شرح الرضي على الكافية
رضي الدين الأستراباذي ج 3
[ 1 ]
شرح الرضى على الكافية
[ 2 ]
جميع حقوق الطبع محفوظة 1398 ه - 1978 م جامعة قاريونس
[ 3 ]
شرح الرضى على الكافية طبعة جديدة مصححة ومذيلة بتعليقات مفيدة الجزء الثالث تصحيح وتعليق يوسف حسن عمر الاستاذ بكليه اللغة العربية والدراسات الاسلامية كلية اللغة العربية والدراسات الاسلامية
[ 5 ]
(الموصول) 1 (التعريف، وشرحه) (قال الرضى:) انتصاب (جزءا على أنه خبر (يتم)، لتضمنه معنى (يصير)، وذلك أن الأفعال
الناقصة لا حصر لها، على ما يتبين في بابها، فمعنى يتم جزءا: يصير جزءا تاما، وكذا تقول: كان تسعة 2، فكلمتها عشرة، أي: صيرتها عشرة كاملة، قال المصنف: ليس قولنا: الموصول ما لا يتم جزءا إلا بصلة، من قبيل: العالم من قام به العلم، أي من باب تعريف الشئ بنفسه وذلك محال 3، وذلك، أن المجهول في قولك (العالم): ماهية العلم لا كونه ذا علم، إذ كل أحد يعلم أن الفاعل: ذو الفاعل: ذو الفعل، فلو بين العلم في الحد وقال: العالم من قام به الماهية الفلانية، لتم الحد، وكذلك ههنا، كل أحد يعرف أن
(1) هذا أول الجزء الثالث، وهو يوافق أول الجزء الثاني من تقسيم الشارح الرضى كما جاء في هامش النسخة المطبوعة، بالنسبة إلى بعض النسخ، وقد أشرنا إلى ذلك في نهاية الجزء الثاني من تقسيمنا لهذا الشرح (2) إما أن نعتبر كان، تامة، أي وجد تسعة، أو نقول إن خبر كان محذوف ولا يتعلق الغرض بذكره لأن القصد إلى مجرد التمثيل للمعنى الذي أشار إليه. (3) أي تعريف الشئ بنفسه، وقوله بعد هذا: وذلك أن المجهول، بيان لكونه ليس من قبيل تعريف الشئ بنفسه، ولا شك أن في عبارته بعض التعقيد. (*)
[ 6 ]
الموصول: الذي يلحق به صلة، وإنما الأشكال في ماهية الصلة، أي شئ هي ؟ فتعريف الموصول بالصلة، تعريف الشئ بما لا يشكل من ذلك الشئ إلا هو، فقال المصنف: إنما قلت إنه ليس من هذا الباب، لأن المراد بالموصول: الموصول في الاصطلاح، لا في اللغة، ثم قال: إنما قلت (بصلة)، ولم أقل بجملة، ولم أقل بجملة، جريا على اصطلاحهم، فعلى هذا، وقع فيما فر منه، لأن معنى كلامه، إذن، أن الموصول في الاصطلاح هو المحتاج إلى ما يسمى صلة في الاصطلاح، ومعنى الموصول، والمحتاج إلى الصلة، شئ واحد، ثم قال: وفسرت الصلة بقولي: وصلته جملة خبرية، ليرتفع الأشكال، فقد أقر بأن في نفس الحد إشكالا من دون التفسير، قال: ولو جعل موضع (بصلة):
بجملة، لارتفع الأشكال، وهذا حق، قوله: (يتم جزءا) أي يصير جزء الجملة، ونعني بجزء الجملة: المبتدأ، والخبر، والفاعل، - وجميع الموصولات لا يلزم أن تكون أجزاء الجمل، بل قد تكون فضلة، لكنه أراد أن الموصول هو الذي لو أردت أن تجعله جزء الجملة لم يمكن إلا بصلة وعائد، قوله: وعائد، أي ضمير يعود إليه، قال: هو احتراز 1 عما يجب إضافته إلى الجملة، كحيث، وإذ، فإنه لا يتم إلا بالجملة أيضا، وليس موصولا في الاصطلاح، وحد الموصول الحرفي: ما أول مع ما يليه من الجمل بمصدر، كما يجئ في حروف المصدر، ولا يحتاج إلى عائد، ولا أن تكون صلته خبرية على قول الأكثر، نحو: أمرتك أن قم، وبعضهم يقدر القول فيه حتى تصير خبرية، أي أمرتك بأن قلت لك قم، ويجيئ البحث فيه، في نواصب المضارع،
(1) لأن ما احترز عنه لا يحتاج إلى عائد. (*)
[ 7 ]
وإنما بنيت الموصولات، لأن منها ما وضع وضع الحروف نحو (ما) و (من) واللام، 1 على ما قيل، ثم حملت البواقي عليها طردا للباب، أو لا حتياجها في تمامها جزءا، إلى صلة وعائد، كاحتياج الحرف إلى غيره في الجزئية، (الصلة وشرطها) (والعائد وحكمه) (قال ابن الحاجب:) (وصلته جملة خبرية، والعائد ضمير له)، (قال الرضى:) إنما وجب كون الصلة جملة، لأن وضع الموصول على أن يطلقه المتكلم على ما يعتقد
أن المخاطب يعرفه بكونه محكوما عليه بحكم معلوم الحصول له، إما مستمرا، نحو: باسم الله الذي يبقى ويفنى كل شئ، أو: الذي هو باق، أو في أحد الأزمنة، نحو: الذي ضربني، أو أضربه، أو الذي هو ضارب، أو بكون متعلقه محكوما عليه بحكم معلوم الحصول له مستمرا، أو في أحد الأزمنة، نحو: الله الذي يبقى ملكه، أو ملكه باق، وزيد الذي ضرب غلامه، أو غلامه ضارب، أو يعتقد أن المخاطب يعرفه بكونه أو كون سببه حكما على شئ: دائما أو في بعض الأزمنة، نحو: الذي أخوك هو، أو الذي أخوك غلامه، أو الذي مضروبك هو أو غلامه، فهذا يصلح دليلا على أشياء: أحدها: أن الموصولات معارف وضعا، وذلك لما قلنا إن وضعها على أن يطلقها المتكلم على المعلوم عند المخاطب، وهذه خاصة المعارف،
(1) المراد: حرف التعريف حينما يكون اسما موصولا، وهو يعبر عنه باللام مرة، وبالألف واللام مرة أخرى (2) أي هذه القيود التي تضمنها قوله لأنه وضع الموصول... إلخ. (*)
[ 8 ]
ويسقط به اعتراض من اعترض بأن تعريف الموصول إذا كان بصلته، وهي جملة، فهلا تعرفت النكرة الموصوفة بها في نحو: جاءني رجل ضربته، لأن المعرف حاصل 1، فكان ينبغي ألا يكون في قولك: لقيت من ضربته، فرق بين كون (من) موصولة، وموصوفة، وذلك لأنا نقول، كما سبق، إن تعريف الموصول بوضعه معرفة مشارا به إلى المعهود بين المتكلم والمخاطب بمضمون صلته، فمعنى قولك لقيت من ضربته، إذا كانت (من) موصولة: لقيت الأنسان المعهود بكونه مضروبا لك، فهي موضوعة على أن تكون معرفة بصلتها، وأما إذا جعلتها موصوفة، فكأنك قلت: لقيت إنسانا مضروبا لك، فإنه وإن حصل لقولك: إنسانا، تخصيص بمضروبية المخاطب، لكنه ليس تخصيصا وضعيا، لأن (إنسانا) موضوع لأنسان لا تخصيص فيه، بخلاف: الذي، ومن، الموصولة،
فان وضعهما على أن يتخصصا بمضمون صلتهما، والفرق بين المعرفة والنكرة المخصصة، أن تخصيص المعرفة وضعي، وهو المراد بالتعريف عندهم، وليس المراد به مطلق التخصيص، ألا ترى أنك قد تخصص النكرة بوصف لا يشاركها فيه شئ آخر، مع أنها لا تسمى بذلك معرفة، لكونه غير وضعي، كما تقول: رأيت رجلا سلم عليك اليوم وحدة قبل كل أحد، وكذا قولك: إني أعبد إلها خلق السموات والأرض، ونحو ذلك، فإن قيل: إن الجمل نكرات، فكيف تعرف الموصولات وتخصصها ؟ قلت: لا نسلم تنكير الجمل، كما تقدم في تقدم في باب الوصف ولو سلمنا أيضا فالمخصص في الحقيقة تقييد الموصول بالصلة، كما أن (رجل)، و (طويل)، لا تخصيص في كل واحد منهما على
(1) أي موجود في وصف النكرة بالجملة. (2) بيان لوجه سقوط الاعتراض الذي أشار إليه، (3) لكونه، أي هذا التخصيص، (4) تقدم في الجزء الثاني، (*)
[ 9 ]
الانفراد، وقد حصل التخصيص بتقييد الموصوف بهذا الوصف، فالمقصود: أن تقييد الشئ بالشئ تخصيص وإن كان المقيد به غير خاص وحده، وقال بعضهم: إنما كانت الصلة معرفة، لأجل ضميرها الذي هو معرفة، وفيه نظر، فإن قصدوا بذلك أنها صارت معرفة بسبب الضمير فعرفت الموصول، لم يجز 1، لأن الجملة التي فيها ضمير، عندهم 2، نكرة أيضا، وإن قصدوا أنه لو لا الضمير لم تكن الصلة مخصصة للموصول، لأنها لم يكن لها به، إذن 3، تعلق بوجه، نحو: بالذي ضرب عمرو، فصحيح، وثانيها 4: أن الصلة ينبغي أن تكون معلومة للسامع في اعتقاد المتكلم قبل ذكر الموصول،
على ما تقدم: أن الحكم الذي تضمنته الصلة، ينبغي أن يعتقد المتكلم في المخاطب أنه يعلم حصوله للموصول، فلا يقال: أنا الذي دوخ البلاد، إلا لمن يعلم أن شخصا دوخها، وقال بعضهم: لا يجب أن يكون الموصول معلوم الصلة، إلا إذا كان مخبرا عنه فقط، قال: لأن المخبر عنه يجب تعريفه، وليس بشئ أما أولا، فلأن وضع الموصول، كما ذكرنا، أن يكون مضمون صلته معلوما للمخاطب في اعتقاد المتكلم، وهذا مطرد في المخبر عنه وغيره، وأما ثانيا فلأن المخبر عنه قد لا 5 يكون معرفة، ولا مختصا بوجه، كما مر في باب المبتدأ 6، وثالثها: أن الصلة ينبغي أن تكون جملة، لأن الحكم على شئ بشئ: من مضمونات الجمل، أو ما أشبهها من الصفات مع فاعلها، والمصدر مع فاعله، ولما كان اقتضاء
(1) لم يجز أي هذا القول، يريد: لم يصلح أن يكون علة لما قالوا، (2) أي القائلين بأن الجملة نكرة، (3) أي عند عدم وجود الضمير، (4) ثاني الأشياء التي قال انها تستفاد من شرحه الموصول. (5) أشرنا من قبل إلى أن هذا التعبير لا يقره جمهور النجاة، (6) تقدم في الجزء الأول، من هذا الشرح. (*)
[ 10 ]
الموصول للحكم وضعيا، لم يستعمل من جميع ما يتضمن الحكم إلا ما يكون تضمنه له أصلا، لا بالشبه، وهو الجملة، ويغني عنها: ظرف أو جار ومجرور منوي معه فعل وفاعل هو العائد، ورابعها: أنه يجب أن تكون الصلة جملة خبرية، لما ذكرنا أنه يجب أن يكون مضمون الصلة حكما معلوم الوقوع للمخاطب قبل الخطاب، والجمل الأنشائية والطلبية، كما ذكرنا في باب الوصف، لا يعرف مضمونها الا بعد إيراد صيغها، وأما قول الشاعر:
403 - وإني لرام نظرة قبل التي * لعلي وإن شطت نواها أزورها 1 فمثل قوله: جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط 2 - 94 أي: التي أقول لعلي أزورها، وقد تقع القسمية صلة، قال الله تعالى: (وإن منكم لمن ليبطئن 3) أي لمن والله ليبطئن، ومنعه بعضهم، ولا أرى منه مانعا، وقد أجاز ابن خروف 4 وقوع التعجبية صلة من دون اضمار القول، نحو: جاءني الذي ما أحسنه، ومنعه ابن بابشاذ 5، وسائر المتأخرين، وهو الوجه، لكونها إنشائية،
(1) نسب كثيرون، ومنهم العيني هذا البيت للفرزدق، وقال البغدادي تعقيبا على ذلك، إنه ليس في ديوانه، وإنما الذي في ديوان الفرزدق قصيدة لامية يقول فيها: وقاتلة لي لم تضبني سهامها * رمتني على سوداء قلبي نبالها وإني لرام رمية قبل التي * لعلي وإن شقت علي أنالها والاستشهاد لا يتغير على كل حال، (2) تقدم هذا الشاهد في الجزأين السابقين، (3) الآية 72 سورة النساء. (4) هو أبو الحسن علي بن محمد الاشبيلي وتقدم ذكره في الجزأين السابقين، (5) هو طاهر بن أحمد الشهير بابن بابشاذ، وهي كلمة فارسية معناها باب الفرح ا أو السرور، وهو ممن تقدم ذكرهم، (*)
[ 11 ]
وخامسها: أنه لا بد في الصلة من ضمير عائد، وذلك لما قلنا: أن ما تضمنته الصلة من الحكم متعلق بالموصول، لأنه اما محكوم عليه هو أو سببه، أو محكوم به هو أو
سببه، فلا بد من ذكر نائب الموصول في الصلة ليتعلق الحكم بالموصول بسبب تعلقه بنائبه، وذلك النائب هو الضمير العائد إليه، ولو لم يذكر الموصول في الصلة، لبقي الحكم أجنبيا عنه، لأن الجمل مستقلة بأنفسها لولا الرابط الذي فيها، وقد يغني الظاهر عن العائد، على قلة، نحو ما جاءني زيد الذي ضرب زيد، (صلة الألف واللام) (قال ابن الحاجب:) (وصلة الألف واللام: اسم فاعل أو مفعول)، (قال الرضى:) لما ذكر أن الصلة يجب أن تكون جملة، استدرك ذلك، فكأنه قال: لكن صلة الألف واللام اسم فاعل أو مفعول: اعلم أنهم اختلفوا في اللام الداخلة على اسمي الفاعل والمفعول، فقال المازني 1: هي حرف كما في سائر الأسماء الجامدة، نحو الرجل والفرس، وقال غيره: إنها اسم موصول، وذهب الزمخشري 2 إلى أنها منقوصة من الذي، وأخواته، وذلك لأن الموصول مع صلته التي هي جملة: بتقدير اسم مفرد، فتثاقل ما هو كالكلمة الواحدة بكون أحد
(1) أبو عثمان المازني من مشاهير النجاة ونقل الرضى عنه كثيرا فيما تقدم وسيتكرر ذكره (2) جار الله: محمود بن عمر الزمخشري، تقدم ذكره، والرأي الذي نسبه إليه الشارح موجود في المفصل، انظر شرح ابن يعيش ج 3 ص 154، (*)
[ 12 ]
جزأيها جملة، فخفف الموصول، تارة بحذف بعض حروفه، قالوا في الذي: اللذ واللذ، بسكون الذال، ثم اقتصروا منه على الألف واللام، وتارة بحذف بعض الصلة: إما الضمير، أو نون المثنى والمجموع، نحو: والحافظو عورة العشيرة لا * يأتيهم من ورائها وكف 1 - 289
كما يجيئ، والأولى أن نقول: اللام الموصولة غير لام الذي، لأن لام الذي زائدة، بخلاف اللام الموصولة، قالوا: الدليل على أن هذه اللام موصولة: رجوع الضمير إليها في السعة، نحو: الممروز به: زيد، أجاب المازني بأن الضمير راجع إلى الموصوف المقدر، فمعنى، الضارب غلامه: زيد، الرجل الضارب غلامه: زيد، وفيما ارتكبه يلزمه محذوران: أحدهما إعمال اسمي الفاعل والمفعول غير معتمدين ظاهرا على أحد الأمور الخمسة، أي: الموصوف، وذي الحال، والمبتدأ، وحرف النفي، وحرف الاستفهام، وعملهما من غير اعتماد على شئ: مذهب الأخفش 2 والكوفيين، ومذهبه 3 في هذا غير مذهبهم، والثاني: رجوع الضمير على موصوف مقدر، فإن قال: الاعتماد على الموصوف المقدر، والضمير راجع إليه، كما في قوله تعالى: (فمنهم ظالم لنفسه) 4، فإن (ظالم) عمل في الجار والمجرور لاعتماده على الموصوف المقدر، والضمير في (لنفسه) راجع إليه، قلت: الموصوف المقدر بعد نحو: منهم، وفيهم، كالظاهر، لقوة الدلالة عليه، كما ذكرنا في باب الوصف، نحو قوله تعالى: (ومنا دون ذلك)، 5 وقوله: * (1) تقدم هذا الشاهد في الجزء الثاني (2) الأخفش هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة، وهو الأخفش الأوسط، ويكون هو المرا د حين يطلق لفظ الأخفش بدون تقييد، وتقدم ذكره، وسيتكرر، (3) أي المازني، (4) الآية 32 سورة فاطر، (5) الآية 11 سورة الجن، (*)
[ 13 ]
كأنك من جمال بني أقيش * يقعقع خلف رجليه بشن 1 - 336 وأيضا: الجار والمجرور يكفيه رائحة الفعل، وأما قول النجاة: يا ضاربا غلامه، ويا حسنا وجهه بالأعمال ورجوع الضمير إلى مقدر،. فمثال لهم غير مستند إلى شاهد من كلام موثوق به، ولا يقال في السعة: جاءني الحسن وجهه، على رجوع الضمير إلى الموصوف المقدر، ولا فرق عنده بين اللامين، كما لا يقال: جاءني حسن وجهه في الاختيار، بلى، قد يجيئ مثله في الشعر، نحو قوله: 404 - بسود نواصيها وحمر أكفها * وصفر تراقيها وبيض خدودها 2 ولو جاز عمل اسم الفاعل أو المفعول ذو اللام 3 لاعتماده على الموصوف المقدر كما ذهب إليه، لم يعمل بمعنى الماضي، كما لا يعمل المجرد منها، بل كان هو الأولى بترك العمل الفعلي، لأنه دخله، على مذهبه، ما هو من خواص الأسماء أعني لام التعريف، فتباعد به عن شبه الفعل، وأيضا، لو كانت لام 4 التعريف الحرفية، لم تحذف النون قياسا في نحو: الحافظو عورة العشيرة.. 5 - 289 كما لا تحذف مع المجرد منها، فنقول، بناء على مذهب الجمهور: إن أصل: الضارب والمضروب: الضرب والضرب، فكرهوا دخول اللام الاسمية المشابهة للحرفية لفظا ومعنى، على صورة الفعل، أما لفظا 6، فظاهر، وأما معنى، فلصيرورة اللام مع ما دخلت عليه، معرفة، كالحرفية
(1) هذا من شعر النابغة، وتقدم الاستشهاد به في الجزء الثاني (2) من قصيدة للحسين بن مطير، شاعر أموي أدرك الدولة العباسية وله شعر رقيق، والبيت مما وصف به النساء في القصيدة، ومنها قوله: وقد كنت أرجو أن تموت صبابتي * إذا قدمت أيامها وعهودها (3) صفة لاسم في قوله: اسم الفاعل.
(4) أي اللام في مثل الضارب وقوله: لام التعريف، خبر كانت، (5) الشاهد المتقدم قبل قليل، (6) يعني أما وجه الشبه لفظا فظاهر وهو أن كلا منهما بلفظ واحد، (*)
[ 14 ]
مع ما تدخل عليه، فصيروا الفعل في الصورة الاسم: الفعل المبني للفاعل في صورة اسم الفاعل، والمبني للمجهول في صورة اسم المفعول، لأن المعنيين متقاربان، إذ معنى زيد ضارب، زيد ضرب أو يضرب، وزيد مضروب: زيد ضرب أو يضرب، ولكون هذه الصلة فعلا في صورة الاسم، عملت بمعنى الماضيي، ولو كانت اسم الفاعل أو مفعول حقيقة لم تعمل بمعنى الماضي، كالمجرد من اللام، وكان حق الأعراب أن يكون على الموصول، كما نذكره، فلما كانت اللام الاسمية في صورة اللام الحرفية، نقل اعرابها إلى صلتها عارية، كما في (إلا) الكائنة بمعنى (غير)، على ما مر في باب الاستثناء، 1 فقلت: جاءني الضارب ورأيت الضارب ومررت بالضارب، فإن قيل: ما حملكم على هذا التطويل، وهلا قلتم إن صلة اللام ليست بجملة، بل جعلت صلتها: ما تضمن من المفردات: الحكم المطلوب في الصلات بمشابهة الفعل، لا على وجه الأصالة، وهو اسم الفاعل، واسم المفعول، قضاء لحق الألف واللام، وقلتم: إنما عمل اسما الفاعل والمفعول مع اللام لاعتمادهما على الموصول، كما يعملان إذا اعتمدا على الموصوف، حتى لا تحتاجوا إلى أن تقولوا إنما عملا بلا اعتماد، لكونهما في الحقيقة فعلين ؟ فالجواب: ان عملهما بمعنى الماضي مع اللام، دلهم على أنهما في الحقيقة فعلان، ألا ترى أن اسمي الفاعل والمفعول إذا وقعا عقيب حرف الاستفهام وحرف النفي، مع أن طلبهما للفعل أقوى من طلب الموصول له، لا يعملان بمعنى الماضي، وإنما لم توصل اللام بالصفة المشبهة مع تضمنها للحكم، لنقصان مشابهتها للفعل،
وكذا لم توصل بالمصدر، لأنه لا يقدر بالفعل إلا مع ضميمة (أن) كما مر في باب الأضافة، وهو معها بتقدير المفرد، والصلة لا تكون إلا جملة، قيل: وقد توصل في ضرورة الشعر بالجملة الاسمية، 2 وقد دخلت على الاسمية على ما
(1) من الجزء الثاني (2) استشهد النجاة لذلك ببيت شعر مجهول القائل وهو كما أورده ابن هشام في المغني: (*)
[ 15 ]
حكى الفراء 1 في غير الشعر، إن رجلا أقبل، قال له آخر: ها هو ذا، فقال السامع: نعم الها هو ذا، وقد وصلت في الشعر بالمضارع في قوله: 405 - فيستخرج اليربوع من نافقائه * ومن حجره بالشيخة اليتقصع 2 يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا * إلى ربنا صورت الحمار اليجدع وقد ذهب أهل الكوفة إلى أنه يجوز أن يكون الاسم الجامد المعرف باللام موصولا، قالوا في قوله: 406 - لعمري لنعم البيت أكرم أهله * وأقعد في أفيائه بالأصائل 3 إن التقدير: لأنت الذي أكرم أهله، لكنه موصول غير مبهم كسائر الأسماء الموصولة، وعند البصريين: اللام غير مقصود قصده، والمضارع صفة له، كما في قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني * فمضيت ثمت قلت لا يعنيني 4 - 56 وإنما جاز: مررت بالرجل القائم أبواه، لا القاعدين، ولم يجز: بالرجل القائم أبواه، لا اللذين قعدا، لاستتار ضمير المثنى في: القاعدين، وظهوره في: قعدا، وخفاء الموصول في القاعدين، وظهوره في: اللذين قعدا، فكأنك قلت: برجل قائم أبواه لا قاعدين،
= من القوم الرسول الله منهم * لهم دانت رقاب بني معد وأورده غيره بتغيير في بعض الفاظه للغرض نفسه،
(1) الفراء أبو زكريا يحيى بن زياد، من أئمة الكوفيين، وهو ممن نقل الرضى عنهم كثيرا، (2) هكذا أورد الشارح هذين البيتين متواليين وهما ليسا متواليين في القصيدة التي وردا فيها، وهما من شعر ذي الخرق الطهوي والبيت الثاني منهما هو أول شاهد ورد في هذا الشرح، وأنما أورد الشارح هذين البيتين هكذا لأن في كل منهما شاهدا على ما يقول، (3) من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي مطلعها: أساءلت رسم الدار أم لم تسائل * عن السكن أم عن عهده بالأوائل وهي قصيدة جيدة، ومن أبياتها عدد من الشواهد النحوية، (4) تكرر ذكر هذا الشاهد فيما تقدم، (*)
[ 16 ]
واعلم أن حق الأعراب أن يدور على الموصول، لأنه هو المقصود بالكلام، وإنما جئ بالصلة لتوضيحه، والدليل: ظهور الأعراب في (أي) الموصولة، نحو: جاءني أيهم ضربته ورأيت أيهم ضربته ومررت بأيهم ضربته، وكذا في: اللذان واللتان، فيمن قال بإعرابهما، وأما الصلة، فقال بعضهم: إنها معربة بإعراب الموصول، اعتقادا منه أنها صفة الموصول لتبيينها له، كما في الجمل الواقعة صفة للنكرات، وليس بشئ، لأن الموصولات معارف اتفاقا منهم، والجمل لا تقع صفة للمعارف، كما مر في الوصف، والجمهور على أنه لا محل للصلة من الأعراب، إذ لم يصح وقوع الاسم المفرد مقامها كالوصف وخبر المبتدأ والحال والمضاف إليه، ولا يقدر للجمل إعراب إلا إذا صح وقوع الاسم المفرد مقامها 1، وذلك في الأربعة المواضع 2، المذكورة فقط، وذلك لأن الأعراب للاسم في الأصل أو للاسم والفعل على قول، وكل واحد منهما مفرد، والصلة جملة لا غير، (الأسماء الموصولة)
(ألفاظها وما فيها من اللغات) (قال ابن الحاجب:) (وهي الذي والتي، واللذان واللتان، بالألف والياء، والألى) (والذين، واللاتي واللائي واللواتي، وما، ومن، وأي، وأية) (وذو: الطائية، وذا، بعد ما الاستفهامية، والألف واللام)،
(1) المعنى: إذا صح وقوع المفرد موقعها، أو: قيام المفرد مقامها، وهو ناظر فيه إلى المعنى، ويتكرر منه ذلك كثيرا، (2) استعمال العدد هكذا مذهب الكوفيين، والشارح يستعمله مع اعتراضه عليه، وتارة يستعمل مذهب البصريين أيضا، (*)
[ 17 ]
(قال الرضي:) هذا حصر لجميع الأسماء الموصولة، و (الذي) عند البصريين على وزن عم، وشج، أرادوا الوصف بها من بين الأسماء الموصولة، لكونها على وزن الصفات، بخلاف (ما) و (من)، فأدخلوا عليه اللام الزائدة تحسينا للفظ حتى لا يكون موصوفها، كمعرفة وصفت بالنكرة، وإنما قلنا بزيادة اللام، لما مر من أن الموصولات معارف وضعا بد ليل كون (من) و (ما) معرفتين بلا لام، وإنما ألزموها اللام الزائدة، لأنها لو نزعت تارة، وأدخلت أخرى، لأوهم كونها للتعريف، كما في: الرجل، ورجل، وإنما وصف بذو الطائية، وإن لم تكن على وزن الصفات، نظرا إلى لفظها، إذ هي، على لفظ (ذو) الذي يتوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس، وقال الكوفيون: أصل الذي، الذال الساكنة ثم لما أرادوا إدخال اللام عليها زادوا قبلها لاما متحركة، لئلا يجمعوا بين الذال الساكنة ولام التعريف الساكنة، ثم حركوا الذال
بالكسر، وأشبعوا الكسرة فتولدت ياء، كما حركت ذال (ذا) بالفتح وأشبع، فتولدت ألف، وكل ذا قريب من دعوى علم الغيب 1، وتقول في الواحد المؤنث: التي، بقلب الذال تاء، كما قلنا في: ذا، وتا، وقد تشدد ياءاهما، نحو: الذي والتي، فإذا شددتا، أعربت الكلمتان عند الجزولي 2 بأنواع الاعراب، كما في (أي)، ولا وجه لأعراب المشدد، إذ ليس التشديد يوجب الأعراب، وعند بعضهم يبنى المشدد على الكسر، إذ هو الأصل في التقاء الساكنين، قال: 407 - وليس المال فاعلمه بمال * وإن أغناك إلا للذي 3
(1) هذا إنصاف من الرضى في الرد على مثل هذه الافتراضات التي يوردها النجاة، ولكنه هو كثيرا ما يفع في مثل ذلك، وانظر كلامه عن التدريج في وضع الضمائر في آخر الجزء الثاني من هذا الشرح، ولذلك أمثلة أخرى أشرنا إليها في مواضعها، (2) الجزولي بضم الجيم والزاي: أبو موسى، واسمه عيسى، وتقدم ذكره كثيرا، (3) لم ينسب أحد هذين البيتين، وأوردهما ابن الشجري في أمالية، كما ذكرهما صاحب لسان العرب في مادة: ل ذي، (*)
[ 18 ]
ينال به العلاء ويصطفيه * لأقرب أقربيه وللقصي وحكى الزمخشري: أنه يبنى على الضم كقبل وبعد، قال الأندلسي 1 لعل الجزولي سمعه بضم الياء كما هو المنقول عن الزمخشري، ثم رآه في الشعر المذكور مكسورا، فحكم بإعرابه، وقد تحذف الياءان في الذي والتي، مكسورا ما قبلهما أو ساكنا، قال الشاعر في الكسر:
408 - واللذ لو شاء لكنت صخرا * أو جبلا أشم مشمخرا 2 وقال آخر في التسكين: 409 - كاللذ تزبى وزبية فاصطيدا 3 وقال: 410 - فقل للت تلومك إن نفسي * أراها لا تعوذ بالتميم 4 قال الأندلسي: الوجوه الثلاثة فيهما، أي تشديد الياء وحذفها ساكنا ما قبلها أو مكسورا، يجوز أن تكون لضرورة الشعر، لا أنها لغات، إذ المخفف يشدد للضرورة، وكذا يكتفي لها 5 بالكسر عن الياء، وتحذف الحركة بعد الاكتفاء، قال: إلا أن ينقلوها في حال السعة، لا في الشعر، فسمعا، إذن، وطاعة،
(1) القاسم بن أحمد الأندلسي وهو ممن نقل الرضى عنهم كثيرا، ويكاد يكون معاصرا له، وتقدم ذكره، (2) رواه بعضهم: اللذ، بدون واو، كما روى: لكانت بدل لكنت، وتعرضوا لشرح معناه ومع ذلك لم ينسبه أحد، وقال البغدادي بعد أن شرحه: لا أعلم قائله، وعلمه عند الله، (3) وهذا الرجز أورده ابن منظور في لسان العرب نقلا عن الفراء، ولم ينسب بأكثر من قولهم إنه لرجل من هذيل وأورد صاحب الانصاف قبله: فظلت في شر من اللذ كيدا، وربظه بعضهم برجز قيل في حوار جرى بين رجل وامرأته، والله أعلم بحقيقة الحال، والزبية حفرة تتخذ لصيد الأسود، ومعنى الرجز قريب من معنى الأثر: من حفر بئرا لأخيه وقع فيها، (4) التميم جمع تميمة، وهو ما يعلق من قبيل التعاويذ، وقال البغدادي إن ابن الشجري أنشد هذا البيت نقلا عن الفراء ولم ينسبه، (5) أي الضرورة (*)
[ 19 ]
وتثنية: الذي، والتي، اللذان، واللتان، بحذف الياءين، وجاز تشديد النونين ابدالا من الياء المحذوفة، وهل هما معربان أو مبنيان، على الخلاف الذي مر في: ذان،
وتان، وقد جاء: اللذان واللتان في الأحوال الثلاثة في غير الأفصح، والأولى: القول باعرابهما عند الاختلاف، كما مر، وأما مثنى الضمير نحو: هما، وكما، وقلتما، فلما غير عن وضع واحده، ولم يزد فيه النون بعد الألف، لم يعرب، لأنه صار صيغة مستأنفة، وخرج عن نسق المثنيات، وقد تحذف النونان في: اللذان واللتان، لاستطالة الموصول بصلته، قال: 411 - أبني كليب إن عمي اللذا * قتلا الملوك وفككا الأغلالا 1 وقال: 412 - هما اللتا لو ولدت تميم * لقيل فخر لهم صميم 2 وجمع الذي في ذوي العلم: الذين في الأحوال الثلاثة على الأكثر، واللذون في الرفع: لغة هذلية، قال جار الله 3: إعراب الجمع لغة من شدد الياء في الواحد، وهذا كما قال الجزولي: إن الذي، مشدد الياء، معرب، فكأن أصله: الذيون، فحذفت إحدى الياءين ثم عمل به ما عمل بقاضون، وحكى بعضهم الذيون رفعا، والذيين نصبا وجرا، وهي لغة من شدد الياء، فجمعه بلا حذف شئ منه،
(1) من قصيدة للأخطل في هجاء جرير، وفيها افتخار من الأخطل بقومه، مطلعها: كذبتك عينك ؟ أم رأيت بواسط * غلس الظلام من الرباب خيالا وبيت الشاهد أورده سيبويه في 1 / 95، كما أنه أورد المطلع المذكور في باب العطف 1 / 484 شاهدا على ورد (أم) بعد الخبر، وخرجه الأعلم الشنتمري على حذف الهمزة في أوله، (2) أنشده الفراء من غير نسبة إلى أحد، ونسبه العيني في الشواهد الكبرى للأخطل، قال البغدادي، قد فتشت ديوان الأخطل فلم أجده، وكثيرا ما يلاحظ البغدادي على العيني هذه الملاحظة، (3) المراد الزمخشري وتقدم ذكره قريبا، (*)
[ 20 ]
وقد تحذف النون من: الذون، تخفيفا، قال. 413 - قومي الذو بعكاظ طيروا شررا * من روس قومك ضربا بالمصاقيل 1 ومن الذين، أيضا، قال: 414 - وان الذي حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد 2 ويجوز في هذا، أن يكون مفردا وصف به مقدر اللفظ مجموع المعنى أي: وإن الجمع الذي، أو: إن الجيش الذي، كقوله تعالى: (كمثل الذي استوقد نارا) 3 فحمل على اللفظ، أي الجمع الذي استوقد، ثم قال: (بنورهم)، فحمل على المعنى، ولو كان في الآية مخففا من الذين، لم يجز إفراد الضمير العائد إليه، وكذا قوله تعالى: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون 4) وهذا كثير، أعني ذكر (الذي) مفردا موصوفا به مقدر مفرد اللفظ مجموع المعنى، أما حذف النون من الذين، نحو: جاءني الرجال الذي قالوا كذا، فهو قليل كقلة: اللذا، في المثنى، وقد يقال: لذي ولذان، ولتي ولتان ولاتي، بلا لام، وجمع الذي من غير لفظه: الألى بوزن: العلا، واللائين، رفعا، ونصبا وجرا، ويحذف النون فيقال: اللائي بهمزة بعدها ياء ساكنة، نحو: القاضي، وهو قليل في المذكر، قرأ الأخفش 5: (للائي يؤلون من نسائهم)، ويقال: اللاء بحذف الياء، وقد جاء: اللاؤون رفعا، واللائين نصبا وجرا،
(1) هذا البيت مما كان يقوله العرب في الافتخار بانتصاراتهم على أعدائهم في وقائع معينة، وهو منسوب إلى شاعر اسمه أمية بن حرثان بن الأسكر، أدرك الاسلام ولم يقطعوا بصحبته، وقوله من روس أصله رؤوس فخفف، والمصاقيل: السيوف، (2) للأشهب بن رميلة (بالراء أو بالزاي وبصيغة المصغر) وهو شاعر إسلامي ورواه الجاحظ بدون واو في أوله،
والبيت من الشواهد سيبويه 1 / 96 (3) الجزآن من الآية 17 في سورة البقرة، (4) الآية 33 سورة الزمر (5) هكذا في الأصل المطبوع وكأنها محرفة عن الأعمش، وهو سليمان الأعمش من قر اء الكوفة، ولم أر أحدا نسبها إلى الأخفش، والآية هي رقم 226 من سورة البقرة وأصلها للذين يؤلون، (*)
[ 21 ]
وجمع التي: اللاتي على وزن فاعل من التي، وهو اسم جمع، كالجامل والباقر 1، اللائي بالهمزة مكان التاء، وهو كثير في جميع التي، دون جمع الذي، واللواتي، واللوائي، جمعا الجمع وقد تحذف الياءات من الأربعة فيقال: اللات واللاء واللوات واللواء، الهمزة من اللاء بين الهمزة والياء، لكونها مكسورة، على ما هو قراءة ورش 2،: (واللاء يئسن) 3، وقد يقال: اللاي بياء ساكنة بعد الألف من غير همزة، كقراءة أبي عمرو 4، والبزي 5، قال أبو عمرو: هي لغة قريش، كأنهم حذفوا الياء بعد الهمزة، ثم أبدلوا الهمزة ياء من غير قياس ثم أسكنوا الياء اجراء للوصل مجرى الوقف، وقد يقال: اللوا، بحذف التاء معا، وقد يقال: اللاءات، كاللاعات 6، مكسورة التاء، أو معربة إعراب المسلمات، والألى، جمع التي أيضا، لا من لفظه، فالذي والتي، يشتركان في (الألى) و (اللائي) إلا أن الألى في جمع المذكر أكثر، واللائي بالعكس، وبمعنى الذي وفروعه من المثنى والمجموع والمؤنث: من، 7 وما وأي، مضافا إلى معرفة لتكون موصولة معرفة، والأضافة إما ظاهرة نحو: اضرب أيهم في الدار، أو مقدرة نحو: لقيت أيا ضربت، قال الكسائي: 8 يجب أن يكون عاملها مستقبلا، وقد نوزع فيه، فلم يكن له مستند إلا أنه قال: كذا خلقت، أي كذا وضعها الواضع، فقال له السائل: استحييت لك
(1) هما اسما جمع للجمل والبقرة، (2) ورش: هو عثمان بن سعيد المصري أحد الروايين عن نافع من القراء السبعة وراوية الثاني هو قالون، (3) من الآية 4 سورة الطلاق، (4) المراد: أبو عمرو بن العلاء البصري أحد القراء السبعة، ومن متقدمي النجاة، (5) البزي بتشديد الزاي، هو أحمد بن محمد بن أبي بزة، وكنيته أبو الحسن، وهو أحد الراويين عن عبد الله ابن كثير الملكي أحد القراء السبعة، (6) هذه كلمة أراد بها ضبط ما قبلها يجعل العين مكان الهمزة في الكلمة المراد ضبطها، (7) من وما، مبتدأ ومعطوف عليه والخبر هو قوله قبل ذلك: وبمعنى الذي... (8) علي بن حمزة الكسائي زعيم نجاة الكوفة وأحد القراء السبعة وتكرر النقل عنه في هذا الشرح، (*)
[ 22 ]
يا شيخ، يعني أن هذا أيضا متنازع فيه، وقد علل له (ابن باذش) 1 بأن قال: أي موضوعة على الأبهام، والأبهام لا يتحقق إلا في المستقبل الذي لا يدرى مقطعه 2، ولا مبدؤه، بخلاف الماضي والحال، فإنهما محصوران، فلما كان الأبهام في المستقبل أكثر منه في غيره، استعملت معه (أي) الموضوعة على الأبهام، وليس بشئ لاختلاف الأبهامين، ولا تعلق لأحدهما بالآخر، وعند الكوفيين، يلزم، أيضا، تقديم عامله عليه، وخالفهم البصريون في الموضعين، لعدم الدليل على الدعويين، وإذا أريد به المؤنث جاز إلحاق التاء به، موصولا كان أو استفهاما، أو غيرهما، نحو: لقيت أيتهن، وأيتهن لقيت ؟، قال الأندلسي: التاء فيه شاذ، كما شذ في: كلتهن، وخيرة الناس وشرة الناس، وبعض العرب يثنيها ويجمعها، أيضا، في الاستفهام وغيره، نحو أياهم أخواك،
وأيوهم إخوتك، وهما أشذ من التأنيث، ومجوزهما تصرفهما في باب الأعراب، قوله: (وذو الطائية)، الأكثر أن (ذو) الطائية لا تتصرف، نحو: جاءني ذو فعل، وذو فعلا، وذو فعلوا، وذو فعلت وذو فعلتا، وذو فعلن، قال: 415 - فأن الماء ماء أبي وجدي * وبئري ذو حفرت وذو طويت 3
(1) هو علي بن أحمد بن خلف الأنصاري الغرناطي وكنيته أبو الحسن ويقال له ابن الياذش، من علماء القرن السادس مات في أوائله، والأكثر ان يقال: ابن الياذش بحرف التعريف، وجاء في النسخة المطبوعة: ابن باذش، كما أشير بهامشها إلى أن في بعض النسخ: إبن بابشاذ، وفي بعضها: ابن فارس، (2) لا يدري مقطعه أي متى ينقطع وينتهي، (3) هذا أحد أبيات خمسة أوردها أبو تمام في ديوان الحماسة، لسنان بن الفحل الطائي في اختصام وقع بين فريق من طئ وجماعة من بني فزارة على ماء، وهذه الأبيات يقول فيها سنان: وقالوا قد جننت فقلت كلا * وربي ما جننت ولا انتشيت ولكني ظلمت، فكدت أبكي * من الظلم المبين أو بكيت.. الخ (*)
[ 23 ]
أي التي حفرتها، ولا تعرب، أيضا، قال: فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا * هلم فإن المشرفي الفرائض 1 - 327 ولم يقل: ذي جاء، وفي (ذو) الطائية أربع لغات: أشهرها ما مر، أعني عدم تصرفها مع بنائها، والثانية حكاها الجزولي: ذو، لمفرد المذكر، ومثناه ومجموعة، وذات، مضمومة التاء لمفرد المؤنث ومثناه ومجموعة، والثالثة حكاها أيضا، وهي كالثانية إلا أنه يقال لجمع المؤنث: ذوات مضمومة في الأحوال الثلاث، والرابعة حكاها ابن الدهان 2، وهي تصريفها تصريف (ذو) بمعنى صاحب مع إعراب جميع متصرفاتها، حملا للموصولة على التي بمعنى
صاحب، وكل هذه اللغات طائية، قوله: (وذا بعد (ما) الاستفهامية)، أما الكوفيون فيجوزون كون (ذا) وجميع أسماء الأشارة، موصولة بعد (ما)، استفهامية كانت، أو، لا، استدلالا بقوله تعالى: (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم) 3، أي: أنتم الذي تقتلون أنفسكم، وقوله: 416 - عدس ما لعباد عليك امارة * نجوت وهذا تحملين طليق 4 أي الذي تحملينة، وقوله تعالى: (وما تلك بيمينك يا موسى) 5، أي: ما التي بيمينك، ولم يجوز البصريون ذلك إلا في (ذا) بشرط كونه بعد (ما) الاستفهامية، إذا لم تكن زائدة،
(1) تقدم في باب النعت بالجزء الثاني، (2) ابن الدهان، مشترك بين جماعة أشهرهم، سعيد بن المبارك، الأمام ناصح الدين بن الدهان النحوي من أعيان النجاة في القرن السادس، (3) الآية 85 سورة البقرة، (4) ليزيد بن مفرغ الحميري حين خرج من سجن عباد بن زياد، أخي عبيد الله بن زياد وكان عبيد الله أمر بسجنة عند أخيه عباد بسبب هجائه لعبيد الله، وشفع فيه قوم إلى معاوية بن أبي سفيان فأمر بإخراجه من السجن، وحين خرج قدمت له بلغة فركبها وقال أبياتا هذا أولها، وعدس، اسم صوت تزجر به البغال كما سيأتي في أسماء الأصوات، (5) الآية 17 سورة طه (*)
[ 24 ]
ففي نحو: ماذا صنعت، يحتمل كونها زائدة، وبمعنى الذي، وقولك: ما ذا الذي صنعت، نص في الزيادة، ومثله (ذا) بعد (من) الاستفهامية، نحو: من ذا لقيت ؟ وقوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) 1،
واعتذر البصريون عن المواضع التي استدل بها الكوفيون بأن أسماء الأشارة فيها باقية على أصلها دفعا للاشتراك الذي هو خلاف الأصل، وخالف الأخفش، وابن السراج 2: النجاة في كون (ما) المصدرية حرفا، وجعلاها اسما، فهما يقدران في صلتها ضميرا راجعا إليها، و (ما) كناية عن المصدر، ففي قوله تعالى: (بما رحبت 3): أي بالرحب الذي رحبته، وليس بوجه، إذ لم يعهد هذا الضمير بارزا في موضع والأصل عدم الاضمار، وسيجئ الكلام عليها في الحروف المصدرية، (حذف العائد) (قال ابن الحاجب:) (والعائد المفعول يجوز حذفه)، (قال الماضي:) عائد الألف واللام لا يجوز حذفه، وإن كان مفعولا، لخفاء موصوليتها، والضمير أحد دلائل موصوليتها، كما مر في الخلاف مع المازني 4،
(1) الآية 245 سورة البقرة (2) ابن السراج هو أبو بكر محمد بن السري واشتهر بابن السراج وتقدم ذكره، (3) جزء من كل من الآيتين 25، 118 في سورة التوبة، (4) في أول الكلام على أل الموصولة في الفصل السابق على هذا، (*)
[ 25 ]
ولا يجوز حذف أحد العائدين إذا اجتمعا في الصلة، نحو: الذي ضربته في داره: زيد، إذ يستغنى عن ذلك المحذوف بالباقي فلا يقوم عليه دليل، ثم الضمير إما أن يكون منصوبا أو مجرورا أو مرفوعا، فالمنصوب يحذف بشرطين: ألا يكون منفصلا بعد (إلا) نحو: جاءني الذي ما ضربت إلا إياه، وأما في غيره، فلا منع، كقولك: ضيع الزيدان الذي أعطيتهما، أي أعطيتهما إياه، وكذا: الذي أنا ضارب
زيد، أي ضارب إياه، ويجوز أن يكون المحذوف ههنا مجرورا في محل النصب، كما يجيئ، أي: الذي أنا ضاربه، والشرط الثاني أن يكون مفعولا، نحو: الذي ضربت: زيد، لأن الضمير، إذن، فضلة، بخلاف الضمير الذي اتصل بالحرف الناصب، فلا يحذف في نحو: الذي إنه قائم..، وأما المجرور، فيحذف بشرط أن ينجر بإضافة صفة ناصبة له تقديرا، نحو: الذي أنا ضارب: زيد، أي ضاربه كما تقدم، أو ينجر بحرف جر معين، وإنما شرط التعيين، لأنه لا بد بعد حذف المجرور من حذف الجار أيضا، إذ لا يبقى حرف جار بلا مجرور، فينبغي أن يتعين، حتى لا يلتبس بعد الحذف بغيره، كقوله تعالى: (أنسجد لما تأمرنا 1)، أي: تأمرنا به، وقوله تعالى: (فاصدع بما تؤمر) 2 أي: تؤمر به، أي باظهاره، قال: 417 - فقلت له: لا، والذي حج حاتم * أخونك عهدا إنني غير خوان 3 أي حج حاتم إليه، ويتعين حرف الجر قياسا إذا جر الموصول، أو موصوفه بحرف جر مثله في المعنى، وتماثل المتعلقان، نحو: مررت بالذي مررت، أي: مررت به، فالجاران متماثلان، وكذا ما تعلقا بهما، ومثال الموصوف: مررت بزيد الذي مررت، وربما يحذف المجرور بحرف وإن لم يتعين، نحو: الذي مررت: زيد، أي الذي مررت
(1) الآية 60 سورة الفرقان، (2) الآية 94 سورة الحجر (3) لشاعر اسمه: العريان بن سهلة الجرمي من شعراء الجاهلية من أبيات أوردها أبو زيد الأنصاري في نوادره يتحدث فيها الشاعر عن مروره بأحد كرام العرب وما لقيه من هذا الكريم من حسن المعاملة، وفي رواية النوادر: فقال مجيبا والذي حج حاتم.. إلخ وقد تحرف البيت في النسخة المطبوعة إلى: انني غير حول، والصواب: انني غير خوان، كما أثبتناه نقلا عن الخزانة، (*)
[ 26 ]
به، وان احتمل: مررت معه أو له أو نحو ذلك،
ومذهب الكسائي في مثله: التدريج في الحذف، وهو أن يحذف حرف الجر أولا حتى يتصل الضمير بالفعل فيصير منصوبا فيصح حذفه، ومذهب سيبويه والأخفش: حذفهما معا، إذ ليس حذف حرف الجر قياسا في كل موضع، والمجوز له ههنا استطالة الصلة، ومع هذا المجوز فلا بأس بحذفه مع المجرور به، وأما الضمير المرفوع فلا يحذف إلا إذا كان مبتدأ، إذ غير ذلك إما خبره، وكون الضمير خبرا لمبتدأ أقل قليل، فلا يكون في الكلام، إذن، دليل على أن خبر المبتدأ هو المحذوف، بل يحمل ذلك على أن المحذف هو المبتدأ، لكثرة وقوعه ضميرا، وإما فاعل، فلا يجوز حذفه، أو خبر (إن) وأخواتها ولم يثبت حذفه إلا قليلا، ولا يكون ذلك أيضا في الأغلب، إلا إذا كان ظرفا، كما يجئ، وأيضا، هو في الأصل خبر المبتدأ، وإما اسم (ما) الحجازية، فلا يحذف أصلا لضعف عملها، ويشترط في المبتدأ المحذوف: ألا يكون خبره جملة، ولا ظرفا، ولا جارا ومجرورا، إذ لو كان أحدها، لم يعلم بعد الحذف أنه حذف شئ، إذ الجملة والظرف يصلحان مع العائد فيهما لكونهما صلة، وإذا حصل المبتدأ المشروط، فالبصريون قالوا: إن كان في صلة (أي) جاز الحذف بلا شرط آخر نحو قوله تعالى: (... أيهم أشد على الرحمن عتيا) 1 وقوله: 418 - إذا ما لقيت بني مالك * فسلم على أيهم أفضل 2 لحصول الاستطالة في نفس الموصول بسبب الأضافة، وإن لم تطل الصلة، وقال الأندلسي، لأنها لها من التمكن ما ليس لأخواتها، فلهذا تضاف وتعرب فتصرف في
(1) الآية 69 سورة مريم، (2) نسبة العيني لشاعر اسمه غسان بن وعلة من بني مرة، وكأنه بيت مفرد فلم يذكر أحد ممن تعرض له شيئا قبله ولا بعده، وقد كثرت الأوجه في تخريجه، وتعرض لذلك سيبويه في كتابه ج 1 ص 398 ولكنه لم يذكر البيت، (*)
[ 27 ]
صلتها، أيضا، بحذف بعضها، وإن لم يكن في صلة (أي)، لم يحذف إلا بشرط استطالة الصلة، كقوله تعالى: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله 1)، طالت الصلة بالعطف عليها، وأما الكوفيون فيجوزون الحذف، بلا شذوذ، مطلقا، في صلة (أي) كان، أو في غيرها، مع الاستطالة أو بدونها، كما قرئ في الشواذ 2: (على الذي أحسن) 3، ويروى: ما أنا بالذي قائل لك شيئا 4، واعلم أنه إذا كان الموصول أو موصوفه خبرا عن متكلم، جاز أن يكون العائد إليه غائبا، وهو الأكثر، لأن المظهرات كلها غيب 5، نحو: أنا الذي قال كذا، وجاز أن يكون متكلما حملا على المعنى، قال علي كرم الله وجهه: 419 - أنا الذي سمتن أمي حيدره 6 قال المازني: لو لم أسمعه لم أجوزه، وكذا إذا كان الموصول أو موصوفه خبرا عن مخاطب، نحو أنت الرجل الذي قال كذا، وهو الأكثر، أو قلت كذا حملا على المعنى، هذا كله إذا لم يكن للتشبيه، أما معه، فليس إلا الغيبة، كقولك: أنا حاتم الذي وهب المئين، أي مثل حاتم،
(1) الآية 84 سورة الزخرف، (2) هي قراءة يحيى بن يعمر، (3) الآية 154 سورة الأنغام، (4) يروى: ما أنا بالذي قائل لك شيئا، أو سوءا، أو سيئا، (5) إما بسكون الياء فيكون مصدرا مؤولا مثل عدل، أو بفتح الغين والياء جمع غائب، مثل خادم وخدم، (6) هذا من رجز قاله علي بن أبي طالب رضى الله عنه في يوم خيبر وكان يبارز يهوديا اسمه مرحب، قال رجزا
يتحدث فيه عن قوته فرد عليه علي بهذا الرجز الذي يقول فيه: أنا الذي سمتن أمي حيدرة * ضرغام آجام وليث قسورة وسمتن بكسر النون وحذف الياء اكتفاء بالكسرة الدالة عليها، (*)
[ 28 ]
وإن كان ضميرين 1، جاز لك في غير التشبية: حمل أحدهما على اللفظ والآخر على المعنى، نحو: أنا الذي قلت كذا وضرب زيدا، وأنت الرجل الذي قال كذا وضربت زيدا، وإن كان الموصول أو موصوفه مخبرا عنه بالمتكلم أو المخاطب، لم يجز الحمل على المعنى، فلا يجوز: الذي ضربت أنا، والذي ضربت أنت، إذ لا فائدة، إذن، في الأخبار، لأنك إذا قلت: الذي ضربت، فقد علم المخاطب أن الضارب هو المتكلم، فيبقى الأخبار بأنا: لغوا وكذا قولك: الذي قلت أنت، فظهر بهذا أن قوله: 420 - أنا أنت القاتلي أنت أنا 2 ليس بوجه، والوجه أن يقال: القاتلة أنت: أنا، واعلم أن حذف الضمير في المعطوفة على الصلة، أحسن من حذفه من المعطوف عليها نحو: هذا الذي ضربته وقتلت، فلهذا حسن حذف الضمير في المعطوفة على الجملة التي هي خبر المبتدأ، نحو: زيد ضربته وقتلت، وإن قبح حذفه من المعطوف عليها،
(1) يعني وإن كان في الصلة ضميران يرجعان إلى المبتدأ الذي هو ضمير متكلم أو مخاطب، (2) هذا مما وضعه النجاة للتدريب وقد جاء في بيت شعر صدره: كيف يخفى عنك ما حل بنا، وبعضهم يرويه: أنا أنت الضاربي، وقال السيوطي في بغية الوعاة إن بعض الناس وجه شعرا إلى أبي بكر بن عمر بن دعابس يقول فيه: أيها الفاضل فينا أفتنا * وأزل عنا بفتواك العنا كيف إعراب نجاة النحو في أنا أنت القاتلي أنت أنا
فأجابه أبو بكر بشعر مماثل أعرب فيه المثال، من غير إشارة إلى ما لاحظه الرضى، من تصويب، من جهة أنه يجب أن يقال: القاتلة، (*)
[ 29 ]
(الأخبار) (بالذي أو بالألف واللام) (قال ابن الحاجب:) (وإذا أخبرت بالذي، صدرتها، وجعلت موضع المخبر عنه) (ضميرا لها وأخرته خبرا، فإذا أخبرت عن زيد من: ضربت) (زيدا قلت: الذي ضربته زيد، وكذلك الألف واللام في) (الجملة الفعلية خاصة، ليصح بناء اسم الفاعل والمفعول، فإن) (تعذر أمر منها تعذر الأخبار، ومن ثم امتنع في ضمير الشأن) (والموصوف والصفة، والمصدر العامل، والحال، والضمير) (المستحق لغيره، والاسم المشتمل عليه)، (قال الرضي:) هذا باب تسميه النجاة باب الاخبار بالذي، أو بالألف واللام، ومقصودهم من وضع هذا الباب، تمرين المتعلم فيما تعلمه في بعض أبواب النحو من المسائل، وتذكيره إياها، كما يتذكر، مثلا، بمعرفة أن الحال والتمييز لا يخبر عنهما أنه يجب تنكير هما، وبمعرفة أن المجرور بحتى وكاف التشبية لا يخبر عنهما، أنهما لا يقعان ضميرين، وبمعرفة أن ضمير الشأن لا يخبر عنه، أنه يجب تصديره لغرض الأبهام قبل التفسير، فنقول: معنى قولهم: أخبر عن (أ) الذي في ضمن الجملة الفلانية ب (ب) الموصول أي: صغ من هذه الجملة، جملة أخرى اسمية، أخبر في الثانية ب (أ)، أي عن ذات متصفة بما اتصف به (أ) في الأولى معبرا عن تلك الذات ب (ب) الموصول، ولا تغير الأولى
عن وضعها إلا بقدر ما يفيد هذا الاخبار المذكور، فلا بد، إذن، أن تجعل في الثانية (ب) مبتدأ مصدرا، لأن المسئول 1 منك أن تخبر عن تلك الذات، أي (ب) والمخبر عنه في
(1) أي المطلوب منك في السؤال التدريبي (*)
[ 30 ]
الجملة الاسمية مبتدأ، والمبتدأ مرتبته الصدر، ولا بد أن تجعل مكان (أ) ضميرا راجعا إلى (ب)، لأن المسئول: أن تصف (ب) بالوصف الذي كان ل (أ) بلا تغيير شئ من الجملة الأولى، ولم يمكن أن يكون (ب) مكان (أ) لتصدر (ب) فإن (ب) مبتدأ فلا بد أن يكون نائبه وهو الضمير العائد إليه مكان (أ)، ولا بد أن تؤخر (أ) في الجملة الثانية خبرا، لأن المسئول أن تخبر عن (ب) ب (أ) ورتبة الخبر عن الموصول بعد تمام الموصول بصلته، فعلى هذا لم تخبر عن (أ) ب (ب) الموصول بل أخبرت عن (ب) الموصول ب (أ)، إلا أنك لما أخبرت عن (ب) ب (أ)، والمبتدأ في المعنى هو الخبر، أي يطلق على ما يطلق على الخبر، فإذا أخبرت عن (ب) فقد أخبرت عما يطلق عليه (أ)، فكأنك أخبرت عن (أ) وإنما ذكرت المخبر عنه باسم (أ) دون (ب) لأن (أ) هو المذكور في الجملة الأولى التي هي المصوغة المفروغ منها، المعلوم أجزاؤها دون (ب) ف (أ) هو المشهور قبل صوغ الثانية، وأما قولك في السؤال: ب (ب) الموصول، فليس معناه: اجعل (ب) مخبرا به، بل الباء فيه للاستعانة، كما في قولك: كتبت بالقلم، إذ المعنى: أخبر الاخبار المذكور بأن تجعل (ب) الموصول مبتدأ، 1 ومثال ذلك أن يقول العالم للمتعلم ليدربه، أو ليجربه 2: أخبر عن: (زيدا) من قولك: ضربت زيدا، بالذي، فالمعنى: اجعل الذي مبتدأ خبره زيد، واجعل تلك الجملة الأولى، وهي ضربت زيدا، صلة، للذي، بلا تغيير شئ منها إلا أن تجعل مكان (زيدا) ضميرا عائدا إلى (الذي) وتؤخر (زيدا) خبرا عن (الذي)، فتقول: الذي
ضربته: زيد،
(1) أسرف الشارح إلى درجة التعقيد في بيان المطلوب من هذا العنوان وأطال في عرض الأمثلة المفروضة، ويقول البغدادي في الخزانة ان ما أورده الرضى هنا، قليل من كثير مما قاله ابن السراج في كتابه الأصول، فرحم الله الجميع، (2) يريد بالتدريب أن يعوده على كيفية تطبيق القواعد، وبالتجريب: الاختبار في مدى تحصيل القواعد واستيعابها، (*)
[ 31 ]
فالفرق بين الجملة الأولى والثانية أنك إذا قلت ضربت زيدا فربما تخاطب به من لا يعرف أن لك مضروبا في الدنيا، وربما تخاطب به من يعرف شخصا بمضروبيتك، لكنه لا يعرف أنه زيد، وأما قولك: الذي ضربته زيد، فلا تخاطب به إلا على الوجه الثاني، أي تخاطب به من يعرف أن لك مضروبا، لأن مضمون الصلة يجب أن يكون معلوما للمخاطب كما ذكرنا، ولكن لا يعرف أنه زيد، إذ لو عرف ذلك لوقع الاخبار عنه بأنه زيد: ضائعا، فالجملة الثانية نص في المحتمل الثاني للجملة الأولى، قوله: (صدرتها) أي: جعلت (الذي) في الصدر مبتدأ، قوله: (وأخرته خبرا)، خبرا، نصب على الحال، أو ضمن أخرته معنى: جعلته، أي جعلته خبرا متأخرا، قوله: (وكذلك الألف واللام في الجملة الفعلية)، لا تخبر بالألف واللام إلا عن اسم في الجملة الفعلية خاصة، قوله: (ليصح بناء اسم الفاعل، أو المفعول منها)، قد ذكرنا أن صلة الألف واللام: اسم فاعل أو مفعول، وذلك لأنه يمكن أن يسبك من الجملة الفعلية اسم فاعل مع فاعله إذا كان الفعل مبنيا للفاعل، إذ معنى اسم الفاعل مناسب لمعنى: فعل ويفعل، نحو: زيد ضارب، أي ضرب أو يضرب، أو اسم مفعول مع مرفوعه،
إذا كان الفعل مبنيا للمفعول، إذ معنى اسم المفعول مناسب لمعنى: فعل ويفعل، نحو: زيد مضروب، أي: ضرب أو يضرب، وليس شئ من اسم الفاعل والمفعول مع مرفوعهما بمعنى الجملة الاسمية، حتى يسبك منها أحدهما مع المرفوع، بلى، هما مع مرفوعيهما جملتان اسميتان في نحو: أضارب الزيدان، وما مضروب البكران، لكن في أولهما حرفان يمنعان من وقوعهما صلة للام كما سيجيئ بعيد، ويجب أن يكون الفعل الذي يسبك منه صلة الألف واللام متصرفا إذ غير المتصرف نحو: نعم، وبئس، وحبذا، وعسى، وليس، لا يجئ منه اسم فاعل ولا مفعول، فلا يخبر باللام عن (زيد) في نحو: ليس زيد منطلقا، ويجب ألا يكون في أول ذلك الفعل حرف لا يستفاد من اسم الفاعل والمفعول معناه، كالسين، وسوف، وحرف النفي والاستفهام،
[ 32 ]
قوله: (فان تعذر أمر منها) أي أمر من الأمور الثلاثة، وهي تصدير الموصول، ووضع عائد إليه مقام ذلك الاسم، وتأخير ذلك الاسم خبرا، فبالشرط الأول، وهو تصدير الموصول، يتعذر الاخبار عن كل اسم في الجملة الأنشائية والطلبية، لأن الصلة، كما تقدم، لا تكون إلا خبرية، ويتعذر، أيضا، عند الكوفيين، الاخبار بالذي عن اسم في جملة مصدرة بالذي، لأنهم يأبون دخول الموصول على الموصول إذا اتفقا لفظا، أما قوله: 421 - من النفر اللائي الذين اذاهم * يهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا 1 فيروونه: من النفر الشم الذين..، والأولى تجويز الرواية الأولى، لأنها من باب التكرير اللفظي، كأنه قال من النفر اللائي اللائي، فان تغايرا نحو: الذي من فعل، كان أسهل عندهم، قال ابن السراج: دخول الموصول على الموصول لم يجئ في كلامهم، وإنما وضعه
النجاة رياضة للمتعلمين وتدريبا لهم، نحو: الذي الذي في داره عمرو: زيد، فقولك في داره صلة (الذي) الأخير، وعائده مستتر في الظرف، وعمرو: خبر (الذي) الأخير، والذي، الأخير مع صلته وخبره صلة (الذي) الأول، وعائد الأول: الهاء المجرور في داره، وزيد خبر (الذي) الأول، كأنك قلت: الذي ساكن في داره عمرو: زيد، وتقول 2: الذي التي اللذان أبواهما قاعدان لديها كريمان عزيزة عنده حسن، تبتدئ
(1) جاء هذا البيت لشاعرين: أحدهما: أبو الربيس الثعلبي وكان من اللصوص، سرق ناقة كريمة لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ووصفها في أبيات ومدح صاحبها، والشاعر الثاني لم يذكروا اسمه، وإنما روى الجاحظ في البيان والتبيين أن شاعرا قال أبياتا في سليم بن الأحنف الأسدي، ولم يسم هذا الشاعر، ويروى إذا انتموا بدلا من: إذا هم، ويروى: وهاب الرجال، ومعنى قعقعوا: دقوا حلقة الباب بقوة حتى يسمع صوتها، (2) صورة أخرى لدخول الموصول على الموصول، وقد خرج فيها عن موضوع البحث إلى التمثيل لما نقله عن ابن السراج من دخول الموصول على موصول واحد أو أكثر، وهي، كما قال: نوع من الرياضة والتدريب للمتعلم، (*)
[ 33 ]
بالموصول الأخير، فتوفيه حقه من الصلة والعائد والخبر، لاستغنائه بما في حيره عما قبله، واحتياج كل ما قبله إليه لكونه من صلته، فتقول: أبواهما قاعدان: صلة (اللذان)، وعائده الضمير المجرور في: أبواهما، وخبره: كريمان، وهذه الجملة، أعني: اللذان مع صلته وخبره، صلة (التي) والعائد إلى (التي) من صلته: الضمير المجرور في لديها، فالتي: مبتدأ مع صلته المذكورة، وعزيزة عنده، خبره، والجملة: أعني: التي مع صلته وخبره: صلة (الذي) والعائد من الصلة إليه:
