شرح ابن عقيل
ابن عقيل الهمداني ج 2
[ 1 ]
شرح ابن عقيل قاضي القضاة بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي الهمداني المصري المولود في سنة 698 والمتوفى في سنة 769 من الهجرة على ألفية الامام الحجة الثبت: أبي عبد الله محمد جمال الدين بن مالك المولود في سنة 600 والمتوفى في سنة 672 من الهجرة " ما تحت أديم السماء " " أتحى من ابن عقيل " أبو حبان ومعه كتاب منحة الجليل، بتحقيق شرح ابن عقيل تأليف محمد محيي الدين عبد الحميد غفر الله تعالى له ولوالديه ! وجميع حق الطبع محفوظ له الجزء الثاني
[ 2 ]
الطبعة الرابعة عشرة: تمتاز بدقة الضبط، وزيادة الشروح والتعليقات وبالتوسع في التكملة التى وضعناها في تصريف الافعال ربيع الاول 1385 ه. - يوليه 1965 م يطلب من ناشره المكتبة التجارية الكبرى، بميدان العتبة، وبأول شارع القلعة بالقاهرة لصاحبها: مصطفى محمد
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم حروف الجر هاك حروف الجر، وهى: من، إلى، * حتى، خلا، حاشا، عدا، في، عن، على مذ، منذ، رب، اللام، كى، واو، وتا * والكاف، والباء، ولعل، ومتى هذه الحروف العشرون كلها مختصة بالاسماء، وهى تعمل فيها الجر، وتقدم الكلام على " خلا، وحاشا، وعدا " في الاستثناء، وقل من ذكر " كى، ولعل، ومتى " في حروف الجر. فأما " كى " فتكون حرف جر في موضعين: أحدهما: إذا دخلت على " ما " الاستفهامية، نحو " كيمه ؟ " أي: لمه ؟ ف " ما " استفهامية مجرورة ب " كى "، وحذفت ألفها لدخول حرف الجر عليها، وجئ بالهاء للسكت.
[ 4 ]
الثاني: قولك: " جئت كى أكرم زيدا " ف " أكرم ": فعل مضارع منصوب ب " أن " بعد " كى "، و " أن " والفعل مقدران بمصدر مجرور ب " كى " والتقدير: جئت [ كى إكرام زيد، أي ] لاكرام زيد. وأما " لعل " فالجر بها لغة عقيل، ومنه قوله: 196 - * لعل أبى المغوار منك قريب *
[ 5 ]
وقوله: 197 - لعل الله فضلكم علينا * بشئ أن أمكم شريم ف " أبى المغوار " والاسم الكريم: مبتدآن، و " قريب "، و " فضلكم "
خبران، و " لعل " حرف جر زائد دخل على المبتدأ، فهو كالباء في " بحسبك درهم ".
[ 6 ]
وقد روى على لغة هؤلاء في لامها الاخيرة الكسر والفتح، وروى أيضا حذف اللام الاولى، فتقول: " عل " بفتح اللام وكسرها. وأما " متى " فالجر بها لغة هذيل، ومن كلامهم: " أخرجها متى كمه "، يريدون " من كمه " ومنه قوله: 198 - شر بن بماء البحر ثم ترفعت * متى لجج خضر، لهن نئيج
[ 7 ]
وسيأتى الكلام على بقية العشرين عند كلام المصنف عليها. ولم يعد المصنف في هذا الكتاب " لولا " من حروف الجر، وذكرها في غيره. ومذهب سيبويه أنها من حروف الجر، لكن لا تجر إلا المضمر، فتقول: " لولاى، ولولاك، ولولاه " فالياء، والكاف، والهاء - عند سيبويه - مجرورات ب " لولا ". وزعم الاخفش أنها في موضع رفع بالابتداء، ووضع ضمير الجر موضع ضمير الرفع، فلم تعمل " لولا " فيها شيئا، كما لا تعمل في الظاهر، نحو: " لولا زيد لاتيتك ". وزعم المبرد أن هذا التركيب - أعنى " لولاك " ونحوه - لم يرد من لسان العرب، وهو محجوج بثبوت ذك عنهم، كقوله: 199 - أتطمع فينا من أراق دماءنا * ولولاك لم يعرض لاحسابنا حسن
[ 9 ]
وقوله: 200 - وكم موطن لولاى طحت كما هوى * بأجرامه من قنة النيق منهوى
[ 10 ]
بالظاهر اخصص: منذ، مذ، وحتى * والكاف، والواو، ورب، والتا واخصص بمذ ومنذ وقتا، وبرب * منكرا، والتاء لله، ورب وما رووا من نحو " ربه فتى " * نزر، كذا " كها "، ونحوه أتى
[ 11 ]
من حروف الجر مالا يجر إلا الظاهر، وهى هذه السبعة المذكورة في البيت الاول، فلا تقول " منذه، ولا مذه " وكذا الباقي. ولا تجر " منذ ومذ " من الاسماء الظاهرة إلا أسماء الزمان، فإن كان الزمان حاضرا كانت بمعنى " في " نحو: " ما رأيته منذ يومنا " أي: في يومنا، وإن كان الزمان ماضيا كانت بمعنى " من " نحو: " ما رأيته مذ يوم الجمعة " أي: من يوم الجمعة، وسيذكر المصنف هذا في آخر الباب، وهذا معنى قوله: " واخصص بمذ ومنذ وقتا ". وأما " حتى " فسيأتي الكلام على مجرورها عند ذكر المصنف له، وقد شذ جرها للضمير، كقوله: 201 - فلا والله لا يلفى أناس * فتى حتاك يا ابن أبى زياد
[ 12 ]
ولا يقاس على ذلك، خلافا لبعضهم، ولغة هذيل إبدال حائها عينا، وقرأ ابن مسعود (فتربصوا به عتى حين). وأما الواو فمختصة بالقسم، وكذلك التاء، ولا يجوز ذكر فعل القسم معهما، فلا تقول " أقسم والله " ولا " أقسم تالله ". ولا تجر التاء إلا لفظ " الله ": فتقول: " تالله لافعلن " وقد سمع جرها
ل " رب " مضافا إلى " الكعبة "، [ قالوا ]: " رب الكعبة " ] وهذا معنى قوله: " والتاء لله ورب " وسمع أيضا " تالرحمن "، وذكر الخفاف في شرح الكتاب أنهم قالوا " تحياتك " وهذا غريب. ولا تجر " رب " إلا نكرة، نحو: " رب رجل عالم لقيت " وهذا معنى قوله: " وبرب منكرا " أي: واخصص برب النكرة، وقد شذ جرها ضمير الغيبة، كقوله: 202 - واه رأبت وشيكا صدع أعظمه * وربه عطبا أنقذت من عطبه
[ 13 ]
كما شذ جر الكاف له، كقوله: 203 - خلى الذنابات شمالا كثبا * وأم أو عال كها أو أقربا
[ 14 ]
وقوله: 204 - ولا ترى بعلاو لا حلائلا * كه ولا كهن إلا حاظلا وهذا معنى قوله: " ومارووا - البيت " أي: والذى روى من جر " رب " المضمر نحو " ربه فتى " قليل، وكذلك جر الكاف المضمر نحو " كها ". * * *
[ 15 ]
بعض وبين وابتدئ في الامكنه * بمن، وقد تأتى لبدء الازمنة وزيد في نفى وشبهه فجر * نكرة:، ك " مالباغ من مفر " تجئ " من " للتبعيض، ولبيان الجنس، ولابتداء الغاية: في غير الزمان كثيرا، وفي الزمان قليلا، وزائدة. فمثالها للتبعيض قولك: " أخذت من الدراهم " ومنه قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله).
ومثالها لبيان الجنس قوله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الاوثان). ومثالها لابتداء الغاية في المكان قوله تعالى: (سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إالى المسجد الاقصى). ومثالها لابتداء الغاية في الزمان قوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه) وقول الشاعر:
[ 16 ]
205 - تخيرن من أزمان يوم حليمة * إلى اليوم، قد جر بن كل التجارب ومثال الزائدة: " ما جاءني من أحد " ولا تزاد - عند جمهور البصريين - إلا بشرطين: أحدهما: أن يكون المجرور بها نكرة. الثاني: أن يسبقها نفى أو شبهه، والمراد يشبه النفى: النهى. نحو " لا تضرب من أحد "، والاستفهام، نحو " هل جاءك من أحد ؟ ".
[ 17 ]
ولا تزاد في الايجاب، ولا يؤتى بها جارة لمعرفة، فلا تقول: " جاءني من زيد " خلافا للاخفش، وجعل منه قوله تعالى: (يغفر لكم من ذنوبكم). وأجاز الكوفيون زيادتها في الايجاب بشرط تنكير مجرورها، ومنه عندهم: " قد كان من مطر " أي قد كان مطر. * * * للانتها: حتى، ولام، وإلى، * ومن وباء يفهمان بدلا يدل على انتهاء الغاية " إلى "، وحتى، واللام "، والاصل من هذه الثلاثة " إلى " فلذلك تجر الآخر وغيره، نحوه: " سرت البارحة إلى آخر الليل، أو إلى نصفه " ولا تجر " حتى " إلا ما كان آخرا أو متصلا بالآخر، كقوله
[ 18 ]
تعالى: (سلام هي حتى مطلع الفجر) ولا تجر غيرهما، فلا تقول: " سرت البارحة حتى نصف الليل ". واستعمال اللام للانتهاء قليل، ومنه قوله تعالى: (كل يجرى لاجل مسمى). ويستعمل " من " والباء، بمعنى " بدل "، فمن استعمال " من " بمعنى " بدل " قوله عز وجل: (أرضيتم بالحياة الدينا من الآخرة)، [ أي: بدل الآخرة ] وقوله تعالى: (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون) أي: بدلكم، وقول الشاعر: 206 - جارية لم تأكل المرققا * ولم تذق من البقول الفستقا
[ 19 ]
أي: بدل البقول، ومن استعمال الباء بمعنى " بدل " ما ورد في الحديث " ما يسرنى بها حمر النعم " أي: بدلها، وقول الشاعر: فليت لى بهم قوما إذا ركبوا * شنوا الاغارة فرسا ناور كبانا [ 154 ] * * * واللام للملك وشبهه، وفي * تعدية - أيضا - وتعليل قفى وزيد، والظرفية استبن ببا * و " في " وقد يبينان السببا
[ 20 ]
تقدم أن اللام تكون للانتهاء، وذكر هنا أنها تكون للملك، نحو (لله ما في السموات وما في الارض) و " المال لزيد "، ولشبه الملك، نحو: " الجل للفرس، والباب للدار "، وللتعدية، ونحو " وهبت لزيد مالا " ومنه قوله تعالى: (فهب إلى من لدنك وليا يرثنى ويرث من آل يعقوب)، وللتعليل، نحو " جئتك لاكرامك "، وقوله: 207 - وإنى لتعرونى لذكراك هزة * كما انتفض العصفور بلله القطر
[ 21 ]
وزائدة: قياسا، نحو " لزيد ضربت " ومنه قوله تعالى: (إن كنتم للرؤيا تعبرون) وسماعا، نحو " ضربت لزيد ". وأشار بقوله: " والظرفية استبن - إلى آخره " إلى معنى الباء و " في "، فذكر أنهما اشتركا في إفادة الظرفية، والسببية، فمثال الباء للظرفية قوله تعالى: (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل) أي: وفي الليل، ومثالها للسببية قوله تعالى: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم، وبصدهم عن سبيل الله كثيرا)، ومثال " في " للظرفية قولك " زيد في المسجد " وهو الكثير فيها، ومثالها للسببية قوله صلى الله عليه وسلم: " دخلت امرأة النار في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الارض " * * *
[ 22 ]
بالبا استعن، وعد، عوض، ألصق * ومثل " مع " و " من " و " عن " ها انطق تقدم أن الباء تكون للظرفية وللسببية، وذكر هنا أنها تكون للاستعانة، نحو " كتبت بالقلم، وقطعت بالسكين " وللتعدية، نحو " ذهبت بزيد " ومنه قوله تعالى: (ذهب الله بنورهم) وللتعويض، نحو: " اشتريت الفرس بألف درهم " ومنه قوله تعالى: (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) وللالصاق، نحو " مررت بزيد " وبمعنى " مع " نحو " بعتك الثوب بطرازه " أي: مع طرازه، وبمعنى " من " كقوله: * شر بن بماء البحر * [ 198 ] أي: من ماء البحر، وبمعنى " عن " نحو (سأل سائل بعذاب) أي: عن عذاب، وتكون الباء - أيضا - للمصاحبة، نحو (فسبح بحمد ربك) [ أي: مصاحبا حمد ربك ].
* * * على للاستعلا، معنى " في " و " عن " * بعن تجاوزا عنى من قد فطن
[ 23 ]
وقد تجى موضع " بعد " و " على " * كما " على " موضع " عن " قد جعلا تستعمل " على " للاستعلاء كثيرا، نحو " زيد على السطح " وبمعنى " في " نحو قوله تعالى: (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) أي: في حين غفلة، وتستعمل " عن " للمجاوزة كثيرا، نحو: " رميت السهم عن القوس " وبمعنى " بعد " نحو قوله تعالى (لتركبن طبقا عن طبق) أي: بعد طبق، وبمعنى " على " نحو قوله: 208 - لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب * عنى، ولا أنت ديانى فتخزونى
[ 24 ]
أي: لا أفضلت في حسب على، كما استعملت " على " بمعنى " عن " في قوله:
[ 25 ]
209 - إذا رضيت على بنو قشير * لعمر الله أعجبني رضاها أي: إذا رضيت عنى. * * * شبه بكاف، وبها التعليل قد * يعنى، وزائدا لتوكيد ورد تأتى الكاف للتشبيه كثيرا، كقولك: " زيد كالاسد "، وقد تأتى
[ 26 ]
للتعليل، كقوله تعالى: (واذكروه كما هداكم) أي: لهدايته إياكم، وتأتى زائدة للتوكيد، وجعل منه قوله تعالى: (ليس كمثله شئ) أي ليس مثله شئ، ومما زيدت فيه قول رؤبة: 210 - * لو احق الاقراب فيها كالمقق *
أي: فيها المقق، أي: الطول، وما حكاه الفراء أنه قيل لبعض العرب: كيف تصنعون الافط ؟ فقال: كهين، أي: هينا.
[ 27 ]
واستعمل اسما، وكذا " عن " و " على " * من أجل ذا عليهما من دخلا استعمل الكاف اسما قليلا، كقوله: 211 - أتنتهون ولن ينهى ذوى شطط * كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
[ 28 ]
فالكاف: اسم مرفوع على الفاعلية، والعامل فيه " ينهى " والتقدير: ولن ينهى ذوى شطط مثل الطعن، واستعملت " على، وعن " اسمين عند دخول " من " عليهما، وتكون " على " بمعنى " فوق " و " عن " بمعنى " جانب "، ومنه قوله: 212 - غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها * تصل، وعن قيض بزيزاء مجهل
[ 29 ]
أي: غدت من فوقه، وقوله: 213 - ولقد أرانى للرماح ذريئة * من عن يمينى تارة وأمامي أي: من جانب يمينى.
[ 30 ]
و " مذ، ومنذ " اسمان حيث رفعا * أو أوليا الفعل: ك " جئت مذ دعا " وإن يجرا في مضى فكمن * هما، وفي الحضور معنى " في " استبن
[ 31 ]
تستعمل " مذ، منذ " اسمين إذا وقع بعدهما الاسم مرفوعا، أو وقع بعدهما فعل، فمثال الاول " ما رأيته مذ يوم الجمعة " أو " مذ شهرنا " ف مذ ":
[ اسم ] مبتدأ خبره ما بعده، وكذلك " منذ "، وجوز بعضهم أن يكونا خبرين لما بعدهما، ومثال الثاني " جئت مذ دعا " ف " مذ ": اسم منصوب المحل على الظرفية، والعامل فيه " جئت ". وإن وقع ما بعدهما مجرورا فهما حرفا جر: بمعنى " من " إن كان المجرور ماضيا، نحو " ما رأيته مذ يوم الجمعة " أي: من يوم الجمعة، وبمعنى " في " إن كان حاضرا، نحو " ما رأيته مذ يومنا " أي: في يومنا. * * * وبعد " من وعن وباء " زيد " ما " * فلم يعق عن عمل قد علما تزاد " ما " بعد " من، وعن " والباء، فلا تكفها عن العمل، كقوله
[ 32 ]
تعالى: (مما خطيئتهم أغرقوا) وقوله تعالى: (عما قليل ليصبحن نادمين) وقوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم). * * * وزيد بعد " رب، والكاف " فكف * وقد تليهما وجر لم يكف تزاد " ما " بعد " الكاف، ورب " فتكفهما عن العمل، كقوله: 214 - فإن الحمر من شر المطايا * كما الحبطات شر بنى تميم
[ 33 ]
وقوله: 215 - ربما الجامل المؤبل فيهم * وعنا جيج بينهن المهار
[ 34 ]
وقد تزاد بعدهما ولا تكفهما عن العمل، وهو قليل، كقوله: 216 - ماوى يا ربتما غارة * شعواء، كاللذعة بالميسم
[ 35 ]
وقوله:
217 - وننصر مولانا ونعلم أنه * كما الناس مجروم عليه وجارم * * * وحذفت " رب " فجرت بعد " بل " والفاء، وبعد الواو شاع ذا العمل
[ 36 ]
لا يجوز حذف حرف الجر وإبقاء عمله، إلا في " رب " بعد الواو، وفيما سنذكره، وقد ورد حذفها بعد الفاء، و " بل " قليلا، فمثاله بعد الواو قوله: * وقاتم الاعماق خاوى المخترقن * ومثاله بعد الفاء قوله: 218 - فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع * فألهيتها عن ذى تمائم محول
[ 37 ]
ومثاله بعد " بل " قوله: 219 - بل بلد مل ء الفجاج قتمه * لا يشترى كتانه وجهرمه
[ 38 ]
والشائع من ذلك حذفها بعد الواو، وقد شذ الجر ب " رب " محذوفة من غير أن يتقدمها شئ، كقوله: 220 - رسم دار وقفت في طلله * كدت أقضى الحياة من جلله * * *
[ 39 ]
وقد يجر بسور رب، لدى * حذف، وبعضه يرى مطردا الجر بغير " رب " محذوفا على قسمين: مطرد، وغير مطرد. فغير المطرد، كقول رؤبة لمن قال له " كيف أصبحت ؟ ": " خير والحمد لله " التقدير: على خير، وقول الشاعر: 221 - إذا قيل: أي الناس شر قبيلة ؟ * أشارت كليب بالا كف الاصابع
[ 40 ]
أي: أشارت إلى كليب، وقوله: 222 - وكريمة من آل قيس ألفته * حتى تبذخ فارتقى الاعلام أي: فارتقى إلى الاعلام.
[ 41 ]
والمطرد كقولك: " بكم درهم اشتريت هذا " ؟ فدرهم: مجرور بمن محذوفة عند سيبويه والخليل، وبالاضافة عند الزجاج، فعلى مذهب سيبويه والخليل يكون الجار قد حذف وأبقى عمله، وهذا مطرد عندهما في مميز " كم " الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر. * * *
[ 42 ]
الاضافة نونا تلى الاعراب أو تنوينا * مما تضيف احذف كطور سينا والثانى اجرر، وانو " من " أو " في " إذا * لم يصلح الا ذاك، واللام خذا لما سوى ذينك، واخصص أولا * أو أعطه التعريف بالذى تلا
[ 43 ]
إذا أريد إضافة اسم إلى آخر حذف ما في المضاف: من نون تلى الاعراب - وهى نون التثنية، أو نون الجمع، وكذا ما ألحق بهما - أو تنوين، وجر المضاف إليه، فتقول: " هذان غلاما زيد، وهؤلاء بنوه، وهذا صاحبه ". واختلف في الجار للمضاف إليه، فقيل: هو مجرور بحرف مقدر - وهو اللام، أو " من "، أو " في " - وقيل: هو مجرور بالمضاف [ وهو الصحيح من هذه الاقوال ]. ثم الاضافة تكون بمعنى اللام عند جميع النحويين، وزعم بعضهم أنها
تكون أيضا بمعنى " من " أو " في "، وهو اختيار المصنف، وإلى هذا أشار بقوله: " وانو من أو في - إلى آخره ". وضابط ذلك أنه إن لم يصلح إلا تقدير " من " أو " في " فالاضافة بمعنى ما تعين تقديره، وإلا فالاضافة بمعنى اللام فيتعين تقدير " من " إن كان المضاف إليه جنسا للمضاف، نحو " هذا ثوب خز، وخاتم حديد " والتقدير: هذا ثوب من خز، وخاتم من حديد. ويتعين تقدير " في " إن كان المضاف إليه ظرفا واقعا فيه المضاف، نحو " أعجبني ضرب اليوم زيدا " أي: ضرب زيد في اليوم، ومنه قوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) وقوله تعالى: (بل مكر الليل والنهار).
