدأ والخبر - للدلالة عليهما، كقوله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائي لم يحضن) أي: " فعدتهن ثلاثة أشهر " فحذف المبتدأ والخبر - وهو " فعدتهن ثلاثة أشهر " لدلالة ما قبله عليه، وإنما حذفا لوقوعهما موقع مفرد، والظاهر أن المحذوف مفرد، والتقدير: " واللائي لم يحضن كذلك " وقوله: (واللائي لم يحضن) معطوف على (واللائي يئسن) والاولى أن يمثل بنحو قولك: " نعم " في جواب " أزيد قائم " ؟ إذ التقدير " نعم زيد قائم ". * * * وبعد لولا غالبا حذف الخبر حتم، وفي نص يمين ذا استقر (1).
= وهذا كلام غير سديد، لان نحن - وإن كانت كما زعم المتمحل للمتكلم المعظم لنفسه فمعناها حينئذ مفرد - تجب فيها المطابقة بالنظر إلى لفظها، فيخبر عنها بالجمع، كما في قوله تعالى: (ونحن الوارثون) وما أشبهه. (1) " بعد " ظرف متعلق بقوله حتم الآتي، وبعد مضاف، و " لولا " مضاف إليه، مقصود لفظه " غالبا " منصوب على نزع الخافض " حذف " مبتدأ، وحذف مضاف و " الخبر " مضاف إليه " حتم " خبر المبتدأ " وفي نص " الواو عاطفة، في نص: جار ومجرور متعلق باستقر الآتي، ونص مضاف و " يمين " مضاف إليه " ذا " اسم إشارة، = (*)
[ 247 ]
وبعد واو عينت مفهوم مع كمثل " كل صانع وما صنع " (1) وقبل حال لا يكون خبرا عن الذي خبره قد أضمرا (2)
كضربي العبد مسيئا، وأتم تبيني الحق منوطا بالحكم (3).
= مبتدأ " استقر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الاشارة، والجملة من استقر وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وتقدير البيت: وحذف الخبر حتم بعد لولا في غالب أحوالها، وهذا الحكم قد استقر في نص يمين: أي إذا كان المبتدأ يستعمل في اليمين نصا، بحيث لا يستعمل في غيره إلا مع قرينة. (1) " وبعد " الواو عاطفة، بعد ظرف متعلق باستقر في البيت السابق، وبعد مضاف و " واو " مضاف إليه " عينت " عين: فعل ماض، والتاء تاء التأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى واو، والجملة من عين وفاعله في محل جر صفة لواو " مفهوم " مفعول به لعين، ومفهوم مضاف، و " مع " مضاف إليه، مقصود لفظه " كمثل " الكاف زائدة، مثل: خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك مثل " كل " مبتدأ، وكل مضاف و " صانع " مضاف إليه " و " عاطفة " ما " يجوز أن تكون موصولا اسميا معطوفا على كل، ويجوز أن تكون حرفا مصدريا هي ومدخولها في تأويل مصدر معطوف على كل، وجملة " صنع " وفاعله المستتر فيه على الوجه الاول لا محل لها صلة الموصول، وخبر المبتدأ محذوف وجوبا. (2) " وقبل " الواو عاطفة، وقبل: ظرف متعلق باستقر في البيت الاول، وقبل مضاف و " حال " مضاف إليه " لا " نافية " يكون " فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حال " خبرا " خبر كان، والجملة من يكون واسمه وخبره في محل جر صفة لحال " عن الذي " جار ومجرور متعلق بخبر " خبره " خبر: مبتدأ، وخبر مضاف والضمير البارز المتصل مضاف إليه " قد " حرف تحقيق " أضمرا " أضمر: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى خبر، والالف للاطلاق، والجملة من أضمر ونائب الفاعل في محل رفع خبر، وجملة المبتدأ والخبر لا محل لها صلة الذي.
(3) " كضربي " الكاف جارة لقول محذوف، ضرب: مبتدأ، وضرب مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، وهي فاعل المصدر " العبد " مفعول المصدر " مسيئا " حال من فاعل كان المحذوفة العائد على العبد، وخبر المبتدأ جملة محذوفة، والتقدير: إذا كان = (*)
[ 248 ]
حاصل ما في هذه الابيات أن الخبر يجب حذفه في أربعة مواضع: الاول: أن يكون خبرا لمبتدأ بعد " لولا "، نحو " لولا زيد لاتيتك " التقدير " لولا زيد موجود لاتيتك " واحترز بقوله " غالبا " عما ورد ذكره فيه شذوذا، كقوله: 56 - لولا أبوك ولولا قبله عمر ألقت إليك معد بالمقاليد ف " عمر " مبتدأ، و " قبله " خبر..