الهاء المجرورة في: عنده، والذي مع صلته المذكورة مبتدأ خبره حسن، وهكذا العمل إن زادت الموصولات، ولا تقف عند حد، فاحذر الغلط وأعط كل موصول حقه، 1 وبالشرط الثاني 2، وهو وضع الضمير العائد إلى الموصول مقام المخبر عنه يخرج الفعل، والجملة، والجار والمجرور، والظرف، إذ لا تضمر هذه الأشياء، ويخرج كل اسم لازم للتنكير، كالمجرور بكم، واسم (لا) التبرئة، وخبرها، والحال، والتمييز المنصوب، وكنكرة تفيد ما لا يستفاد من المعارف، كالتفخيم في: زيد أيما رجل، والاستغراق في نحو: كل رجل وأفضل رجل، وما من رجل، وكذا كل اسم يلزمه النفي، نحو: لا أحد، ولا عريب، ولا كتيع 3، ويخرج، أيضا، كل اسم جاز تعريفه، لكن يلزم اظهاره، كفاعل (حبذا)، والمعارف السادة مسد الحال، كالعراك، ووحده، وجهده، وسائر ما ذكرنا في باب الحال، لأنها بلفظها تدل على لفظ الحال، والأضمار يزيله، وكالمصدر العامل، إذ لا يجوز: مروري بزيد حسن، وهو بعمرو قبيح، لأن لفظ المصدر مراعى في العمل، إذ هو من جهة التركيب اللفظي يشابه الفعل فيعمل، والاضمار يزيل اللفظ، وكذا كل صفة عاملة كاسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة العاملة في الظاهر،
(1) هذا شبيه بما أورده من آخر باب المبتدأ من الجزء الأول (2) إشارة إلى الأمر الثاني من الأمور التي قال إن الاخبار يتعذر إذا تعذر واحد منها، (3) كلاهما بمعنى لا أحد، وسيذكر في باب المعرفة والنكرة كثيرا من الألفاظ المشبهة له، (*)
[ 34 ]
وأما الأخبار عن (قائم) في زيد قائم، فإنما يجوز إذا لم تعمله في الضمير المستكن، نظرا إلى كونه في الأصل: اسما مستغنيا عن الفاعل، وعند المازني: يجوز الأخبار عن المصدر المحذوف عامله، نحو: إنما أنت سيرا، وعند ابن السراج لا يجوز، لأن الفعل إنما حذف لدلالة لفظ المصدر عليه، وأجاز المازني،
على قبح، الاخبار عن (ضربا): بمعنى: ضربت ضربا، ومنعه غيره، إذ صورته صورة المفرد، فلا يصلح لكونه صلة، ويقبح الأخبار عن المصدر الذي للتأكيد، لعري الأخبار عن فائدة معتبرة، وكالمفعول له، إذ يشترط فيه لفظ المصدر، وكالمجرور بالكاف وواو القسم وتائه، وحتى، ومذ ومنذ، وكذا المرفوع بعدهما، إذ شرطه لفظ الزمان، وكتمييز الأعداد المجرور، فإن المحققين استقبحوا الاخبار عنه، لوجوب كون المفسر صريحا في تعيين الجنس، والاضمار يخل بذلك، وبعضهم جوزه نحو: الذي هذا مائته: الدرهم 1، وكالمقادير المبهمة المفسرة بما بعدها نحو: راقود خلا، وعشرون درهما، فإن ألفاظها معتبرة، وكالمضاف دون المضاف إليه، إذا المضمر لا يضاف، وكالموصوف بدون الصفة وكالصفة بدونه، وكالموصول بدون صلته، وكصلة اللام بدون الموصول، إذ لفظها شرط، وأما البدل والمبدل منه، فبعضهم لا يجيز الأخبار عن أحدهما وحده، بل عنهما معا، كالصفة والموصوف، قال: لأن البدل مبين كالصفة، فلا يفرد من المبدل منه، وأيضا، تخلو الصلة من العائد في نحو: جاءني زيد أبوك، إن أخبر عن البدل عند من يجعل البدل في حكم تكرير العامل، وبعضهم أجاز الأخبار عن كل واحد منهما، فالأول، تقول في: مررت برجل: زيد، مخبرا عنهما: الذي مررت به رجل زيد، والثاني تقول مخبرا عن المبدل منه: الذي مررت به زيد رجل، ومخبرا عن البدل: الذي مررت برجل به: زيد، بإعادة
(1) كأن يقع هذا الاخبار عن لفظ (الدرهم) في نحو: هذه مائة الدرهم، (*)
[ 35 ]
الجار، لأن المجرور لا منفصل له 1، ويجوز أن تقول: برجل هو، واضعا المرفوع مقام المجرور، والمجوزون اختلفوا في بدل البعض والاشتمال، فأجازه الأخفش إذ الضمير نفس ما
بعده، ومنعه الزياديى، 2 إذ الضمير لا يدل على البعض والاشتمال قبل أن يذكر خبر الموصول، وكخبر عسى وأخواتها، وكألفاظ التأكيد في الأشهر، إذ تلك الألفاظ معتبرة في إفادة التأكيد، وأيضا يبقى خبر الموصول تأكيدا بلا مؤكد، وكعطف البيان دون المعطوف، وكالمضاف إليه من الكني والأعلام، للأناسي وغيرها، كأبي القاسم، وامرئ القيس، وابن آوى، وابن عرس، وابن قترة، وابن مقرض، وأم حبين، وسام أبرص، إذ المضاف إليه في مثلها صار بالعلمية كبعض حروف الكلمة، وكذا (قزح) في قوس قزح، وككل جزء من جزأي المركب نحو: بيت بيت، وخمسة عشر وبعلبك وكمنذ ومذ، فإنهما لا يضمران، وكذا كل ظاهر قام مقام الضمير في نحو: (الحاقة ما الحاقة) 3 وقوله: لا أرى الموت يسبق الموت شئ * نغص الموت ذا الغنى والفقيرا 4 - 60 مما اظهاره يفيد التفخيم، ومنع بعضهم الأخبار عن خبر كان، والأصل جوازه، لأنه كخبر المبتدأ، ويخرج أيضا، 5 ما جاز إضماره لكن الضمير لا يعود إلى ما تقدم من الموصول، كالمجرور برب، وفاعل نعم وبئس وأخواتهما، فإن هذه الضمائر لا تجيئ إلا مبهمة مميزة
(1) يعني ليس للضمير المجرور صورة منفصلة مثل ما للمرفوع والمنصوب، (2) هو إبراهيم بن سفيان بن أبي بكر بن زياد بن أبيه، من علماء القرن الثالث الهجري، روي عن أبي عبيدة والأصمعي، وقال السيوطي انه قرأ على سيبويه بعض الكتاب، ولم يكملة، (3) أول سورة الحاقة، (4) تقدم في الجزء الأول في باب المبتدأ، (5) يعني انه يخرج بالشرط الثاني، وهو وضع الضمير العائد موضع المخبر عنه، (*)
[ 36 ]
بما بعدها، وكذا كل ضمير مستحق لغيره، أي استحقه غير الموصول، كالضمير في:
زيد ضربته، وفي: زيد ضرب، وفي زيد قائم، إذ المبتدأ، استحق الضمير من هذه الأخبار، فلو قلت: الذي زيد ضربته هو، فإن بقي الضمير كما كان، راجعا إلى زيد لم يجز، لأننا قلنا يجب أن يقوم مقام المخبر عنه ضمير عائد إلى الموصول، وأيضا تبقى الصلة خالية من عائد إلى الموصول، وقولك (هو) في الأخير ليس في الصلة، بل هو خبر الموصول، وإن جعلناه عائدا إلى (الذي) بقي خبر المبتدأ، وهو جملة، خاليا من عائد إلى المبتدأ، وقولك (هو) في الأخير ليس في حيز خبر زيد، قوله: (والاسم المشتمل عليه) أي الاسم الذي أحد جزأيه ضمير مستحق لغير الموصول، كغلامه، في: زيد ضربت غلامه، فإن المضاف مع المضاف إليه، أعني لفظ (غلامه) مشتمل على الهاء التي استحقها المبتدأ، قوله: (عليه)، أي على الضمير المستحق لغيره، قيل: إن استغنى بضمير جاز الاخبار عن ضمير آخر، وإن رجع إلى ذلك المبتدأ، وذلك كما في زيد ضاربه أخوه، جاز لك الأخبار عن أي ضمير شئت منهما، وقال الأندلسي: لا يجوز ذلك، لا لعدم رجوع عائد من الصلة إلى الموصول، بل لعدم فائدة في الخبر لم يفدها المبتدأ، لأن في قولك: زيد ضاربه أخوه هو: لفظ (هو) يرجع إلى زيد، لأنه ضميره وقد أخر وزيد مذكور في الصدر، فلا يكون في ذكر ضميره فائدة، وليس ما قال بشئ، لأن ذكر زيد في الصدر، لا يجعل المبتدأ الذي هو الموصول نصا في زيد، حتى يخلو الاخبار بزيد عنه من الفائدة، بيان ذلك: أنك إن أخبرت عن هاء (ضاربه) يكون المعنى: الذي ضاربه أخو زيد: زيد، فقد عرفنا بالمبتدأ أن ههنا شخصا هو مضروب أخي زيد، فيجوز أن يكون ذلك الشخص زيدا وغيره، فقولك، إذن، في الخبر: زيد، فيه فائدة مجددة، وهي أن زيدا مضروب أخيه، دون عمرو، وغيره، وكذا ان أخبرت عن هاء (أخوه)، يكون
المعنى: الذي ضارب زيد أخوه: زيد، فمضمون الصلة الذي يجب أن يكون معلوما
[ 37 ]
للمخاطب أن ههنا شخصا أخوه ضارب زيد، فيستفيد من الخبر أن ذلك الشخص نفس زيد، وقال صاحب المغني 1: لا يجوز الاخبار عن أحد الضميرين، لأن عودهما على المبتدأ، سابق على استحقاق الموصول لهما، ويتوقف المبتدأ على ارتباطهما به كارتباط الضمير الواحد، وليس، أيضا، بشئ، إذ لا يلزم بقاء ما عاد إليه الضمير المخبر عنه بعد الاخبار، على حالة قبل، بدليل صحة الاخبار عن تاء (ضربت) ونحوه، ولا يتوقف المبتدأ على ارتباط الضميرين به، بل يكتفى بأحدهما، فنقول: الأولى جواز الاخبار عن كل واحد من الضميرين، إذ لا مانع، وكذا يجوز الاخبار عن ضمير عائد إلى ما تقدم، ان استغنى ذلك المتقدم عن ذلك الضمير، بأن يكون الضمير في جملة ثانية بعد ذكر المفسر في جملة أولى لا تعلق لها بالثانية، كما تقول: زيد أخوك، ثم تقول: قد ضربته، فيصح الأخبار عن هاء (ضربته)، وبالشرط الثالث، وهو تأخير المخبر عنه خبرا، يخرج كل ما لا يصح تأخيره، كضمير الشأن، إذ لو أخرته لم يحصل الأبهام قبل التفسير، وهو الغرض من الأتيان به كما مر، وكذا كل مبهم مفسر بما بعده، كضمير نعم وبئس، ورب، ويخرج أيضا، كل اسم فيه معنى الشرط والاستفهام كمن، وما، وأيهم، وكذا: كم الخبرية، وكأين، لتصدرهما، لما فيهما من معنى الأنشاء، ويخرج، أيضا، كل ما لا يجوز رفعه كالظروف غير المتمكنة 2، نحو: عند وسوى، وذات مرة، وبعيدات بين، وكذا: سحر، وعشاء
(1) هو منصوب بن فلاح اليمني من علماء القرن السابع كان قريب العهد من الوقت الذي ألف فيه الرضي هذا الشرح وقال في كشف الظنون إنه انتهى من تأليف كتابه: المغني في نحو: في سنة 672 ه، وتقدم ذكره
في الجزأين السابقين ونقل عنه الرضى أكثر من مرة، ولم يذكره إلا بهذا الوصف، (2) اصطلاح النجاة في هذا النوع هو: الظروف غير المتصرفة، وكذلك قوله الآتي: ظرف متمكن، يراد به به الظرف المتصرف، (*)
[ 38 ]
وعتمة، معينات، وكذا المصادر اللازم نصبها، كسبحان ولبيك ونحوهما، قالوا: وإن أخبرت عن ظرف متمكن جئت في ضميره ب (في)، كما إذا أخبرت عن يوم الجمعة في قولك: سرت يوم الجمعة، فتقول: الذي سرت فيه: يوم الجمعة، إلا أن يكون الظرف متوسعا فيه، وهذا القول منهم مبني على أن الضمير لا يكون ظرفا، وقد قدمنا ما عليه في باب المفعول فيه، 1 ولا يمتنع، على ما قالوا، الاخبار عن المفعول له، نحو: الذي ضربت له: تأديب، هذا، والضمير القائم مقام المخبر عنه، إن كان المخبر عنه مجرورا فهو بارز متصل، وإن كان مرفوعا فضميره إما مستتر، كما إذا أخبرت عن (زيد) من: جاء زيد، وإما بارز متصل، كما إذا أخبرت عن (الزيدان) في: ضرب الزيدان، وإما منفصل، كما إذا أخبرت عن (زيد) في: ما جاءني إلا زيد، وينفصل، أيضا، المرفوع المتصل الذي كان في الجملة قبل الاخبار متصلا، إذا أخبرت بالألف واللام، وجرت صلته على غير من هي له، كما إذا أخبرت عن (زيدا) في: ضربت زيدا، باللام، فإنك تقول: الضاربه أنا: زيد، هذا عند النجاة، وقد تقدم في باب المضمرات أن المنفصل في مثله تأكيد للمستتر لا فاعل، وقد عرفت مواضع كل واحد من هذه الثلاثة في باب المضمر، أعني المستتر، والبارز المتصل والبارز المنفصل فارجع إليه، 2 وإن كان منصوبا فضميره إما بارز متصل، كما إذا أخبرت عن: زيدا في ضربت زيدا، أو منفصل، كما إذا أخبرت عن (زيدا) في ما ضربت إلا زيدا، لما عرفت
من مواقع المتصل والمنفصل، وإذا أخبرت عن أي ضمير كان، فلا بد من تأخيره مرفوعا منفصلا، لأنه خبر المبتدأ،
(1) في الجزء الأول (2) في الجزء الثاني (*)
[ 39 ]
ثم اعلم أنك إذا أخبرت عن ضمير المتكلم والمخاطب، فلا بد أن يكون الضمير القائم مقامه غائبا، لرجوعه إلى الموصول، وهو غائب، كما إذا أخبرت عن أحد ضميري: ضربتك، ولا يجوز الحمل على المعنى، كما في: أنا الذي سمتن أمي حيدره 1 - 419 لعدم الفائدة، فلا تقول في الاخبار عن تاء ضربتك: الذي ضربتك أنا، ولا في الاخبار عن الكاف: الذي ضربتك: أنت، فليس، إذن، قوله: أنا أنت القاتلي أنا 2 - 420 بصحيح الاخبار عن اللام 3، على ما تقدمت الأشارة إليه، وإنما اختاروا الاخبار بالذي، دون من، وما، وأي، وسائر الموصولات لأنها أم الباب، وهو أكثر استعمالا، ولا يكون إلا موصولا، وأما الأخبار بالألف واللام، فاختاروه، أيضا، لكثرة التغيير معه بسبك الفعل اسم فاعل أو مفعول، وإبراز الضمير، كما في: الضاربه أنا: زيد، في: ضربت زيدا، حتى تحصل الدربة فيه أكثر، ولنذكر حكم الاخبار في التنازع، فإن فيه بعض الاشكال فنقول: الأولى في باب التنازع: ألا يغير الترتيب، ويراعى ترتيب المتنازعين على حالهما ما أمكن، لما مر في بيان حقيقة الاخبار 4 من أنك لا تغير الجملة المتضمنة للمخبر عنه، إلا إذا اضطررت إليه، 5
فإذا وجه العاملان من جهة الفاعلية، وأعمل الثاني نحو: ضرب وأكرم زيد، قلت مخبرا بالذي عن المتنازع فيه: الذي ضرب وأكرم: زيد، قام مقام (زيد) ضمير، فاستتر في (أكرم)، والضمير في (ضرب) أيضا، يرجع إلى (الذي)، وقد كان قبل
(1) تقدم ذكره في باب الموصول، (2) تقدم مع الشاهد الذي قبله، (3) المراد: اللام الموصولة في قوله: القاتلي، وفي النسخة المطبوعة: عن الكاف، وهو تحريف، (4) في أول البحث (5) أي إلى التغيير، (*)
[ 40 ]
راجعا إلى زيد، إذ لم يمكن ههنا تنازع الفعلين في الضمير القائم مقام المخبر عنه، كما كان في المخبر عنه، لما ذكرنا في باب التنازع، أنه لا تنازع في الضمير المتصل، 1 وتقول بالألف واللام، عند الرماني 2 وابن السراج وجماعة من المتأخرين: الضارب وأكرم: زيد، عطفت الفعل الصريح وهو (أكرم) على (ضارب) لأنه أيضا، فعل لكن في صورة الاسم على ما قدمنا، والأخفش يدخل اللام في مثله على الفعلين، 3 ويأتي بالمخبر عنه في الأخير خبرا عن الموصولين فيقول: الضارب والمكرم: زيد، كما يقول: العاقل والكريم زيد، وكأنه في الأصل من باب عطف الصفة على الصفة، لأن (العاقل) موصوفه مقدر، فهو مثل قوله: إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتيبة في المزدحم 4 - 74 وعزى الرماني إلى المازني، وليس في كتابه 5، أنه يجعل الكلام جملتين اسميتين كما كان في الأصل فعليتين، لأن المبتدأ والخبر، نظير الفعل والفاعل، فنقول في مسألتنا عند إعمال الثاني: الضارب هو والمكرم: زيد،
وأول المذاهب أولى، لأنه أقل تغييرا، ثم الثاني أولى من الثالث، لمثل ذلك، وما ذكر من قصد التشاكل بالأتيان بالاسميتين في الفرع، مكان الفعليتين في الأصل، فمما لا يرجح به على المذهب الأول، إذ عطف الفعلية على الفعلية فيه، باق في الحقيقة مع قلة التغيير، وأما أبو الحسن 6، فله أن يقول: الجملتان في الأصل صارتا كالواحدة من حيث
(1) انظر هذا الباب في الجزء الأول، (2) أبو الحسن علي بن عيسى الرماني من علماء القرن الرابع، وهو أشهر من يطلق عليهم هذا الاسم وتقدم له ذكر، (3) أي بعد تحويلهما إلى اسمي فاعل، (4) تقدم ذكره في باب المبتدأ والخبر، (5) المراد: كتابه في علل النحو، وهو من أشهر ما ألف المازني، وله أيضا كتا ب التصريف الذي شرحه ابن جني (6) المراد به الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة وتكرر ذكره، (*)
[ 41 ]
كون المتنارع فيه كجزء كل واحدة منهما، فهو الرابط بينهما، وإن أعملت الأول في مسألتنا، قلت، أيضا، في الاخبار بالذي: الذي ضرب وأكرم زيد، جعلت مقام زيد ضميرا، فاستتر في (ضرب)، لأن الغرض أنه فاعله، وكذا في الاخبار بالألف واللام نحو: الضارب وأكرم زيد، وعند الأخفش: الضارب والكرم زيد، وقياس قول المازني: الضارب والمكرم هو: زيد، لتكون الاسمية معطوفة على الاسمية بين جزأي المعطوف عليها، كما كان في الأصل: الفعلية معطوفة على الفعلية بين جزأيها، وإذا وجه العاملان من جهة المفعولية، وأعمل الثاني نحو: ضربت وأكرمت زيدا، قلت مخبرا عن التاء الأولى بالذي: الذي ضرب وأكرم زيدا: أنا، وإنما جعلت تاء أكرمت، أيضا، ضمير غائب، وإن كان المخبر عنه هو التاء في الجملة الأولى فقط،
لأن الثانية عطف على الأولى، فلا بد فيها، أيضا، من ضمير راجع إلى الموصول وقد تقدم أن الموصول إذا كان مبتدأ، وهو متكلم أو مخاطب من حيث المعنى، لم يجز حمل الضمير على المعنى، فلا يقال: الذي ذهبت: أنا، لعدم فائدة الاخبار، والتنازع ههنا باق على حاله، لجواز انتصاب 1 (زيدا) بضرب، وقولك: أكرم، وإن فصل بين بعض الصلة وبعض، إلا أنه ليس بأجنبي، كما يجيئ في هذا الباب، وتقول مخبرا باللام: الضارب وأكرم زيدا: أنا، وعند الأخفش: الضارب والمكرم زيدا: أنا، والتنازع غير باق، لأن (زيدا) لا يجوز انتصابه بضارب، إذ لا يعطف على الموصول مع بقاء بعض الصلة، 2 وقياس قول المازني: الضارب أنا، والمكرم زيدا: أنا، وكذا تخبر عن تاء أكرمت، بالذي وبالألف واللام، سواء 3، على المذاهب الثلاثة،
(1) لأن الفعل (ضرب) باق على صلاحيته للعمل، (2) يعني قبل انتهاء الصلة، (3) تقدير الكلام: هما سواء على المذاهب الثلاثة التي يتعرض لها في أكثر الأمثلة، وهي مذهب الجمهور ومذهب الأخفش ومذهب المازني، (*)
[ 42 ]
وتقول في الاخبار عن (زيد) بالذي: الذي ضربت وأكرمته: زيد، وبالألف واللام: الضاربه أنا وأكرمته: زيد، أبرزت ضمير المفعول في: الضاربه وإن كان محذوفا في الأصل، لأن ضمير الألف واللام لا يحذف، كما ذكرنا، وأبرزت (أنا) لجري الصفة على غير من هي له، وبعض المتقدمين يحذف ضمير اللام في مثله، نظرا إلى الأصل، 1 وتقول على مذهب الأخفش: الضاربه أنا والمكرمه أنا: زيد، وعند المازني: الضارب أنا، على أنه مبتدأ وخبر، والكرمه أنا: زيد، جملة معطوفة على جملة أخرى،
وتقول في هذه المسألة إذا أعمل الأول نحو: ضربت وأكرمته زيدا، بالهاء في (أكرمته) على المختار، كما مر في باب التنازع، مخبرا عن التاء الأولى بالذي: الذي ضرب وأكرمه زيدا: أنا، وبالألف واللام: الضارب وأكرمه زيدا: أنا، والتنازع باق في الموضعين، وعند الأخفش: الضارب زيدا والمكرمه: أنا، قدمت زيدا إلى جنب عامله إذ لا يعطف على الموصول مع بقاء بعض صلته، وعند المازني: الضارب زيدا أنا والمكرمه أنا، والاخبار عن تاء (أكرمت) كالاخبار عن تاء (ضربت) سواء عند كلهم 2، وأما الاخبار عن (زيدا) بالذي فتقول فيه: الذي ضربته وأكرمته زيد، تصل الضمير القائم مقام زيد بعامله لعدم ما يوجب انفصاله وكذا بالألف واللام: الضاربه أنا وأكرمته: زيد، الهاء في (الضاربه) هو الضمير القائم مقام زيد، وأبرزت (أنا) لجري الصفة على غير صاحبها، وعند الأخفش: الضاربه أنا والمكرمه أنا: زيد، وعند المازني: الضاربه أنا والمكرمه أنا هو: زيد، وزيد خبر للضاربه، لأنه كان في الأصل مفعول ضربت، والجملة المعطوفة، أعني: المكرمة.. متوسطة بين جزأي المعطوف عليها،
(1) أي إلى صورة التنازع الأصلية التي هي موضوع التدريب، (2) نص الرضى، كغيره من النجاة، على أن (كل) المضاف إلى الضمير لا يقع تاليا للعوامل اللفظية فلا يقع إلا مبتدأ أو توكيدا معنويا، وهو، مع ذلك، يستعمل هذا الأسلوب كثيرا في هذا الشرح، (*)
[ 43 ]
وتقول في: ضربني وضربت زيدا، عند إعمال الثاني مخبرا عن الياء أو التاء بالذي: الذي ضربه وضرب زيدا: أنا، ولا تقول: ضربني ولا ضربت، لما مر، والتنازع باق على حاله، وتقول في التثنية على مذهب البصريين: الذي ضرباه وضرب الزيدين أنا، وعند الكسائي: الذي ضربه وضرب الزيدين: أنا، بحذف الفاعل،
وتقول بالألف واللام: الضاربه هو وضرب زيدا: أنا، أبرزت (هو) لجري الصفة على غير صاحبها، والتنازع باق، وعلى مذهب الأخفش: الضاربه هو والضارب زيد أنا، والأولى أن يقال: الضاربه زيد، لأن الأضمار قبل الذكر، إنما جاز في الأصل لكونه من باب التنازع، مع خالفة الكسائي فيه أيضا، وليس بقياس في جميع المواضع، وعند المازني في الاخبار عن الياء: الضاربه هو: أنا، والضارب زيدا: أنا، والأولى أن يقال: الضاربه زيد، لما ذكرنا، وفي الاخبار عن التاء: الضاربي هو، مبتدأ وخبر والضارب زيدا: أنا، والأولى: الضاربي زيد، لما مر، وإن أخبرت عن (زيدا) بالذي، قلت: الذي ضربني وضربته: زيد، لا يمكن بقاء التنازع، إذ لا تنازع في ضمير متصل، كما مر، وبالألف واللام: الضاربي وضربته: زيد، وعند الأخفش: الضاربي والضاربه أنا: زيد، بإبراز (أنا)، لجري (ضاربه) على غير من هوله، وعند المازني: الضاربي هو - والأولى الضاربي زيد - والضاربه أنا: زيد، وإن أعملت الأول، والمختار 1: ضربتني وضربتها هند، بإظهار ضمير المفعول،
(1) هذا استطراد لبيان الصورة المختارة عند إعمال الأول من المتنازعين وهي إبراز ضمير المفعول، مهد به لصورة الاخبار التي قصدها، (*)
[ 44 ]
كما مر في باب التنازع، قلت في الأخبار عن الياء، أو التاء بالذي: الذي ضربته وضربها هند: أنا، والتنازع باق، وبالألف واللام: الضاربته وضربها هند: أنا، وهند، فاعل ضاربته، وعند الأخفش: الضاربته هند والضاربها: أنا، قدمت هندا إلى جنب عامله، لئلا يفصل بين بعض الصلة
وبعض بالأجنبي، وعند المازني: الضاربته هند: أنا، والضاربها: أنا، وفي الاخبار عن هند بالتي: التي ضربتني وضربتها: هند، وبالألف واللام: الضاربتي وضربتها هند، وعند الأخفش: الضاربتي والضاربها أنا: هند، وعند المازني: الضاربتي والضاربها أنا: هند، وتقول مخبرا عن التاء أو الياء في: ضربتني وضربت: هند، عند إعمال الثاني، الذي ضرب وضربته هند: أنا، ولا يجوز: ضربتني لما تقدم، وبالألف واللام: الضارب وضربته هند: أنا، وعند الأخفش: الضارب والضاربته هند: أنا، ويقول المازني مخبرا عن التاء: الضارب والضاربتي هند: أنا، والضارب مبتدأ وأنا خبره، وعن الياء: الضارب أنا، والضاربته هند: أنا، وإن أخبرت عن هند قلت: التي ضربت وضربتني: هند، والضاربها أنا وضربتني هند، أظهرت المفعول في: ضاربها، لأن عائد الموصول لا يحذف، وبعض المتقدمين يحذفه مراعاة للأصل، وأبرزت (أنا) لجري الصفة على غير صاحبها، وعند الأخفش: الضاربها أنا والضاربتي: هند، وعند المازني: الضارب أنا، على أنه مبتدأ وخبر، والضاربتي: هند، وإن أعملت الأول، قلت مخبرا بالذي عن التاء أو الياء: الذي ضرب وضربته هند: أنا، وبالألف واللام: الضارب وضربته هند: أنا، والتنازع باق فيهما، وعند الأخفش: الضارب هندا والضاربته هي: أنا، بتقديم (هندا) إلى جنب عامله، كما مر، ويقول المازني: مخبرا عن التاء: الضارب هندا والضاربتي هي: أنا، وأنا، خبر: الضا رب، وعن الياء: الضارب هندا: أنا، والضاربته هي: أنا،
[ 45 ]
وتقول مخبرا عن (هندا) بالتي: التي ضربتها وضربتني هند، وباللام: الضاربها أنا وضربتني: هند، وعند الأخفش: الضاربها أنا والضاربتي: هند، وعند المازني:
الضاربها أنا، والضاربتي هي: هند، وهند خبر: الضاربها، وتقول في: أعطيت وأعطاني زيد درهما، مخبرا عن التاء أو الياء بالذي: الذي أعطي وأعطاه زيد درهما: أنا، وباللام: المعطي وأعطاه زيد درهما: أنا، والتنازع باق في الصورتين، وعند الأخفش: المعطي والمعطية زيد درهما: أنا، وأما المازني فإنه يرد في مثله كل ما حذف منه، فيرد مفعولي الأول نحو: المعطي زيدا درهما، والمعطية هو إياه: أنا، وليس بوجه لمخالفته الأصل في الفعل الأول برد مفعوليه، وفي الثاني بإقامة الضميرين مقام معموليه الظاهرين بلا ضرورة، ولو سلك في هذا الباب سبيله في المتعدي إلى واحد أعني جعل الكلام جملتين لقال: المعطي زيدا درهما: أنا، والمعطية هو إياه: أنا، وان أخبرت عن زيد، قلت: الذي أعطيت وأعطاني درهما: زيد، والمعطية أنا، وأعطاني درهما زيد، بإبراز عائد اللام، وبعض المتقدمين يجوز حذفه لمطابقة الأصل، كما مر، وبإبراز (أنا) لجري الصفة على غير صاحبها، وعند الأخفش: المعطيه أنا والمعطي، بالأضافة، أو المعطي إياي، كما تبين في المضمرات، درهما: زيد، ويجوز: المعطي أنا، مراعاة للأصل، والمازني يقول: من أظهر الضمير في المعطية، أظهر المفعول الثاني، وليس بوجه، لأن إبراز الضمير لأجل اللام فإنه لا يحذف عائده، كما مر، وليس (أعطي) من أفعال القلوب حتى يلزم ذكر الثاني بذكر الأول، فإن رددنا مفعولي الأول، كما هو مذهب المازني قلنا: المعطيه أنا درهما، والمعطية أو المعطي إياه: زيد، كما ذكرنا في المضمرات في نحو: ضربي إياك وضربيك، ولو قلت: المعطيه أنا إياه والمعطي درهما: زيد، على أن يكون (إياه) عائد إلى (درهما) لأضمرت المفعول قبل الذكر في غير باب التنازع، وهذا لا يجوز في باب التنازع، كما مر، وإن أخبرت عن الدرهم قلت: الذي أعطيت وأعطانيه زيد: درهم، وصلت الضمير، إذ لا موجب للفصل،
[ 46 ]
وباللام: المعطيه أنا وأعطانيه زيد: درهم، وعند الأخفش: المعطيه أنا، أو المعطي أنا، بحذف الضمير، والمعطية أو المعطي إياه زيد: درهم، كضربيك وضربي اياك، والمازني يرد المحذوف، نحو: المعطيه أنا زيدا، والمعطية أو المعطي إياه هو: درهم، وتقول في: ظننت وظنني زيد أخاك، مخبرا عن التاء أو الياء، بالذي: الذي ظن وظنه زيد أخاك: أنا، وباللام: الظان وظنه زيد أخاك: أنا، بحذف المفعول الأول، كما كان في الأصل، وعند الأخفش: الظان والظانه زيد أخاك: أنا، والمازني، لو جعله جملتين ورد المحذوف، قال: الظان زيدا أخاك: أنا، والظانه هو إياه: أنا، فالمتصل ضمير اللام والمنفصل ضمير (أخاك)، و (هو) ضمير زيد، أبرزته لجري الصفة على غير صاحبها، وإن أخبرت عن زيد قلت: الذي ظننت وظنني أخاك: زيد، 1 والظانه أنا أخاك وظنني إياه أو ظننيه: زيد، نحو: خلتكه وخلتك إياه على ما مضى في المضمرات، أظهرت ضمير المفعول في: الظانه، لكونه ضمير اللام فلا يحذف، وبعضهم يحذفه مراعاة للأصل، وأظهرت ثاني مفعولي: الظانه، لأن أفعال القلوب يجب، في الأغلب، بذكر أحد مفعوليها ذكر الآخر، وأبرزت (أنا) لجري الصفة على غير صاحبها، وعند الأخفش: الظانه أنا أخاك والظنيه أو الظاني إياه: زيد، وإن أخبرت عن (أخاك) قلت: الذي ظننت وظننية زيد، أو ظنني زيد إياه: أخوك، والاا ان أنا زيدا إياه وظننية أو ظنني إياه: أخوك، وأجاز بعضهم: الظانه أنا زيدا، والأولى أنه لا يجوز ذلك لما ذكرنا في باب الضمائر أن ثاني المفعولين يجب انفصاله عند الالتباس بأولهما، وعند الأخفش: الظان أنا زيدا إياه، والظاني هو اياه: أخوك، أو: الظانيه هو:
(1) لم يذكر رأي المازني في هذه الصورة وفيما يأتي من الصور إلى آخر ما بقي من الأمثلة (*)
[ 47 ]
أخوك، كما مر في: خلتكه وضربيك، وإبراز الضمير في: الظانيه هو، والظاني إياه، لكون الصفة للألف واللام التي هي الأخ والضمير لزيد، وزيد، وإن كان الأخ من حيث المعنى لكن المعاملة مع ظاهر اللفظ في هذا الباب، وتقول في: أعلمت وأعلمني زيد عمرا منطلقا، مخبرا عن التاء أو الياء بالذي: الذي أعلم وأعلمه زيد عمرا منطلقا: أنا، وباللام: المعلم وأعلمه زيد عمرا منطلقا: أنا، وعند الأخفش: المعلم والمعلمة زيد عمرا منطلقا: أنا، وإن أخبرت عن (زيد) بالذي، قلت: الذي أعلمت وأعلمني عمرا منطلقا: زيد، وباللام: المعلمه أنا وأعلمني عمرا منطلقا: زيد، هذا عند من يجيز الاقتصار على المفعول الأول، وعند سيبويه 1. المعلمه أنا عمرا منطلقا وأعلمنيه إياه: زيد، وعند الأخفش: المعلمه أنا والمعلمي عمرا منطلقا: زيد، إذا اقتصر على أول المفاعيل، وإن لم يقتصر: فالمعلمه أنا عمرا منطلقا والمعلمي إياه إياه: زيد، فإياه الأول لعمرو، والثاني لمنطلقا، ويجوز: المعلميه إياه: زيد، نحو ضربيك وضربي إياك، وإن أخبرت عن عمرو، بالذي، قلت: الذي أعلمت وأعلمنيه زيد منطلقا: عمرو وباللام: المعلم أنا زيد إياه منطلقا، وأعلمينه إياه زيد: عمرو، أبرزت (أنا) لجري الصفة على غير صاحبها، وإياه ضمير اللام، لم يجز حذفه، لأن عائد اللام لا يحذف على الأصح، وجعلته منفصلا، إذ لو قدمته ووصلته بالمعلم فقلت: المعلمه أنا، لا لتبس بالمفعول الأول كما مر، في مفعول ما لم يسم فاعله، وإنما ذكرت (منطلقا)، لأن ذكر الثاني في هذا الباب يوجب ذكر الثالث، قيل: ووجب هنا ذكر المفعول الأول أعني (زيدا) لئلا يلتبس الثاني بالأول،
ولقائل أن يقول: 2 إذا ذكرت في هذا الباب مفعولين فقط لم يجز أن يكون أحدهما
(1) انظر سيبويه 1 / 20، وما قاله الرضى منقول بمعناه من كلام سيبويه، (2) هذا تعقيب من الرضى على الرأي الذي حكاه بقوله: وقيل يجب هنا ذكر المفعول وسيشير إليه بعد قليل عند (*)
[ 48 ]
الأول، والثاني أحد الباقيين، لأن ذكر أحد الباقيين يوجب ذكر الثاني، فيتعين أن المفعولين هما الثاني والثالث، بلى، يمكن أن يقال: وجب ههنا ذكر الأول ليتبين من أول الأمر أن الضمير ليس المفعول الأول، وتقول على مذهب الأخفش: المعلم أنا زيدا إياه منطلقا، والمعلمي هو إياه، إياه: عمرو، فإياه الذي بعد (هو) ضمير اللام، وهو القائم مقام عمرو، المخبر عنه، والثاني: ضمير (منطلقا)، وإن أخبرت عن (منطلقا) بالذي قلت: الذي أعلمت وأعلمني زيد إياه: منطلق، والمعلم أنا زيدا عمرا إياه وأعلمني إياه: منطلق، أبرزت (أنا) لجري الصفة على غير صاحبها، وفصلت الضمير العائد إلى اللام، أعني: إياه، الذي بعد (عمرا) لئلا يلتبس لو اتصل، بالمفعول الأول، وذكرت الثاني أعني (عمرا) لذكرك الثالث، أعني ضمير اللام، وأما ذكر الأول، أعني (زيدا) ففيه النظر المذكور، ويجوز: أعلمنية إياه، وعند الأخفش: المعلم أنا زيدا عمرا إياه، والمعلمي هو إياه: منطلق، أو: المعلميه إياه هو، وإنما أبرزت (هو) لجري الصفة على غير صاحبها، وهذا القدر من التمرين كاف لمن له بصيرة 1،
= الاخبار عن كلمة (منطلقا) في المثال، (1) أطال الرضى بل وأسرف في التطريق إلى مسائل مفروضة، ولكن ذلك لا يخلو من فائدة على أي حال، رحم الله الرضى وأمثاله من أسلافنا العلماء وجزاهم خيرا، (*)
[ 49 ]
(استعمالات) (ما الاسمية) (قال ابن الحاجب:) (وما، الاسمية: موصولة، واستفهامية، وشرطية وموصوفة،) (وتامة بمعنى شئ، وصفة) (قال الرضي:) لما كان في المبنيات ما يوافق لفظه لفظ الموصول، لم يجعل له باب برأسه، بل بين في ضمن الموصولات، كما بين ما وافق اسم الفعل في اللفظ من المبنيات في أسماء الأفعال، كباب (فجار 1) وباب (فساق) وباب (قطام)، الموافقة لباب (نزال)، ولو لا قصد الاختصار، ورعاية المناسبة اللفظية، لكان القياس يقتضي أن تجعل أبوابا برأسها، فمنها (ما)، قوله (وما الاسمية)، اعلم أن (ما) تكون حرفية أيضا، وهي، حينئذ، على أقسام، أيضا، ولما كان هو في قسم الأسماء، تعرض لأقسام (ما) الاسمية، وترك أقسام الحرفية إلى قسم الحروف، قوله: (موصولة)، كما ذكرنا، والاستفهامية نحو: ما صناعتك ؟ وما صنعت ؟ ويدخلها معنى التحقير، كقوله:
(1) المراد به: باب الأعلام الجنسية للمصادر، كما أن المراد بباب فساق: الوصف المختص بالنداء في سب المؤنث، وباب قطام، المراد به الأعلام الشخصية المؤنثة، (*)
[ 50 ]
422 - يا زبرقان أخا بني خلف * ما أنت ويب أبيك والفخر ؟ 1 ومعنى التعظيم، كقوله: 423 - يا سيدا ما أنت من سيد * موطا الأكناف رحب الذراع 2 و: (الحاقة ما الحاقة 3)، ومعنى الأنكار نحو: (فيم أنت من ذكراها 4)،
أي: لا تذكرها، على أحد التأويلات، وقد تحذف ألف (ما) الاستفهامية في الأغلب عند انجرارها بحرف جر أو مضاف، وذلك لأن لها صدر الكلام لكونها استفهاما، ولم يمكن تأخير الجار عنها فقدم عليها وركب معها حتى يصير المجموع ككلمة واحدة موضوعة للاستفهام، فلا يسقط الاستفهام عن الصدر، وجعل حذف الألف دليل التركيب، ولم يحذف آخر (من) وكم، الاستفهاميتين مجرورتين، لكونه حرفا صحيحا، ولا آخر (أي)، لجرية مجرى الصحيح في تحمل الحركات، وقد جاء الألف ثابتا، قال: 424 - على ما قام يشتمني لئيم * كخنزير تمرغ في رماد 5
(1) للمخبل السعدي في هجاء الزبرقان بن بدر، وهو ابن عمه، وبنو خلف: رهط الزبرقان، وهو هجاء مقذع، يقول في بعض أبياته: ما أنت إلا في بني خلف * كالأسكتين علاهما البظر (2) ورد هذا البيت في إحدى المفضليات، وهي للسفاح بن بكير، في رثاء يحيى بن ميسرة أحد أنصار مصعب ابن الزبير، ظل وفيا له إلى أن قتل معه، ومن هذه القصيدة البيت المستشهد به في باب الفاعل، لما عصى أصحابه مصعبا * أدى إليه الكيل صاعا بصاع وزعم بعضهم أن الشعر لغير السفاح بن بكير، وأن المرثى به غير يحيى وربما كان السبب وجود قصيدة أخرى مشابهة لهذه، والله أعلم، (3) أول الحاقة، (4) الآية 43 سورة النازعات (5) من شعر لحسان بن ثابت في هجاء بني عابد بن عبد الله بن مخزوم يقول فيه مخاطبا أحد بني عابد وكان هجا حسان بن ثابت، فإن تصلح فإنك عابدي * وصلح العابدي إلى فساد
وقد روى بيت الشاهد: ففيم تقول يشتمني لئيم، كما أنه ورد في المطبوعة: كخنزير تمرغ في دمان، والدمان: من معانية: الرماد، ولكن صواب الرواية ما أثبتناه، (*)
[ 51 ]
وإذا جاء (ذا) بعد (ما) الاستفهامية، لم تحذف ألفها، نحو: بماذا تشغل، وذلك لأن (ذا) لما لم تثبت زيادته، ولا كونه موصولا، إلا مع (ما)، صار (ما) مع (ذا) ككلمة واحدة، فصار الألف كأنه في وسط الكلمة، والحذف قليل في الوسط، لتحصنه من الحوادث، ولذا لم يحذف الألف من (ما) الشرطية المجرورة، وإن شاركت الاستفهامية في التصدر في نحو: ما تصنع أصنع، 1 والنكرة الموصوفة، إما بمفرد، نحو: مررت بما معجب لك، وإما بجملة، كقوله: 425 - ربما تكره النفوس من الأمر * له فرجة كحل العقال 2 وجاز أن تكون (ما) ههنا، كافة، كما في قوله تعالى: (ربما يود الذين كفروا) 3، قال المصنف: إلا أن النجاة اختاروا كونها 4 موصوفة لئلا يلزم حذف الموصوف وإقامة الجار والمجرور، وهو (من الأمر) مقامه، وذلك قليل إلا بالشرط المذكور في باب الصفة 5 هذا قوله، ولا يمتنع أن تكون (من) متعلقة ب (تكره)، وهي للتبعيض كما في: أخذت من الدراهم، أي: من الدراهم شيئا، فكذا هنا، معناه: تكره من الأمر شيئا، وقوله: له فرجة، صفة للأمر، لأن اللام غير مقصود قصده، ويجوز، أيضا، تضمين (تكره) معنى: تشمئز وتنقبض 6،
(1) هكذا ورد المثال في النسخة المطبوعة، وهو لا يطابق موضوع الحديث أي حالة الجر بالحرف إلا إذا كان القصد مجرد التمثيل للتصدر بصرف النظر عن كونه مجرورا أو غيره، والمثال المطابق: بما تنطق أنطق، مثلا، (2) من قصيدة لأمية بن أبي الصلت من شعراء الجاهلية المتقدمين، ذكر فيها قصة سيدنا إبراهيم الخليل وما حدث من رؤياه أنه يذبح ولده إسماعيل،.. ويقول أمية في فداء إسماعيل:
بينما يخلع السرابيل عنه * فكه ربه بكبش جلال وجلال بضم اللام أي عظيم. ونسبه بعضهم لأمية، أيضا، في أبيات أخرى يقول فيها: لا تضيقن بالأمور فقد * تكشف غماؤها بغير احتيال (3) الآية 3 سورة الحجر. (4) أي كلمة ما في البيت المستشهد به، (5) وهو أن يكون الموصوف بعض اسم متقدم مجرور بمن أو في، (6) فتكون (من) متعلقة بتكره، (*)
[ 52 ]
ويعني بالتامة: نكرة غير موصوفة، وذلك نحو (ما) التعجبية عند سيبويه، ونعما هي، أي نعم شيئا هي، عند الزمخشري، وأبي علي 1، وتكون، أيضا، معرفة تامة، أي غير موصوفة، ولا موصولة عند سيبويه، بمعنى الشئ، قال في: (فنعما هي)، أي: نعم الشئ هي، وكذا في: دققته دقا نعما، أي: نعم الشئ ونعم الدق، و (ما) المصدرية: حرف عند سيبويه، اسم موصول عند الأخفش والرماني، والمبرد 2، كما مر قبل، وأما (الذي) المصدرية فلا خلاف في اسميتها للام فيها، نحو قول علي رضي الله عنه في النهج: (نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء 3)، أي نزولا كالنزول الذي نزلته في الرخاء، قوله: وصفة، اختلف في (ما) التي تلي النكرة لأفادة الأبهام والتنكير، فقال بعضهم: اسم، فمعنى قوله تعالى: (مثلا ما 4)، أي مثل، وقال بعضهم: زائدة فتكون حرفا، لأن زيادة الحروف أولى من زيادة الأسماء لاستبدادها بالجزئية، ولهذا استعظم الخليل
وتعجب من الفصل لكونه اسما زيد لفائدة الفصل 5، وأيضا، ثبتت زيادتها، نحو: (فبما رحمة من الله 6)، ووصفيتها لم تثبت، فالحمل على ما ثبت، في موضع الالتباس: أولى، وفائدة (ما) هذه: إما التحقير، نحو: هل أعطيت إلا عطاء ما، أو للتعظيم نحو:
(1) أي الفارسي، (2) تقدم ذكر هؤلاء الأعلام في هذا الجزء (3) هذا من كلام لسيدنا علي بن أبي طالب مما نسب إليه في نهج البلاغة ص 241 طبع دار الشعب، (4) من الآية 26 في سورة البقرة (5) انظر ما جاء في هذا نقلا عن سيبويه في الكلام على ضمير الفصل، في آخر الجزء الثاني، (6) الآية 159 سورة آل عمران، (*)
[ 53 ]
لأمر ما جدع قصير أنفه 1، و: عزمت على إقامة ذي صباح * لأمر ما يسود من يسود 2 - 164 بع، نحو: اضربه ضربا ما، أي نوعا من أنواع الضرب أي نوع كان، مع هذه المعاني كلها في الأبهام وتأكيد التنكير، أي عطية لا تعرف من حقارتها، وأمر مجهول لعظمته، وضربا مجهولا غير معين،
(1) هذا مثل مما ورد في قصة الزباء ملكة اليمن مع قصير بن سعد القضاعي، حين أراد أن يحتال للانتقام من الزباء بسبب قتلها جذيمة الأبرش فاتفق قصير مع عمرو بن ربيعة، ابن أخت جذيمة، فجدع أنفه وجلد ظهره وذهب إلى الزباء مدعيا أن عمرا فعل به ذلك واستمر يحتال عليها حتى قضى عليها في قصة طويلة، (2) أورده سيبويه في الكتاب ج 1 ص 116 ونسبه لرجل من خثعم، لم يسمه، ولم يسمه الأعلم أيضا، وتقدم البيت في الجزء الأول من هذا الشرح، (*)
[ 54 ]
(أوجه استعمال) (من) (قال ابن الحاجب:) (ومن كذلك إلا في التمام والصفة) (قال الرضي:) أما (من) الموصولة فنحو: لقيت من جاءك، والشرطية نحو: من تضرب أضرب، والاستفهامية نحو: من غلامك ومن ضربت ؟، والنكرة الموصوفة بالمفرد كقوله: 426 - فكفى بنا فضلا على من غيرنا * حب النبي محمد إيانا 1 وبالجملة، كقوله: 427 - رب من أنضجت غيظا قلبه * قد تمنى لي موتا لم يطع 2 ولا تجيئ تامة أي غير محتاجة إلى الصفة والصلة إلا عند أبي علي، فإنه جوز كونها
(1) نسب هذا البيت لكل من حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة ولغيرهم، ولم يذكر من تحدث عن البيت شيئا يتعلق به، غير أن السيوطي بعد أن ذكر نسبته لكل من الشعراء الثلاثة أورد قبله: نصروا نبيهم بنصر وليه * فالله عز، بنصره سمانا (2) من قصيدة طويلة من جيد الشعر، للشاعر الجاهلي: سويد بن أبي كاهل اليشكري مطلعها: بسطت رابعة الحبل لنا * فوصلنا الحبل منها ما اتسع وبعد بيت الشاهد: ويراني كالشجا في حلقه * عسيرا مخرجه ما ينتزع (*)
[ 55 ]
نكرة غير موصوفة، وتجيئ عند الكوفيين حرفا زائدا، وأنشدوا: 428 - آل الزبير سنام المجد قد علمت * ذاك القبائل، والأثرون من عددا 1
وهي عند البصريين موصوفة، أي: الأثرون إنسانا معدودا، وأنشدوا أيضا: 429 - يا شاة من قنص لمن حلت له * حرمت علي وليتها لم تحرم 2 والمشهور: يا شاة ما قنص، وعلة بناء (ما) و (من) الشرطيتين، والاستفهاميتين والموصولتين ظاهرة، وأما الموصوفتان، فإما لاحتياجهما إلى الصفة وجوبا، وإما لمشابهتهما لهما موصولتين لفظا، وكذا: (ما) التامة، و (من) في وجوهها لذي العلم، ولا تفرد لما لا يعلم، خلافا لقطرب 3، وتقع على ما لا يعلم تغليبا، كقوله تعالى: (ومن لستم له برازين 4)، وتقول: اشتر من في الدار، غلاما كان أو جارية أو فرشا، ومنه قوله تعالى: (فمنهم من يمشي على بطنه، (ومنهم من يمشي على رجلين) ومنهم من يمشي على أربع) 5 وذلك لأنه قال تعالى: ومنهم، والضمير عائد إلى: كل دابة، فغلب العلماء في الضمير، ثم بنى على هذا التغليب، فقال من يمشي على بطنه، ومن يمشي على أربع، و: (ما) في الغالب، لما لا يعلم، وقد جاء في العالم قليلا، حكى أبو زيد 6:
(1) من الأبيات التي وردت في أكثر كتب النحو، ولم يذكر أحد نسبته إلى قائل معين، ولا شيئا مما يتصل به، (2) من معلقة عنترة العبسي، وفي هذا الشرح استشهاد بعدد من أبياتها، (3) محمد بن المستنير، تلقي على سيبويه وعلى شيوخ سيبويه أيضا كعيسى بن عمر، ولكنه كان ملازما لسيبويه أكثر من غيره، وسيبويه هو الذي لقبه بهذا اللقب إذ قال له إنما أنت قطرب ليل، والقطرب دويبة لا تهدأ عن السعي في طلب الرزق، (4) الآية 20 سورة الحجر، (5) الآية 45 سورة النور، والجزء الأوسط منها غير مذكور في النسخة المطبوعة، لأنه لا يدخل في الاستشهاد،
(6) أبو زيد الأنصاري: صاحب كتاب النوادر، واسمه سعيد بن أوس بن ثابت وتقدم ذكره في الجزء الأول، (*)
[ 56 ]
سبحان ما سخركن لنا، وسبحان ما سبح الرعد بحمده، وقال تعالى: (أو ما ملكت أيمانكم) 1، وتستعمل، أيضا، في الغالب، في صفات العالم، نحو: زيد ما هو ؟ وما هذا الرجل ؟ فهو سؤال عن صفته، والجواب: عالم، أو غير ذلك، وتستعمل، أيضا، استفهاما كانت أو غيره، في المجهول ماهيته وحقيقته، ولهذا يقال لحقيقة الشئ: ماهيته، وهي منسوبة إلى (ما) والماهية مقلوبة الهمزة هاء، والأصل: المائية، أو نقول: إنه منسوب إلى: ما هو، على تقدير جعل الكلمتين ككلمة، كقولهم: كنتي، تقول: ما هذا ؟ أفرس أم بقر أم إنسان، فإذا عرفت أنه إنسان مثلا، وشككت أنه زيد أو عمرو، لم تقل: ما هو، وقلت: من هو ؟، وقول فرعون: (وما رب العالمين 2)، يجوز أن يكون سؤالا عن الوصف، ولهذا قال موسى عليه السلام: (رب السموات والأرض) 3، ويجوز أن يكون سؤالا عن الماهية ويكون موسى عليه السلام أجابه ببيان الأوصاف دون بيان الماهية، تنبيها لفرعون إلى أنه تعالى لا يعرف إلا بالصفات وماهيته غير معلومة للبشر، وقولهم: سبحان ما سخركن لنا، وسبحان ما سبح الرعد بحمده، يجوز أن يكون لكونه تعالى مجهول الماهية، و (من) و (ما) في اللفظ مفردان صالحان للمثنى والمجموع والمؤنث، فإن عني بهما أحد هذه الأشياء، فمراعاة اللفظ فيما يعبر به عنهما من الضمير والأشارة ونحوهما، أكثر وأغلب، وإنما كان كذلك لأن اللفظ أقرب إلى تلك العبارة المحمولة عليهما من المعنى، إذ هو 4 وصلة إلى المعنى، وكذا في غير (من) و (ما)، تقول: ذلك الشخص لقيته وإن كان مؤنثا، قال تعالى: (خلقكم من نفس واحده) 5،
(1) الآية 3 سورة النساء،
(2) من الآية 23 سورة الشعراء، (3) الآية 24 سورة الشعراء أيضا، (4) إذ هو، أي اللفظ، (5) من الآية الأولى في سورة النساء، ومثلها في الآية 189 من سورة الأعراف، (*)
[ 57 ]
والمراد: آدم عليه السلام، وتقول: ثلاث أنفس من الرجال، وثلاثة أشخص من النساء، فهذا أولى من العكس، كما يجيئ في باب العدد، وإن تقدم على المحمول على (من) و (ما) وشبههما من المحتملات ما يعضد المعنى، اختير مراعاة المعنى في ذلك المحمول، كقولك: منهن من أحبها، فهو أولى من قولك: أحبه، لتقدم لفظة (منهن)، فلهذا لم يختلف القراء في تذكير: (ومن يقنت منكن 1)، وهو عاضد للمعنى، فلذا قال: (نؤتها أجرها)، وإن حصل بمراعاة اللفظ لبس وجب مراعاة المعنى، فلا تقول: لقيت من أحبه، وأنت تريد من النسوان، الا أن يكون هناك قرينة، ويجب، أيضا، مراعاة المعنى فيما وجب مطابقته للمحمول على المعنى، نحو: من هي محسنة: أمك 2، ولا يجوز: محسن، لأنه خبر لهي المحمولة على معنى (من) الذي بمعنى التي، والخبر المشتق يجب مطابقته للمبتدأ تذكيرا وتأنيثا وافرادا وتثنية وجمعا، وأجاز ابن السراج: 3 من هي محسن... نظرا إلى أن (هي) مراد به (من) الذي يجوز اعتبار لفظه ومعناه، فإن حذف (هي) التي هي صدر الصلة، كما في قولهم: ما أنا بالذي قائل لك شيئا، وقيل: من محسن أمك، سهل التذكير، لأن المقدر لم يعين كونه بلفظ المذكر أو المؤنث، والأصل: الحمل على اللفظ، كما مر، فيقدر مذكرا، ولكون مراعاة اللفظ أكثر وأولى من مراعاة المعنى، كان، إذا اجتمع المراعاتان، تقديم مراعاة اللفظ أكثر من العكس، قال تعالى: (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله
جنات تجري من تحتها الأنهار) 4 حملا على اللفظ، ثم قال: (خالدين) حملا على
(1) الأجزاء المذكورة هنا من الآيتين 30، 31 في سورة الأحزاب، (2) تقديره: التي هي محسنة أمك، فلفظ أمك، خبر عن من، (3) تقدم ذكر ابن لسراج في هذا الجزء وفي الجزأين السابقين، (4) المذكور في كلام الشارح، من الآية 11 سورة الطلاق وذكره مفرقا، (*)
[ 58 ]
المعنى، ولكونها أولى، أيضا، رجع سبحانه بعد قوله خالدين، إلى الحمل على اللفظ فقال: (خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا)، وأما تقديم مراعاة المعنى على مراعاة اللفظ من أول الأمر، فنقل أبو سعيد 1 عن بعض الكوفيين منعه، والأولى الجواز على ضعف، إلا في اللام الموصولة، فإنه يمتنع ذلك فيها، فلا يقال: الضاربة جاء، لخفاء موصوليتها، ثم إنك إن أتيت لها بصاحب من الموصوف أو المبتدأ، نحو جاء الزيدان الضارب غلامهما، وهم المؤدب خدامهم، لم يجز فيما يعبر عنها من الضمير واسم الأشارة مراعاة لفظها وإن كانت صالحة كمن، وما، للمفرد والمثنى والمجموع، والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، وذلك لخفاء موصوليتها، وكونها كلام التعريف في نحو: هما الحسن غلامهما، فكأن الضمير راجع إلى صاحبها لا إليها، وإن لم تجئ بصاحبها، جاز مراعاة لفظها، كقوله: 430 - أو تصبحي في الظاعن المولي 2 أي في الظاعنين المولين، ويجوز أن يكون افراده لكونه صفة (مقدر مفرد اللفظ، أي في الجمع الظاعن)، 3
(1) كنيته السيرافي، وتقدم ذكره (2) من أرجوزة لمنظور بن مرثد الأسدي وقبله: إن تبخلي يا هند أو تعتلي، - وجواب الشرط قوله:
نسل وجد الهائم المغتل * ببازل وجناء أو عيهل وقوله: نسل مضارع من التسلية، والمغتل من الغلة وهي شدة العطش وقوله ببازل.. إلخ متعلق بقوله نسل (3) ما بين القوسين ليس في المطبوعة، وذكر الجرجاني في تعليقاته انه يوجد في بعض النسخ، وذكره مفيد، ليتم به المقصود (*)
[ 59 ]
(أي) (وصور استعمالها) (قال ابن الحاجب) (وأي، وأية: كمن، وهي معربة وحدها إلا إذا حذف) (صدر صلتها)، (قال الرضي:) قد ذكرنا حكم (أي) في التذكير والتأنيث، والأفراد والتثنية والجمع، فأي، الموصولة نحو: اضرب أيهم لقيت، والاستفهامية نحو: أيهم أخوك ؟ وأيهم لقيت ؟ والشرطية نحو: (أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) 1، والموصوفة نحو: يا أيها الرجل، ولا أعرف كونها معرفة موصوفة إلا في النداء، وأجاز الأخفش كونها نكرة موصوفة، كما، في نحو: مررت بأي معجب لك، قيل، وجاء الذي نكرة موصوفة، نحو: بالذي محسن إليك، و (أي) تقع صفة، أيضا، بالاتفاق، لا، كما 2، فإن فيها خلافا، كما مر، فلا أدري لم لم يذكره المصنف ههنا، بل جعلها، كمن، التي لا تقع صفة، ولعله رأى أن الصفة في الأصل: استفهامية، لأن معنى برجل أي رجل: أي برجل عظيم يسأل
(1) الآية 110 سورة الاسراء (2) أي ليست مثل ما (*)
[ 60 ]
عن حاله، لأنه لا يعرفه كل أحد حتى يسأل عنه، ثم نقلت 1 عن الاستفهامية إلى الصفة، فاعتور 2 عليها إعراب الموصوف، وأي، معربة من بين أخواتها الموصولات، على اختلاف في: اللذان واللتان، وذو، الطائية، ومن بين 3 أخواتها المتضمنة لمعنى الاستفهام والشرط، وإنما ذلك لالزامهم لها الأضافة المرجحة لجانب الاسمية، وليس كل مضاف بمعرب، بل ما هو لازم الأضافة، ألا ترى إلى عدم إعراب: خمسة عشرك، وكم رجل، لعدم لزومهما الأضافة، وكذا يضاف (لدن) إلى الفعل أيضا، كما يضاف إلى الاسم، والأضافة إليه كلا إضافة، كما يجيئ في الظروف المبنية، وإنما ألزموها 4 لأن وضعها لتفيد بعضا من كل، كما مر في باب الوصف، فإذا حذف المضاف إليه، فإن لم يكن مقدرا، لم تعرب كما في النداء وإن كان مقدرا بقيت على إعرابها، كما في قوله تعالى: (أيا ما تدعوا)، الا في: كأين، فإنه مقطوع عن الأضافة مع إعرابه، وذلك لأنه يصير كالمبني على ما يجيئ في الكنايات، قوله: (إلا إذا حذف صدر صلتها): اما اسمية أو فعلية، والفعلية لا يحذف منها شئ، فلا تبنى (أي) معها، والاسمية قد يحذف صدرها، أعني المبتدأ، بشرط أن يكون ضميرا راجعا إلى (أي)، فلا يحذف المبتدأ في نحو: اضرب أيهم غلامه قائم، وأيهم زيد غلامه، وإنما يحذف كثيرا مع (أي) دون سائر الموصولات لكونه مستقلا بنفسه مع صلته
(1) يريد لفظ أي، المستعمل في مثل: برجل أي رجل، يعني أنها نقلت من الاستفهام إلى الوصف بها، (2) أي تعاقب عليها الأعراب (3) يعني: وهي أيضا معربة من بين أخواتها في الاستفهام، (4) المراد (أي) في حالة إعرابها،
(5) الآية السابقة من سورة الاسراء، (*)
[ 61 ]
بلزوم الأضافة، وإنما لم يحذف أحد جزأي الفعليه لأن التصاق الجزأين فيها أشد، وإنما حذف المبتدأ إذا كان ضمير الموصول لأنه بالنظر إلى الموصول كالاسم المكرر، 1 فإذا 2 حذف المبتدأ صار 3 مبنيا كأخواته الموصولة، وذلك أن شيئا إذا فارق أخواته لعارض، فهو شديد النزوع إليها، فبأدنى سبب يرجع إليها، وبني على الضم تشبيها بقبل وبعد، لأنه حذف منه بعض ما يوضحه ويبينه أعني الصلة، لأنها المبينة للموصول، كما مر، كما حذف من قبل، وبعد، المضاف إليه المبين للمضاف، هذا هو مذهب سيبويه، وهو الأكثر، أعني كونه مبنيا على الضم عند حذف المبتدأ، قال سيبويه: 4 والأعراب مع حذف الصدر لغة جيدة، وجاءني في الشواذ: (أيهم أشد على الرحمن عتيا) 5، بنصب (أيهم) وذلك لأنه لم تحذف الصلة بكمالها، بل حذف أحد جزأيها، وقد بقي ما هو معتمد الفائدة، أي الخبر، قال الجرمي 6: خرجت من خندق الكوفة حتى أتيت مكة، فلم أسمع أحدا يقول في نحو: اضرب أيهم أفضل، إلا منصوبا، وإن لم تضف مع حذف المبتدأ، نحو: أكرم أيا أفضل، فكلام العرب: الأعراب، وأجاز بعضهم البناء قياسا لا سماعا، فتقول: أكرم أي أفضل: مضموما بلا تنوين، والخليل ويونس 7، يقولان: اضرب أي أفضل مرفوعا، إما على الحكاية أو التعليق،
(1) في النسخة المطبوعة جاءت عبارة: على الولاء بمعنى، بعد قوله كالاسم المكرر ولا معنى لها، وهي غير موجودة في بعض نسخ هذا الشرح، فحذفتها، (2) رجوع إلى الحديث عن أي، (3) أي لفظ أي،
(4) سيبويه 1 / 397 (5) الآية 69 سورة مريم (6) أبو عمر، صالح بن إسحاق الجرمي ممن تكرر ذكرهم في هذا الشرح، (7) الخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب من متقدمي النجاة وكلاهما شيخ لسيبويه، وتقدم ذكر كل منهما في الجزأين السابقين، (*)
[ 62 ]
كما يجيئ من مذهبيهما، قال سيبويه 1: لا يرفع نحو: اضرب أيا أفضل، ولا يبني، على الضم قياسا على: اضرب أيهم أفضل، لأن ذلك مخالف للقياس، ولم يسمع من العرب إلا: أيا أفضل، منصوبا، ولو قالوا لقلنا، أي لو رفعوا، أو ضموا، لاتبعناهم، قال الجزولي 2: إعرابه مع حذف المضاف إليه، دليل على أنه كان مع المضاف إليه أيضا معربا، لأن حذف المضاف إليه يرجح جانب الحرفية كما في: قبل وبعد، وذهب الكوفيون والخليل إلى أن نحو: أيهم، في مثل هذا الموضع 3، معربة مرفوعة، على أن ما بعدها خبر، وهي استفهامية لا موصولة، قالوا: وهي في الآية مبتدأ، خبره: أشد، ومن كل شيعة: معمول لننزعن، كما تقول: أكلت من كل طعام، قال تعالى: (وأوتيت من كل شئ 4)، فتكون (من) للتبعيض، والكلام محكي، أعني أن (أيهم أشد) صفة شيعة، على إضمار القول، أي كل شيعة مقول فيهم: أيهم أشد، كقوله: جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط 5 - 94 قال الخليل: وأيهم، على هذا، استفهامية، نحو قولهم: اضرب أيهم أفضل، أي أضرب الذي يقال له 6: أيهم أفضل، كما قال الأخطل: 431 - ولقد أبيت من الفتاة بمنزل * فأبيت لا حرج ولا محروم 7 أي: أبيت مقولا في: لا حرج ولا محروم، أي هو لا حرج ولا محروم.