[ 44 ]
فإن لم يتعين تقدير " من " أو " في " فالاضافة بمعنى اللام، نحو " هذا غلام زيد، وهذه يد عمرو " أي: غلام لزيد، ويد لعمرو. وأشار بقوله: " واخصص أولا - إلى آخره " إلى أن الاضافة على قسمين: محضة، وغيره محضة. فالمحضة هي: غير إضافة الوصف المشابه للفعل المضارع إلى معموله. وغير المحضة هي إضافة الوصف المذكور، كما سنذكره بعد، وهذه لا تفيد الاسم [ الاول ] تخصيصا ولا تعريفا، على ما سنبين. والمحضة: ليست كذلك، وتفيد الاسم الاول: تخصيصا إن كان المضاف إليه نكرة، نحو " هذا غلام امرأة "، وتعرفا إن كان المضاف إليه معرفة، نحو " هذا غلام زيد ". * * * وإن يشابه المضاف " يفعل " * وصفا، فعن تنكيره لا يعذل
كرب راجينا عظيم الامل * مروع القلب قليل الحيل
[ 45 ]
وذى الاضافة اسمها لفظية * وتلك محضة ومعنوية هذا هو القسم الثاني من قسمي الاضافة، وهو غير المحضة، وضبطها المصنف بما إذا كان المضاف وصفا يشبه " يفعل " (أي: الفعل المضارع - وهو: كل اسم فاعل أو مفعول، بمعنى الحال أو الاستقبال، أو صفة مشبهة [ ولا تكون إلا بمعنى الحال ]. فمثال اسم الفاعل: " هذا ضارب زيد، الآن أو غدا، وهذا راجينا ". ومثال اسم المفعول: " هذا مضروب الاب، وهذا مروع القلب ". ومثال الصفة المشبهة: " هذا حسن الوجه، وقليل الحيل، وعظيم الامل ". فإن كان المضاف غير وصف، أو وصفا غير عامل، فالاضافة محضة: كالمصدر، نحو " عجبت من ضرب زيد " واسم الفاعل بمعنى الماضي، نحو " هذا ضارب زيد أمس ". وأشار بقوله: " فعن تنكيره لا يعذل " إلى أن هذا القسم من الاضافة - أعنى غير المحضة - لا يفيد تخصيصا ولا تعريفا، ولذلك تدخل " رب " عليه، وإن كان مضافا لمعرفة، نحو " [ رب ] راجينا " وتوصف به النكرة،
[ 46 ]
نحو قوله تعالى: (هديا بالغ الكعبة) وإنما التخفيف، وفائدته ترجع إلى اللفظ، فلذلك سميت الاضافة فيه لفظية. وأما القسم الاول فيفيد تخصيصا أو تعريفا، كما تقدم، فلذلك سميت الاضافة فيه معنوية، وسميت محضة أيضا، لانها خالصة من نية الانفصال، بخلاف غير المحضة، فإنها على تقدير الانفصال، تقول: " هذا ضارب زيد الآن " على
تقدير " هذا ضارب زيدا " ومعناهما متحد، وإنما أضيف طلبا للخفة. * * * ووصل " أل " بذا المضاف مغتفر * إن وصلت بالثان: ك " الجعد الشعر " أو بالذى له أضيف الثاني: ك " زيد الضارب رأس الجاني " لا يجوز دخول الالف واللام على المضاف الذى إضافته محضة، فلا تقول: " هذا الغلام رجل " لان الاضافة منافية للالف واللام، فلا يجمع بينهما.
[ 47 ]
وأما ما كانت [ إضافته ] غير محضة - وهو المراد بقوله " بذا المضاف " - أي بهذا المضاف الذى تقدم الكلام فيه قبل هذا البيت - فكان القياس أيضا يقتضى أن لا تدخل الالف واللام على المضاف، لما تقدم من أنهما متعاقبان، ولكن لما كانت الاضافة فيه على نية الانفصال اغتفر ذلك، بشرط أن تدخل الالف واللام على المضاف إليه، ك " الجعد الشعر، والضارب الرجل "، أو على ما أضيف إليه المضاف إليه، ك " زيد الضارب رأس الجاني ". فإن لم تدخل الالف واللام على المضاف إليه، ولا على ما أضيف إليه [ المضاف إليه ]، امتنعت المسألة، فلا تقول: " هذا الضارب رجل " [ ولا " هذا الضارب زيد " ] ولا " هذا الضارب رأس جان ". هذا إذا كان المضاف غير مثنى، ولا مجموع جمع سلامة لمذكر، ويدخل في هذا المفرد كما مثل، وجمع التكسير، نحو: " الضوارب - أو الضراب - الرجل، أو غلام الرجل " [ وجمع السلامة لمؤنث، نحو " الضاربات الرجل، أو غلام الرجل " ]. فإن كان المضاف مثنى أو مجموعا جمع سلامة المذكر كفى وجودها في المضاف، ولم يشترط وجودها في المضاف إليه، وهو المراد بقوله:
وكونها في الوصف كاف: إن وقع * مثنى، أو جمعا سبيله اتبع
[ 48 ]
أي: وجود الالف واللام في الوصف المضاف إذا كان مثنى، أو جمعا اتبع سبيل المثنى - أي: على حد المثنى، وهو جمع المذكر السالم - يغنى عن وجودها في المضاف إليه، فتقول: " هذان الضاربا زيد، وهؤلاء الضاربو زيد " وتحذف النون للاضافة. * * * ولا يضاف اسم لما به اتحد * معنى، وأول موهما إذا ورد
[ 49 ]
المضاف يتخصص بالمضاف إليه، أو يتعرف به، فلابد من كونه غيره، إذ لا يتخصص الشئ أو يتعرف بنفسه، ولا يضاف اسم لما به اتحد في المعنى: كالمترادفين وكالموصوف وصفته، فلا يقال: " قمح بر " ولا " رجل قائم " وما ورد موهما لذلك مؤول، كقولهم " سعيد كرز " فظاهر هذا أنه من إضافة الشئ إلى نفسه، لان المراد بسعيد وكرز [ فيه ] واحد، فيؤول الاول بالمسمى، والثانى بالاسم، فكأنه قال: جاءني مسمى كرز، أي: مسمى هذا الاسم، وعلى ذلك يؤول ما أشبه هذا من إضافة المترادفين، ك " يوم الخميس ". وأما ما ظاهره إضافة الموصوف إلى صفته، فمؤول على حذف المضاف إليه الموصوف بتلك الصفة، كقولهم: " حبة الحمقاء وصلاة الاولى "، والاصل: حبة البقلة الحمقاء، وصلاة الساعة الاولى، فالحمقاء: صفة للبقلة، لا للحبة، والاولى صفة للساعة، لا للصلاة، ثم حذف المضاف إليه - وهو البقلة، والساعة - وأقيمت صفته مقامه، فصار " حبة الحمقاء، وصلاة الاولى " فلم يضف الموصوف إلى صفته، بل إلى صفة غيره. وربما أكسب ثان أولا * تأنيثا أن كان لحذف مؤهلا
قد يكتسب المضاف المذكر من المؤنث المضاف إليه التأنيث، بشرط أن يكون المضاف صالحا للحذف وإقامة المضاف إليه مقامه، ويفهم منه ذلك
[ 50 ]
المعنى، نحو " قطعت بعض أصابعه " فصح تأنيث " بعض " لاضافته إلى أصابع وهو مؤنث، لصحة الاستغناء بأصابع عنه، فتقول: " قطعت أصابعه " ومنه قوله: 223 - مشين كما اهتزت رماح تسفهت * أعاليها مر الرياح النواسم فأنث المر لاضافته إلى الرياح، وجاز ذلك الصحة الاستغناء عن المر بالرياح، نحو " تسفهت الرياح ". وربما كان المضاف مؤنثا فاكتسب التذكير من المذكر المضاف إليه، بالشرط
[ 51 ]
الذى تقدم، كقوله تعالى: (إن رحمة الله قريب من المحسنين) ف " رحمة ": مؤنث، واكتسبت التذكير بإضافتها إلى " الله " تعالى. فإن لم يصلح المضاف للحذف والاستغناء بالمضاف إليه عنه لم يجز التأنيث، فلا تقول: " خرجت غلام هند " إذلا يقال " خرجت هند " ويفهم منه خروج الغلام. * * * وبعض الاسماء يضاف أبدا * وبعض ذا قد يأت لفظا مفردا من الاسماء ما يلزم الاضافة، وهو قسمان: أحدهما: ما يلزم الاضافة لفظا ومعنى، فلا يستعمل مفردا - أي: بلا إضافة - وهو المراد بشطر البيت، وذلك نحو " عند، ولدى، وسوى، وقصارى الشئ، وحماداه: بمعنى غايته ". والثانى: ما يلزم الاضافة معنى دون لفظ، [ نحو " كل، وبعض، وأى ]،
فيجوز أن يستعمل مفردا - أي: بلا إضافة - وهو المراد بقوله: " وبعض ذا " أي: وبعض ما لزم الاضافة [ معنى ] قد يستعمل مفردا لفظا، وسيأتى كل من القسمين. * * *
[ 52 ]
وبعض ما يضاف حتما امتنع * إيلاؤه اسما ظاهرا حيث وقع كوحد، لبى، ودوالى، سعدى، * وشذ إيلاء " يدى " للبى من اللازم للاضافة لفظا مالا يضاف إلا إلى المضمر، وهو المراد هنا، نحو " وحدك " أي: منفردا، و " لبيك " أي: إقامة على إجابتك بعد إقامة، و " دواليك " أي: إدالة بعد إدالة، و " سعديك " أي: إسعادا بعد إسعاد، وشذ إضافة " لبى " إلى ضمير الغيبة، ومنه قوله: 224 - إنك لو دعوتني ودوني * زوراء ذات مترع بيون. لقلت لبيه لمن يدعوني.
[ 53 ]
وشذ إضافة " لبى " إلى الظاهر، أنشد سيبويه: 225 - دعوت لما نابنى مسورا * فلبى، فلبى يدى مسور
[ 54 ]
كذا ذكر المصنف، ويفهم من كلام سيبويه أن ذلك غير شاذ في " لبى "، و " سعدى ". ومذهب سيبويه أن " لبيك " وما ذكر بعده مثنى، وأنه منصوب على المصدرية بفعل محذوف، وأن تثنيته المقصود بها التكثير، فهو على هذا ملحق بالمثنى، كقوله تعالى: (ثم ارجع البصر كرتين) أي، كرات، ف " كرتين ": ليس المراد به مرتين فقط، لقوله تعالى: (ينقلب إليك
النبصر خاسئا وهو حسير) أي: مزدجرا وهو كليل، ولا ينقلب البصر مزدجرا كليلا من كرتين فقط، فتعين أن يكون المراد ب " كرتين " التكثير، لا اثنين فقط، وكذلك " لبيك " معناه إقامة بعد إقامة كما تقدم، فليس المراد الاثنين فقط، وكذا باقى أخواته، على ما تقدم في تفسيرها. ومذهب يونس أنه ليس بمثنى، وأن أصله لبى، وأنه مقصور، قلبت ألفه ياء مع المضمر، كما قلبت ألف " لدى "، وعلى " مع الضمير، في " لديه "، و " عليه ". ورد عليه سيبويه بأنه لو كان الامر كما ذكر لم تنقلب ألفه مع الظاهر ياء،
[ 55 ]
كمالا تنقلب ألف " لدى " و " على "، فكما تقول: " على زيد " و " لدى زيد " كذلك كان ينبغى أن يقال: " لبى زيد " لكنهم لما أضافوه إلى الظاهر قلبوا الالف ياء، فقالوا: * فلبى يدى مسور * [ 225 ] فدل. ذلك على أنه مثنى، وليس بمقصور كما زعم يونس. * * * وألزموا إضافة إلى الجمل * " حيث " و " إذ " وإن ينون يحتمل إفراد إذ، وما كإذ معنى كإذ * أضف جوازا نحو " حين جانبذ " من اللازم للاضافة: ما لا يضاف إلا إلى الجملة، وهو: " حيث، وإذ، وإذا ". فأما " حيث " فتضاف إلى الجملة الاسمية، نحو " اجلس حيث زيد جالس "
[ 56 ]
وإلى الجملة الفعلية، نحو " اجلس حيث جلس زيد " أو " حيث يجلس زيد " وشذ إضافتها إلى مفرد كقوله: 226 - أما ترى حيث سهيل طالعا * [ نجما يضئ كالشهاب لا معا ]
[ 57 ]
وأما " إذ " فتضاف أيضا إلى الجملة الاسمية، نحو " جئتك إذ زيد قائم "، وإلى الجملة الالفعلية، نحو: " جئتك إذ قام زيد "، ويجوز حذف الجملة المضاف إليها، ويؤتى بالتنوين عوضا عنها، كقوله تعالى: (وأنتم حينئذ تنظرون) وهذا معنى قوله: " وإن ينون يحتمل إفراد إذ " أي: وإن ينون " إذ " يحتمل إفرادها، أي: عدم إضافتها لفظا: لوقوع التنوين عوضا عن الجملة المضاف إليها. وأما " إذا " فلا تضاف إلا إلى جملة فعلية، نحو " آتيك إذا قام زيد "، ولا يجوز إضافتها إلى جملة اسمية، فلا تقول: آتيك إذا زيد قائم " خلافا لقوم، وسيذكرها المصنف. وأشار بقوله: " وما كإذ معنى كإذ " إلى أن ما كان مثل " إذ " - في كونه ظرفا ماضيا غير محدود - يجوز إضافته إلى ما تضاف إليه " إذ " من [ الجملة، وهى ] الجمل الاسمية والفعلية، وذلك نحو " حين، ووقت، وزمان، ويوم "، فتقول: " جئتك حين جاء زيد، ووقت جاء عمرو، وزمان قدم بكر، ويوم خرج خالد " وكذلك تقول: " جئتك حين زيد قائم "، وكذلك الباقي. وأنما قال المصنف: " أضف جوازا " ليعلم أن هذا النوع - أي ما كان مثل " إذ " في المعنى - يضاف إلى ما يضاف إليه " إذ " - وهو الجملة - جوازا، لا وجوبا.
[ 58 ]
فإن كان الظرف غير ماض، أو محدودا، لم يجر مجرى " إذ " بل يعامل غير الماضي - وهو المستقبل - معاملة " إذا " فلا يضاف إلى الجملة الاسمية،
بل إلى الفعلية، فتقول: " أجيئك حين يجئ زيد " ولا يضاف المحدود إلى جملة، وذلك نحو " شهر، وحول " بل لا يضاف إلا إلى مفرد، نحو " شهر كذا، وحول كذا ". * * * وابن أو اعرب ما كإذ قد أجريا * واختر بنا متلو فعل بنيا وقبل فعل معرب أو مبتدا * أعرب، ومن بنى فلن يفندا
[ 59 ]
تقدم أن الاسماء المضافة إلى الجملة على قسمين: أحدهما ما يضاف إلى الجملة لزوما، والثانى: ما يضاف إليها جوازا. وأشار في هذين البيتين إلى أن ما يضاف إلى الجملة جوازا يجوز فيه الاعراب والبناء، سواء أضيف إلى جملة فعلية صدرت بماض، أو جملة فعلية صدرت بمضارع، أو جملة اسمية، نحو " هذا يوم جاء زيد، ويوم يقوم عمرو، أو يوم بكر قائم ". وهذا مذهب الكوفيين، وتبعهم الفارسى والمصنف، لكن المختار فيما أضيف إلى جملة فعلية صدرت بماض البناء، وقد روى بالبناء والاعراب قوله: 227 - * على حين عاتبت المشيب على الصبا *
[ 60 ]
بفتح نون " حين " على البناء، وكسرها على الاعراب. وما وقع قبل فعل معرب، أو قبل مبتدأ، فالمختار فيه الاعراب، ويجوز البناء، وهذا معنى قوله: " ومن بنى فلن يفندا " أي: فلن يغلط، وقد قرئ في السبعة: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) بالرفع على الاعراب، وبالفتح على البناء، هذا ما اختاره المصنف.
ومذهب البصريين أنه لا يجوز فيما أضيف إلى جملة فعلية صدرت بمضارع، أو إلى جملة اسمية، إلا الاعراب، ولا يجوز البناء إلا فيما أضيف إلى جملة فعلية صدرت بماض. هذا حكم ما يضاف إلى الجملة جوازا، وأما ما يضاف إليها وجوبا فلازم للبناء، لشبهه بالحرف في الافتقار إلى الجملة، كحيث، وإذ، وإذا. * * * وألزموا " إذا " إضافة إلى * جمل الافعال، ك " هن إذا اعتلى "
[ 61 ]
أشار في هذا البيت إلى ما تقدم ذكره، من أن " إذا " تلزم الاضافة إلى الجملة الفعلية، ولا تضاف إلى الجملة الاسمية، خلافا للاخفش والكوفيين، فلا تقول: " أجيئك إذا زيد قائم " وأما " أجيئك إذا زيد قام " ف " زيد " مرفوع بفعل محذوف، وليس مرفوعا على الابتداء، هذا مذهب سيبويه. وخالفه الاخفش، فجوز كونه مبتدأ خبره الفعل الذى بعده. وزعم السيرا في أنه لا خلاف بين سيبويه والاخفش في جواز وقوع المبتدأ بعد إذا، وإنما الخلاف بينهما في خبره، فسيبويه يوجب أن يكون فعلا، والاخفش يجوز أن يكون اسما، فيجوز في " أجيئك إذا زيد قام " جعل " زيد " مبتدأ عند سيبويه والاخفش، ويجوز " أجيئك إذا زيد قائم " عند الاخفش فقط. * * * لمفهم اثنين معرف - بلا * تفرق - أضيف " كلتا "، و " كلا "
[ 62 ]
من الاسماء الملازمة للاضافة لفظا ومعنى: " كلتا " و " كلا "، ولا يضافان إلا إلى معرفة، مثنى لفظا [ معنى ]، نحو: " جاءني كلا الرجلين، وكلتا المرأتين " أو معنى دون لفظ، نحو " جاءني كلاهما، وكلتاهما " ومنه قوله:
228 - إن للخير وللشر مدى * وكلا ذلك وجه وقبل وهذا هو المراد بقوله: " لمفهم اثنين معرف "، واحترز بقوله " بلا تفرق " من معرف أفهم الاثنين بتفرق، فإنه لا يضاف إليه " كلا وكلتا " فلا تقول " كلا زيد وعمرو جاء "، وقد جاء شاذا، كقوله:
[ 63 ]
229 - كلا أخى وخليلي واجدى عضدا * في النائبات وإلمام الملمات * * * ولا تضف لمفرد معرف * " أيا "، وإن كررتها فأضف أو تنو الا جزا، واخصص بالمعرفة * موصولة أيا، وبالعكس الصفه
[ 64 ]
وإن تكن شرطا أو استفهاما * فمطلقا كمل بها الكلاما من الاسماء الملازمة للاضافة معنى " أي " ولا تضاف إلى مفرد معرفة، إلا إذا تكررت، ومنه قوله: 230 - ألا تسألون الناس أيى وأيكم * غداة التقينا كان خيرا وأ كرما
[ 65 ]
أو قصدت الاجزاء، كقولك: " أي زيد أحسن " ؟ أي: أي أجزاء زيد أحسن، ولذلك يجاب بالاجزاء، فيقال: عينه، أو أنفه، وهذا إنما يكون فيها إذا قصد بها الاستفهام وأى تكون: استفهامية، وشرطية، وصفة، وموصولة. فأما الموصولة فذكر المصنف أنها لا تضاف إلا إلى معرفة، فتقول: " يعجبنى أيهم قائم "، وذكر غيره أنها تضاف - أيضا - إلى نكرة، ولكنه قليل، نجو " يعجبنى أي رجلين قاما ". وأما الصفة فالمراد بها ما كان صفة لنكرة، أو حالا من معرفة، ولا تضاف
إلا إلى نكرة، نحو " مررت برجل أي رجل، ومررت بزيد أي فتى " ومنه قوله: 231 - فأومأت إيماء خفيا لحبتر * فلله عينا حبتر أيما فتى
[ 66 ]
وأما الشرطية والاستفهامية: فيضافان إلى المعرفة وإلى النكرة مطلقا، أي سواء كانا مثنيين، أو مجموعين، أو مفردين - إلا المفرد المعرفة، فإنهما لا يضافان إليه، إلا الاستفهامية، فإنها تضاف إليه كما تقدم ذكره. واعلم أن " أيا " إن كانت صفة أو حالا، فهى ملازمة للاضافة لفظا ومعنى، نحو " مررت برجل أي رجل، وبزيد أي فتى "، وإن كانت استفهامية أو شرطية أو موصولة، فهى ملازمة للاضافة معنى لا لفظا، نحو: " أي رجل عندك ؟ وأى عندك ؟ وأى رجل تضرب أضرب، وأيا تضرب أضرب، ويعجبنى أيهم عندك، وأى عندك " ونحو " أي الرجلين تضرب أضرب، وأى رجلين تضرب أضرب، وأى الرجال تضرب أضرب، وأى رجال تضرب أضرب، وأى الرجلين عندك ؟ وأى للرجال عندك ؟ وأى رجل، وأى رجلين، وأى رجال ؟ ". * * * وألزموا إضافة " لدن " فجر * ونصب " غدوة " بها عنهم ندر
[ 67 ]
ومع مع فيها قليل، ونقل * فتح وكسر لسكون يتصل من الاسماء الملازمة للاضافة " لدن، ومع ". فأما " لدن " فلابتداء غاية زمان أو مكان، وهى مبنية عند أكثر العرب، لشبهها بالحرف في لزوم استعمال واحد - وهو الظرفية، وابتداء الغاية - وعدم جواز الاخبار بها، ولا تخرج عن الظرفية إلا بجرها بمن، وهو الكثير
فيها، ولذلك لم ترد في القرآن إلا بمن، كقوله تعالى: (وعلمناه من لدنا علما)، وقوله تعالى: (لينذر بأسا شديدا من لدنه)، وقيس تعربها، ومنه قراءة أبى بكر عن عاصم: (لينذر بأسا شديدا من لدنه) لكنه أسكن الدال، وأشمها الضم.
[ 68 ]
قال المصنف: ويحتمل أن يكون منه قوله: 232 - تنتهض الرعدة في ظهيري * من لدن الظهر إلى العصير ويجر ماولى " لدن " بالاضافة، إلا " غدوة " فإنهم نصبوها بعد " لدن " كقوله: 233 - وما زال مهرى مزجر الكلب منهم * لدن غدوة حتى دنت لغروب
[ 69 ]
وهى منصوبة على التمييز، وهو اختيار المصنف، ولهذا قال: " ونصب غدوة بها عنهم ندر " وقيل: هي خبر لكان المحذوفة، والتقدير: لدن كانت الساعة غدوة. ويجوز في " غدوة " الجر، وهو القياس، ونصبها نادر في القياس، فلو عطفت على " غدوة " المنصوبة بعد " لدن " جاز النصب عطفا على اللفظ، والجر مراعاة للاصل، فتقول " لدن غدوة وعشية، وعشية " ذكر ذلك الاخفش. وحكى الكوفيون الرفع في " غدوة " بعد " لدن " وهو مرفوع بكان المحذوفة، والتقدير: لدن كانت غدوة [ و " كان " تامة ].
[ 70 ]
وأما " مع " فاسم لمكان الاصطحاب أو وقته، نحو " جلس زيد مع
عمرو، وجاء زيد مع بكر " والمشهور فيها فتح العين، وهى معربة، وفتحتها فتحة إعراب، ومن العرب من يسكنها، ومنه قوله: 234 - فريشى منكم وهواى معكم * وإن كانت زيارتكم لماما وزعم سيبويه أن تسكينها ضرورة، وليس كذلك، بل هو لغة ربيعة، وهى عندهم مبنية على السكون، وزعم بعضهم أن الساكنة العين حرف، وادعى النحاس الاجماع على ذلك، وهو فاسد، فإن سيبويه زعم أن ساكنة العين اسم.