= (أي وجد، هو: أي العبد) مسيئا " وأتم " الواو عاطفة، أتم: مبتدأ، وأتم مضاف وتبيين من " تبييني " مضاف إليه، وتبيين مضاف، وياء المتكلم مضاف إليه، وهي فاعل له " الحق " مفعول به لتبيين " منوطا " حال من فاعل كان المحذوفة العائد على الحق، على غرار ما قدرناه في العبارة الاولى " بالحكم " جار ومجرور متعلق بقوله منوطا. والتقدير: أتم تبييني الحق إذا كان (أي وجد، هو: أي الحق) حال كونه منوطا بالحكم. 56 - البيت - لابي عطاء السندي - واسمه مرزوق (وقيل: أفلح) بن يسار - مولى بني أسد، وهو من مخضرمي الدولتين الاموية والعباسية، من كلمة يمدح فيها ابن يزيد بن عمر بن هبيرة، وانظر قصة ذلك في الاغاني (16 / 84 بولاق) وقبل البيت المستشهد به قوله: أما أبوك فعين الجود نعرفه وأنت أشبه خلق الله بالجود ويروى صدر البيت " لولا يزيد ولولا إلخ " ويزيد أبو الممدوح، وبعد
لشاهد قوله: ما ينبت العود إلا في أرومته ولا يكون الجنى إلا من العود اللغة: " معد " هو أبو العرب، وهو معد بن عدنان، وكان سيبويه يقول: إن الميم من أصل الكلمة، لقولهم " تمعدد " بمعنى اتصل بمعد بنسب أو حلف أو جوار، أو بمعنى قوى وكمل، قال الراجز: ربيته حتى إذا تمعددا كان جزائي بالعصا أن أجلدا لقلة تمفعل في الكلام، ولكن العلماء خالفوه في ذلك، وذهبوا إلى أن الميم في = (*)
[ 249 ]
.
= معد زائد بدليل إدغام الدال في الدال، والتزموا أن يكون تمعدد على زنة تمفعل مع قلته، وانظر الجزء الثاني من كتابنا دروس التصريف " المقاليد ": هو جمع لا مفرد له من لفظه، وقبل: مفرده إقليد - على غير قياس - وهو المفتاح، وقد كنى الشاعر بإلقاء المقاليد عن الخضوع والطاعة وامتثال أمر الممدوح. المعنى: يقول: أنت خليق بأن يخضع لك بنو معد كلهم، لكفايتك وعظم قدرك وإنما تأخر خضوعهم لك لوجود أبيك ووجود جدك من قبل أبيك. الاعراب: " لولا " حرف يدل على امتناع الثاني لوجود الاول، مبني على السكون لا محل له من الاعراب " أبوك " أبو: مبتدأ، وأبو مضاف والكاف مضاف إليه، والخبر محذوف وجوبا " ولولا " الواو عاطفة كالاول، لولا: حرف امتناع لوجود " قبله " قبل: ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، وقبل مضاف والضمير البارز مضاف إليه " عمر " مبتدأ مؤخر " ألقت " ألقى: فعل ماض، والتاء تاء التأنيث " إليك " جار ومجرور متعلق بألقت " معد " فاعل ألقت، والجملة من الفعل الماضي وفاعله لامحل لها جواب لولا " بالمقاليد " جار ومجرور متعلق بألقت. الشاهد فيه: قوله " ولولا قبله عمر " حيث ذكر فيه خبر المبتدأ وهو قوله
" قبله " مع كون ذلك المبتدأ واقعا بعد لولا التي يجب حذف خبر المبتدأ الواقع بعدها لانه قد عوض عنه بجملة الجواب، ولا يجمع في الكلام بين العوض والمعوض عنه. وفي البيت توجيه آخر، وهو أن " قبله " ظرف متعلق بمحذوف حال، والخبر محذوف، وعلى هذا تكون القاعدة مستمرة، ولا شاهد في البيت لما أتى به الشارح من أجله. ومثله في كل ذلك قول الزبير بن العوام رضي الله عنه: ولولا بنوها حولها لخبطتها كخبطة عصفور ولم أتلعثم فإن " لولا " حرف امتناع لوجود، و " بنوها " مبتدأ مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لكونه جمع مذكر سالما، والضمير البارز مضاف إليه، و " حول " ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وحول مضاف والضمير البارز مضاف إليه، وعلى هذا يكون فيه شاهد لما جاء الشارح ببيت أبي عطاء من أجله، ويجوز أن يكون " حول " متعلقا بالخبر المحذوف على رأي الجمهور، وعلى ذلك لا يكون شاهدا لما ذكره الشارح. (*)
[ 250 ]
وهذا الذي ذكره المصنف في هذا الكتاب - من أن الحذف بعد " لولا " واجب إلا قليلا - هو طريقة لبعض النحويين، والطريقة الثانية: أن الحذف واجب [ دائما (1) ] وأن ما ورد من ذلك بغير حذف في الظاهر مؤول، والطريقة الثالثة أن الخبر: إما أن يكون كونا مطلقا، أو كونا مقيدا، فإن كان كونا مطلقا وجب حذفه، نحو: " لولا زيد لكان كذا " أي: لولا زيد موجود، وإن كان كونا مقيدا، فإما أن يدل عليه دليل، أو لا، فإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره، نحو: " لولا زيد محسن إلي ما أتيت " وإن دل عليه [ دليل ] جاز إثباته وحذفه، نحو أن يقال: هل زيد محسن إليك ؟ فتقول: " لولا زيد لهلكت " أي: " لولا زيد محسن إلي "، فإن شئت حذفت الخبر، وإن شئت أثبته، ومنه قول أبي العلاء المعري،
.