(1) في سيبويه ج 1 ص 397 وما بعدها، (2) تقدم ذكره، (3) يعني فيما إذا أضيفت وذكر صدر صلتها، (4) الآية 23 سورة النمل، (5) تقدم الحديث عن هذا الشاهد، وقد أصبح عند النجاة عنوانا على أن الكلام من باب إضمار القول، (6) أي الذي يقال في شأنه، وذلك من معاني اللام بعد القول، كما سيأتي في معاني حروف الجر، (7) من شعر الاخطل، وأورده سيبويه 1 / 259 وقال إن الخليل فسره بأن المعنى: فأبيت بمنزلة الذي يقال له أي يقال في شأنه: لا حرج ولا محروم، وهو قريب من توجيه الشارح الرضى، (*)
[ 63 ]
قال سيبويه 1: لو جاز: اضرب أيهم أفضل على الحكاية، لجاز: اضرب الفاسق الخبيث، أي: اضرب الذي يقال له: الفاسق الخبيث، بلى، مثل ذلك يجيئ في ضرورة الشعر، لا في سعة الكلام، ومذهب يونس في مثله أن الفعل الذي قبل (أي) معلق عن العمل، ويجيز التعليق في غير أفعال القلوب، أيضا، نحو: اضرب أو اقتل: أيهم أفضل، كما يجئ في باب أفعال القلوب، وليس بشئ، لأن المعلق يجب كونه في صدر جملة، والمنصوب بنحو: اضرب، واقتل، لا يكون جملة، والمعلق اما استفهام أو نفي أو لام الابتداء، و (أي) بعد: اضرب، واقتل، لا تكون استفهامية، إذ لا معنى لها إلا على وجه الحكاية، كما قال الخليل، بل هي موصولة بعده، وقال الأخفش في الآية: (من) فيها زائدة، كما هو مذهبه من زيادة (من) في الموجب، وكل شيعة مفعول لتنزعن، وأيهم أشد، جملة مستأنفة، لا تعلق لها بالفعل، وقال المبرد: أيهم فاعل (شيعة) أي: لتنزعن من كل فريق يشيع أيهم هو أشد، وأي
بمعنى الذي، وعند أبي عمرو 2: أية 3 إذا حذف منها ما تضاف إليه منعت الصرف، نحو: اضرب أية لقيتها، قال: لتعرفها بالصلة، والتأنيث، فزاد على مذهبه في التعريف المانع من الصرف: تعريف الموصولات، واعتد بتاء التأنيث بلا علمية، وغيره يصرفها وهو القياس،
(1) سيبويه 1 / 398 (2) أبو عمرو بن العلاء من متقدمي النجاة وأحد القراء السبعة، وتكرر ذكره في هذا الشرح، (3) التأنيث في لفظ آية قليل وتقدم ذلك، (*)
[ 64 ]
(ماذا) (إعرابها وأوجه استعمالها) (قال ابن الحاجب:) (وفي: ماذا صنعت، وجهان: أحدهما: ما الذي، وجوابه) (رفع، والآخر: أي شئ ؟، وجوابه نصب)، (قال الرضي:) اعلم أن (ذا)، لا تجيئ موصولة، ولا زائدة، إلا مع (ما) و (من) الاستفهاميتين، والأولى في: (ماذا)، هو و: (من ذا خير منك 1): الزيادة، ويجوز، على بعد، أن تكون بمعنى الذي، أي: ما الذي هو خير منك، على حذف المبتدأ، نحو: ما أنا بالذي قائل، وأما قولك: من ذا قائما، فذا، فيه: اسم الأشارة لا غير، ويحتمل في: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا 2)، و: ماذا الذي... أن تكون زائدة، وأن تكون اسم إشارة، كما في قوله تعالى: (أمن هذا الذي هو جند لكم 3)، وهاء التنبيه تدخل على اسم الاشارة فيقال: ما هذا الذي تقول:
وقد جاءت (ذا) زائدة بعد (ما) الموصولة، قال:
(1) قوله: خير منك، راجع إلى كل من: ماذا، ومن ذا، (2) من الآية 245 سورة البقرة، (3) من الآية 20 سورة الملك، (*)
[ 65 ]
432 - دعي ماذا علمت، سأتقيه * ولكن بالمغيب نبئيني 1 ولقائل أن يمنع مجيئ (ذا) موصولة مطلقا، ويحكم في نحو: ماذا صنعت بزيادتها، وأما رفع الجواب في نحو قوله تعالى: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو 2)، ورفع البدل في قوله: 433 - ألا تسألان المرء ماذا يحاول * أنحب فيقضي أم ضلال وباطل 3 فلأن (ما) مبتدأ، والفعل بعد (ذا) المزيدة خبره، على تقدير حذف الضمير من الجملة التي هي خبر (ما)، والذي حملهم على ادعاء كون (ذا) ههنا موصولة: رفع الجواب والبدل، في الفصيح المشهور، ولو جاز أن يدعى في الجواب أنه غير مطابق للسؤال، وأن ذلك يجوز وإن لم يكن كثيرا، لم يجز دعوى عدم التطابق بين البدل والمبدل منه، فوجب أن يكون (ماذا يحاول) جملة اسمية، خبر المبتدأ فيها جملة فعلية، وأما ما ذكر من حذف الضمير في خبر المبتدأ فقليل نادر، كما تقدم في باب المبتدأ، وتجرد 4 الجملة الخبرية في نحو: ماذا يحاول، كثير غالب، فعرفنا أن الجملة صلة، لذا، لا خبر، لما، لأن حذف الضمير من الصلة كثير، وهو أكثر من حذفه من الصفة، وحذفه من الصفة أكثر من حذفه من الخبر، كما مر في المبتدأ، وإنما قل إظهار الضمير المنصوب في الجملة التي بعد (ذا) من بين الموصولات للزومها لما الاستفهامية، أو من، لأن (ذا) لا تكون موصولة، إلا وقبلها احداهما، فكان التثاقل
(1) أورده سيبويه في ج 1 ص 405، وقال: سمعناه من العرب الذين يوثق بهم، وقال البغدادي إنه من الأبيات الخمسين التي أوردها سيبويه ولم يعرف لها قائل معين، ثم شنع على العيني في نسبة البيت إلى المثقب العبدي لأن البيت يتفق في الوزن والقافية مع قصيدة مشهورة للمثقب، (2) الآية 219 سورة البقرة، (3) مطلع قصيدة جيدة قالها لبيد بن ربيعة العامري، ومنها عدد من الشواهد في هذا الشرح وفي غيره من كتب النحو (4) أي تجردها عن الضمير في مثل هذا، (*)
[ 66 ]
الحاصل باتصال الصلة بالموصول أكثر، فكان التخفيف بحذف الضمير الذي هو فضلة: أولى، وهذا كما جاز حذف المبتدأ في صلة (أيهم) في السعة دون صلة غيرها، وذلك لتثاقلها بالمضاف إليه كما ذكرنا، وإنما كان الجواب أو البدل مرفوعا إذا كان (ذا) موصولا، لأن (ماذا) إذن، جملة ابتدائية: ذا مبتدأ وخبره (ما)، مقدم عليه لكونه نكرة، وعند سيبويه: (ما) مبتدأ، مع تنكيره، وذا خبره، على ما مر في باب المبتدأ، والأولى في الجواب: مطابقة السؤال، فرفع الاسم على أنه خبر مبتدأ محذوف، وذلك المبتدأ ضمير راجع إلى (ذا) الموصولة، فقوله تعالى: (أساطير الأولين)، ليس بجواب لقوله للكفار: (ماذا أنزل ربكم) 1، إذ لو كان جوابا له، لكان المعنى: (هو أساطير الأولين)، أي: الذي أنزله ربنا: أساطير الأولين، والكفار لا يقرون بالأنزال، فهو، إذن، كلام مستأنف، أي: ليس ما تدعون إنزاله منزلا، بل هو أساطير الأولين، وإذا كانت (ذا) مزيدة، فما، منصوبة المحل، مفعولا للفعل المتأخر فالسؤال،
إذن جملة فعلية، فكون الجواب جملة فعلية، أولى، للتطابق، فينصب الاسم على إضمار مثل الفعل الذي انتصب به (ما) في السؤال، فحذف لدلالة السؤال عليه، فقوله تعالى: (ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا) 2، أي: أنزل خيرا، وإنما لزم ههنا 3 النصب ليكون مخالفا لجواب الكفار، لأن النصب تصريح بكون (أنزل) مقدرا، والرفع يحتمل استئناف الكلام، كما ذكرنا في: (أساطير الأولين)، ويحتمل تقدير الموصول المذكور في السؤال مبتدأ، كما في قوله تعالى: (قل العفو) 4،
(1) الآية 24 سورة النحل، (2) من الآية 30 سورة النحل أيضا، (3) أي في الحديث عن الذين آمنوا، (4) الآية 219 سورة البقرة، وتقدمت، (*)
[ 67 ]
وإن اشتغل الفعل بعد (ماذا) بضمير منصوب، نحو: ماذا تفعله، أو، بمتعلقه، نحو: ماذا تقضي حقه، فكون (ما) مبتدأ، أولى، وإن جعلت (ذا) زائدة، أيضا، لأن الرفع في: زيد لقيته، أولى من النصب، كما مر في: المنصوب على شريطة التفسير، فرفع الجواب، إذن، أولى، كانت (ذا) موصولة، أو زائدة، وأما في نحو: ماذا قيل، وماذا عرض، وقوله تعالى: (وماذا عليهم لو آمنوا) 1، و: (ماذا أحل لهم) 2، مما ليس فيه بعد (ذا) فعل ناصب لما قبله، ولا مشتغل عنه بضميره، أو متعلقه، فالجملة ابتدائية، جعلت (ذا) زائدة، أو موصولة، فرفع البدل، إذن، واجب، ورفع الجواب مختار، على كل حال، وقول الشاعر: 434 - وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا * سوى أن يقولوا إنني لك عاشق 3 فقيل (ذا) فيه، زائدة لا موصولة، إذ الصلة لا تكون إلا خبرية، و: (عسى) ليس
بخبر، وهذا يلزمهم في خبر المبتدأ، أيضا، فإن قيل: خبر المبتدأ قد جاء طلبية، كقوله تعالى: (بل أنتم لا مرحبا بكم 4) و: زيد اضربه، قيل: الصلة، أيضا، جاءت (لعل) مع جزأيها، كقوله: وإني لراج نظرة قبل التي * لعلي، وإن شطت نواها، أزورها 5 - 403
(1) الآية 39 سورة النساء، (2) الآية 4 سورة المائدة، (3) قيل إنه لجميل بن معمر العذري صاحب بثينة، وأورده أبو تمام في الحماسة وأورده بعده قوله: نعم صدق الواشون، أنت كريمة * علينا، وإن لم تصف منك الخلائق قال البغدادي: ونسبه صاحب الأغاني إلى مجنون ليلي: قيس بن الملوح، وذكر معه أبياتا أخرى، (4) الآية 60 سورة ص، (5) تقدم هذا الشاهد في أول باب الموصول، (*)
[ 68 ]
وعسى، ولعل، متقاربان، فإن قدر القول ههنا، جاز للمنازع أن يقدره، أيضا، في خير المبتدأ، ولا يجوز أن يكون (ماذا) مفعول: أن يتحدثوا، لكون (أن) موصولة 1 فالتقدير: أن يتحدثوا به، (تكملة) (في ذكر أحكام للموصول تركها المصنف) ولا بأس أن نذكر بعض ما أهمله المصنف من أحكام الموصول، وأحكام من، وما، وأي، في الاستفهام، وما يناسبها، فنقول: الموصول والصلة كجز أي اسم، وقد ثبت للموصول التقدم لكون مبينة له، فيجب للصلة التأخر، فلا تتقدم الصلة، ولا جزء منها على الموصول، ولا تعمل الصلة،
ولا ما يتعلق بها، فيما قبل الموصول، لأن ذلك المعمول، إذن، جزؤها، وقد تقرر أن جزءا منها لا يتقدم على الموصول، ولا تتعلق الصلة بما قبل الموصول بأن تكون مصدرة ببل، أو لكن، أو علامة جواب القسم، ونحو ذلك مما له تعلق بما قبل الموصول، لأن ذلك المتعلق به المتقدم، إذن، جزء الصلة، ولا يفصل بين الموصول والصلة، ولا بين بعض الصلة وبعض بتابع للموصول، كالوصف، والبدل، والعطفين، والتأكيد، ولا بخبر عن الموصول 2 ولا باستثناء منه، إذ هذه الأشياء لا تجيئ إلا بعد تمام الكلمة،
(1) يعني موصولا حرفيا، ولا يتقدم معمول الصلة على الموصول حرفيا كان أو اسميا، (2) في النسخة المطبوعة اضطراب في هذا الموضع، أمكن بفضل الله ازالته حتى استقام المعنى، (*)
[ 69 ]
وقد جاء، في الشعر، موصول معطوف على آخر قبل الصلة، وما بعدهما: إما صلة لهما معا، أو صلة للأخير وصلة الأول محذوفة مدلول عليها بالظاهرة كما يجيئ بعد، من جواز حذف الصلة عند قيام الدليل، وذلك نحو قوله: 435 - من اللواتي والتي واللاتي * زعمن أن قد كبرت لداتي 1 وقد يفصل بين الموصول والصلة بمعمول الصلة، نحو: الذي إياه ضربت، لأن الفصل ليس بأجنبي منهما، ولا يجوز مثله إذا كان الموصول حرفا، فلا يقال: أعجبني أن زيدا ضربت، لأن الحروف الموصولة حروف مصدرية، هي والجملة بعدها بتأويل المصدر، فيطلب قربها من متضمن المصدر، وكذا في الألف واللام الموصولة، إذ لا تدخل إلا على فعل في صورة اسم الفاعل أو المفعول كما مر، فيكون هو وما دخل عليه، كاللام الحرفية مع ما دخلت عليه، لا يفصل بينهما، وكذا يجوز الفصل بين بعض الصلة وبعض بالعطف على الجملة التي هي صلة، كما
تقول في باب التنازع معملا للأول: الذي ضربت وضربوني غلمانه: زيد، إذ ليس الفصل بأجنبي من الصلة، وكذا يتقدم بعض الصلة على بعض، كما تقول: جاءني الذي قائم أبوه، والذي ضرب زيدا أخوه، والذي زيدا ضرب أبوه، إذ لا مانع منه، فإن قيل: أليس كما أن الموصول والصلة كجز أي اسم: بعض الصلة والبعض الآخر كالجزأين، فكان ينبغي ألا يتقدم بعضها على بعض، كما لا تتقدم الصلة على الموصول، قلت: بلى، هما أيضا كالجزأين، إلا أنهما كجزأين لا يجب ترتيب أحدهما على الآخر، بل كجزأين يجوز تعقب كل منهما للآخر، بخلاف الصلة والموصول فإن تعقب الجزء الذي هو الصلة واجب لكونها مبينة للموصول كما مر،
(1) هذا البيت مجهول القائل، ووجه الاستشهاد به واضح، (*)
[ 70 ]
فتبين بهذا فساد قول من قال: إن خبر (ما دام) لا يتقدم على اسمه، 1 ويجوز قليلا حذف صلة الموصول الاسمي غير الألف واللام، إذا علمت، قال: 436 - فإن أدع اللواتي من أناس * أضاعوهن لا أدع الذينا 2 وقد التزم حذفها مع: اللتيا معطوفا عليها: التي، إذا قصد بهما الدواهي ليقيد حذفها أن الداهيتين: الصغيرة والكبيرة، وصلتا إلى حد من العظم لا يمكن شرحه، ولا يدخل في حيز البيان، فلذلك تركتا على ابهامهما بغير صلة مبينة، ويجوز كون تصغير: اللتيا للتعظيم، كما في قوله: 437 - وكل أناس سوف تدخل بينهم * دويهية تصفر منها الأنامل 3 وأجاز الكوفيون حذف غير الألف واللام من الموصولات الاسمية خلافا للبصريين، قالوا في قوله تعالى: (وما منا إلا له مقام معلوم) 4، أي إلا من له مقام معلوم، ونحوه قول المتنبي:
438 - بئس الليالي سهرت من طربي * شوقا إلى من يبيت يرقدها 5
(1) يأتي بسط الكلام على هذا، وذكر الخلاف فيه في باب الأفعال الناقصة من قسم الأفعال، إن شاء الله تعالى، (2) هذا من قصيدة الكميت بن زيد التي هجا فيها قبائل اليمن وتقدم منها الشاهد رقم 16 في الجزء الأول، وهو: فلا أعني بذلك أسفليكم * ولكني أريد به الذوينا ومعنى بيت الشاهد: إن كنت أترك النساء اللاتي أضاعهن رجالهن فلم يحموهن ولا أهجوهن، فإني لا أترك الرجال الذين أضاعوا نساءهم، (3) من قصيدة لبيد بن ربيعة التي تقدم صدرها قريبا، وهو: ألا تسألان المرء ماذا يحاول * أنحب فيقضي أم ضلال وباطل (4) الآية 164 سورة الصافات، (5) من قصيدة للمثني، أولها: أهلا بدار سباك أغيدها * أبعد ما بان عنك خردها يقول فيها: يا حاديي عيسها وأحسبني * أوجد ميتا قبيل أفقدها قفا قليلا بها علي، فلا * أقل من نظرة أزودها والرضى يورد كثيرا من شعر المتني ومن في منزلته من الشعراء وتقدمت الأشارة إلى ذلك (*).
[ 71 ]
ويجوز أن يكون من هذا: لعمري لأنت البيت أكرم أهله * وأقعد في أفيائه بالأصائل 1 - 406 ولا وجه لمنع البصريين من ذلك، من حيث القياس، إذ قد يحذف بعض حروف الكلمة، وإن كانت فاء، أو عينا، كشية، وسه، وليس الموصول بألزق منهما 2، ولا يحذف من الموصولات الحرفية إلا (أن) في المواضع المخصوصة 3، كما يجيئ في الأفعال المنصوبة، وذلك لقوة الدلالة عليها، وكون الحروف التي قبلها كالنائبة عنها،
(الحكاية) (بمن، وما، وأي) وأما أحكام من، وما، وأي في الأستفهام فنقول: إذا استفهمت بمن عن مذكور منكور عاقل، ووقفت على (من) جاز لك حكايه اعراب ذلك المذكور، وحكاية علامات تثنيته وجمعه وتأنيثه في لفظ (من)، تقول: منو، إذا قيل: جاءني رجل، ومنا، إذا قيل: رأيت رجلا، ومني، إذا قيل مررت برجل، ومنان ومنين، إذا قيل جاءني رجلان، ورأيت رجلين ومررت برجلين، ومنون، إذا قيل: جاءني مسلمون، أو رجال، أو قوم، وفي النصب والجر: منين، ومنة، إذا قيل جاءتني ضاربة أو طالق، وكذا في النصب والجر، لا يختلف، ومنتان إذا قيل: جاءتني ضاربتان أو طالقان، وفي النصب والجر: منتين، ومنات إذا قيل: جاءتني مسلمات أو ضوارب، وكذا في النصب والجر، لا يختلف، أما اشتراط الاستفهام عن المذكور في الحكاية، فلأن حكاية هذه العلامات لا بد
(1) لأبي ذؤيب الهذلي، وتقدم في أول باب الموصول، (2) أي أشد التصاقا، واللزق بالزاي بمعنى اللصق بالصاد، (3) وهي المواضع التي تضمر فيها وجوبا أو جوازا قبل المضارع المقترن بحروف معينة كما سيأتي، (*)
[ 72 ]
فيها من محكي مذكور قبل الحكاية ثبتت فيه تلك العلامات حتى تحكى، وغرضهم في الحكاية أن يتيقن المخاطب أن المسؤل عنه هو ما ذكره بعينه لا غيره حتى يكون نصا، وإنما اشترط في لحاق العلامات المذكورة (بمن) كونها سؤالا عن نكرة، لأن المعارف إذا استفهم بها عنها، ذكرت في الأغلب إما محكية أو غير محكية، كما يجيئ، لأن الاستفهام عن المعارف ليس في الكثرة مثل الاستفهام عن النكرات، فلم يطلب التخفيف بحذف المسئول عنه، ولو كررت أيضا، النكرات لم يجز حكايتها
إلا بعد (من)، لأن النكرة، إذا كررت، فلا بد في الثانية من لام العهد، ليعرف أن المذكورة ثانيا هي المذكورة أولا، تقول: من الرجل ؟ لمن قال: جاءني رجل (فأكرمت الرجل) 1، ومع زيادة اللام عليها لم تمكن الحكاية، لأن الحكاية ذكر اللفظ المذكور بعينه بلا زيادة ولا نقصان، فلما لم يمكن حكايتها، فإن لم تقصد الحكاية قلت: من الرجل ؟، أو من هو ؟ أو: من ذلك، وإن قصدتها، وهو الكثير، حذفت النكرة وأثبت العلامات في لفظ (من) وسهل حذفها قصد التخفيف، لأن الاستفهام عن النكرة أكثر من الاستفهام عن المعرفة، فلذا كان حذفها بعد (من) أكثر من اثباتها، ومع الحذف فالحكاية في (من) أولى، لأجل التنصيص من أول الأمر على أن المستفهم عنه هو النكرة المذكورة، لأنك إذا لم تحك في لفظ (من) فربما توهم السامع أن المستفهم عنه تورده بعدها، 2 وأما اشتراط العقل في هذه الحكاية، فظاهر، لأن (من) للعقلاء وأما اشتراط الوقف على (من)، ولم يشترط ذلك في (أي) بل تقول فيها: أي يا فتى، وأيا يا فتي، وبأي يا فتى، كما يجيئ، فلأن (من) مبنية مستنكر عليها الأعراب، فلما قصدوا تبعيدها عن الأعراب أثبتوا حكاية الأعراب عليها في حالة لا يكون فيها على المفرد المذكر
(1) جملة: فأكرمت الرجل، زيادة لابد منها ليتم التمثيل لما قال، وكأنها ساقطة من الطبع في النسخة التي نقلت عنها، (2) أي يتوهم أن المستفهم عنه شئ آخر سيذكر بعد كلمة الاستفهام المتأخرة، (*)
[ 73 ]
في الأغلب، وهو أصل المثنى والمجموع (والمؤنث)، اعراب 1 ولا تنوين، وهي حالة الوقف لأن الكلمة تتجرد فيها عن الرفع والجر والتنوين، وأما (أي) فإنها كانت معربة، فلم يستنكر عليها حكاية الأعراب، ولا وصلا ولا وقفا، وإنما زادوا في المفرد المذكر: الواو والألف والياء بدل الحركات، لأنهم لو حكوا
حركات المنكر كما هي، لكانت الكلمة في حالة الوقف محركة بصورة الرفع والجر، وهذا خلاف عادة الوقف، فابدلوا من الحركات حروفا تشبهها ساكنة، وجاءوا قبلها بحركات تناسبها، هذا مذهب المبرد، وقال السيرافي: بل أثبتوا فيها الحركات لحكاية الأعراب، كما في (أي) ثم لما كان الحال حال الوقف، وآخر الموقوف عليه ساكن، أشبعوا الحركات فتولدت الحروف، وكلا القولين ممكن، ولم يمكن إثبات حروف المد الدالة على الأعراب في (منة) إذ هاء التأنيث لا تكون في الوقف إلا ساكنة، فاكتفوا بحكاية التأنيث، وتركوا حكاية الأعراب، وكان هذا أولى من العكس، لأن الأعراب فرع الذات، فإذا امتنع اجتماع مراعاة الفرع ومراعاة الأصل، كان حفظ الأصل أولى، وأجروا (منات) في ترك حكاية إعرابها، وإن كانت ممكنة بالأتيان بحروف المد، مجرى مسلمات وهندات في الوقف، فإنه لا يثبت فيه شئ من حركاته، بخلاف: منو، ومني، ومنا، فإنه بمنزلة نحو: زيد، ورجل، ويثبت فيه حال الوقف بعض الحركات مع حرف المد بعدها، أعني الفتح، نحو: زيدا، فلم يستنكر في (من) الجاري مجراه، عند قصد الحكاية إثبات الحركات والمدات بعدها، وإسكان النون في: منتان ومنتين، تنبيه على أن التاء ليست لتأنيث الكلمة اللاحقة هي بها، بل هي لحكاية تأنيث كلمة أخرى، فلم يلتزموا فيما قبلها الحركة التي تلزم
(1) اسم يكون في قوله: في حالة لا يكون فيها... الخ، (*)
[ 74 ]
ما قبل تاء التأنيث، وقريب من ذلك: إسكان ما قبل التاء في: بنت، وأخت، وهنت، لما لم تتمحض التاء للتأنيث بل كانت بدلا من اللام، وربما سكنت النون في المفرد، نحو: منت، والأكثر تحريكها فيه، لأنك لم تقدر في المفرد على حكاية الأعراب، كما
ذكرنا، فلا أقل من حكاية تاء التأنيث، كما هو حقه، وأما في المثنى فقد حكيت الأعراب لمجيئك في الرفع بالألف، وفي النصب والجر بالياء، نحو: منتان ومنتين، وقد جاء نحو منتان محرك النون التي قبل التاء، هذا، ولك في (من) الموقوف عليها، المستفهم بها عن النكرة، وجهان آخران، 1 أحدهما أن تزيد على (من) حروف المد واللين 2، كما ذكرنا في الوجه الأول في المفرد المذكر، حاكيا للأعراب فقط، ولا تحكي علامات المثنى والمجموع والمؤنث وإن كنت تسأل عنها، اجراء لمن على أصلها من صلاحيتها للكل بلفظ واحد، فتقول، إذا قيل: جاءني رجل أو رجلان أو رجال أو امرأة أو امرأتان أو نسوة: منو، وعلى هذا قياس النصب والجر، والثاني: افراد (من) على كل حال، بلا حكاية لأعراب ولا لعلامات أخر، كما في حال الوصل، هذا حكم (من) المستفهم بها عن المنكور، وأما (أي)، فإذا استفهمت بها عن المذكور المنكور، جاز لك، أيضا، حكاية الأعراب وعلامات المثنى والمجموع في لفظها، إلا أنك لا تلحق حروف المد بالمفرد المذكر، بل تعربه بالحركات في الوصل نحو: أي يا فتى، وأيا يا فتى، وأي يا فتى، وفي الوقف تسكن ياءه في الرفع والجر، وتقلب التنوين ألفا في حال النصب، كما في الوقف على سائر المنصوبات المعربة، لأن (أيا) معرب، فسقط في جواز الحكاية في لفظ (أي)
(1) يعني بصرف النظر عن إفرادها وتذكيرها وفروعها، وخلاصة الوجه الأول: استواء الجميع في صورة واحدة، فيكون بالنسبة للمفرد، هو الوجه السابق، (2) كلمة اللين لا حاجة لذكرها هنا، بل ربما أوهم ذكرها غير المقصود، بناء على ما هو اصطلاحهم في الفرق بين حروف المد وحروف اللين، (*)
[ 75 ]
شرطان كانا في الحكاية بمن، وهما العقل والوقف، أما العقل فلأن أصل (أي)، أن تستعمل في العقلاء وغيرهم، بخلاف (من)، وأما الوقف فلما مر في (من)، وإنما اشترط في حكايتها كون المحكى مذكورا منكورا، لما مر في (من) أيضا، ولك في (أي) وجه آخر وصلا، وهو الاقتصار على إعراب (أي) مفردة فتقول: أي، وأيا، وأي، في المفرد والمثنى والمجموع، مذكرا كان أو مؤنثا، وفي الحركات اللاحقة لأي، في حال الحكاية وجهان: أحدهما: أنها إعرابها، فتكون مبتدأة محذوفة الخبر، ومفعولة محذوفة الفعل، ومجرورة مضمرة الجار، وهذا ضعيف، لأن إضمار الجار قليل نادر، وأيضا، تثنية (أي) وجمعها لغير الحكاية ضعيفان، كما مر، والأولى 1 أن يقال: كما في (من) ان هذه العلامات اتباعات للفظ المتكلم على وجه الحكاية، ومحلها رفع على الابتداء، والتقدير: من هو ؟، وأي هو، أي: أي رجل هو ؟، وأجاز يونس الحكاية بمن وصلا، قياسا على (أي) فيقول: من يا فتى، ومنا يا فتى، ومن يا فتى، وعليه حمل قول الشاعر: 439 - أتوا ناري فقلت منون أنتم * فقالوا الجن قلت عموا ظلاما 2 وليس بشئ، لأنه لم يتقدم جمع منكر حتى يحكى، وحكى يونس أنه سمع: ضرب من منا ؟ استفهام عن الضارب والمضروب قال
(1) هذا هو الوجه الثاني من توجيه الحركات اللاحقة لأي، وإن لم يصرح بذلك، (2) أحد أبيات أربعة أوردها أبو زيد الأنصاري في النوادر منسوبة لشاعر اسمه: شمير بن الحارث الضبي أولها: ونار قد حضأت لها بليل * بدار لا أريد بها مقاما وشمير بصيغة التصغير، وبالشين المعجمة، أو بالسين المهلة، وورد مثل هذا البيت في قصيدة حائية طويلة:... قلت عموا صباحا، منسوبة لجذع بن سنان الغساني، فهما قصيدتان، ولا وجه لانكار الرواية الميمية أو
الحائية، (*)
[ 76 ]
سيبويه 1: هذا بعيد، وقال يونس، أيضا، هذا لا يقبله كل أحد، وذلك لتقدم الفعل على كلمة الاستفهام، وأما إعرابها، فقيل: حكاية، كأنه سمع رجلا يقول: ضرب رجل رجلا، وإلا، فكيف يعربها مع قيام علة البناء ؟ والظاهر أنه ليس بحكاية، وأنه يجوز في بعض اللغات إعرابها، لا على وجه الحكاية، ألا ترى إلى قوله: منون أنتم، وليس بمحكى، كما زعم يونس، إذ لا منكر مذكور قبله، والعلامات المذكورة لا تلحق (من) إلا في آخر الكلام لأنها في حالة الوقف، فإذا قيل: رأيت رجلا وامرأة، قلت: من ومنة، وإذا قيل رأيت امرأة ورجلا، قلت: من ومنا، وفي جاءني رجل وامرأتان: من ومنتان، وعليه فقس، وإذا اجتمع من يعقل ومن لا يعقل، جعلت السؤال عن العاقل بمن وعن غير العاقل بأي، نحو: من وأيين، فيمن قال: رأيت رجلا وحمارين وعليه فقس، وأما المعارف بعد (من) فنقول: هي إما أعلام، وإما غيرها، فغير الأعلام فيها ثلاثة أوجه: أشهرها، أنه لا حكاية فيها، ولا في من، بعد حذفها، وحكى المبرد عن يونس، ولم يحكه عن سيبويه، أنها تذكر بعد (من) محكية كالأعلام، إذا قال القائل: رأيت أخا زيد قلت: من أخا زيد، وأخا زيد، وأجاز ذلك سيبويه، لا على وجه الاختيار، كما قيل: دعني من تمرتان وليس بقرشيا 2، كما يجيئ، وثالثها: أن تحذف وتثبت علامات الحكاية في (من) كما في النكرات، وذلك
(1) نقل ذلك سيبويه عن يونس في الكتاب 1 / 402، ثم قال: وهذا بعيد، (2) سمع بعض العرب شخصا يتحدث عن آخر قائلا: ما عنده تمرتان، فقال السامع: دعنا من تمرتان، وتحدث
رجل مع آخر عن شخص ثالث، فقال السامع: أليس قرشيا، فقال المتحدث: ليس بقرشيا، انظر سيبويه 1 / 403، (*)
[ 77 ]
لكون المعرفة المذكورة عند السامع مجهولة كالنكرة، وذلك كما حكى سيبويه 1 أنه فقال: ذهبت معهم، فيقال: مع منين، ويقال: قد رأيته فتقول: منا، ويقال: خلف دار عبد الله، فيقال: دار مني، أما الأعلام المذكورة بعد (من)، ففيها مذهبان: مذهب أهل الحجاز، ومذهب بني تميم، فأهل الحجاز يحكون العلم بعد (من) بشروط، 2 وإنما خصوا الحكاية بالعلم، دون غيره من المعارف، لأن وضع الأعلام على عدم الاشتراك، بخلاف سائر المعارف، فإن كل واحد منها لأي معين كان، كما يأتي في باب المعارف، والحكاية لدفع الاشتراك، فكانت بالأعلام أنسب، والشروط المذكورة: ألا يكون المسئول عنه منعوتا ولا مؤكدا ولا مبدلا منه ولا معطوفا عليه عطف البيان، فإن إعادة هذه المتبوعات مع توابعها تغني عن حكاية إعرابها، إذ يعرف المخاطب أن المسئول عنه هو المذكور بإرشاد إعادة التوابع المذكورة بعينها إليه، فتقول لمن قال: رأيت زيدا الظريف، أو: زيدا أبا محمد: من زيد الظريف، ومن زيد نفسه ومن زيد أبو محمد، بالرفع لا غير، نعم، لو وصف 3 بابن، وأسقط تنوينه لوقوعه بين علمين، لم تمتنع حكايته عند أهل الحجاز، لأنه، وإن أغنى الوصف المذكور أيضا، كسائر الأوصاف، إلا أن تنزيل هذا الموصوف مع هذا الوصف منزلة اسم واحد بدليل حذف التنوين من الموصوف، ونصب الموصوف في المنادى 4، جوز الحكاية فيه، فتقول لمن قال رأيت زيد بن عمرو: من زيد بن عمرو، بالنصب، وإن قال: رأيت وزيدا ابن أخي عمرو، قلت: من زيد ابن أخي عمرو، بالرفع لا غير،
(1) في الموضع السابق ذكره من كتاب سيبويه، أورد المثالين الأولين الآتيين ولم يذكر الثالث، وسيذكره
الشارح في باب حكاية العلم، (2) سيأتي ذكرها بعد أن ينتهي من استطرادة، (3) أي العلم المراد حكايته (4) في نحو: يا زيد بن عمرو، وتعبيره بنصب الموصوف منظور فيه إلى الرأي الذي يجعله منصوبا لأنه مضاف إلى ما بعد أين، (*)
[ 78 ]
وأما عطف النسق بلا تكرير. (من) فهو كسائر التوابع عند يونس، في امتناع الحكاية معه، سواء كانا 1 علمين أو أحدهما، وحكى سيبويه 2 عن قوم، واستحسنه، أنه تجوز الحكاية إذا كان المعطوف عليه علما، سواء كان المعطوف علما، أو، لا، نحو: من زيدا وعمرا، ومن زيدا وأخا عمرو، لمن قال: لقيت زيدا وعمرا، ولقيت زيدا وأخا عمرو، والفرق بينه وبين سائر التوابع، أن الثاني فيه غير الأول، فالسؤال واقع بالاسم المفرد، ثم عطف عليه بعد الحكاية، وأما سائر التوابع فهي في الحقيقة: متبوعاتها، وإن لم يكن المعطوف عليه علما، كما إذا قيل: مررت بأخيك وزيد، لم تجز الحكاية في السؤال اتفاقا، بل يجب الرفع، لأن المتبوع لا تجوز حكايته فكذا التابع، وأما إن أعدت (من) في المعطوف، نحو: من زيدا ومن عمرا، أو من زيدا ومن أخوه، أو من أخوه ومن زيدا، فإنه تجوز الحكاية في العلم دون ما ليس بعلم، وذلك لكون كل واحد من المعطوف والمعطوف عليه استفهاما مستقلا، فيكون لكل واحد منهما حكم نفسه، كما لو انفرد، ومن الشروط 3: ألا يدخل حرف العطف على (من) نحو: ومن زيد، أو: فمن زيد، فلا تجوز الحكاية اتفاقا، لزوال اللبس، إذ العطف على كلام المخاطب مؤذن بأن ا
السؤال إنما هو عمن ذكره دون غيره، وتجوز حكاية اللقب اتفاقا، وفي الكنية خلاف، والوجه جوازها، لأنها علم، أيضا، على ما يجيئ بيانه 4: وكذا اختلف في حكاية مثنى العلم ومجموعه فالمجوز نظر إلى واحدهما،
(1) أي المعطوف والمعطوف عليه، (2) ج 1 ص 403 (3) ما تقدم كان هو الشرط الأول، وهو لم يحصر الشروط في عدد معين، (4) في باب العلم عند تقسيمه إلى اسم وكنية ولقب، في هذا الجزء، (*)
[ 79 ]
والمانع نظر إلى زوال العلمية بالتثنية والجمع، كما يجيئ في باب العلم، ثم نقول: إذا حكى ما بعد (من)، فمن مرفوع الموضع بالابتداء، فإن كان ما بعده مرفوعا، فهو على الحكاية، لا على أنه خبره، بل الرفع الذي يكون لأجل الخبرية مقدر فيه، وإن كان مجرورا أو منصوبا، فهو مرفوع الموضوع على الخبرية، فالكل معرب مرفوع الموضع، تعذر إعرابه 1 لاشتغال محل الأعراب بحركة مجلوبة للحكاية، كما ذكرنا في أول الكتاب، وقيل ان ما بعد (من) في الأحوال 2، معمول لعامل محذوف، كما مر في (أي)، وهو ضعيف، لما مر هناك، 3 وقد جاء حذف العلم بعد (من)، وإثبات علامة الحكاية فيها، قيل: خلف دار عبد الله، فقال السامع: دار مني، وأما بنو تميم، فإنهم سلكوا باعللم في الاستفهام عنه بمن، مسلك غيره من الأسماء، فأتوا به مرفوعا على كل حال بالابتداء جريا على القياس، وأما إذا سألت بأي عن المعارف، فلا خلاف بينهم في أن ما بعدها لا يحكي، فإذا قيل: رأيت زيدا، ومررت بزيد، قلت: أي زيد، بالرفع لا غير لأن الأعراب يظهر
في (أي) فكرهوا أن يخالفه الثاني، بخلاف: من زيدا، ومن زيد، هذا، وربما حكى بعض العرب الاسم، علما كان أو غيره، دون سؤال، أيضا، كما قال بعضهم: دعنا من تمرتان، على حكاية قول من قال: ما عندنا تمرتان، قال سيبويه: سمعت اعرابيا يقول لرجل سأله، فقال: أليس قرشيا، فقال: ليس بقرشيا 4،
(1) أي تعذر ظهور الحركات الأعرابية فيه، كما تعذر في المضاف إلى باء المتكلم، (2) يعني أحوال الاعراب، (3) لأن إضمار الحرف في حالة الجر ضعيف، (4) أشرنا إلى ذلك بتحديد موضعه من كتاب سيبويه، قريبا، (*)
[ 80 ]
فعلى هذه اللغة، تجوز الحكاية إذا سألت بمن، أو أي، عن غير العلم أيضا، كما حكى يونس، كما مر، وإذا سألت بمن عن عاقل ينسب إليه علم، سواء كان المنسوب علم عاقل أو، لا، بل الشرط كون المنسوب إليه عاقلا، كما يقال لقيت زيدا أو ركبت أعوج 1، جاز لك أن تقول: آلمني، أي: البكري أو: القرشي 2، تأتي بمن مكان المنسوب إليه العاقل، وتدخل عليه الألف واللام لأنه كذلك في المسئول عنه، أعني البكري، مثلا، لأن صفة العلم المنسوبة إلى شئ لا بد فيها من الألف واللام، وتلحق ياء النسب آخر (من) كما كان آخر المسئول عنه، والأكثر الأشهر إدخال همزة الاستفهام على الألف واللام فتقول: آلمني، بالمد أو التسهيل، كما يجيئ في التصريف في باب تخفيف الهمزة إن شاء الله تعالى، وإنما أدخلتها لأنه كذلك في المسئول عنه لو صرحت به نحو: البكري، أو: القرشي، وإنما جاز الجمع بين (من) الاستفهامية وهمزة الاستفهام، لضعف تضمنها للاستفهام بمعاملتها معاملة المعربات التي لا تتضمن معنى الحروف، وذلك بإدخال اللام عليها، وإلحاق ياء النسب بآخرها،
وبعضهم لا يأتي بهمزة الاستفهام، فيقول: المني، اكتفاء بما في (من) من معنى الاستفهام، ويحكى في لفظ (المني) إعراب العلم المسئول عن نسبته، سواء كان السائل واصلا أو واقفا، كالحكاية في لفظ (أي) سواء، فتقول لمن قال: جاءني زيد: آلمني يا فتى، وكذا: آلمني، وكذا: آلمنيان، وآلمنيين، وآلمنيون، وآلمنيين، وآلمنية، وآلمنيتان والمنيات، ويأتي المسئول بالجواب على وفق إعراب آلمني، تقول: رأيت زيدا، فيقول: آلمني، فتقول: القرشي، على أنه وصف لزيد، المذكور أولا في كلامك، ويجوز الرفع في الكل، على إضمار المبتدأ، أي هو القرشي لانفصاله عن الموصوف بتوسط الاستفهام،
(1) أعوج علم على حصان مشهور تنسب إليه الخيل الأعوجية، قال الفرزدق: نجوت ولم تمنن عليك طلاقة * سوى جيد التقريب من آل أعوجا (2) الذي يقال في الحكاية هو أحد هذين اللفظين بحسب ما يقصد السائل، (*)
[ 81 ]
قال مبرمان 1: سألت المبرد: إذا قال لك رجل: رأيت زيدا وأردت أن تسأله عن صفته، قال: تقول: آلمني، كأني قلت: الظريفي، أو: العالمي، أو: البزازي، قال السيرافي: هذا تفريع منه وقياس وليس بمسموع، قلت كأنه جعل الياء في: الظريفي ونحوه للتأكيد، كما قيل في: أحمري ودواري، 2 وإن كانت صفة العلم منسوبة إلى ما لا يعقل، كالمكي والبصري، فلا يجوز: آلمني، اتفاقا، قال المبرد: القياس: آلمائي، أو: الماوي، 3 قال السيرافي: هو تفريع منه وليس بمسموع، وأجاز الأخفش الاستفهام بأي، على وفق: آلمني، قياسا، فيقال: آلآيي، فيصلح للمنسوب إلى العاقل وإلى غيره، والوجه المنع لعدم السماع ولاستقال الياءات، والله أعلم،
(1) محمد بن علي بن اسماعيل الملقب بمبرمان، تلميذ المبرد، وكانت له تصرفات يضيق بها الناس، وكأنه
لقب بمبرمان لذلك، توفي في منتصف القرن الرابع، وتقدم ذكره، وقد ذكره الرضى في بعض المواضع بابن مبرمان، ولا وجه لكلمة ابن، (2) إذا نسب إلى الوصف المجرد من معنى المبالغة قيل أحمري وكان الغرض من ذلك تأكيد الوصف، وإذا نسب إلى صيغة المبالغة نحو دواري كان القصصد المبالغة في تأكيد الوصف، (3) كأنه نسب إلى (ما) فضوعف ثانيها وقلب همزة، وعند النسب تبقى الهمزة أو تقلب واوا كما هو موضح في باب النسب، (*)
[ 83 ]
(أسماء الأفعال) (أنواعها - علة بنائها - تنوينها) (قال ابن الحاجب:) (أسماء الأفعال: ما كان بمعنى الأمر أو الماضي، مثل:) (رويد زيدا أي أمهله، وهيهات ذاك أي بعد)، (قال الرضي:) اعلم أنه إنما بنى أسماء الأفعال لمشابهتها مبني الأصل، وهو فعل الماضي والأمر، ولا تقول إن (صة) اسم ل (لا تتكلم) ومه، اسم ل (لا تفعل)، إذ لو كانا كذلك، لكانا معربين، بل هما بمعنى: اسكت، واكفف، وكذا لا نقول ان (أف) بمعنى أتضجر، و (أوه) بمعنى أتوجع، إذ لو كانا كذلك لأعربا كمسماهما، بل هما بمعنى: تضجرت وتوجعت الأنشائيين، ويجوز أن يقال: ان أسماء الأفعال بنيت لكونها أسماء لما أصله البناء، وهو مطلق الفعل، سواء بقي على ذلك الأصل كالماضي والأمر، أو خرج عنه كالمضارع، فعلى هذا لا يحتاج إلى العذر المذكور، والذي حملهم على ان قالوا: إن هذه الكلمات وأمثالها ليست بأفعال مع تأديتها معا ني
الأفعال: أمر لفظي، وهو أن صيغها مخالفة لصيغ الأفعال، وأنها لا تتصرف تصرفها، (*)
[ 84 ]
وتدخل اللام 1 على بعضها، والتنوين في بعض، وظاهر كون بعضها ظرفا، وبعضها جارا ومجرورا، 2 وأما تعيين أصولها، وأنها عن أي شئ نقلت، فنقول: النقل عن المصادر والظروف في بعضها ظاهر، كرويد زيدا، وبله زيدا، بنصب المفعول به، وفداء لك الأقوام، بالكسر، وأمامك زيدا، وعليك زيدا، إذ استعمال هذه الكلمات على أصلها كثير، كرويد زيد، وبله زيد، بالأضافة، وفداء لك 3، بالرفع والنصب، وأمامك زيد، برفع زيد، وبعضها يشبه أن يكون مصدرا في الأصل، وإن لم يثبت استعماله مصدرا، كوشكان، وسرعان، وبطآن، وشتان، فإنها، كليان في المصادر، وكهيهات فإنه كقوقاة، ونزال، فإنه كفجار، وتيد، كضرب، فنقول: إنها كانت في الأصل مصادر، لأنه قام دليل قطعي على كونها منقولة إلى معاني الأفعال عن أصل، وأشبه ما يكون أصلها: المصادر، للمناسبة بينهما، وزنا، ولألحاقها بأخواتها من نحو: رويد وبله وفداء، والظاهر في بعضها أنها كانت أصواتا ثم نقلت إلى المصادر ثم منها إلى أسماء الأفعال، ثم نقول: الأصوات المنقولة إلى باب المصادر على ضربين: ضرب لزم المصدرية ولم يصر اسم فعل، نحو: ايها في الكف، وويها في الأعزاء، وواها في التعجب والاستطابة، ولعا، ودعدعا، في الانتعاش، وويلك، وويحك، وويك ووي لعمرو، على ما مر في باب المفعول المطلق، 4 وبعضها انتقل من المصادر إلى أسماء الأفعال، نحو: صه، ومه، وها، ودع أي انتعش، وبس أي ارفق، وهيا، وهلا، وحي، وايه، وهيك وهيك وهيت، وستجيئ معانيها، ويجوز أن يدعى في الضرب الأول أنه انتقل
(1) أي أداة التعريف، والرضى يعبر عنها باللام مرة، وبالألف واللام أخرى وهما رأيان في أصل وضعها، (2) أي منقولا عن الظرف، أو عن الجار والمجرور، (3) إشارة إلى بيت شعر سيأتي ذكره كاملا في الشرح، (4) في الجزء الأول، (*)
[ 85 ]
إلى اسم الفعل، والتنوين فيه كما في: صه، ومه، وايه، وهي مفتوحة لا منصوبة، وفي الضرب الثاني، بقاؤه على المصدرية، وبناؤه لأصله، أعني اسم الصوت، كما مر المفعول المطلق، 1: أخ، وكخ، وأف، وأوه، وبخ، إذا لم تستعمل استعمال المصادر وهو أن تنصب، نحو: أفا، أو تبين بالحرف، كأف لك فالأولى أن يقال ببقائها على ما كانت عليه وأنها لم تصر مصادر ولا أسماء أفعال لعدم الدليل عليه، كما أن الأولى في: فرطك بمعنى تقدم، أو احذر من قدامك، وبعدك، أي احذر من خلفك، وحذارك عمرا، والنجاءك، أن يقال: آنها باقية على المصدرية، إذ لم يقم دليل على انتقالها إلى أسماء الأفعال، والفرط: التقدم، أي: تقدم تقدما، أو: احذر فرطك أي تقدمك، وبعدك، أي: ابعد بعدا، وحذرك وحذارك عمرا، أي احذر عمرا حذرا، أو حذارا، والنجاءك أي: انج النجاء، والكاف حرف، كما في: ذلك، فإذا تقرر هذا، ثبت أن جميع أسماء الأفعال منقولة، إما عن المصادر الأصلية، أو عن المصادر الكائنة في الأصل أصواتا، أو عن الظروف، أو عن الجار والمجرور، فلا تقدح، إذن، باعتبار الأصل، لا في حد الاسم، ولا في حد الفعل، وعدم استعمال بعضها على أصله لا يضر، لما ثبت كونه 2 عارضا بالدليل، إذ رب أصل مرفوض، وعارض لازم،) وأما (آمين) فقيل: سرياني، وليس إلا من أوزان الأعجمية، كقابيل، وهابيل،
بمعنى 3: افعل، على ما فسره النبي عليه السلام حين سأله ابن عباس رضي الله عنه، وبني على الفتح، ويخفف بحذف الألف، فيقال: أمين، على وزن كريم، ولا منع أن يقال: أصله القصر ثم مد، فيكون عربيا، مصدرا في الأصل، كالنذير، والنكير، ثم جعل اسم فعل،
(1) في الجزء الأول أيضا، (2) يعني عدم استعمال بعضها على أصله، (3) المراد أن (آمين) بمعنى افعل (*)
[ 86 ]
وكان القياس ألا يقال لاسم الفعل الذي هو في الأصل جار ومجرور، نحو: عليك، وإليك: اسم فعل، لأنا نقول لمثل صه ورويد، انه اسم بالنظر إلى أصله، والجار والمجرور لم يكن اسما، إلا أنهم طردوا هذا الاسم في كل لفظ منقول إلى معنى الفعل نقلا غير مطرد كالمطرد 1، في نحو: رحمك الله، ولم يضرب، فيصح أن يقال في: كذب العقيق 2 بالنصب: ان (كذب) اسم فعل كما يجئ، ثم اعلم أن بعضهم يدعي أن أسماء الأفعال مرفوعة المحل على أنها مبتدأة لا خبر لها، كما في: أقائم الزيدان، وليس بشئ، لأن معنى قائم، معنى الاسم وإن شابه الفعل، أي: ذو قيام، فيصح أن يكون مبتدأ، بخلاف اسم الفعل، فإنه لا معنى للاسمية فيه، ولا اعتبار باللفظ، فإن في قولك: (تسمع بالمعيدي) 3 تسمع مبتدأ، وإن كان لفظه فعلا لأن معناه الاسم، فاسم الفعل، إذن، ككاف (ذلك)، وكالفصل 4 عند من قال انه حرف، كان لكل واحد منهما محل من الاعراب لكونهما اسمين فلما انتقلا إلى معنى الحرفية، لم يبق لهما ذلك، لأن الحرف لا إعراب له، فكذا اسم الفعل، كان له في الأصل محل من الاعراب 5 فلما انتقل إلى معنى الفعلية، والفعل لا محل له من الأعراب في الأصل، لم يبق له محل
من الاعراب، كما ذكرنا في المفعول المطلق، 6 وما ذكره بعضهم من أن أسماء الأفعال منصوبة المحل على المصدرية، ليس بشئ، إذ لو كانت كذلك لكانت الأفعال قبلها مقدرة، فلم تكن قائمة مقام الفعل، فلم تكن مبنية،
(1) يعني كالنقل المطرد في جعل الجملة الخبرية الماضية دعائية، وجعل المضارع المنفي بلم ماضيا، (2) إشارة إلى بيت شعر سيأتي كاملا في الشرح، (3) تقدم شرحه (4) أي صيغة الضمير التي يسمونها فصلا، (5) أي حين كان مصدرا، وذلك هو رأي الرضى في أسماء الأفعال وأنها منقولة عن المصادر ولو تقديرا، (6) تقدم في الجزء الأول، (*)
[ 87 ]
ولا نقول في: أمامك 1 بمعنى تقدم، انه منصوب بفعل مقدر، بل النصب فيه صار كفتح فاء جعفر، وكذا لا تقول في: عليك، وإليك، اسمي فعل، إنهما حرفا جر مع مجرورهما متعلقان بمقدر، بل المضاف والمضاف إليه، في الأول صارا ككلمة، وكذا الجار والمجرور في الثاني، فصار اسم المصدر والصوت إذا كانا اسمي فعل: كالفضل، وببة، علمين لذات، وصار المضاف والمضاف إلية، والجار والمجرور في نحو: أمامك وعليك، اسمي فعل، كعبد الله، وتأبط شرا، علمين، فهي منقولة عن أصولها إلى معنى الفعل نقل الأعلام، وليس ما قال بعضهم: ان (صه) مثلا اسم للفظ (اسكت) الذي هو دال على معنى الفعل، فهو علم للفظ الفعل لا لمعناه: بشئ، 2 إذ العربي القح 3، ربما يقول: صه، مع أنه لا يحظر بباله لفظ: اسكت، وربما لم يسمعه أصلا، ولو قلت انه اسم ل: اصمت أو امتنع أو كف عن الكلام أو غير ذلك مما يؤدي هذا المعنى، لصح، فعلمنا أن المقصود
منه المعنى لا اللفظ، وقد صار الفعل اسم فعل، كما في قول عنترة، 440 - كذب العتيق وماء شن بارد * إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي 4 إذ روي بنصب العتيق، وكذا في قول من نظر إلى بعير نضو 5، فقال لصاحبه: كذب عليك البزر والنوى، بنصب البزر،
(1) أي في كل ما كان منقولا عن ظرف، (2) خبر عن قوله: وليس ما قال بعضهم، (3) أي الخالص الباقي علي سليقته العربية، (4) أحد أبيات لعنترة العبسي يوجه فيها الحديث إلى امرأته التي لامته على إيثار فرس له بسقي اللبن، يقول فيها: لا تذكري فرسي وما أطعمته * فيكون جلدك مثل جلد الأجرب إن الغبوق له، وأنت مسوءة * فتأوهي ما شئت ثم تحوبي والغبوق: اللبن يشرب في المساء، والصبوح: اللبن يشرب في الصباح، فهو يقول لها: اكتفي بالعتيق أي القديم من التمر، وبالشرب من ماء الشن وهو القربة البالية ولا تطالبيني بأكثر من ذلك وإلا فاذهبي عني، والبيت منسوب لغير عنترة في سيبويه 2 / 302، (5) أي مهزول من قلة الطعام، (*)
[ 88 ]
قال محمد بن السري 1 إن مضر تنصب به، واليمن ترفع، فمعنى كذب عليك البزر، أي الزمه وخذه، ووجه ذلك أن الكذب عندهم في غاية الاستهجان ومما يغرى بصاحبه وبأخذه 2 المكذوب عليه، فصار معنى كذب فلان الاعزاء به، أي: الزمه وخذه فإنه كاذب، فإذا قرن بعليك صار أبلغ في الأعزاء، كأنك قلت: افترى عليك فخذه، ثم استعمل في الأعزاء بكل شئ، وإن لم يكن مما يصدر منه الكذب، كقولهم: كذب عليك العسل، أي عليك بالعسلان، 3 قال:
وذبيانية أوصت بنيها * بأن كذب القراطف والقروف 4 - 323 أي عليكم بهما، وكذب الحج، أي عليك به، فكما جاز أن يصير نحو: عليك وإليك بمعنى فعل الأمر، فينصب به، جاز أن يصير (كذب)، و (كذب عليك) بمعنى الأمر، فينصب به كما ينصب ب (الزم)، قال أبو علي 5 في: كذب عليك البزر، ان فاعل (كذب) مضمر، أي كذب السمن، أي لم يوجد 6، والبزر منصوب بعليك، أي: الزمه، ولا يتأتى له هذا في قول عنترة: كذب العتيق... على رواية نصب العتيق، وما ذكر ناه أقرب، وأسماء الأفعال حكمها في التعدي واللزوم: حكم الأفعال التي هي بمعناها، إلا أن الباء تزاد في مفعولها كثيرا، نحو: عليك به، لضعفها في العمل، فتعمد بحرف عادته إيصال اللازم إلى المفعول، ولا تتقدم، عند البصريين، منصوباتها عليها، نظرا إلى الأصل، لأن الأغلب فيها
(1) المراد: أبو بكر محمد بن السري المعروف بابن السراج، (2) أي يغريه المتكلم بأن يأخذ المكذوب عليه، فالمصدر (أخذ) مضاف إلى مفعوله، (3) العسل والعسلان: مشى فيه سرعة (4) تقدم هذا الشاهد في باب الاضافة من الجزء الثاني (5) أي الفارسي، (6) باعتبار أن هذا الكلام قيل في شأن بعير مهزول، فالسمن غير موجود فيه، (*)
[ 89 ]
إما مصادر، ومعلوم امتناع تقدم معمولها عليها، وإما صوت جامد في نفسه منتقل إلى المصدرية ثم منها إلى اسم الفعل، وإما ظرف أو جار ومجرور، وهما ضعيفان قبل النقل أيضا، لكون عملهما لتضمينهما معنى الفعل، وجوز الكوفيون ذلك استدلالا بقوله:
441 - يا أيها المائح دلوي دونكا * إني رأيت الناس يحمدونكا 1 ودونك، عند البصريين ههنا ليس باسم فعل، بل هو ظرف، خبر لدلوي، أي: دلوي قدامك فخذها، وأكثر أسماء الأفعال بمعنى الأمر، إذ الأمر كثيرا ما يكتفي فيه بالأشارة عن النطق بلفظه، فكيف لا يكتفي بلفظ قائم مقامه، ولا كذلك الخبر، ومعاني أسماء الأفعال، أمرا كانت أو غيره: أبلغ وآكد من معاني الأفعال التي يقال ان هذه الأسماء بمعناها، أما ما كان مصدرا في الأصل، والأصوات الصائرة مصادر ثم أسماء أفعال، فلما تبين في المفعول المطلق 2، فيما وجب حذف فعله قياسا، وأما الظرف، والجار والمجرور فلأن نحو: أمامك، ودونك زيدا، بنصب زيدا، كان في الأصل: أمامك زيد، ودونك زيد، فخذه فقد أمكنك، فاختصر هذا الكلام الطويل، لفرض حصول الفراغ منه بسرعة، ليبادر المأمور إلى الامتثال، قبل أن يتباعد عنه زيد، وكذا، كان أصل عليك زيدا: وجب عليك أخذ زيد، وإليك عني: أي ضم رحلك وثقلك إليك واذهب عني، ووراءك أي: تأخر وراءك، فجرى في كلها 3 الاختصار لغرض التأكيد،
(1) منسوب لراجز جاهلي من بني أسيد، في قصة قتل فيها بنو أسيد: وائل بن صريم بطرحه في بئر، وجعلوا ينشدون حوله هذا الرجز الذي قاله أحدهم تهكما به، ونقل البغدادي في الخزانة انه لأحدى جواري بني مازن، وكان ناجية بن جندب السلمي قد نزل بئرا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات، فطرحت الجارية دلوها إليه ليملأها، ورد عليها ناجية برجز آخر، وفي قصة هذا الرجز حكايات أخرى، والله أعلم، (2) في الجزء الأول من هذا الشرح، (3) تكرر التنبية إلى استعمال الرضي لفظ كل المضاف إلى الضمير تاليا للعوامل اللفظية مع أنه هو قد نبه إلى ضعف
هذا الاستعمال في باب التأكيد، (*)
[ 90 ]
وكل ما هو بمعنى الخبر، ففيه معنى التعجب، فمعنى هيهات، أي ما أبعده، وشتان، أي ما أشد الافتراق، وسرعان، ووشكان، أي: ما اسرعه، وبطآن أي ما أبطأه، والتعجب هو التأكيد المذكور، وكلها بلا علامة للمضمر المرتفع بها، وبروزه في شئ منها دليل فعليته، وأنه ليس منها، كهلم، وهيهات، على ما يجيئ، وليس لحاق كاف الخطاب، ولا التنوين في جميع هذه الأسماء قياسا، بل سماع فيقتصر على المسموع، فنقول: الكاف إذا اتصل بهذه الأسماء، نظر، فإما أن يكون متصلا بما هو ظرف، أو حرف جر في الأصل، نحو: أمامك وإليك، أو، لا، فهو في الأول اسم مجرور، نظرا إلى أصله، وفي الثاني ينظر، فإن كان الاسم الذي اتصل به كاف الخطاب مما جاء مصدرا مضافا، واسم فعل معا، نحو: رويد زيد، وزيدا، احتمل أن يكون الكاف اسما مجرورا نظرا إلى كون الاسم مصدرا مضافا إلى فاعله، وأن يكون حرف خطاب نظرا إلى كون الاسم اسم فعل، نحو: رويدك زيدا، وإن لم يجز كون الكاف مضافا إليه فهو حرف، كما في: هاك، إذ لم يأت: هازيد، بالأضافة، كما جاء في: رويد زيد، ومثله: النجاءك، وإن لم يكن اسم فعل، على ما ذهبنا إليه، وقال الفراء: الكاف في جميعها: مرفوع لكونه في مكان الفاعل، وليس بشئ، لأنا نعرف أن الكاف في: عليك وإليك ودونك، هو الذي كان قبل نقل هذه الألفاظ إلى معنى الفعل، وقد كان مجرورا، بلى، يمكن دعوى ذلك في نحو: حيهلك، وهاك، لأن الكاف لم يثبت مع هذين الاسمين قبل صيرورتهما اسمي فعل، مع أن وضع بعض الضمائر موضع بعض خلاف الأصل، وينبغي له أن يقول إن في نحو: رويد، وها، مجردين عن الكاف، ضميرا مستترا كما في: اضرب، ولا يقول بحذف الكاف، لأن
الفاعل لا يحذف، وقال الكسائي، الكاف في الجميع منصوب، وهو أضعف، لأن المنصوب قد يجيئ بعدها صريحا، نحو: رويدك زيدا وعليك زيدا،