[ 71 ]
هذا حكمها إن وليها متحرك - أعنى أنها تفتح، وهو المشهور، وتسكن، وهى لغة ربيعة - فإن وليها ساكن، فالذي ينصبها على الظرفية يبقى فتحها فيقول " مع ابنك " والذى يبنيها على السكون يكسر لالتقاء الساكنين فيقول " مع ابنك ". * * * واضمم - بناء - " غيرا " ان عدمت ما * له أضيف، وناويا ما عدما قبل كغير، بعد، حسب، أول * ودون، والجهات أيضا، وعل وأعربوا نصبا إذا ما نكرا * " قبلا " وما من بعده قد ذكرا
[ 72 ]
هذه الاسماء المذكورة - وهى: غير، وقبل، وبعد، وحسب، وأول، ودون، والجهات الست - وهى: أمامك، وخلفك، وفوقك، وتحتك، ويمينك، وشمالك - وعل، لها أربعة أحوال: تبنى في حالة منها، وتعرب في بقيتها. فتعرب إذا أضيفت لفظا، نحو " أصبت درهما لا غيره، وجئت من قبل زيد " أو حذف المضاف إليه ونوى اللفظ، كقوله: 235 - ومن قبل نادى كل مولى قرابة * فما عطفت مولى عليه العواطف
وتبقى في هذه الحالة كالمضاف لفظا، فلا تنون إلا إذا حذف ما تضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه، فتكون [ حينئذ ] نكرة، ومنه قراءة من قرأ: (لله الامر من قبل ومن بعد) بجر " قبل، وبعد " وتنوينهما، وكقوله:
[ 73 ]
236 - فساغ لى الشراب وكنت قبلا * أكاد أغص بالماء الحميم هذه هي الاحوال الثلاثة التى تعرب فيها.
[ 74 ]
أما الحالة [ الرابعة ] التى تبنى فيها فهى إذا حذف ما تضاف إليه ونوى معناه دون لفظه، فإنها تبنى حينئذ على الضم، نحو (لله الامر من قبل ومن بعد) وقوله: 237 - * أقب من تحت عريض من عل * وحكى أبو على الفارسى " ابدأ بذا من أول " بضم اللام وفتحها وكسرها - فالضم على البناء لنية المضاف إليه معنى، والفتح على الاعراب لعدم نية المضاف
[ 75 ]
إليه، لفظا ومعنى، وإعرابها إعراب مالا ينصرف للصفة ووزن الفعل، والكسر على نية المضاف إليه لفظا. فقول المصنف " واضمم بناء - البيت " إشارة إلى الحالة الرابعة. وقوله: " ناويا ما عدما " مراده أنك تبنيها على الضم إذا حذفت ما تضاف إليه ونويته معنى لا لفظا. وأشار بقوله: " وأعربوا نصبا " إلى الحالة الثالثة، وهى ما إذا حذف المضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه، فإنها تكون حينئذ نكرة معربة. وقوله: " نصبا " معناه أنها تنصب إذا لم يدخل عليها جار، فإن دخل
[ عليها ] جرت، نحو " من قبل ومن بعد ". ولم يتعرض المصنف للحالتين الباقيتين - أعنى الاولى، والثانية - لان حكمهما ظاهر معلوم من أول الباب - وهو: الاعراب، وسقوط التنوين - كما تقدم [ في كل ما يفعل بكل مضاف مثلها ]. * * * وما يلى المضاف يأتي خلفا * عنه في الاعراب إذا ما حذفا
[ 76 ]
يحذف المضاف القيام قرينة تدل عليه، ويقام المضاف إليه مقامه، فيعرب بإعرابه، كقوله تعالى: (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) أي: حب العجل، وكقوله تعالى: (وجاء ربك) أي: أمر ربك، فحذف المضاف - وهو " حب، وأمر " - وأعرب المضاف إليه - وهو " العجل، وربك " - بإعرابه. * * * وربما جروا الذى أبقوا كما * قد كان قبل حذف ما تقدما لكن بشرط أن يكون ما حذف * مماثلا لما عليه قد عطف
[ 77 ]
قد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه مجرورا، كما كان عند ذكر المضاف، لكن بشرط أن يكون المحذوف مماثلا لما عليه قد عطف، كقول الشاعر: 238 - أكل امرئ تحسبين امرأ * ونار توقد بالليل نارا [ و ] التقدير " وكل نار " فحذف " كل " وبقى المضاف إليه مجرورا
[ 78 ]
كما كان عند ذكرها، والشرط موجود، وهو: العطف على مماثل المحذوف وهو " كل " في قوله " أكل امرئ ". وقد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه على جره، والمحذوف ليس مماثلا
للملفوظ، بل مقابل له، كقوله تعالى: (تريدون عرض الدنيا، والله يريد الآخرة) في قراءة من جر " الآخرة " والتقدير " والله يريد باقى الآخرة " ومنهم من يقدره " والله يريد عرض الآخرة " فيكون المحذوف على هذا مماثلا للملفوظ [ به ]، والاول أولى، وكذا قدره ابن أبى الربيع في شرحه للايضاح. * * * ويحذف الثاني فيبقى الاول * كحاله، إذا به يتصل بشرط عطف وإضافة إلى * مثل الذى له أضفت الاولا يحذف المضاف إليه ويبقى المضاف كحاله لو كان مضافا، فيحذف تنوينه
[ 79 ]
وأكثر ما يكون ذلك إذا عطف على المضاف اسم مضاف إلى مثل المحذوف من الاسم الاول، كقولهم: " قطع الله يدور جل من قالها " التقدير: " قطع الله يد من قالها، ورجل من قالها " فحذف ما أضيف إليه " يد " وهو " من قالها " لدلالة ما أضيف إليه " رجل " عليه، ومثله قوله: 239 - * سقى الارضين الغيث سهل وحزنها *
[ 80 ]
[ التقدير " سهلها وحزنها " ] فحذف ما أضيف إليه " سهل "، لدلالة ما أضيف إليه " حزن " عليه. هذا تقرير كلام المصنف، وقد يفعل ذلك وإن لم يعطف مضاف إلى مثل المحذوف من الاول، كقوله: ومن قبل نادى كل مولى قرابة * فما عطفت مولى عليه العواطف [ 235 ] فحذف ما أضيف إليه " قبل " وأبقاه على حاله لو كان مضافا، ولم يعطف عليه مضاف ألى مثل المحذوف، والتقدير: " ومن قبل ذلك " ومثله قراءة
من قرأ شذوذا: (فلا خوف عليهم) أي: فلا خوف شئ عليهم. وهذا الذى ذكره المصنف - من أن الحذف من الاول، وأن الثاني هو المضاف إلى المذكور - هو مذهب المبرد.
[ 81 ]
ومذهب سيبويه أن الاصل " قطع الله يد من قالها ورجل من قالها " فحذف ما أضيف إليه " رجل " فصار " قطع الله يد من قالها ورجل " ثم أقحم قوله " ورجل " بين المضاف - وهو " يد " - والمضاف إليه - الذى هو " من قالها " - فصار " قطع الله يد ورجل من قالها ". فعلى هذا يكون الحذف من الثاني، لا من الاول، على مذهب المبرد بالعكس. قال بعض شراح الكتاب: وعند الفراء يكون الاسمان مضافين إلى " من قالها " ولا حذف في الكلام: لا من الاول، ولا من الثاني. * * *
[ 82 ]
فصل مضاف شبه فعل ما نصب * مفعولا أو ظرفا أجز، ولم يعب فصل يمين، واضطرارا وجدا * بأجنبى، أو بنعت، أو ندا اجار المصنف أن يفصل - في الاختيار - بين المضاف الذى هو شبه الفعل - والمراد به المصدر، اسم الفاعل - والمضاف إليه، بما نصبه المضاف: من مفعول به: أو ظرف، أو شبهه فمثال ما فصل فيه بينهما بمفعول المضاف قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم) في قراءة ابن عامر، بنصب " أولاد " وجر الشركاء. ومثال ما فصل فيه بين المضاف والمضاف إليه بظرف نصبه المضاف الذى
هو مصدر ما حكى عن بعض من يوثق بعربيته: " ترك يوما نفسك وهواها، سعى لها في رداها "
[ 83 ]
ومثال ما فصل فيه بين المضاف والمضاف إليه بمفعول المضاف الذى هو اسم فاعل قراءة بعض السلف (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) بنصب " وعد " وجر " رسل ". ومثال الفصل بشبه الظرف قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبى الدرداء: " هل أنتم تاركولى صاحبي " وهذا معنى قوله " فصل مضاف - إلى آخره ". وجاء الفصل أيضا في الاختيار بالقسم، حكى السكائى: " هذا غلام والله زيد " ولهذا قال المصنف: " ولم يعب فصل يمين ". وأشار بقوله: " واضطرارا وجدا " إلى أنه قد جاء الفصل بين المضاف والمضاف إليه في الضرورة: بأجنبى من المضاف، وبنعت المضاف، وبالنداء. فمثال الأجنبي قوله: 240 - كما خط الكتاب بكف يوما * يهودى يقارب أو يزيل ففصل ب " يوما " بين " كف " و " يهودى " وهو أجنبي من " كف، لانه معمول ل " خط ".
[ 84 ]
ومثال النعت قوله: 241 - نجوت وقد بل المرادى سيفه * من ابن أبى شيخ الاباطح طالب
[ 85 ]
الاصل " من ابن أبى طالب شيخ الاباطح " وقوله: 242 - ولئن حلفت على يديك لاحلفن * بيمين أصدق من يمينك مقسم
الاصل " بيمين مقسم أصدق من يمينك ". ومثال النداء قوله:
[ 86 ]
243 - وفاق كعب بجير منقذ لك من * تعجيل تهلكة والخلد في سقر وقوله: 244 - كأن بر ذون أبا عصام * زيد حمار دق باللجام الاصل " وفاق بجير يا كعب " و " كأن برذون زيد يا أبا عصام ". * * *
[ 88 ]
المضاف إلى ياء المتكلم آخر ما أضيف لليا اكسر، إذا * لم يك معتلا: كرام، وقذى أويك كابنين وزيدين، فذى * جميعها اليا بعد فتحها احتذى وتدغم اليا فيه والواو، وإن * ما قبل واو ضم فاكسره يهن
[ 89 ]
وألفا سلم، وفي المقصور - عن * هذيل - انقلابها ياء حسن يكسر آخر المضاف إلى ياء المتكلم، إن لم يكن مقصورا، ولا منقوصا، ولا مثنى، ولا مجموعا جمع سلامة المذكر، كالمفرد وجمعى التكسير الصحيحين، وجمع السلامة للمؤنث، والمعتل الجارى مجرى الصحيح، نحو " غلامي، وغلماني، وفتيأتى، ودلوى، وظبيى ". وإن كان معتلا، فإما أن يكون مقصورا أو منقوصا، فإن كان منقوصا
[ 90 ]
أدغمت ياؤه في ياء المتكلم، وفتحت ياء المتكلم، فتقول: " قاضى " رفعا ونصبا وجرا، وكذلك تفعل بالمثنى وجمع المذكر السالم في حالة الجر والنصب،
فتقول: " رأيت غلامي وزيدي " و " مررت بغلامي وزيدي " والاصل: بغلامين لى وزيدين لى، فحذفت النون واللام للاضافة، ثم أدغمت الياء في الياء، وفتحت ياء المتكلم. وأما جمع المذكر السالم - في حالة الرفع - فتقول فيه أيضا: " جاء زيدي "، كما تقول في حالة النصب والجر، والاصل: زيدوى، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، ثم قلبت الضمة كسرة التصح الياء، فصار اللفظ: زيدي. وأما المثنى - في حالة الرفع - فتسلم ألفه وتفتح ياء المتكلم بعده، فتقول: زيداى، وغلاماى " عند جميع العرب. وأما المقصور فالمشهور في لغة العرب جعله المثنى المرفوع، فتقول " عصاي، وفتاى ". وهذيل تقلب ألفه ياء وتدغمها في ياء المتكلم وتفتح ياء المتكلم، فتقول " عصى " ومنه قوله: 245 - سبقوا هوى، وأعنقوا لهواهم * فتخرموا، ولكل جنب مصرع ؟
[ 91 ]
فالحاصل: أن يا المتكلم تفتح مع المنقوص: ك " رامى "، والمقصور: ك " عصاي " والمثنى: ك " غلاماى " رفعا، و " غلامي " نصبا وجرا، وجمع المذكر السالم: ك " زيدي " رفعا ونصبا وجرا. وهذا معنى قوله: " فذى جميعها اليا بعد فتحها احتذى ". وأشار بقوله: " وتدغم " إلى أن الواو في جمع المذكر السالم والياء في المنقوص وجمع المذكر السالم والمثنى، تدغم في ياء المتكلم. وأشار بقوله: " وإن ما قبل واو ضم " إلى أن ما قبل واو الجمع: إن انضم
عند وجود الواو يجب كسره عند قلبها ياء لتسلم الياء، فإن لم ينضم - بل انفتح - بقى على فتحه، نحو " مصطفون "، فتقول: " مصطفى ".
[ 92 ]
وأشار بقوله: " وألفا سلم " إلى أن ما كان آخره ألفا كالمثنى والمقصور، لا تقلب ألفه ياء، بل تسلم، نحو " غلاماى " و " عصاي ". واشار بقوله: " وفي المقصور " إلى أن هذيلا تقلب ألف المقصور خاصة: فتقول: " عصى ". وأما ما عدا هذه الاربعة فيجوز في الياء معه: الفتح، والتسكين، فتقول: " غلامي، وغلامي ". * * *
[ 93 ]
إعمال المصدر بفمله المصدر ألحق في العمل *: مضافا، أو مجردا، أو مع أل إن كان فعل مع " أن " أو " ما " يحل * محله، ولاسم مصدر عمل يعمل المصدر عمل الفعل في موضعين: أحدهما: أن يكون نائبا مناب الفعل، نحو: " ضربا زيدا " ف " زيدا " منصوب ب " ضربا " لنيابته مناب " اضرب " وفيه ضمير مستتر مرفوع به كما في " اضرب " وقد تقدم ذلك في باب المصدر. والموضع الثاني: أن يكون المصدر مقدرا ب " أن " والفعل، أو ب " ما " والفعل، وهو المراد بهذا الفصل، فيقدر ب " أن " إذا أريد المضى أو
[ 94 ]
الاستقبال، نحو " عجبت من ضربك زيدا - أمس، أو غدا " والتقدير: من أن ضربت زيدا أمس، أو من أن تضرب زيدا غدا، ويقدر ب " ما " إذا أريد به
الحال، نحو: " عجبت من ضربك زيدا الآن " التقدير: مما تضرب زيدا الآن. وهذا المصدر المقدر يعمل في ثلاثة أحوال: مضافا، نحو " عجبت من ضربك زيدا " ومجردا عن الاضافة وأل - وهو المنون - نحو: " عجبت من ضرب زيدا " ومحلى بالالف واللام، نحو " عجبت من الضرب زيدا ". وإعمال المضاف أكثر من إعمال المنون، وإعمال المنون أكثر من إعمال المحلى ب " أل "، ولهذا بدأ المصنف بذكر المضاف، ثم المجرد، ثم المحلى. ومن إعمال المنون قوله تعالى: (أو إطعام في يوم ذى مسغبة يتيما " ف " يتيما " منصوب ب " إطعام "، وقول الشاعر: 246 - بضرب بالسيوف رؤوس قوم * أزلنا هامهن عن المقيل
[ 95 ]
ف " رؤوس " منصوب ب " ضرب ". ومن إعماله وهو محلى ب " أل " قوله: 247 - ضعيف النكاية أعداءه * يخال الفرار يراخى الاجل
[ 96 ]
وقوله: 248 - فإنك والتأبين عروة بعدما * دعاك وأيدينا إليه شوارع
[ 97 ]
وقوله: 249 - لقد علمت أولى المغيرة أننى * كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا
[ 98 ]
ف " أعداءه ": منصوب ب " النكاية "، و " عروة " منصوب ب " التأبين " و " مسمعا " منصوب ب " الضرب ".
* * * وأشار بقوله: " ولاسم مصدر عمل " إلى أن اسم المصدر قد يعمل عمل الفعل، والمراد باسم المصدر: ما ساوى المصدر في الدلالة [ على معناه ]، وخالفه بخلوه - لفظا وتقديرا - من بعض ما في فعله دون تعويض: كعطاء، فإنه مساو لاعطاء معنى، ومخالف له بخلوه من الهمزة الموجودة في فعله، وهو خال منها لفظا وتقديرا، ولم يعوض عنها شئ. واحترز بذلك مما خلا من بعض ما في فعله لفظا ولم يخل منه تقديرا، فإنه
[ 99 ]
لا يكون اسم مصدر، بل يكون مصدرا، وذلك نحو: " قتال " فإنه مصدر " قاتل " وقد خلا من الالف التى قبل التاء في الفعل، لكن خلا منها لفظا، ولم يخل [ منها ] تقديرا، ولذلك نطق بها في بعض المواضع، نحو: " قاتل قيتالا، وضارب ضيرابا " لكن انقلبت الالف ياء الكسر ما قبلها. واحترز بقوله " دون تعويض " مما خلا من بعض ما في فعله لفظا وتقديرا، ولكن عوض عنه شئ، فإنه لا يكون اسم مصدر، نل هو مصدر، وذلك نحو عدة، فإنه مصدر " وعد " وقد خلا من الواو التى في فعله لفظا وتقديرا، ولكن عوض عنها التاء. وزعم ابن المصنف أن " عطاء " مصدر، وأن همزته حذفت تخفيفا، وهو خلاف ما صرح به غيره من النحويين. ومن إعمال اسم المصدر قوله: 250 - أكفرا بعد رد الموت عنى * وبعد عطائك المائة الرتاعا
[ 100 ]
ف " المائة " منصوب ب " عطائك " ومنه حديث الموطأ: " من قبلة الرجل امرأته الوضوء "، ف " امرأته " منصوب ب " قبلة " وقوله:
251 - إذا صح عون الخالق المرء لم يجد * عسيرا من الآمال إلا ميسرا وقوله: 252 - بعشرتك الكرام تعد منهم * فلا ترين لغيرهم ألوفا
[ 101 ]
وإعمال اسم المصدر قليل، ومن ادعى الاجماع على جواز إعماله فقد وهم، فإن الخلاف في ذلك المشهور، وقال الصيمري: إعماله شاذ، وأنشد: * أكفرا - البيت * [ 250 ] وقال ضياء لدين بن العلج في البسيط: ولا ببعد أن ما قام مقام المصدر بعمل عمله، ونقل عن بعضهم أنه قد أجاز ذلك قياسا. * * * وبعد جرة الذى أضيف له * كمل بنصب أو برفع عمله
[ 102 ]
يضاف المصدر إلى الفاعل فيجره، ثم ينصب المفعول، نحو " عجبت من شرب زيد العسل " وإلى المفعول ثم يرفع الفاعل، نحو: " عجبت من شرب العسل زيد "، ومنه قوله: 253 - تنفى يداها الحصى في كل هاجرة * نفى الدراهيم تنقاد الصياريف
[ 103 ]
وليس هذا الثاني مخصوصا بالضرورة، خلافا لبعضهم، وجعل منه قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، فأعرب " من " فاعلا بحج ورد بأنه يصير المعنى: ولله على جميع الناس أن يحج البيت المستطيع، وليس كذلك، ف " من ": بدل من " الناس "، والتقدير: ولله على الناس مستطيعهم حج البيت، وقيل: " من " مبتدأ، والخبر محذوف، والتقدير، من استطاع منهم فعليه ذلك.
ويضاف المصدر أيضا إلى الظرف ثم يرفع الفاعل وينصب المفعول، نحو: " عجبت من ضرب اليوم زيد عمرا ". * * * وجر ما يتبع ماجر، ومن * راعى في الاتباع المحل فحسن
[ 104 ]
إذا أضيف المصدر إلى الفاعل ففاعله يكون مجرورا لفظا، مرفوعا محلا، فيجوز في تابعه - من الصفة، والعطف، وغيرهما - مراعاة اللفظ فيجر، ومراعاة المحل فيرفع، فتقول، " عجبت من شرب زيد الظريف، والظريف ". ومن إتباعه [ على ] المحل قوله: 254 - حتى تهجر في الرواح وهاجها * طلب المعقب حقه المظلوم فرفع " المظلوم " لكونه نعتا ل " لمعقب " على المحل.
[ 105 ]
وإذا أضيف إلى المفعول، فهو مجرور لفظا، منصوف محلا، فيجوز - أيضا - في تابعه مراعاة اللفظ والمحل، ومن مراعاة المحل قوله: 255 - قد كنت داينت بها حسانا * مخافة الافلاس والليانا ف " الليانا "، معطوف على محل " الافلاس ".