(1) ههنا شيآن نحب أن ننبهك إليهما، الاول أن الطريقة الثانية من الطرق الثلاث التي ذكرها الشارح هي طريقة جمهور النحاة، والفرق بينها وبين الطريقة الاولى أن أهل الطريقة الاولى يقولون: إن ذكر الخبر عندهم بعد " لولا " قليل، وليس شاذا، وذلك بخلاف طريقة الجمهور، فإن ذكر الخبر عندهم بعد " لولا " إن كان صادرا عمن لا يستشهد بكلامه كما في بيت المعري الآتي فهو لحن، وإن كان صادرا عمن يستشهد بكلامه فإن أمكن تأويله كالشاهد 56 وما أنشدناه معه فهو مؤول، وإن لم يمكن تأويله فهو شاذ، ولا شك أن القليل غير الشاذ. والامر الثاني: أن الشارح قد حمل كلام الناظم على الطريقة الاولى، وذلك مخالف لما حمله من عداه من الشروح فإنهم جميعا حملوا كلام الناظم على الحالة الثالثة، بدليل أنه اختارها في غير هذا الكتاب، وهو الذي أشرنا إليه عند إعراب البيت، وتلخيصه أن تحمل قوله " غالبا " على حالات " لولا " وذلك لان لولا إما أن يليها كون عام وهو أغلب الامر فيها، وإما أن يليها كون خاص وهو قليل، ثم تحمل قوله " حتم " على الحكم النحوي، وكأنه قد قال: إن كان خبر المبتدأ الواقع بعد لولا كونا عاما وهو الغالب فإنه لا يجوز ذكر ذلك الخبر، وهذا هو - كما ذكرنا - الطريقة الثالثة، فتدبر. (*)
[ 251 ]
57 - يذيب الرعب منه كل عضب فلولا الغمد يمسكه لسالا. * (هامش) 57 - البيت لابي العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان، نادرة الزمان، وأوحد الدهر حفظا وذكاء وصفاء نفس، وهو من شعراء العصر الثاني من الدولة العباسية، فلا يحتج بشعره على قواعد النحو والتصريف، والشارح إنما جاء به للتمثيل، لا للاحتجاج والاستشهاد به.
اللغة: " يذيب " من الاذابة، وهي إسالة الحديد ونحوه من الجامدات " الرعب " الفزع والخوف " عضب " هو السيف القاطع " الغمد " قراب السيف (وجفنه) ؟. الاعراب: " يذيب " فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة " الرعب " فاعل يذيب " منه " جار ومجرور متعلق بقوله يذيب " كل " مفعول به ليذيب، وكل مضاف و " عضب " مضاف إليه " فلولا " حرف امتناع لوجود " الغمد " مبتدأ " يمسكه " يمسك: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الغمد، والهاء - التي هي ضمير الغائب العائد إلى السيف - مفعول به، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، وستعرف ما في هذا الاعراب من المقال وتوجيهه في بيان الاستشهاد " لسالا " اللام واقعة في جواب " لولا " وسال: فعل ماض، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى السيف، وجملة سال وفاعله لا محل لها من الاعراب جواب لولا. التمثيل به: في قوله " فلولا الغمد يمسكه " حيث ذكر خبر المبتدأ الواقع بعد لولا - وهو جملة " يمسك " وفاعله ومفعوله - لان ذلك الخبر كون خاص قد دل عليه الدليل وخبر المبتدأ الواقع بعد لولا يجوز ذكره كما يجوز حذفه إذا كان كونا خاصا وقد دل عليه الدليل عند قوم، كما ذكره الشارح العلامة، والجمهور على أن الحذف واجب، وذلك بناء منهم على ما اختاروه من أن خبر المبتدأ الواقع بعد " لولا " لا يكون إلا كونا عاما، وحينئذ لا يقال إما أن يدل عليه دليل أو لا، وعندهم أن بيت المعري هذا لحن لذكر الخبر بعد لولا. وفي البيت توجيه آخر يصح به على مذهب الجمهور، وهو أن " يمسك " في تأويل = (*)
[ 252 ]
وقد اختار المصنف هذه الطريقة في غير هذا الكتاب.