[ 91 ]
وقال ابن بابشاذ: 1 الكاف في الجميع حرف خطاب، كما في ذلك، كما في ذلك، ويبطل قوله بما أورد على الفراء، وأما التنوين اللاحق لبعض هذه الأسماء، فعند الجمهور للتنكير، وليس لتنكير الفعل الذي ذلك الاسم بمعناه، إذ الفعل لا يكون معرفا ولا منكرا، كما ذكرنا في علامات الأسماء، بل التنكير راجع إلى المصدر، الذي ذلك الاسم قبل صيرورته اسم فعل، كان بمعناه، لأن المنون منها إما مصدر أو صوت قائم مقام المصدر أولا، ثم ينتفل عنه إلى باب اسم الفعل ثانيا، كما مر، فصه، بمعنى سكوتا، وايه بمعنى زيادة، فيكون المجرد من التنوين، مما يلحقه التنوين، كالمعرف، فمعنى صه: اسكت السكوت المعهود المعين، وتعيين المصدر بتعيين متعلقه، أي المسكوت عنه، أي: افعل السكوت عن هذا الحديث المعين، فجاز، على هذا، ألا يسكت المخاطب عن غير الحديث المشار إليه، وكذا مه، أي كف عن هذا الشئ، وايه، أي، هات الحديث المعهود، فالتعريف في المصدر راجع إلى تعريف متعلقه، وأما التنكير فيه، فكأنه للأبهام والتفخيم كما في قوله: ألا أيها الطير المربة بالضحى * على خالد، لقد وقعت على لحم 2 - 338 أي: لحم وأي لحم، فكأن معنى صه: اسكت سكوتا وأي سكوت أي: سكوتا بليغا، أي: اسكت عن كل كلام، وليس ترك التنوين في جميع أسماء الأفعال عندهم دليل التعريف، بل تركه فيما يلحقه تنوين التنكير: دليل التعريف، وقال ابن السكيت 3، والجوهري 4، دخوله فيما يدخل عليه منها دليل كونه موصولا
بما بعده، وحذفه دليل الوقف عليه، تقول: صه صه، ومه مه، بتنوين الأول وسكون
(1) تقدم ذكره في أول باب الموصول من هذا الجزء، (2) تقدم في الجزء الثاني، (3) أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن السكيت من أبرز علماء اللغة والنحو، كوفي المذهب، كما كان رواية للشعر، شرح بعض دواوين الشعراء القدامى، ومن أشهر كتبه: إصلاح المنطق، توفي سنة 244 ه، (4) اسماعيل بن حماد الجوهري صاحب معجم الصحاح، تقدم ذكره في هذا الشرح، (*)
[ 92 ]
هاء الثاني، وقالا 1، في قول ذي الرمة، 442 - وقفنا فقلنا ايه عن أم سالم * وما بال تكليم الديار البلاقع 2 إنما جاء غير منون وقد وصل، لأنه نوى الوقف، فيكون التنوين عندهما في الأصل، تنوين التمكن الدال على كون ما لحقه موصولا بما بعده غير موقوف عليه، جرد عن معنى التمكن في هذه الأسماء وجعل للدلالة على المعنى المذكور فقط، هذا هو الكلام على هذه الأسماء إجمالا، وأما الكلام عليها تفصيلا فنقول: هي إما متعدية، أو لازمة، فمن المتعدية: (ها) وهو اسم (خذ)، وفيه ثماني لغات: الأولى: ها، بالألف مفردة ساكنة للواحد والاثنين والجمع مذكرا كان أو مؤنثا، الثانية: أن تلحق هذه الألف المفردة كاف الخطاب الحرفية، وتصرفها، نحو: هاك، هاكما، هاكم، هاك، هاكن، الثالثة: أن تلحق الألف همزة، مكان الكاف وتصرفها تصريف الكاف، نحو: هاء هاؤما، هاؤم، هاء، هاؤما 3، هاؤن، الرابعة: أن تلحق الألف همزة مفتوحة قبل كاف الخطاب وتصرف الكاف، الخامسة: هأ، بهمزة ساكنة بعد الهاء للكل،
السادسة: أن تصرف هذه الخامسة، تصريف: دع وذر،
(1) الضمير راجع إلى ابن السكيت والجوهري، (2) من قصيدة طويلة لذي الرمة، مطلعها: خليلي عوجا عوجة ناقتيكما * على طلل بين القلات وشارع قلات، وشارع اسما موضعين، وليست بيت الشاهد مطلع القصيدة كما قال بعضهم، (3) لا حاجة لتكرار المثال الخاص بالمثنى، إذ لا فرق بين تثنية المذكر وتثنية المؤنث، وهو لم يكرره في اللغة التي قبل هذه، (*)
[ 93 ]
السابعة: أن تصرفها تصريف: خف، ومن ذلك ما حكى الكسائي، من قول من قيل له هاء، فقال: إلام أهاء وإهاء ؟ بفتح الهمزة وكسرها، 1 الثامنة: أن تلحق الألف همزة وتصرفها تصريف: ناد 2، والثلاثة الأخيرة أفعال غير متصرفة، لا ماضي لها ولا مضارع، وليست بأسماء أفعال، قال الجوهري: هاء بكسر الهمزة بمعنى هات، وبفتحها بمعنى خذ، وإذا قيل لك: هاء، بالفتح، قلت: ما أهاء، أي: ما آخذ، وما أهاء، على ما لم يسم فاعله، أي: ما أعطي ؟ وهذا الذي قال، مبني على السابعة، نحو: ما أخاف، وما أخاف، ومنها: هات، بمعنى أعط، وتتصرف بحسب المأمور، افرادا وتثنية وجمعا، وتذكيرا وتأنيثا، فتقول: هات، هاتيا، هاتوا، هاتي، هاتين، وتصرفه دليل فعليته، تقول: هات لا هاتيت، وهات إن كان بك مهاتاة، وما أهاتيك، كما أعاطيك، قال الجوهري: لا يقال منه: هاتيت، ولا ينهى عنه، فهو، على ما قال، ليس بتام التصرف، وقال الخليل: أصل هات: آت، من آتى يؤتى إيتاء، فقلبت الهمزة هاء، ومن قال هو اسم فعل، قال: لحوق الضمائر به لقوة مشابهته لفظا للأفعال، ويقول
في نحو: مهاتاة، وهاتيت: إنه مشتق من: هات، كأحاشي من حاشى، وبسمل من بسم الله، ومنها: بله، أي دع، ويستعمل مصدرا، واسم فعل، كما ذكرنا، فيقال: بله زيد بالاضافة إلى المفعول، كترك زيد، وبله زيد، كدع زيدا، وحكى أبو علي، عن الأخفش أنه يجيئ بمعنى (كيف) فيرفع ما بعده، وينشد قوله:
(1) على لغة من يكسر أول المضارع، فيكون مثل إخال، (2) أمر من نادي، (*)
[ 94 ]
443 - تذر الجماجم ضاحيا هاماتها * بله الأكف، كأنها لم تخلق 1 بنصب الأكف ورفعه وجره، وإذا كان بمعنى (كيف) جاز أن يدخله (من)، حكى أبو زيد 2: إن فلانا لا يطيق أن يحمل الفهر، فمن بله أن يأتي بالصخرة، أي كيف ومن أين، ويروى من بهل، بالقلب، وذكر الأخفش في باب الاستثناء في قوله: 444 - حمال أثقال أهل الود آونة * أعطيهم الجهد مني بله ما أسع 3 أن (بله) حرف جر، كعدا، وخلا، بمعنى سوى، قيل: ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (بله ما أطلعتم عليه)، 4 ومنها: تيد زيدا، أي أمهله، وحكى البغداديون: تيدك زيدا، قال أبو علي: لم يحك أحد لحاق الكاف ببله، قال: وقياس قول من جعله اسم فعل، جواز الحاقها به، فعلى ما قال، كأنه جعل لحاق الكاف الحرفية بجميع أسماء الأفعال قياسا، وفيه نظر، كما مر،
قال أبو علي: تيد، من التؤدة، قلبت التاء واوا، وأبدلت الهمزة ياء، كما حكى سيبويه: بيس الرجل، في: بئس، ومنها رويد زيدا، وهو في الأصل تصغير (إروادا) مصدر: أرود أي رفق، تصغير
(1) من قصيدة لكعب بن مالك الأنصاري أحد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم، قال هذه القصيدة في غزوة الخندق، وهي من جيد الشعر، ومعنى: ضاحيا هاماتها أي منفصلة، (2) تقدم ذكر أبي زيد الأنصاري قريبا، (3) من قصيدة لأبي زبيد الطائي، أولها: من مبلغ قومنا النائين إذ شحطوا * أن الفؤاد إليهم شيق ولع (4) لفظ الحديث القدسي: يقول، أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، بله ما أطلعتم عليه، ويروى: من بله ما أطلعتم عليه، أي من غير الذي عرفتموه، (*)
[ 95 ]
الترخيم، أي ارفق به رفقا وإن كان صغيرا قليلا، ويجوز أن يكون تصغير (رود) بمعنى الرفق، عدي إلى المفعول به، مصدرا واسم فعل لتضمنه الامهال وجعله بمعناه، ويجيئ على ثلاثة أقسام، أولها المصدر، وهو أصل الباقيين، نحو: رويد زيد بالأضافة إلى المفعول، ك: (ضرب الرقاب) 1، ورويدا زيدا، كضربا زيدا، الثاني: أن يجعل المصدر بمعنى اسم الفاعل إما صفة للمصدر نحو: سر سيرا رويدا أي مردودا، أو حال نحو: سيروا رويدا، أي مرودين ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف وقوله تعالى: (أمهلهم رويدا) 2 يحتمل المصدر وصفة المصدر والحال، والثالث، أن ينقل المصدر إلى اسم الفعل لكثرة الاستعمال بأن يقام المصدر مقام الفعل ولا يقدر الفعل قبله، نحو: رويد زيدا، بنصب زيدا، وإنما فتح 3 رعاية لأصل الحركة
الاعرابية، وقولهم: رويدك زيدا يحتمل أن يكون اسم فعل والكاف حرف، وأن يكون مصدرا مضافا إلى الفاعل، كما مر، وقد تزاد (ما) على رويد، اسم فعل، كما قال بعض العرب، لصاحبه: لو أردت الدراهم لأعطيتك، رويد ما الشعر، أي دع الشعر، 4 ومن اللازمة: صه، أي اسكت، ومه، أي اكفف، وإيه، أي زد في الحديث
(1) من الآية 4 سورة القتال، (2) الآية 17 سورة الطارق (3) أي الدال من رويد، (4) قال سيبويه 1 / 124: سمعناه من العرب، وقال السيرافي نقلا عن المبرد: هذا رجل مدح رجلا، فقال الممدوح للمادح هذا الكلام، وكأن السيرافي لم يرتض هذا الذي نقله عن المبرد فقال معقبا: وقد يقال إن سائلا سأل آخر أن ينشده شعرا وكان انشاده عليه سهلا، فقال ذلك، يعني: لو طلبت مني الدراهم التي يصعب إعطاؤها لأعطيتك، فدع الشعر الذي يسهل أمره، جاء ذلك بها من النسخة المطبوعة في بولاق من كتاب سيبويه في الموضع السابق ذكره، (*)
[ 96 ]
أو في العمل، وصه ومه، يستعملان منونين وغير منونين، والكسر مع التنوين للساكنين، وزعم الأصمعي 1: أن العرب لا تستعمل (إيه) إلا منونا، وخطأ ذا الرمة في قوله: وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم 2... 443 وقال ابن السري، إنه أراد المنون، إذ معناه: هات حديثا أي حديث كان عن أم سالم، فتركه للضرورة، ومنها: إيها، أي كف عن الحديث واقطعه، ويستعمل لمطلق الزجر، ويجوز أن يكون صوتا قائما مقام المصدر معربا منصوبا، كسقيا ورعيا، أي: كفا، يقال: إيها
عنا، ويجوز أن يكون اسم فعل مبنيا، فالتنوين، إذن، كما في صه ومه، وكذا كل تنوين بعد المفتوح من هذه الأسماء يحتمل الوجهين، نحو: رويدا وحيهلا وويها، وجوز ابن السري في: أيها الفتح من غير تنوين على قلة، وأوجب غيره تنوينه، وقد تبدل همزة إيه وأيها، هاء فيقال: هيه، وهيها، ومنها: فداء بالكسر مع التنوين، قال: 445 - مهلا فداء لك الأقوام كلهم * وما أثمر من مال ومن ولد 3 أي: ليفدك، ومنها: هيت، مفتوح الهاء مثلث التاء، كثاء حيث، وفيه لغة رابعة، وهي كسر الهاء وفتح التاء، ومعناه أقبل وتعال، وقال الزمخشري: أسرع، وإذا بين باللام نحو:
(1) عبد الملك بن قريب بن عبد الملك الأصمعي، نسبة إلى جده أصمع، إمام من أئمة اللغة، روى عن أبي عمرو بن العلاء وغيره من المتقدمين، (2) تقدم ذكره قريبا، (3) من معلقة النابغة الذبياني التي أولها: يا دار مية بالعلياء فالسند * أقوت وطال عليها سالف الأمد والخطاب في بيت الشاهد للنعمان بن المنذر، والرفع في: فداء، على أنه خبر والأقوام مبتدأ، وتكرر الاستشهاد بأبيات من هذه القصيدة التي يعتبرها بعضهم إحدى المعلقات، (*)
[ 97 ]
(هيت لك 1) فهو صوت قائم مقام المصدر، ك: (أف لكما) 2، إلا أن (أف) يجوز إعرابه إعراب المصادر نحو: أفا لك، وهيت، واجب البناء، نظرا إلى الأصل مع كونه مصدرا، وإذا لم يبين باللام فهو صوت قائم مقام المصدر القائم مقام الفعل، فيكون اسم فعل، مع أنا قد بينا في المفعول المطلق أن جميع الأصوات القائمة مقام المصادر، التي يقال إنها أسماء أفعال، يجوز فيها: أن يقال ببقائها على مصدريتها، وبناؤها، نظرا
إلى أصلها حين كانت أصواتا، وهو الأقوى في نفسي، إذ لا ضرورة ملجئة إلى دعوى خروجها عن ذلك الباب، على ما بينا هناك 3، فالأولى، إذن، أن نقول: إن ما هو في صورة المنصوب، نحو: أفا وتفا، مبني على الفتح والتنوين فيه، كما في صه، لأن الأصل بقاء كل شئ على ما كان عليه، ومنها: دع، ودعا، ولعا، ولعلعا، أي انتعش، ودعدعا: تكرير دع، للتوكيد، وقد اشتق منه: الدعدعة بمعنى قول دع دع، للعاثر، ومنها: هلا، وله معنيان: اسكن، وأسرع، قال: 446 - ألا حييا ليلى وقولا لها هلا * فقد ركبت أمرا أغر محجلا 4 أي: أسرعي، ومنها: هيا، وقد يلحقه الكاف نحو: هياك، وقد يحذف الألف فيلزمه الكاف نحو: هيك، وقد يخفف فيقال هيك والمعنى: أسرع، ومنها: قدك، وقطك، وبجلك، وكأن الأصل: قدك وقطك، أي: اقطع هذا الأمر قطعا، فهو في الأصل مصدر مضاف إلى الفاعل، فأقيم مقام الفعل، فبني، فحذف
(1) من الآية 23 في سورة يوسف، (2) من الآية 17 سوره الأحقاف، (3) أي في باب المفعول المطلق في الجزء الأول، (4) أول أبيات للنابغة الجعدي في مهاجاة جرت بينه وبين ليلى الأخيلية الشاعرة، وردت عليه ليلى بأبيات من الوزن والقافية، وقوله أمرا أغر محجلا، يريد أمرا واضحا منكشفا يراه كل الناس وهي الرواية الصحيحة في البيت، وبعضهم يحرفه إلى: ركبت أيرا، وقد خطأ البغدادي هذه الرواية، (*)
[ 98 ]
المدغم فيه تخفيفا، لما قلنا إن وضع أسماء الأفعال على التخفيف، وكذا بجلك، أي: اكتفاءك، يقال: أبجلني أي كفاني، إلا أن الضمير قد يحذف
من بجل، بخلاف: قد، وقط، فمعنى: قدك، أي اكتف، ومعنى قدني: لأكتف، قال: قدني مننصر الخبيبين قدي * ليس الأمام بالشحيح الملحد 1 - 391 وقال: 447 - ومتى أهلك فلا أحفله * بجلي الآن من العيش بجل 2 ولم يصر (حسب)، وإن كان قريبا منها في المعنى: اسم فعل، بل هو معرب متصرف، يقع مبتدأ وحالا كما مر، في باب الأضافة، ويجب نون الوقاية في قد، وقط، دون بجل، في الأعرف 3، لكونهما على حرفين دونه، كما مر في باب المضمرات، ومنها: حي، أي أقبل، يعدي بعلى نحو: حي على الصلاة، أي أقبل عليها، وعن أبي الخطاب 4، أن بعض العرب يقول: حيهل الصلاة 5، وقد جاء (حي) متعديا بمعنى: ائت قال: 448 - أنشأت أسأله، ما بال رفقته * حي الحمول فإن الركب قد ذهبا 6 وقد يركب (حي) مع (هلا) الذي بمعنى (أسرع)، و (استعجل)، فيكون المركب بمعنى: أسرع، أيضا، فيعدى: إما بإلى، نحو: حيهل إلى الثريد، وإما بالباء،
(1) تقدم ذكره في الجزء الثاني، (2) من قصيدة قالها لبيد بن ربيعة عرض فيها لما مضى من أيامه، وما جرى له مع النعمان بن المنذر وأظهر أسفه على موت النعمان ثم قال، فمتى أهلك فلا أحفله، أي لا أحفل الهلاك ولا أبالي به، وبعده: من حياة قد سئمنا طولها * وجدير طول عيش أن يمل (3) أي الأشهر من الاستعمال: (4) المراد به: الأخفش الأكبر وهو عبد الحميد بن عبد المجيد أحد شيوخ سيبويه، ونقل عنه في كتابه، (5) نقله عنه سيبويه في ج 2 ص 52،
(6) من قصيدة لعمرو بن أحمر الباهلي، نقلها البغدادي عن الروض الأنف للسهيلي وشرحها، (*)
[ 99 ]
نحو: حيهلا بعمر، أي أسرع بذكره، والباء للتعدية، والباء للتعدية، كذهب به، أو بمعنى أقبل فيتعدى بعلى نحو: حيهل على زيد، أو بمعنى: ائت فيتعدى بنفسه نحو: حيهل الثريد، وفي المركب لغات: حيهل، بحذف ألف (هلا) للتركيب حتى يكون كخمسة عشر، وقد تسكن هاؤه لتوالي الفتحات نحو: حيهل، كما قيل في خمسة عشر، وقد يلحقهما التنوين مركبين، فيقال: حيهلا وحيهلا، بفتح الهاء وسكونها، وإذا وقفت على هذين المنونين قلبت تنوينهما ألفا، وإثبات الألف فيهما في الوصل، لغة رديئة، وقول لبيد: 449 - يتمارى في الذي قلت له * ولقد يسمع قولي حيهل 1 سكن اللام فيه للقافية، ولا يجوز في غير الوقف، وفي الكتاب الشعري 2 لأبي علي، حيهل بكسر اللام وتنوينة، وعند أبي علي، حالهما مع التركيب في احتمال الضمير، كحال نحو: حلو حامض، يعني أن في كل منهما ضميرا، كما كان قبل التركيب، وفي المجموع بعد التركيب ضمير ثالث، هو فاعل المجموع، لكون المجموع بمعنى أسرع أو أقبل أو ائت، وعند غيره أن فيهما ضميرا واحدا، وليس في كل واحد منهما ضمير لأنه انمحى عن كل منهما بالتركيب حكم الاستقلال، وأما قوله: 450 - وهيج الحي من دار فظل لهم * يوم كثير تناديه وحيهلة 3 فضمة اللام: حركة إعراب، وهو مفرد بلا ضمير، وذلك أن كل لفظ مبني غير
(1) هذا من قصيدة لبيد المشار إليها قبل قليل، يذكر رفيقه في السفر وقد أمره بالرحيل وحثه عليه، ورفيقه يشك في ذلك ويتباطأ، (2) هو كتاب لأبي علي الفارسي تعرض فيه لحل مشكلات إعرابية في بعض الأبيات، والرضى يسميه كتاب
الشعر، والكتاب الشعري، (3) رواه سيبويه بالواو في أوله ج 2 ص 52 وقال أنشدناه هكذا (يعني برفع حيهلة) أعرابي من أفصح الناس وزعم أنه شعر أبيه، ولم يسم المنشد ولا أباه، وجاء في الخزانة أنه من شواهد سيبويه الخمسين التي لم يعرف (*)
[ 100 ]
جملة نسب إلى لفظه حكم، جاز أن يحكى، كقولك: ضرب فعل ماض، قال: 451 - بحيهلا يزجون كل مطية * أمام المطايا سيرها المتقاذف 1 فحكى، وجاز أن يجري بوجوه الاعراب، كقوله: 452 - ليت شعري وأين مبني ليت * إن ليتا وان لوا عناء 2 وقوله: تناديه وحيهلة، فأعرب، وذلك لأنه صار اسما للكلمة، كما يجيئ في باب العلم، وقد يقال: حيهلك، ومما جاء متعديا ولازما: هلم، بمعنى أقبل، فيتعدى بإلى، قال تعالى: (هلم إلينا) 3، وبمعنى أحضره نحو قوله تعالى: (هلم شهداءكم الذين) 4، وهو، عند الخليل: هاء التنبيه، ركب معها (لم) أمر من قولك: لم الله شعثه، أي جمعه، أي: اجمع نفسك إلينا، في اللازم، واجمع غيرك في المتعدي، ولما غير معناه بالتركيب، لأنه صار بمعنى: أقبل، أو: أحضر، بعد ما كان بمعنى: اجمع، صار كسائر أسماء الأفعال المنقولة عن أصولها، فلم يتصرف فيه أهل الحجاز مع أن أصله التصرف، ولم يقولوا: المم، كما هو القياس عندهم في نحو: اردد، وامدد، ولم يقولوا: هلم وهلم، كما يجوز ذلك في نحو: مد، كل ذلك لثقل التركيب، قال الله تعالى: (هلم شهداءكم) ولم يقل: هلموا، وقال الكوفيون: أصله: هلا أم، وهلا: كلمة استعجال كما مر، فغيرت إلى (هل) لتخفيف التركيب، ونقلت ضمة الهمزة إلى اللام وحذفت، كما هو القياس في نحو:
(1) نسبه سيبويه في ج 2 ص 52 للنابغة الجعدي وتبعه بعض العلماء وشراح شواهده، وقال جماعه انه
لمزاحم العقيلي، شاعر إسلامي، وأوردوه في قطعة من الشعر تضمنت هذا البيت: وقالوا نعرفها المنازل من منى * وما كل مني أنا عارف وهو من الشواهد المعروفة في النحو، (2) من أبيات لأبي الطائي وهو في سيبويه ج 2 ص 32، (3) من الآية 18 سورة الأحزاب، (4) من الآية 150 سورة الأنعام، (*)
[ 101 ]
(قد افلح) 1 إلا أنه ألزم هذا التخفيف ههنا، لثقل التركيب، وقال أبو علي في كتاب الشعر 2، ردا عليهم: ان هل بمعنى أسرع مفتوحة اللام فلا يجوز أن يتركب منه: هلم، وقال الزمخشري: يجيئ (هل) ساكن اللام، ضمن (أم)، عند الكوفيين معنى أسرع وأقبل، وتعدى بإلى في اللازم، فقيل: هلم إلي، وأما في المتعدي نحو: هلم زيدا فهو باق على معناه، أي: أسرع واقصد زيدا فأحضره، وبنو تميم يصرفونه، نظرا إلى أصله، وليست بالفصيحة، نحو: هلما، هلمي، هلموا هلممن، وزعم الفراء أن الصواب أن يقال: هلمن، بإبقاء (هلم) على حالها وزيادة نون قبل ضمير الفاعل مدغمة في الضمير ليقع السكون الواجب قبل نون الضمير على تلك النون المزيدة، وتبقى ميم هلم على تشديدها، وفتحها، كما زيدت النون في: مني وعني محافظة على سكون نون من وعن قال: وهذا كما يروى في بعض اللغات من زيادة الألف في نحو: ردات، وذلك أن من العرب من يدغم في رددت، كما أدغم قبل دخول التاء فيزيد ألفا
قبل التاء ليسكن ما قبلها كما هو الواجب، ويروى عن بعض العرب: هلمين، بقلب النون المزيدة قبل نون ضمير الفاعل، ياء، وقد يقال: هلم لك مبينا باللام، إجراء له، وإن لم يكن في الأصل مصدرا، مجرى أخواته من أسماء الأفعال التي تبين بحرف الجر، نظرا إلى أصلها الذي هو المصدر، نحو قوله تعالى: (هيهات هيهات لما توعدون) 3، أي بعدا،
(1) أول سورة المؤمنون، (2) تقدم ذكره قريبا، (3) الآية 36 سورة المؤمنون، (*)
[ 102 ]
وحكى الأصمعي: أنه يقال: هلم إلى كذا فيقول المخاطب: لا أهلم إليه، مفتوحة الهمزة والهاء، وكذا يقال: هلم كذا، فيقول المخاطب: لا أهلمه معدى بنفسه، كأنك قلت: لا ألم، والهاء المفتوحة زائدة أو: لا أؤم على المذهب الآخر، فلم تغير في الجواب الهاء واللام مراعاة للفظ الخطاب، - هذا الذي ذكرنا كله بمعنى الأمر، ومن أسماء الأفعال التي بمعنى الخبر: هيهات، وفي تائها الحركات الثلاث وقد تبدل هاؤها الأولى همزة، مع تثليث التاء أيضا، وقد تنون في هذه اللغات الست، وقد تسكن التاء في الوصل أيضا، لأجرائها فيه مجراها في الوقف، وقد تحذف التاء، نحو: هيها، وأيها، وقد تلحق هذه الرابعة عشرة، كاف الخطاب نحو: أيهاك، وقد تنون، أيضا، نحو: أيها، وقد يقال: أيهان بهمزة ونون مفتوحتين، وقال صاحب المغني 1: بنون مكسورة، وقال بعض النجاة إن مفتوحة التاء مفردة وأصلها هيهية، كزلزلة، نحو: قوقاة 2، قلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، والتاء للتأنيث، فالوقف عليها، إذن، بالهاء، وأما مكسورة التاء فجمع مفتوحة التاء، كمسلمات، فالوقف عليها بالتاء، وكان القياس: هيهيات، كما تقول: قوقيات في جمع قوقاة، إلا أنهم حذفوا الألف
لكونها غير متمكنة، كما حذفوا ألف (هذا)، وياء (الذي) في المثنى، والمضمومة التاء تحتمل الأفراد والجمع فيجوز الوقف عليها بالهاء والتاء، وهذا كله وهم وتخمين، بل لا منع أن نقول: التاء والألف فيها زائدتان، فهي مثل (كوكب)، ولا منع، أيضا، من كونها في جميع الأحوال مفردة، مع زيادة التاء فقط، وأصلها: هيهية، ونقول: فتح التاء، على الأكثر، نظرا إلى أصله، حين كان مفعولا مطلقا، وكسرت للساكنين، لأن أصل التاء: السكون، وأما الضم فللتنبيه بقوة الحركة على قوة معنى البعد فيه، إذ معناه: ما أبعده كما ذكرنا،
(1) منصور بن فلاح اليمني، من معاصري الرضى، قال في كشف الظنون انه فرغ من تأليف كتابه: المغني في النحو، سنة 672 ه وتقدم ذكره بهذا الوصف في هذا الجزء وما قبله، والرضى لم يذكره باسمه أبدا، (2) مصدر قوقى الدجاج أي صاح، (*)
[ 103 ]
وكان القياس، بناء على هذا الوجه الأخير، أعني أن أصله: هيهية، ألا يوقف عليه إلا بالهاء، وإنما يوقف عليه بالتاء في الأكثر، تنبيها على التحاقها بقسم الأفعال من حيث المعنى، فكانت تاؤها مثل تاء: (قامت)، وهذا الوجه أولى من الوجه الأول، وأيضا، 1 من جعل الألف والتاء زائدتين، لأن باب: قلقال أكثر من باب: سلس، وببر، ومنها: شتان، بمعنى افترق، مع تعجب، أي: ما أشد الافتراق، فيطلب فاعلين فصاعدا، كافترق، نحو: شتان زيد وعمرو، وقد تزاد بعده (ما) نحو: شتان ما زيد وعمرو، وقد يقال في غير الأكثر الأفصح: شتان ما بين زيد وعمر، قال ربيعة الرقي، 453 - لشتان ما بين اليزيدين في الندى * يزيد سليم والأغر ابن حاتم 2 وأنكره الأصمعي وقال: الشعر لمولد، وذلك بناء على مذهبه، وهو أن شتان، مثنى (شت) وهو المتفرق، وهو خبر لما بعده، وموهمه شيئان: أحدهما لغة في شتان وهي كسر النون، والثاني أن المرفوع بعده لا
يكون إلا مثنى أو ما هو بمعنى المثنى، ولا يكون جمعا، ولو كان بمعنى افترق لجاز وقوع الجمع فاعلا له، واللغة الفصحي، وهي فتح النون تبطل مذهبه، وأيضا، لو كان خبرا لجاز تأخيره عن المبتدأ، إذ لا موجب لتقدمه، ولم يسمع متأخرا، وكان ينبغي ألا يجوز: شتان ما بينهما بناء على المذهب المشهور، أيضا، وهو أن شتان بمعنى افترق، لأن لفظ (ما) لا يصلح ههنا أن يكون عبارة عن شيئين والمعنى: افترق الحالان اللذان بينهما، إذ لا يقال: بين زيد وعمرو حالتان: بخل وجود، مثلا، على معنى أن إحدى الخصلتين مختصة بأحدهما والأخرى بالآخر، كما يقال في الأعيان بيني وبينك نهران، مع أن يكون أحد النهرين بجنب أحدهما، والآخر بجنب الآخر، بل لا يقال في المعاني: بينهما شئ أو
(1) أي: وأيضا هو أولى من... (2) من شعر ربيعة الرقي، شاعر عباسي من أبيات يمدح بها يزيد بن حاتم المهلبي ويهجو يزيد بن أسيد السلمي من بني سليم، ونقل عن الفارسي أنه قال: رأيت أبا عمرو ينشد هذا البيت على وجه القبول له، وبعض العلماء ينكر الاستشهاد بشعر ربيعة الرقي ومن في منزلته، (*)
[ 104 ]
شيئان أو أشياء إلا إذا كانا مشتركين في ذلك الشئ أو الشيئين أو الأشياء، نحو قولك: بيننا قرابتان، أي مشترك فيهما، فلو فسرنا قوله: شتان ما بين اليزيدين، بمعنى افترق الحالان اللتان بين اليزيدين، وهما: البخل والجود، لكانت كل واحدة من الخصلتين مشتركا فيها، وهو ضد المقصود، فنقول: إنما جاز: شتان ما بينهما، على أن شتان بمعنى: بعد، لأنه لا يستلزم فاعلين فصاعدا، و (ما) كناية عن البون أو المسافة، أي: بعد ما بينهما من المسافة أو البون، ويجوز أن تكون (ما) زائدة، كما كانت من دون (بين)، وشتان بمعنى بعد ويكون (بين) فاعل شتان، كما هو مذهب الأخفش في قوله تعالى: (لقد تقطع بينكم 1)،
قال: بينكم مسند إليه، لكنه لم يرتفع، استنكارا لأخراجه عن النصب المستمر له في أغلب استعماله، ومثله قوله تعالى: (ومنا دون ذلك 2)، وقولهم: لي فوق الخماسي ودون السداسي، 3 وقال الزجاج 4: بني شتان على الفتح، لأنه مصدر لا نظير له، وورود (ليان) 5 يكذبه، ومنها: سرعان، ووشكان، مثلثي الفاء، بمعنى: سرع وقرب، مع تعجب، أي ما أسرع وما أقرب، ومنها: بطآن، بضم الباء وفتحها، أي بطؤ، ووجه فتح شتان وما بعدها: ما مر في: هيهات،
(1) من الآية 94 في سورة الأنعام، وفي المطبوعة الأولى: يفصل بينكم، وهو جزء من الآية 3 في سورة الممتحنة ولا يصلح للتمثيل، فهو تحريف بدون ريب، (2) من الآية 11 في سورة الجن، (3) الخماسي أو السداسي: ثوب طوله: خمس أو ست أذرع وتقدم ذكره في باب الاستثناء، (4) ابراهيم بن السري الزجاج من أشهر نحاة البصرة وتكرر ذكره والنقل عنه في هذا الشرح، (5) مصدر لوى بمعنى ما طل في أداء الحق، (*)
[ 105 ]
ومنها: أف، وفيها إحدى عشرة لغة: أف، مضمومة الهمزة، مشددة الفاء مثلثتها، بتنوين ودونه، وإف بكسر الهمزة والفاء، بلا تنوين، وأفى، كبشرى، ممالا، وأف، كخذ، وأفة منونة، وغير منونة، وقد تتبع المنونة (تفة) فيقال: أفة تفة، وقد ترفع (أفة) كويل، ومنها: أوه، بفتح الهمزة وسكون الواو وكسر الهاء، وآه بقلب الواو ألفا، وأوه بكسر الواو مشددة وسكون الهاء، وأوه بكسر الواو مشددة وكسر الهاء بلا إشباع، وأو، بكسر
الواو مشددة وحذف الهاء، وآوه وآوه، بفتح الواو مشددة ومخففة وسكون الهاء مع المد، وجاء: أوة بفتح الهمزة وفتح الواو المشددة وكسر التاء، وقد تمد الهمزة في هذه فيقال: آءوه، كآمين في أمين، وليست على وزن فاعلة، إذ لو كانت إياها لا نقلبت اللام ياء، كما في: قاوية من قويت، ويقال في أوة: أوتاه، وفي: آوة، آوتاه بزيادة الألف والهاء كما في الندبة، فتكون الهاء ساكنة في الوقف، ومضمومة أو مكسورة في الوصل كما مر، 1 وجاء: أوية تحقير (أوة) تحقير الأسماء المبهمة بفتح الأول، قال أبو علي: وهذه أجدر، لأنها أقل تصرفا، ويجوز أن تكون تصغير آوة تصغير الترخيم، كحريث في حارث، ومنها الظروف وشبهها، تجر ضمير مخاطب كثيرا، وضمير غائب شاذا قليلا نحو: عليه شخصا ليسني، وقوله عليه الصلاة والسلام: (من اشتهى منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)، فعندك، ودونك، ولديك، بمعنى: خذ، والأصل: عندك زيد فخذه، وكذا لديك زيد، ودونك زيد، برفع ما بعدها على الابتداء، فاقتصر من الجملة الاسمية والفعلية بعدها، 2 على الظرف، فكثر استعماله حتى صار بمعنى خذ، فعمل عمله، والظروف مبنية على الفتح، لأنه الحركة التي استحقتها في أصلها حين كانت ظروفا،
(1) في باب الندبة من الجزء الأول، (2) المراد بالاسمية: عندك زيد، وبالفعلية: فخذه في شرح المثال الذي أورده، (*)
[ 106 ]
كما قلنا في المصادر الصائرة أسماء أفعال، ولا محل لها كتلك المصادر لقيامها مقام ما لا محل له، ووراءك، أي تأخر، وأمامك أي تقدم، أو احذر من جهة أمامك، ويجوز أن يقال: هما باقيان على الظرفية، إذ هما لا ينصبان مفعولا كعندك، ولديك، فيكون التقدير: استقر وراءك، وكذا مكانك، أي: الزم مكانك،
ويقال: عليك زيدا، أي خذه، كأن الأصل: عليك أخذه، ويقال: إليك عني، والأصل: ضم علقك 1 إليك، وتنح عني، فاختصر كما ذكرنا، وسمع أبو الخطاب، 2 من قيل له: إليك فقال: إلي، أي أتنحى، فهو خبر، شاذ، مخالف لقياس الباب، إذ قياس الظروف وشبهها أن تكون أوامر 3، فلا يقال: علي ودوني، قياسا عليه، وأما علي بمعنى أولني أي أعطني، فهو مخالف للقياس من وجه آخر، إذ هو أمر، لكن الضمير المجرور به في معنى المفعول، يقال: علي زيدا أي: قربنيه والقياس أن يكون المجرور فاعلا، وسمع الأخفش: على عبد الله زيدا، أي قربه إياه، وهو أشذ من: علي، لجره المظهر، والكسائي يجوز انجراره 4 بجميع ظروف المكان وحروف الجر، قياسا، وغيره يقصره على السماع، وهو الوجه، ويجوز تأكيدا الضمير المجرور البارز في هذه الظروف وشبهها بالجر 5 نحو: عليك
(1) يعني متاعك وقد شرح المثال قبل ذلك بمثل هذا، (2) الأخفش الأكبر وتقدم ذكره قريبا، (3) أي أسماء لفعل الأمر، (4) المراد: الضمير الواقع بعد هذه الظروف في مثل: دونك وأمامك، وإليك، (5) أي بجر لفظ التأكيد، ومقابلة ما سيقول من جواز رفعه على أنه تأكيد للضمير المستتر... (*)
[ 107 ]
نفسك باعتبار الأصل قبل صيرورتها أسماء أفعال، ويجوز تأكيد الضمير المرفوع المستتر الذي غرض لها باعتبار صيرورتها أسماء أفعال، نحو: عليكم كلكم، بالرفع، (وزن فعال) (وأوجه استعماله)
(قال ابن الحاجب:) (وفعال بمعنى الأمر من الثلاثي قياس، كنزال بمعنى انزل) (وفعال مصدرا: معرفة، كفجار، وصفة كفساق: مبني) (لمشابهته له، عدلا وزنة، وعلما للأعيان مؤنثا، كقطام) (وغلاب مبني في الحجاز معرب في تميم، إلا ما آخره راء) (نحو: حضار،). (قال الرضي:) فعال، المبني، على أربعة أضرب: الأول اسم فعل، كنزال بمعنى: انزل، قال سيبويه: 1 هو مطرد في الثلاثي، نظرا إلى كثرته فيه، قال المصنف: لو قيل على مذهبه: ان هذه الصيغة من الثلاثي فعل أمر، لا اسم فعل، لم يكن بعيدا، لأنها جرت من الفعل على صيغة واحدة، كجريان صيغة (افعل)، قال: ولكنه لم يقله أحد منهم لما رأوا أن (فعال) من صيغ الأسماء، وهذه علة ضعيفة لأنه لا منع من اشتراك الأسماء والأفعال في صيغة، كما في: فعل، وفعل، وفعل 2، قال: ولما رأوا من دخول الكسر فيه مع اجتناب العرب من ادخال الكسر على الأفعال، حتى زادوا نون الوقاية حذرا منه، وهذا
(1) ج 2 ص 41، (2) وهي صيغ الفعل الثلاثي المجرد. (*)
[ 108 ]
عذر قريب، وفتح (فعال) من الأمر: لغة أسدية، وأقول: 1 لو كان (فعال)، فعلا، لا تصل به الضمائر، كما في سائر الأفعال، وقال المبرد: فعال، في الأمر من الثلاثي مسموع، فلا يقال: قوام وقعاد، في قم، واقعد، إذ ليس لأحد أن يبتدع صيغة لم تقلها العرب، وليس لنا في أبنية المبالغة أن نقيس، فلا نقول في شاكر، وغافر: شكير، وغفير،
قلت: هذا القول منه مبني على أن (فعال) معدول عن: افعل، للمبالغة وكذا يقول أكثرهم، وفيه نظر، كما يجئ، قال الأندلسي: منع المبرد قوي، فالأولى أن يتأول ما قاله سيبويه بأنه أراد بالاطراد: الكثرة، فكأنه قياس، لكثرته 2، وأما في الرباعي، فالأكثرون على أنه لم يأت منه إلا حرفان: قرقار، أي صوت، قال: 454 - قالت له ريح الصبا قرقار 3 والثاني: عرعار، أي: تلاعبوا 4 بالعرعرة، وهي لعبة لهم، قال: 455 - متكنفي جنبي عكاظ كليهما * يدعو وليدهم بها عرعار 5
(1) تعقيب منه على كلام ابن الحاجب في إمكان اعتباره فعل أمر، (2) عبارة سيبويه في ج 2 ص 41 واعلم أن فعال جائز من كل ما كان على بناء فعل، أو فعل، أو فعل، ولا يجوز من أفعلت، لالنا لم نسمعه من بنات الأربعة، (3) هذا في وصف سحاب هبت له ريح الصبا فهيجت رعده، فكأنما قالت له: قرقر بالرعد أي صوت به، وقد نسبه الجوهري إلى أبي النجم العجلي، وأورده بعده: واختلط المعروف بالانكار (4) صيغة فعل أمر من: تلاعب، أي أن الصبيان ينادي بعضهم بعضا بكلمة عرعار، كأنهم يقولون: هيا تلاعبوا، (5) من قصيدة للنابغة الذبياني، وكان صديقا لعمرو بن المنذر، وقوم النابغة من أعداء عمرو، وكانوا قد اعتزموا حربه فبعث إليه النابغة يحذره ويخبره بأنهم متجهون إلى حربه وأنهم نزلوا بعكاظ ومعهم أولادهم يلعبون في كل مكان ينزلون به، ومن أبيات هذه القصيدة: من مبلغ عمرو بن هند آية * ومن النصيحة كثرة الانذار (*)
[ 109 ]
قال المبرد: لم يأت في الرباعي عدل أصلا، وإنما قرقار، حكاية صوت الرعد،
وعرعار: حكاية أصوات الصبيان، كما يقال: غاق غاق، قال السيرافي: الأولى: ما قال سيبويه، لأن حكاية الأصوات لا يخالف فيها الأول الثاني، مثل: غاق غاق، ولو أرادوا الحكاية لقالوا: قار قار، وعند الأخفش: فعلال، أمرا من الرباعي: قياس، واعلم أن مذهب النجاة: أن (فعال) هذه معدولة عن الأمر الفعلي، للمبالغة، وهذه الصيغة للمبالغة في الأمر، كفعال، وفعول مبالغة فاعل، وكذا قالوا في: شتان، ووشكان، وسرعان: آنها معدولة، والفتحة فيها هي الفتحة التي كانت في الفعل المعدول عنه، قال عبد القاهر: 1 أصل (نزال): انزل انزل انزل، ثلاثا أو أكثر، والثلاث وما فوقها: جمع، والجمع مؤنث، فقيل: انزلي، ألحقوا الفعل الياء التي هي ضمير المؤنث دليلا على التكرار المثلث، كما ألحقوا الألف في: (ألقيا في جهنم) 2، دليلا على التكرار المثنى، وأصله: ألق، ألق، والمراد بالتكرار: المبالغة، ثم عدلوا: نزال عن: انزلي، فنزال، إذن، مؤنث كانزلي، يعني أنهم جعلوا الألف التي هي دليل تثنية الفاعل، دليل تثنية الفعل للتكرير، والياء التي هي دليل تأنيث الفاعل علامة تأنيث الفعل، أي كونه مكررا ثلاثا أو أكثر، قال: ودليل تأنيث (فعال) الأمري، قوله: 456 - ولأنت أشجع من أسامة إذ * دعيت نزال ولج في الذعر 3
(1) الامام عبد القاهر الجرجاني، إمام في النحو وفي البلاغة، نقل عنه الرضى في هذا الشرح وتقدم ذكره، (2) الآية 24 سورة ق، (3) قال البغدادي ان رواية البيت على هذه الصورة ملفقة من بيتين لشاعرين مختلفين، فالصدر الذي هنا: من شعر المسيب بن علس وتمامه:... يقع الصراخ ولج في الذعر والعجز الذي في الشرح من شعر زهير بن أبي سلمي، وصدره
ولنعم حشو الدرع أنت إذا... وهو في سيبويه 2 / 37 (*)
[ 110 ]
هذا كلامه، والذي أرى أن كون أسماء الأفعال معدولة عن ألفاظ الفعل: شئ لا دليل لهم عليه، والأصل في كل معدول عن شئ ألا يخرج عن نوع المعدول عنه، أخذا من استقراء كلامهم، فكيف خرج الفعل بالعدل من الفعلية إلى الاسمية، وأما المبالغة فهي ثابتة في جميع أسماء الأفعال، على ما بينا قبل، لا من الوجه الذي ادعى عبد القاهر، وتأنيث الفعل في: دعيت نزال، لا يدل على أن أصل نزال: فعل أمر مكرر، بل هو لتأويل (نزال) باللفظة أو الكلمة أو الدعوة، كما يجيئ في باب العلم، وكذا لا يخلو قسما 1 المصدر والصفة من معنى المبالغة، فحماد، ولكاع: أبلغ من: الحمد، ولكعاء: الثاني: من أقسام فعال، المصدر، وهو، على ما قيل، مصدر معرف مؤنث، ولم يقم لي، إلى الآن، دليل قاطع على تعريفه ولا تأنيثه، ومذهبهم أنه من أعلام المعاني، كروبر 2، وسبحان، على ما يجيئ في باب العلم، وربما استدل على تأنيث اسم الفعل والمصدر بتأنيث الصفة وعلم الشخص طردا، فإنهما مؤنثان اتفاقا، إذ لا يطلقان إلا على المؤنث كما يجيئ، وهذا استبدلال عجيب، وقيل: فجار معرفة في قوله: 457 - إنا اقتسمنا خطيتنا بيننا * فحملت برة واحتملت فجار 3 لتعريف قرينته، وهي (برة)، وهذا الدليل كالأول في الغرابة، إذ حمل كلمة على أخرى في التأنيث أو التعريف مع عدم استعمال المحمولة معرفة ومؤنثا شئ بديع، بلى، لو ثبت وصف نحو: فجار بالمؤنث المعرف، نحو: فجار القبيحة مثلا، جاز الاستدلال
(1) أي القسمان الآخران من أقسام فعال، وسيتحدث عنهما بعد قليل، (2) زوبر، علم جنس على معنى الأحاطة والشمول، ومن شواهد استعماله قول الفرزدق: إذا قال غاد من تنوخ قصيدة * بها جرب عدت علي بزوبرا
أي بكمالها وكل ما فيها وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، انظر شرح ابن يعيش على مفصل الزمخشري ج 1 ص 38 (3) من قصيدة للنابغة الذبياني، وهو يقصد زرعة بن عمر والكلابي، وكانت بينهما مهاجاة، وأول هذه القصيدة: نبئت زرعة والسفاهة كاسمها * يهدى إلي غرائب الأشعار (*)
[ 111 ]
به على الأمرين، التأنيث، والتعريف، على أن السيرافي جوز كون (برة) بمعنى البارة، فكذا يكون (فجار) كأنه قال: احتملت الخصلة البارة، واحتملت الخصلة الفاجرة، فهما صفتان غالبتان، صائرتان بالغلبة علمين، كما يجيئ في القسم الثالث، ولو سلمنا، فأيش 1 الدليل على تعريف كل ما هو من هذا القسم ؟ ! على أن قولهم في الظباء 2: إذا وردت الماء فلا عباب، أي: فلا عب، وإذا لم ترد فلا أباب، أي: لا أب، أي لا نزاع إليه، وقول المتلمس: 458 - جماد لها جماد ولا تقولي * طوال الدهر ما ذكرت: حماد 3 أي: قولي لها: جمودا، ولا تقولي لها حمدا وشكرا، وقول العرب: لا مساس، أي: لامس، ظاهرة 4 في التنكير، ومن كان مذهبه أن جميع أوزان فعال، أمرا، أو صفة، أو مصدرا، أو علما مؤنثة، فإذا سمي بها مذكر، وجب عدم انصرافها، كعناق 5، ويجوز عند النجاة جعلها منصرفة، كصباح، وهذا منهم دليل على ترددهم في كونها مؤنثة، الثالث: الصفة المؤنثة، ولم يجئ في صفة المذكر، وجميعها تستعمل من دون الموصوف، وهي، بعد ذلك، على ضربين: إما لازمة للنداء، سماعا، نحو: يا لكاع أي: يا لكعاء، ويا فساق، ويا خبات، أي: يا فاسقة ويا خبيثة، ويا رطاب 6، ويا دفار 7، وكذا: يا خصاف ويا حباق كلاهما بمعنى الضراطة، ويا خزاق من الخزق وهو
(1) تعبير يستعمله الرضى كثيرا، ومعناه أي شئ، وينكره بعض اللغويين ويقول إنه مولد وتكرر ذكره،
(2) في الظباء أي في شأنها وبيان أحوالها، وهو أنها إذا وردت الماء، لاتعب منه ولا تكثر من شربه، وإذا لم ترده لم تشتق إليه، (3) من أبيات للمتلمس، شاعر جاهلي، اسمه جرير بن عبد المسيح، وفي رواية: ولا تقولن بخطاب المقرر المذكر مؤكدا بالنون الخفيفة، (4) خبر عن قوله فيما سبق: على أن قولهم... يعني أن هذه الأمثلة التي أوردها ظاهرة في التنكير، (5) العناق بفتح العين: الصغيرة من المعز، (6) كلمة شتم للأمة، يكنى بها عن رطوبة فرجها، (7) يعني نتنة الريح، (*)
[ 112 ]
الذرق 1، ولا تجيئ هذه اللازمة للنداء علما للجنس، أي لا تكون بسبب الغلبة في موصوف بحيث تصير علما له، كالصعق 2 ونحوه على ما يجيئ في الأعلام، وإما غير لازمة للنداء، وهي على ضربين: أحدهما ما صار بالغلبة علما جنسيا، كما في: أسامة، وهو الأكثر، وذلك نحو: حلاق وجباذ للمنية، كانت في الأصل صفة عامة لكل ما يحلق به، ويحبذ، أي يجذب، ثم اختصت بالغلبة بجنس المنايا، وكذا: حناذ وبراح للشمس، من الحنذ، وهي الشي 3، والبراح وهو الزوال، وكلاح وأزام وجداع للسنة، وسباط للحمي، لانسباطها في البدن، من الشعر السبط، ومثله كثير، ككرار للخرزة التي تؤخذ بها المرأة زوجها، سميت كرار، لأنها تكر الزوج أي ترده، بزعمهم، يقال: يا كرار كريه، ان أدبر فردية، وان أقبل فسريه، وفشاش وحياد وصمام، للداهية لأنها تفش، أي تخرج ريح الكبر، وتحيد أي تميل، سميت به تفاؤلا، وتصم أي تشتد، يقال: فشاش فشيه من استه إلى فيه، أي أخرجي ريح الكبر منه، من استه مع 4 فيه، ويقال: حيدي حياد، أي: ارجعي يا راجعة، ويقال: صمي صمام، أي اشتدي يا شديدة، أي: زيدي في الشدة، أو: ابقي على شدتك، كالتأويلين
في قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم) 5، ويقولون عند طلوع من يكرهون طلعته: حداد حديه، أي: يا داهية الحادة المانعة، وفياح للغارة، يقولون: فيحي فياح، أي اتسعي يا متسعة على تأويل: صمي صمام، ويقال: كويته وقاع، وهي علم كية 6 على الجاعرتين، وانتصابها على المصدر من (كؤيته)
(1) الذرق إخراج ما في البطن كذرق الطائر، (2) علم غالب على خويلد بن نفيل، كان قد قتل بصاعقة، أو أنه كان كلما سمع صيحة شديدة صعق، فغلب عليه هذا الوصف، (3) مصدر: شوى اللحم يشويه، (4) إشارة إلى أن (إلى) في المثال بمعنى (مع)، (5) الآية 5 سورة الفاتحة، (6) أي علم على نوع من الكي بالنار على جانبي الدبر، (*)
[ 113 ]
أي: كية واقعة لازمه، ويقال: طمار، للمكان المرتفع، كأنها طامرة أي واثبة، ويقال للضبع: فثام، وجعار، وفشاح، من القثم وهو الجمع، ومن الجعر ومن الفشح، وهو تفريج ما بين الرجلين، فهذه وأمثالها: أعلام للجنس بدليل وصفها بالمعرفة نحو: حناذ الطالعة ولو لم تكن معارف، لم يجز حذف حرف النداء معها، نحو: فشاش فشيه، وحداد حديه، وحيدي حياد، كما مر في باب النداء، والضرب الثاني من غير اللازمة للنداء: ما بقيت على وصفيتها، نحو: قطاط، أي: قاطة كافية، قال: 459 - أطلت فراطهم حتى إذا ما * قتلت سراتهم كانت قطاط 1 وسببته سبة تكون لزام، أي لازمة، ولا تبل فلانا عندي بلال، أي بالة، أي لا يصيبه
عندي ندى، ولا يصله مني صلة، وقال: 460 - وذكرت من لبن المحلق شربة * والخيل تعدو في الصعيد بداد 2 أي مبتددة متفرقة، فهي حال، والرابع: الأعلام الشخصية، وجميع ألفاظها مؤنثة، وإن كان المسمى بها مذكرا، أيضا، وأما قوله:
(1) من أبيات لعمرو بن معد يكرب الزبيدي قالها قبل الأسلام في معركة بين قومه وبين بني مازن من الأزد، وكانوا قد قتلوا أخاه عبد الله، يقول فيها: تمنت مازن جهلا خلاطي * فذاقت مازن طعم الخلاط وأراد بالخلاط: الاختلاط معه في الحرب، (2) قائله عوف بن عطية الخرع (على وزن كتف) يرد على لقيط بن زرارة، ويعيره بفراره وعدم حماية أخيه معبد بن زرارة حين أسره الأعداء، إذ يقول: هلا كررت على ابن أمك في الوغى * والعامري يقوده بصفاد وقوله: وذكرت من لبن المحلق شربة، إشارة إلى أن فراره كان حرصا منه على الحياة والاستمتاع بما فيها من أكل وشرب، (*)
[ 114 ]
461 - قد كنت أحسبكم أسود خفية * فإذا لصاف تبيض فيه الحمر 1 بتذكير الضمير الراجع إلى (لصاف)، فلتأويله 2 بالموضع، ويروى: تبيض فيها، ولصاف: منزل من منازل بني تميم، - وخصاف: فحل، وفي المثل: أجرأ من خاصى خصاف، وذلك أنه طلبه بعض الملوك من صاحبه للفحلة 3، فمنعه، وخصاه، وكذا حضار، في كوكب، وظفار: مدينة، وقد يسمى بنحو هذه المؤنثة رجل، كما يسمى بنحو: سعاد وزينب، وقطام، وحذام، وبهان، وغلاب، وسجاع: لنسوة معينة، وسكاب لرمكة 4،
وكساب وخطاف، لكلبتين، ومناع وملاع لهضيتين، ووبار، وشراف لأرضين، وعرار لبقرة، وجميع المصادر، والصفات مبنية اتفاقا، وقد اختلف في علة بنائها، قال المبرد: فيها ثلاثة أسباب: التأنيث والعدل والعلمية، قال: بسببين يسلب الاسم بعض التمكن، فيستحق بالثلاثة زياده السلب، وليس بعد منع الصرف إلا البناء، وفي قوله نظر، وذلك لأنه لم يقم دليل، كما ذكرنا، على عدلها، ولا على علمية المصادر، ولا على علمية جميع الأوصاف، بل قام على علمية بعضها، كما مضى، ولو ثبت التأنيث في المصادر لم يؤثر بدون العلمية، ولو سلمنا اجتماع الثلاثة فهو منقوض بنحو: أذربيجان، فإن فيه أكثر من سببين، وبنحو: عمر، إذا سمي به مؤنث، فإنه، إذن، معرب اتفاقا مع اجتماع التأنيث فيه، والعدل والعلمية، وقيل: بنيت لتضمن تاء التأنيث، وبعد تسليم تقدير تاء التأنيث في المصادر، فهو
(1) لصاف: اسم ماء بين مكة والبصرة لبني يربوع، والحمر بتشديد الميم طيور صغيرة ضعيفة، والبيت لأبي المهوس الاسدي في هجاء نهشل بن حري وهو أحد أبيات استطرد فيها إلى هجاء بني تميم إذا يقول عنهم: وإذا تسرك من تميم خصلة * فلما يسوؤك من تميم أكثر (2) جواب قوله: وأما قوله قد كنت أحسبكم.. الخ (3) أي إلقاح الأناث من إبله، (4) الرمكة: الفرس أو الأنثى من البغال تتخذ للنسل، (*)
[ 115 ]
منقوض بنحو: هند، ودار، ونار، مما لا يحصى، وقال المصنف: لمشابهته نزال، فورد عليه نحو: سحاب وكهام وجهام 1، من المعربات، فضم إلى الوزن العدل، فإن ادعى العدل الحقق فما الدليل عليه، وثبوت الفجور، وفاسقة، لا يدل على كون فجار وفساق معدولين عنهما، إذ من الجائز ترادف لفظين في
معنى، ولا يكون أحدهما معدولا عن الآخر، وإن ادعى العدل المقدر، لاضطرار وجودهما مبنيين، إلى ذلك، كما ذكر لمنع صرف (عمر) وهو الظاهر من كلامه، فما الدليل على كون نزال الذي هو الأصل معدولا، وقد قلنا قبل ذلك ما عليه، وإن قدر العدل في الأصل، أيضا، فهو تكلف على تكلف، والأولى أن يقال: بنى قسم المصادر، والصفات، لمشابهتها لفعال الأمري وزنا ومبالغة، بخلاف نحو: نبات، وكلام، وقضاء، فإنه لا مبالغة فيها، وأما الأعلام الجنسية، كصرام 2، وحداد، فكان حقها الأعراب لأن الكلمة المبنية إذا سمي بها غير لفظها وجب إعرابها، كما إذا سمي بأين، شخص، على ما يجيئ في باب الأعلام، لكنها بنيت، لأن الأعلام الجنسية أعلام لفظية على ما يجيئ في باب العلم، فمعنى الوصف باق في جميعها، إذ هي أوصاف غالبة، وأما الأعلام الشخصية، كقطام، وحذام، فبنو تميم جروا فيها على القياس بإعرابهم لها غير منصرفة، أما الاعراب فلعريها عن معنى الوصفية، وأما عدم انصرافها فلما فيها من العلمية والتأنيث، وبناء أهل الحجاز لها مخالف للقياس، إذ لا معنى للوصف فيها حتى يراعى البناء الذي يكون لها في حال الوصف، لكنهم رأوا أنه لا تضاد بين الوصف والعلمية من حيث المعنى، كما مر في باب ما لا ينصرف 3، فبنوها بناء الأوصاف وإن كانت مرتجلة، غير منقولة عن الأوصاف، اجراء لها مجرى العلم المنقول عن الوصف، لأنه أكثر من غير،
(1) الكهام السيف الكليل الذي لا يقطع، والجهام: السحاب الذي لا ماء فيه، (2) علم جنس للحرب، أو للداهية، (3) باب ما لا ينصرف.. في الجزء الأول من هذا الشرح، (*)
[ 116 ]
أو نقول: أجروا الأعلام الشخصية مجرى الأعلام الجنسية في البناء، لجامع العلمية، وقال المصنف: هي معربة غير منصرفة عند بني تميم، لاجتماع العدل والعلمية فيها،
وينتقض ذلك عليه باجتماع العدل والوصف في نحو: فساق عند النجاة، والعدل والعلمية في: فشاش وفياح ونحوهما من الأعلام الجنسية مع اتفاقهم على بنائها، وفي ادعاء العدل في الأقسام الأربعة نظر، كما مضى، وهذا مذهب الأقل من بني تميم، وأما مذهب الأكثر منهم، وفصحائهم فإنهم يمنعون صرف الأعلام الشخصية إلا ما كان آخره راء، نحو حضار فإنهم يبنونه، وذلك لأن تقديري الأعراب والبناء في الشخصية مستقيمان لكن قد يرجح أحد التقديرين لغرض، وغرض تخصيص البناء بذي الراء: قصد الامالة، إذ هي أمر مستحسن، والمصحح للامالة ههنا: كسرة الراء، وهي لا تحصل إلا بتقدير علة البناء، لأنه إذا أعرب ومنع الصرف لم يكسر، وإذا بني كسر دائما، فإذا كان كذا، كان تقدير علة البناء للغرض المذكور أولى من تقدير علة منع الصرف، وإن كان أيضا، مستقيما بالوضع، وأما القليل من بني تميم، فقد جروا على قياس منع الصرف في الجميع، دون قياس البناء، وقال المصنف في القسم الأخير، أي العلم الشخصي: ان فيه عند أهل الحجاز عدلا تقديريا، أي ليحصل بذلك مشابهة هذا القسم لباب نزال، بالوجهين: العدل والوزن، فيحصل موجب البناء، إذ لو اكتفى بالوزن لوجب بناء باب سلام، وكلام، قال وإنما كان العدل تقديريا، إذ ليس لنا قاطمة، وحاذمة، عدل عنهما قطام وحذام، كما أنه ليس لنا عامر، المعدول عنه عمر، قال: وعند فصحاء بني تميم في نحو: حضار: العدل التقديري والوزن، وفي نحو قطام: التأنيث والعلمية، لأننا غير مضطرين، لمنع الصرف، إلى العدل، إذ الكفاية حاصلة بالتأنيث والعلمية، قال: وبعضهم يقدر فيه أيضا، العدل، لأنه من باب حضار، المضطر فيه إلى تقدير العدل، أي من باب العلم الشخصي، فيطرد تقدير العدل في جميع أفراد العلم الشخصي، لما اضطروا في بعضه، أي ذي الراء، إلى هذا، وقد مر الكلام على تقدير العدل، (*)