[ 106 ]
إعمال اسم الفاعل كفعله اسم فاعل في العمل * إن كان عن مضيه بمعزل لا يخلو اسم الفاعل من أن يكون معرفا بأل، أو مجردا. فإن كان مجردا عمل عمل فعله، من الرفع والنصب، إن كان مستقبلا أو حالا، نحو " هذا ضارب زيدا - الآن، أو غدا " وإنما عمل لجريانه على الفعل الذى هو بمعناه، وهو المضارع، ومعنى جريانه عليه: أنه موافق له
في الحركات والسكنات، لموافقة " ضارب " ل " يضرب "، فهو مشبه للفعل الذى هو بمعناه لفظا ومعنى. وإن كان بمعنى الماضي لم يعمل، لعدم جريانه على الفعل الذى هو بمعناه، فهو مشبه له معنى، لا لفظا، فلا تقول. " هذا ضارب زيدا أمس "، بل يجب إضافته، فتقول " هذا ضارب زيد أمس "، وأجاز الكسائي إعماله، وجعل منه قوله تعالى: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)
[ 107 ]
ف " ذراعيه " منصوب ب " باسط "، وهو ماض، وخرجه غيره على أنه حكاية حال ماضية. * * * وولى استفهاما، أو حرف ندا، * أو نفيا، أو جاصفة، أو مسندا أشار بهذا [ البيت ] إلى أن اسم الفاعل لا يعمل إلا إذا اعتمد على شئ قبله، كأن يقع بعد الاستفهام، نحو " أضارب زيد عمرا "، أو حرف النداء، نحو " يا طالعا جبلا " أو النفى، نحو " ما ضارب زيد عمرا " أو يقع نعتا، نحو " مررت برجل ضارب زيدا " أو حالا، نحو " جاء زيد راكبا فرسا " ويشمل هذين [ النوعين ] قوله: " أو جاصفة " وقوله: " أو مسندا " معناه أنه يعمل إذا وقع خبرا، وهذا يشمل خبر المبتدأ، نحو " زيد ضارب عمرا " وخبر ناسخه أو مفعوله، نحو " كان زيد ضاربا عمرا، وإن زيدا ضارب عمرا، وظننت زيدا ضاربا عمرا، وأعلمت زيدا عمرا ضاربا بكرا ". * * *
[ 108 ]
وقد يكون نعت محذوف عرف * فيستحق العمل الذى وصف قد يعتمد اسم الفاعل على موصوف مقدر فيعمل عمل فعله، كما لو اعتمد على مذكور، ومنه قوله:
256 - وكم مالئ عينيه من شئ غيره * إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى
[ 109 ]
ف " عينيه ": منصوب ب " مالئ " و " مالئ ": صفة لموصوف محذوف، وتقديره: وكم شخص مالئ، ومثله قوله: 257 - كناطح صخرة يوما ليوهنها * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل التقدير: كوعل ناطح صخرة * * *
[ 110 ]
وإن يكون صلة أل ففى المصى * وغيره إعماله قد ارتضى إذا وقع اسم الفاعل صلة للالف واللام عمل: ماضيا، ومستقبلا، وحالا، لوقوعه حينئذ موقع الفعل، إذ حق الصلة أن تكون جملة، فتقول: " هذا الضارب زيدا - الآن، أو غدا، أو أمس ". هذا هو المشهور من قول النحويين، وزعم جماعة من النحويين - منهم الرماني - أنه إذا وقع صلة لال لا يعمل إلا ماضيا، ولا يعمل مستقبلا، ولا حالا، وزعم بعضهم أنه لا يعمل مطلقا، وأن المنصوب بعده منصوب بإضمار فعل، والعجب أن هدين المذهبين ذكرهما المصنف في التسهيل، وزعم ابنه بدر الدين في شرحه أن اسم الفاعل إذا وقع صلة للالف واللام عمل:
[ 111 ]
ماضيا، ومستقبلا، وحالا، باتفاق، وقال بعد هذا أيضا: ارتضى جميع النحويين إعماله، يعنى إذا كان صلة لال. * * * فعال أو مفعال أو فعول - في كثرة - عن فاعل بديل فيستحق ماله من عمل * وفي فعيل قل ذا وفعل يصاغ للكثرة: فعال، ومفعال، وفعول، وفعيل، وفعل، فيعمل
عمل الفعل على حد اسم الفاعل، وإعمال الثلاثة الاول أكثر من إعمال فعيل وفعل، وإعمال فعيل أكثر من إعمال فعل. فمن إعمال فعال ما سمعه سيبويه من قول بعضهم: " أما العسل فأنا شراب "، وقول الشاعر:
[ 112 ]
258 - أخا الحرب لباسا إليها جلالها * وليس بولاج الخوالف أعقلا ف " العسل " منصوب ب " شراب "، و " جلالها " منصوب ب " لباس ".
[ 113 ]
ومن إعمال مفعال قول بعض العرب: " إنه لمنحار بوائكها " ف " بوائكها " منصوب ب " منحار ". ومن إعمال فعول قول الشاعر: 259 - عشية سعدى لو تراءت لراهب * بدومة تجر دونه وحجيح قلى دينه، واهتاج للشوق، إنها * على الشوق إخوان العزاء هيوج
[ 114 ]
ف " إخوان " منصوب ب " هيوج ". ومن إعمال فعيل قول بعض العرب: " إن الله سميع دعاء من دعاه " ف " دعاء " منصوب ب " سميع ". ومن إعماله قعل ما أنشده سيبويه: 260 - حذر أمورا لا تضير، وآمن * ما ليس منجيه من الاقدار
[ 115 ]
وقوله:
261 - أتانى أنهم مزقون عرضى * جحاش الكرملين لها فديد ف " أمورا " منصوب ب " حذر "، و " عرضى " منصوب ب " مزق " * * *
[ 116 ]
وما سوى المفرد مثله جعل * في الحكم والشروط حيثما عمل ما سوى المفرد هو المثنى والمجموع - نحو: الضاربين، والضاربتين، والضاربين، والضراب، الضوارب، والضاربات - فحكمها حكم المفرد في العمل وسائر ما تقدم ذكره من الشروط، فتقول: " هذان الضاربان زيدا، وهؤلاء القاتلون بكرا "، وكذلك الباقي، ومنه قوله: 262 - * أوالفا مكة من ورق الحمى *
[ 117 ]
[ أصله الحمام ] وقوله: 263 - ثم زادوا أنهم في قومهم * غفر ذنبهم غير فخر
[ 118 ]
وانصب بذى الاعمال تلوا، واخفض، * وهو لنصب ما سواه مقتضى يجوز في اسم الفاعل العامل إصافته إلى ما يليه من مفعول، ونصبه له، فتفول: " هذا ضارب زيد، وضارب زيدا: فإن كان له مفعولان وأضفته إلى أحدهما وجب نصب الآخر، فتقول: " هذا معطى زيد درهما، ومعطى درهم زيدا ". * * * واجرر أو انصب تابع الذى انخفض * ك " مبتغى جاه ومالا من نهض " يجوز في تابع معمول اسم الفاعل المجرور بالاضافة: الجر، والنصب، نحو
[ 119 ]
" هذا ضارب زيد وعمرو، وعمرا "، فالجر مراعاة اللفظ، والنصب على إضمار
فعل - وهو الصحيح - والتقدير " ويضرب عمرا " أو مراعاة المحل المخفوص، وهو المشهور، وقد روى بالوجهين قوله: 264 - الواهب المائة الهجان وعبدها * عوذا تزجى بينها أطفالها
[ 120 ]
بنصب " عبد " وجره، وقال الآخر: 265 - هل أنت باعث دبنار لاجتنا * أو عبد رب أخاعون بن مخراق بنصب " عبد " [ عطفا ] على محل " دينار " أو على إضمار فعل، التقدير: " أو تبعث عبد [ رب ] ". * * *
[ 121 ]
وكل ما قرر لاسم فاعل * يعطى اسم مفعول بلا تفاضل فهو كفعل صيغ للمفعول في * معناه ك " المعطى " كفافا يكتفى " جميع ما تقدم في اسم الفاعل - من أنه إن كان مجردا عمل إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال، بشرط الاعتماد، وإن كان بالالف واللام عمل مطلقا - يثبت لاسم المفعول، فتقول: " أمضروب الزيدان - الآن، أو غدا "، أو " جاء المضروب أبوهما - الآن، أو غدا، أو أمس ". وحكمه في المعنى والعمل حكم الفعل المبنى للمفعول، فيرفع المفعول كما يرفعه فعله، فكما تقول: " ضرب الزيدان " تقول: أمضروب الزيدان " ؟ وإن كان له مفعولان رفع أحدهما ونصب الآخر، نحو " المعطى كفافا
[ 122 ]
يكتفى " فالمفعول [ الاول ] ضمير مستتر عائد على الالف واللام، وهو مرفوع لقيامه مقام الفاعل، و " كفافا ": المفعول الثاني. * * * وقد يضاف ذا إلى اسم مرتفع * معنى، ك " محمود المقاصد الورع " يجوز في اسم المفعول أن يضاف إلى ما كان مرفوعا به، فتقول في قولك
" زيد مضروب عبده ": " زيد مضروب العبد " فتضيف اسم المفعول إلى ما كان مرفوعا به، ومثله " الورع محمود المقاصد "، والاصل: " الورع محمود مقاصده " ولا يجوز ذلك في اسم الفاعل، فلا تقول: " مررت برجل ضارب الاب زيدا " تريد " ضارب أبوه زيدا ". * * *
[ 123 ]
أبنية المصادر فعل قياس مصدر المعدى * من ذى ثلاثة، ك " ردردا " الفعل الثلاثي [ المتعدى ] يجئ مصدره على " فعل " قياسا مطردا، نص على ذلك سيبويه في مواضع، فتقول: رد ردا، وضرب ضربا، وفهم فهما، وزعم بعضهم أنه لا ينقاس، وهو غير سديد. * * * وفعل اللازم بابه فعل * كفرح، وكجوى، وكشلل أي: يجئ مصدر فعل اللازم على فعل قياسا، كفرح فرحا، وجوى جوى، وشلت يده شللا. * * * وفعل اللازم مثل فعدا * له فعول باطراد، كغدا
[ 124 ]
ما لم يكن مستوجبا: فعالا، * أو فعلانا - فادر - أو فعالا فأول لذى امتناع كأبى، * والثان للذى اقتضى تقلبا للدا فعال أو لصوت، وشمل * سيرا وصوتا الفعيل كصهل يأتي مصدر فعل اللازم على فعول قياسا، فتقول: " قعد قعودا، وغدا غدوا، وبكر بكورا ".
[ 125 ]
وأشار بقوله: " ما لم يكن مستوجبا فعالا - إلى آخره " إلى أنه إنما
يأتي مصدره على فعول، إذا لم يستحق أن يكون مصدره على: فعال، أو فعلان، أو فعال. فالذي استحق أن يكون مصدره على فعال هو: كل فعل دل على امتناع، كأبى إباء، ونفر نفارا، وشرد شرادا، و [ هذا ] هو المراد بقوله " فأول لذى امتناع ". والذى استحق أن يكون مصدره على فعلان هو: كل فعل دل على تقلب، نحو: " طاف طوفانا، وجال جولانا، ونزا نزوانا "، وهذا معنى قوله " والثان للذى اقتضى تقلبا ". والذى استحق أن يكون مصدره على فعال هو: كل فعل دل على داء، أو صوت، فمثال الاول: سعل سعالا، وزكم ز كاما، ومشى بطنه مشاء. ومثال الثاني: نعب الغراب نعابا، ونعق الراعى نعاقا، وأزت القدر أزازا، وهذا هو المراد بقوله: " للدا فعال أو لصوت ". وأشار بقوله: " وشمل سيرا وصوتا الفعيل " إلى أن فعيلا يأتي مصدرا لما دل على سير، ولما دل على صوت، فمثال الاول: ذمل ذميلا، ورحل رحيلا، ومثال الثاني: نعب نعيبا، ونعق نعيقا [ وأزت القدر أزيزا، وصهلت الخيل صهيلا ]. * * * فعولة فعالة لفعلا * كسهل الامر، وزيد جزلا
[ 126 ]
إذا كان الفعل على فعل - [ ولا يكون إلا لازما ] - يكون مصدره على فعولة، أو على فعالة، فمثال الاول: سهل سهولة، وصعب صعوبة، وعذب عذوبة، ومثال الثاني: جزل جزالة، وفصح فصاحة، وضخم ضخامة.
* * * وما أتى مخالفا لما مضى * فبابه النقل، كسخط ورضى يعنى أن ما سبق ذكره في هذا الباب هو القياس الثابت في مصدر الفعل الثلاثي، وما ورد على خلاف ذلك فليس بمقيس، بل يقتصر فيه على السماع، نحو: سخط سخطا، ورضى رضا، وذهب ذهابا، وشكر شكرا، وعظم عظمة. * * * وغير ذى ثلاثة مقيس * مصدره كقدس التقديس
[ 127 ]
وزكه تزكية، وأجملا * إجمال من تجملا تجملا واستعذ استعاذة، ثم أقم * إقامة، وغالبا ذا التا لزم وما يلي الآخر مد وافتحا * مع كسر تلو الثان مما افتتحا همز وصل: كاصطفى، وضم ما * يربع في أمثال قد تلملما
[ 128 ]
ذكر في هذه الابيات مصادر غير الثلاثي، وهى مقيسة كلها. فما كان على وزن فعل، فإما أن يكون صحيحا أو معتلا، فإن كان صحيحا فمصدره على تفعيل، نحو " قدس تقديسا "، ومنه قوله تعالى: (وكلم الله موسى تكليما) ويأتى - أيضا - على [ وزن ] فعال، كقوله تعالى: (وكذبوا بآياتنا كذابا) ويأتى على فعال بتخفيف العين، وقد قرئ (وكذبوا بآياتنا كذابا) بتخفيف الذال، وإن كان معتلا فمصدره كذلك، لكن تحذف ياء التفعيل، ويعوض عنها التاء، فيصير مصدره على تفعلة، نحو " زكى تزكية " وندر مجيئه على تفيل، كقوله: 266 - باتت تنزى دلوها تنزيا * كما تنزى شهلة صبيا
[ 129 ]
وإن كان مهموزا - ولم يذكره المصنف هنا - فمصدره على تفعيل، وعلى تفعلة، نحو: خطأ تخطيئا وتخطئة، وجزأ تجزيئا وتجزئة، ونبأ تنبيأ وتنبئة. وإن كان على " أفعل " فقياس مصدره على إفعال، نحو: أكرم إكراما، وأجمل إجمالا، وأعطى إعطاء. هذا إذا لم يكن معتل العين، فإن كان معتل العين نقلت حركة عينه إلى فاء الكلمة وحذفت، وعوض عنها تاء التأنيث غالبا، نحو: أقام إقامة، والاصل: إقواما، فنقلت حركة الواو إلى القاف، وحذفت، وعوض عنها تاء التأنيث، فصار إقامة. وهذا هو المراد بقوله: " ثم أقم إقامة "، وقوله: " وغالبا ذا التا لزم "
[ 130 ]
إشارة إلى ما ذكرناه من أن التاء تعوض غالبا، وقد جاء حذفها، كقوله تعالى: (وإقام الصلاة). وإن كان على وزن تفعل، فقياس مصدره تفعل - بضم العين - نحو: تجمل تجملا، وتعلم تعلما، وتكرم تكرما. وإن كان في أوله همزة وصل كسر ثالثه، وزيد ألف قبل آخره، سواء كان على وزن انفعل، أو افتعل، أو استفعل، نحو: انطلق انطلاقا، واصطفى اصطفاء، واستخرج استخراجا، وهذا معنى قوله " وما يلي الآخر مد وافتحا ". فإن كان استفعل معتل العين نقلت حركة عينه إلى فاء الكلمة، وحذفت، وعوض عنها تاء التأنيث لزوما، نحو: استعاذ استعاذة، والاصل استعواذا، فنقلت حركة الواو إلى العين - وهى فاء الكلمة - [ وحذفت ] وعوض عنها
التاء، فصار استعاذة، وهذا معنى قوله " واستعذ استعاذة ". ومعنى قوله: " وضم ما يربع في أمثال قد تلملما " أنه إن كان الفعل على وزن " تفعلل " يكون مصدره على تفعلل - بضم اربعه - نحو " تلملم تلملما، وتد حرج تد حرجا ". * * * فعلال أو فعللة - لفعللا، * واجعل مقيسا ثانيا لا أولا
[ 131 ]
يأتي مصدر فعلل على فعلال: كد حرج دحراجا، وسرهف سرهافا، وعلى فعللة - وهو المقيس فيه - نحو " دحرج دحرجة، وبهرج بهرجة، وسرهف سرهفة ". * * * لفاعل: الفعال، والمفاعلة، * وغير ما مر السماع عادله كل فعل على وزن فاعل فمصدره الفعال والمفاعلة، نحو " ضارب ضرابا ومضاربة، وقاتل قتالا ومقاتلة، وخاصم خصاما ومخاصمة ". وأشار بقوله: " وغير ما مر - إلخ " إلى أن ما ورد من مصادر غير الثلاثي على خلاف ما مر يحفظ ولا يقاس عليه، ومعنى قوله " عادله " كان السماع له عديلا، فلا يقدم عليه إلا بثبت، كقولهم - في مصدر فعل المعتل - تفعيلا، ونحو: * باتت تنزى دلوها تنزيا * [ 266 ] والقياس تنزية، وقولهم في مصدر حوقل حيقالا، وقياسه حوقلة - نحو " دحرج دحرجة " - ومن ورود " حيقال " قوله: 267 - يا قوم قد حوقلت أو دنوت * وشر حيقال الرجال الموت
[ 132 ]
وقولهم - في مصدر تفعل - تفعالا، نحو: تملق تملاقا، والقياس تفعل
تفعلا، نحو: تملق تلمقا. * * * وفعلة لمرة كجلسه * وفعلة لهيئة كجلسه إذا أريد بيان المرة من مصدر الفعل الثلاثي قيل فعلة - بفتح الفاء - نحو ضربته ضربة، وقتلته قتلة هذا إذا لم يبن المصدر على تاء التأنيث، فإن بنى عليها وصف بما يدل على
[ 133 ]
الوحدة نحو: نعمة، ورحمة، فإذا أريد المرة وصف بواحدة. وإن أريد بيان الهيئة منه قيل: فعلة - بكسر الفاء - نحو جلس جلسة حسنة، وقعد قعدة، ومات ميتة. * * * في غير ذى الثلاث بالتا المرة * وشذ فيه هيئة كالخمره إذا أريد بيان المرة من مصدر المزيد على ثلاثة أحرف، زيد على المصدر تاء التأنيث، نحو أكرمته إكرامة، ودحرجته دحراجة. وشذ بناء فعلة للهيئة من غير الثلاثي، كقولهم: هي حسنة الخمرة، فبنوا فعلة من " اختمر " و " هو حسن العمة " فبنوا فعلة من " تعمم ". * * *
[ 134 ]
أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين [ والصفات المشبهات بها ] كفاعل صغ اسم فاعل: إذا * من ذى ثلاثة يكون، كغذا إذا أريد بناء اسم الفاعل من الفعل الثلاثي جئ به على مثال " فاعل " وذلك مقيس في كل فعل كان على وزن فعل - بفتح العين - متعديا كان أو لازما، نحو ضرب فهو ضارب، وذهب فهو ذاهب، وغذا فهو غاذ، فإن كان الفعل على وزن فعل - بكسر العين - فإما أن يكون متعديا، أو لازما، فإن كان
متعديا فقياسه أيضا أن يأتي اسم فاعله على فاعل، نحو ركب فهو راكب، وعلم فهو عالم، وإن كان لازما، أو كان الثلاثي على فعل - بضم العين - فلا يقال في اسم الفاعل منهما فاعل إلا سماعا، وهذا هو المراد بقوله: وهو قليل في فعلت وفعل * غير معدى، بل قياسه فعل
[ 135 ]
وأفعل، فعلان، نحو أشر، * ونحو صديان، ونحو الاجهر أي: إتيان اسم الفاعل على [ وزن ] فاعل قليل في فعل - بضم العين - كقولهم: حمض فهو حامض، وفي فعل - بكسر العين - غير متعد، نحو: أمن فهو آمن [ وسلم فهو سالم، وعقرت المرأة فهى عاقر ]، بل قياس اسم الفاعل من فعل المكسور العين إذا كان لازما أن يكون على فعل - بكسر العين - نحو " نضر فهو نضر، وبطر فهو بطر، وأشر فهو أشر " أو على فعلان، نحو " عطش فهو عطشان، وصدى فهو صديان " أو على أفعل، نحو: " سود فهو أسود، وجهر فهو أجهر ". وفعل اولى، وفعيل بفعل * كالضخم والجميل، والفعل جمل وأفعل فيه قليل وفعل، * وبسوى الفاعل قد يغنى فعل إذا كان الفعل على وزن فعل - بضم العين - كثر مجئ اسم الفاعل منه على وزن فعل ك " ضخم هو ضخم، وشهم فهو شهم " وعلى فعيل، نحو:
[ 136 ]
" جمل فهو جميل، وشرف فهو شريف "، ويقل مجئ اسم فاعله على أفعل نحو " خظب فهو أخظب " وعلى فعل نحو " بطل فهو بطل ". وتقدم أن قياس اسم الفاعل من فعل المفتوح العين أن يكون على فاعل، وقد يأتي اسم الفاعل عنه على غير فاعل قليلا، ونحو: طاب فهو طيب، وشاخ
فهو شيخ، وشاب فهو أشيب، وهذا معنى قوله: " وبسوى الفاعل قد يغنى فعل ". * * * وزنة المضارع اسم فاعل * من غير ذى الثلاث كالمواصل مع كسر متلو الاخير مطلقا * وضم ميم زائد قد سبقا
[ 137 ]
وإن فتحت منه ما كان انكسر * صار اسم مفعول كمثل المنتظر يقول: زنة اسم الفاعل من الفعل الزائد على ثلاثة أحرف زنة المضارع منه بعد زيادة الميم في أوله مضمومة، ويكسر ما قبل آخره مطلقا: أي سواء كان مكسورا من المضارع أو مفتوحا، فتقول " قاتل يقاتل فهو مقاتل، ودحرج يد حرج فهو مدحرج، وواصل يواصل فهو مواصل، وتدحرج يتدحرج فهو متدحرج، وتعلم يتعلم فهو متعلم ". فإن أردت بناء اسم المفعول من الفعل الزائد على ثلاثة أحرف أتيت به على وزن اسم الفاعل، ولكن تفتح منه ما كان مكسورا - وهو ما قبل الآخر - نحو: مضارب، ومقاتل، ومنتظر. * * * وفي اسم مفعول الثلاثي اطرد * زنة مفعول كآت من قصد إذا أريد بناء اسم المفعول من الفعل الثلاثي جئ به على زنة " مفعول " قياسا
[ 138 ]
مطردا نحو: " قصدته فهو مقصود، وضربته فهو مضروب، ومررت به فهو ممرور به ". * * * وناب نقلا عنه ذو فعيل * نحو فتاة أو فتى كحيل ينوب " فعيل " عن " مفعول " في الدلالة على معناه نحو " مررت برجل جريح، وامرأة جريح، وفتاة كحيل، وفتى كحيل، وامرأة قتيل، ورجل
قتيل " فناب جريح وكحيل وقتيل، عن: مجروح، ومكحول، ومقتول. ولا ينقاس ذلك في شئ، بل يقتصر فيه على السماع، وهذا معنى قوله: " وناب نقلا عنه ذو فعيل ". وزعم ابن المصنف أن نيابة " فعيل " عن " مفعول " كثيرة، وليست مقيسة، بالاجماع، وفي دعواه الاجماع على ذلك نظر، فقد قال والده في التسهيل في باب اسم الفاعل عند ذكره نيابة فعيل عن مفعول: وليس مقيسا خلافا لبعضهم، وقال في شرحه: وزعم بعضهم أنه مقيس في كل فعل ليس له فعيل بمعنى فاعل كجريح، فإن كان للفعل فعيل بمعنى فاعل لم ينب قياسا كعليم، وقال في باب التذكير والتأنيث: وصوغ فعيل بمعنى مفعول على كثرته غير مقيس، فجزم بأصح القولين كما جزم به هنا، وهذا لا يقتضى نفى الخلاف. وقد يعتذر عن ابن المصف بأنه ادعى الاجماع على أن فعيلا لا ينوب عن
[ 139 ]
مفعول، يعنى نيابة مطلقة، أي من كل فعل، وهو كذلك، بناء على ما ذكره والده في شرح التسهيل من أن القائل بقياسه يخصه بالفعل الذى ليس له فعيل بمعنى فاعل. ونبه المصنف بقوله: نحو: " فتاة أو فتى كحيل " على أن فعيلا بمعنى مفعول يستوى فيه المذكر والمؤنث، وستأتى هذه المسألة مبينة في باب التأنيث، إن شاء الله تعالى. وزعم المصنف في التسهيل أن فعيلا ينوب عن مفعول: في الدلالة على معناه، لا في العمل، فعلى هذا لا تقول: " مررت برجل جريح عبده " فترفع " عبده " بجريح، وقد صرح غيره بجواز هذه المسألة. * * *
[ 140 ]
الصفة المشبهة باسم الفاعل صفة استحسن جر فاعل * معنى بها المشبهة اسم القاعل قد سبق أن المراد بالصفة: مادل على معنى وذات، وهذا يشمل: اسم الفاعل، واسم المفعول، وأفعل التفضيل، والصفة المشبهة. وذكر المصنف أن علامة الصفة المشبهة استحسان جر فاعلها بها، نحو: " حسن الوجه ومنطلق اللسان، وطاهر القلب " والاصل: حسن وجهه، ومنطلق لسانه، وطاهر قلبه، فوجهه: مرفوع بحسن [ على الفاعلية ] ولسانه: مرفوع بمنطلق، وقلبه: مرفوع بطاهر، وهذا لا يجوز في غيرها من الصفات، فلا تقول: " زيد ضارب الاب عمرا " تريد ضارب أبوه عمرا، ولا " زيد قائم الاب غدا " تريد زيد قائم أبوه غدا، وقد تقدم أن اسم المفعول يجوز إضافته إلى مرفوعه، فتقول: " زيد مضروب الاب " وهو حينئذ جار مجرى الصفة المشبهة. * * *
[ 141 ]
وصوغها من لازم لحاضر * كطاهر القلب جميل الظاهر يعنى أن الصفة المشبهة لا تصاغ من فعل متعد، فلا [ تقول: " زيد قاتل الاب بكرا " تريد قاتل أبوه بكرا، بل لا ] تصاغ إلا من فعل لازم، نحو: " طاهر القلب، وجميل الظاهر " ولا تكون إلا للحال، وهو المراد بقوله: " لحاضر "، فلا تقول: " زيد حسن الوجه - غدا، أو أمس ". ونبه بقوله. " كطاهر القلب جميل الظاهر " على أن الصفة المشبهة إذا كانت من فعل ثلاثى تكون على نوعين، أحدهما: ما وازن المضارع، نحو: " طاهر القلب " وهذا قليل فيها، والثانى: ما لم يوزانه، وهو الكثير، نحو
" جميل الظاهر، وحسن الوجه وكريم الاب " وإن كانت من غير ثلاثى وجب موازنتها المضارع، نحو " منطلق اللسان ". * * * وعمل اسم فاعل المعدى * لها، على الحد الذى قد حدا
[ 142 ]
أي: يثبت لهذه الصفة عمل اسم الفاعل المتعدى، وهو: الرفع، والنصب نحو " زيد حسن الوجه " ففى " حسن " ضمير مرفوع هو الفاعل، و " الوجه " منصوب على التشبيه بالمفعول به، لان " حسنا " شبيه بضارب فعمل عمله، وأشار بقوله: " على الحد الذى قد حدا " إلى أن الصفة المشبهة تعمل على الحد الذى سبق في اسم الفاعل، وهو أنه لابد من اعتمادها، كما أنه لا بد من اعتماده. * * * وسبق ما تعمل فيه مجتنب * وكونه ذا سببية وجب
[ 143 ]
لما كانت الصفة المشبهة فرعا في العمل عن اسم الفاعل قصرت عنه، فلم يجز تقديم معمولها عليها، كما جاز في اسم الفاعل، فلا تقول: " زيد الوجه حسن " كما تقول: " زيد عمرا ضارب " ولم تعمل إلا في سببي، نحو " زيد حسن وجهه " ولا تعمل في أجنبي، فلا تقول " زيد حسن عمرا " واسم الفاعل يعمل في السببي، والاجنبى، نحو " زيد ضارب غلامه، وضارب عمرا ". * * * فارفع ها، وانصب، وجر - مع أل * ودون أل - مصحوب أل، وما اتصل بها: مضافا، أو مجردا، ولا * تجرر بها - مع أل - سما من أل خلا
[ 144 ]
ومن إضافة لتاليها، وما * لم يخل فهو بالجواز وسما الصفة المشبهة إما أن تكون بالالف واللام، نحو " الحسن " أو مجردة عنهما،
نحو " حسن " وعلى كل من التقديرين لا يخلو المعمول من أحوال ستة: الاول: أن يكون المعمول بأل، نحو " الحسن الوجه، وحسن الوجه ". الثاني: أن يكون مضافا لما فيه أل، نحو " الحسن وجه الاب، وحسن وجه الاب ". الثالث: أن يكون مضافا إلى ضمير الموصوف، نحو " مررت بالرجل الحسن وجهه، وبرجل حسن وجهه ". الرابع: أن يكون مضافا إلى مضاف إلى ضمير الموصوف. نحو " مررت بالرجل الحسن وجه غلامه، وبرجل حسن وجه غلامه ". الخامس: أن يكون مجراد من أل دون الاضافة، نحو " الحسن وجه أب، وحسن وجه أب ".