الموضع الثاني: أن يكون المبتدأ نصا في اليمين (1)، نحو: " لعمرك لافعلن " التقدير " لعمرك قسمي " فعمرك: مبتدأ، وقسمي: خبره، ولا يجوز التصريح به. قيل: ومثله " يمين الله لافعلن " التقدير " يمين الله قسمي " وهذا لا يتعين أن يكون المحذوف فيه خبرا (1)، لجواز كونه مبتدأ، والتقدير " قسمي يمين..
= مصدر بدل اشتمال من الغمد، وأصله " أن يمسكه " فلما حذف " أن " ارتفع الفعل، كقولهم " تسمع بالمعيدي خير من أن تراه " فيمن رواه برفع " تسمع " من غير " أن ". وحاصل القول في هذه المسألة أن النحاة اختلفوا، هل يكون خبر المبتدأ الواقع بعد لولا كونا خاصا أو لا ؟ فقال الجمهور: لا يكون كونا خاصا ألبتة، بل يجب كونه كونا عاما ويجب مع ذلك حذفه، فإن جاء الخبر كونا خاصا في كلام ما فهو لحن أو مؤول، وقال غيرهم، يجوز أن يكون الخبر بعد لولا كونا خاصا، لكن الاكثر أن يكون كونا عاما، فإن كان الخبر كونا عاما وجب حذفه كما يقول الجمهور، وإن كان الخبر كونا خاصا، فإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره، وإن دل عليه دليل جاز ذكره وجاز حذفه، فلخبر المبتدأ الواقع بعد لولا حالة واحدة عند الجمهور، وهي وجوب الحذف، وثلاثة أحوال عند غيرهم، وهي: وجوب الحذف، ووجوب الذكر، وجواز الامرين، وقد قدمنا لك أن الواجب حمل كلام الناظم على هذا، لانه صرح باختياره في غير هذا الكتاب، وقد ذكر الشارح نفسه أن هذا هو اختيار المصنف. (1) المراد بكون المبتدأ نصا في اليمين: أن يغلب استعماله فيه، حتى لا يستعمل في غيره إلا مع قرينة، ومقابل هذا ما ليس نصا في اليمين وهو: الذي يكثر استعماله في غير القسم حتى لا يفهم منه القسم إلا بقرينة ذكر المقسم عليه، ألا ترى أن " عهد الله " قد كثر استعماله في غير القسم نحو قوله تعالى: (وأوفوا بعهد الله) وقولهم: عهد الله يجب الوفاء به، ويفهم منه القسم إذا قلت: عهد لافعلن كذا، لذكرك المقسم عليه.
(2) إن كان من غرض الشارح الاعتراض على الذين ذكروا هذا المثال لحذف الخبر وجوبا لكون المبتدأ نصا في اليمين فلا محل لاعتراضه عليهم بأن ذلك يحتمل أن يكون = (*)
[ 253 ]
الله " بخلاف " لعمرك " فإن المحذوف مع يتعين أن يكون خبرا، لان لام الابتداء قد دخلت عليه، وحقها الدخول على المبتدأ. فإن لم يكن المبتدأ نصا في اليمين لم يجب حذف الخبر، نحو " عهد الله لافعلن " التقدير " عهد الله علي " فعهد الله: مبتدأ، وعلي: خبره، ولك إثباته وحذفه. الموضع الثالث: أن يقع بعد المبتدأ واو هي نص في المعية، نحو " كل رجل وضيعته " فكل: مبتدأ، وقوله " وضيعته " معطوف على كل، والخبر محذوف، والتقدير " كل رجل وضيعته مقترنان " ويقدر الخبر بعد واو المعية. وقيل: لا يحتاج إلى تقدير الخبر، لان معنى " كل رجل وضيعته " كل رجل مع ضيعته، وهذا كلام تام لا يحتاج إلى تقدير خبر، واختار هذا المذهب ابن عصفور في شرح الايضاح. فإن لم تكن الواو نصا في المعية لم يحذف الخبر وجوبا (2)، نحو " زيد وعمرو قائمان ". الموضع الرابع: أن يكون المبتدأ مصدرا، وبعده حال سد [ ت ] مسد الخبر، وهي لا تصلح أن تكون خبرا، فيحذف الخبر وجوبا، لسد الحال مسده، وذلك نحو " ضربي العبد مسيئا " فضربي: مبتدأ، والعبد: معمول.