[ 117 ]
(الأصوات) (أنواعها، وأحكامها) (قال ابن الحاجب:) (الأصوات: كل لفظ حكي به صوت، أو صوت به للبهائم) (فالأول، كفاق، والثاني، كنخ)، (قال الرضي:) اعلم أن الألفاظ التي تسميها النجاة أصواتا، على ثلاثة أقسام: أحدها: حكاية صوت صادر، إما عن الحيوانات العجم، كغاق، أو عن الجمادات، كطق، وشرط الحكاية أن تكون مثل المحكي، وهذه الألفاظ مركبة من حروف صحيحة، محركة بحركات صحيحة، وليس المحكي كذلك، لأنه شبه المركب من الحروف، وليس مركبا منها، إذ الحيوانات والجمادات لا تحسن الافصاح بالحروف إحسان الأنسان، لكنهم لما احتاجوا إلى إيراد أصواتها التي هي شبه المركب من الحروف، في أثناء كلامهم، أعطوها حكم كلامهم من تركيبها من حروف صحيحة، لأنه يتعسر عليهم، أو يتعذر، مثل تلك الأجراس الصادرة منها، كما أنها لا تحسن مثل الكلام الصادر من جنس الأنس، إلا في النادر، كما في الببغاء، فأخرجوها على أدني 1 ما يمكن من الشبه بين الصوتين، أعني الحكاية والمحكي، قضاء لحق الحكاية، أي كونها كالمحكي سواء، فصار الواقع
(1) أي على أقرب ما يمكن من الشبه، (*)
[ 118 ]
في كلامهم كالحكاية عن تلك الأصوات، وثانيها: أصوات صادرة عن فم الأنسان غير موضوعة وضعا، بل دالة طبعا على معان في أنفسهم، كأف، وتف، فان المتكرة لشئ يخرج من صدره صوتا شبيها بلفظ (أف) ومن يبزق على شئ مستكره يصدر منه صوت شبيه بلفظ (تف)، وكذلك (آه) للمتوجع
أو المتعجب، فهذه وشبهها أصوات صادرة منهم طبعا، كأح، لذي السعال، إلا أنهم لما ضمنوها كلامهم لاحتياجهم إليها، نسقوها نسق كلامهم وحركوها بتحريكه، وجعلوها لغات مختلفة، كما مر من لغات: أف، وأوه، وثالثها: أصوات صوت بها للحيوانات عند طلب شئ منها: إما المجئ كألفاظ الدعاء، نحو: جوت، وقوس، ونحوهما، وإما الذهاب، كهلا، وهج، ونحوهما، وإما أمر آخر، كسأ، للشراب، وهدع للتسكين، 1 وهذه الألفاظ ليست مما تخاطب به هذه الحيوانات العجم حتى يقال: إنها أوامر أو نواه، كما ذهب إليه بعضهم، لأنها لا تصلح لكونها مخاطبة لعدم فهمها للكلام، كما قال الله تعالى: (كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) 2، بل كان أصلها أن الشخص كان يقصد انقياد بعض الحيوانات لشئ من هذه الأفعال، يصوت لها إما بصوت غير مركب من الحروف، كالصفير للدابة عند إيرادها الماء، وغير ذلك، وإما بصوت معين مركب من حروف معينة، لا معنى تحته، ثم يحرضه، مقارنا لذلك التصويت، على ذلك الأمر إما بضربه وتأديبه، وإما بإيناسه وإطعامه، فكان الحيوان يمتثل المراد منه، إما رهبة من الضرب، أو رغبة في ذلك البر، وكان يتكرر مقارنة ذلك التصويت لذلك الضرب أو البر، إلى أن يكتفي الطالب بذلك الصوت عن الضرب أو البر، لأنه كان يتصور الحيوان من ذلك الصوت ما يصحبه من الضرب أو ضده، فيمتثل عقيب الصوت عادة
(1) سيأتي تفسير هذه الكلمات، (2) الآية 171 من سورة البقرة، (*)
[ 119 ]
ودربة، فصار ذلك الصوت المركب من الحروف، كالأمر والنهي، لذلك الحيوان، انما وضعوا لمثل هذا الغرض صوتا مركبا من الحروف، ولم يقنعوا بساذج الصوت، لأن
من حيث هو متشابه الأفراد وتمايزها بالتقطيع والاعتماد بها على المخارج سهل، الأفعال المطلوبة من الحيوانات مختلفة، أرادوا اختلاف العلامات الدالة عليها، فركبوها من الحروف، وماذ كرنا من الترتيب 1 يتبين من كيفية تعليم الحيوانات كالدب، والقرد، والكلب وغير ذلك، هذا، وأنا لا أرى منعا من ارتكاب صيرورة هذه الأصوات المقارنة في الأصل للضرب أو البر، لما استغنى بها الطالب عنهما، أسماء 2 أفعال بمعنى الأمر، كما ذهب إليه بعضهم، فتكون أوامر ونواهي، لأن الله سبحانه وتعالى جعل العجماوات في فهم المطلوب من هذه الأصوات بمنزلة العقلاء، فلا بأس بأن تخاطب، وتكلم بما تفهمه كالعقلاء، ثم نقول: إنما سميت الأقسام الثلاثة أصواتا، وإن كان غيرها من الكلام أيضا، صوتا، لأن هذه، في الأصل: إما أصوات ساذجة كحكاية أصوات العجماوات والجمادات أو أصوات مقطعة معتمدة على المخارج لكنها غير موضوعة لمعان كالألفاظ الطبيعية، وكما يصوت به للحيوان، وهذه الأقسام الثلاثة ليست في الأصل كلمات، إذ ليست موضوعة، فسميت باسم ساذج الصوت، فقيل: أصوات، ثم جعلت الثلاثة بعد هذا الأصل، لاحتياجهم إلى استعمالها في أثناء الكلام، كالكلمات 3، فعاملوها معاملتها، فصرفوها تصريف الأسماء فأدخلوا التنوين الذي هو من أخص علامات الأسماء في بعضها نحو، غاق، وأف، والألف واللام في بعضها، وذلك 4 إذا قصدوا لفظ الصوت لا معناه، كقوله: باسم الماء 5، وقوله: كما رعت بالجوت، فهو كقولك: أمرته
(1) يريد ما ذكره من التدرج في تدريب الحيوانات وتعويدها على إدراك ما يراد من الصوت المعين، (2) خبر عن المصدر الذي هو صيرورة، مصدر صار، من أخوات كان، (3) مرتبط بقوله: ثم جعلت الثلاثة، (4) راجع إلى إدخال الألف واللام، (5) هو وما بعده إشارة إلى بيتين من الشعر يأتي ذكرهما قريبا، (*)
[ 120 ]
باضرب، أي بهذا اللفظ، وجعلوا معاني بعضها معاني المصادر، فحينئذ، إما أن تعربها إعراب المصادر، نحو: واها لك، أو، لا نحو: (أف لكما) 1، فهذه الأصوات من الكلمات، كالنسناس من الناس، صورتها، صورتها وماهيتها غير ماهيتها، إذ ليست موضوعة في الأصل لمعنى كالكلمات، والتنوين فيما دخله: تنوين الألحاق، وتنوين المقابلة، كما قيل في تنوين مسلمات، وليس ما قاله بعضهم من أن تنوين نحو: غاق للتنكير: بشئ، إذ لا معنى للتعريف والتنكير فيه، ولا منع أن نقول في تنوين نحو: صه، وإية، مثل هذا 2 لما تقدم في أسماء الأفعال، أن نحو صه، كان صوتا، ونستريح، إذن، مما تكلفناه هناك لتوجيه التنوين، على ما سبق، من الوجهين، وإنما بنيت أسماء الأصوات، لما ذكرنا من أنها ليست في الأصل كلمات قصد استعمالها في الكلام، فلم تكن في الأصل منظورا فيها إلى التركيب الذي هو مقتضى الأعراب، وإذا وقعت مركبة، جاز أن تعرب 3، اعتبارا بالتركيب العارض، وهذا إذا جعلتها بمعنى المصادر، كآها منك مثل (أف لكما)، وإذا قصدت ألفاظها لا معانيها، قال جهم بن العباس: 462 - ترد يحيهل وعاج وإنما * من العاج والحيهل جن جنونها 4 وقال: تداعين باسم الشيب في متثلم * جوانبه من بصرة وسلام 5 - 8 وقال:
(1) تقدمت وهي من الآية 17 سورة الأحقاف (2) أي أن التنوين فيه للالحاق والمقابلة، (3) يعني وأن تبني،
(4) قال البغدادي عند ذكر هذا البيت ان نسبته إلى جهم بن العباس أرها إلا في كلام الرضى، ولا أعرف جهما وأن تبنى، (5) تقدم في الجزء الأول من هذا الشرح، (*)
[ 121 ]
463 - دعاهن رد في فارعوين لصوته * كما رعت بالجوت الظماء الصواديا 1 على الحكاية مع الألف واللام، وتقول: زجرته بهيد وبهيد، وهذا كما تقول، في الكلمات المنية إذا قصدت ألفاظها: ليت شعري وأين مني ليت * ان ليتا وإن لوا عناء 2 - 452 و: لا يحد الله بأين، ولا بأين 3 على ما يجيئ في الاعلام إن شاء الله تعالى، والأعراب مع اللام أكثر من البناء نحو: من العاج والحيهل بالجر، وباسم الشيب، لكونها علامة الاسم الذي أصله الأعراب، وهذا كما يحكى عن بعض البغداديين: كل الأين وكل الأين معربا ومبنيا، مع اللام، ومثله: ما يحكى أن الخليل قال لأبي الدقيش 4: هل لك في ثريدة كأن ودكها عيون الضياون، فقال: أشد الهل، معربا، والألف واللام لا توجب الأعراب، بدليل: الآن، والذي، والخمسة عشر، وأما إذا أدخلت التنوين في هذه الأسماء، فإن قصدت بها ألفاظها، كقوله، بحيهل 5 وعاج، فإعرابها واجب، لأنه، إذن، تنوين التمكين، وإن أدخلته من غير هذا القصد، كما في: غاق، وصه فهي مبنية، لأنه تنوين الالحاق والمقابلة، لا تنوين التمكن، كما مر، هذا هو الكلام عليها إجمالا، وأما الكلام عليها تفصيلا، فنقول: من الأصوات التي هي حكاية عن أصوات الأنسان، أو العجماوات، أو الجمادات: طيخ، وهو
(1) البيت لعويف بن معاوية من بني حذيفة، ويقال له عويف القوافي، بسبب قوله: سأكذب من قد كان يزعم أنني * إذا قلت شعرا لا أجيد القوافيا وبيت الشاهد يصف فيه مدى انقياد القوافي إليه، والضمير في دعاهن للقوافي، وقالوا: أراد بردفه:
شيطانه من الجن كما هو معروف من اعتقاد العرب أن لكل شاعر شيطانا من الجن يعينه على قول الشعر، (2) تقدم في هذا الجزء، (3) أي بالأعراب والبناء، (4) أبو الدقيش، أحد الأعراب الذين كان يستنطقهم الخليل وغيره من العلماء المتقدمين، والودكة: الدهن الذي يوضع فوق الثريدة، والضياون جمع ضيون وهو السنور، وقوله: أشد الهل: أشد أفعل تفضيل أي أقواه وزاد بعضهم... وأوحاه أي أسرعه، وكنى بالهل في قوله أشد الهل عن الرغبة التي تضمنها سؤال الخليل، (5) البيت السابق قبل قليل، (*)
[ 122 ]
حكاية صوت الضاحك، وعيط: حكاية صوت الفتيان إذا تصايحوا في اللغب، وغاق بكسر القاف، وقد ينون، وهو صوت الغراب، وشيب: حكاية صوت مشافر الأبل عند الشرب، ومنها: ماء بميم ممالة وهمزة مكسورة بعد الألف، وقيل: هو بهمزة ساكنة وميم مفتوحة: صوت الظبية إذا دعت ولدها، وطاق، بكسر القاف، وطق، كلاهما حكاية صوت وقع الحجارة بعضها على بعض، وقب، حكاية وقع السيف على الضريبة، 1 ومن الأصوات التي يصوت بها للبهائم: هلا لزجر الخيل، أي توسعي في الجري، وقد تزجر به الناقة أيضا، وعدس: لزجر البغل، وقد سمي به بغل، وفي قوله: عدس ما لعباد عليك امارة * نجوت وهذا تحملين طليق 2 - 416 زجر، وليس باسم البغل، والا لم يسكن آخره، إلا أن يقال: أجرى الوصل مجرى الوقف، وهيد: زجر للأبل، بكسر الهاء وفتحها، وكذلك الدال بلا تنوين، ففيه أربع لغات، وهاد بفتح الدال، بمعناه، وقد أعربهما الشاعر لما قصد اللفظ فقال: 464 - حتى استقامت له الآفاق طائعة * فما يقال له هيد ولا هاد 3
أي: لا يمنع من شئ، ولا يزجر عنه، ويقال: أتاهم فما قالوا له: هيد ولا هاد،
(1) الضريبة كل ما يقع على السيف حين يضرب به شئ، (2) تقدم في هذا الجزء، (3) لابراهيم بن هرمة، الشاعر العباسي الذي يقول عنه علماء النحو انه آخر من يستشهد بشعره، والرواية في شعر ابن هرمة هكذا: اني إذا الجار لم تحفظ محارمه * ولم يقل دونه هيد ولا هاد بكسر الدال في الكلمتين، أما صيغة البيت التي أوردها الشارح فهي رواية الجوهري الذي أورده بضم الدال في الكلمتين أيضا، وقال البغدادي انه يستبعد أن يكون بيت الجوهري من شعر ابن هرمة لاحتمال أن يكون من قول شاعر آخر، والله أعلم، (*)
[ 123 ]
أي لم يسألوه عن حاله، وسع، وجه، لزجرها، وقد يقال للسبع أيضا: جه، وحوب، مثلث الباء، بتنوين ودونه، زجر للأبل أيضا، وكدا: حاي وعاي بياء مكسورة بعد الألف، منونة وغير منونة، وحاء وعاء بهمزة مكسورة بعد الألف منونة وغير منونة، وقد يقصران، ويقال إذا بنيت الفعل منهما: حاحيت وعاعيت بإبدال الألف ياء، وأصلهما: حاحى وعاعى، كما تقول: لا ليت، لمن أكثر من قول: لا، لا وتقول جي، وجوت: دعاء لها إلى الشرب، وحل: زجر للناقة وكذا: هيج، بفتح الهاء وكسر الجيم أو سكونها، وكذا: عاج بكسر الجيم منونا وغير منون، وهدع: تسكين لصغار الأبل إذا نفرت، ودوه: بكسر الهاء وقد تسكن: دعاء للربع، 1 ونخ بفتح النون وتشديد الخاء المفتوحة أو المكسورة، وقد تخفف مسكنة: صوت اناخة البعير، وكذا: هيخ، وايخ، بكسر أولهما، ويجوز في الخاءين: الكسر والسكون، ويقال لزجر الغنم: إس مكسورة الهمزة ساكنة السين، وكذا: هس وقيل بضم الهاء
وفتح السين المشددة، وكذا: هج، بفتح الهاء وسكون الجيم، ويقال، أيضا، في تسكين الأسد والذئب والكلب وغيرها، وقد تكسر الجيم منونة، وكذا، هجا، وقع، وقاع، لزجر الغنم أيضا، وبس: دعاء لها، بضم الباء وسكون السين، وقيل: السين مفتوحة مشددة، وثئ، بكسر الثاء، وقيل بفتحها وسكون الهمزة: دعاء للتيس عند السفاد، وحج، وعه، وعيز بكسر العين والزاي، وروي فتح العين: زجر للضأن وسأ، وتشؤ، للحمار المورد، وعوه، دعاء للجحش، وهي دعاء للفرس، ودج: صياح بالدجاج، وقوس: زجر للكلب، بسكون السين، وقس دعاء له، وده، بفتح الدال وسكون الهاء أو تشديدها: زجر مطلقا، بمعنى اضرب، وأصله فارسي، وقد جعلت بمعنى المصدر مراعى أصلها في البناء في قولهم:
(1) الربع بضم الراء وفتح الياء: الفصيل من الأبل يولد في أول الربيع، (*)
[ 124 ]
465 - (إن لا ده فلا ده) 1 ومن الأصوات الدالة على أحوال في نفس المتكلم: وي، وهي للتندم، أو التعجب وقد ذكرنا في المفعول المطلق 2 أن (ويل) عند الفراء، أصله (وي)، وأن اللام كان حرف جر، وكان الأصل: وي لك، أي عجب لك، ثم كثر استعماله معه حتى ركب معه وصار لام الفعل 3، وصار: ويلك كقولك 4 حتى قالوا: ويلا وويل، ومذهب غيره أن ويل، وويح، وويس، وويب: كلمات برأسها بمعنى الهلاك، وأنها مصادر لا أفعال لها: وقولهم: ويلمه، ويروى بكسر اللام وضمها، فالضم على وجهين: إما أن يقال: الأصل: ويل أمه، مبتدأ محذوف الخبر، أي: هلاكها حاصل، أي: أهلكها الله، وهذا كما يقال في التعجب: قاتله الله، فإن الشئ إذا بلغ غايته: يدعى عليه، صونا له عن عين الكمال 5، كما قال:
(1) أصل هذا الكلام أن صاحب الثأر يلقى خصمه فلا يتعرض له فيقال له: ان لاده فلاده، يعني إذا لم تضربه الآن فلن تضربه بعد ذلك، وهذا يوافق قول الرضي ان معناه الضرب، وقوله آنها كلمة فارسية هو أحد الأقوال، وقال بعضهم أنها مأخوذة من ذه، اسم الأشارة، وقيل غير ذلك، وقد جاء هذا المثل في رجز لرؤبة أوله: لله در الغانيات المده * سبحن واسترجعن من تأله المده أي المدح جمع مادحة، وفي هذا الرجز: فاليوم قد نهنهنى تنهنهي * وأول حلم ليس بالمسفة وقول: ان لاده فلاده.... وقوله: أول حلم: أي رجوع العقل، (2) في الجزء الأول، (3) يعني أن كلمة وى، امتزجت باللام فصارت كأنها كلمة على وزن فعل، فأصبحت اللام بمنزلة لام الكلمة الثلاثية الأصول، (4) نتيجة ما تقدم من امتزاج وى باللام أصبح لفظ ويلك مثل لفظ قولك، (5) أي صونا له عن إصابته بالعين أي بالحسد الذي يصب كل شئ كامل، فكلمة عين، مصدر عانه أي أصابه بالعين يعني حسده، (*)
[ 125 ]
466 - رمى الله في عيني بثينة بالقذى * وفي الغر من أنيابها بالقوادح 1 وقولهم: قاتله الله من شاعر، فحذفت الهمزة على غير القياس تخفيفا، لما صار: ويلمه ككلمة واحدة مفيدة لمعنى: عجبا، وإما أن يقال: أصله: وي لأمه، أي عجبا لها، أي ولد ولدت، فنقل ضمة الهمزة إلى اللام المتحركة على غير القياس، وحذفت الهمزة على غير القياس مع صحتها، وأما نحو: ويكأن، نحو (ويكأن الله يبسط الرزق...) 2 فهو عند الخليل وسيبويه:
وي التي للتعجب، ركبت مع (كأن) مثقلة، كما في الآية، أو مخففة، كما في قوله: 467 - وي كأن من يكن له نشب يحبب، ومن يفتقر يعش عيش ضر 3 وفي هذا القول نوع تعسف في المعنى، لأن معنى التشبيه غير ظاهر في نحو قوله تعالى: (ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر) إلى قوله (ويكأنه لا يفلح الكافرون)، وفي قوله: ويكأن من يكن له نشب، وقال الفراء: وي، كلمة تعجب، ألحق بها كاف الخطاب، كقوله: 468 - ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها * قيل الفوارس ويك عنتر أقدم 4
(1) رجح البغدادي أنه لجميل بثينة، على المعنى الذي ذكره والقوادح جمع قادح وهو داء يصيب الأسنان فتسود، ومن العجيب ان بعضهم يخرج البيت عن هذا المعنى الجميل الذي قاله الشارح فيقول ان المراد بالعينين في البيت: الرقيبان، وان المراد بالعز من أثيابها: سادة قومها وكبراؤهم الذين يحولون بينها وبينهم، وهو كلام غريب حقا، انظر الخزانة، (2) هذا الجزء وما سيأتي بعده من الآية 82 في سورة القصص: (3) من شعر لزيد بن عمرو بن نفيل، يصف ما يلقاه الأنسان حين يفتقر من أقرب الناس إليه حتى نسائه، وفي هذا الشعر يقول عن امرأتين له: سالتاني الطلاق أن رأتاني * قل مالي، قد جئتماني بنكر بتخفيف الهمزة من سألتاني وإبدالها ألفا على غير قياس، (4) من شعر عنترة بن شداد العبسي، من المعلقة، (*)
[ 126 ]
أي: ويلك، وعجبا منك، وضم إليها (أن)، ومعنى (ويكأنه لا يفلح الكافرون)، ألم تر، كأن المخاطب كان يدعي أنهم يفلحون فقال له: عجبا منك، فسئل: لم تتعجب منه، فقال: لأنه لا يفلح الكافرون، فحذف حرف الجر مع أن وأن كما هو القياس،
واستدل على كونه بمعنى: ألم تر، بأن أعرابية سألت زوجها: أين ابنك، فقال: ويكأنه وراء البيت، أي: ألم تري أنه وراء البيت، ثم لما صار معنى (ويكأن): ألم تر، لم تغير كاف الخطاب للمؤنث والمثنى والمجموع، بل لزمت حالة واحدة، وهذا الذي قاله الفراء أقرب من جهة المعنى، ومن هذا النوع 1: أف، وأوه، وقد ذكرناهما في أسماء الأفعال، ومنه: حس، بفتح الحاء وكسر السين، كلمة يقولها الأنسان إذا أصابة بغتة ما يمضه ويوجعه، كالحجرة والحزة، ومنه: بخ، وهي كلمة تقال عند الأعجاب والرضى بالشئ، وتكرر للمبالغة فيقال: بخ بخ، فإن وصلته، خففته، ونونته مكسور الخاء، وربما شدد منونا مكسورا، قال الشاعر، وقد جمعهما: 469 - روافده أكرم الرافدات * بخ لك بخ لبحر خضم 2 وإذا بين باللام، فهو مستعمل المصادر، كما مضى، وحكى ابن السكيت 3: به به، بمعنى: بخ بخ، ومنه: إخ بكسر الهمزة وفتحها وخاء مشددة مكسورة، وكذا: كخ بكاف مكسورة وقد جعله الشاعر في قوله: 470 - وصار وصل الغانيات أخا 4
(1) أي من النوع الذي هو صوت دال على شئ في نفس المتكلم به، (2) تكفل الشارح بشرح وجه الاستشهاد بالبيت، وقال البغدادي: لم أقف على قائله، (3) يعقوب بن السكيت صاحب إصلاح المنطق، تقدم ذكره في هذا الجزء، (4) نسبه بعضهم للعجاج، والأشهر أنه لامرأة من العرب قالته لزوجها بعد أن كبر، ورد عليها زوجها برجز = (*)
[ 127 ]
ويروى: كخا، كالمصدر 1، فأعربه، وهو مصدر بمعنى المفعول، أي مكروها،
ومنه: طيخ، حكاية صوت الضاحك، وشيب: صوت مشافر الأبل عند الشرب، وعيط، صوت الفتيان إذا تصايحوا في اللعب، كلها مكسورة الآخر، 2 ومنه: مض بكسر الميم والضاد على المشهور، ونقل في ضاده الفتح، وهو اسم صوت يخرج عند المتطق بالشفتين، أي التصويت بانفراج احداهما عن الأخرى، عند رد المحتاج، وليس الرد بمثله رد إياس بالكلية، بل فيه اطماع ما، من حيث العادة، ومن ثمة قيل: إن في: (مض) لمطمعا، ولما لم يكن هذا الصوت الخارج عند التمطق، مما يمكن أن يركب من شكله وشبهه كلمة، صيغت كلمة، وهي (مض) وسمي الصوت بها فصار (مض) كالحكاية عن ذلك الصوت، فبني بناء سائر الحكايات عن الأصوات،
= آخر، والقصة في خزانة الأدب، (1) مرتبط بقوله: وقد جعله الشاعر... الخ، (2) من قوله: ومنه طيخ إى هنا، مكرر كما هو واضح وليس موجودا في أكثر نسخ هذا الشرح كما أشير إلى ذلك بهامش المطبوعة الأولى، وهذا من دلائل الاضطراب في نسخة المتعددة، (*)
[ 129 ]
(المركبات) (معنى المركب، وصور التركيب) (قال ابن الحاجب:) (المركبات: كل اسم من كلمتين ليس بينهما نسبة)، (قال الرضى:) لا يطلب في الحد العموم، فلا حاجة إلى قوله (كل)، وإنما يطلب فيه بيان ماهية الشئ ولم يكن قوله (اسم)، أيضا محتاجا إليه، كما في سائر الحدود المتقدمة، لأنه في قسم الأسماء، ولعله ذكره لبيان الوحدة، أي: اسم واحد حاصل من تركيب كلمتين،
وليس من هذا الوجه، أيضا، محتاجا إليه، لأن المشهور أن أقسام الاسم والفعل والحرف المذكورة في أبواب النحو: كلمات مفردة، وقوله (من كلمتين)، أي حاصل من تأليفهما، وإنما قال: كلمتين، ليدخل فيه المركب من اسمين، ومن فعلين، ومن حرفين، ومن اسم وفعل، أو حرف، ومن فعل وحرف، قوله (ليس بينهما نسبة) أي ليس قبل العلمية 1 بينهما نسبة، قال: إنما قلت ذلك ليخرج المضاف والمضاف إليه، والجملة المسمى بها، لأن بين جزأيهما نسبة قبل العلمية،
(1) قد يكون ذلك إشارة منه إلى ما سيعقب به من أن هذا الحد لا يشمل إلا ما كان تركيبه لأجل العلمية، وكان يكفي أن يقول: ليس بينهما نسبة قبل التركيب، (*)
[ 130 ]
وليسا بمبنين بعد التسمية بهما، وكلامنا في المركبات المبنية، أما المضاف والمضاف إليه فظاهر عدم بنائهما بالتركيب، وأما الجملة فلا توصف قبل العلمية، لا بالأعراب ولا بالبناء، لأنهما من عوارض الكلمة لا الكلام، وأما بعد العلمية فهي محكية اللفظ، على ما يجيئ، فلا يطلق عليها أنها معربة في الظاهر أو مبنية، لاشتغال حرفها الأخير بالحركة التي كانت عليه، إعرابية أو بنائية، أو بالسكون الذي كان كذلك، وقد خرج عن هذا الحد بعض المحدود، لأن المركب المقدر فيه حرف العطف نحو خمسة عشر، أو حرف جر، نحو: بيت بيت: بين جزأيه نسبة ما، وهي نسبة العطف وغيره، ولا يدخل في هذا الحد إلا ما ركب لأجل العلمية، أو كان مركبا قبلها، ثم اعل أن المركب على ضربين، وذلك لأنه إما مركب للعلمية، أو كان مركبا قبلها، والأول على ضربين: وذلك لأنه إما أن يكون في الجزء الأخير قبل التركيب سبب البناء، أو، لا، فإن كان، فالأولى والأشهر: إبقاء الجزء الأخير على بنائه، مراعاة للأصل، ويجوز إعرابه إعراب ما لا ينصرف، ويجوز، أيضا، لكن على قلة: إضافة صدر المركب
إلى الأخير، تشبيها لهما بالمضاف والمضاف إليه تشبيها لفظيا، كما جاءت في (معد يكرب) كما يجيئ، فيجيئ في المضاف إليه: الصرف والمنع، كما يجيئ، ولا يستنكر إضافة الفعل والحرف، ولا الأضافة إليهما، لأنهما خرجا بالتسمية عن معناهما، المانع من الأضافة، هذا هو القياس، على ما قيل، وإن لم يسمع في نحو: سيبويه الأضافة وأما الجزء الأول، فواجب البناء إن لم يضف إلى الثاني، لكونه محتاجا إلى الثاني، فيشابه الحرف، فيبنى على الفتح إن كان معربا في الأصل أو مبنيا على غير الفتح، ويجوز حكاية حركات المبني وابقاؤه على حركته أي حركة كانت، أو سكونه، وهذا النوع تسعة أقسام: لأن الثاني إما اسم والأول اسم، نحو سيبويه، أو فعل نحو: جاءويه، أو حرف نحو: من ويه، وإما فعل 1 خال من الضمير، والأول اسم، نحو: أنا ضرب، أو فعل نحو: خرج ضرب، أو حرف، نحو: من ضرب، وإما حرف، والأول اسم، نحو:
(1) راجع إلى الثاني من الجزأين، وكذلك قوله بعد: واما حرف، (*)
[ 131 ]
أين من، أو فعل نحو: ضرب من، أو حرف نحو: عن من، وإن لم يكن في الأخير قبل التركيب سبب البناء، كمعد يكرب، وبعلبك، فالأولى بناء الجزء الأول 1، لما ذكرنا من احتياجه إلى الثاني، وجعل الثاني غير منصرف، وقد يبنى الثاني، أيضا، تشبيها بما تضمن الحرف، نحو خمسة عشر، لكونهما، أيضا، كلمتين: احداهما عقيب الأخرى، وهو ضعيف، لأن المضاف والمضاف إليه، أيضا كذلك، وقد يضاف صدر هذا المركب إلى عجزه، فيتأثر الصدر بالعوامل ما لم يعتل، كمعد يكرب، فإن حرف العلة يبقى في الأحوال ساكنا، وللعجز، حينئذ، ما له مفردا من الصرف وتركه، وبعضهم لا يصرف المضاف إليه وإن كان قبل التركيب منصرفا، اعتدادا بالتركيب الصوري، كما اعتد به في إسكان ياء معد يكرب وهو ضعيف مبني على وجه ضعيف، أعني على الأضافة، أما ضعفه فلأن التركيب الأضافي غير معتد به في منع
الصرف، وأما ضعف الأضافة، فلأنها ليست حقيقية، بل شبه المضاف والمضاف إليه تشبيها لفظيا من حيث هما كلمتان إحداهما عقيب الأخرى، ولو كان مضافا حقيقة لا نتصب ياء معد يكرب، في النصب، 2 والثاني: أي الذي كان مركبا قبل العلمية، على ضربين: وذلك أنه إما أن يكون الجزء الثاني قبل العلمية معربا مستحقا لاعراب معين لفظا أو تقديرا، أو، لا، فإن كان، وجب ابقاؤه على ذلك الأعراب المعين، وكذا يبقى الجزء الأول على حاله من الأعراب المعين إن كان له قبل ذلك، كما في الجملة الاسمية والفعلية إذا كان الفعل معربا، أو من الأعراب العام، إن كان كذلك قبل العلمية كما مر في المضاف والمضاف إليه، نحو: عبد الله، والاسم العامل عمل الفعل، نحو: ضرب زيدا وحسن وجهه، ومضروب غلامه، كل ذلك، احتراما لخصوص الأعراب أو عمومه، وإن لزم منه دوران الأعراب على آخر الجزء الأول، الذي هو كبعض الكلمة، وكذا يترك الجزء الأول على البناء إن
(1) المراد من البناء هنا: حركة البنية، وليس البناء المقابل للاعراب، (2) يعني لظهرت حركة النصب وهي الفتحة، لأنه حينئذ يكون منقوصا تظهر عليه الفتحة في حالة النصب كما هو حكم كل منقوص، (*)
[ 132 ]
كان في الأصل مبنيا، كما في الفعلية إذا كان الفعل مبنيا، وكما في: سيضرب، وسوف يضرب، ولن يضرب ولم يضرب، وكذا في نحو: أزيد، وهل زيد، و: لزيد، إذ الأسماء بعد هذه الأحرف مبتدأة 1 في الظاهر، قال سيبويه 2: المسمى بالمعطوف مع العاطف من دون المتبوع واجب الحكاية، إذ العاطف إما عامل، أو كالعامل، على ما مر في باب التوابع، وكذا كل اسم معمول للحرف، نحو: إن زيدا، وما زيد، ومن زيد، إلا أن حرف الجر فيه تفصيل، وذلك أنه لا يخلو أن يكون أحاديا أو، لا، فإن كان، فعند سيبويه والخليل، فيه الحكاية لا غير، إذ
لا يجوز جعله كالمضاف كما في الثنائي والثلاثي، وقال الزجاج: يجوز جعله كالمضاف بأن تزيد عليه حرفين 3 من جنس حركته مدغما أحدهما في الآخر، وتعربه إعراب المضاف كما تزيدهما عليه إذا سميت به وهو مفرد 4، كما يجيئ في باب العلم، هذا قوله: والأولى أن تزيد حرفا، لأن الحرفين إنما زدتهما عليه في حال الأفراد، لئلا يسقط حرف اللين للساكنين فيبقى المعرب على حرف، ومع الأضافة، لا تنوين حتى يلتقي ساكنان، وإن كان على حرفين، فعند الخليل، وهو ظاهر مذهب سيبويه 5، أنه يجب إعراب الأول إعراب المضاف لا غير، فإن كان ثانيهما حرف مد، زدت عليه حرفا من جنسه، كما تقول في المسمي ب: (في زيد): في زيد، مشددة الياء، كما تزيده في الأفراد، على ما يجيئ في باب العلم، والأولى ترك الزيادة، لأنه آمن من بقاء المعرب على حرف بسبب الأضافة، وأجاز
(1) أي مبدوء بها الكلام، وليس المراد المعنى الاصطلاحي، (2) انظر سيبويه ج 2 ص 68 (3) أي حري علة من جنس حركته، (4) يعني بدون تركيب، (5) انظر سيبويه ج 2 ص 66، (*)
[ 133 ]
الزجاج الحكاية في الثنائي، أيضا، وكذا الخلاف في الثلاثي حكاية، وإعرابا، نحو: منذ شهر، 1 وإن لم يكن الأول حرف جر، فالحكاية، كما ذكرنا لا غير، اتفاقا منهم، نحو: أزيد، ولزيد، وإنما اختص حرف الجر بذلك، لكون المجرور بعد التسمية، في صورة المضاف
إليه، والمضاف لا يكون محكيا، كما لا يكون المفرد محكيا، كذا قال سيبويه، هذا، وقد جاء صدر الجملة المسمى بها مضافا إلى عجزه، إذا لم يكن الصدر ضميرا، تشبيها للجزأين بالمضاف والمضاف إليه، كما مر، والأولى أن يجوز، أيضا، الضمير 2، لخروجه عن معناه، لو ثبت إضافة الفعل أو الحرف بعد التركيب، كما مر، وكذا يبقى الجزء الثاني على حاله إذا كان قبل مستحقا لأعراب معين لكنه كان مع ذلك مبنيا على حركة مشابهة لحركة الأعراب كما في: يا زيد، ولا رجل، فيحكى الجزآن على ما كانا عليه قبل التسمية اجراء للحركة البنائية مجرى ما شابهته من الأعرابية، وإن لم يكن الثاني قبل العلمية مستحقا لخصوص اعراب، فلا يخلو من أن يكون مما له قبل العلمية مطلق اعراب مع التركيب، أو، لا، فان كان، وهو من التوابع الخمسة مع متبوعاتها لا غير، بقي التابع مع المتبوع على ما كانا عليه قبل التسمية من تعاقب الأعراب عليهما، كما قلنا في المضاف والاسم العامل عمل الفعل، ويراعى الأصل في الصرف وتركه أيضا، فيصرف (عاقلة ظريفة) سواء سمي به رجل أو امرأة، لأن المسمي به ليس واحدا من الاسمين، بل المجموع، وليس المجموع اسما مؤنثا، فإن سميت بعاقلة، وحدها فالأكثر ترك الصرف لأن اللفظ مفرد، ويجوز صرفها على الحكاية، إجراء لها مجرى الصفة والموصوف، وإن كان اسما، فكأنك سميت بامرأة عاقلة كما تقول: الحسن، والحسين، والحارث، باللام، اعتبارا لأصل الصفة، وإذا سميت (بطلحة وزيد)، لم تصرف الأول،
(1) يعني في حالة تركيب الاسمين والتسمية بالمركب، (2) أي إضافة الضمير، (*)
[ 134 ]
إذ هو غير منصرف قبل التسمية بهذا المركب، فإن أردت بطلحة، واحدة الطلح، لا اسم شخص، صرفته كما كان مصروفا قبل التسمية، وكان القياس أن يحكى المعطوف عطف النسق مع وجود المتبوع، كما حكي بلا
متبوع، لأن العاطف كالعامل على ما مر، إلا أنه لما لم يكن في المتبوع قبل الوصول إلى التابع مقتضي إعراب خاص، أجرى بوجوه الأعراب، وتبعه المعطوف، ولم يتبع الأول الثاني، لئلا يصير المتبوع تابعا، ويجوز في التوابع مع متبوعاتها: اجراؤها مجرى نحو: معد يكرب في وجهي التركيب والأضافة، إلا عطف النسق، فإن حرف العطف مانع منهما، فإن حذف حرف العطف قبل العلمية فبناؤهما أولى بعدها لقيام موجبه في كليهما أما في الأول فالاحتياج إلى الثاني، وأما في الثاني فتضمن الحرف، ويجوز، كما في معد يكرب: اعراب الثاني إعراب غير المنصرف مع التركيب ويجوز، أيضا، كما فيه: 1 إضافة الأول إلى الثاني، مع صرف الثاني وتركه، وكذا كل ما تضمن الثاني فيه حرفا، وإن لم يكن عاطفا، من نحو: بيت بيت، يجوز فيه الأوجه الثلاثة بعد العلمية، وإنما جاز إعراب الثاني مع كونه متضمنا للحرف في الأصل، لأن ذلك المعنى انمحى بالعلمية، وإن لم يكن للجزء الثاني قبل العلمية، لا مطلق الأعراب ولا معينه، فالحكاية لا غير، نحو المسمى بما قام، وقد قام، وكلما، وإذا ما، وكأن، ولعل، ونحوها، وهذا هو تمام الكلام فيما سمي به من المركب،
(1) أي كما في معد يكرب، وتقدم أن في إعرابه وجهين، وإن كان أشهرهما إعراب الثاني، ولزوم آخر الأول للفتح ما لم يكن معتلا، (*)
[ 135 ]
(المركب العددي) (والمركب المزجي) (قال ابن الحاجب:)
(فإن تضمن الثاني حرفا، بنيا، كخمسة عشر، وحادي) (عشر وأخواتهما، إلا اثني عشر، وإلا: أعرب الثاني) (كبعلبك وبني الأول في الأفصح)، (قال الرضي:) اعلم أن أصل خمسة عشر: خمسة وعشر، حذفت الواو قصدا لمزج الاسمين وتركيبهما، وإنما مزج هذا المعطوف بالمعطوف عليه، دون مثل قولك: لا أب وابنا، 1 لأن الاسمين معا ههنا عدد واحد، كعشرة، وكمائة، بخلاف نحو: لا أب وابنا، وإنما مزجوا النيف مع هذا العقد، بخلاف سائر العقود نحو: عشرين، وأخواته، ومائة، وألف، لقرب هذا المركب من مرتبة الآحاد التي ألفاظها مفردة، وبني الأول لكونه محتاجا إلى الثاني، فشابه الحرف، وبني الثاني، لتضمنه الحرف العاطف، وبنيا على الحركة للدلالة على عروض البناء، وأن لهما في الأعراب أصلا، وعلى الفتح ليخف به بعض الثقل الحاصل من التركيب، وأجاز بعض الكوفيين إضافة النيف إلى العشرة، تشبيها بالمضاف والمضاف إليه حقيقة، كما مر في العلم المركب، وأنشد: 471 - كلف من عنائه وشقوته * بنت ثماني عشرة من حجته 2
(1) ورد هذا في أحد الشواهد المتقدمة في الجزء الثاني، وهو قول الشاعر: فلا أب وأبنا مثل مروان وابنه * إذا هو بالمجد ارتدى وتازرا (2) أورده الجاحظ في الحيوان نقلا عن أحد الرواة قال: أنشدني نفيع بن طارق، ورواه: علق من عنائه... وهو من جملة أشطار من الرجز فيها وصف لشيخ هرم يتعشق فتاة صغيرة، وفيها فحش كثير، (*)
[ 136 ]
وبني حادى عشر إلى تاسع عشر، بناء خمسة عشر، وذلك لأن أصل خامس عشر: خامس وعشرة، كما تقول: الخامس والعشرون والرابع والخمسون، جرت عادتهم بإبقاء الجزء الثاني مما فوق العشرة، مركبا كان أو معطوفا في المفرد من المتعدد، كما كان
في العدد، فتقول الثاني والعشرون كما قلت: اثنان وعشرون، فإن قلت: معنى العطف في العدد ظاهر، بخلافه في المفرد من المتعدد، وذلك لأن معنى ثلاثة وعشرون رجلا: ثلاثة رجال وعشرون رجلا، وكذا في نحو: ثلاثة عشر رجلا، أي ثلاثة رجال وعشرة رجال، وليس معنى ثالث عشر: واحدا من الثلاثة، وعشرة، ولا معنى: الثالث والعشرون: الواحد من الثلاثة، والعشرون، بل المعنى: الواحد من الثلاثة والعشرة والواحد من الثلاثة والعشرين، فما معنى هذا العطف ؟ قلت: كان القياس أن يبنى من مجموع جزأي المركب في نحو ثلاثة عشر اسم فاعل واحد، وكذا من مجموع المعطوف والمعطوف عليه في نحو ثلاثة وعشرون، إذ لو بنيت من كل واحد من الجزأين، وكل اسم فاعل من العدد يدل على مفرد من المتعدد، لكانا اسمي فاعل يدلان على مفردين: وهو ضد المقصود، فتبين أن (عشرين) في قولك: ثالث وعشرون، ليس بمعنى المفرد من المتعدد كما في قولك: الباب العشرون، بل هو باق على معنى العدد، كما كان في: ثلاثة وعشرون، ولو كان بمعنى المفرد لقلت في ثلاثة عشر: ثالث عاشر، إذ المفرد من العشرة: عاشر، وليس كالعشرين، إذ لفظ العدد ولفظ المفرد من المتعدد ههنا في صورة واحدة، فنقول: إذا أرادوا بناء اسم فاعل واحد من مجموع لفظي ثلاثة وعشرين أو: ثلاثة عشر، كما بني من ألفاظ الآحاد التي تحت العشرة، ولم يمكن بناء اسم فاعل منهما مع بقاء حروفهما، لأن لفظ الفاعل: اسم ثلاثي، زيد فيه ألف بعد الفاء، وحروف الاسمين أكثر من ثلاثه، ومع حذف بعض حروف كل واحد منهما، وإبقاء الآخر، نحو: ثاشر، مثلا في: ثالث عشر، أو: ثالش، كان يلبس، فاضطروا إلى أن يوقعوا صورة اسم الفاعل التي حقها سبكها من مجموعهما، على أحدهما لفظا، ويكون المراد من حيث المعنى: كونها من المجموع، لأن المعنى واحد من مجموع العددين، فأوقعت تلك الصورة على أول الاسمين دون الثاني ليؤذن من أول الأمر أن المراد: المفرد من المتعدد، لا العدد، وعطف الثاني
[ 137 ]
لفظا على تلك الصورة، وهو معطوف من حيث المعنى على العدد المشتق ذلك الفاعل منه، فهو عدد معطوف على عدد، لا متعدد على متعدد، ولا عدد على متعدد، لاستحالتهما، كما بينا، لكن المعطوف عليه في الحقيقة: مدلول المعطوف عليه ظاهرا، ويستوي فيما قلنا: المعطوف بحرف ظاهر، كما في: الثالث والعشرون، أو بحرف مقدر كما في: ثالث عشر، فأصل قولك: جاءني ثالث عشر: جاءني واحد من ثلاثة عشر، فعشر، معطوف على الثلاثة، لا على واحد، ثم جعل لفظ ثالث مقام قولك واحد من ثلاثة، فعطفوا عشر على ظاهر هذا القائم مقام المجموع، لما اضطروا إليه، فإن قيل: لو كان معنى ثالث عشر: واحد من ثلاثة عشر، لم يجز أن يضاف إلى ثلاثة عشر: فيقال: ثالث عشر ثلاثة عشر، إذ يكون المعنى: واحد من ثلاثة عشر ثلاثة عشر، قلت: هذا كما يضاف ثالث مع أن معناه: واحد من ثلاثة، إلى ثلاثة فيقال: ثالث ثلاثة، وإنما أضيف في الموضعين لاحتمال أن يراد بثالث عشر، لو لم يضف إلى أصله: ثالث عشر عشرين، أو خمسين، أو مائة، أو فوقها، لأن اسم الفاعل من العدد إذا كان بمعنى واحد، يضاف إلى العدد المشتق هو منه، وإلى ما فوقه، أيضا، كما تقول: الحسين رضي الله عنه: ثالث الاثني عشر 1، كما يجيئ في باب العدد، وإذا عرف نحو ثالث عشر، وثلاثة عشر، من المركبات، باللام، فلا خلاف في بقائه على بنائه، لبقاء علة البناء مع اللام، أيضا، وأما إذا أضيف، كثلاثة عشرك، متلا، ففي إعرابة خلاف، كما يجيئ في باب العدد، فإن قلت: فلم لم يجز الأعراب مع اللام المرجحة لجانب الاسمية، كما ذكرت في باب الأصوات، نحو: كل الاين ؟
(1) أشرت في مقدمة هذا الشرح عند الحديث عن مذهب الرضي، إلى أن من الأدلة على تشيعه، ما يرد في
هذا الكتاب من أمثلة كهذا المثال، وكقوله في باب الفاعل: استخلف المرتضى المصطفى صلى الله عليه وسلم، في تمثيله لتقدم المفعول على الفاعل عند ظهور المعنى، والمراد بالمرتضى: علي بن أبي طالب رضى الله عنه، (*)
[ 138 ]
قلت: لأن الجزء الذي باشره اللام من المركب، أي صدره، يتعسرا إعرابه، للزوم دوران الأعراب في وسط الكلمة، والجزء الأخير لم تباشره اللام فكيف يعرب، بخلاف نحو: كل الأين، فإن اللام باشرت فيه ما كان مبنيا، وبخلاف الأضافة فإنها تباشر الثاني في نحو: ثلاثة عشر زيد، فمن ثم جوز الأخفش إعرابه، كما يجيئ في باب العدد، قوله: (إلا اثني عشر)، جمهور النجاة على أن (اثني عشر)، معرب الصدر، لظهور الاختلاف فيه، كما في: الزيدان والمسلمان، وتمحلوا لأعرابه علة، كما يجيئ، وقال ابن درستويه 1: هو مبني كسائر أخواته من الصدور، لكونه محتاجا إلى الجزء الثاني مثلها، وقال: كل واحد من لفظي: اثنا عشر واثني عشر، صيغة مستأنفة، كما مر في: هذان، وهذين، واللذان واللذين، وإنما أعرب، عند الجمهور، الصدر منه، لأنه: عرض بعد دخول علة البناء فيه، أي تركيبه مع الثاني وكون الأعراب، لو أعرب، كالحاصل في وسط الكلمة: ما 2 أوجب كونها كالمعدوم، وذلك أنهم لما أرادوا مزج الاسمين، بعد حذف الواو، المؤذن بالانفصال ووجب حذف النون أيضا لأنها دليل تمام الكلمة، كما ذكرنا في صدر الكتاب، ولم يحذف النون لأجل البناء، ألا ترى إلى بناء نحو: يا زيدان، ويا زيدون، ولا مسلمين ولا مسلمين، مع ثبوت النون، فقام (عشر) بعد حذف النون مقامها، وسد مسدها، والنون بعد الألف والواو في: مسلمان ومسلمون، لا يجعلها كالكائن في وسط الكلمة، لأنها دليل تمام الكلمة قبله، والأعراب يكون مع التمام، فلذا يختلف الأعراب قبل النون في المثنى والمجموع، كما يختلف قبل التنوين، فصار (اثنا عشر) كاثنان، والدليل على
قيام (عشر) مقام النون أنه لا يضاف اثنا عشر، كما يضاف أخواته، تقول ثلاثة عشرك وخمسة عشرك، ولا تقول: اثنا عشرك، لأنه، كاثنانك، 3 ويجوز أن يقال: صار
(1) تقدم ذكره في هذا الجزء، (2) فاعل لقوله: عرض بعد دخول علة البناء.. (3) يقصد لفظ (اثنان) مضافا إلى ضمير المخاطب مع بقاء النون، أي وذلك ممنوع فكذلك اثنا عشرك، (*)
[ 139 ]
اثنان بعد حذف النون كالمضاف إلى عشر، لأن نون المثنى والمجموع لم يعهد في غير هذا الموضع حذفها إلا للاضافة، فصار كأنه مضاف، والتركيب الأضافي، لا يوجب البناء، وليس قول من قال: انه أعرب لأنه امتنع حذف علامة التثنية أي الألف لأجل التركيب، وتلك العلامة إعراب فلم يسقط الأعراب: بشئ، 1 لأن نحو: يا زيدان، ويا زيدون، مبني اتفاقا مع قيام هذه العلة، بل إذا قصد بناء المثنى جردت علامة التثنية عن كونها إعرابا، وكذا علامة الجمع، قوله (وإلا أعرب) كبعلبك وبني الأول في (الأفصح)، قد تقدم شرحه، وان بعضهم يضيف صدر هذا المركب إلى عجزه، مع صرف المضاف إليه، وتركه، ومن المركبات: قولهم بادي بدي، وفيه لغات: إحداها: هذه، وهي سكون ياءي الأول والثاني، تقول: أعطه بادي بدي، والأصل: بادئ بدئ، فالأول: فاعل من بدأت الشئ، أي فعلته ابتداء، والثاني: فعيل بمعنى مفعول، منه، وهو 2 اسم فاعل مضاف إلى مفعوله، وانتصابه على الحال، أي أعطه فاعلا ابتداء لما يجب أن يفعل ابتداء، والمراد بالبدي: مصدر الفعل المتقدم، وهو الاعطاء في مثالنا، فعلى هذا، هو في الأصل مضاف ومضاف إليه، فينبغي أن يكون كل منهما معربا لكنه كثر استعماله حتى استفيد من مجموع الكلمتين ما يستفاد من كلمة واحدة، إذ معنى بادي بدي: مبتدئا، وذلك كما قلنا في: فاها لفيك، وبعته يدا بيد،
في باب الحال، فشبه المضاف والمضاف إليه، لانمحاء معناهما الأصلي وافادتهما معنى المفرد بالمركب في نحو: خمسة عشر، فإنه مركب مفيد معنى المفرد، إذ إفادته لمعناه أي العدد المعين، كإفادة (عشرة) لمعناها، فبني الأول لكونه جزء الثاني، واحتياجه إليه، وبني الثاني وإن لم يتضمن الحرف، تشبيها له بما تضمنه نحو خمسة عشر، وبيت بيت، كما ذكرنا في معد يكرب،
(1) خبر عن قوله: وليس قول من قال... (2) أي تركيب بادئ بدئ، (*)
[ 140 ]
ولم يبن الجزآن ولا أحدهما في نحو: يدا بيد، ونحو: شاة ودرهما وإن أفاد فائدة المفرد، ولذلك أعرب أولهما إعراب المفرد الذي يفيدان معناه كما تبين في باب الحال، لظهور 1 انفكاك الجزأين: أحدهما من صاحبه، بالحرف المتخلل، وكان بناء ثاني جزأي بادي يدي تشبيها بخمسة عشر أكثر من بناء ثاني جزأي معد يكرب، لقصدهم التخفيف ههنا أكثر، ألا ترى إلى تخفيف همزتي بادئ بدئ، على غير القياس، كما يجيئ، فكثر بناؤه أيضا، على غير القياس، لأن الكلمة تخفف بالبناء، لتجردها عن التنوين والأعراب، وإنما لم يبن الجزآن، ولا أحدهما في الأعلام المنقولة عن المضاف والمضاف إليه، وإن انمحى عن الجزأين أيضا معنياهما الافراديان، كما انمحى في بادي بدي، لأن العلم ينقل بالكلية عن معنى إلى معنى آخر، من غير لمح للأصل إلا لمحا خفيا في بعض المواضع، كما في نحو: الحسن، والعباس، فلما غير المضاف من حيث المعنى تغييرا تاما، لم يغير من حيث اللفظ، ليكون فيه دليل على الأصل المنقول منه، من أحد الطرفين: أي اللفظ والمعنى، بخلاف نحو: بادي بدي، فإن معناه الأصلي مقصود مما نقل إليه، إلا أن المنقول منه إضافي، والمنقول إليه إفرادي،
وجعل جار الله 2: بادي بدي، وأيدي سبا، من باب معد يكرب، وجعلها سيبويه من باب خمسة عشر، وهو الأولى، وإن كان على جهة التشبيه، ولو كان الأمر كما قال جار الله، لوجب إدخال التنوين في (بدي)، و (بدا)، لأن فيهما تركيبا بلا علمية، ولم يسمعا منونين، وكذا: أيدي سبا، فإنه لا ينون (سبا) لأنه اسم رجل، لأن معنى: أيدي سبا، أولاد سبأ بن يشجب، وليس اسم قبيلة، كما أول في قوله تعالى: (لقد كان لسبأ في مسكنهم 3)، و: (جئتك من سبأ) 4، لأن المضطر 5 إلى هذا التأويل ترك التنوين،
(1) تعليل لقوله: ولم يبن الجزآن ولا أحدهما، (2) أي الزمخشري، (3) الآية 15 سورة سبأ، (4) الآية 22 في سورة النمل، (5) الصيغة يراد بها اسم الفاعل، يعني الدافع إلى هذا التأويل، (*)
[ 141 ]
وأما قالي قلا، فعدها سيبويه من أخوات أيدي سبا، وجار الله من أخوات: معد يكرب، ولا دليل فيها على مذهب سيبويه، لأن مجموع الكلمتين: علم بلدة، فيجوز ألا ينصرف للتركيب والعلمية، ولا يكون مبنيا، وأما تخفيف همزتي بادي بدي، فنقول انه سكن الهمز من بادئ وقلب ياء، وحذف الهمز من بدئ، وكلا التخفيفين خلاف القياس، وثانيتها 1: بادي بدا، أولى كلمتي هذه، كأولى كلمتي اللغة الأولى، والثانية على وزن (دعا)، وأصله: بداء، كنبات، لأن (بدأ) على وزن طلب لم يأت من هذا التركيب فحذفت الهمزة تخفيفا، وبداء، مصدر بمعنى المفعول، فهو كبدئ من حيث المعنى، والثالثة والرابعة، والخامسة: بادي بدء أو بدئ أو بداء، الكلمة الأولى من هذه اللغات كأولى المذكورتين، ساكنة الياء والثانية إما على وزن: سمح، أو كريم، أو
جبان، والبدء والبداء مصدران بمعنى المفعول، وليس الجزآن في هذه اللغات مبنيين، بل هما المضاف والمضاف إليه، لكن ألزم ياء بادي: السكون بعد القلب للتخفيف واثنانية فيها كلها غير مخففة، وقد يقال: بدأة ذي بدء، وبدأة ذي بدأة، وبدأة ذي بداءة، على فعلة ذي فعل وفعلة وفعالة، المضاف إليه في الثلاث بمعنى المفعول، لأنه يقال للمضروب: ذو ضرب، كما يقال للضارب، والمضاف مصدر، إما بمعنى الفاعل، فيكون انتصابه على الحال، فيكون المعنى، كما في بادي بدي، أو منصوب على الظرف بتقدير حذف المضاف أي: وقت ابتدائك بما تبتدئ به، فهو مصدر مضاف إلى المفعول، ومنها 2: أيدي سبا، في قولهم: تفرقوا أيدي سبا، وأيادي سبا، أي: مثل تفرق أولاد سبأ بن يشجب، حين أرسل عليهم سيل العرم، والأيدي كناية عن الأبناء والأسرة،
(1) ثانية اللغات في بادئ بدئ، وقد طال حديثه في الأولى، (2) يعني: من المركبات، وإن كان قد تعرض له استطرادا في أثناء الكلام على بادي بدا، (*)
[ 142 ]
لأنهم في التقوي والبطش به بمنزلة الأيدي، ويجوز أن يكون في الأصل انتصابه على الحال، على حذف المضاف، وهو (مثل)، ويجوز أن يكون على المصدر، والمعنى مثل تفرق أيدي سبا، وأمره في بناء الأول والثاني، كما مر في: بادي بدي، فلذا ألزم ياء (أيدي) السكون، وسكنت همزة (سبأ) ثم قلبت ألفا، وقد يقال: أيدي سبا بالتنوين، فيكون: أيدي، وأيادي، مضافين إلى (سبا) لكنه يلزم سكون ياءيهما، وقلب همزة (سبا)، وقد استعمل جوازا كخمسة عشر مبنية الجزأين: ظروف، كيوم يوم وصباح مساء، وحين حين، وأحوال نحو: لقيته كفة كفة، وهو جاري بيت بيت، وأخبرته أو لقيته
صحرة بحرة، ويجوز أيضا، إضافة الصدر من هذه الظروف والأحوال إلى العجز، وإنما لم يتعين بناء الجزأين فيهما، كما تعين في (خمسة عشر)، لظهور تضمن الحرف في خمسة عشر، دون هذه المركبات، إذ يحتمل أن تكون كلها بتقدير حرف العطف، وألا تكون، فإذا قدرناه قلنا ان معنى لقيته يوم يوم، وصباح مساء، وحين حين، أي: يوما فيوما، وصباحا فمساء، وحينا فحينا، أي: كل يوم وكل صباح ومساء وكل حين، والفاء تؤدي معنى هذا العموم، كما في قولك: انتظرته ساعة فساعة أي في كل ساعة، إذ فائدة الفاء: التعقيب، فيكون المعنى: يوما فيوما عقيبه، بلا فصل، إلى ما لا يتناهى، فاقتصر على أول المكرر، أي التثنية، كما في قوله تعالى: (ثم ارجع البصر كرتين) 1، ولبيك، ونحوه، وكذا في: صباح مساء، وحين حين، وقلنا 2: ان أصل لقيته كفة كفة، معناه: متواجهين ذوى كفة مني، وكفة منه، كأن كلا، منا كان يكف صاحبه عن التولي والاعراض، وأصل جاري بيت بيت،
(1) الآية 4 سوره الملك، (2) متصل بقوله: فإذا قدرناه قلنا... (*)
[ 143 ]
متلا صقا بيتي وبيته أي مجتمعان 1 ملتزقان، كما تقول: كل رجل وضيعته، كما ذكرنا، في باب الحال في قولهم: بعت الشاء: شاة ودرهما، وأصل لقيته صحرة بحرة: صحرة وبحرة، ومعناه: ظاهرين ذوى صحرة أي انكشاف، وبحرة أي اتساع، أي في غير ضيق، وأخبرته صحرة بحرة، معناه: كاشفا للخبر، ذا صحرة...، ويجوز أن يكون مصدرا لا حالا، أي لقاء واخبارا ذا صحرة، وإن لم نقدر حرف العطف قلنا: إن المعنى: يوما بعد يوم وصباحا بعد مساء، وحينا
بعد حين، كقوله: 472 - ولا تبلى بسالتهم وإن هم * صلوا بالحرب حينا بعد حين 2 ولقيته ذا كفة مع كفة أو بعد كفة، كما يروى عن رؤبة: كفة عن كفة، كقولهم: كابرا عن كابر، 3 وهو جاري بيت بيت، أي: ذا بيت مع بيت، أو عند بيت، وأخبرته ذا صحرة مع بحرة، وإذا ضموا (نحرة) إليهما، أعربوا الثلاثة، نحو: صحرة بحرة نحرة، على الأتباع، كما في: خبيث نبيث، إذ يتعذر تركيب ثلاث كلمات، والنحر، أيضا، بمعنى الأظهار، لأن نحر الأبل يتضمنه، ومنه قولهم: قتلته نحرا، وقولهم للعالم: نحرير: لأن القتل والنحر يتضمنان إظهار ما في داخل الحيوان، فإذا أضيفت هذه الظروف والأحوال، فإما أن تكون الأضافة بمعنى اللام، على المعنى المذكور فيها عند عدم تقدير الحرف، وإما أن تكون لتشبيه هذه المركبات بالمضاف
(1) أي هما مجتمعان ملتزمان، واللزق بالزاي مثل اللصق بالصاء، وكذلك ما تصرف من هذه المادة، كالالتزاق بمعنى الالتصاق، (2) ينسب لأبي الغول الطهوي، أو النهشلي، إذ يقول عن قومه: قدت نفسي وما ملكت يميني * فوارس صدقت فيهم ظنوني في عدة أبيات، رواها أبو تمام في الحماسة، والقالي في الأمالي، (3) ورد هذا في قول الشاعر: ورث السيادة كابرا عن كابر، وهو شطر بيت سيذكره الشارح في معاني حروف الجر، (*)
[ 144 ]
والمضاف إليه، كما قلنا في معد يكرب، وكذا في نحو: خمسة عشر إذا جعل علما، جازت الأضافة تشبيها، فإذا أخرجت هذه الظروف والأحوال عن الظرفية والحالية، وجبت الأضافة، ولم