[ 145 ]
السادس: أن يكون المعمول مجردا من أل والاضافة، نحو " الحسن وجها، وحسن وجها ". فهذه اثنتا عشرة مسألة، والمعمول في كل واحدة من هذه المسائل المذكورة: إما أن يرفع، أو ينصب، أو يجر. فيتحصل حينئذ ست وثلاثون صورة. وإلى هذا أشار بقوله " فارفع بها " أي: بالصفة المشبهة، " وانصب، وجر، مع أل " أي: إذا كانت الصفة بأل، نحو " الحسن " " ودون أل " أي إذا كانت الصفة بغير أل، نحو " حسن " " مصحوب أل " المعمول المصاحب لال، نحو " الوجه " " وما اتصل بها: مضافا، أو مجردا " أي: والمعمول المتصل بها - أي: بالصفة - إذا كان المعمول مضافا، أو مجردا من الالف واللام والاضافة، ويدخل تحت قوله: " مضافا " المعمول المضاف إلى ما فيه أل، نحو
" وجه الاب " والمضاف إلى ضمير الموصوف، نحو " وجهه " والمضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف، نحو " وجه غلامه " والمضاف إلى المجرد من أل دون الاضافة، نحو " وجه أب ". وأشار بقوله: " ولا تجرر بها مع أل - إلى آخره " إلى أن هذه المسائل ليست كلها على الجواز، بل يمتنع منها - إذا كانت الصفة بأل - أربع مسائل: الاولى: جر المعمول المضاف إلى ضمير الموصوف، نحو " الحسن وجهه ". الثانية: جر المعمول المضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف، نحو " الحسن وجه غلامه ".
[ 146 ]
الثالثة: جر المعمول المضاف إلى المجرد من أل دون الاضافة، نحو " الحسن وجه أب ". الرابعة: جر المعمول المجرد من أل والاضافة، نحو " الحسن الوجه ". فمعنى كلامه " ولا تجرر بها " أي بالصفة المشبهة، إذا كانت الصفة مع أل، اسما خلا من أل أو خلا من الاضافة لما فيه أل، وذلك كالمسائل الاربع. وما لم يخل من ذلك يجوز جره كما يجوز رفعه ونصبه، كالحسن الوجه، والحسن وجه الاب، وكما يجوز جر المعمول ونصبه ورفعه إذا كانت الصفة بغير أل على كل حال. * * *
[ 147 ]
التعجب بأفعل انطق بعد " ما " تعجبا * أو جئ ي " أفعل " قبل مجرور ببا وتلو أفعل انصبنه: ك " ما * أو في خليلينا، وأصدق بهما
للتعجب صيغتان: إحداهما " ما أفعله " والثانية " أفعل به " وإليهما
[ 148 ]
أشار المصنف بالبيت الاول، أي: انطق بأفعل بعد " ما " للتعجب، نحو: " ما أحسن زيدا، وما أو في خليلينا " أو جئ بأفعل قبل مجرور ببا، نحو: " أحسن بالزيدين، وأصدق بهما ". فما: مبتدأ، وهى نكرة تامة عند سيبويه، و " أحسن " فعل ماض، فاعله ضمير مستتر عائد على " ما " و " زيدا " مفعول أحسن، والجملة خبر عن " ما "، والتقدير " شئ أحسن زيدا " أي جعله حسنا، وكذلك " ما أو في خليلينا ". وأما أفعل ففعل أمر ومعناه التعجب، لا الامر، وفاعله المجرور بالباء، والباء زائدة. واستدل على فعلية أفعل بلزوم نون الوفاية له إذا اتصلت به ياء المتكلم، نحو: " ما أفقرني إلى عفو الله " وعلى فعلية " أفعل " بدخول نون التوكيد عليه في قوله: 268 - ومستبدل من بعد غضبى صريمة * فأحر به من طول فقر وأحريا
[ 150 ]
أراد " وأحرين " بنون التوكيد الخفيفة، فأبد لها ألفا في الوقف. وأشار بقوله: " وتلو أفعل " إلى أن تالى " أفعل " ينصب لكونه مفعولا، نحو " ما أو في خليلينا ". ثم مثل بقوله: " وأصدق بهما " للصيغة الثانية. وما قدمناه من أن " ما " نكرة تامة هو الصحيح، والجملة التى بعدها خبر عنها، والتقدير: " شئ أحسن زيدا " أي جعله حسنا، وذهب
الاخفش إلى أنها موصولة والجملة التى بعدها صلتها، والخبر محذوف، والنقدير: " الذى أحسن زيدا شئ عظيم " وذهب بعضهم إلى أنها استفهامية، والجملة التى بعدها خبر عنها، والتقدير: " أي شئ أحسن زيدا ؟ " وذهب بعضهم إلى أنها نكرة موصوفة، والجملة التى بعدها صفة لها، والخبر محذوف، والتقدير: " شئ أحسن زيدا عظيم ". * * * وحذف مامنه تعجبت استبح * إن كان عند الحذف معناه يضح
[ 151 ]
يجوز حذف المتعجب منه، وهو المنصوب بعد أفعل والمجرور بالباء بعد أفعل، إذا دل عليه دليل، فمثال الاول قوله: 269 - أرى أم عمرو دمعها قد تحدرا * بكاء على عمرو، وما كان أصبرا
[ 152 ]
التقدير: " وما كان أصبرها " فحذف الضمير وهو مفعول أفعل، للدلالة عليه بما تقدم، ومثال الثاني قوله تعالى: (أسمع بهم وأبصر) التقدير - والله أعلم - وأبصر بهم، فحذف " بهم " لدلالة ما قبله عليه، وقول الشاعر: 270 - فذلك إن يلق المنية يلقها * حميدا، وإن يستغن يوما فأجدر
[ 153 ]
أي: فأجدر به [ فحذف المتعجب منه بعد " أفعل " وإن لم يكن معطوفا على أفعل مثله، وهو شاذ ]. * * * وفي كلا الفعلين قدما لزما * منع تصرف بحكم حتما لا يتصرف فعلا التعجب، بل يلزم كل منهما طريقة واحدة، فلا يستعمل من أفعل غير الماضي، ولا من أفعل غير الامر، قال المصنف: وهذا مما لا خلاف فيه.
وصغهما من ذى ثلاث، صرفا، * قابل فضل، ثم، غير ذى انتفا وغير ذى وصف يضاهى أشهلا، * وغير سالك سبيل فعلا يشترط في الفعل الذى يصاغ منه فعلا التعجب شروط سبعة:
[ 154 ]
أحدها: أن يكون ثلاثيا، فلا يبنيان مما زاد عليه، نحو دحرج وانطلق واستخرج. الثاني: أن يكون متصرفا، فلا يبنيان من فعل غير متصرف، كنعم، وبئس، وعسى، وليس. الثالث: أن يكون معناه قابلا للمفاضلة، فلا يبنيان من " مات " و " فنى " ونحوهما، إذلا مزية فيهما لشئ على شئ. الرابع: أن يكون تاما، واحترز بذلك من الافعال الناقصة، نحو " كان " وأخواتها، فلا تقول " ما أكون زيدا قائما " وأجازه الكوفيون. الخامس: أن لا يكون منفيا، واحترز بذلك من المنفى: لزوما، نحو " ما عاج فلان بالدواء " أي: ما انتفع به، أو جوازا نحو " ما ضربت زيدا ". السادس: أن لا يكون الوصف منه على أفعل، واحترز بذلك من الافعال الدالة على الالوان: كسود فهو أسود، وحمر فهو أحمر، والعيوب كحول فهو أحول، وعور فهو أعور، فلا تقول " ما أسوده " ولا " ما أحمره " ولا " ما أحوله " ولا " ما أعوره " ولا " أعور به " ولا أحول به ". السابع: أن لا يكون مبنيا للمفعول نحو: " ضرب زيد "، فلا تقول " ما أضرب زيدا " تريد التعجب من ضرب أوقع به، لئلا يلتبس بالتعجب من ضرب أوقعه. وأشدد، أو أشد، أو شبههما * يخلف ما بعض الشروط عدما
[ 155 ]
ومصدر العادم - بعد ينتصب * وبعد أفعل جره بالبا يجب يعنى أنه يتوصل إلى التعجب من الافعال التى لم تستكمل الشروط بأشدد ونحوه وبأشد ونحوه، وينصب مصدر ذلك الفعل العادم الشروط بعد " أفعل " مفعولا، ويجر بعد " أفعل " بالباء، فتقول " ما أشد دحرجته، واستخراجه " و " أشدد بدحرجته، واستخراجه "، و " ما أقبح عوره، وأقبح بعوره، وما أشد حمرته، وأشدد بحمرته ". * * * وبالندور احكم الغير ما ذكر * ولا تقس على الذى منه اثر
[ 156 ]
يعنى أنه إذا ورد بناء فعل التعجب من شئ من الافعال التى سبق أنه لا يبنى منها حكم بندوره، ولا يقاس على ما سمع منه، كقولهم " ما أخصره " من " اختصر " فبنوا أفعل من فعل زائد على ثلاثة أحرف وهو مبنى للمفعول، وكقولهم " ما أحمقه " فبنوا أفعل من فعل الوصف منه على أفعل، نحو حمق فهو أحمق، وقولهم " ما أعساه، وأعس به " فبنوا أفعل وأفعل به من " عسى " وهو فعل غير متصرف. * * * وفعل هذا الباب لن يقدما * معموله، ووصله بما الزما وفصله: بظرف، أو بحرف جر * مستعمل، والخلف في ذاك استقر لا يجوز تقديم معمول فعل التعجب عليه، فلا تقول: " زيدا ما أحسن "
[ 157 ]
ولا " ما زيدا أحسن " ولا " بزيد أحسن " ويجب وصله بعامله، فلا يفصل بينهما بأجنبى، فلا تقول في " ما أحسن معطيك الدرهم ": " ما أحسن الدرهم معطيك " ولا فرق في ذلك بين المجرور وغيره، فلا تقول: " ما أحسن بزيد
مارا " تريد " ما أحسن مارا بزيد " ولا " ما أحسن عندك جالسا " تريد " ما أحسن جالسا عندك " فإن كان الظرف أو المجرور معمولا لفعل التعجب ففى جواز الفصل بكل منهما بين فعل التعجب ومعموله خلاف، والمشهور جوازه، خلافا للاخفش والمبرد ومن وافقهما، ونسب الصيمري المنع إلى سيبويه، ومما ورد فيه الفصل في النثر قول عمرو بن معد يكرب: " لله در بنى سلبم ما أحسن في الهيجاء لقاءها، وأكرم في اللزبات عطاءها، وأثبت في المكرمات بقاءها " وقول على كرم الله وجهه، وقد مر بعمار فمسح التراب عن وجهه: " أعزز على أبا اليقظان أن أراك صريعا مجدلا "، ومما ورد منه من النظم قول بعض الصحابة رضى الله عنهم: 271 - وقال نبى المسلمين: تقدموا * وأحبب إلينا أن تكون المقدما
[ 158 ]
وقوله: 272 - خليلي ما أحرى بذى اللب أن يرى * صبورا، ولكن لا سبيل إلى الصبر
[ 160 ]
نعم وبئس، وما جرى مجراهما فعلان غير متصرفين * نعم وبئس، رافعان اسمين مقارنى " أل " أو مضافين لما * قارنها: ك " نعم عقبى الكرما " ويرفعان مضمرا يفسره * مميز: ك " نعم قوما معشرة " مذهب جمهور النحويين أن " نعم، وبئس " فعلان، بدليل دخول تاء التأنيث الساكنة عليهما، نحو " نعمت المرأة هند، وبئست المرأة دعد " وذهب جماعة من الكوفيين - ومنهم الفراء - إلى أنهما اسمان، واستدلوا بدخول حرف الجر عليهما في قول بعضهم " نعم السير على بئس العبر " وقول
[ 161 ]
الآخر " والله ما هي بنعم الولد، نصرها بكاء وبرها سرقة " وخرج على جعل " نعم وبئس " مفعولين لقول محذوف واقع صفة لموصوف محذوف، وهو المجرور بالحرف، لا " نعم وبئس "، والتقدير: نعم السير على غير مقول فيه بئس الغير، وما هي بولد مقول فيه نعم الولد، فحذف الموصوف والصفة، وأقيم المعمول مقامهما مع بقاء " نعم وبئس " على فعليتهما. وهذان الفعلان لا يتصرفان، فلا يستعمل منهما غير الماضي، ولابد لهما من مرفوع هو الفاعل، وهو على ثلاثة أقسام: الاول: أن يكون محلى بالالف واللام، نحو " نعم الرجل زيد " ومنه قوله تعالى: (نعم المولى ونعم النصير) واختلف في هذه اللام، فقال قوم: هي للجنس حقيقة، فمدحت الجنس كله من أجل زيد، ثم خصصت زيدا بالذكر، فتكون قد مدحته مرتين، وقيل: هي للجنس مجازا، وكأنك [ قد ] جعلت زيدا الجنس كله مبالغة، وقيل: هي للعهد. الثاني: أن يكون مضافا إلى ما فيه " أل "، كقوله: " نعم عقبى الكرما "، ومنه قوله تعالى: (ولنعم دار المتقين) الثالث: أن يكون مضمرا مفسرا بنكرة بعده منصوبة على التمييز، نحو
[ 162 ]
" نعم قوما معشره " ففى " نعم " ضمير مستتر يفسره " قوما " و " معشره " مبتدأ، وزعم بعضهم أن " معشره " مرفوع بنعم وهو الفاعل، ولا ضمير فيها، وقال بعض هؤلاء: إن " قوما " حال، وبعضهم: إنه تمييز، ومثل " نعم قوما معشرة " قوله تعالى: (بئس للظالمين بدلا) وقول الشاعر: 273 - لنعم موئلا المولى إذا حذرت * بأساء ذى البغى واستيلاء ذى الاحن
وقول الآخر: 274 - تقول عرسي وهى لى في عومره: * بئس امرأ، وإنني بئس المره * * *
[ 163 ]
وجمع تمييز وفاعل ظهر * فيه خلاف عنهم قد اشتهر اختلف النحويون في جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر في " نعم " وأخواتها، فقال قوم: لا يجوز ذلك، وهو المنقول عن سيبويه، فلا تقول: " نعم الرجل رجلا زيد "، وذهب قوم إلى الجواز، واستدلوا بقوله:
[ 164 ]
275 - والتغلبيون بئس الفحل فحلهم * فحلا، وأمهم زلاء منطيق وقوله: 276 - تزود مثل زاد أبيك فينا * فنعم الزاد زاد أبيك زادا
[ 165 ]
وفصل بعضهم، فقال: إن أفاد التمييز فائدة زائدة على الفاعل جاز الجمع بينهما، نحو: " نعم الرجل فارسا زيد " وإلا فلا، نحو: " نعم الرجل رجلا زيد ". فإن كان الفاعل مضمرا، جاز الجمع بينه وبين التمييز، اتفاقا، نحو: " نعم رجلا زيد ". * * *
[ 166 ]
و " ما " مميز، وقيل: فاعل، * في نحو " نعم ما يقول الفاضل " تقع " ما " بعد " نعم، وبئس " فتقول: " نعم ما " أو " نعما "، و " بئس ما " ومنه قوله تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي) وقوله تعالى: (بئسما اشتروا به أنفسهم) واختلف في " ما " هذه، فقال قوم: هي
نكرة منصوبة على التمييز، وفاعل " نعم " ضمير مستتر، وقيل: هي الفاعل، وهى اسم معرفة، وهذا مذهب ابن خروف، ونسبه إلى سيبويه. * * * ويذكر المخصوص بعد مبتدا * أو خبر اسم ليس يبدو أبدا يذكر بعد " نعم، وبئس " وفاعلهما اسم مرفوع، هو المخصوص بالمدح
[ 167 ]
أو الذم، وعلامته أن يصلح لجعله مبتدأ، وجعل الفعل والفاعل خبرا عنه، نحو: " نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، ونعم غلام القوم زيد، وبئس غلام القوم عمرو، ونعم رجلا زيد، وبئس رجلا عمرو " وفي إعرابه وجهان مشهوران: أحدهما: أنه مبتدأ، والجملة قبله خبر عنه. والثانى: أنه خبر مبتدأ محذوف وجوبا، والتقدير " هو زيد، وهو عمرو " أي: الممدوح زيد، والمذموم عمرو. ومنع بعضهم الوجه الثاني، وأوجب الاول. وقيل: هو مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: " زيد الممدوح ". * * * وإن يقدم مشعر به كفى * ك " العلم نعم المقتنى والمقتفى " إذا تقدم ما يدل على المخصوص بالمدح أو الذم أغنى عن ذكره آخرا، كقوله تعالى في أبوب: (إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أو اب) أي: نعم العبد أيوب، فحذف المخصوص بالمدح - وهو أيوب - لدلالة ما قبله عليه. * * *
[ 168 ]
واجعل كبئس " ساء " واجعل فعلا * من ذى ثلاثة كنعم مسجلا تستعمل " ساء " في الذم استعمال " بئس "، فلا يكون فاعلها إلا ما يكون
فاعلا لبئس - وهو المحلى بالالف واللام، نحو " ساء الرجل زيد " والمضاف إلى ما فيه الالف واللام، نحو " ساء غلام القوم زيد "، والمضمر المفسر بنكرة بعده، نحو " ساء رجلا زيد " ومنه قوله تعالى: (ساء مثلا القوم الذين كذبوا) - ويذكر بعدها المخصوص بالذم، كما يذكر بعد " يئس "، وإعرابه كما تقدم. وأشار بقوله: " واجعل فعلا " إلى أن كل فعل ثلاثى يجوز أن يبنى منه فعل على فعل لقصد المدح أو الذم، ويعامل معاملة " نعم، وبئس " في جميع ما تقدم لهما من الاحكام، فتقول: " شرف الرجل زيد، ولوم الرجل بكر، وشرف غلام الرجل زيد، وشرف رجلا زيد ". ومقتضى هذا الاطلاق أنه يجوز في علم أن يقال: " علم الرجل زيد "، بضم عين الكلمة، وقد مثل هو وابنه به. وصرح غيره أنه لا يجوز تحويل " علم، وجهل، وسمع " إلى فعل يضم العين، لان العرب حين استعملتها هذا الاستعمال أبقتها على كسرة عينها، ولم تحولها إلى الضم، فلا يجوز لنا تحويلها،
[ 169 ]
بل نبقيها على حالها، كما أبقوها، فتقول: " علم الرجل زيد، وجهل الرجل عمرو، سمع الرجل بكر ". * * * ومثل نعم " حبذا "، والفاعل " ذا " * وإن ترد ذما فقل: " لا حبذا " يقال في المدح: " حبذا زيد "، وفي الذم: " لا حبذا زيد " كقوله: 277 - ألا حبذا أهل الملا، غير أنه * إذا ذكرت مى فلا حبذا هيا
[ 170 ]
واختلف في إعرابها، فذهب أبو على الفارسى في البغد - اديات، وابن برهان، وابن خروف - وزعم أنه مذهب سيبويه، وأن من نقل عنه غيره فقد أخطأ
عليه - واختاره المصنف، إلى أن " حب " فعل ماض، و " ذا " فاعله، وأما المخصوص فجوز أن يكون مبتدأ، والجملة قبله خبره، وجوز أن يكون خبرا لمبتدإ محذوف، وتقديره " هو زيد " أي: الممدوح أو المذموم زيد، واختاره المصنف. وذهب المبرد في المقتضب، وابن السراج في الاصول، وابن هشام اللخمى - واختاره ابن عصفور - إلى أن " حبذا " اسم، وهو مبتدأ، والمخصوص خبره، أو خبر مقدم، والمخصوص مبتدأ مؤخر، فركبت " حب " مع " ذا " وجعلتا اسما واحدا.