يجز التركيب، قال: 473 - ولولا يوم يوم ما أردنا * جزاءك والقروض لها جزاء 1 وتقول: أتيته في كل يوم يوم، وأتيتك في صباح مساء، وذلك لأن علة بناء الاسمين لم تكن فيها ظاهرة، كما مر، لكنه حسن تقدير ذلك: وقوعها موقع ما يكثر بناؤه، وهو الظرف، وموقع الحال المشبه به، فإذا لم تقع موقعهما لم يقدر ذلك، واستعمل كخمسة عشر، وجوبا، أحوال لازمة للحالية، نحو: تفرقوا شغر بغر، وشذر مذر، بفتح فاء الكلمات وكسرها، وخذع مذع بكسر الفائين، وأخول أخول، 2 كلها بمعنى منتشرين، وتركتهم حيث بيث، أي متفرقين ضائعين، وسقط بين بين، أي بين الحي والميت، وبين، الثانية زائدة، كما في قولهم: المال بيني وبينك، ولم يسمع في هذه الكلمات الأضافة، كما سمعت في المذكورة قبل، مع أنه يمكن الا يقدر فيها، أيضا، حرف العطف كما في الأولى، فشغر، من اشتغرت عليه ضيعته، أي انتشرت ولم تنضبط، وبغر، من بغر النجم أي هاج بالمطر ونشره، وشذر، من التشذر أي التفريق، ومذر من التبذير وهو الأسراف، والميم بدل من الباء، ويقال: شذر بذر، على الأصل، أو من: مذرت البيضة أي فسدت، وخذع من الخذع وهو القطع، ومذع من قولهم: فلان مذاع، أي كذاب يفشي الأخبار،
(1) للفرزدق، كما جاء ذلك في سيبويه 2 / 53 والمراد: ولو لا نصرنا لك في هذا اليوم ما طلبنا نصرك لنا الآن، جعل النصر قرضا يطلب رده، (2) ورد هذا في شعر ضابئ البرجمي في إحدى القصائد، رواها الأصمعي، حيث وصف ثورا وحشيا يدافع عن نفسه كلاب الصيد فكان يطعنها بقرنه فتتساقط من حوله كما يتساقط الشرر من الحديد عندما يطرقه الحداد، وذلك في قوله: يساقط عنه روقه ضارياتها * سقاط شرار القين أخول أخولا (*)
[ 145 ]
وينشرها، وحيث بيث، وقد ينونان، وقد يقال: حيث بيث بكسر الفائين، وأصلهما: حوث بوث، وقد يستعملان على الأصل مع التنوين وعدمه نحو: حوثا بوثا، من الاستحاثة والاستباثة، وهما بمعنى، يقال: استحثت الشئ إذا ضاع في التراب فطلبته، وقد جاء: حاث باث بفتح الثائين، وحاث باث بكسرهما أيضا، تشبيها بالأصوات، نحو: قاش ماش 1، وخاق باق، 2 وجاز قلب الواو ياء، أو ألفا، للاستثقال الحاصل بالتركيب، ومن نونهما فلكون الثاني إتباعا، كما في: خبيث نبيث، وكثير من ألفاظ هذه المركبات، مع كونها مشتقة، كخذع مذع، وشغر بغر، لم تستعمل إلا مع التركيب، وندر مثل هذا المركب في غير الظروف والأحوال، لما قلنا إن تقدير الحرف في مثله غير متعين، وانما حسنه الحالية والظرفية، وذلك نحو قولهم: وقعوا في حيص بيص، أي في فتنة عظيمة، بفتح الصادين، والفاءان مكسورتان أو مفتوحتان، والحيص: الهرب، والبوص السبق والتقدم أي وقعوا في هرب وسبق بعضهم بعضا لعظم الفتنة، فقلبوا الواو ياء، 3 للازدواج، وهو أولى من العكس، لأن الياء أخف، وقد يقال: حوص بوص بقلب الياء واوا، وقد ينون الجزءان مع كسر الفاءين وفتحهما، فيكونان معربين، والثاني إتباع كما ذكرنا، وقد يقال: حيص بيص بكسر الصادين، والفاءان مفتوحتان أو مكسورتان تشبيها بالأصوات، وجاء: حاص باص، كحاث باث بفتحهما، وأما الخاز باز 4، فإنه مركب من اسم فاعل: خزى أي قهر وغلب، ومن اسم فاعل: بزى، إذا سما وارتفع كأنه قيل: هو الخازي البازي، فركبا وجعلا اسما واحدا، وتصرف
(1) صوت القماش عند طيه، (2) صوت النكاح.. وسيذكرهما الشارح،
(3) يعني في كلمة بوص، (4) يأتي تفسيره وذكر معانيه بعد ذكر لغاته، (*)
[ 146 ]
فيه على سبعة أوجه: خازباز، بحذف الياءين وبناء الاسمين على الكسر تشبيها بالصوت، وخازباز، تشبيها بخمسة عشر، وكأن أصله: الخازي والبازي على عطف أحد النعتين على الآخر، وخازباز، كبعلبك، على أن يبنى أولهما على الفتح، أو الكسر، وإنما جاز كسر الأول ههنا بخلاف بعلبك، نظرا إلى أصل الزاي، وإنما منع الصرف في هذين الوجهين، للعلمية الجنسية والتركيب، فإذا دخله اللام انكسر الثاني جرا كما في سائر غير المنصرف، وخازباز بإعرابهما على إضافة الأول إلى الثاني، كما يجوز في بعلبك، فيجوز صرف الثاني وترك صرفه، وخازباء، كقاصعاء، وخزباز، كقرطاس، وليس الأخيران مركبين من كلمتين، بل كل واحد منهما اسم صيغ من اسمين، كما قيل: عبقسي، في عبد القيس، وإذا دخلت اللام على هذه اللغات، لم تغير ما كان مبنيا عن بنائه، كما في: الخمسة عشر، قال: 474 - تفقأ فوقه القلع السواري * وجن الخازباز به جنونا 1 ولها خمسة معان 2: ضرب من العشب، وذباب يكون في العشب، وصوت الذباب، وداء في اللهازم، والسنور، وأما خاق باق، للنكاح، وقاش ماش، لقماش، فكل واحد منهما سمي بصوته، فبقيا على بنائهما،
(1) قائله: عمرو بن أحمر الباهلي، يصف مكانا غمره المطر فأخصب واخضر والمراد من الخازباز في
البيت: الذباب أو العشب نفسه كما يأتي في تفسير معنى الخازباز، والقلع جمع قلعة وهي القطعة العظيمة من السحاب ومعنى تفقأ: تنشق عن الماء وأصله تتفقأ بتاءين خفف بحذف إحداهما، (2) استشهد ابن يعيش في شرح المفصل 4 / 120 لثلاثة من هذه المعاني وقال عن كونه بمعنى السنور: إنه غريب، ولم يستشهد له، (*)
[ 147 ]
(الكنايات) (معنى الكناية والغرض منها) (علة بناء الكنايات) (قال ابن الحاجب:) (الكنايات: كم، وكذا، للعدد، وكيت وذيت، للحديث) (قال الرضي:) الكناية في اللغة والاصطلاح: أن يعبر عن شئ معين، لفظا كان أو معنى، بلفظ غير صريح في الدلالة عليه، إما للأبهام على بعض السامعين، كقولك: جاءني فلان، وأنت تريد: زيدا، وقال فلان: كيت وكيت، إبهاما على بعض من يسمع، أو لشناعة المعبر عنه، كهن في الفرج، أو الفعل القبيح، كوطئت وفعلت، عن جامعت، والغائط للحدث، أو للاختصار كالضمائر الراجعة إلى متقدم، أو لنوع من الفصاحة، كقولك: كثير الرماد، للكثير القرى 1، أو لغير ذلك من الأغراض، والمكنى عنه إن كان لفظا، فقد يكون المراد معنى ذلك اللفظ، كقوله: 475 - كأن فعلة لم تملأ مواكبها * ديار بكر ولم تخلع ولم تهب 2
(1) يعني الكريم، (2) من قصيدة للمتنبي في رثاء أخت سيف الدولة واسمها خولة كما قال الشارح، ومطلع القصيدة:
يا أخت خير أخ يا بنت خير أب * كناية بهما عن أشرف النسب وقبل البيت الذي أورده الشارح: طوى الجزيرة حتى جاءني خبر * فزعت فيه بآمالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا * شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي (*)
[ 148 ]
أي خولة، وكقولك مررت برجل أفعل، أي أحمق، وقد يكون المراد مجرد ذلك اللفظ، كالألغاز والمعميات، نحو: اكفف اكفف 1، في: مهمه، وكذا الأوزان التي يعبر بها عن موزوناتها في اصطلاح النحاة، كقولهم: أفعل صفة لا ينصرف، وهو عبارة عن كلمة أولها همزة زائدة بعدها فاء ساكنة بعدها عين مفتوحة، بعدها لام، وكذا غيره من الأوزان، كما يجيئ في باب الأعلام، فيكون، على هذا، (كم) الاستفهامية كناية، لأنها سؤال عن عدد معين، وكذا: من، وما، وكيف، وغيرها من أسماء الاستفهام، لأنها كلها سؤال عن معين غير مصرح باسمه، فمن: سؤال عن ذي العلم، المعين غير المصرح باسمه، ولو صرحت لقلت أزيد أم عمرو، و: أذلك الفاضل أم ذلك الجاهل، وكذا (أين) سؤال عن مكان معين غير مصرح باسمه، وكذا أسماء الشرط، كلها كنايات وذلك لأن كلمات الشرط والاستفهام بمعنى (أي) الموضوع للمعين، شرطا كان أو استفهاما، تكنى بهذه الأسماء شرطا أو استفهاما عن المعينات غير المحصورة، اختصارا، إذ كان يطول عليك لو قلت مكان: أين زيد، أفي الدار، أم في السوق، أم في الخان، إلى غير ذلك من جميع المعينات، فحرف الشرط وحرف الاستفهام مقدران قبل هذه الأسماء كما هو مذهب سيبويه، وهي كنايات عن المعينات التي لا تتناهى كما مر، وقول المصنف: ليس نحو من، وما، وكيف، كناية، ممنوع، إذ كثيرا ما يجري في كلامهم: أن (من) كناية عن العقلاء، و (ما) عن غيرهم وقولك: أنا، وأنت، ليس بكناية لأنه تصريح بالمراد، وضمير الغائب كناية، إذ هو دال على المعنى بواسطة
المرجوع إليه غير صريح بظاهره فيه، ويقال: كنيت عن كذا بكذا، وكنوت، قال:
(1) هذا مما جاء في مقامات الحريري مما يراد به الألغاز، وحله أنه يقصد كلمة مهمه بمعنى المكان القفر فإنه مكون من كلمة مه مرتين، وهي بمعنى اكفف، وقد جاء في المقامات منظوما في قوله: يا من تقصر عن مدا * خطى تجارية وتضعف... ما مثل قولك للذي * أضحى يحاجيك: اكفف اكفف وأورده البغدادي في الخزانة وشرحه، وأورد ما يشبهه من الألغاز، (*)
[ 149 ]
476 - وإني لأكنو عن قذور بغيرها * وأعرب أحيانا بها فأصارح 1 فالكناية ضد التصريح لغة واصطلاحا، اعلم أن جميع الكنايات ليست بمبنية، 2 فإن فلانا وفلانة، منها، بالاتفاق وهما والمبني منها: كم، وكذا، وكأين، وكيت، وذيت، وأما أسماء الاستفهام والشرط فلم تعد هنا، لأن لها بابا آخر، هي أخص به، فالكنايات، كالظروف في كون كل واحد منهما قسمين: معربا ومبنيا، قال المصنف: المراد بالكنايات ألفاظ مبهمة يعبر بها عما وقع في كلام متكلم مفسرا، إما لأبهامه على المخاطب، أو لنسيانه، فكم، لا تكون من هذا القبيل، على ما أقر به، استفهامية كانت أو خبرية، ولا لفظ (كذا) في قولك: عندي كذا رجلا، لأنه ليس حكاية لما وقع في كلام متكلم مفسرا، ولا كيت وكيت، وذيت وذيت، بلى، مثل قولك: قال فلان كذا، وقال فلان كيت وكيت، داخل في حده، وكأين، خارج عنه، نحو قولك: كأين رجل عندي، واعلم أن بناء (كم) الخبرية لشبهها بأختها الاستفهامية، قال المصنف: والأندلسي،
أو لتضمنها معنى الأنشاء الذي هو بالحروف غالبا، كهمزة الاستفهام وحرف التحضيض وغير ذلك، فأشبهت ما تضمن الحرف، فإن قيل: الكلام الخبري هو الذي يقصد المتكلم أن له خارجا موجودا في أحد الأزمنة مطابقا لما تكلم به، فإن طابقة سمي كلامه صدقا وإلا فكذبا، والأنشائي ما لا يقصد المتكلم به ذلك، بل إنما يحصل المتكلم المعنى الخارج، بذلك الكلام، والكلام المصدر بكم، أو برب، لا بد فيه من أن يقصد المتكلم مطابقته للخارج، نحو: كم رجل لقيته، و:
(1) أراد بقذور: امرأة بعينها، فكنى عنها بهذا اللفظ، وقال البغدادي: إن هذا البيت مما جاء في بعض كتب النوادر غير منسوب لأحد، (2) يقصد أنها ليست كلها مبنية، بل بعضها معرب، وعبارته لا تؤدي المقصود، (*)
[ 150 ]
رب من أنضجت غيظا قلبه * قد تمنى لي موتا لم يطع 1 - 428 فيصح أن يقال: ما لقيت رجلا، ولم تنضج صدر أحد، وجواز التصديق والتكذيب دليل كونهما خبرين، فالجواب: ان معنى الأنشاء في (كم) في الاستكثار، وفي (رب) في الاستقلال، 2 ولا يقصد المتكلم أن للمعنيين خارجا، بل هو الموجد لهما بكلامه، بلى، يقصد أن في الخارج قلة أو كثرة، لا استكثارا ولا استقلالا فلا يصح أن يقال له: كذبت، فإنك ما استكثرت اللقاء، وما استقللت الأنضاج، كما لو قال: ما أكثرهم، صح أن يقال: ليسوا بكثيرين، ولم يصح أن يقال: ما تعجبت من كثرتهم، وليس كذلك نحو: ما قام زيد، فإنه لا يفيد، أنك تعد قيامه منفيا بهذا الكلام كما أفاد: كم رجل لقيته، أنك تعد لقاءه كثيرا بهذا الكلام، بل المعنى أنك تحكم بانتفائه في الخارج، ويأتي تمام القول فيه، في أفعال المدح والذم، إن شاء الله تعالى، وأما بناء (كذا) فلأنه في الأصل (ذا) المقصود به الأشارة، دخل عليه كاف التشبية، وكان (ذا) مشارا
به إلى عدد معين في ذهن المتكلم، مبهم عند السامع، ثم صار المجموع بمعنى (كم)، وانمحى عن الجزأين معنى التشبيه، والأشارة، كما ذكرنا في: فاها لفيك، وأيدي سبا، فصار الكلمتان ككلمة واحدة، ولذا نقول: إن كذا مالك، يرفع (مالك) على أنه خبر (أن) ولا تقول إن اسم (ان): الكاف الاسمية، لأنها عند سيبويه لا تكون اسمية إلا للضرورة، كما يجيئ في حروف الجر، فيبقى ذا، على أصل بنائه، قوله: (كذا للعدد)، وقد يكون لغير العدد، أيضا، نحو: قال فلان كذا، وأما (كأين) فهو كاف التشبيه دخلت على (أي) التي هي غاية الأبهام إذا قطعت عن الأضافة، فكأين، مثل (كذا) في كون المجرورين مبهمين عند السامع إلا أن في (ذا) إشارة في الأصل إلى ما في ذهن المتكلم بخلاف (أي) فإنه للعدد المبهم، والتمييز
(1) تقدم ذكره في باب الموصول من هذا الجزء، (2) يعني اعتبار الشئ قليلا وهو مقابل للاستكثار أي عد الشئ كثيرا، (*)
[ 151 ]
بعد كدا وكأين، في الأصل، عن الكاف، لا عن (ذا) و (أي)، كما في: مثلك رجلا، لأنك تبين في: كذا رجلا، وكأين رجلا، أن مثل العذذ المبهم من أي جنس هو، ولم تبين العدد المبهم حتى يكون التمييز عن ذا، وأي، فأي في الأصل، كان معربا، لكنه، كما قلنا في (كذا) انمحى عن الجزأين، معناهما الأفرادي، وصار المجموع كاسم مفرد بمعنى (كم) الخبرية، فصار كأنه اسم مبني على السكون، آخره نون ساكنة، كما في (من) لا تنوين تمكن، فلذا يكتب بعد الياء نون، مع أن التنوين لا صورة له خطا، ولأجل التركيب، تصرف فيه فقيل: كائن بالألف بعد الكاف، بعدها همزة مكسورة بعدها نون ساكنة، قال يونس 1: هو: اسم فاعل من كان، وذهب المبرد، وهو الأولى، إلى أنهم بنوا من الكلمتين لما ركبوهما: اسما على فاعل، فالكاف فاء الكلمة، والهمزة التي كانت
فاء (أي)، صارت عينا، وحذفت إحدى الياءين، وبقيت الأخرى لاما، وقال الخليل: الياء الساكنة من (أي) قدمت على الهمزة وحركت بحركتها لوقوعها موقعها، وسكنت الهمزة لوقوعها موقع الياء الساكنة ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فاجتمع ساكنان: الألف والهمزة، فكسرت الهمزة لالتقاء الساكنين، وبقيت الياء الأخيرة بعد كسرة فأذهبها التنوين بعد زوال حركتها كالمنقوص، وقال بعضهم: الياء المتحركة قدمت على الهمزة وقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلشها، ثم سكنت الهمزة وكسرت للساكنين وحذفت الأولى كما في: قاض، ومنهم من قال: قدمت العين، أي الياء الساكنة على الهمزة وقلبت ألفا مع سكونها كما في: طائي، وحاري، 2 ثم نقلت كسرة الياء إلى الهمزة اتماما للتغير، وحذفت للتنوين بدليل أن من لغاته: كيئ نحو: كيع، 3 وقد يقال: كيأ بفتح الهمزة على أنها بقيت مفتوحة، ثم قلبت الياء التي
(1) يونس بن حبيب أحد شيوخ سيبويه، وتقدم ذكره في هذا الجزء وفيما قبله، (2) طائي: نسبة شاذة إلى طيئ، وحاري منسوب إلى الحيرة، وهو شاذ أيضا، (3) كلمة أراد بها ضبط ما قبلها فجعل مكان الهمزة عينا، وكذلك في قوله بعد هذا: كعي وكع، (*)
[ 152 ]
هي لام الكلمة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وقد يقال: كأي، نحو: كعي بحذف حركة الهمزة مع الياء الأولى، وجاء: كأ، نحو: كع، إما على حذف العين واللام معا، ونقل كسرة اللام إلى الهمزة، وإما على حذف العين ونقل كسرة اللام وحذفها للتنوين، كما في عم وشبح، وعند الكوفيين: (كم)، أيضا، مركبة مثل كأين وكذا، من كاف التشبية و (ما)، وذلك لأن (ما)، كما ذكرنا في الموصولات، للمجهول ماهيته، فهي في إبهام (أي)، و (ذا)، ثم حذفت ألفها، وسكنت الميم للتركيب، وحذف ألفها إذا كانت في الاستفهام قياس، نحو: لم، وفيم، فتكون (كم) الاستفهامية كقوله:
477 - يا أيا الأسود لم خليتني * لهموم طارقات وفكر 1 وأما عند البصريين، فلا تركيب في (كم)، وأما كيت وذيت، فإنما بنيا، لأن كل واحدة منهما كلمة واقعة موقع الكلام، والجملة من حيث هي هي، لا تستحق إعرابا ولا بناء، كما مر في المركبات، فإن قيل: فكان يجب ألا تكون مبنية، أيضا، كالجمل، قلت: يجوز خلو الجمل من الأعراب والبناء، لأنهما من صفات المفردات من الأسماء، ولا يجوز خلو المفرد عنهما، فلما وقع المفرد موقع ما لا إعراب له في الأصل ولا بناء، ولم يجز أن يخلو منهما مثله، بقي على الأصل الذي ينبغي أن تكون الكلمات عليه، وهو البناء، إذ بعض المبنيات، وهو الخالي عن التركيب يكفيه عريه عن سبب الأعراب، فعريه عن سبب الأعراب: سبب للبناء، كما قيل: عدم العلة: علة العدم، فإن قلت: انهما وضعتا لتكونا كناية عن جملة لها محل من الاعراب نحو: قال
(1) استشهد به كثير من النجاة، ولم ينسبه أحد منهم، ولم يعرف المقصود بأبي الأسود، وروي: لم أسلمتني ولم خلفتني، كما يروى آخره: وفكر، وذكر، الأول جمع فكرة والثاني جمع ذكرة وممن أورده: ابن هشام في المغني ولكن السيوطي لم يتعرض له في شرحة للشواهد، (*)
[ 153 ]
فلان كيت وكيت، أي: زيد قائم، مثلا، وهي في موضع النصب، قلت: إن الأعراب المحلى في الجملة عارض، فلم يعتد به، وبناؤهما على الفتح أكثر، لثقل الياء، كما في: أين، وكيف، أو لكونهما في الأغلب كناية عن الجملة المنصوبة المحل، ويجوز بناؤهما على الضم، والكسر أيضا، تشبيها بحيث، وجير 1، ولا تستعملان إلا مكررتين، بواو العطف نحو قال فلان كيت وكيت، وكان من الأمر ذيت وديت، وهما مخففتان من: كية، وذية، بحذف لام الكلمة وإبدال التاء منها، كما في بنت، والوقف عليهما بالتاء، كما على بنت، ومن
العرب من يستعملهما على الأصل فلا يكونان إلا مفتوحتين، لثقل التشديد، والوقف عليهما بالهاء، ولا مهما ياء لا واو، إذ ليس في الكلام مثل: حيوت، وواو حيوان بدل من الياء، إلا عند المازني، وعنده واو حيوان: أصل، فيجوز أن يكون، أيضا، لام كيه وذية واو، ولم نقل إن أصلها كوية وذوية، لأن التاء في كيت وذيت بدل من اللام، وكانت العين واوا، لقلت: كوت وذوت، والتاء فيهما لكونهما عبارتين عن القصة، وحكى أبو عبيدة 2: كيه بالهاء مكان تاء كيت، مفتوحة ومكسورة. (تمييز كم بنوعيها) (والفرق بينهما) (قال ابن الحاجب:) (فكم الاستفهامية مميزها منصوب مفرد، ومميز الخبرية مجرور) (مفرد ومجموع، وتدخل من فيهما، ولهما صدر الكلام)،
(1) حرف جواب، مثل نعم، (2) أبو عبيدة بالتاء: معمر بن المثنى وهو شيخ أبي عبيد القاسم بن سلام صاحب كتاب الغريب المصنف، والمذكور في النسخة المطبوعة: أبو عبيدة بالتاء، (*)
[ 154 ]
(قال الرضي:) كم الاستفهامية، وكم الخبرية تدلان على عدد ومعدود، فالاستهامية لعدد مبهم عند المتكلم، معلوم، في ظنه، عند المخاطب، والخبرية لعدد مبهم عند المخاطب وربما يعرفه المتكلم، وأما المعدود فهو مجهول عند المخاطب في الاستفهامية والخبرية فلذا احتيج الى التمييز المبين للمعدود، ولا يحذف إلا لدليل، كما تقول مثلا: كم عندك، إذا جرى ذكر الدنانير، أي كم دينارا، أو: كم عندي، أي كم دينار، قالوا: وحذف
مميز الاستفهامية أكثر، لأنه في صورة الفضلات، ومميز الاستفهامية منصوب مفرد، حملا لها على المرتبة الوسطى من العدد، وستجئ العلة في باب العدد، وإنما حملت على وسطى المراتب، لأن السائل لا يعرف في الأغلب: الكثرة والقلة، فحملها على الدرجة المتوسطة بين القلة والكثرة أولى، وكم، منونة تقديرا، لكن فصل المميز عن كم الاستفهامية جائز في الاختيار، نحو: كم لك غلاما، ولا يجوز ذلك في العدد، إلا اضطرارا كما قال: على أنني بعدما قد مضى * ثلاثون للهجر حولا كميلا 1 - 207 وذلك لأن العدد مع المعدود ككلمة واحدة، ألا ترى أن (عشرون) مع مميزة بمنزلة: رل ورجلان، ولو وجدوا لفظا دالا على المعدود مع العدد كما في المفرد والمثنى، لم يحتاجوا إلى العدد، وكذا كل مقدار مع مميزه، لا يفصل بينهما نحو: رطل زيتا، لأنه هو، بدليل إطلاق أحدهما على الآخر، بخلاف كم الاستفهامية مع مميزها، ولا يجوز جر مميز الاستفهامية إلا إذا انجرت هي بحرف الجر، نحو: على كم جذع بني بيتك، وبكم رجل مررت، فيجوز في مثله: الجر مع النصب، وذلك لأن المميز والمميز في المعنى: شئ واحد، فكأن الجار الداخل على (كم)، داخل على مميزه فالجر عند الزجاج بسبب إضافة (كم) إلى مميزه كما في الخبرية، قصد تطابق (كم) ومميزه جرا، وعند النجاة: هو مجرور بمن مقدرة، ومجوز إضمارها: قصد التطابق، ولا تجوز أن يكون المجرور بدلا
(1) تقدم هذا الشاهد في باب التمييز، في الجزء الثاني، (*)
[ 155 ]
من (كم)، لأن بد متضمن الاستفهام، يقترن بهمزة الاستفهام، كما مر في باب البدل، ولا يكون مميز الاستفهامية مجموعا، كمميز المرتبة الوسطى، خلافا للكوفيين، وعلى ما أجاز السيرافي في العدد: أعشرون غلمانا لك، إذا أردت طوائف من الغلمان، ينبغي جواز: كم غلمانا لك بهذا المعنى، وقال البصريون: لو جاء نحو: كم غلمانا
لك، فالمنصوب حال لا تمييز، والتمييز محذوف، أي: كم نفسا لك في حال كونهم غلمانا، والعامل في الحال: الجار والمجرور، فلا يجوز عندهم: كم غلمانا لك إلا على مذهب الأخفش، كما تقدم في باب الحال، والجر في مميز الخبرية بإضافتها إليه، خلافا للفراء، فإنه عنده بمن مقدرة، وهذا كما قال الخليل في: لاه أبوك 1، إنه مجرور بلام مقدرة، وإنما جوز الفراء عمل الجار المقدر ههنا، وإن كان في غير هذا الموضع نادرا، لكثرة دخول (من) على مميز الخبرية، نحو: (وكم من ملك 2)، و (كم من قرية 3)، والشئ إذا عرف في موضع جاز تركه لقوة الدلالة عليه، فإن فصل بين الخبرية ومميزها جاز جره عند الفراء، لأنه يجره بمن المقدرة، لا بالأضافة، وغيره يوجب نصبه حملا على الاستفهامية، إذ لا يمكن الأضافة مع الفصل، إلا على مذهب يونس، فإنه يجيز الفصل بينهما في السعة بالظرف وشبهه، فيجيز في الاختيار نحو قوله: 478 - كم بجود مقرف نال العلا * وكريم بخله قد وضعه 4 وقال الأندلسي: إن يونس يجيز الفصل ههنا بالظرف وشبهه، إذا لم يكن مستقرا، ولم ينقل غيره عدم الاستقرار عن يونس ههنا، كما نقلوه كلهم في باب (لا) التبرئة، نحو: لا أبا اليوم لك،
(1) هو مثل قولهم لله درك ولله أبوك، (2) الآية 26 سورة النجم، (3) الآية 4 سورة الأعراف، (4) من أبيات نسبها صاحب الأغاني لأنس بن زنيم، يخاطب عبيد الله بن زياد بن أبيه، منها قوله: لا يكن وعدك برقا خلبا * إن خير البرق ما الغيث معه (*)
[ 156 ]
والدليل على جواز الفصل بالمستقر، أيضا، قوله:
479 - كم في بني سعد بن بكر سيد * ضخم الدسيعة ماجد نفاع 1 وأما الجر مع الفصل بالجملة، فلا يجيزه إلا الفراء، بناء على مذهبه المتقدم، وذلك نحو قوله: 480 - كم نالني منهم فضلا على عدم * إذ لا أكاد من الاقتار أحتمل 2 وإذا كان الفصل بين (كم) الخبرية ومميزها بفعل متعد، وجب الأتيان بمن، لئلا يلتبس المميز بمفعول ذلك المتعدي، نحو قوله تعالى: (كم تركوا من جنات) 3، و: (كم أهلكنا من قرية) 4، وحال (كم) الاستفهامية المجرور مميزها مع الفصل، كحال (كم) الخبرية في جميع ما ذكرنا، وبعض العرب ينصب مميز (كم) الخبرية، مفردا كان أو جمعا بلا فصل، أيضا، اعتمادا في التمييز بينها وبين الاستفهامية على قرينة الحال، فيجوز، على هذا، أن تكون في: كم عمة 5، بالنصب، خبرية، وإنما انجز مميز (كم) الخبرية المفرد، وهو أكثر من الجميع، لأن (كم) للتكثير،
(1) ورد هذا البيت في سيبويه 1 / 296 غير منسوب لأحد، ولم ينسبه أحد ممن استشهدوا به، وقال العيني إنه للفرزدق، والله أعلم، (2) من قصيدة للقطامي في مدح بعض الولاة من قريش، مطلعها: إنا محيوك فاسلم أيها الطلل * وإن بليت وإن حالت بك الحول منها: أما قريش فلن تلقاهم أبدا * إلا وهم خير من يحفى وينتعل ومن جيد أبياتها قوله: والناس: من يلق خيرا قائلون له * ما يشتهي ولأم الخطئ الهبل (3) الآية 25 سورة الدخان،
(4) الآية 58 سورة القصص، (5) إشارة إلى بيت شعر للفرزدق سيأتي كاملا في الفصل التالي، (*)
[ 157 ]
فصار مميزه كمميز العدد الكثير، وهو المائة والألف، وإنما جاز الجمع فيه ولم يجز في العدد الصريح لأن في لفظ العدد الكثير دلالة على الكثرة، فاستغنى بتلك الدلالة عن جمع المميز، وأما (كم) فهو كناية عن العدد الكثير، وليس بصريح فيه، فجوز واجمع مميزه، تصريحا بالكثرة، قوله: (وتدخل من فيهما)، أي في مميزيهما، أما في الخبرية فكثير نحو: (وكم من ملك في السموات) 1، و: (كم من قرية) 2، وذلك لموافقته جرا للمميز المضاف إليه (كم)، وأما مميز (كم) الاستفهامية، فلم أعثر عليه مجرورا بمن، في نظم ولا نثر، ولا دل على جوازه كتاب من كتب النحو، ولا أدري ما صحته 3، وإذا انجر المميز بمن وجب تقدير (كم) منونة قوله: (ولهما صدر الكلام) أما الاستفهامية فللاستفهام، وأما الخبرية فلما تضمنته من المعنى الأنشأني في التكثير، كما أن (رب) لما تضمنت المعنى الأنشائي في التقليل، وجب لها صدر الكلام، ولي، في تضمنهما معنى الأنشاء، أعني: رب، وكم، نظر، كما يجيئ في باب التعجب، 4 وإنما وجب تصدير متضمن معنى الأنشاء، لأنه مؤثر في الكلام مخرج له عن الخبرية، وكل ما أثر في معنى الجملة من الاستفهام والعرض والتمني والتشبية ونحو ذلك فحقه صدر تلك الجملة خوفا من أن يحمل السامع تلك الجملة على معناها قبل التغيير، فإذا جاء المغير في آخرها تشوش خاطره، لأنه يجوز رجوع معناه إلى ما قبله من الجملة مؤثرا فيها، ويجوز بقاء الجملة على حالها فيترقب جملة أخرى، يؤثر ذلك المغير فيها،
(1) الآية 26 في سورة النجم، (2) الآية 4 سورة الأعراف، وتقدمت الآيتان،
(3) يرى بعض العلماء أن في هذا القول من الرضى تجريحا لابن الحاجب، وزعموا أن الرد على الرضى: ما قاله الزمخشري من أن كم في قوله تعالى، سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة، استفهامية، والزمخشري إنما جوز ذلك فقط، وربما كان الرضى يقصد أن مجيئها للاستفهام غير مقطوع به، ومن عجيب ما جاء في ذلك البحث أن بعضهم يستدل على كونها استفهامية في: سل بني إسرائيل، بأن قبلها سل، وهو أمر من السؤال ؟ (4) هو في باب أفعال المدح والذم، وإن كان قد عرض ذلك إجمالا في باب التعجب، (*)
[ 158 ]
مواقع كم من الاعراب (قال ابن الحاجب:) (وكلاهما يقع مرفوعا ومنصوبا ومجرورا، فكل ما بعده فعل) (غير مشتغل عنه، كان منصوبا، معمولا له على حسبه،) (وكل ما قبله حرف جر، أو مضاف، فمجرور، والا) (فمرفوع مبتدأ ان لم يكن ظرفا، وخبرا ان كان ظرفا،) (وكذلك أسماء الشرط والاستفهام)، (قال الرضي:) قوله: (كلاهما) أي: كم الاستفهامي، وكم، الخبري 1، وإنما وقع كل منهما مرفوعا ومنصوبا ومجرورا، لأنهما اسمان، ولا بد لكل اسم مركب من اعراب، وهما قابلان لعوامل الرفع والنصب والجر، قوله: (فكل ما بعده فعل...)، أخذ يفصل مواقعهما في الاعراب، يعني إذا كان بعد (كم) فعل لم يشتغل عن نصب (كم) بنصب الضمير الراجع إليه، كما في نحو: كم رجلا ضربته ؟، أو بنصب متعلق ذلك الضمير، كما في نحو: كم رجلا
ضربت غلامه ؟: كان (كم) منصوبا على حسب ذلك الفعل غير المشتغل، أي على حسب اقتضائه، فان اقتضى المفعول به، فكم منصوب المحل بأنه مفعول به، نحو: كم رجلا ضربت ؟، وكم غلام ملكت، والأولى أن يقول: معمولا على حسبه وحسب
(1) تحدث الشارح هنا عن لفظ كم، فذكره، وقد أشرنا من قبل إلى أن الرضى يراعي كلا من اللفظ والكلمة في الحديث عن الأدوات والألفاظ فيذكرها، ويؤنثها، بل ربما جمع بين التذكير والتأنيث في حديث واحد عن لفظ أو كلمة، (*)
[ 159 ]
المميز معا، وذلك أنك تقول: كم يوما ضربت، فكم، منصوب على الظرف مع اقتضاء الفعل للمفعول به والمصدر والمفعول فيه، وغير ذلك من المنصوبات، فتعينه لأحد المنصوبات: إنما هو بحسب الفعل وحسب المميز، فبقولك (معا)، تعين للظرفية، ولو قلت: كم رجلا.... لكان انتصابه بكونه مفعولا به، لو قلت: كم ضربة، لانتصب بكونه مفعولا مطلقا، ويجوز أن يجعل (كم) في هذه المواضع مبتدأ، والجملة خبره، والضمير في الجملة مقدر على ضعف كما مر، 1 قوله: (ما بعده فعل)، أي فعل أو شبهه، ليشمل نحو: كم يوما أنت سائر، وكم رجلا أنت ضارب، وليس بمعروف انتصابها 2 الا مفعولا بها أو ظرفا، أو مصدرا، أو خبر كان، نحو: كم كان مالك، أو مفعولا ثانيا لباب ظن، نحو: كم ظننت مالك، قوله: (كل ما بعده فعل غير مشتغل عنه)، منتقض بقولك: كم جاءك، فان (جاءك) فعل غير مشتغل عن (كم) بضميره، لأن معنى الاشتغال عنه بضميره: أنه كان ينصبه لو لم ينصب ضميره، كما ذكرنا في المنصوب على شريطة التفسير، قوله: (وكل ما قبله حرف جر، أو مضاف، فمجرور)، إنما جاز تقدم حرف
الجر أو المضاف عليهما، مع أن لهما صدر الكلام، لأن تأخير الجار عن مجروره ممتنع، لضعف عمله، فجوز تقدم الجار عليهما، على أن يجعل الجار، سواء كان اسما أو حرفا، مع المجرور ككلمة واحدة مستحقة للتصدر، حتى لا يسقط المجرور عن مرتبته، ولهذ احذف ألف (ما) الاستفهامية المجرورة، كما مر في الموصولات، تقول: بكم رجل مررت ؟، وغلام كم رجل ضربت، ويكون اعراب المضاف كاعراب (كم) لو لم يكن مضافا إليه،
(1) لأن الضمير العائد من الخبر الفعلي على المبتدأ، لا يحذف في الأفصح، (2) يعني كم، يقصد كونها في محل النصب، وقد عاد هنا إلى الحديث عن كم، باعتبارها كلمة فأنثها، (*)
[ 160 ]
قوله: (والا فهو مرفوع)، أي إن لم يكن بعده فعل غير مشتغل بضميره، ولا قبله جار، فهو مرفوع، وذلك أنه إذا لم يكن لا قبله عامل، ولا بعده، كان اسما مجردا عن العوامل، على مذهب البصريين، فيكون مبتدأ أو خبرا، فأما ألا يكون بعده فعل، نحو: كم مالك، أو إن كان، كان عاملا في ضميره، أو متعلقه، إما على وجه الفاعلية، نحو: كم رجلا جاءك، أو: كم رجلا جاءك غلامه، أو على وجه المفعولية، نحو: كم رجلا ضربته أو ضربت غلامه، ولو قيل في المشتغل بضمير المفعول أو بمتعلقة: أنه مفسر لناصب (كم)، والتقدير: كم رجلا ضربت ضربته، لجاز، إلا أن الرفع فيه أولى، للسلامة من التقدير، على ما تبين، فيما أضمر عامله على شريطة التفسير، والأولى أن يقدر الناصب بعد (كم) ومميزه، لحفظ التصدر على (كم)، ولا منع من تقدير الناصب قبل (كم)، لأن المقدر معدوم لفظا، والتصدر اللفظي هو المقصود، قوله: (إن لم يكن ظرفا)، يعني (كم)، وكونه ظرفا باعتبار مميزة، نحو: كم يوما سفرك، فكم ههنا منصوب المحل، أولا، داخل في قوله: ما بعده فعل أو
شبهه، غير مشتغل عنه، لأن التقدير: كم يوما كائن سفرك، ومرفوع المحل ثانيا، لقيامه مقام عامله الذي هو خبر المبتدأ، ومثال كونه مبتدأ، كم رجل جاءني، وأما: كم مالك ؟، فالأولى فيه أن يكون خبرا، لا مبتدأ، لكونه نكرة، ما بعده معرفة، كما مر في باب المبتدأ، قوله: (وكذلك أسماء الاستفهام والشرط)، أي تقع مرفوعة ومنصوبة ومجرورة، على ما ذكر من مواقع (كم)، إلا أن ما هو ظرف من هذه الأسماء، كمتى، وأين، وإذا، إذا لم ينجر بحرف جر، نحو: من أين، فلا بد من كونه منصوبا على الظرفية، وقد يخرج (إذا) عن الظرفية، كما يجيئ في الظروف، ويرتفع اسم الاستفهام محلا مع انتصابه على الظرفية، إذا كان خبر مبتدأ مؤخر نحو: متى عهدك بفلان ؟، وأما أسماء الشرط الظرفية، فلا تكون إلا منصوبة على الظرفية أبدا، وما ليس بظرف، (*)
[ 161 ]
نحو: من، وما، يقع مواقع (كم)، مرفوعا ومنصوبا ومجرورا، فالمرفوع، إما مبتدأ، نحو: من ضرب ؟ ومن قام قمت، وإما خبر، ولا يكون إلا استفهاما، نحو: من أنت ؟ وما دينك ؟ والمنصوب إما مفعول به، نحو: من لقيت ؟ وما فعلت ؟، ومن ضربت أضربه، وما فعلت أفعله، ولا يقع غير ذلك من المنصوبات، استقراء، والمجرور نحو: غلام من أنت ؟ وبمن مررت ؟، وغلام من تضرب أضرب، وبمن نمرر أمرر، والنظر في كلمات الشرط، نحو من، وما، إلى الشرط لا إلى الجزء، فإن كان الشرط مسندا إلى ضميرها أو متعلقه، متعديا كان أو لازما، فهي مبتدأة، نحو: من جاءك فأكرمه، ومن ضربك غلامه فاضربه، وإن كان متعديا ناصبا لضميرها أو لمتعلق
ضميرها نحو: من ضربته يضربك، أو من ضربت غلامه يضربك، فالأولى كونها مبتدأة، ويجوز انتصابها بمضمر يفسره الظاهر، وإن كان متعديا غير مشتغل عنها بضميرها، ولا بمتعلق ضميرها، فهي منصوبة، نحو: من ضربت ضربت، ويجوز كونها مبتدأة على ضعف، 1 ولو جوزنا عمل الجزاء في أداة الشرط، كما هو مذهب بعضهم في: متى جئتني جئتك، على ما يجيئ في الظروف المبنية، لجاز أن تكون في نحو: من جاء فأكرم، ومن ضرب زيدا فاضرب: منصوبة المحل بكونها مفعولة للجزاء، وأن تكون في نحو: من جاءك فاضربه، منصوبة المحل بفعل مضمر يفسره الجزاء، لكن الحق أن الجزاء لا يعمل في أداة الشرط، فلا يفسر عاملها أيضا، لأن ما لا يعمل، لا يفسر العامل، كما مر في المنصوب على شريطة التفسير، والسر في جواز عمل الشرط في أداته دون الجزاء: أن الأداة من حيث طلبها للصدر،
لأن فيه حذف العائد من الخبر الفعلي وهو ضعيف كما تقدم قبل قليل، (*)
[ 162 ]
كان القياس: ألا يعمل فيها لفظ أصلا، وإن كان متأخرا لأن مرتبة العامل: التقدم من حيث كونه عاملا، فيصير لها مرتبة التأخر من حيث المعمولية، مع تقدمها لفظا، لكنهم جوزوا أن يعمل فيها ما حقه أن يليها بلا فصل كالشرط، وأما الجزاء، فلفرظ تأخره عنها، لم يجوزوا عمله فيها، سواء كانت الأداة ظرفا، كمتى، وأين، أو غيره، كمن، وما، والدليل على أنه لا يعمل الجزاء فيها: أنه لم يسمع مع الاستقراء نحو: أيهم جاءك فاضرب، بنصب (أيهم)، وإن قلنا ان حرف الشرط مقدر قبل كلماته، كما هو مذهب سيبويه، فكلماته، إذن، معمولة لفعل مقدر يفسره ما بعده أبدا، سواء كانت مرفوعة، أو منصوبة، إذ حرف الشرط لا يدخل إلا على فعل ظاهر أو مقدر، كما يجيئ في قسم الأفعال، وذلك
عند البصريين، ولا يلزم مثل ذلك في كلمات الاستفهام، لأن همزة الاستفهام تدخل على الفعل والاسم، (حذف التمييز) (وأحكام أخرى) (قال ابن الحاجب:) (وفي تمييز: 481 - كم عمة لك يا جرير وخالة...) (ثلاثة أوجه، وقد يحذف في مثل: كم مالك ؟ وكم ملكت) (قال الرضي:) البيت للفرزدق، وتمامه:
[ 163 ]
...... فدعاء قد حلبت على عشارى 1 الفدعاء: المعوجة الرسغ، من اليد أو الرجل، فتكون منقلبة الكف، أو القدم إلى أنسيهما 2، يعني أنها لكثرة الخدمة صارت كذلك، أو: هذا خلقة بها، نسبها إلى شوه الخلقة، 3 وإنما عدى (حلبت) بعلى، لتضمين (حلبت) معنى: ثقلت، أو تسلطت، أي كنت كارها لخدمتها، مستنكفا عنها، فخذمتني على كره مني، ووجه النصب في (عمة)، كون (كم) خبرية، على ما تقدم من جواز نصب مميزها عند بعضهم، أو استفهامية، وإن لم يرد معنى الاستفهام، لكنه على سبيل التهكم، كأنه يقول: نفس الحلب ثابت، إلا أنه ذهب عني عدد الحلبات، والجر، على أن (كم) خبرية، والرفع، على حذف التمييز، اما مصدرا بتقدير: كم حلبة، نصبا وجرا، فالنصب على الاستفهام على سبيل التهكم، والجر على الاخبار، وإما ظرفا بتقدير: كم
مرة، نصبا على التهكم وجرا على الأخبار، فترتفع (عمة) بالابتداء، و: (لك)، صفتها، والخبر: قد حلبت، و (كم) في الوجهين منصوبة المحل، اما مفعول مطلق لخبر المبتدأ، أو ظرف له، كما تقول: أضربتين زيد ضرب ؟ و: أمرتين زيد ضرب ؟، واعلم أن مميز (كم) لا يكون إلا نكرة، استفهاما كان، أو، لا، أما الاستفهامية، 4 فلوجوب تنكير المميز المنصوب، وأما الخبرية، فلأنها كناية عن عدد مبهم، ومعدود كذلك، والغرض من الأتيان بالمميز: بيان جنس ذلك المعدود المبهم فقط، وذلك يحصل بالنكرة، فلو عرف، وقع التعريف ضائعا، و (كم) في حالتيها، مفرد اللفظ، مذكر، قال الأندلسي، فيجوز الحمل على
(1) هو، كما قال الشارح للفرزدق في هجاء جرير، وهي قصيدة امتلأت بالفحش والسب المقذع، والبيت مشهور متداول في جميع كتب النحو، (2) أي إلى جانبه الأيمن أو الأيسر، على خلاف بين علماء اللغة في تحديد معنى الانسي والوحشي، (3) أي تشوه الخلقة، (4) يعني: أما سبب التنكير في مميز الاستفهامية، وكذلك في مقابلة الآتي، (*)
[ 164 ]
اللفظ، نحو: كم رجلا جاءك، مع أن المسئول عنه مثنى أو مجموع، ويجوز الحمل على المعنى، نحو: كم رجلا جاءك أو جاؤوك، وكذا الخبرية، وقال بعضهم: (كم) مفرد اللفظ مجموع المعنى، ككل، فينبغي على هذا ألا يعود إليه ضمير المثنى، وهو الحق، لأنه لو جاز أن يستفهم بكم عن عدد الجماعة الذين جاؤوا المخاطب مفصلين رجلين رجلين، لوجب أن يقال: كم رجلين جاءاك، لأنك إذا قصدت تفصيل جماعة على مثنى أو مجموع، وجب التصريح بالتثنية والجمع، كما في: أفضل رجلين، وأي رجلين، وأفضل رجال، وأي رجال، على ما مر في باب الأضافة، ولم يسمع: كم رجلين، لا استفهاما ولا خبرا،
ويجوز: كم امرأة جاءتك، وجئنك وجاءك، حملا على اللفظ والمعنى، ولا يجوز أن يكون الضمير عائدا إى التمييز، لبقاء المبتدأ بلا ضمير من الخبر وهو جملة، ولا تقول: كم رجلا ونساء جاؤوك، بعطف المجموع على مميز الاستفهامية عند البصريين، وأما قولك: كم شاة وسخلتها، وكم ناقة وفصيلها، فلكون المعطوف أيضا نكرة، على ما نبين في باب المعارف، وقد جوز بعض النجاة، نحو: كم رجلا ونساء، لأنه يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع، كما في قوله: الواهب المائة الهجان وعبدها * عوذا تزجى خلفها أطفهالها 1 - 285 وقد ذكرنا ضعف ذلك في باب العطف عند قوله: والمعطوف في حكم المعطوف عليه، وتقول: لقيت امرأة، وكم رجلا وهي جاءاني، عطفا على (كم)، ولا يجوز: كم رجلا واياها، بالعطف على التمييز، لأن المرأة الملقية ذات واحدة، فلا يدخل فيها التقليل والتكثير،
(1) تقدم في الجزء الثاني، في باب الأضافة، (*)
[ 165 ]
وأما (كأين)، فنقل أبو سعيد السيرافي عن سيبويه 1 أنه بمعنى (رب)، لا بمعنى (كم)، قال: لأنه يستقيم: كم لك، ولا يستقيم: كأين لك، كما لا يستقيم: رب لك، وليس بدليل واضح، لأن (كم) لكثرة استعمالها، دون (كأين)، جاز حذف مميزها، وأما (رب) فحرف جر 2، لا يحذف مجروره، ولم أعثر على منصوب بعد (كأين)، 3 وقال بعضهم: يلزم ذكر (من) بعدها، ولعل ذلك لأنه لو لم يؤت بمن، وجب نصب مميزها لمجيئة بعد المنون، فكان مميزها كمميز (كم) الاستفهامية مع أنها بمعنى
(كم) الخبرية، وقد جاء (كأين) في الاستفهام قليلا، دون (كذا)، ومنه قول أبي من كعب، لزر بن حبيش 4: كأين تعد سورة الاحزاب، أي: كم تعد ؟ فاستعملها استفهامية، وحذف مميزها، وهما قليلان، ويلزمها التصدر، دون (كذا)، لما قلنا في (كم) الخبرية، وورود (كذا) مكررا مع واو، نحو: كذا وكذا: أكثر من افراده، ومن تكريره بلا واو، ويكنى به عن العدد، نحو: عندي كذا درهما، وعن الحديث، نحو: قال فلان كذا، ولا دلالة فيه على التكثير، اتفاقا، وكنى بعضهم بكذا، المميز بجمع، نحو: كذا دراهم، عن ثلاثة وبابها، وبالمكرر
(1) كونها بمعنى رب، صريح في كلام سيبويه 1 / 298 وفي تعليق للسيرافي بهامش الطبعة الأولى من الكتاب: ترجيح لذهب سيبويه، (2) للرضى رأي في أن رب اسم، ولكن جرى هنا على مذهب الجمهور، (3) نقله سيبويه عن يونس في الكتاب 1 / 297، (4) المشهور أن السائل وجه السؤال إلى عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، (*)
[ 166 ]
دون عطف عن أحد عشر وبابه، وبالمكرر مع العطف عن أحد وعشرين وبابه، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله، فطابقوا به العدد، حتى أجازوا: كذا درهم بالجر، حملا على: مائة درهم، وهذا خروج عن لغة العرب، لأنه لم يرد مميز (كذا) في كلامهم مجرورا، والشافعي رحمة الله، لا ينظر في تفسير الألفاظ المبهمة إلى ما يناسبها من ألفاظ العدد المفصلة، لأن المفصلة تدل على كمية العدد نصا، والمبهمة لا تدل عليه، بل يلزم بالأقرار المبهم ما هو يقين، وهو الأقل، فيلزم في نحو: كذا درهما: درهم واحد، وهو الحق،
وإعراب (كذا) و (كأين): كما قلنا في (كم)، ولا نقول ان الكاف فيهما، وحده، في محل الأعراب، لأن الجزأين صارا بالتركيب ككلمة واحدة، كما تقدم، ولا منع من تقدير الأعراب على الكافين اعتيارا للأصل، (*)
[ 167 ]
(الظروف) (بيان المقطوع منها) (عن الأضافة) (قال ابن الحاجب:) (الظروف، منها ما قطع عن الأضافة، كقبل، وبعد،) (وأجرى مجراه: لا غير، وليس غير، وحسب)، (قال الرضي:) اعلم أن المسموع من الظروف المقطوعة عن الأضافة: قبل، وبعد، وتحت، وفوق، وأمام، وقدام، ووراء، وخلف، وأسفل، ودون، وأول، ومن عل، ومن علو، ولا يقاس عليها ما هو بمعناها نحو يمين، وشمال وآخر، وغير ذلك، وينبغي أن تعرف أنه يحذف المضاف إليه، ويورد المحذوف مضافا إليه اسم تابع للمضاف الأول، نحو قوله: إلا علالة أو بدا * هة سابح نهد الجزارة 1 - 23 وإن لم يورد، فلا يحذف إلا مما هو دال على أمر نسبي لا يتم إلا بغيره، كقبل وبعد، وأخواتهما المذكورة، وكل، وبعض، وإذ، ومع هذا، لا يحذف إلا إذا قامت قرينة على تعيين ذلك المحذوف،
(1) هو من شعر الأعشى، ميمون بن قيس، وتقدم ذكره في الجزء الأول، (*)
[ 168 ]
وإنما بنيت هذه الظروف عند قطعها عن المضاف إليه لمشابهتها الحرف، لاحتياجها إلى معنى ذلك المحذوف، فإن قلت: فهذا الاحتياج حاصل لها مع وجود المضاف إليه، فهلا بنيت معه، كالأسماء الموصولة: تبنى مع وجود ما تحتاج إليه من صلتها ؟ قلت: لأن ظهور الأضافة فيها يرجح جانب اسميتها، لاختصاصها بالأسماء، أما (حيث)، و (إذا)، فإنها، وإن كانت مضافة إلى الجمل الموجودة بعدها، إلا أن إضافتها ليست بظاهرة، إذ الأضافة في الحقيقة إلى مصادر تلك الجمل، فكأن المضاف إليه محذوف، ولما أبدل في كل، وبعض، التنوين من المضاف إليه، لم يبنيا، إذ المضاف إليه كأنه ثابت بثبوت بدله، وإنما اختاروا البناء في هذه الظروف دون التعويض، لأنها قليلة التصرف، أو عادمته، على ما مر في المفعول فيه، وعدم التصرف يناسب البناء، إذ معناه، أيضا، عدم التصرف الأعرابي، ويجوز، أيضا، في هذه الظروف، لكن على قلة: أن يعوض التنوين من المضاف إليه فتعرب، قال: 482 - ونحن قتلنا الأزد أزد شنوءة * فما شربوا بعدا على لذة خمرا 1 وقال: فساغ لي الشراب وكنت قبلا * أكاد أغص بالماء الحميم 2 - 68
(1) روي الأسد، وأسد خفية، على أنه جمع أسد، والصواب ما أورده الشارح، وأزد شنوءة إحدى قبائل اليمن ولم يذكر شئ عن نسبة هذا البيت إلا أنه جاء عن الفراء، أنه لبعض بني عقيل، وقال البغدادي ان رواية أسد خفية تحريف، وخفية موضع تكثر فيه الأسود، قال لأنه لا يتلاقى مع ما بعده من بقية البيت، فأما: الأسد أسد شنوءة بفتح الهمزة وبالسين فيكون من إبدال الزاي سينا في الأزد، وأزد شنوءة،
(2) تقدم في الجزء الأول وفيه رواية: بالماء الفرات... وقيل ان كلا من الروايتين في شعر مستقل، (*)
[ 169 ]
ومنه القراءة الشاذة: 1 (لله الأمر من قبل ومن بعد 2)، ويقال: ابدأ به أولا، فعلى هذا، لا فرق في المعنى بين ما أعرب من هذه الظروف المقطوعة، وما بني منها، وهو الحق، وقال بعضهم: بل أعربت لعدم تضمن معنى الأضافة، فمعنى: كنت قبلا: أي قديما، وابدأ به أولا: أي متقدما، ومعنى من قبل ومن بعد: أي متقدما، ومتأخرا، لأن (من) زائدة، قيل: ويجوز تنوين هذه الظروف المضمومة لضرورة الشعر، مرفوعة ومنصوبة، نحو: جئتك قبل وقبلا، كما قيل في المنادي المضموم: يا مطر ويا مطرا 3، فيجوز أن يكون قوله: فما شربوا بعدا، وقوله: وكنت قبلا: من هذا، وسميت هذه الظروف المقطوعة عن الأضافة: غايات، لأنه كان حقها في الأصل ألا تكون غاية، لتضمنها المعنى النسبي، بل تكون الغاية هي المنسوب إليه، فلما حذف المنسوب إليه، وضمنت معناه، استغرب صيرورتها غاية لمخالفة ذلك لوضعها، فسميت بذلك الاسم لاستغرابه، ولم يسم: كل، وبعض، مقطوعي الأضافة غايتين، لحصول العوض عن المضاف إليه، وتقول: جئته من عل معربا أيضا، كعم 4، ومن عال، كقاض، ومن معال كمرام، ومن علا، كعصا، ومن علو، مفتوح الفاء مثلث اللام 5، فإذا بنيت (عل) على الضم وجب حذف اللام أي الياء، نسيا منسيا، إذ لو قلت: علي، لاستثقلت الضمة على الياء، ولو حذفتها وقلت: من علي، لم يتبين كونها مبنية على الضم كأخواتها،
(1) هي قراءة الجحدري وأبي الشمال، (2) الآية 4 سورة الروم، (3) إشارة إلى قول الشاعر المتقدم في باب النداء في الجزء الأول:
سلام الله يا مطر عليها * وليس عليك يا مطر السلام (4) صفة مشبهة من عمي فهو عم مثل فرح فهو فرح، (5) أي لام الكلمة وهي الواو، أما اللام التي في وسط الكلمة فهي ساكنة، (*)
[ 170 ]
وأما نحو: يا قاضي، فاطراد الضم في المنادى المفرد المعرفة يرشد إليه، وإذا قصدت بناء (علو) ساكنة العين، وجب فتح الفاء وكان مع الأعراب يجوز ضمه وكسره، تقول: علو الدار، كما تقول: سفلها، أما جواز بناء (علو) على الفتح، نحو: من علو، من دون سائر الغايات فلثقل الواو المضمومة، وأما الكسر فيه نحو: من علو، فإما لتقدير المضاف إليه، كما في قوله: خالط من سلمى خياشيم وفا 1 - 232 وقولهم: ليس غير بالفتح، على ما مر في الاستثناء 2، فعلى هذا، لا يكون هذا الكسر إلا مع جار قبله، أو مع الأضافة إلى ياء الضمير، وإما لبنائة على الكسر، استثقالا للضمة، وأما الضم نحو: من علو فعلى قياس سائر الغايات، ويروى بيت أعشى باهلة: 483 - إني أتتني لسان لا أسر بها * من علو، لا عجب منها ولا سخر 3 بضم واوها، وكسرها، وفتحها، وبناء الغايات على الحركة ليعلم أن لها عرقا في الأعراب، وعلى الضم، جبرا بأقوى الحركات لما لحقها من الوهن بحذف المحتاج إليه، أعني المضاف إليه، أو ليكمل لها جميع الحركات، لأنها في حال الأعراب، كانت في الأغلب غير متصرفة، فكانت إما مجرورة بمن، أو منصوبة على الظرفية، أو لتخالف حركة بنائها حركة إعرابها، قوله: (وأجري مجراه: لا غير، وليس غير، وحسب) شبه (غير) بالظروف
(1) تقدم في الجزاء الثاني من هذا الشرح،
(2) في الجزء الثاني من هذا الشرح، (3) مطلع قصيدة لأعشى باهلة، في رثاء أخيه: المنتشر بن وهب الباهلي وتقدم منها في ما لا يتصرف قوله: أخو رغائب يعطيها ويسألها * يأبي الظلامة منه النوفل الزفر وهي قصيدة من جيد شعره، وآخرها: إما سلكت سبيلا كنت سالكه * فاذهب فلا يبعدنك الله، منتشر (*)
[ 171 ]
والغايات لشدة الأبهام الذي فيها، كما في الغايات لكونها جهات غير محصورة، ولأبهام (غير)، لا تتعرف بالأضافة، وهي أشد إبهاما من (مثل)، فلذا لم يبن (مثل) على الضم، ولا يحذف منها المضاف إليه، إلا مع (لا) التبرئة، و (ليس)، نحو: افعل هذا لا غير، وجاءني زيد ليس غير، لكثرة استعمال (غير)، بعد لا، وليس، و (غير) التي بعد (ليس) بمعنى (ألا)، وقد تقدم أنه يحذف المستثنى بعد (إلا) التي بعد (ليس)، والمضاف إليه المحذوف في: ليس غير، هو المستثنى المحذوف في نحو: جاءني زيد ليس إلا، فلما حذف منها المضاف إليه، بنيت على الضم لمشابهتها للغايات بالأبهام، وأما حسب، فجاز حذف ما أضيف إليه لكثرة الاستعمال، وبني على الضم، تشبيها بغير، إذ لا يتعرف بالأضافة مثله، كما مر في باب الأضافة، (الظروف المضافة) (إلى الجمل) (قال ابن الحاجب:) (ومنها: حيث، ولا يضاف إلا إلى جملة في الأكثر)، (قال الرضي:) اعلم أن الظروف المضافة إلى الجمل على ضربين:
إما واجبة الأضافة إليها بالوضع، وهي ثلاثة لا غير، حيث في المكان، وإذ، وإذا في الزمان، على خلاف في (إذا)، هل مضافة إلى الجملة التي تليها، أو، لا، كما يجيئ،
[ 172 ]
وحيث، وإذ، يضافان إلى الفعلية والاسمية، وأما إذا، ففي جواز إضافته إلى الاسمية خلاف، كما مر في المنصوب على شريطة التفسير، وإما جائزة الأضافة إلى الجملة، ولا تكون إلا زمانا مضافا إلى جملة مستفاد منها أحد الأزمنة الثلاثة، اشترط ذلك ليتناسب المضاف والمضاف إليه في الدلالة على مطلق الزمان، وإن كان الزمانان مختلفين، وإنما احتيج إلى هذا التناسب، لأن الأضافة إلى الجملة على غير الأصل، إذ المضاف إليه في الحقيقة هو المصدر الذي تضمنته نفس الجملة، فعلى هذا، لا يجوز إضافة مكان إلى جملة، لأن الجملة لا يستفاد منها أحد الأمكنة معينا كما يستفاد منها أحد الأزمنة، فإذا تقرر هذا قلنا: الأصل أن يضاف الزمان إلى الفعلية، لدلالة الفعل على أحد الأزمنة وضعا، فلذا كانت إضافة الزمان إلى الفعلية أكثر منها إلى الاسمية، والاسمية المضاف إليها إما أن يستفاد الزمان منها بكون ثاني جزأيها فعلا، كقوله تعالى: (يوم هم على النار يفتنون) 1، أو بكون مضمونها مشهور الوقوع في أحد الأزمنة الثلاثة وإن كان جزاها اسمين، إما في الماضي نحو: أتيتك حين الحجاج أمير، أو في المستقبل نحو: لآخذنك حين لا شئ لك، قال تعالى: (يوم هم بارزون) 2، وقال المبرد في الكامل: لا يضاف الزمان الجائز الأضافة إلى الاسمية إلا بشرط كونها ماضية المعنى، حملا على (إذ) الواجبة الأضافة إلى الجمل، وقوله تعالى: (يوم هم على النار يفتنون)، وقوله: (يوم هم بارزون)، يكذبه، 3 هذا الذي ذكرنا كله، إذا أضيف الزمان إلى جملة هو في المعنى ظرف مصدرها
كما رأيت، فإن لم يكن الزمان ظرفا للمصدر، بل كان إما قبله، أو بعده، فلا يكون
(1) الآية 3 سورة الذاريات (2) من الآية 16 سورة غافر، (3) يقصد بهذا الرد على المبرد بالآيتين السابقتين، (*)
[ 173 ]
له مع الجملة من الاختصاص، ما يكون لظرف مصدرها، فلا يستعمل إلا مع حرف مصدري، كأن وأن وما، قبل الجملة، قال الله تعالى: (من قبل أن نطمس وجوها)، 1 و: (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم) 2، و: (من قبل أن تلقوه)، 3 ونحو ذلك، وأما إضافة (ريت) إلى الجملة الفعلية نحو: توقف ريث أخرج إليك، فلكونه مصدرا بمعنى البطء، مقاما مقام الزمان المضاف، والأصل: ريث خروجي، أي مدة أن يبطئ خروجي حتى يدخل في الوجود، والمعنى: إلى أن أخرج، فهو نحو: آتيك خفوق النجم، فلما قام مقام الزمان، جاز إضافته إلى الفعلية، وكذا (آية) بمعنى علامة، يجوز إضافتها إلى الفعلية لمشابهتها الوقت لأن الأوقات علامات، يوقت بها الحوادث، ويعين بها الأفعال، لكن لما كان (ريث) و (آية) دخيلين في معنى الزمان أضيفا إلى الفعلية في الأغلب مصدرة بحرف مصدري، قال: 484 - بآية يقدمون الخيل شعثا * كأن على سنابكها مداما 4 وقال: 485 - ألا من مبلغ عني تميما * بآية ما يحبون الطعاما 5 وتقول: أقم ريثما أخرج، فإذا جاز أن يضاف الزمان إلى الفعلية مع حرف مصدري،
(1) الآية 47 سورة النساء، (2) الآية 117 سورة التوبة، (3) الآية 143 سورة آل عمران،
(4) في سيبويه: 1 / 460، ولم يذكر في كتاب سيبويه المطبوع أنه للأعشى كما قال البغدادي، وكذلك لم يذكر أحد ممن أورده نسبته لأحد من الشعراء، وقد شبه ما يسيل من الخيل ومن العرق إذا تعبت، بالمدام أي الخمر، (5) هذا أيضا في سيبويه: 1 / 460، وفيه أنه ليزيد بن الصعق، وقال البغدادي ان صواب الرواية: بآية ما يهم حب الطعام، وأورد بعده: أجارتها أسيد ثم غارت * بذات الضرع منها والسنام، ونسب إلى الدماميني قوله ان هذا البيت مرتبط بما قبله، ورد بذلك باختلاف المعنى فضلا عن اختلاف القافية، كما تقدم، وكانت بنو تميم تعير بحبها للطعام ولذلك قصة طويلة، (*)
[ 174 ]
على ما نقله الكوفيون، على ما يجيئ، فكيف بما يشابهه، ويضاف (ذو) أيضا، معربا كإعرابه في نحو: ذو مال، بالألف والواو، والياء إلى الفعلية في قولهم: اذهب بذي تسلم، واذهبا بذي تسلمان واذهبوا بذي تسلمون، فقال بعضهم هو شاذ، وذي صفة للأمر، أي اذهب مع الأمر ذي السلامة، أي مع الأمر الذي تسلم فيه والباء بمعنى (مع)، وقال السيرافي: الموصوف بذي: الوقت، أي اذهب في الوقت ذي السلامة، أي في وقت تسلم فيه، والباء بمعنى (في)، فلا تكون الأضافة شاذة، لأنه كالزمان المضاف إلى الفعل، وقال بعضهم: هو: ذو، الطائية، أعربت، وهو بعيد، لما مر في الموصولات من أنها بالواو في الأحوال، على الأشهر، وربما استعملت (ذو) في الأضافة إلى الفعل أجمع 1، استعمالها مضافة إلى الاسم، نحو: جاءني ذو فعل، وذوا فعلا، وذووا فعلوا، وذات فعلت، وذواتا فعلتا، وذوات فعلن، ويحتمل أن تكون طائية، على ما حكى ابن الدهان 2، كما مر في الموصولات،
وأن تكون بمعنى صاحب، أضيفت إلى الفعل شاذا، وقال سيبويه: إذا كان أحد جزأي الجملة التي تلي (حيث) و (إذا)، فعلا، فتصدير ذلك الفعل أولى، لما فيها من معنى الشرط وهو بالفعل أولى، فحيث يجلس زيد، أولى من: حيث زيد يجلس، وفيما ذكر من ذلك في (إذا)، نظر، لكثرة نحو قوله تعالى: (إذا السماء انشقت) 3، و: (إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت)، 4
(1) يعني جميع صيغ الفعل المسند إلى المفرد والمثنى... الخ، كما سيمثل، (2) ابن الدهان، تقدم ذكره في هذا الجزء، (3) أول آية في سورة الانشقاق، (4) الآيتان 1، 2 سورة الانفطار، (*)
[ 175 ]
وأما الكلام في بناء (حيث) فسيأتي بعد، وقد يشبه (غير) و (مثل)، بالظروف المضافة إلى الجمل لزوما، أعني: حيث، وإذ، وإذا، وذلك لأنهما نسبيان مثلها، ولأنه لا حصر فيهما، كما أنها غير محصورة بحدود حاصرة، انحصار اليوم، والدار، فيضافان إلى الجملة، لكن لما كانا مشبهين بها تشبيها بعيدا، لم يضافا إلى صريح الفعل، إضافتها إليه، بل إلى جملة مصدرة بحرف مصدري، كقوله تعالى: (مثل ما أنكم تنطقون) 1، وقوله: لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت * حمامة في غصون ذات أو قال 2 - 228 وقوله: غير أني قد أستعين على الهموم * إذا حف بالثوي النجاء 3 - 229 وإنما صدر ما أضيفا إليه بحرف مصدري، دون ما أضيف إليه الزمان الجائز إضافته إلى الجملة، وإن كانت الأضافة إليها في كلا القسمين غير لازمة، لأن التناسب بين الزمان
المضاف إلى الجملة، والجملة المضاف إليها في دلالتهما على الزمان، وكون الزمان ظرفا لمصدر الجملة المضاف إليها (أغنيا عن الحرف المصدري) 4، وليسا بموجودين في: مثل، وغير، فاحتيج معهما إلى الحرف المصدري، مع أنه نقل الكوفيون عن العرب أنها تضيف الظروف، أيضا، إلى، أن، المشددة والمخففة، نحو: أعجبني يوم أنك محسن، ويوم أن يقوم زيد، فإن صح النقل، جاز في تلك الظروف: الأعراب والبناء، كما في: (مثل ما أنكم تنطقون)، وغير أن نطقت، على ما يأتي، واختلف في كون الظروف مضافة إلى ظاهر الجملة، أو إلى المصدر الذي تضمنته، والنزاع في الحقيقة منتف، لأن الأضافة في اللفظ إلى ظاهر الجملة بلا خلاف، ومن حيث المعنى إلى مصدرها، لأن معنى يوم قدم زيد، يوم قدومه، ولو كان مضافا في الحقيقة
(1) الآية 23 سورة الذاريات، (2) تقدم ذكره في باب الاستثناء، (3) تقدم أيضا في باب الاستثناء، (4) زيادة موجودة في بعض النسخ وإثباتها مفيد في بيان المعنى، (*)
[ 176 ]
إلى ظاهر الجملة، وهي خبر، لكان المعنى: يوم هذا الخبر المعين، وأيضا، الأضافة في المعنى لتخصيص الزمن، ولا بد في الأضافة المفيدة للتخصيص من صحة تقدير لام التخصيص، واللام يتعذر دخولها على الجملة، قال صاحب المغني: 1 يتصرف الظرف المضاف إلى الجملة، فيصح أن يقال: جئتك يوم قد زيد، الحار أو البارد، على أن يكون 2 صفة ليوم، قلت: ومع غرابة هذا الاستعمال وعدم سماعه، ينبغي ألا يتعرف المضاف إذا كان الفاعل في الفعلية، أو المبتدأ في الاسمية، نكرة، نحو: يوم قدم أمير، ويوم أمير كبير قدم، إذ المعنى: يوم قدوم أمير،
ثم اعلم أنه يضاف الزمان، أو (حيث)، إلى الجملة، وإن لم يكن ظرفا، أي منصوبا بتقدير (في)، قال الله تعالى: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) 3، و: (هذا يوم لا ينطقون) 4، بالرفع، و: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) 5، وهو مفعول ليعلم مقدرا، وقال: 486 - بأذل حيث يكون من يتذلل 6
(1) منصور بن فلاح اليمني وتقدم ذكره، (2) أي لفظ الحار والبارد، (3) الآية 119 سورة المائدة، (4) الآية 35 سوره المرسلات، (5) الآية 124 سورة الأنعام، (6) من قصيدة للفرزدق في هجاء جرير، وهي القصيدة التي يقول فيها: إن الذي سمك السماء بنى لنا * بيتا دعائمه أعز وأطول والشطر الذي أورده الشارح آخر بيتين مرتبطين في المعنى، وهما: إنا لنضرب رأس كل قبيلة * وأبوك خلف أتانه يتقمل يهز الهزانع عقده عند الخصي * بأذل حيث يكون من يتذلل يتقمل: يستخرج من جسمه القمل، ويهز مضارع وهز، مثل يعد من وعد، والهرانع جمع هرنع بكسر الهاء والنون أو بضمها صغار القمل، وعقده: فاعل بهز، ومعناه عقد أصبعيه السبابة والابهام للامساك = (*)
[ 177 ]
وقال أبو علي، في كتاب الشعر: ما بعد (حيث) في الموضعين: صفة، لا مضاف إليه، قال: لأن (حيث) يضاف ظرفا، لا اسما، فالمعنى: حيث يجعله، وحيث يكونه، أي: يجعل فيه، ويكون فيه، والأولى أن نقول: انه مضاف، ولا مانع من إضافته وهو اسم لا ظرف، إلى الجملة،
كما في ظروف الزمان، وأما نحو: يومئذ، وحينئذ، وساعتئذ، فقالوا: إن الظروف مضافة إلى (إذا) المضافة في المعنى إلى جملة محذوفة مبدل منها التنوين، وفي ذلك تعسف من حيث المعنى، إذ قولك: حين وقت كذا، ويوم الوقت، وساعة الوقت، ونحو ذلك: غريب الاستعمال، مستهجن المعنى، بخلاف نحو قوله تعالى: (بعد إذ أنتم مسلمون 1)، إذ معناه: بعد ذلك الوقت، وأما قوله تعالى: (إلى يوم الوقت المعلوم) 2، فقال أبو علي في الحجة: ان الوقت بمعنى الوعد، كما أن معنى قوله تعالى: (فتم ميقات ربه 3): تم ميعاد ربه، فهو بمعنى قوله: (واليوم الموعود) 4، قال 5: ولا يجوز أن يراد بالوقت: الأوان، لأن اليوم إما: وضح النهار، وإما،: برهة من الزمان، ولو قلت: إلى برهة الزمان أو يوم الزمان، لم يكن ذلك بالسهل، هذا كلامه، والذي يبدو لي: أن هذه الظروف التي كلها في الظاهر مضافة إلى (إذ): ليست بمضافة إليه: بل إلى الجممل المحذوفة، إلا أنهم لما حذفوا تلك الجمل لدلالة سياق الكلام
= بالقمل، يقول: نحن نقتل كبار القبائل وأبوك يقتل القمل الذي يستخرجه من بين فخذيه وهو جالس في أحقر مكان يجلس فيه ذليل، (1) الآية 80 سورة آل عمران، (2) الآية 38 سورة الحجر، وكذلك هي الآية 81 سورة ص، (3) الآية 142 سورة الأعراف، (4) الآية الثانية من سورة البروج، (5) أي الفارسي، (*)
[ 178 ]
عليها: لم يحسن أن يبدل منها تنوين لاحق بهذه الظروف، كما أبدل في: كل، وبعض،
وإذ، لأن (كلا) وأخويها: لازمة للأضافة معنى، فيستدل بالمعنى على حذف المضاف إليه، ويتعين ذلك المحذوف بالقرينة الحاصلة من سياق الكلام فيكمل المراد، كقوله تعالى: (وكلا آتينا حكما وعلما) 1 و: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) 2، وقوله: 487 - نهيتك عن طلابك أم عمرو * بعاقبة وأنت إذ صحيح 3 لأن (إذ) لازم الأضافة، ولا وجه لتنوينه إلا أن يكون عوضا، لبعد معنى التنكير والتمكن منه، وأما هذه الظروف، فليست بلازمة للأضافة معنى، فلو قلت: جاءني زيد، وكنت حينا كذا... وقصدت حذف المضاف إليه وإبدال تنوين (حينا) منه، أي حين ذلك، لم يكن ظاهرا في ذلك المعنى، بل ظاهره: أن التنوين فيه للتنكير، فلما خافوا التباس تنوين العوض في: يوما، وحينا، وساعة، بغيره من تنوين التمكن والتنكير، توصلوا إلى الدلالة على الجمل المحذوفة المضاف إليها هي، في الأصل، بأن أبدلوا من تلك الظروف، بدل الكل، ظرفا لازما للأضافة إلى الجمل، خفيفا في اللفظ، صالحا لجميع أنواع الأزمنة، من الساعة، والحين، والليلة، وغير ذلك، متعودا أن تحذف الجمل المضافة إليها هو، مع إبدال التنوين منها، كما في قوله: وأنت إذ صحيح، فجيئ بإذ، بعذ هذه الظروف بدلا منها مع تنوين العوض، ليكون التنوين كأنه ثابت في الظروف المبدل منها، لأن بدل الكل مع قيامه مقام المبدل منه في المعنى: مطلق على ما أطلق عليه فكأنه هو، وألزم (إذ) الكسر، لالتقاء الساكنين، ليكون كاسم متمكن مجرور مضاف إليه الظرف الأول، حتى لا يستنكر حذف المضاف إليه منه بلا بناء على
(1) الآية 79 سورة الأنبياء (2) الآية 32 سورة الزخرف (3) من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي مطلعها: جمالك أيها القلب الجريح * ستلقى من تحب فتستريح وبعده البيت المستشهد به، وقوله جمالك، حيث على الصبر والاحتمال، أي الزم ما هو جميل بك أو تجمل
جمالك، (*)
[ 179 ]
الضم ولا تنوين عوض، لأنه لا بد فيما حذف منه المضاف إليه، من أحدهما 1، إلا أن يعطف عليه مضاف إلى مثل ذلك المحذوف كقوله: الا علالة أو بدا * هة سابح نهد الجزارة 2 - 23 ولما توصل بإذ، إلى الغرض المذكور، وكانت الظروف المذكورة، قد تكون مستقبلة، وماضية: جرد (إذ) عن معنى الماضي، وصار لمطلق الظرفية، فيجوز استعماله في المستقبل أيضا، كقوله تعالى: (فويل يومئذ للمكذبين)، 3 ونحوه، والحق أن (إذ) إذا حذف المضاف إليه منه وأبدل منه التنوين في غير نحو: يومئذ، جاز فتحه أيضا، ومنه قوله تعالى حاكيا: (فعلتها إذا وأنا من الضالين) 4، أي فعلتها إذ ربيتني، إذ لا معنى للجزاء ههنا كما قيل في (إذن): آنها للجواب والجزاء، وكسر الذال في نحو: حينئذ لالتقاء الساكنين، لا للجر، خلافا للأخفش فإنه زعم أنه مجرور بالأضافة، وبناء (إذا) يمنع جره، وأيضا، نحن نعلم أنه في قوله: (وأنت إذ صحيح)، ليس بمجرور، وهو مثله في حينئذ لكنهم إنما ألزموها الكسر لتكون في صورة المضاف إليه الظرف الأول، ويجوز في غيره الفتح أيضا كقوله تعالى حاكيا: (فعلتها إذا وأنا من الضالين)، كما بينا، واعلم أن الظرف المضاف إلى الجملة، لما كان ظرفا للمصدر الذي تضمنته الجملة، على ما قررنا قبل، لم يجز أن يعود من الجملة إليه ضمير، فلا يقال آتيك يوم قدم زيد فيه، لأن الربط الذي يطلب حصوله من مثل هذا الضمير، حصل بإضافة الظرف إلى الجملة وجعله ظرفا لمضمونها، فيكون كأنك قلت: يوم قدوم زيد فيه أي في اليوم، وذلك غير
(1) متعلق بقوله: لا بد فيما حذف... (2) تقدم ذكره في الجزء الأول، وتكرر بعد ذلك،
(3) الآية 6 سورة الطور، (4) الآية 20 سورة الشعراء، (*)
[ 180 ]
مستعمل، قال تعالى: (يوم تبيض وجوه) 1، وقد يقول العوام: يوم تسود فيه الوجوه 2، ونحو ذلك، ولنذكر شرح قوله في آخر الباب: (والظروف المضافة إلى الجمل، وإذ، يجوز بناؤها على الفتح، وكذلك: مثل، وغير، مع: ما، وأن)، ههنا 3، فإنه محتاج إليه لبيان بناء (حيث) فنقول: إن ظرف الزمان المضاف إلى الجمل إنما يبني منه المفرد والجمع المكسر، إذا بني، ولا يبنى منه المثنى، لما ذكرنا في نحو: هذان، واللذان، 4 والظروف المضافة إلى الجمل على ضربين، كما ذكرنا: إما واجبة الأضافة إليها، وهي: حيث، في الأغلب، وإذ، وأما (إذا) ففيها خلاف على ما يجيئ، هل هي مضافة إلى شرطها أو، لا، وإما جائزة الأضافة، وهي غير هذه الثلاثة، فالواجبة الأضافة إليها، واجبة البناء، لأنها مضافة في المعنى إلى المصدر الذي تضمنته الجملة كما ذكرنا، وإن كانت في الظاهر إلى الجملة، فإضافتها إليها كلا إضافة، فشابهت الغايات المحذوف ما أضيفت إليه، فلهذا بنيت (حيث) على الضم كالغايات، على الأعرف، وأما جائزة الأضافة إليها فعلى ضربين: لأنها إما أن تضاف إلى جملة ماضية الصدر، نحو قوله: 488 - على حين عاتبت المشيب على الصبا * وقلت ألما تصح والشيب وازرع 5
(1) الآية 106 سورة آل عمران (2) التحريف سببه إسقاط التنوين فصار كأنه مضاف إلى الجملة مع ذكر الجار والمجرور،
(3) متعلق بقوله ولتذكر شرح قوله، (4) انظر باب اسم الأشارة في آخر الجزء الثاني، (5) من قصيدة للنابغة الذبياني مطلعها: عفا ذو حسى من فرتنى فالفوارع * فجنبا أريك فالتلاع الدوافع ذو حسى موضع، وفرتنى اسم امرأة وبقية ما في البيت أسماء أمكنة، وقبل البيت المستشهد به: فأسبلت مني عبرة فرددتها * على النحر، منها مستهل ودامع (*)
[ 181 ]
فيجوز، بالاتفاق، بناؤها وإعرابها، أما الأعراب فلعدم لزوم للأضافة إلى الجملة، فعلة البناء، إذن، عارضة، وأما البناء فلتقوي العلة بوقوع المبني الذي لا إعراب ولا محلا، موقع المضاف إليه الذي يكتسي منه المضاف أحكامه، من التعريف غير ذلك، كما في باب الأضافة، وإما ألا تضاف إلى الجملة المذكورة، وذلك بأهن تضاف إلى الفعلية التي صدرها مضارع، نحو قوله تعالى: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) 1، أو إلى الاسمية، سواء كان صدرها معربا أو مبنيا في اللفظ، نحو: جئتك يوم أنت أمير، إذ لا بدله من الأعراب محلا، فعند البصريين لا يجوز في مثله إلا الأعراب في الظرف المضاف، لضعف علة البناء، وعند الكوفيين، وبعض البصريين، يجوز بناؤه، اعتبارا بالعلة الضعيفة، ولا حجة لهم فيما ثبت في السبعة 2 من فتح قوله تعالى: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم)، لاحتمال كونه ظرفا، والمعنى: هذا المذكور في يوم ينفع، ولا في قوله تعالى: (يوم لا تملك نفس لنفس شيئا 3) على قراءة الفتح، لاحتمال كونه بدلا من قوله قبل: (يوم الدين) 4 وأما (غير)، المضاف إلى ما صدره: أن، أو: أن، و (مثل) المضاف إلى ما صدره، ما، فيجوز بالاتفاق منهم إعرابها وبناؤها، قال الله تعالى: (إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) 5، ففتح (مثل) مع كونه صفة لحق، أو خبرا بعد خبر لأن، ويجوز
أن يكون منصوبا، لكونه مصدرا بمعنى: أنه لحق تحققا مثل حقية نطقكم، وقال: لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت * حمامة في غصون ذات أو قال 6 - 228 ففتح غير، مع كونه فاعلا ليمنع، ويجوز أن يكون بناؤه لتضمنه معنى (الا) كما مر في باب الاستثناء، (1) الآية 119 سورة المائدة وتقدمت قريبا، (2) هي قراءة نافع فقط من القراء السبعة، (3) الآية 19 سورة الانفطار، (4) أي في قوله تعالى قبل ذلك: يصلونها يوم الدين (5) الآية 23 سوره الذاريات وتقدمت، (6) تقدم ذكره قريبا وفي باب الاستثناء في الجزء الثاني، (*)
[ 182 ]
وعلة بنائهما: مشابهتهما لأذ، وإذا، وحيث، لأنهما مضافان من حيث المعنى إلى مصدر ما وليهما، ولأن فيهما الأبهام لفقد الحصر، كما مر، والمبني، وهو: ما، وأن، وأن، واقع موقع ما أضيفا إليه، ولو ثبت ما نقل الكوفيون من إضافة الظروف إلى ما صدره (أن) المشددة أو المخففة، لجاز إعرابها وبناؤها نحو مثل، وغير، وكذا يجوز اتفاقا بناء الظروف المتقدمة على (إذ)، نحو: حينئذ، وإعرابها، قرئ قوله تعالى: (من خزي يومئذ) 1، بفتح يوم، وجره 2، أما الأعراب فلعروض علة البناء، أعني الأضافة إلى الجمل، وأما البناء فلوقوع إذ، المبني موقع المضاف إليه لفظا، كما بينا، فصار 3 نحو قوله: على حين عاتبت المشيب، فثبت بما بينا أن قوله: (والظروف المضافة إلى الجمل يجوز بناؤها)، ليس ينبغي أن يكون على إطلاقه،
وقوله:.... مثل وغير، مع ما، وأن: أي: مثل) مع ما، و (غير) مع أن، مشددة ومخففة، وهذا تمام الكلام على الظروف المضافة إلى الجمل، وقال المصنف: بني (حيث) لأنه موضوع لمكان حدث تتضمنه الجملة، فشابه الموصولات في احتياجه إلى الجمل، وكذا قال في: إذ، وإذا، ويجوز أن يقال في (إذ) انه بني لأن وضعه وضع الحروف 4، كما يقول بعضهم، وبني (حيث) على الضم في الأشهر، تشبيها بالغايات، لأن إضافته كلا إضافة، على ما ذكرنا، وقد تفتح الثاء وتكسر، وقد يخلف ياءها واو، مثلثة الثاء أيضا، وإعرابها لغة فقعسية، وندرت إضافتها إلى المفرد، قال:
(1) الآية 66 سورة هود، (2) قرأ غير نافع والكسائي بكسر الميم، والباقون بفتحها، (3) أي صار (يومئذ) وما أشبهه، مثل قوله: على حين عاتبت في جواز الأعراب والبناء، (4) يرى بعض العلماء أن وضع الاسم على حرفين مطلقا، من أسباب البناء، وبعضهم يخص ذلك بأن يكون ثاني الحرفين معتلا، (*)
[ 183 ]
489 - ونطعنهم حيث الحبي بعد ضربهم * ببيض المواضي حيث لي العمائم 1 وقال: 490 - أما ترى حيث سهيل طالعا 2 وبعضهم يرفع (سهيل) على أنه مبتدأ، محذوف الخبر، أي حيث سهيل موجود، وحذف خبر المبتدأ الذي بعد (حيث) غير قليل، ومع الأضافة إلى المفرد، يعربه بعضهم لزوال علة البناء، أي الأضافة إلى الجملة، والأشهر بقاؤه على البناء، لشذوذ الأضافة إلى المفرد، وترك إضافة (حيث) مطلقا، لا إلى جملة ولا إلى مفرد: أندر، وظرفيتها غالبة،
لا لازمة، قال: 491 - فشد ولم يفزع بيوتا كثيرة * لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم 3 وكذا في قوله: أما ترى حيث سهيل، وهو مفعول ترى، وكذا قوله تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالته)، 4 وحكي: هي أحسن الناس حيث نظر ناظر، أي وجها، فهو تمييز، وقال الأخفش: قد يراد به الحين 5، كما في قوله: 492 - للفتى عقل يعيش به * حيث تهدي ساقه قدمه 6
(1) قال الزمخشري: روى ابن الأعرابي بيتا آخره: حيث لي العمائم، واقتصر على ذلك للاختلاف الكثير في بقية البيت وقد وردت العبارة أيضا في شعر لكثير عزة، أما البيت بالصيغة التي هنا والتي وردت في معظم الكتب فلا يعرف قائله، انظر عبارة الزمخشري في شرح ابن يعيش 4 / 91. (2) بقيته: نجما يضيئ كالشهاب ساطعا، أو: لامعا، وهذا الرجز لم يعرف قائله، وقد امتلأت به كتب النحو، (3) من معلقة زهير بن أبي سلمى في الجزء الذي يتحدث فيه عن الحصين بن ضمضم الذي كان قد امتنع من الاشتراك في الصلح، والضمير الفاعل في قوله: فشد راجع للحصين يعني حمل على الرجل الذي أراد قتله، ولم تفزع بيوت كثيرة أي لم يعلم كثير من الناس بما حدث وأم قشعم كناية عن الحرب أو كنية المنية، وقصة ذلك طويلة جدا، (4) الآية 124 من سورة الأنعام، وتقدمت، (5) فيكون ظرف زمان، (6) قال غير الأخفش انه لا مانع من بقاء حيث في البيت على أصلها من الظرفية المكانية، لأن المعنى: أين سار، والبيت آخر قصيدة لطرفة بن العبد وقبلة: الهبيت لا فؤاد له * والثبيت ثبته فهمه (*)
[ 184 ]
(معنى إذ وإذا) (واستعمال إذا للمفاجأة)
(قال ابن الحاجب:) (ومنها إذا، وهي للمستقبل، وفيها معنى الشرط، فلذلك) (اختير بعدها الفعل، وقد تكون للمفاجأة، فيلزم المبتدأ) (بعدها، وإذ لما مضى، ويقع بعدها الجملتان)، (قال الرضي:) قد تقدم ههنا علة بنائها، وذكرنا في المنصوب على شريطة التفسير، الكلام في وقوع الجمل بعدها، فنقول: قد تكون (إذا) للماضي، كإذ، كما في قوله تعالى: (حتى إذا بلغ بين السدين 1)، و: (حتى إذا ساوى بين الصدفين) 1، و: (حتى إذا جعله نارا) 1، كما أن (إذا) تكون للمستقبل كإذا، كما في قوله تعالى: (وإذ لم يهتدوا به فسيقولون 2...)، على أنه يمكن أن تؤول بالتعليلية، وكما في قوله تعالى: (فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم) 3، ويمكن أن تكون من باب: (ونادى أصحاب الجنة 4)،
(1) الأجزاء الثلاثة من الآيتين 94، 96 في سورة الكهف، (2) الآية 11 في سورة الأحقاف، (3) الآيتان 70، 71 سورة غافر (4) الآية 44 سورة الأعراف، (*)
[ 185 ]
وقد تكون (إذا) مع جملتها، لاستمرار الزمان نحو قوله تعالى: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا... 1)، أي هذه عادتهم المستمرة، ومثله كثير، نحو قوله تعالى: (وإذا لقوا الذين آمنوا 2...)،: (إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد.. 3)، والأصل في استعمال (إذا)، أن تكون لزمان من أزمنة المستقبل مختص من بينها بوقوع حدث فيه مقطوع به، والدليل عليه: استعمال (إذا)، في الأغلب الأكثر في
هذا المعنى، نحو: إذا طلعت الشمس، وقوله تعالى: (إذا الشمس كورت) 4، ولهذا كثر في الكتاب العزيز استعماله، لقطع علام الغيوب سبحانه بالأمور المتوقعة، وكلمة الشرط: ما يطلب جملتين يلزم من وجود مضمون أولاهما فرضا حصول مضمون الثانية، فالمضمون الأول: مفروض ملزوم، والثاني لازمه، فهذا المفروض وجوده قد يكون في الماضي، فإن كان مع قطع المتكلم بعدم لازمه يه، فالكلمة الموضوعة له (لو)، وإن لم يكن مع قطع المتكلم، بعدمه، استعمل فيه (إن)، لا على أنها موضوعة له كما يجيئ، فلهذا كان (لو) لانتفاء الأول لانتفاء الثاني كما يجيئ في حروف الشرط، لأن مضمون جوابه المعدوم لازم لمضمون شرطه، وبانتفاء اللازم ينتفي الملزوم، وقد يكون في المستقبل، وقد وضعت له (ان)، ولا يكون معنى الشرط في اسم الا بتضمن معناها، فلو، موضوعة لشرط مفروض وجوده في الماضي مقطوع بعدمه فيه، لعدم جزائه، وان، موضوعة لشرط مفروض وجوده في المستقبل، مع عدم قطع المتكلم، لا بوقوعه فيه، ولا بعدم وقوعه، وذلك لعدم القطع في الجزاء، لا بالوجود ولا بالعدم، سواء شك
(1) الآية 11 سورة البقرة، (2) الآية 14 سورة البقرة، وهي أيضا من الآية 76 في السورة نفسها، (3) الآية 92 سورة التوبة، (4) أول سورة التكوير، (*)
[ 186 ]
في وقوعه، كما في حقنا، أو لم يشك كالواقعة في كلامه تعالى، وقد تستعمل (ان) الشرطية في الماضي على أحد ثلاثة أوجه، اما على أن يجوز المتكلم وقوع الجزاء، ولا وقوعه 1 فيه، كقوله تعالى: (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت)، 2
وإما على القطع بعدمه فيه، وذلك المعنى الموضوع له (لو)، كقوله تعالى: (إن كنت قلته فقد علمته) 3، وإما على القطع بوجوده نحو: زيد وإن كان غنيا لكنه بخيل، وأنت، وإن أعطيت جاها: لئيم، واستعمالها في الماضي على خلاف وضعها ولا تستعمل فيه، في الأغلب، إلا وشرطها (كان) لما يأتي في الجوازم، وقد تستعمل (لو) في المستقبل بمعنى (ان)، وقد تكون، أيضا للاستمرار كما ذكرنا في (إذا)، قال عليه الصلاة والسلام: (لو أن لابن آدم واديين من ذهب، لابتغى إليهما ثالثا)، فنقول: 4 لما كان (إذا) موضوعا للأمر المقطوع بوجوه، في اعتقاد المتكلم، في المستقبل، لم يكن للمفروض وجوده، لتنافي القطع والفرض في الظاهر، فلم يكن فيه معنى (ان) الشرطية، لأن الشرط، كما بينا، هو المفروض وجوده، لكنه لما كان ينكشف لنا الحال كثيرا في الأمور التي نتوقعها قاطعين بوقوعها، على خلاف 5 ما نتوقعه، جوزوا تضمين. (إذا) معنى (إن)، كما في (متى) وسائر الأسماء الجوازم، فيقول القائل: إذا جئتني فأنت مكرم، شاكا في مجيئ المخاطب غير مرجح وجوده على عدمه، بمعنى: متى جئتني: سواء، لكن اضمار (ان) قبل (متى) وسائر الأسماء الجوازم، على ما هو مذهب سيبويه في أسماء الشرط، صار بعد العروض، عريقا ثابتا، إذ لم توضع في الأصل لزمان يقطع
(1) أي عدم وقوعه (2) الآية 26 سورة يوسف (3) الآية 116 سورة المائدة، (4) ما تقدم كان تمهيدا للكلام على إذا، (5) يعني ينكشف الحال على خلاف... (*)
[ 187 ]
المتكلم بوقوع الفعل فيه، كما وضعت (إذا)، فجاز أن يرسخ الفرض الذي هو معنى
الشرط في الحدث الواقع فيها، واما (إذا)، فلما كان حدثه الواقع فيه مقطوعا به في أصل الوضع لم يرسخ فيه معنى (ان) الدالة على الفرض، بل صار عارضا على شرف الزوال، فلهذا لم يجزم إلا في الشعر، مع إرادة معنى الشرط وكونه بمعنى (متى)، قال: 493 - ترفع لي خندف والله يرفع لي * نارا، إذا خمدت نيرانهم تقد 1 وقال: 494 - إذا قصرت أسيافنا كان وصلها * خطانا إلى أعدائنا فنضارب 2 ومن جهة عروض معنى الشرط فيها، لم يلزم، عند الأخفش، وقوع الفعلية بعدها، كما مر في المنصوب على شريطة التفسير، ولما كثر دخول معنى الشرط في (إذا)، وخروجه عن أصله من الوقت المعين، جاز استعماله، وإن لم يكن فيه معنى (ان) الشرطية وذلك في الأمور القطعية، استعمال 2 (إذا) المتضمنة لمعنى (إن)، وذلك بمجيئ جملتين بعده على طرز الشرط والجزاء، وإن لم يكونا شرطا وجزاء، كقوله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح 4)، إلى قوله (فسبح)، كما أنه لما كثر وقوع الموصول متضمنا معنى الشرط، فجاز دخول الفاء في خبره: جاز دخول الفاء في الخبر وإن لم يكن في الأول معنى الشرط، كما في قوله تعالى: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات) إلى قوله: (فلهم عذاب جهنم) 5، وقوله تعالى: (وما
(1) خندف بكسر الخاء والدال قبيلة الفرزدق، والبيت له، والشاهد فيه من حيث إن قوله تقد، فعل مضارع مجزوم والكسرة للروي، وهكذا أورده سيبويه 1 / 434 ويرويه بعضهم: إذا ما خبت نيرانهم.... والصواب ما هنا، (2) البيت بهذه الرواية من قصيدة جيدة لقيس بن الخطيم يذكر فيها يوم بعاث الذي كان قبل الأسلام، أولها: أتعرف رسما كاطراد المذاهب * لعمره وحشا غير موقف راكب ووقع مثل هذا في بيت مرفوع الروى لشاعرين آخرين، (3) متعلق بجاز استعماله، وهو مفعول مطلق للمصدر السابق،
(4) سورة النصر (5) الآية 10 سورة البروج، ولم يترك بين الجزأين إلا قوله ثم لم يتوبوا، (*)
[ 188 ]
أفاء الله على رسوله منهم فما أو جفتم) 1، لأن الفتن 2، والأفادة، متحققا الوجود في الماضي، فلا يكون فيهما معنى الشرط الذي هو الفرض، ومنه أيضا، قوله تعالى: (وما بكم من نعمة، فمن الله) 3، والفاء في مثل هذه المواضع في الحقيقة زائدة، وإنما رتب (إذا) والموصول، في الآيات المذكورة والجملتان بعده، ترتيب كلمة الشرط وجملتي الشرط والجزء، وإن لم يكن فيهما معنى الشرط ليدل هذا الترتيب على لزوم مضمون الجملة الثانية لمضمون الجملة الأولى لزوم الجزاء للشرط، ولتحصيل هذا الغرض، عمل في (إذا) جزاؤه مع كونه بعد حرف لا يعمل ما بعده فيما قبله، كالفاء في: فسبح، وان، في قولك: إذا جئتني فإنك مكرم، ولام الابتداء في نحو قوله تعالى: (... أئذا ما مت لسوف أخرج حيا) 4، كما عمل ما بعد الفاء وإن في الذي قبلهما في نحو: أما يوم الجمعة فإن زيدا قائم، وأما زيدا فإني ضارب، للغرض الداعي إلى هذا الترتيب، كما يجيئ في حروف الشرط، فإذا تقرر هذا قلنا، العامل في (متى) وكل ظرف فيه معنى الشرط: شرطه، على ما قال الأكثرون، ولا يجوز أن يكون جزاءه، على ما قال بعضهم، كما لا يجوز في غير الظرف، على ما مر، ألا ترى أنك لا تقول: أيهم جاءك فاضرب بنصب أيهم، على ما مضى في الكنايات، ولو جاز، أيضا، عمل الجزاء في أداة الشرط، لقلنا: الشرط أولى، لأنهما فعلان توجها إلى معمول واحد 5 والأقرب أولى بالعمل فيه على ما هو مذهب البصريين، ولو كان العامل ههنا هو الأبعد، كما هو اختيار الكوفيين لكان الأختيار شغل الأقرب بضمير المفعول عند أهل المصرين، كما في: زارني، وزرته زيد، فكان الأولى، إذن، أن
(1) الآية 6 سوره الحشر، (2) مصدر فتن في الآية السابقة، (3) الآية 53 سورة النحل، (4) الآية 66 سورة مريم، (5) جرى في هذا على ما رجحه في باب التنازع من جواز التنازع في المتقدم المنصوب، (*)
[ 189 ]
يقال: متى جئتني فيه، أو جئتنيه، ولم يسمع، وأما الاستدلال على كون الشرط في مثله هو العامل، بمجئ الجواب في بعض المواضع بعد (إن) أو اللام، أو الفاء، نحو: متى جئتني فانك مكرم، و: فأنت مكرم، و: فلأنت مكرم، فمما 1 لا يتم، لأن تقديم الاسم لغرض وهو تضمنه معنى الشرط الذي له الصدر، يجوز مثل هذا الترتيب، كما مر آنفا، وأما العامل في (إذا): فالأكثرون على أنه جزاؤه، وقال بعضهم: هو الشرط، كما في (متى) وأخواته، والأولى أن نفصل، ونقول: إذا تضمن (إذا) معنى الشرط فحكمه حكم أخواته من (متى) ونحوه، وإن لم يتضمن، نحو: إذا غربت الشمس: جئتك، بمعنى: أجيئك وقت غروب الشمس، فالعامل فيه هو الفعل الذي في محل الجزاء استعمالا، وإن لم يكن جزاء في الحقيقة، دون الذي في محل الشرط، إذ هو مخصص للظرف، وتخصيصه له إما لكونه صفة له، أو لكونه مضافا إلثيه، ولا ثالث، استقراء، ولا يجوز أن يكون وصفا، إذ لو كان وصفا، لكان الأولى: الأتيان فيه بالضمير كما تقدم في الموصولات، ولم يأت في كلام، فتخصيصه له، إذن، بكونه مضافا إليه، كما في سائر الظروف المتخصصة بمضمون الجمل التي بعدها، لا على سبيل الوصفية، كقوله تعالى: (يوم يجمع الله الرسل 2)، وغير ذلك، ولو سلمنا، أيضا، أنه صفة، قلنا لا يجوز عمل الوصف في الموصوف، كما لا يعمل
المضاف إليه في المضاف، وذلك أن كل كلمتين أو أكثر، كانتا في المعنى بمنزلة كلمة واحدة، بمعنى وقوعهما معا جزء كلام، يجوز أن تعمل أولاهما في الثانية، كالمضاف، في المضاف إليه، ولا يجوز العكس، إذ لم يعهد كلمة واحدة بعض أجزائها مقدم من وجه، مؤخر من آخر، فكذلك: ما هو بمنزلتها في المعنى، فمن ثم لم تعمل صلة في موصول، ولا تابع في متبوع، ولا مضاف إليه في مضاف، أما كلمة الشرط إذا عمل
(1) جواب قوله: وأما الاستدلال.... (2) الآية 109 سورة المائدة، (*)
[ 190 ]
فيها الشرط، فليست مع الشرط ككلمة واحدة إذ لا يقعان، إذن، موقع المفرد، كالفاعل والمفعول والمبتدأ ونحوها، فيجوز عمل كل واحد منهما في الآخر، نحو: متى تذهب 5 أذهب، و: (أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) 1، بلى، إن لم يعمل الشرط في كلمته، نحو: من قام قمت، جاز وقوعهما موقع المبتدأ، على ما هو مذهب بعضهم، فإذا تقرر هذا، قلنا: إن الفاء في قوله تعالى: (إذا جاء نصر الله) إلى قوله: (فسبح) 2، زائدة، زيدت ليكون الكلام على صورة الشرط والجزاء، للغرض المذكور، وإنما حكمنا بزيادتها، لأن فائدتها التعقيب، كما ذكرنا، من أن السببية لا تخلو من معنى التعقيب، و: (إذا جاء ظرف للتسبيح فلا يكون التسبيح عقيب المجيئ، بل في وقت المجيئ، وقال المصنف في شرح المفصل 3: إن تعيين الوقت في (إذا) يحصل بمجرد ذكر الفعل بعده، وإن لم يكن مضافا إليه، كما يحصل في قولنا: زمانا طلعت فيه الشمس، وفيه نظر، لأنه إنما حصل التخصيص به لكونه صفة له، لا لمجرد ذكره بعده، ولو كان مجرد ذكر الفعل بعد كلمة (إذا) يكفي لتخصيصها، لتخصص (متى) في:
متى قام زيد، وهو غير مخصص، اتفاقا منهم، وأما استدلاله على عمل الشرط في (إذا) بقوله تعالى: (أئذا مامت لسوف أخرج حيا) 4، وأن الجواب لو كان عاملا، لكان المعنى: لسوف أخرج وقت الموت فكان ينبغي أن يكون الاخراج والموت في وقت،
(1) الآية 110 سورة الأسراء، وتكرر ذكرها، (2) سورة النصر وتقدمت قبل قليل، (3) لابن الحاجب شرح على المفصل للزمخشري اسمه الأيضاح والرضى ينقل منه ويناقش ابن الحاجب، وتكررت الأشارة إليه، (4) الآية 66 من سورة مريم وتقدمت قريبا، (*)
[ 191 ]
فالجواب: أن المعطوف مع واو العطف محذوف في الآية، لقيام القرينة، والمعنى: أئذا ما مت وصرت رميما: أبعث، أي مع اجتماع الأمرين، كما قال تعالي: (أئذا متنا وكنا ترابا عظاما أثنا لمبعوثون) 1، وكثير في القرآن مثله، واستدل، أيضا، بنحو قولهم: إذا جئتني اليوم أكرمتك غدا، والجواب: أن (إذا) هذه بمعنى (متى) فالعامل شرطها، أو نقول: المعنى: إذا جئتني اليوم، كان سببا لأكرامي لك غدا، كما قيل في نحو: إن جئتني اليوم فقد جئتك أمس، أن المعنى: إن جئتني اليوم يكن جزاء لمجيئ إليك أمس، ولعدم عراقة (إذا) في الشرطية ورسوخها فيها، جاز مع كونها للشرط، أن يكون جزاؤها اسمية بغير فاء، كما في قوله تعالى: (وإذا ما غضبوا، هم يغفرون) 2 وقوله تعالى: (والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون) 3، ولا منع من كون (هم) في الآتين: تأكيدا للواو، والضمير المنصوب في أصابهم، ولعدم عراقتها أيضا جاز، وإن كان شاذا، مجيئ الاسمية الخالية عن الفعل بعدها
في قوله: فهلا أعدوني لمثلي، تفاقدوا * اذءا الخصم أبزى مائل الرأس انكب 4 - 154 قيل: ليس في (إذا) في نحو قوله تعالى: (والليل إذا يغشى) 5، معنى الشرط إذ جواب الشرط: إما بعده، أو مدلول عليه بما قبله، وليس بعده ما يصلح الجواب للجواب، لا ظاهرا، ولا مقدرا، لعدم توقف معنى الكلام عليه، وليس ههنا ما يدل على جواب الشرط قبل (إذا) إلا القسم، فلو كان (إذا) للشرط، كان التقدير: إذا يغشى:
(1) الآية 47 سورة الواقعة، (2) الآية 37 سورة الشورى، (3) الآية 39 سورة الشورى، (4) تقدم ذكره في الجزء الأول (5) أول سورة الليل، (*)
[ 192 ]
أقسم، فلا يكون القسم منجزا، بل معلقا بغشيان الليل، وهو ضد المقصود، إذ القسم بالضرورة حاصل وقت التكلم بهذا الكلام وإن كان نهارا، غير متوقف على دخول الليل، فإن قيل: فإذا كان ظرفا مجردا، فأيش 1 ناصبه ؟ قلت: قال المصنف: ناصبه حال من الليل، أي: والليل حاصلا وقت غشيانه، ولي فيه نظر، إذ لا شئ هنا يقدر عاملا في (حاصلا) إلا معنى القسم، فهو حال من مفعول (أقسم) فيكون الاقسام في حال حصول الليل، كما أن المرور في قولك مررت بزيد صارخا: في حال صراخه، وحصول الليل في وقت غشيانه، لأن وقت غشيانه ظرف له، كما أن الخروج في قولك: خرجت وقت دخولك: في وقت دخول المخاطب، فيكون الاقسام حال غشيان الليل، وهو فاسد، كما مر، وأيضا، في قوله تعالى: (والقمر إذا اتسق 2)، يلزم أن يكون الزمان حالا من الجثة،
ولا يجوز، كما لا يجوز أن يكون خبرا عنها، وقيل: (إذا) بدل من المقسم به مخرج عن الظرفية، أي: وقت غشيان الليل، وفيه نظر من وجهين: أحدهما من حيث إن إخراج (إذا) عن الظرفيه قليل، والثاني أن المعنى: بحق القمر متسقا، لا بحق وقت اتساق القمر، وليس يبعد أن يقال، هو ظرف لما دل عليه القسم من معنى المعظمة والجلال، لأنه لا يقسم بشئ إلا لحاله العظيمة، فتعلقه بالمصدر المقدر، على ما ذكرنا في المفعول معه، من جواز عمله مقدرا عند قوة الدلالة عليه، وخاصة في الظرف، فإنه يكتفي برائحة الفعل وتوهمه، كما هو مشهور، فالتقدير: وعظمته إذا اتسق، فهو كقولك: عجبا من زيد إذا ركب، أي من عظمته، والظرف ههنا لا يصلح أن يكون معمولا لأنشاء التعجب، كما لم يصلح هناك لكونه معمولا، لأنشاء القسم، فأضمر العظمة، إذ لا يتعجب إلا من عظيم، كما لا يقسم إلا بعظيم في معني من المعاني،
(1) تكررت الأشارة إلى ضعف هذا الاستعمال ومعناه: أي شئ، (2) الآية 18 سورة الانشقاق، (*)
[ 193 ]
وإذا جاء (إذا) بعد (حتى) كقوله تعالى: (حتى إذا هلك قلتم 1...)، فهو باق على ما كان عليه من طلب الجملتين، منتصب بأخراهما، كما مر، وحتى، تكون معها حرف ابتداء، إذ ليس معنى كونها حرف ابتداء: أنه يقع المبتدأ بعدها، فقط، بل معناه أنه يستأنف بعدها الكلام، سواء كانت الجملة اسمية أو فعلية، كقوله تعالى: (حتى يقول الرسول) 2، بالرفع، وتقول: سرت حتى يكل الناس 3، وقال بعضهم: يجوز أن يتجرد، بعد حتى، عن الشرطية، وينجر بحتى ولعله حمله عليه قوله: 495 - حتى إذا أسلكوهم في قتائدة * شلا كما تطرد الجمالة الشردا 4
وهذا البيت آخر القصيدة، ويجوز أن يقال: ان جوابه مقدر، محافظة على أغلب أحوالها، وقال الميداني: 5 (إذا) فيه زائدة، ولنا عن ارتكاب زيادته مندوحة إذ حذف الجزاء لتفخيم الأمر: غير عزيز الوجود، كما في قوله: (إذا السماء انشقت) 6، أي تكون أمور لا يقدر على وصفها، وعن بعضهم أن (إذا) الزمانية تقع اسما صريحا في نحو: إذا يقوم زيد، إذا يقعد
(1) الآية 34 سورة غافر (2) من الآية 214 سورة البقرة، (3) هذا كقول امرئ القيس: سريت بهم حتى تكل مطيهم * وحتى الجياد ما يقدن بأرسان (4) قول الشارح ان البيت آخر القصيدة ترجيح لتجرد إذا عن الشرطية، واستدرك عليه بأنه لا بأس من تقدير الجواب كما قال: والبيت آخر أبيات لعبد مناف بن ربع من بني هذيل، يصف وقعة سميت بيوم أنف، واسلكوهم أي ادخلوهم وروى سلكوهم، وقتائدة اسم ثنية في مكان المعركة، والجمالة: الذين يرعون الجمال، والشرد جمع شرود، (5) الميداني هو أحمد بن محمد بن أحمد الميداني النيسابوري، صاحب مجمع الأمثال، وله مصنفات في النحو والصرف توفي سنة 518 ه، وله ابن اسمه سعيد، اشتهر أيضا بالميداني، (6) أول سورة الانشقاق، (*)
[ 194 ]
عمرو، أي: وقت قيام زيد: وقت قيام عمرو، وأنا لم أعثر لهذا على شاهد من كلام العرب، وأما قوله تعالى: (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) 1، فإذا الأولى زمانية، والثانية للمفاجأة، في مكان الفاء، كما يجيئ في باب الشرط، قوله: (وقد تقع للمفاجأة، فيلزم المبتدأ بعدها)، وقد ذكرنا الخلاف في (إذا)
المفاجأة في باب المبتدأ، وأن الأقرب كونها حرفا، فلا محل لها، والتي تقع جوابا للشرط: للمفاجأة، كما يجيئ في حروف الجزم، والكوفيون يجوزون نحو: خرجت فإذا زيد القائم بنصب القائم، على أن زيدا مرفوع بالظرف، كما في نحو: في الدار زيد، لأن (إذا) المفاجأة عندهم ظرف مكان، أما النصب القائم، فقالوا: لأن (إذا) المفاجأة، تدل على معنى (وجدت) فتعمل عمله، لأن معنى مفاجأتك الشئ: وجدانك له فجأة، فالتقدير: خرجت فوجدت زيدا القائم، والقائم ثاني مفعوليه، ومنه قول الكسائي في المناظرة التي جرت بينه وبين سيبويه في مثل قولهم: كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو إياها: لا يجوز 2 إلا إياها، وقال سيبويه: لا يجوز إلا: فإذا هو هي، لأن (إذا) المفاجأة يجب الابتداء بعدها، قال الزجاجي 3 مشنعا على الكوفيين: فإذا، عندهم، كالنعامة، قيل لها: احملي فقالت أنا طائر، وقيل لها طيري قالت أنا جمل، إن كانت (إذا) عندهم كسائر الظروف، لزمهم أن يرفعوا بعدها اسما واحدا، وان أعملوها عمل: (وجدت)، طالبناهم بفاعل
(1) الآية 25 سورة الروم، (2) هكذا جاء في النسخة المطبوعة ولا شك أنه تحريف بزيادة (لا) فالمعروف من القصة أن الكسائي جوز الوجهين، والقصة معروفة وتمتلئ بها كتب النحو والتراجم، (3) أبو القاسم: عبد الرحمن بن اسحاق الزجاجي بياء النسب في آخره، منسوب إلى الزجاج لأنه كان ملازما له، وتقدم ذكره في هذا الشرح، (*)
[ 195 ]
ومفعولين، قال 1: بلى، يجوز: فإذا عمرو قائما، على أن (إذا) خبر، وقائما: حال، أي: فبالمكان عمرو قائما، وأما مع المعرفة، فلا يجوز، عند البصريين إلا الرفع على أنه خبر،
وقال ثعلب 2، اعتذارا للكوفيين في نحو فإذا هنو إياها: أن (هو) عماد، وإذا، كوجدت مع أحد مفعوليه، كأنه قال: فوجدته هو إياها، كقوله: 496 - فأضحى ولو كانت خراسان دونه * رآها مكان السوق أو هي أقربا 3 أي: رآها هي أقرب، فقال الزجاجي، ليس هذا قول الكوفيين، ولا البصريين، قال: وأظن الحكاية في هذا عن ثعلب، غلط، لأن العماد 4 عند أهل المصرين لا يكون إلا فضلة يجوز استقاطها، ولا يجوز اسقاط (هو) في مسألتنا، أصلا، هذا آخر كلام الزجاجي، ويمكن أن يقال: ان الفصل ولم يوجد في كلام العرب إلا إذا كان خبر المبتدأ معرفا باللام، أو أفعل التفضيل، وفي الأتيان به مع غيرهما نظر، كما مر في باب الضمائر، وقوله: أو هي أقربا، بمعنى: أو هي في مكان أقرب فهو نصب على الظرف، وقد تقع (إذ) و (إذا) في جواب: بينا، وبينما، وكلتاهما، إذن، للمفاجأة، والأغلب مجيئ (إذ) في جواب بينما، وإذا في جواب بينا، قال: 497 - فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا * إذا نحن فيهم سوقة نتنصف 5
(1) قال: أي الزجاجي، استدراكا على ما تقدم، (2) أبو العباس أحمد بن يحيى الشهير بثعلب من زعماء الكوفيين وتقدم ذكره، وقد يذكره الرضى باسمه، (3) من أبيات قالها عبد الله بن الزبير الأسدي: الزبير بفتح الزاى وكسر الباء، قالها حين قدم الحجاج الكوفة، وحث الناس على قتال المهلب بن أبي صفرة وتوعدهم بقتل من يتأخر، والحديث في البيت عن شخص يصفه الشاعر بأنه لما سمع كلام الحجاج اهتم بالامتثال حتى إنه أصبح يرى أن مكان الحرب وهو خراسان مثل مكان السوق، أو هو أقرب منه، (4) المراد به صيغة الضمير الذي يسمونه فصلا وعمادا (5) أحد بيتين قالتهما خرفة، ابنة النعمان بن المنذر بعد أن ضاع مجدهم، والبيت الثاني: (*)
[ 196 ]
ولا يجيئ بعد (إذ) المفاجأة إلا الفعل الماضي، وبعد (إذا) المفاجأة الا الاسمية، وكان
الأصمعي 1، لا يستفصح إلا تركهما في جواب بينا وبينما، لكثرة مجئ جوابهما بدونهما، والكثرة لا تدل على أن المكثور غير فصيح، بل تدل على أن الأكثر أفصح، ألا ترى إلى قول أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، وهو من الفصاحة بحيث هو: (بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته)، 2 ولما قصد إلى إضافة (بين) اللازم إضافته إلى مفرد، إلى جملة، والأضافة إلى الجملة كلا إضافة، على ما تقدم، زادوا عليه (ما) الكافة، لأنها التي تكف المقتضى عن الاقتضاء، أو أشبعوا الفتحة فتولدت ألف، ليكون الألف دليل عدم اقتضائه للمضاف إليه، لأنه كأنه وقف عليه، والألف قد يؤتى به للوقف، كما في: أنا، والظنونا، 3 وأصل (بين) أن يكون مصدرا بمعنى الفراق، فتقدير: جلست بينكما، أي مكان فراقكما، وتقدير: فعلت، بين خروجك ودخولك: أي زمان فراق خروجك ودخولك، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فبين، كما تبين، مستعمل في الزمان، والمكان، وأما إذا كف بما، أو الألف وأضيف إلى الجمل، فلا يكون إلا للزمان، لما تقدم من أنه لا يضاف من المكان إلى الجمل إلا (حيث)، و (بين) في الحقيقة، مضاف إلى زمان مضاف إلى الجملة، فحذف الزمان المضاف، والتقدير: بين أوقات زيد قائم، أي بين أوقات قيام زيد، فحذف الوقت لقيام القرينة عليه، وهي غلبة إضافة الأزمنة إلى الجمل، دون الأمكنة وغيرها، فيتبادر الفهم في كل مضاف إليها، إلى الزمان، فصار (بين) المضاف إلى الزمان زمانا، لأن (بين) ان أضيف
= فأف لدنيا لا يدوم نعيمها * تقلب تارات بنا وتصرف وقولها نتنصف أي نخدم الناس، وتقلب، وتصرف، كلاهما بحذف التاء الأولى، (1) عبد الملك بن قريب الأصمعي، تقدم ذكره في هذا الجزء، (2) جاء هذا الكلام في إحدى الخطب التي تضمنها نهج البلاغة المنسوب لسيدنا علي رضي الله عنه، ص 34 طبع دار الشعب بالقاهرة،
(3) إشارة إلى قوله تعالى: (وتظنون بالله الظنونا) الآية 10 سورة الأحزاب، (*)
[ 197 ]
إلى الأمكنة أو جثث 1 غيرها، فهو للمكان نحو: بين الدار، وبين زيد وعمرو، وان أضيف إلى الأزمنة فهو للزمان، نحو: بين يومي الجمعة والأحد، وكذا ان أضيف إلى الأحداث، نحو: بين قيام زيد وقعوده، الا أن يراد به مجازا: المكان، نحو قولك: زيد بين الخوف والرجاء، استعرت لما بين الحدثين مكانا، فلهذا وقع (بين) خبرا عن الجثة، فبينما، المضاف تقديرا إلى زمان محذوف، وظاهرا إلى جملة مقدرة بحدث، لابد أن يكون بمعنى الزمان، فلهذا جاز إضافته إلى الجمل، وكل ما قلناه في (بينما) يطرد في (كلما)، من مجيئ (ما) الكافة، لتكفه عن طلب مضاف إليه مفرد، ومن تقدير زمان مضاف إلى الجمل، فكلما، إذن، زمان مضاف إلى الجملة، لأن كلا، وبعضا، من جنس ما يضافان إليه، زمانا كان أو مكانا أو غيرهما، ولما 2 في (كلما) من معنى العموم والاستغراق، الذي يكون في كلمات الشرط، نحو: من، وما، ومتى، شابهها أكثر من مشابهة (بينما) فلم يدخل إلا على الفعلية بخلاف بينا وبينما، ولهذا جاز، أيضا، وقوع الماضي بعد (كلما) بمعنى المستقبل، لكنه ليس ذلك بحتم في كل ماض، كما كان في كلمات الشرط المتضمنة لمعنى (ان)، وكذلك كل ماض وقع بعد (حيث)، احتمل الماضي والمستقبل، للعموم الذي فيه، ككلمات الشرط، ففيه وفي (كلما) رائحة الشرط، وأما (حيثما)، فهي كلمة شرط تجزم وتقلب الماضي مستقبلا، كمن، وما، ومتى، فالعامل في: كلما، وحيث، ما هو في محل الجزاء، لا الذي في محل الشرط، كما في (إذا)، لأنهما في الأغلب، يستعملان في الفعل المقطوع بوقوعه نحو: كلما طلعت
(1) المراد ما ليس زمانا ولا حدثا معنويا، (2) جار ومجرور متعلق بقوله: شابهها أكثر.... الآتي، (*)