[ 171 ]
وذهب قوم - منهم ابن درستويه - إلى أن " حبذا " فعل ماض، و " زيد " فاعله، فركبت " حب " مع " ذا " وجعلتا فعلا، وهذا أضعف المذاهب. * * * وأول " ذا " المخصوص أيا كان، لا * تعدل بذا، فهو يضاهى المثلا أي: أوقع المخصوص بالمدح أو الذم بعد " ذا " على أي حال كان، من الافراد، والتذكير، والتأنيث، والتثنية، والجمع، ولا تغير " ذا " لتغير المخصوص، بل يلزم الافراد والتذكير، وذلك لانها أشبهت المثل، والمئل لا يغير، فكما تقول " الصيف ضيعت اللبن " للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع بهذا اللفظ فلا تغيره، تقول: " حبذا زيد، [ وحبذا هند ] والزيدان، والهندان، والزيدون، والهندات " فلا تخرج " ذا " عن الافراد والتذكير، ولو خرجت لقيل " حبذى هند، وحبذان الزيدان، وحبتان الهندان، وحب أولئك الزيدون، أو الهندات ". * * *
[ 172 ]
وما سوى " ذا " ارفع بحب، أو فجر * بالبا، ودون " ذا " انضمام الحاكثر يعنى أنه إذا وقع بعد " حب " غير " ذا " من الاسماء جاز فيه وجهان: الرفع بحب، نحو " حب زيد " والجر بباء زائدة، نحو " حب بزيد " وأصل حب: حبب، ثم أدغمت الباء في الباء فصار حب. ثم إن وقع بعد " حب " ذا وجب فتح الحاء، فتقول: " حب ذا " وإن وقع بعدها غير " ذا " جاز صم الحاء، وفتحها، فتقول " حب زيد " و " حب زيد ". وروى بالوجهين قوله: 278 - فقلت: اقتلوها عنكم بمزاجها، * وحب بها مقتولة حين تقتل
[ 174 ]
أفعل التفضيل صغ من مصوغ منه للتعجب * " أفعل " للتفضيل، وأب اللذأبى يصاغ من الافعال التى يجوز التعجب منها - للدلالة على التفضيل - وصف على وزن " أفعل " فتقول: " زيد أفضل من عمرو، وأكرم من خالد " كما تقول " ما أفضل زيدا، وما أكرم خالدا " وما امتنع بناء فعل التعجب منه امتنع بناء أفعل التفضيل منه، فلا يبنى من فعل زائد على ثلاثة أحرف، كدحرج واستخرج، ولا من فعل غير متصرف، كنعم وبئس، ولا من فعل
[ 175 ]
لا يقبل المفاضلة، كمات وفنى، ولا من فعل ناقص، ككان وأخواتها، ولا من فعل منفى، نحو " ما عاج بالدواء، وما ضرب " ولا من فعل يأتي الوصف منه على أفعل، نحو " حمر، وعور " ولا من فعل مبنى للمفعول، نحو " ضرب، وجن " وشذ منه قولهم: " هو أخصر من كذا " فبنوا أفعل التفضيل من " اختصر " وهو زائد على ثلاثة أحرف، ومبنى للمفعول، وقالوا:
" أسود من حلك الغراب، وأبيض من اللبن " فبنوا أفعل التفضيل - شذوذا من فعل الوصف منه على أفعل. * * * وما به إلى تعجب وصل * لمانع، به إلى التفضيل صل تقدم - في باب التعجب - أنه يتوصل إلى التعجب من الافعال التى لم تستكمل الشروط ب " أشد " ونحوها، وأشار هنا إلى أنه يتوصل إلى التفضيل من الافعال التى لم تستكمل الشروط بما يتوصل به في التعجب، فكما تقول: " ما أشد استخراجه " تقول: " هو أشد استخراجا من زيد " وكما تقول: " ما أشد حمرته " تقول: " هو أشد حمرة من زيد " لكن المصدر ينتصب في باب التعجب بعد " أشد " مفعولا، وههنا ينتصب تمييزا. * * *
[ 176 ]
وأفعل التفضيل صله أبدا *: تقديرا، أو لفظا، بمن إن جردا لا يخلو أفعل التفضيل عن أحد ثلاثة أحوال، الاول: أن يكون مجردا، الثاني: أن يكون مضافا، الثالث: أن يكون بالالف واللام. فإن كان مجردا فلابد أن يتصل به " من ": لفظا، أو تقديرا، جارة للمفضل، نحو " زيد أفضل من عمرو، ومررت برجل أفضل من عمرو " وقد تحذف " من " ومجرورها للدلالة عليهما، كقوله تعالى: (أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا) أي: وأعز منك [ نفرا ]. وفهم من كلامه أن أفعل التفضيل إذا كان ب " أل " أو مضافا لا تصحبه " من "، فلا تقول: " زيد الافضل من عمرو "، ولا " زيد أفضل الناس من عمرو ".
[ 177 ]
وأكثر ما يكون ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبرا، كالآية الكريمة
ونحوها، وهو كثير في القرآن، وقد تحذف منه وهو غير خبر، كقوله: 279 - دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا * فظل فؤادى في هواك مضللا ف " أجمل " أفعل تفضيل، وهو منصوب على الحال من التاء في " دنوت " وحذفت منه " من "، والتقدير: دنوت أجمل من البدر، وقد خلناك كالبدر.
[ 178 ]
ويلزم أفعل التفضيل المجرد الافراد والتذكير، وكذلك المضاف إلى نكرة، وإلى هذا أشار بقوله: وإن لمنكور يضف، أو جردا * ألزم تذكيرا، وأن يوحدا فتقول: " زيد أفضل من عمرو، وأفضل رجل، وهند أفضل من عمرو، وأفضل امرأة، والزيدان أفضل من عمرو، وأفضل رجلين، والهندان أفضل من عمرو، وأفضل امرأتين، والزيدون أفضل من عمرو، وأفضل رجال، والهندات أفضل من عمرو، وأفضل نساء " فيكون " أفعل " في هاتين الحالتين مذكرا ومفردا، ولا يؤنث، ولا يثنى، ولا يجمع. * * * وتلو " أل " طبق، وما لمعرفه * أضيف ذو وجهين عن ذى معرفه
[ 179 ]
هذا إذا نويت معنى " من " وإن * لم تنو فهو طبق ما به قرن إذا كان أفعل التفضيل ب " أل " لزمت مطابقته لما قبله: في الافراد، والتذكير، وغيرهما، فتقول: زيد الافضل، والزيدان الافضلان، والزيدون الافضلون، وهند الفضلى، والهندان الفضليان، والهندات الفضل، أو الفضليات "، ولا يجوز عدم مطابقته لما قبله، فلا تقول: " الزيدون الافضل " ولا " الزيدان الافضل " ولا " هند الافضل " ولا " الهندان الافضل " ولا " الهندات الافضل "، ولا يجوز أن تقترن به " من "، فلا تقول: " زيد
الافضل من عمرو " فأما قوله:
[ 180 ]
280 - ولست بالاكثر منهم حصى * وإنما العزة للكاثر فيخرج على زيادة الالف واللام، والاصل: ولست بأكثر منهم، أو جعل " منهم " متعلقا بمحذوف مجرد عن الالف واللام، لا بما دخلت عليه الالف واللام، والتقدير " ولست بالاكثر أكثر منهم ".
[ 181 ]
وأشار بقوله: " وما لمعرفة أضيف - إلخ " إلى أن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة، وقصد به التفضيل، جاز فيه وجهان، أحدهما: استعماله كالمجرد فلا يطابق ما قبله، فتقول: " الزيدان أفضل القوم، والزيدون أفضل القوم، وهند أفضل النساء، والهندان أفضل النساء، والهندات أفضل النساء " والثانى: استعماله كالمقرون بالالف واللام، فتجب مطابقته لما قبله، فتقول، " الزيدان أفضلا القوم، والزيدون أفضلو القوم، وأفاضل القوم، وهند فضلى النساء، والهندان فضليا النساء، والهندات فضل النساء، أو فضليات النساء "، ولا يتعين الاستعمال الاول، خلافا لابن السراج، وقد ورد الاستعمالان في القرآن، فمن استعماله غير مطالق قوله تعالى: (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة)، ومن استعماله مطابقا قوله تعالى: (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها) وقد اجتمع الاستعمالان في قوله صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بأحبكم إلى، وأقربكم منى منازل يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون ". والذين أجازوا الوجهين قالوا: الافصح المطابقة، ولهذا عيب على صاحب الفصيح في قوله " فاخترنا أفصحهن " قالوا: فكان ينبغى أن يأتي بالفصحى
فيقول: " فصحاهن ". فإن لم يقصد التفضيل تعينت المطابقة، كقولهم: " الناقص والاشج أعدلا بنى مروان " أي: عادلا بنى مروان. وإلى ما ذكرناه من قصد التفضيل وعدم قصده أشار المصنف بقوله: " هذا إذا نويت معنى من - البيت " أي: جواز الوجهين - أعنى المطابقة وعدمها -
[ 182 ]
مشروط بما إذا نوى بالاضافة معنى " من " أي: إذا نوى التفضيل، وأما إذا لم ينو ذلك فيلزم أن يكون طبق ما اقترن به. قيل: ومن استعمال صيغة أفعل لغير التفضيل قوله تعالى: (وهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) وقوله تعالى: (ربكم أعلم بكم) أي: وهو هين عليه، وربكم عالم بكم، وقول الشاعر: وإن مدت الايدى إلى الزاد لم أكن * بأعجلهم، إذ أجشع القوم أعجل [ 77 ] أي: لم أكن بعجلهم، وقوله: 281 - إن الذى سمك السماء بنى لنا * بيتا دعائمه أعز وأطول
[ 183 ]
أي: [ دعائمه ] عزيزة طويلة، وهل ينقاس ذلك أم لا ؟ قال المبرد: ينقاس، وقال غيره: لا ينقاس، وهو الصحيح، وذكر صاحب الواضح أن النحويين لا يرون ذلك، وأن أبا عبيدة قال في قوله تعالى: (وهو أهون عليه): إنه بمعنى هين، وفي بيت الفرزدق - وهو الثاني - إن المعنى عزيزة طويلة، وإن النحويين ردوا على أبى عبيدة ذلك، وقالوا: لا حجة في ذلك [ له ]. * * * وإن تكن بتلو " من " مستفهما * فلهما كن أبدا مقدما كمثل " ممن أنت خير " ؟ ولدى * إخبار التقديم نزرا وردا
[ 184 ]
تقدم أن أفعل التفضيل إذا كان مجردا جئ بعده " بمن " جارة للمفضل عليه، نحو " زيد أفضل من عمرو "، و " من " ومجرورها معه بمنزلة المضاف إليه من المضاف، فلا يجوز تقديمهما عليه، كما لا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف، إلا إذا كان المجرور بها اسم استفهام، أو مضافا إلى اسم استفهام، فإنه يجب - حينئذ - تقدم " من " ومجرورها نحو " ممن أنت خير ؟ ومن أيهم أنت أفضل ؟ ومن غلام أيهم أنت أفضل ؟ " وقد ورد التقديم شذوذا في غير الاستفهام، وإليه أشار بقوله " ولدى إخبار التقديم نزرا وردا " ومن ذلك قوله: 282 - فقالت لنا: أهلا وسهلا، وزودت * جنى النحل، بل ما زودت منه أطيب
[ 185 ]
والتقدير: بل ما زودت أطيب منه، وقول ذى الرمة يصف نسوة بالسمن والكسل: 283 - ولا عيب فيها غير أن سريعها * قطوف، وأن لا شئ منهن أكسل
[ 186 ]
[ التقدير: وأن لا شئ أكسل منهن ]، وقوله: 284 - إذا سايرت أسماء يوما ظعينة * فأسماء من تلك الظعينة أملح التقدير: فأسماء أملح من تلك الظعينة. * * *
[ 187 ]
ورفعه الظاهر نزر، ومتى * عاقب فعلا فكثيرا ثبتا كلن ترى في الناس من رفيق * أولى به الفضل من الصديق لا يخلو أفعل التفضيل من أن يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه، أولا. فإن لم يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه لم يرفع ظاهرا، وإنما يرفع ضميرا
مستترا، نحو: " زيد أفضل من عمرو " ففى " أفضل " ضمير مستتر عائد على
[ 188 ]
" زيد "، فلا تقول: " مررت برجل أفضل منه أبوه " فترفع " أبوه " ب " أفضل " إلا في لغة ضعيفة حكاها سيبويه. فإن صلح لوقوع فعل بمعناه موقعه صح أن يرفع ظاهرا قياسا مطردا، وذلك في كل موضع وقع فيه أفعل بعد نفى أو شبهه، وكان مرفوعه أجنبيا، مفضلا على نفسه باعتبارين، نحو: " ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد " ف " الكحل ": مرفوع ب " أحسن " لصحة وقوع فعل بمعناه موقعه، نحو: " ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كزيد " ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: " ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذى الحجة " وقول الشاعر، أنشده سيبويه، 285 - مررت على وادى السباع، ولا أرى * كوادي السباع - حين يظلم - واديا
[ 189 ]
أقل به ركب أتوه تثية * وأخوف - إلا ما وقى الله - ساريا ف " ركب " مرفوع ب " أقل "، فقول المصنف " ورفعه الظاهر نزر " إشارة إلى الحالة الاولى، وقوله " ومتى عاقب فعلا " إشارة إلى الحالة الثانية. * * *
[ 190 ]
(التوابع) النعت يتبع في الاعراب الاسماء الاول * نعت، وتوكيد، وعطف، وبدل التابع هو: الاسم المشارك لما قباء في إعرابه مطلقا، فيدخل في قولك: " الاسم المشارك لما قبله في إعرابه " سائر التوابع، وخبر المبتدأ، نحو:
" زيد قائم "، وحال المنصوب، نحو: " ضربت زيدا مجردا " ويخرج بقولك " مطلقا " الخبر وحال المنصوب، فإنهما لا يشاركان ما قبلهما في إعرابه مطلقا، بل في بعض أحواله، بخلاف التابع، فإنه يشارك ما قبله في سائر أحواله من الاعراب، نحو: " مررت بزيد الكريم، ورأيت زيدا الكريم، وجاء زيد الكريم ".
[ 191 ]
والتابع على خمسة أنواع: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، وعطف النسق، والبدل. * * * فالنعت تابع متم ما سبق * بوسمه أو وسم ما به اعتلق عرف النعت بأنه " التابع، المكمل متبوعه: ببيان صفة من صفاته " نحو " مررت برجل كريم "، أو من صفات ما تعلق به - وهو سببية - نحو " مررت برجل كريم أبوه " فقوله " التابع " يشمل التوابع كلها، وقوله: " المكمل - إلى آخره " مخرج لما عدا النعت من التوابع. والنعت يكون للتخصيص، نحو " مررت بزيد الخياط " وللمدح، نحو: " مررت بزيد الكريم " ومنه قوله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم) وللذم، نحو " مررت بزيد الفاسق " ومنه قوله [ تعالى ]: (فاستعذ بالله
[ 192 ]
من الشيطان الرجيم) وللترحم نحو: " مررت بزيد المسكين " وللتأكيد، نحو: " أمس الدابر لا يعود " وقوله تعالى: (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة). * * * وليعط في التعريف والتنكير ما * لما تلا، ك " امرر بقوم كرما " النعت يجب فيه أن يتبع ما قبله في إعرابه، وتعريفه أو تنكيره، نحو:
" مررت بقوم كرماء، ومررت بزيد الكريم " فلا تنعت المعرفة بالنكرة، فلا تقول: " مررت بزيد كريم "، ولا تنعت النكرة بالمعرفة، فلا تقول: " مررت برجل الكريم ". * * *
[ 193 ]
وهو لدى التوحيد، والتذكير، أو * سواهما - كالفعل، فاقف مافقوا تقدم أن النعت لابد من مطابقته للمنعوت في الاعراب، والتعريف أو التنكير، وأما مطابقته للمنعوت في التوحيد وغيره - وهى: التثنية، والجمع - والتذكير وغيره - وهو التأنيث - فحكمه فيها حكم الفعل. فإن رفع ضميرا مستترا طابق المنعوت مطلقا، نحو: " زيد رجل حسن، والزيدان رجلان حسنان، والزيدون رجال حسنون، وهند امرأة حسنة، والهندان امرأتان حسنتان، والهندات نساء حسنات "، فيطابق في: التذكير، والتأنيث، والافراد، والتثنية، والجمع، كما يطابق الفعل لو [ جئت مكان النعت بفعل ف ] قلت: " رجل حسن، ورجلان حسنا، ورجال حسنوا، وامرأة حسنت، وامرأتان حسنتا، ونساء حسن ". وإن رفع [ أي النعت اسما ] ظاهرا كان بالنسبة إلى التذكير والتأنيث على حسب ذلك الظاهر، وأما في التثنية والجمع فيكون مفردا، فيجرى مجرى الفعل إذا رفع ظاهرا، فتقول: " مررت برجل حسنة أمه "، كما تقول: " حسنت أمه "، و " بامرأتين حسن أبواهما، وبرجال حسن آباؤهم "، كما تقول: " حسن أبواهما، وحسن آباؤهم ".
[ 194 ]
فالحاصل أن النعت إذا رفع ضميره طابق المنعوت في أربعة من عشرة: واحد من ألقاب الاعراب - وهى: الرفع، والنصب، والجر - وواحد
من التعريف والتنكير، وواحد من التذكير والتأنيث، وواحد من الافراد والتثنية والجمع. وإذا رفع ظاهرا طابقه في اثنين من خمسة: واحد من ألقاب الاعراب، وواحد من التعريف والتنكير، وأما الخمسة الباقية - وهى: التذكير، والتأنيث، والافراد، والتثنية، والجمع - فحكمه فيها حكم الفعل إذا رفع ظاهرا: فإن أسند إلى مؤنث أنث، وإن كان المنعوت مذكرا، وإن أسند إلى مذكر ذكر، وإن كان المنعوت مؤنثا، وإن أسند إلى مفرد، أو مثنى، أو مجموع - أفرد، وإن كان المنعوت بخلاف ذلك. * * * وانعت بمشتق كصعب وذرب * وشبهه، كذا، وذى، والمنتسب
[ 195 ]
لا ينعت إلا بمشتق لفظا، أو تأويلا. والمراد بالمشتق هنا: ما أخذ من المصدر للدلالة على معنى وصاحبه: كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة باسم الفاعل، وأفعل التفضيل. والمؤول بالمشتق: كاسم الاشارة، نحو: " مررت بزيد هذا " أي المشار إليه، وكذا " ذو " بمعنى صاحب، والموصولة، نحو: " مررت برجل ذى مال " أي: صاحب مال، و " بزيد ذو قام " أي: القائم، والمنتسب، نحو " مررت برجل قرشي " أي: منتسب إلى قريش. * * * ونعتوا بجملة منكرا * فأعطيت ما أعطيته خبرا تقع الجملة نعتا كما تقع خبرا وحالا، وهى مؤولة بالنكرة، ولذلك لا ينعت بها إلا النكرة، نحو: " مررت برجل قام أبوه " أو " أبوه قائم " ولا تنعت بها المعرفة، فلا تقول: " مررت بزيد قام أبوه، أو أبوه قائم " وزعم بعضهم
[ 196 ]
أنه يجوز نعت المعرف بالالف واللام الجنسية بالجملة، وجعل منه قوله تعالى: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار)، وقول الشاعر: 286 - ولقد أمر على اللئيم يسبنى * فمضيت ئمت قلت لا يعنينى
[ 197 ]
ف " نسلخ " صفة " لليل "، و " يسبنى ": صفة " للئيم "، ولا يتعين ذلك، لجواز كون " نسلخ "، و " يسبنى " حالين. وأشار بقوله: " فأعطيت ما أعطيته خبرا " إلى أنه لابد للجملة الواقعة صفة من ضمير يربطها بالموصوف، وقد يحذف للدلالة عليه، كقوله: 287 - وما أدرى أغيرهم تناء * وطول الدهر أم مال أصابوا ؟
[ 198 ]
التقدير: أم حال أصابوه، فحذف الهاء، وكقوله عزوجل: (واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا) أي: لا تجزى فيه، فحذف " فيه "، وفي كيفية حذفه قولان، أحدهما: أنه حذف بجملته دفعة واحدة، والثانى: أنه حذف على التدريج، فحذف " في " أولا، فاتصل الضمير بالفعل، فصار " تجزيه " ثم حذف هذا الضمير المتصل، فصار تجزى. * * * وامنع هنا إيقاع ذات الطلب * وإن أتت فالقول أضمر تصب لا تقع الجملة الطلبية صفة، فلا تقول: " مررت برجل اضربه "، وتقع
[ 199 ]
خبرا خلافا لابن الانباري، فتقول: " زيد اضربه "، ولما كان قوله: " فأعطيت ما أعطيته خبرا " يوهم أن كل جملة وقعت خبرا يجوز أن تقع صفة قال: " وامنع هنا إيقاع ذات الطلب " أي: امنع وقوع الجملة الطلبية في باب النعت، وإن كان لا يمتنع في باب الخبر، ثم قال: فإن جاء ما ظاهره أنه نعت
فيه بالجملة الطلبية فيخرج على إضمار القول، ويكون المضمر صفة، والجملة الطلبية معمول القول المضمر، وذلك كقوله: 288 - حتى إذا جن الظلام واختلط * جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط
[ 200 ]
فظاهر هذا أن قولة: " هل رأيت الذئب قط " صفة ل " مذق "، وهى جملة طلبية، ولكن ليس هو على ظاهره، بل " هل رأيت الذئب قط " معمول لقول مضمر هو صفة ل " مذق "، والتقدير: بمذق مقول فيه هل رأيت الذئب قط. فإن قلت: هل يلزم هذا التقدير في الجملة الطلبية إذا وقعت في باب الخبر، فيكون تقدير قولك " زيد اضربه " زيد مقول فيه اضربه ؟ فالجواب أن فيه خلافا، فمذهب ابن السراج والفارسي التزام ذلك، ومذهب الاكثرين عدم التزامه. * * * ونعتوا بمصدر كثيرا * فالتزموا الافراد والتذكيرا يكثر استعمال المصدر نعتا، نحو " مررت برجل عدل، وبرجلين عدل،
[ 201 ]
وبرجال عدل، وبامرأة عدل، وبامرأتين عدل، وبنساء عدل " ويلزم حينئذ الافراد والتذكير، والنعت به على خلاف الاصل، لانه يدل على المعنى، لا على صاحبه، وهو مؤول: إما على وضع " عدل " موضع " عادل " أو على حذف مضاف، والاصل: مررت برجل ذى عدل، ثم حذف " ذى " وأفيم " عدل " مقامه، وإما على المبالغة بجعل العين نفس المعنى: مجازا، أو ادعاء. * * * ونعت غير واحد: إذا اختلف * فعاطفا فرقه، لا إذا ائتلف
[ 202 ]
إذا نعت غير الواحد: فإما أن يختلف النعت، أو يتفق، فأن اختلف وجب التفريق بالعطف، فتقول: " مررت بالزيدين الكريم والبخيل، وبرجال فقيه وكاتب وشاعر " وإن اتفق جئ به مثنى، أو مجموعا، نحو: " مررت برجلين كريمين، وبرجال كرماء ". * * * ونعت معمولي وحيدى معنى * وعمل، أتبع بغير استثنا إذا نعت معمولان لعاملين متحدي المعنى والعمل، أتبع النعت المنعوت: رفعا، ونصبا، وجرا، نحو: " ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان، وحدثت زيدا وكلمت عمرا الكريمين، ومررت بزيد وجزت على عمرو الصالحين ". فإن اختلف معنى العاملين، أو عملهما - وجب القطع وامتنع الاتباع، فتقول: " جاء زيد وذهب عمرو العاقلين " بالنصب على إضمار فعل، أي: أعنى العاقلين، وبالرفع على إضمار مبتدأ، أي: هما العاقلان، وتقول: " انطلق زيدو كلمت عمرا الظريفين " أي: أعنى الظريفين، أو " الظريفان "
[ 203 ]
أي: هما الظريفان، و " مررت بزيد وخاوزت خالدا الكاتبين، أو الكاتبان ". * * * وإن نعوت كثرت وقد تلت * مفتقرا لذكرهن أتبعت إذا تكررت النعوت، وكان المنعوت لا يتضح إلا بها جميعا وجب إتباعها كلها، فتقول " مررت بزيد الفقيه الشاعر الكاتب ". * * * واقطع أو اتبع إن يكن معينا * بدونها، أو بعضها اقطع معلنا
[ 204 ]
إذا كان المنعوت متضحا بدونها كلها، جاز فيها جميعها: الاتباع، والقطع، وإن كان معينا ببعضها دون بعض وجب فيما لا يتعين إلا به الاتباع، وجاز فيما يتعين بدونه: الاتباع، والقطع. * * * وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا * مبتدأ، أو ناصبا، لن يظهرا أي: إذا قطع النعت عن المنعوت رفع على إضمار مبتدأ، أو نصب على إضمار فعل، نحو " مررت بزيد الكريم، أو الكريم " أي: هو الكريم، أو أعنى الكريم.
[ 205 ]
وقول المصنف " لن يظهرا " معناه أنه يجب إضمار الرابع أو الناصب، ولا يجوز إظهاره، وهذا صحيح إذا كان النعت لمدح، نحو " مررت بزيد الكريم " أو ذم، نحو: " مررت بعمرو الخبيث " أو ترحم، نحو: " مررت بزيد المسكين " فأما إذا كان لتخصيص فلا يجب الاضمار، نحو: " مررت بزيد الخياط، أو الخياط " وإن شئت أظهرت، فتقول: " هو الخياط، أو أعنى الخياط، والمراد بالرافع والناصب لفظة " هو " أو " أعنى ". * * * وما من المنعوت والنعت عقل * يجوز حذفه، وفي النعت يقل أي: يجوز حذف المنعوت وإقامة النعت مقامه، إذا دل عليه دليل، نحو: قوله تعالى: (أن اعمل سابغات) أي دروعا سابغات، وكذلك يحذف النعت إذ دل عليه دليل، لكنه قليل، ومنه قوله تعالى [: (قالوا الآن جئت بالحق) أي: البين، وقوله تعالى ]: (إنه ليس من أهلك): أي الناجين. * * *
[ 206 ]
التوكيد
بالنفس أو بالعين الاسم أكدا * مع ضمير طابق المؤكدا واجمعهما بأفعل إن تبعا * ما ليس واحدا تكن متبعا التوكيد قسمان، أحدهما التوكيد اللفظى، وسيأتى، والثانى: التوكيد المعنوي، وهو على ضربين: أحدهما: ما يرفع توهم مضاف إلى الموكد، وهو المراد بهذين البيتين، وله لفظان: النفس، والعين، وذلك نحو " جاء زيد نفسه " ف " نفسه "
[ 207 ]
توكيد ل " زيد "، وهو يرفع توهم أن يكون التقدير " جاء خبر زيد، أو رسوله " وكذلك " جاء زيد عينه ". ولابد من إضافة النفس أو العين إلى ضمير يطابق المؤكد، نحو " جاء زيد نفسه، أو عينه، وهند نفسها، أو عينها ". ثم أن كان المؤكد بهما مثنى أو مجموعا جمعتهما على مثال أفعل، فتقول: " جاء الزيدان أنفسهما، أو أعينهما، والهندان أنفسهما، أو أعينهما، والزيدون أنفسهم، أو أعينهم، والهندات أنفسهن، أو أعينهن ". * * * وكلا اذكر في الشمول، وكلا * كلتا، جميعا - بالضمير موصلا هذا هو الضرب الثاني من التوكيد المعنوي، وهو: ما يرفع توهم عدم إرادة الشمول، والمستعمل لذلك " كل، وكلا، وكلتا، وجميع ".
[ 208 ]
فيؤكد بكل وجميع ما كان ذا أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه، نحو " جاء الركب كله، أو جميعه، والقبيلة كلها، أو جميعها، والرجال كلهم، أو جميعهم، والهندات كلهن، أو جميعهن " ولا تقول: " جاء زيد كله ". ويؤكد بكلا المثنى المذكر، نحو " جاء الزيدان كلاهما "، وبكلتا
لمثنى المؤنث، نحو " جاءت الهندان كلتاهما ". ولا ؟ من إضافتها كلها إلى ضمير يطابق المؤكد كما مثل. * * * واستعملوا أيضا ككل فاعله * من عم في التوكيد مثل النافلة أي استعمل العرب - للدلالة على الشمول ككل - " عامة " مضافا إلى ضمير المؤكد، نحو " جاء القوم عامتهم " وقل من عدها من النحويين في ألفاظ التوكيد، وقد عدها سيبويه، وإنما قال " مثل النافلة " لان عدها من ألفاظ التوكيد يشبه النافلة، أي: الزيادة، لان أكثر النحويين لم يذكرها. * * *
[ 209 ]
وبعد كل أكدوا بأجمعا * جمعاء، أجمعين، ثم جمعا أي: يجاء بعد " كل " بأجمع وما بعدها لتقوية قصد الشمول، فيؤتى ب " أجمع " بعد " كله " نحو " جاء الركب كله أجمع " وب " جمعاء " بعد " كلها "، نحو " جاءت القبيلة كلها جمعاء " وب " أجمعين " بعد " كلهم " نحو " جاء الرجال كلهم أجمعون " وب " جمع " بعد " كلهن " نحو " جاءت الهندات كلهن جمع ". * * * ودون كل قد يجئ: أجمع * جمعاء، أجمعون، ثم جمع أي: قد ورد استعمال العرب " أجمع " في التوكيد غير مسبوقة ب " كله " نحو " جاء الجيش أجمع " واستعمال " جمعاء " غير مسبوقة ب " كلها " نحو " جاءت القبيلة جمعاء " واستعمال " أجمعين " غير مسبوقة ب " كلهم " نحو " جاء القوم أجمعون " واستعمال " جمع " غير مسبوقة ب " كلهن " نحو " جاء النساء جمع " وزعم المصنف أن ذلك قليل، ومنه قوله:
[ 210 ]
289 - يا ليتني كنت صبيا مرضعا * تحملني الذلفاء حولا أكتعا
إذ بكيت قبلتني أربعا * إذا ظللت الدهر أبكى أجمعا * * *
[ 211 ]
وإن يفد توكيد منكور قبل * وعن نحاة البصرة المنع شمل مذهب البصريين أنه لا يجوز توكيد النكرة: سواء كانت محدودة، كيوم، وليلة، وشهر، وحول، أو غير محدودة، كوقت، وزمن، وحين. ومذهب الكوفيين - واختاره المصنف - جواز توكيد النكرة المحدودة، لحصول الفائدة بذلك، نحو: " صمت شهرا كله " ومنه قوله: * تحملني الذلفاء حولا أكتعا * [ 289 ] وقوله: 290 - * قد صرت البسكرة يوما أجمعا *
[ 212 ]
واغن بكلتا في مثنى وكلا * عن وزن فعلاء ووزن أفعلا قد تقدم أن المثنى يؤكد بالنفس أو العين وبكلا وكلتا، ومذهب البصريين أنه لا يؤكد بغير ذلك، فلا تقول " جاء الجيشان أجمعان " ولا " جاء القبيلتان جمعا وان " استغناء بكلا وكلتا عنهما، وأجاز ذلك الكوفيون. * * * وإن تؤكد الضمير المتصل * بالنفس والعين فبعد المنفصل
[ 213 ]
عنيت ذا الرفع، وأكدوا بما * سواهما، والقيد لن يلتزما لا يجوز توكيد الضمير المرفوع المتصل بالنفس أو العين، إلا بعد تأكيده بضمير منفصل، فتقول: " قوموا أنتم أنفسكم، أو أعينكم " ولا تقل: " قوموا أنفسكم ". فإذا أكدته يغير النفس والعين لم يلزم ذلك، تقول: " قوموا كلكم " أو
" قوموا أنتم كلكم ". وكذا إذا كان المؤكد غير ضمير رفع: بأن كان ضمير نصب أوجر، فتقول: " مررت بك نفسك، أو عينك، ومررت بكم كلكم، ورأيتك نفسك، أو عينك، ورأيتكم كلكم ". * * * وما من التوكيد لفظي يجى * مكررا كقولك " ادرجي ادرجي "
[ 214 ]
هذا هو القسم الثاني من قسمي التوكيد، وهو: التوكيد اللفظى، وهو تكرار اللفظ الاول [ بعينه ] اعتناء به نحو: " ادرجي ادرجي " وقوله: 291 - فأين إلى أين النجاة ببغلتى * أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس وقوله تعالى: (كلا إذا دكت الارض دكا دكا) * * *
[ 215 ]
ولا تعد لفظ ضمير متصل * إلا مع اللفظ الذى به وصل أي: إذا أريد تكرير لفظ الضمير المتصل للتوكيد، لم يجز ذلك، إلا بشرط اتصال المؤكد بما اتصل بالمؤكد، نحو " مررت بك بك، ورغبت فيه فيه " ولا تقول: " مررت بكك ". * * * كذا الحروف غير ما تحصلا * به جواب: كنعم، وكبلى أي: كذلك إذا أريد توكيد الحرف الذى ليس للجواب، يجب أن يعاد
[ 216 ]
مع الحرف المؤكد ما يتصل بالمؤكد، نحو " إن زيدا إن زيدا قائم " و " في الدار في الدار زيد "، ولا يجوز " إن إن زيدا قائم "، ولا " في في الدار زيد ". فإن كان الحرف جوابا - كنعم، وبلى، وجير، وأجل، وإى، ولا -
جاز إعادته وحده، فيقال لك: " أقام زيد " ؟ فتقول " نعم نعم " أو " لالا "، و " ألم يقم زيد " ؟ فتقول: " بلى بلى ". * * * ومضمر الرفع الذى قد انفصل * أكد به كل ضمير اتصل
[ 217 ]
أي: يجوز أن يؤكد بضمير الرفع المنفصل كل ضمير متصل: مرفوعا كان، نحو " قمت أنت "، أو منصوبا " أكرمتني أنا "، أو مجرورا، نحو " مررت به هو " والله أعلم. * * *
[ 218 ]
العطف العطف: إما ذو بيان، أو نسق * والغرض الآن بيان ما سبق فذو البيان: تابع، شبه الصفه، * حقيقة القصد به منكشفه العطف - كما ذكر - ضربان، أحدهما: عطف النسق، وسيأتى، والثانى: عطف البيان، وهو المقصود بهذا الباب. وعطف البيان هو: التابع، الجامد، المشبه للصفة: في إيضاح متبوعه، وعدم استقلاله، نحو:
[ 219 ]
292 - * أقسم بالله أبو حفص عمر * ف " عمر " عطف بيان، لانه موضح لابي حفص. فخرج بقوله " الجامد " الصفة، لانها مشتقة أو مؤولة به، وخرج بما بعد ذلك: التوكيد، وعطف النسق، لانهما لا يوضحان متبوعهما، والبدل الجامد: لانه مستقل. * * *
[ 220 ]
فأولينه من وفاق الاول * مامن وفاق الاول النعت ولى لما كان عطف البيان مشبها للصفة، لزم فيه موافقة المتبوع كالنعت، فيوافقه في: إعرابه، وتعريفه أو تنكيره، وتذكيره أو تأنيثه، وإفراده أو تثنيته أو جمعه. * * * فقد يكونان منكرين * كما يكونان معرفين ذهب أكثر النحويين إلى امتناع كون عطف البيان ومتبوعه نكرتين، وذهب قوم - منهم المصنف - إلى جواز ذلك، فيكونان منكرين كما يكونان معرفين، قيل: ومن تنكيرهما قوله تعالى: (توقد من شجرة مباركة زيتونة) وقوله تعالى: (ويسقى من ماء صديد)، فزيتونة: عطف بيان لشجرة، وصديد: عطف بيان لماء. * * *
[ 221 ]
وصالحا لبدلية يرى * في غير، نحو " يا غلام يعمرا " ونحو " بشر " تابع " البكري " * وليس أن يبدل بالمرضى كل ما جاز أن يكون عطف بيان، جاز أن يكون بدلا، نحو: " ضربت أبا عبد الله زيدا ". واستثنى المصنف من ذلك مسألتين، يتعين فيهما كون التابع عطف بيان:
[ 222 ]
الاولى: أن يكون التابع مفراد، معرفة، معربا، والمتبوع منادى، نحو: " يا غلام يعمرا " فيتعين أن يكون " يعمرا " عطف بيان، ولا يجوز أن يكون بدلا، لان البدل على نية تكرار العامل، فكان يجب بناء " يعمرا " على الضم، لانه لو لفظ ب " يا " معه لكان كذلك.
الثانية: أن يكون التابع خاليا من " أل " والمتبوع بأل، وقد أضيفت إليه صفة بأل، نحو: " أنا الضارب الرجل زيد "، فيتعين كون " زيد " عطف بيان، ولا يجوز كونه بدلا من " الرجل "، لان البدل على نية تكرار العامل، فيلزم أن يكون التقدير: أنا الضارب زيد، وهو لا يجوز، لما عرفت في باب الاضافة من أن الصفة إذا كانت بأل لا تضاف إلا إلى ما فيه أل، أو ما أضيف إلى ما فيه أل، ومثل " أنا الضارب الرجل زيد " قوله: 293 - أنا ابن التارك البكري بشر * عليه الطير ترقبه وقوعا
[ 223 ]
فبشر: عطف بيان، ولا يجوز كونه بدلا، إذ لا يصح أن يكون التقدير: " أنا ابن التارك بشر ". وأشار بقوله: " وليس أن يبدل بالمرضى " إلى أن تحويز كون " بشر " بدلا غير مرضى، وقصد بذلك التنبيه على مذهب الفراء والفارسي. * * *
[ 224 ]
عطف النسق تال بحرف متبع عطف النسق * كاخصص بود وثناء من صدق عطف النسق هو: التابع، المتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف التى سنذكرها، ك " اخصص بود وثناء من صدق ". فخرج بقوله " المتوسط - إلى آخره " بقية التوابع. * * * فالعطف مطلقا، بواو، ثم، فا، * حتى، أم، أو، ك " فيك صدق ووفا "
[ 225 ]
حروف العطف على قسمين: أحدهما: ما يشرك المعطوف مع المعطوف عليه مطلقا، أي: لفظا وحكما،
وهى: الواو، نحو: " جاء زيد وعمرو ". وثم، نحو: " جاء زيد ثم عمرو ". والفاء، نحو: " جاء زيد فعمرو ". وحتى، نحو: " قدم الحجاج حتى المشاة ". وأم، نحو: " أزيد عندك أم عمرو ؟ ". وأو، نحو: " جاء زيد أو عمرو ". والثانى: ما يشرك لفظا فقط، وهو المراد بقوله. وأتبعت لفظا فحسب: بل، ولا، * لكن، ك " لم يبد امرؤ لكن طلا " هذه الثلاثة تشرك الثاني مع الاول في إعرابه، لا في حكمه، نحو: " ما قام زيد بل عمرو، وجاء زيد لا عمرو، ولا تضرب زيدا لكن عمرا ". * * *
[ 226 ]
فاعطف بواو لاحقا أو سابقا * - في الحكم - أو مصاحبا موافقا لما ذكر حروف العطف التسعة شرع في ذكر معانيها. فالواو: لمطلق الجمع عند البصريين، فإذا قلت: " جاء زيد وعمرو " دل ذلك على اجتماعهما في نسبة المجئ إليهما، واحتمل كون " عمرو " جاء بعد " زيد "، أو جاء قبله، أو جاء مصاحبا له، وإنما يتبين ذلك بالقرينة، نحو: " جاء زيد وعمرو بعده، وجاء زيد وعمرو قبله، وجاء زيد وعمرو معه "، فيعطف بها: اللاحق، والسابق، ومصاحب. ومذهب الكوفيين أنها للترتيب، ورد بقوله تعالى: (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيى). * * *
[ 227 ]
واخصص بها عطف الذى لا يغنى * متبوعه، ك " اصطف هذا وابنى " اختصت الواو - من بين حروف العطف - بأنها يعطف بها حيث لا يكتفى بالمعطوف عليه، نحو: " اختصم زيد وعمرو " ولو قلت: " اختصم زيد " لم يجز، ومثله " اصطف هذا وابنى، وتشارك زيد وعمرو "، ولا يجوز
أن يعطف في هذه المواضع بالفاء ولا بغيرها من حروف العطف، فلا تقول: " اختصم زيد فعمرو ". * * * والفاء للترتيب باتصال * و " ثم " للترتيب بانفصال أي: تدل الفاء على تأخر المعطوف عن المعطوف عليه متصلا به، و " ثم " على تأخره عنه منفصلا، أي: متراخيا عنه، نحو: " جاء زيد فعمرو "، ومنه قوله تعالى: (الذى خلق فسوى)، و " جاء زيد ثم عمرو " ومنه قوله تعالى: (والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ". * * *
[ 228 ]
واخصص بفاء عطف ما ليس صله * على الذى استقر أنه الصله اختصت الفاء بأنها تعطف ما لا يصلح أن يكون صلة - لخلوه عن ضمير الموصول - على ما يصلح أن يكون صلة - لاشتماله على الضمير - نحو: " الذى يطير فيغضب زيد الذباب "، ولو قلت: " ويغضب زيد " أو " ثم يغضب زيد " لم يجز، لان الفاء تدل على السببية، فاستغنى بها عن الرابط، ولو قلت: " الذى يطير وبغضب منه زيد الذباب " جاز، لانك أتبت بالضمير الرابط. * * * بعضا بحتى اعطف على كل، ولا * يكون إلا غاية الذى تلا
[ 229 ]
يشترط في المعطوف بحتى أن يكون بعضا مما قبله وغاية له: في زيادة، أو نقص، نحو: " مات الناس حتى الانبياء، وقدم الحجاج حتى المشاة ". * * * و " أم " بها اعطف إثر همز التسوية * أو همزة عن لفظ " أي " مغنيه " ام " على قسمين: منقطعة، وستأتى، ومتصلة، وهى: التى تقع بعد همزة التسوية نحو: " سواء على أقمت أم قعدت " ومنه قوله تعالى: (سواء علينا
أجز عنا أم صبرنا) والتى تقع بعد همزة مغنية عن " أي " نحو " أزيد عندك أم عمرو " أي: أيهما عندك ؟. * * * وربما أسقطت الهمزة، إن * كان خفا المعنى بحذفها أمن
[ 230 ]
أي: قد تحذف الهمزة - يعنى همزة التسوية، والهمزة المغنية عن أي - عند أمن اللبس، وتكون " أم " متصلة كما كانت والهمزة موجودة، ومنه قراءة ابن محيصن: (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم) بإسقاط الهمزة من " أنذرتهم "، وقول الشاعر: 294 - لعمرك ما أدرى وإن كنت داريا * بسبع رمين الجمر أم بثمان أي: أبسبع. * * *
[ 231 ]
وبانقطاع وبمعنى " بل " وفت * إن تك مما قيدت به خلت أي: إذا لم يتقدم على " أم " همزة التسوية، ولا همزة مغنية عن أي، فهى منقطعة وتفيد الاصراب كبل، كقوله تعالى: (لا ريب فيه من رب العالمين، أم يقولون افتراه) أي: بل يقولون افتراه، ومثله " إنها لا بل أم شاء " أي: بل هي شاء. * * * خير، أبح، قسم - بأو - وأبهم، * واشكك، وإضراب بها أيضا نمى
[ 232 ]
أي: تستعمل " أو " للتخيير، نحو " خذ من مالى درهما أو دينارا " وللاباحة نحو " جالس الحسن أو ابن سيرين، والفرق بين الاباحة والتخيير: أن الاباحة لا تمنع الجمع، والتخيير يمنعه، وللتقسيم، نحو " الكلمة اسم، أو فعل، أو حرف " وللابهام على السامع، نحو " جاء زيد أو عمرو " إذا كنت
عالما بالجائى منهما وقصدت الابهام على السامع، [ ومنه قوله تعالى: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ]، وللشك، نحو " جاء زيد أو عمرو " إذا كنت شاكا في الجائى منهما، وللاضراب كقوله: 295 - ماذا ترى في عيال قد برمت بهم * لم أحص عدتهم إلا بعداد
[ 233 ]
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية * لولا رجاؤك قد قتلت أو لادى أي: بل زادوا. وربما عاقبت الواو، إذا * لم يلف ذو النطق للبس منفذا قد تستعمل " أو " بمعنى الواو عند أمن اللبس، كقوله: 296 - جاء الخلافة أو كانت له قدرا * كما أتى ربه موسى على قدر أي وكانت له قدرا
[ 234 ]
ومثل " أو " في القصد " إما " الثانية * في نحو: " إما ذى وإما النائيه " يعنى أن " إما " المسبوقة بمثلها تفيد ما تفيده " أو ": من التخيير، نحو: " خذ من مالى إما درهما وإما دينارا " والاباحة، نحو: " جالس إما الحسن وإما ابن سيرين " والتقسيم، نحو: " الكلمة إما اسم وإما فعل وإما حرف " والابهام والشك، نحو: " جاء إما زيد وإما عمرو ". وليست " إما " هذه عاطفة، خلافا لبعضهم، وذلك لدخول الواو عليها، وحرف العطف لا يدخل على حرف [ العطف ]. * * *
[ 235 ]
وأول " لكن " نفيا لو نهيا، و " لا " * نداء أو أمرا أو اثباتا تلا أي: إنما يعطف بلكن بعد النفى، نحو: " ما ضربت زيدا لكن عمرا "
وبعد النهى، نحو: " لا تضرب زيدا لكن عمرا "، ويعطف ب " لا " بعد النداء، نحو: " يا زيد لا عمرو " والامر، نحو: " اضرب زيدا لا عمرا " وبعد الاثبات، نحو: " جاء زيد لا عمرو " ولا يعطف ب " لا " بعد النفى، نحو: " ما جاء زيد لا عمرو " ولا يعطف ب " لكن " في الاثبات، نحو: " جاء زيد لكن عمرو ". * * * وبل كلكن بعد مصحوبيها * كلم أكن في مربع بل تيها
[ 236 ]
وانقل بها للثان حكم الاول * في الخبر المثبت، والامر الجلى يعطف ببل في النفى والنهى، فتكون كلكن: في أنها تقرر حكم ما قبلها، وتثبت تفيضه لما بعدها، نحو: " ما قام زيد بل عمرو، ولا تضرب زيدا بل عمرا " ففررت النفى والنهى السابقين، وأثبتت القيام لعمرو، والامر بضربه. ويعطف بها في الخبر المثبت، والامر، فتفيد الاضراب عن الاول، وتنقل الحكم إلى الثاني، حتى يصير الاول كأنه مسكوت عنه، نحو: " قام زيد بل عمرو، واضرب زيدا بل عمرا ". * * * وإن على ضمير رفع متصل * عطفت فافصل بالضمير المنفصل
[ 237 ]
أو فاصل ما، وبلا فصل يرد * في النظم فاشيا، وضعفه اعتقد إذا عطفت على ضمير الرفع المتصل وجب أن تفصل بينه وبين ما عطفت عليه بشئ، ويقع الفصل كثيرا بالضمير المنفصل، نحو قوله تعالى: (لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين) فقوله: " وآباؤكم " معطوف على الضمير في " كنتم " وقد فصل ب " أنتم " وورد - أيضا - الفصل بغير الضمير،
وإليه أشار بقوله: " أو فاصل ما " وذلك كالمفعول به، نحو " أكرمتك وزيد "، ومنه قوله تعالى: (جنات عدن يدخلونها ومن صلح)، فمن: معطوف على الواو [ في يدخلونها ]، وصح ذلك للفصل بالمفعول به، وهو الهاء من " يدخلونها " ومثله الفصل بلا النافية، كقوله تعالى: (ما أشركنا ولا آباؤنا)، ف " آباؤنا " معطوف على " نا "، وجاز ذلك الفصل [ بين المعطوف والمعطوف عليه ] بلا.
[ 238 ]
والضمير المرفوع المستتر في ذلك كالمتصل، نحو: اضرب أنت وزيد "، ومنه قوله تعالى: (اسكن أنت وزوجك الجنة) ف " زوجك " معطوف على الضمير المستتر في " اسكن " وصح ذلك للفصل بالضمير المنفصل - وهو " أنت " - وأشار بقوله: " وبلا فصل يرد " إلى أنه قد ورد في النظم كثيرا العطف على الضمير المذكور بلا فصل، كقوله: 297 - قلت إذ أقبلت وزهر تهادى * كنعاج الفلا تعسفن رملا فقوله: " وزهر " معطوف على الضمير المستتر في " أقبلت ".
[ 239 ]
وقد ورد ذلك في النثر قليلا، حكى سيبويه رحمه الله تعالى: " مررت برجل سواء والعدم " برفع " العدم " بالعطف على الضمير المستتر في " سواء ". وعلم من كلام المصنف: أن العطف على الضمير المرفوع المنفصل لا يحتاج إلى فصل، نحو " زيد ما قام إلا هو وعمرو " وكذلك الضمير المنصوب المتصل والمنفصل، نحو " زيد ضربته وعمرا، وما أكرمت إلا إياك وعمرا ". وأما الضمير المجرور فلا يعطف عليه إلا بإعادة الجار له، نحو " مررت بك
وبزيد " ولا يجوز " مررت بك وزيد ". هذا مذهب الجمهور، وأجاز ذلك الكوفيون، واختاره المصنف، وأشار إليه بقوله: وعود خافض لدى عطف على * ضمير خفض لازما قد جعلا وليس عندي لازما، إذا قد أتى * في النثر والنظم الصحيح مثبتا
[ 240 ]
أي: جعل جمهور النحاة إعادة الخافض - إذا عطف على ضمير الخفض - لازما، ولا أقول به، لورود السماع: نثرا، ونظما، بالعطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض، فمن النثر قراءة حمزة (واتقوا الله الذى تساءلون به والارحام) بجر " الارحام " عطفا على الهاء المجرورة بالباء، ومن النظم ما أنشده سيبويه، رحمه الله تعالى: 298 - فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا * فاذهب فما بك والايام من عجب بجر " الايام " عطفا على الكاف المجرورة بالباء. * * *
[ 241 ]
والفاء قد تحذف مع ما عطفت * والواو، إذ لا لبس، وهى انفردت بعطف عامل مزال قد بقى * معموله، دفعا لوهم اتقى
[ 242 ]
قد تحذف الفاء مع معطوفها للدلالة، ومنه قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) أي: فأفطر فعليه عدة من أيام أخر، فحذف " أفطر " والفاء الداخلة عليه، وكذلك الواو، ومنه قولهم: " راكب الناقة طليحان " أي. راكب الناقة والناقة طليحان. وانفردت الواو - من بين حروف العطف - بأنها تعطف عاملا محذوفا بقى معموله، ومنه قوله:
299 - إذا ما الغانيات برزن يوما * وزججن الحواجب والعيونا
[ 243 ]
ف " العيون ": مفعول بفعل محذوف، والتقدير: وكحلن العيون، والفعل المحذوف معطوف على " زججن ". * * * وحذف متبوع بدا - هنا - استبح * وعطفك الفعل على الفعل يصح قد يحذف المعطوف عليه للدلالة عليه، وجعل منه قوله تعالى: (أفلم تكن آياتى تتلى عليكم) قال الزمخشري: التقدير: ألم تأتكم [ آياتى فلم تكن تتلى عليكم ] فحذف المعطوف عليه، وهو " ألم تأتكم ".
[ 244 ]
وأشار بقوله: " وعطفك الفعل - إلى آخره " إلى أن العطف ليس مختصا بالاسماء، بل يكون فيها وفي الافعال، نحو " يقوم زيد ويقعد، وجاء زيد وركب، واضرب زيدا وقم ". * * * واعطف على اسم شبه فعل فعلا * وعكسا استعمل تجده سهلا يجوز أن يعطف الفعل على الاسم المشبه للفعل، كاسم الفاعل، ونحوه، ويجوز أيضا عكس هذا، وهو: أن يعطف على الفعل الواقع موقع الاسم اسم، فمن الاول قوله تعالى: [ (فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا) وجعل منه [ قوله تعالى: ] (إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله)، ومن الثاني قوله: 300 - فألفيته يوما يبير عدوه * ومجر عطاء يستحق المعابرا
[ 245 ]
وقوله: 301 - بات يغشيها بعضب باتر * يقصد في أسوقها وجائر
ف " مجر ": معطوف على " يبير "، و " جائر ": معطوف على " يقصد ". * * *
[ 247 ]
البدل التابع المقصود بالحكم بلا * واسطة - هو المسمى بدلا البدل هو: " التابع: المقصود بالنسبة، بلا واسطة ". ف " التابع ": جنس، و " المقصود بالنسبة ": فصل، أخرج: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، لان كل واحد منها مكمل للمقصود بالنسبة، لا مقصود بها، و " بلا واسطة ": أخرج المعطوف ببل، نحو " جاء زيد بل عمرو "، فإن " عمرا " هو المقصود بالنسبة، ولكن بواسطة - وهى بل - وأخرج المعطوف بالواو ونحوها، فإن كل واحد منهما مقصود بالنسبة، ولكن بواسطة. * * * مطابقا، أو بعضا، أو ما يشتمل * عليه، يلفى، أو كمعطوف ببل
[ 248 ]
وذا للاضراب اعز، إن قصدا صحب * ودون قصد غلط به سلب كزره خالدا، وقبله اليدا، * واعرفه حقه، وخذ نبلا مدى
[ 249 ]
البدل على أربعة أقسام: الاول: بدل الكل من الكل، وهو البدل المطابق للمبدل منه المساوى له في المعنى، نحو " مررت بأخيك زيد، وزره خالدا ". الثاني: بدل البعض من الكل، نحو " أكلت الرغيف ثلثه، وقبله اليد ". الثالث: بدل الاشتمال، وهو الدال على معنى في متبوعه، نحو " أعجبني
زيد علمه، واعرفه حقه ". الرابع: البدل المباين للمبدل منه، وهو المراد بقوله " أو كمعطوف ببل " وهو على قسمين، أحدهما: ما يقصد متبوعه كما يقصد هو، ويسمى بدل الاضراب وبدل البداء، نحو " أكلت خبزا لحما " قصدت أولا الاخبار بأنك أكلت خبزا، ثم بدالك أنك تخبر أنك أكلت لحما أيضا، وهو المراد بقوله: " وذا للاضراب اعز إن قصدا صحب " أي: البدل الذى هو كمعطوف ببل انسبه للاضراب إن قصد متبوعه كما يقصد هو، الثاني: مالا يقصد متبوعه، بل يكون المقصود البدل فقط، وإنما غلط المتكلم، فذكر المبدل منه، ويسمى بدل الغلط والنسيان، نحو " رأيت رجلا حمارا " أردت أنك تخبر أولا أنك رأيت حمارا، فغلطت بذكر الرجل، وهو المراد بقوله: " ودون قصد غلط به سلب " أي: إذا لم يكن المبدل منه مقصودا فيسمى البدل بدل الغلط، لانه مزيل الغلط الذى سبق، وهو ذكر غير المقصود. وقوله: " خذ نبلا مدى " يصلح أن يكون مثالا لكل من القسمين،
[ 250 ]
لانه إن قصد النبل والمدى فهو بدل الاضراب، وإن قصد المدى فقط - وهو جمع مدية، وهى الشفرة - فهو بدل الغلط. * * * ومن ضمير الحاضر الظاهر لا * تبدله، إلا ما إحاطة جلا أو اقتضى بعضا، أو اشتمالا * كإنك ابتهاجك استمالا أي: لا يبدل الظاهر من ضمير الحاضر، إلا إن كان البدل بدل كل من كل، واقتضى الاحاطة والشمول، أو كان بدل اشتمال، أو بدل بعض من كل. فالاول كقوله تعالى: (تكون لنا عيدا لاولنا وآخرنا)، ف " أولنا "
بدل من الضمير المجرور باللام - وهو " نا " - فإن لم يدل على الاحاطة امتنع، نحو " رأيتك زيدا ".
[ 251 ]
والثانى كقوله: 302 - ذريني، إن أمرك لن يطاعا * وما ألفيتني حلمي مضاعا ف " حلمي " بدل اشتمال من الياء في " ألفيتني ". والثالث كقوله: 303 - أو عدني بالسجن والاداهم * رجلى، فرجلي شثنة المناسم
[ 252 ]
ف " رجلى " بدل بعض من الياء في " أو عدني ". وفهم من كلامه: أنه يبدل الظاهر من الظاهر مطلقا كما تقدم تمثيله، وأن ضمير الغيبة يبدل منه الظاهر مطلقا، نحو " زره خالدا ". * * * وبدل المضمن الهمز يلى * همزا، ك " من ذا أسعيد أم على " ؟
[ 253 ]
إذا أبدل من اسم الاستفهام وجب دخول همزة الاستفهام على البدل، نحو " من ذا أسعيد أم على ؟ وما تفعل أخيرا أم شرا ؟ ومتى تأتينا أغدا أم بعد غد " ؟ * * * ويبدل الفعل من الفعل، ك " من * يصل إلينا يستعن بنا يعن كما يبدل الاسم من الاسم يبدل الفعل من الفعل، ف " يستعن بنا ": بدل من " يصل إلينا "، ومثله قوله تعالى: (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب) ف " يضاعف ": بدل من " يلق " فإعرابه بإعرابه، وهو الجزم، وكذا قوله:
304 - إن على الله أن تبايعا * تؤخذ كرها أو تجئ طائعا ف " تؤخذ ": بل من " تبايعا " ولذلك نصب.
[ 255 ]
النداء وللمنادى الناء أو كالناء " يا، * وأى، وآ " كذا " أيا " ثم " هيا " والهمز للدانى، و " وا " لمن ندب * أو " يا " وغير " وا " لدى اللبس اجتنب لا يخلو المنادى من أن يكون مندوبا، أو غيره، فإن كان غير مندوب: فإما أن يكون بعيدا، أو في حكم البعيد - كالنائم والساهى - أو قريبا، فإن كان بعيدا أو في حكمه فله من حروف النداء: " ياء وأى، وآ، وهيا " وإن كان قريبا فله الهمزة، نحو " أزيد أقبل "، وإن كان مندوبا - وهو
[ 256 ]
المتفجع عليه، أو المتوجع منه - فله " وا " نحو " وازيداه "، و " واظهراه " و " يا " أيضا، عند عدم التباسه بغير المندوب، فإن التبس تعينت " وا " وامتنعت " يا ". * * * وغير مندوب، ومضمر، وما * جا مستغاثا قد يعرى فاعلما وذاك في اسم الجنس والمشار له * قل، ومن يمنعه فانصر عاذله لا يجوز حذف حرف النداء مع المندوب، نحو " وازيداه " ولا مع الضمير، نحو " يا إياك قد كفيتك " ولا مع المستغاث، نحو " يالزيد ".
[ 257 ]
وأما غير هذه فيحذف معها الحرف جوازا، فتقول في " يا زيد أقبل ": " زيد أقبل " وفي " يا عبد الله اركب ": " عبد الله اركب ". لكن الحذف مع اسم الاشارة قليل، وكذا مع اسم الجنس، حتى إن أكثر
النحويين منعوه، ولكن أجازه طائفة منهم، وتبعهم المصنف، ولهذا قال: " ومن يمنعه فانصر عاذله " أي: انصر من يعذله على منعه، لورود السماع به، فما ورد منه مع اسم الاشارة قوله تعالى: (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم) أي: يا هؤلاء، وقول الشاعر: 305 - ذا، ارعواء، فليس بعد اشتعال الر * أس شيبا إلى الصبا من سبيل أي: يا ذا، ومما ورد منه مع اسم الجنس قولهم: " أصبح ليل " أي: يا ليل، و " أطرق كرا " أي: يا كرا. * * *
[ 258 ]
وابن المعرف المنادى المفراد * على الذى في رفعه قد عهدا لا يخلو المنادى من أن يكون: مفراد، أو مضافا، أو مشبها به. فإن كان مفردا: فإما أن يكون معرفة، أو نكرة مقصودة، أو نكرة غير مقصودة. فإن كان مفردا - معرفة، أو نكرة مقصودة - بنى على ما كان يرفع به، فإن كان يرفع بالضمة بنى عليها، نحو " يا زيد " و " يارجل "، وإن كان يرفع بالالف أو بالواو فكذلك، نحو " يا زيدان، ويا رجلان "، و " يا زيدون، ويا رجيلون " ويكون في محل نصب على المفعولية، لان المنادى مفعول [ به ] في المعنى، وناصبه فعل مضمر نابت " يا " منابه، فأصل " يا زيد ": أدعو زيدا، فحذف " أدعو " ونابت " يا " منابه. * * *
[ 259 ]
وانو انضمام ما بنوا قبل الندا * وليجر مجرى ذى بناء جددا أي: إذا كان الاسم المنادى مبنيا قبل النداء قدر - بعد النداء - بناؤه على الضم، نحو " يا هذا ". ويجرى مجرى ما تجدد بناؤه بالنداء كزيد: في أنه
يتبع بالرفع مراعاة للضم المقدر فيه، وبالنصب مراعاة للمحل، فتقول " يا هذا العاقل، والعاقل " بالرفع والنصب، كما تقول: " يا زيد الظريف، والظريف ". * * * والمفرد المنكور، والمضافا * وشبهه - انصب عادما خلافا تقدم أن المنادى إذا كان مفراد معرفة أو نكرة مقصودة يبنى على ما كان يرفع به، وذكر هنا أنه إذا كان مفردا نكرة: أي غير مقصودة، أو مضافا، أو مشبها به - نصب.
[ 260 ]
فمثال الاول قول الاعمى " يا رجلا خذ بيدى " وقول الشاعر: 306 - أيا راكبا إما عرضت فبلغا * نداماى من نجران أن لا تلاقيا ومثال الثاني قولك: " يا غلام زيد "، و " يا ضارب عمرو ". ومثال الثالث قولك " يا طالعا جبلا، ويا حسنا وجهه، ويا ثلاثة وثلاثين " [ فيمن سميته بذلك ]. * * *
[ 261 ]
وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت " إن " بعد فاء الجزاء، نحو " من يأتنى فإنه مكرم " فالكسر على جعل " إن " ومعموليها جملة أجيب بها الشرط، فكأنه قال: من يأتنى فهو مكرم، والفتح على جعل " أن " وصلتها مصدرا مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير " من يأتنى فإكرامه موجود " ويجوز أن يكون خبرا والمبتدأ محذوفا، والتقدير " فجزاؤه الاكرام ". ومما جاء بالوجهين قوله تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة تم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم) قرئ (فإنه غفور رحيم) بالفتح [ والكسر، فالكسر على جعلها جملة جوابا
لمن، والفتح ] على جعل أن وصلتها مصدرا مبتدأ خبره محذوف، والتقدير " فالغفران جزاؤه " أو على جعلها خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير " فجزاؤه الغفران ". وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت " أن " بعد متبدأ هو في المعنى قول وخبر " إن " قول، والقائل واحد، نحو " خير القول إنى أحمد [ الله ] " فمن فتح جعل " أن " وصلتها مصدرا خبرا عن " خير "، والتقدير " خير القول حمد لله " ف " خير ": مبتدأ، و " حمد لله ": خبره، ومن كسر جعلها جملة خبرا عن " خير " كما تقول " أول قراءتى (سبح اسم ربك الاعلى) " فأول: مبتدأ، و " سبح اسم ربك الاعلى " جملة خبر عن " أول " وكذلك " خير القول " مبتدأ، و " إنى أحمد الله " خبره، ولا تحتاج هذه