[ 198 ]
الشمس أتيتك، وكلما أصبحت فسبح الله، وجلست حيث جلس زيد، وقد يستعملان في غير المقطوع به نحو: كلما جئتني أعطيتك وحيث لقيت زيدا فأكرمه، كما تستعمل الأسماء المتضمنة لمعنى (إن) في المقطوع بوجوده، نحو: متى طلعت الشمس أتيتك، وكل ذلك على خلاف الأصل، ويدخل بينا، وبينما، وكلما، في الماضي والمستقبل، ولنا أن نرتكب بناء بينا وبينما وكلما، على الفتح، لكون إضافتهما كلا إضافة، كما ذكرنا في (حيث) إلا أنها 1 بنيت على الفتح الذي كانت تستحقه حالة الأعراب، بخلاف (حيث) فإنه لم يثبت لها حالة إعراب هي منصوبة فيها حتى تراعى حركتها الأعرابية، وإنما رتب بينا، وبينما، وكلما، مع جملتيها ترتيب كلمات الشرط، مع الشرط والجزاء، لما ذكرنا من بيان لزوم مضمون الثانية للأولى، لزوم الجزاء للشرط، ولهذا أدخل (إذا) و (إذ) للمفاجأة في جواب بينا وبينما، ليدلا على اقتران مضمون الأول بالثاني مفاجأة بلا تراخ فيكون آكد في معنى اللزوم، وقيل في (كلما): انه معرب، وما، ومصدرية، والزمان المضاف إلى (ما) مقدر، فيجوز ادعاء مثله في (بينما)، فإن دخل (إذ) و (إذا) للمفاجأة في جواب بينا وبينما، فإن قلنا، كما هو مذهب المبرد، ان (إذا) المفاجأة ظرف مكان، وكذا ينبغي أن نقول في (إذ) المفاجأة، فإذ، وإذا، منصوبان على أنهما ظرفا مكان لما بعدهما، وبينا وبينما، ظرفا زمان له، فمعنى بينا زيد قائم إذ رأى هندا: رأى زيد هندا بين أوقات قيامه، في ذلك المكان، أي في مكان قيامه، وإن قلنا انهما ظرفا زمان، كما هو مذهب الزجاج، فهما مضافان إلى الجملة التي
بعدهما، مخرجان عن الظرفية، مبتداآن، خبرهما بينا، وبينما، والمعنى: وقت رؤية زيد هندا: حاصل بين أوقات قيامه،
(1) أي الكلمات الثلاث: بينا، وبينما، وكلما، (*)
[ 199 ]
والأولى: القول بحرفية كلمتي المفاجأة، كما هو مذهب ابن بري 1، فالعامل في بينا، وبينما، ما بعد كلمتي المفاجأة، أو تقول: انهما زائدان، وليستا للمفاجأة في جواب بينا وبينما، كما قال الجوهري 2، وابن قتيبة، 3 وأبو عبيدة، 4 بزيادة (إذ) في نحو قوله تعالى: (وإذ واعدنا) 5 وبزيادة (إذا) في قوله: حتى إذا أسلكوهم في قتائدة.... البيت 6 - 495 والكلام على مثل قوله تعالى: (فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون) 7، كالكلام على: بينما زيد قائم إذ رأي عمرا، سواء، ويجوز أن يكون (إذا) في جواب بينما، وإذا، ولما، نحو قوله تعالى: (فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم...) 8 ظرف زمان، بدلا من الظروف المذكورة، ولا نجعلها مضافة إلى الجملة التي تليها، بل نجعل تلك الجملة عاملة في الظروف المذكورة، أي: وقت الأصابة في تلك الحال يستبشرون، وكذا في الباقيين، فالجملة المضاف إليها (إذا) محذوفة مدلول عليها بالجملة التي في موضع الشرط، أي: إذا أصاب.... هم يستبشرون، و: (إذا فريق منهم بربهم يشركون)، وكذا نقول: إذا وقعت جوابا لأن، في نحو قوله تعالى: (وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم، إذا هم يقنطون) 9، أي: إذا أصابتهم يقنطون، أي في تلك الحالة يقنطون،
(1) ابن بري هو أبو محمد، عبد الله بن بري المصري، تقدم ذكره في الجزء الأول، (2) الجوهري صاحب الصحاح تقدم ذكره، (3) ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، النحوي اللغوي، صاحب مؤلفات كثيرة في اللغة والنحو
والحديث وغيرها، من علماء القرن الثالث الهجري، (4) أبو عبيدة بالتاء كما هو في المطبوعة، معمر بن المثنى أستاذ أبي عبيد: القاسم بن سلام وتقدم ذكره، (5) الآية 51 من سورة البقرة، (6) تقدم ذكره قريبا، (8) الآية 77 سورة النساء، (7) الآية 48 سورة الروم، (9) الآية 36 سورة الروم، (*)
[ 200 ]
وإن قلنا آنها ظرف مكان، فلا نقدر لها جملة مضافا إيها، لأن المكان لا يضاف إلى الجملة، إلا (حيث)، بل المعنى: في ذلك الموضع يقنطون، وكذا في جواب إذا، وبينما، ولما، وإن قلنا بحرفية (إذا) في جواب الأشياء الأربعة، فلا اشكال، لأنها، إذن، حرف، كالفاء، سواء، وقد تجيئ (إذ) للمفاجأة في غير جواب بينا وبينما، نحو قولك: كنت واقفا إذ جاءني عمرو، ويجوز إضافة بينا، دون بينما، إلى المصدر، قال: 498 - بينا تعانقه الكماة وروغه * يوما أتيح له جرئ سلفع 1 بتقدير: بين أوقات تعانقة، والأعرف: الرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر، أي: تعانقه حاصل، قوله: (وإذ، لما مضى، ويقع بعدها الجملتان)، وذلك بلا فصل، لأنه لا يطرأ عليها معنى الشرط كما في (إذا)، لأن جميع أسماء الشرط متضمنة لمعنى (ان)، وان للشرط في المستقبل، و (إذ) موضوعة للماضي فتنافيا، و (إذ) إذا دخل على المضارع قلبه إلى الماضي كقوله تعالى: (وإذ يمكر بك الذين كفروا) 2، و: (إذ يقول) 3، ويلزمها الظرفية، إلا أن يضاف إليها زمان، كقوله
(1) من قصيدة أبي ذؤيب الهذلي التي رثى بها أبناءه والتي أولها: أمن المنون وريبها تتوجع * والدهر ليس بمعتب من يجزع والبيت المستشهد به في وصفه للرجل الشجاع لا تنفعه شجاعته فقد يتاح له من هو أقوى منه، وتعانقه، روى: تعنقه بتشديد النون بمعنى ملاقاته لخصمه وإمساك كل منهما بالآخر، (2) الآية 30 سورة الأنفال، (3) من الآية 40 سورة التوبة، (*)
[ 201 ]
تعالى: (بعد إذ نجانا الله منها) 1، وقوله تعالى: (بعد إذ أنتم مسلمون)، 2 ولم يعهد مجرورا باسم الا ببعد، ويقع مفعولا به، كقولك: أتذكر إذ من يأتنا نكرمه، وقوله تعالى: (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه) 3، على أن (إذ) بدل من قوله: أخا عاد، وقيل في نحو قوله تعالى: (وإذ واعدنا) 4، آنها زائدة كما مضى، وقيل هي مفعولة لا ذكر، ويلزمها الأضافة إلى الجملة، وإن حذفت لقيام القرينة عوضت منها التنوين، كما في قوله: وأنت إذ صحيح 5، فيكسر ذالها، أو يفتح، كما مر، ويلزمها الكسر في نحو يومئذ لما مر، وتجيئ (إذ) للتعليل، نحو: جئتك إذ أنت كريم، أي لأنك، والأولى حرفيتها، إذن، إذ لا معنى لتأويلها بالوقت حتى تدخل في حد الاسم، واعلم أنه يقبح أنه يليها اسم بعده فعل ماض، نحو: إذ زيد قام، بل الفصيح: إذ قام زيد، لأن (إذ) موضوع للماضي، فايلاؤه الماضي أولى، للمشاكلة والمناسبة، ولا يرد عليه نحو: إذا زيد يقوم، لأن (إذا) على مذهب سيبويه، داخلة على (يقوم) المقدر المفسر بهذا الظاهر، وأما على مذهب من أجاز دخولها على اسمية خبرها فعل، فهذا وارد عليه، ولا مخلص له منه، إلا استقباح استعمال مثل هذا، أيضا، أعني: إذا يقوم زيد فقل له كذا، والحق
أنه قبيح قليل الاستعمال، وقال المصنف معتذرا عن صاحب هذا المذهب، إن (يقوم) ليس للاستقبال، بل
(1) الآية 89 سورة الأعراف (2) الآية 80 سورة أل عمران، وتقدمت (3) الآية 21 سورة الأحقاف، (4) أول الآية 51 سورة البقرة وتقدمت، (5) البيت السابق قبل قليل، (*)
[ 202 ]
للحال على وجه الحكاية، وفيه نظر، لأن مثل: إذا يقوم زيد فقل له كذا، مقصود به القيام الاستقبالي، وحكاية الحال المستقبلة مما لم يثبت في كلامهم كما ثبت حكاية الحال الماضية. وإذا جاءت (ما) بعد (إذا) فهي باقية على ما كانت عليه، لا تصير بها جازمة متعينة للشرط، بخلاف (إذ) فانها تصير جازمة بما، كما يجيئ في الجوازم، ومنهم من قال: يجازي بإذا ما، فيجزم الشرط والجزاء، وأنشد للفرزدق، 499 - فقام أبو ليلي إليه ابن ظالم * وكان إذا ما يسلل السيف يضرب 1 والرواية: متى ما، (من الظروف المبنية) (أين، وأنى وأيان ومتى وكيف) (قال ابن الحاجب:) (ومنها أين وأنى للمكان، استفهاما وشرطا، ومتى للزمان) (فيهما، وأيان للزمان استفهاما، وكيف للحال استفهاما)،
(قال الرضي:) أين، الاستفهامية نحو، أين كنت ؟ والشرطية نحو، أين تكن أكن، وبناؤهما على الحركة للساكنين، وعلى الفتح لاستثقال الضم والكسر بعد الياء،
(1) من قصيدة للفرزدق يتحدث فيها عن الحارث بن ظالم المري وكان قد أنصف امرأة من قومه شكت إليه أن عاملا لنعمان بن المنذر أخذ ابلالها، فعمل على ردها إليها مع أنه كان في هذا الوقت نزيلا عند النعمان، وفي هذه القصيدة يقول الفرزدق: لعمري لقد أوفى، وزاد وفاؤه * على كل جار، جار آل المهلب.. الخ (*)
[ 203 ]
و (أنى)، لها ثلاثة معان، استفهامية كانت أو شرطية: أحدها: أين، الا أن (أنى) مع (من) إما ظاهرة كقوله: 500 - من اين عشرون لنا من أنى 1 أي: من أين، أو مقدرة، كقوله تعالى: (أني لك هذا) 2، أي من أنى، أي من أين، ولا يقال: أنى زيد ؟ بمعنى: أين زيد، وإنما جاز اضمار (من) لأنها تدخل في أكثر الظروف التي لا تتصرف أو يقل تصرفها نحو: من عند، ومن بعد، ومن أين، ومن قبله ومن أمامه ومن لدنه، فصارت مثل (في) فجاز أن تضمر في الظروف اضمار (في) ومنه قوله: 501 - صريع غوان راقهن ورقنه * لدن شب حتى شاب سود الذوائب 3 أي: من لدن شب، ويجيئ (أنى) بمعنى (كيف) نحو: (أنى يؤفكون) 4، ويجوز أن يكون بمعنى: من أين يؤفكون، ويجيئ بمعنى (متى)، وقد أول قوله تعالى: (أنى شئتم) 5، على الأوجه الثلاثة، ولا يجيئ بمعنى متى، وكيف، إلا وبعده فعل،
وأما (أنى) الشرطية، فكقوله:
(1) من أرجوزة رواها الأخفش عن ثعلب، وروى أبو زيد الأنصاري في النوادر بعضا منها، وقال ابن السكيت إنها قيلت في عامل زكاة كان يظلم الناس ويغير من عمر إبلهم فيأخذ بنت اللبون ويكتبها بنت مخاض إلى آخر ما أورده البغدادي في ذلك، (2) الآية 37 سورة آل عمران، (3) من قصيدة للقطامي وسمي صريع الغواني لقوله هذا البيت في المقدمة الغزلية لهذه القصيدة، وقبله: كأن فضيضا من غريض غمامة * على ظمأ، جادت به أم غالب... لمستهلك قد كاد من شدة الهوى * يموت، ومن طول العدات الكواذب (4) الآية 30 سورة التوبة، (5) من الآية 223 سورة البقرة، (*)
[ 204 ]
502 - فأصبحت أنى تأتها تلتبس بها * كلا مركبيها تحت رجليك شاجر 1 أي من أين تأتها، قوله: (ومتى للزمان فيهما)، أي في الاستفهام والشرط، وربما جرت هذيل بمتى، على أنها بمعنى (من) كقوله: 503 - شربن بماء البحر ثم ترفعت * متى لجج خضر لهن نئيج 2 أو بمعنى (في)، فيكون على الوجهين حرفا، أو بمعنى (وسط) كما حكى أبو زيد، 3 وضعته متى كمي أي وسط كمي، أو في كمي، ولا يجوز: متى زيد، لأن الزمان لا يكون خبرا عن الجثة، وأما قولهم: متى أنت وبلادك ؟ فمتى ليس بخبر، بل ظرف لخبر المبتدأ الذي بعده غير ساد مسده، كما سد في نحو: أمامك زيد، وأنت وبلادك نحو: كل رجل وضيعته، أي: متى أنت وبلادك
مجتمعان، 4 و: (أيان) للزمان، استفهاما كمتى الاستفهامية، الا أن (متى) أكثر استعمالا، وأيضا، أيان مختص بالأمور العظام نحو قوله تعالى: (أيان مرساها) 5، و: (أيان
(1) ليس البيت في وصف ناقة كما زعم ابن سيدة وغيره وقالوا إن الضمائر المؤنثة في البيت راجعة إليها، وإنما هو من شعر لبيد يصف حاله مع عم له كان يسبب له بعض المتاعب، يقول فيه قبل هذا البيت: وإن هوان الجار للجار مؤلم * وفاقرة تأوى إليها الفواقر والفاقرة: الداهية التي تكسر فقار الظهر، والفواقر جمعها، فالضمائر راجعة إلى الداهية، وكان عمه عامر ابن مالك الملقب بملاعب الأسنة قد ضرب جارا للبيد بالسيف فغضب لبيد، (2) من شعر أبي ذؤيب الهذلي وقبله المطلع في بعض الروايات، وهو: سقى أم عمرو كل آخر ليلة * حناتم سوء ماؤهن شجيج الحناتم: الجرار الخضر شبه بها السحاب الممتلئ المسود، وفي بيت الشاهد روايات أخرى، (3) أبو زيد الأنصاري، تقدم ذكره، (4) فيكون المعنى: في أي وقت يكون الاجتماع (5) الآية 42 سورة النازعات، (*)
[ 205 ]
يوم الدين)، 1 ولا يقال: أيان نمت ؟ وكسر همزته لغة سليم، وقال الأندلسي 2: كسر نونها لغة، والأولى الفتح لمجاورة الألف، وكتب الجمهور ساكتة عن كونها للشرط، وأجاز بعض المتأخرين ذلك، وهو غير مسموع، ويختص (أيان) في الاستفهام بالمستقبل بخلاف (متى) فإنه يستعمل في الماضي والمستقبل، قال ابن جني 3: ينبغي أن يكون (أيان) من لفظ (أي) لا من لفظ (أين) للمكان،
ولقله فعال، وكثرة فعلان في أسماء، فلو سميت بها لم تصرفها، قال الأندلسي: ينبغي أن يكون أصلها: أي أوان، فحذفت الهمزة مع الياء الأخيرة فبقي: أيوان، فأدغم بعد القلب، وقيل: أصله: أي آن، أي: أي حين، فخفف بحذف الهمزة، فاتصلت الألف والنون بأي، وفيه نظر، لأن (آن) غير مستعمل بغير لام التعريف، وأي: لا يضاف إلى مفرد معرفة، قوله: (وكيف للحال استفهاما)، إنما عد (كيف) في الظروف لأنه بمعنى: على أي حال، والجار والظرف متقاربان، وكون (كيف) ظرفا، مذهب الأخفش، وعند سيبويه: هو اسم، بدليل إبدال الاسم منه، نحو: كيف أنت ؟ أصحيح أم سقيم، ولو كان ظرفا لأبدل منه الظرف نحو: متى جئت أيوم الجمعة أم يوم السبت ؟ وللأخفش أن يقول يجوز إبدال الجار والمجرور منها، نحو: كيف زيد، أعلى حال الصحة أم على حال السقم ؟ فكيف، عند سيبويه، مقدر بقولنا: على أي حال حاصل، وعند الأخفش بقولنا:
(1) الآية 12 سورة الذاريات، (2) القاسم بن أحمد الأندلسي، تقدم ذكره في هذا الجزء وفيما قبله، (3) أبو الفتح عثمان بن جني العالم الحجة، تلميذ أبي علي الفارسي، تكرر ذكره فيما سبق من هذا لشرح، (*)
[ 206 ]
على أي حال، و (حاصل) عنده مقدر، فإن جاء بعد (كيف) قول يستغنى به عنه، نحو: كيف يقوم زيد، فكيف منصوب المحل على الحال، فجوابها والبدل منها منصوبان، تقول في الجواب: متكئا على آخر، أو معتمدا، وفي البدل: كيف يقوم زيد ؟ أمعتمدا أم لا، فكأنك قلت: بأي صفة موصوفا، يقوم زيد، أمعتمدا أم لا، فمعتمدا،
بدل من موصوفا، مع الجار المتعلق به، ويجوز أن يكون (كيف) في مثل هذا الموضع، وهو أن يليه قول مستغنى به، منصوب المحل صفة للمصدر الذي تضمنه ذلك القول، فكأن معنى كيف يقوم زيد: قياما حاصلا على أي صفة يقوم زيد، ولا يجوز مثل الاستعمال، لسقوط الاستفهام عن مرتبة التصدر، لكن لما كان الموصوف بكيف، أي المصدر، مقدرا، جاز ذلك، فجوابه نحو: قياما سريعا، والبدل منه: أقياما سريعا أم قياما بطيئا ؟، وإن جاء بعد (كيف) ما لا يستغنى به، نحو: كيف زيد فهو في محل الرفع، على أنه خبر المبتدا، فتقول في جوابه: صحيح، أو، سقيم، وفي البدل منه: أصحيح أم سقيم ؟، وإن دخلت نواسخ الابتداء على غير المستقل الذي بعد (كيف)، نحو: كيف أصبحت، وكيف تعلم زيدا، فكيف منصوب المحل، خبرا، أو، مفعولا به، حسب مطلوب ذلك الناسخ، والاستفهام بكيف عن النكرة، فلا يكون جوابه إلا نكرة، فلا يجوز أن يقال: الصحيح، في جواب: كيف زيد ؟، وشد دخول (على) عليه، كما روي: على كيف تبيع الأحمرين، وأما قولهم: أنظر إلى كيف تصنع، فكيف فيه مخرج عن معنى الاستفهام لسقوطه عن الصدر، والكوفيون يجوزون جزم الشرط والجزاء بكيف، وكيفما، قياسا، ولا يجوزه البصريون إلا شذوذا، (*)
[ 207 ]
قال سيبويه 1: آنها في الجزاء مستكرهة، وقال الخليل: مخرجها مخرج المجازاة، يعني في قولهم: كيف تكون أكون، لأن فيها معنى العموم الذي يعتبر في كلمات الشرط، إلا أنه لم يسمع الجزم بها في السعة، وجاء في كيف: كي، قال:
504 - أو راعيان لبعران لنا شردت * كي لا يحسان من بعراننا أثرا 2 قال الأندلسي، إما أن يقال: هي لغة في كيف، أو يقال: حذف فاء كيف ضرورة،
(1) سيبويه 1 / 433، وهو مقتبس بمعناه، (2) البعران جمع بعير، وفي رواية: شردن لنا، وقد ذكر البغدادي عدة روايات في ألفاظ البيت ثم ختم ذلك بأن البيت مجهول لا يعرف قائله واستطرد من ذلك إلى الرد على ما زعمة العيني من أن البيت في كتاب سيبويه، وهو ليس فيه، (*)
[ 208 ]
(مذ ومنذ) (معناهما واستعمالاتهما) (قال ابن الحاجب:) (ومذ ومنذ، بمعنى أول المدة، فيليهما المفرد المعرفة، وبمعنى) (الجميع فيليهما المقصود بالعدد، وقد يقع المصدر أو الفعل،) (أو أن فيقدر زمان مضاف، وهو مبتدأ وخبره ما بعده،) (خلافا للزجاج)، (قال الرضي:) عند النجاة، أن أصل (مذ): منذ، فخفف بحذف النون، استدلالا بأنك لو سميت بمذ، صغرته على (مينذ) وجمعته على أمناذ، وبنوا على هذا أن الاسمية على (مذ) أغلب، للحذف وهو تصرف، فيبعد عن الحرف، فإن الحرف لا يحذف منه حرف، إلا المضعف منه، نحو: رب ورب فهذا كما قال بعضهم في (إذ) انه مقصود من (إذا)، ومنع منه صاحب المغني 1 في الموضعين، وقال: منيذ، وأمناذ، غير منقول عن العرب، واما تحريك ذال (مذ) في نحو: مذ اليوم بالضم للساكنين أكثر من الكسر، فلا يدل أيضا على أن أصله (منذ)، لجواز أن يكون للاتباع،
وضم ذال (مذ) سواء كان بعده ساكن، أو، لا: لغة غنوية، فعلى هذا يجوز أن
(1) منصور بن فلاح اليمني وتقدم ذكره، (*)
[ 209 ]
يكون أصله الضم فخفف، فلما احتيج إلى التحريك للساكنين رد إلى أصله، كما في نحو: لهم اليوم، وكسر ميم مذ ومنذ، لغة سليمية، قال الأخفش: منذ، لغة أهل الحجاز، وأما مذ، فلغة بني تميم وغيرهم، ويشاركهم فيه أهل الحجاز، وحكى أيضا أن الحجازيين يجرون بهما مطلقا، والتميميين يرفعون بهما مطلقا، وجمهور العرب إذا استعملوا (منذ) الذي هو لغة أهل الحجاز على ما حكى أولا: ى) رون بهما معا في الحاضر اتفاقا، وإنما الخلاف بينهم في الجر بهما في الماضي، ولا يستعملان في الستقبل اتفاقا، قال الفراء، منذ، مركبة من (من) و (ذو)، ولعل اللغة السليمية 1 غرته، فالمرفوع عنده في نحو: منذ يوم الجمعة: خبر مبتدأ محذوف، أي: من الذي هو يوم الجمعة، أي من الوقت الذي هو يوم الجمعة، على حذف الموصوف و (ذو) طائية، وينبغي أن يكون التقدير عنده في نحو: ما رأيته منذ يومان: من ابتداء الوقت الذي هو يومان، على حذف المضاف قبل الموصوف ليستقيم المعنى، وقال بعض الكوفيين: أصل منذ: من إذ، فركبا، وضم الذال للساكنين، فالمرفوع فاعل فعل مقدر، فتقدير منذ يوم الجمعة: من إذ مضى يوم الجمعة، أي من وقت مضى يوم الجمعة، وينبغي أن يكون التقدير عنده في نحو: ما رأيته منذ يومان: من إذ ابتدأ يومان، أي: إذ ابتدأ اليومان اللذان قبل هذا الوقت بدخولهما في الوجود، أي من وقت ابتداء يومين،
وأثر التكلف على المذهبين: ظاهر لا يخفي، وينبغي ألا تكون (منذ) الجارة، على المذهبين، مركبة، إذ يتعذر التأويلان المذكوران في الجارة، بل تكون حرفا موافق اللفظ،
(1) وهي كسر الميم في كل منهما، (*)
[ 210 ]
للفظ هذا الاسم المركب، وقال بعض البصريين: هما اسمان على كل حال، فإن خفض بهما فعلى الأضافة، وعلة البناء عند هؤلاء، أما في حال رفع ما بعدهما، فلما يجيئ من كون المضاف إليه جملة، كما في (حيث)، وأما في حال جره، فلتضمنهما معنى الحرف، لأن معنى، منذ يوم الجمعة، من حد يوم الجمعة ومن تاريخه، فهما بمعنى الحد المضاف إلى الزمان متضمنا معنى (من)، ومعنى، مذ شهرنا: من أول شهرنا، وكذا معنى مذ شهر: من أول شهر قبل وقتنا، على ما سيجيئ من أنه لا بد لمذ ومنذ من معنى ابتداء الزمان في جميع مترفاتهما، فإذا تقرر هذا قلنا: إذا انجر ما بعدهما ففيهما مذهبان: الجمهور على أنهما حرفا جر، وبعض البصريين على أنهما اسمان، وإذا لم ينجر ما بعدهما فلا خلاف في كونهما اسمين، لكن في ارتفاع ما بعدهما أقوال: الأول: لجمهور البصريين: أنمهما مبتدآن ما بعدهما خبرهما، على ما يجيئ تقريره، والثاني: لأبي القاسم الزجاجي 1: أنهما خبرا مبتدأين، مقدمان، فإن مفسر الزجاجي مذ ومنذ، بأول المدة وجميع المدة مرفوعين، كما يجيئ من تفسير البصريين، فهو غلط، لأنك إذا قلت: أول المدة: يومان فأنت مخبر عن الأول، باليومين، وأيضا، كيف تخبر عن النكرة المؤخرة بمعرفة مقدمة، والزمان المقدر لا يصحح تنكير المبتدأ المؤخر، إلا إذا انتصب على الظرفية، نحو: يوم الجمعة قتال، وإن فسرهما بظرف، كما تقول مثلا في، ما رأيته منذ يوم الجمعة، أي: مع انتهائها، أي: انتهاء الرؤية يوم الجمعة، وفي: ما رأيته مذ يومان: أي عقيبها وبعدها، أي:
بعد الرؤية يومان، فله وجيه 2، مع تعسف عظيم من حيث المعنى، والثالث والرابع: قولا الفراء، وبعض الكوفيين، كما تقدم،
(1) الزجاجي تقدم ذكره قريبا، (2) التصغير في كلمة وجه يقصد به إضعاف الرأي الذي استنبطه من قول الزجاجي، (*)
[ 211 ]
ولا بأس أن نركب مذهبا خامسا، من هذه المذاهب، ومما قال المالكي 1، فيهما، فنقول: انهم أرادوا ابتداء غاية للزمان خاصة، فأخذوا لفظ (من) الذي هو مشهور في ابتداء الغاية، وركبوه مع (إذ)، الذي هو للزمان الماضي، وإنما حملنا على تركيبه من كلمتين: وجود معنى الابتداء والوقت الماضي في جميع مواقع منذ، كما يجيئ، وهما معنى: من، وإذ، فغلب على الظن تركبه منهما، مع مناسبة لفظة للفظهما، وأمور النحو أكثرها ظني، فنقول: حذف لأجل التركيب همزة (إذ) فبقي: منذ، بنون وذال ساكنين، وحق (إذ) أن يضاف إلى الجمل، والأضافة إليها كلا اضافة، كما مر، فضموا الذال لما أحوجوا إلى تحريكها للساكنين، تشبيها له بالغايات المتمكنة في الأصل كقبل وبعد، لما صار على ثلاثة أحرف، بخلاف (إذ) قبل التركيب، فإنه وإن كان واجب الأضافة إلى الجمل، إلا أن وضعه وضع الحروف، فلم يشبه الغايات المعربة الأصل، كما شابهها (حيث)، فكأنه حرف، لا اسم مضاف، وذلك أن أكثر ما يضاف: اسم على ثلاثة أحرف أو أكثر، فبقي: منذ، كما هو اللغة السليمية، ثم استثقلوا الخروج من الكسر إلى ضم لازم مع أن بينهما حاجزا غير حصين، فضموا الميم اتباعا للذال، ثم أنهم جوزوا تخفيفه بحذف النون، أيضا، فإذا كان كذا، رجع الذال إلى السكون الأصلي، إذ التحريك إنما كان للساكنين،
والغرض من هذا التركيب: تحصيل كلمة تفيد تحديد زمان فعل مذكور مع تعيين ذلك الزمان المحدود، كتحديد زمان عدم الرؤية في نحو: ما رأيته منذ يوم الجمعة، وتحديد الزمان مع تعيينه يحصل: إما بذكر مجموع ذلك الزمان من أوله إلى آخره، المتصل بزمان التكلم، نحو: منذ يومان، ومذ اليومان ومذ سنتان، ومذ زيد قائم، إذا امتد قيامه
(1) اتجهت في تحديد المراد من المالكي في هذا الشرح إلى أنه الأمام جمال الدين بن مالك صاحب الألفية والتسهيل، وكان من أسباب هذا الاتجاة أن بعض ما ينسبه الرضى إلى (المالكي) هو من الآراء المعروفة لا بن مالك، ومن ذلك ما أشار إليه هنا من أنه استنبط منه ومن غيره مذهبا، (*)
[ 212 ]
إلى وقت التكلم، وإما بذكر أول الزمان المتصل آخره بزمان التكلم غير متعرض لذكر الآخر، للعلم باتصاله بوقت التكلم، مخصصا لذلك الأول بما لا يشاركه فيه غيره مما هو بعده، نحو: مذ يوم الجمعة ومذ يوم قدمت فيه، ومذ قام زيد، تريد يوم الجمعة الأقرب إلى وقت التكلم، إذ لا يشاركه في هذا الاسم، ما بعده من الأيام، ففي الأول يجب أن يكون أصل (منذ): من أول إذ، فحذف (أول) المضاف إلى (إذ) ثم ركب (منذ) من (من)، و (إذ) كما ذكرنا، وذلك لأن معنى منذ زيد نائم: من أول وقت نوم زيد، وأما الثاني فلا يحتاج فيه إلى تقدير مضاف وحذفه، إذ معنى منذ قام زيد، منذ قيام زيد، فنقول: يضاف منذ إلى جملتين: أما الاسمية الجزأين فنحو: منذ زيد قائم، والمعنى فيها جميع المدة، ولا أعلمها بهذا القيد مستعملة لأول المدة، وأما التي أحد جزأيها فعل، فان كان الفعل ماضيا، نحو: منذ قام زيد، ومنذ زيد قام، فهو لأول المدة، وان كان مضارعا، نحو: منذ يكتب زيد، ومنذ زيد يكتب، فإن كان المضارع حالا فهو لجميع المدة، وإن كان حكاية حال ماضية، فهو لأول المدة،
ولا يكون مستقبلا، لأن منذ لتوقيت الزمان الماضي فقط، لتركبه من (إذ) الموضوع للماضي، وقال الأخفش: لا يجوز: مذ يقوم زيد، للزوم مجازين: كون (يقوم) قائما مقام (قام)، وحذف زمان مضاف على ما يجيئ في تقرير مذهب جمهور البصريين، والأصل جوازه 1، لأن (يقوم)، كما قلنا، حال، أو حكاية حال، وليس المضاف محذوفا، كما اخترنا، وجاز، أيضا، أن يضاف (منذ) إلى الجملة المصدرة بحرف مصدري، لتغير (إذ) بالتركيب عن صورته التي كان معها واجب الاضافة إلى الجملة، فيكون كريث، وآية،
(1) هذا رد على ما ذهب إليه الأخفش من منع نحو: مذ يقوم زيد، (*)
[ 213 ]
على ما ذكرنا من أنه يجوز تصدير الجملة التي بعدها بحرف مصدري لكونهما غير صريحين في الظرفية، فتقول: منذ أن الله خلقني، ويجوز أن يدعى أن (منذ) في مثله مضاف إلى قوله محذوف أحد جزأيها، كما يجيئ بعد في المصدر الصريح، نحو: منذ سفره،: حذف أحد جزأي الجملة المضاف إليها وجوبا، إذا كان الباقي مجموع زمان أوله إلى آخره المتصل بزمان التكلم، معرفة كان أو نكرة، نحو: منذ يومان، ومنذ رجب، إذا كنت في شهر رجب، ومنذ شهر نحن فيه، ومنذ شهرنا، أو كان الباقي أول الزمان المتصل آخره بزمان التكلم، كما ذكرنا قبل، معرفة كان أو نكرة، نحو: أقرؤه منذ يوم الجمعة، ومنذ يوم قدم فيه زيد، ومثل هذا الحد يجوز ثبوت القراءة فيه ويجوز انتفاؤها في جميع أجزائه، وذلك لجواز دخول الحد في المحدود وخروجه منه، وما بعد الحد، يجب ثبوت القراءة فيه، بلا ريب، ويجوز كون الزمان المراد به (الأول)، معدودا، أيضا بشرط ألا يكون العدد مقصودا، بل يكون المراد مجرد الزمان المخصوص، نحو: ما رأيته منذ سنة المجاعة، ومذ شهر رجب،
ومذ يوما لقائك، ومذ عشر ذي الحجة، وأما ان قصدت العدد، كقولك: ما لقيته منذ عشر ذي الحجة، وأنت تريد أن الرؤية انقطعت في اليوم الأول إلى الآن، وكذا اليوم الثاني إلى الآن، وكذا اليوم الثالث، وهكذا إلى آخر العشر، فهو محال، لأنه إذا انقطعت في اليوم الأول إلى الآن، فكيف تبقى حتى تنقطع في الثاني والثالث، بل المقصود أنها انقطعت قبل العشرة، إن قلنا بدخول الحد في المحدود في نحو: ما رأيته منذ يوم الجمعة، وإن لم نقل به فالمعنى أنها انقطعت في يوم غير معين من أيام العشر لأن أيامها، إذن، كساعات يوم الجمعة في: منذ يوم الجمعة أو عند انقضائها، ويجوز، أيضا، حذف أحد جزأي الجملة، إذا كان الباقي مصدرا دالا على أحد الزمانين المذكورين بقرينة الحال، نحو: منذ نوم زيد، إذا كان وقت الكلام نائما، ومنذ خروج زيد، إذا مضى خروجه، وإنما وجب حذف أحد الجزأين في الموضع المقيد بما ذكرنا، وإن لم يسد مسد المحذوف شئ، لقيام القرينة مع كثرة الاستعمال، وتقدير الأول: منذ ابتدأ يومان، على حذف (*)
[ 214 ]
الفعل أي: من وقت ابتداء يومين، أي اليومين اللذين آخرهما زمان التكلم، أو يومان مبتدئان على حذف خبر المبتدأ وجاز الابتداء بالنكرة لاختصاص (يومان) من حيث المعنى باليومين المتقدمين على وقت التكلم، وإنما استغنى عن التعريف، لأنه من المعلوم أن (منذ) موضوع لتوقيت الزمان الذي آخره وقت التكلم، في جميع استعمالاته، سواء كان ما بعده مفردا، أو جملة، نكرة كان المفرد أو معرفة، وتقدير الثاني: مذ كان يوم الجمعة، أو: مذ يوم الجمعة كائن، أي من وقت كون يوم الجمعة، وجاز أن تجعل لكون يوم الجمعة وقتا على سبيل المجاز، كما يقال: إذا كان يوم الجمعة نادى مناد،
وأما المصدر الدال على أحدهما، فتقول في المعنى الأول: منذ نومه، إذا كان وقت التكلم نائما، أي منذ ابتدأ نومه، أو: نومه مبتدئ، وفي المعنى الثاني: مذ خروجه، أي: مذ كان خروجه أو: خروجه كائن، ويجوز أن يكون: مذ أنك قائم في المعنى الأول، ومنذ أن الله خلقني، في الثاني: من هذا، ثم نقول: انهم جوزوا إضافة (منذ) إلى الظروف المذكورة والمصادر، نحو: منذ يومين ومنذ يوم الجمعة ومذ سفره، ومنه قولهم: مذكم سرت ؟ و (كم) سؤال عن الزمان، أي من وقت يومين أي من وقت ابتدائهما، ومن وقت يوم الجمعة ومن وقت سفره، ومن وقت كم من الأيام، أي وقت ابتداء كم منها ؟ وإنما جاز ذلك لخروج (إذ) بالتركيب عن كونه واجب الأضافة إلى الجمل، ويجب، مع هذا، مراعاة أصل (منذ) من الضمة، إذ إضافته إلى المفرد عارضة قليلة، كما أبقيت ضمة (حيث) عند إضافته إلى المفرد، ولا فرق، من حيث المعنى، بين جر هذه الظروف ورفعها، أصلا، ولا تصغ إلى ما ترى في بعض الكتب: أن بين الجر والرفع في المعرفة فرقا معنويا نحو: ما رأيته منذ يوم الجمعة، وهو جواز الرؤية في يوم الجمعة مع الجر، وعدمها مع الرفع، فإن ذلك وهم، هذا الذي مر: أصل (منذ)، ثم انهم قد يوقعون بعده نكرة غير محدودة للدلالة
[ 215 ]
على طول الزمان، نحو: منذ حين، ومنذ سنين، وذلك خلاف وضعه، لأن (إذ) لتعيين الزمان، وهذا كما وضع (حتى) لتعيين النهاية ثم قيل: حتى حين، وحتى مدة، فعلى ما مر، لا بد لمنذ، في كل موضع دخله، من معنى ابتداء الغاية، ولا يكون بمعنى (في) وحده، كما يجيئ، وهذا الذي ذكرنا، وإن كان في بعض مواضعه أدنى تعسف 1، فان ذلك يجوز أن يغتفر، مع قصد جعله في جميع استعمالاته راجعا إلى أصل واحد وعلى وتيرة واحدة،
ولنرجع إلى شرح ما في الكتاب 2 من أحكام مذ، ومنذ، وهو مذهب جمهور البصريين، قال: (مذ ومنذ بمعنى أول المدة، فيليهما المفرد المعرفة)، مذهبهم أنه إذا ارتفع الاسم بعدهما، فهما اسمان في محل الرفع بالابتداء، ولهما معنيان: إما أول مدة انتفاء الرؤية: يوم الجمعة، فإذا كانا بهذا المعنى وجب أن يليهما من الزمان مفرد معرفة، ويجوز كما ذكرنا، أن يكون هذا الحد، غير مفرد، نحو: ما رأيته منذ اليومان اللذان عاشرتنا فيهما، إذا لم يكن العدد مقصودا، وكذا يجوز أن يكون نكرة، نحو: ما رأيته منذ يوم لقيتني فيه، إذ المقصود بيان زمن مختص، وإما جميع 3 مدة الفعل الذي قبلهما، مثبتا كان الفعل أو منفيا، نحو: صحبني منذ يومان، أي: مدة صحبته يومان، ومذ اليوم ومذ اليومان، وقد تقدم أنه يجب أن يليه مجموع زمان الفعل من أوله إلى آخره المتصل بزمان التكلم، ولا يشترط كون ذلك المجموع مقصودا فيه العدد، وذلك لأنك تقول: ما لقيناه مذ عمرنا، ومذ زماننا، مع
(1) أطنب الرضى في شرح الرأي الذي اختاره من عدة آراء، كما قال، ومن عجب أنه - رحمه الله - كثيرا ما يرد بعض الآراء، بأن من قبيل الرجم بالغيب، وما أحرى رأيه هذا بأن يقال فيه مثل ذلك، وكأنه هو شاعر بذلك فهو يعتذر عن هذا الطول، ويعترف بأن فيه بعض التعسف، (2) أي ألفاظ المتن في أول البحث، (3) هو المعنى الثاني فيما إذا ارتفع ما بعدهما، (*)
[ 216 ]
أنك لا تقصد زمانا واحدا أو غير واحد، حتى يكون فيه معنى العدد، قوله: (المقصود بالعدد)، أي المقصود مع العدد، والباء بمعنى (مع) والا كان الواجب أن يقول: المقصود به العدد، لأنك قصدت بقولك: يومان عدد اثنين، لا أنك قصدت بالعدد: يومين، قال الأخفش: لا تقول: ما رأيته مذ يومان، وقد رأيته أمس،
قال: ويجوز أن يقال: ما رأيته مذ يومان وقد رأيته أول من أمس، أما إذا كان وقت التكلم آخر اليوم، فلا شك فيه، لأنه يكون قد تكمل لانتفاء الرويه يومان، وأما إذا كان في أوله، أعني وقت الفجر، فإنما يجوز ذلك إذا جعلت بعض اليوم - أي يوم انقاطع الرؤية - يوما مجازا، وكذا إن كان في وسطه، تجعل بعض يوم الانقطاع، أو بعض يوم الاخبار، يوما، ولا تحسب بعض اليوم الآخر، وإن اعتددت بهما معا جاز لك أن تقول: منذ ثلاثة أيام، قال: ويجوز أن تقول: ما رأيته مذ يومان: يوم الاثنين، وقد رأيته يوم الجمعة، ولا تعتد يوم الاخبار، ولا يوم الانقطاع، قال: ويجوز أن تقول: ما رأيته مذ يومان وأنت لم تره منذ عشرة قال: لأنك تكون قد أخبرت عن بعض ما مضى، أقول: وعلى ما بينا، وهو أن (منذ) لابد فيه من معنى الابتداء في جميع مواقعه: لا يجوز ذلك، وقال: إنهم يقولون مذ اليوم، ولا يقولون: منذ الشهر، ولا منذ السنة، ويقولون: مذ العام، قال: وهو على غير القياس، قال: ولا يقال: مذ يوم، استغناء بقولهم: مذ أمس، ولا يقولون: مذ الساعة، لقصرها، فإن كان جميع ما قاله، مستندا إلى سماع، فبها ونعمت، وإلا فالقياس جواز الجميع، والقصر 2 ليس بمانع، لأنه جوز: منذ أقل من ساعة،
(1) بنصب (يوم)، وتقدير الكلام أنك تقول في يوم الاثنين: ما رأيته مذ يومان.... (2) يعني قصر المدة، (*)
[ 217 ]
قوله: 1 (وقد يقع المصدر أو الفعل أو أن، فيقدر زمان مضاف)، أي إلى هذه الثلاثة، لأن معنى ما رأيته مذ سفره، أو مذ أنه سافر أو مذ سافر: مذ زمان سفره ومذ زمان أنه سافر ومذ زمان سافر، ولم يذكر المصنف الجملة الاسمية، نحو: مذ زيد مسافر، أي مذ زمان زيد مسافر،
على مذهبهم، 2 ومذ ومنذ، الاسميتان، عندهم، مبتدآن ما بعدهما خبرهما، إذ معنى ما رأيته مذ يوم الجمعة: أول مدة انتفاء الرؤية يوم الجمعة، ومعنى ما رأيته مذ يومان، أول مدة انتفاء الرؤية: يومان، فكأنه كان في الأصل في الموضعين: مذ ما رأيته، حتى تكون الجملة مضافا إليها فحذفت لتقدم ما يدل عليها، وبنى مذ ومنذ، بناء قبل وبعد، ولذلك قيل منذ بالضم، وقيل بني مذ، لكونه على وضع الحروف، ثم حصل عليه منذ، لكونه بمعناه، وقيل حملا على مذ ومنذ الحرفيتين عندهم، وقيل للزومهما صدر الجملة، إذ لا يتقدم الخبر عليهما، فصارا كحرف الاستفهام ونحوه، والكلام مع مذ الاسمية عندهم: جملتان، فما رأيته: جملة، ومذ يوم الجمعة، جملة أخرى، قالوا: ولا يجوز عطف الثانية على الأولى، وإن جاز ذلك إذا صرحت بتفسيرهما، كما تقول: ما رأيته، وأمد ذلك يومان، وذلك 3 أن الثانية صارت مرتبطة بالأولى ممتزجة بها فصارتا كالجملة الواحدة، ولا محل للثانية عند جمهورهم، لأنها كالمفسرة، وقال السيرافي: هي منتصبة المحل على الحال، أي ما رأيته متقدما، قالوا: وإذا انجر ما بعدهما، فهما حرفا جر، فإن كان الفعل العامل فيهما ماضيا،
(1) أي قول ابن الحاجب، وهذا استثناف لشرح ألفاظ المتن، (2) إشارة إلى أن ما ذهب إليه هو، لا يحتاج إلى هذا التقدير، (3) تعليل لعدم جواز العطف، (*)
[ 218 ]
فهما بمعنى (من) نحو: ما رأيته مذ يوم الجمعة، أي منه، ولا يتم لهم ذلك في نحو قولك: ما رأيته مذ يومين، إذا أردت جميع المدة، إذ لا
معنى لقولك: ما رأيته من يومين، إلا أن يفسروه بمن أول يومين، بتقدير المضاف وهو (أول)، وإن كان الفعل حالا، نحو: ما أراه منذ شهرنا ومنذ اليوم، فهما بمعنى (في)، قال الأندلسي: وهذا تقريب، والا، فمذ يقتضي ابتداء الغاية ولا تقتضيه (في)، هذا تمام الكلام في تقرير المذاهب، وإليك الخيار في الاختيار 1، وإذا عطفت على المجرور بمذ ومنذ، أو المرفوع، جاز لك أن توافق بالمعطوف ما بعد (مذ) جرا ورفعا، وأن تنصبه بالعطف على نفس (مذ) على ما اخترناه، لأنه ظرف منصوب، ارتفع ما بعده أو انجر، إلا أن المعطوف إن وافق ما بعد (مذ) في كونه لأول المدة أو لمجموع المدة، فالعطف عليه أولى، وإن لم يوافق، فالعطف على (مذ) أولى، فمثال الموافقة في المجموع: ما رأيته مذ سنة ويوم، وفي أول المدة: ما رأيته مذ يوم الجمعة ويوم الخميس، أو مذ يوم الجمعة ويوم السبت، إذا لم يكن العدد مقصودا، بل المقصود مجرد الزمان المعين كما ذكرنا قبل، ومثال المخالفة: ما رأيته مذ يوم الجمعة وخمسة أيام، أو: مذ خمسة أيام ويوم الجمعة، لأن أحد الزمانين لأول المدة والآخر لمجموعها، قال البصريون بناء على مذهبهم، وهو أن الزمان مقدر قبل الجملة التي بعد (مذ): يجوز الرفع والنصب والجر في المعطوف في نحو: مذ قام زيد ويوم الجمعة، أما الرفع والجر فعلى الزمان المقدر، والنصب على معنى: مذ قام زيد، لأن معناه: من زمان قيام زيد، أو على تقدير فعل آخر أي: وما رأيته يوم الجمعة، وعلى ما ذكرنا، لا يجوز الا العطف على (مذ) إذ لا زمان مقدر بعده،
(1) هذا من الانصاف وعدم التعصب، وهو في الوقت نفسه، اشادة بالرأي الذي ذهب إليه، من طرف خفي، (*)
[ 219 ]
قيل: وربما دخلت كاف الجر على (مذ)، يروى عن بعض العرب أنه قيل له: مذ كم قعد فلان ؟ فقال: كمذ أخذت في حديثك، قيل 1: والكاف في (كم) للتشبيه، دخلت على ما الاستفهامية فحذفت ألفها وسكنت الميم، وذلك، كما قال: يا أبا الأسود لم خليتني * لهموم طارقات وفكر - 477 وهذا آخر الكلام في: مذ، ومنذ،
(1) تقدم هذا الشاهد في باب الكنايات وما قاله الشارح هنا تكرار لما قاله هناك، (*)
[ 220 ]
(لدى، ولدن) (استعمالهما - اللغات في لدن) (قال ابن الحاجب:) (ومنها: لدا، ولدن، وقد جاء: لدن ولدن ولدن ولد،) (ولد، ولد)، (قال الرضي:) لدن مثل عضد، ساكنة النون، هي المشهورة، ومعناها أول غاية زمان أو مكان، نحو: لدن صباح، و: (من لدن حكيم عليم 1)، وقلما تفارقها (من)، فإذا أضيفت إلى الجملة تمحضت للزمان، لما تقدم، أن ظروف المكان لا يضاف منها إلى الجملة الا (حيث)، وذلك كقوله: صريع غوان راقهن ورقنه * لدن شب حتى شاب سود الذوائب 2 - 501 ويجوز تصدير الجملة بحرف مصدري، لما لم يتمحض (لدن) في الأصل للزمان، قال عمرو بن حسان:
(1) الآية 6 سورة النمل،
(2) تقدم ذكره قريبا، (*)
[ 221 ]
505 - فان الكثر أعياني قديما * ولم أفتر لدن أني غلام 1 وفيها ثماني لغات: لدن بفتح الدال، ولدن بكسرها، فكأن (لدن) خففت بحذف الضمة، كما في عضد، فالتقى ساكنان، فإما أن تحذف النون فيبقى (لد) واما أن تحرك الدال فتحا أو كسرا للساكنين، وأما أن تحرك النون للساكنين كسرا، لأن زوال الساكنين يحصل بكل ذلك، فهذه خمس لغات، مع (لدن) التي هي أصلها، وقد جاء: لدن ولد، فكأن لدن خفف بنقل ضمة الدال إلى اللام، وإن كان نحو: عضد في عضد قليلا، كما يجيئ في التصريف، فالتقى ساكنان، فإما أن تحذف النون، وإما أن تكسر للساكنين، وقد جاء: لد، بحذف نون لدن التي هي أم الجميع وأشهر اللغات، ولدى، بمعنى لدن، الا أن لدن ولغاتها المذكورة، يلزمها معنى الابتداء، فلذا يلزمها (من) إما ظاهرة، وهو الأغلب، أو مقدرة، فهي بمعنى: من عند، وأما لدى، فهو بمعنى (عند)، ولا يلزمه معنى الابتداء، وعند، أعم تصرفا من لدى، لأن (عند) يستعمل في الحاضر القريب، وفيما هو في حرزك وإن كان بعيدا، بخلاف لدى، فإنه لا يستعمل في البعيد، وإعراب لدن المشهورة: لغة قيسية، قال المصنف: الوجه في بناء لدن وأخواته 2، أن من لغاتها ما وضعه وضع الحروف، فحمل البقية عليها تشبيها بها، ولو لم يكن ذلك لم يكن لبنائها وجه، لأنها مثل عند، وهو معرب بالاتفاق، والذي أرى 3: أن جواز وضع بعض الأسماء وضع الحروف، أي على أقل من ثلاثة
(1) الكثر بضم الكاف أي المال الكثير، والمراد طلبه والسعي في تحصيله، والبيت منسوب لعمرو بن حسان من بني الحارث من شعراء الصحابة، ولم يذكروا مع هذا البيت شيئا قبله ولا بعده،
(2) أي اللغات المختلفة المستعملة في لدن، (3) تعقيب من الرضى على كلام ابن الحاجب في تعليله لبناء لدن، (*)
[ 222 ]
أحرف، بناء من الواضع على ما يعلم من كونها حال الاستعمال في الكلام مبنية لمشابهتها للمبني، على ذكرنا في صدر الكتاب، في حد الأعراب، فلا يجوز أن يكون بناؤها مبنيا على وضعها وضع الحروف، فالوجه، إذن، في بناء لدن أن يقال: إنه زاد على سائر الظروف غير المتصرفة في عدم التصرف بكونه، مع عدم تصرفة، لازما لمعنى الابتداء فتوغل في مشابهة الحروف، دونها، وأما (لدى) وهو بمعنى (عند) فلا دليل على بنائه، ومعنى (عند): القرب حسا أو معنى، نحو: عندي أنك غني، وربما فتحت عينه أو ضمت، ويلزمها النصب إلا إذا انجرت بمن، ومن حذف نون (لدن) لم يجوز حذفها مع الأضافة، فلا يقول: من لده، بل: من لدنه، ولدنك، وتجر (لدن) ما بعدها بالاضافة لفظا إن كان مفردا، وتقديرا إن كان جملة، وإن كان ذلك 1 لفظ (غدوة)، جاز نصبها أيضا، مع الجر، وقد ترفع، أما النصب، فإنه وإن كان شاذا، فوجهه كثرة استعمال لدن مع غدوة، دون سائر الظروف، كبكرة، وعشية وكون دال لدن قبل النون الساكنة، تفتح وتضم وتكسر كما سبق في لغاتها، ثم قد تحذف نونه، فشابهت حركات الدال حركات الأعراب من جهة تبدلها، وشابهت النون التنوين من جهة جواز حذفها، فصار لدن غدوة، في اللفظ، كراقود خلا، فنصبها تشبيها بالتمييز، أو تشبيها بالمفعول الذي هو الأصل نحو: ضارب زيدا، 2 وغدوة، بعد لدن، لا تكون إلا منونة، وإن كانت معرفة، أيضا، إما تشبيها بالتمييز، فإنه لا يكون إلا نكرة، وإما لأننا لو حذفنا التنوين، لم يدر أمنصوبة هي أم مجرورة،
وأما الرفع فعلى حذف أحد جزأي الجملة، أي: لدن كان غدوة، كما قلنا في: مذ يوم الجمعة،
(1) يعني الاسم الواقع بعد لدن، (2) خلاصته أنها إما مشبهة بالتمييز المنصوب عن تمام الاسم أو بما شبة به ذلك التمييز، (*)
[ 223 ]
وألف لدى، تعامل معاملة ألف (على) و (إلى) فتسلم مع الظاهر، وتقلب ياء، غالبا، مع المضمر، وقد حكى سيبويه عن الخليل عن قوم من العرب 1: لداك، وإلاك، وعلاك، قال: 506 - طاروا علاهن فطر علاها * وأشدو بمثنى حقب حقواها 2 وإنما قلب ألف هذه الكلم الثلاث مع المضمر، تشبيها بألف (رمى) إذا اتصل بالمضمر المرفوع نحو: رميت، وإنما شبه الضمير المجرور بالمرفوع دون المنصوب نحو: رماك، لأن الجار مع الضمير المجرور كالكلمة الواحدة، كالرافع مع الضمير المرفوع، بخلاف الناصب مع المنصوب، ولم يشبه بألف (غزا) لأن الواو ثقيل، والياء أقرب إلى الألف من الواو، وإنما لم يقلب نحو: عصاك، وفتاك، لأن لهذه الألفات أصلا، فكره قلبها تشبيها بشئ آخر، بخلاف ألف إلى، وعلى ولدى، وقلبت ألف (على) الاسمية، وإن كان لها أصل في الواو، تشبيها لها بعلى الحرفية، ولا يتصل من المقصور الذي لا أصل لألفه، بالمضمر إلا هذه الثلاثة، وأما حتاه، على ما جوز المبرد فليس بمسموع وإنما هو قياس منه،
(1) سيبويه ج 2 ص 104 - (2) رواه أبو زيد في النوادر منسوبا لبعض أهل اليمن وقبله: أي قلوص راكب تراها، - وآخره: ناجية وناجيا أباها
ونقل البغدادي عن أبي حاتم السجستاني أنه سأل أبا عبيدة عنها فقال له: انقط عليها، فإنها من صنعة المفضل، ووردت الأبيات في صحاح الجوهري مرتبة غير هذا الترتيب، والله أعلم، (*)
[ 224 ]
(قط وعوض) (معناهما واستعمالاتهما) (قال ابن الحاجب:) (وقط للماضي المنفي، وعوض للمستقبل المنفي)، (قال الرضي:) معنى (قط): الوقت الماضي عموما، ومعنى (عوض): المستقبل عموما، ويختصان بالنفي، وعوض، في الأصل، اسم للزمان والدهر فقط وعوض: المبنيان، بمعنى: أبدا، لكن عوض، قد يستعمل لمجرد الزمان، لا بمعنى أبدا، فيعرب، قال: 507 - ولو لا نبل عوض في * خضماتي وأوصالي 1 ويقال: افعل ذلك من ذي عوض، كما يقال: من ذي أنف، أي فيما يستقبل،
(1) من قطعة منسوبة للفند الزماني، بكسر الزاي وتشديد الميم، من شعراء الجاهلية، يتحدث عن معركة اشترك فيها، قالوا انه طعن رجلا برمحه وخلفه رديف، فانتظمت الطعنة الرجلين، وأول هذه الأبيات: أيا طعنة ما شيخ * كبير يفن بالي واليفن الكبير، وقوله في البيت: خضماتي، هو جمع خضمة بضم كل من الخاء والضاد، ما غلظ من الساق والذراع، وروى بدله: حظباي وهو كلمة حظبي بضم الحاء والظاء مقصورا مضافا إلى ياء المتكلم ومعناه الظهر، أو عرق فيه، قال البغدادي إنهم أجمعوا على أن المراد بعوض في هذا الشعر: الدهر، الا ما شذ من قول بعضهم انه اسم رجل كان يصنع النبال الجيدة، وجواب لو لا قوله بعد: لطاعنت صدور القوم * طعنا ليس بالآلى، (*)
[ 225 ]
وقط، لا يستعمل إلا بمعنى أبدا، لأنه مشتق من القط، وهو القطع، كما تقول لا أفعله البتة، إلا أن (قط) يبنى لما سنذكره، بخلاف: البتة، وربما استعمل قط، بدون النفي، لفظا ومعنى، نحو: كنت أراه قط، أي دائما وقد استعمل بدونه لفظا لا معنى، نحو:... هل رأيت الذئب قط 1 - 94 وقد يستعمل عوض المبني للمضي، ومع الأثبات أيضا، قال: 508 - ولو لا دفاعي عن عفاق ومشهدي * هوت بعفاق عوض عنقاء مغرب 2 وهو منفي معنى، لكونه في جواب لو لا، وبناء عوض على الضم لكونه مقطوعا عن الأضافة، كقبل، وبعد، بدليل إعرابه مع المضاف إليه نحو: عوض العائضين، أي: دهر الداهرين، ومعنى الداهر، والعائض: الذي يبقى على وجه الدهر، فكأن المعنى: ما بقي في الدهر داهر 3، وبنى قط، قيل لأن بعض لغاته، على وضع الحروف، كما يجيئ، والأولى أن يقال: بني لتضمنه لام الاستغراق لزوما، لاستغراقه جميع الماضي، وأما أبدا، فليس الاستغراق لازما لمعناه، ألا ترى إلى قولهم: طال الأبد على لبد، 4 وبنى قط على الضم حملا على أخيه عوض، وهذه أشهر لغاته، أعني مفتوح القاف مضموم الطاء المشددة، وقد تخفف الطاء في هذه، وقد تضم القاف اتباعا لضمة الطاء: المشددة أو المخففة، كمنذ، وقد جاء: قط ساكنة الطاء، مثل قط، الذي هو اسم فعل،
(1) تقدم ذكره، (2) عفاق: اسم رجل، وعنقاء مغرب - اسم يطلق على طائر يزعمونه انه انقرض وأنه كان كبير الحجم ويذكرون عنه أشياء غريبة، وقال بعضهم: إن المراد به الداهية، وجاء في تعبير بعض الأئمة أنه طائر معروف الاسم مجهول الجسم، وقال البغدادي: لم أر هذا البيت إلا في هذا الشرح، ولا أعلم قائله ولا الشعر الذي
هو منه، (3) أي ما بقي في الدهر باق، (4) اسم آخر النسور التي قالوا إن لقمان بن عاد وهب عمر سبعة منها والنسر أطول الطيور عمرا، (*)
[ 226 ]
وجاء في عوض، فتح الضاد وكسرها أيضا، وأكثر ما يستعمل عوض مع القسم، كقوله: 509 - رضيعي لبان ثدي أم تقاسما * بأسحم داج عوض لا نتفرق 1 (ظروف أخرى) (لم يذكرها ابن الحاجب) ومن الظروف المبنية: أمس، عند الحجازيين، وعلة بنائه: تضمنه للام التعريف، وذلك أن كل يوم متقدم على يوم فهو أمسه، فكان في الأصل نكرة، ثم لما أريد: أمس يوم التكلم 2، دخله لام التعريف العهدي، كما هو عادة كل اسم قصد به إلى واحد من بين الجماعة المسماة به، كما ذكرنا في باب غير المنصرف، ثم حذفت اللام وقدرت، لتبادر فهم كل من يسمع أمس، مطلقا من الأضافة، إلى أمس يوم التكلم، فصار معرفة، نحو: لقيته أمس الأحدث، 3 ولم يبن صباحا ومساء، وأخواتهما المعينة، مع كونها، أيضا، معدولة عن اللام، لأن التعريف الذي هو معنى اللام، غير ظاهر فيها من دون قرينة، ظهوره في أمس، لأنك إذا قلت: كلمته صباحا ومساء، وقصدت صباح يومك، ومساء ليلتك، لم يتبين تعريفهما، كما يتبين في قولك: لقيته أمس،
(1) من قصيدة الأعشى المشهورة التي مدح بها المحلق، والتي يقول فيها يصف نار المحلق تشب لمقرورين يصطليانها * وبات على النار الندى والمحلق وقالوا إن هذه القصيدة كانت سببا في إقبال الفتيان على الزواج من بنات المحلق،
(2) أي اليوم السابق على يوم التكلم، (3) أي الأقرب، (*)
[ 227 ]
وأما سحر، فأمره مشكل، سواء قلنا ببنائه أو بترك صرفه، لأنه مخالف لأخواته، من: صباحا، ومساء، وضحى، معينة، إذ هي معربة منصرفة، فهو شاذ من بين أخواته، مبنيا كان أو غير منصرف، وإنما لم يبنوا (غدا) مع قصد غد يوم التكلم، كما بني أمس، تفضيلا لتعريف الداخل في الوجود على تعريف المقدر وجودة، وذلك لأن التعريف فرع الوجود، ووجوده ذهني، فكذا تعريفه، بخلاف (أمس) فإنه قد حصل له وجود، وإن كان منتفيا في حال التكلم، فتعريفه يكون أقوى، مع أنه قد روي عن بعض العرب إعرابه مع صرفه، كغد، وليست 1 بمشهورة، وأما بنو تميم، فالذي نقل عنهم سيبويه 2: إعرابه غير منصرف في حال الرفع، وبناؤه على الكسر، كالحجازيين، في حالتي النصب والجر، قال سيبويه: وبعض بني تميم يفتحون أمس بعد (مذ)، قال السيرافي: وإنما فعلوا ذلك، لأنهم تركوا صرفه، وما بعد (مذ) يرفع ويخفض، فلما ترك صرفه من يرفع منهم، نحو: مذ أمس، تركه أيضا بعدها من يجر، فكان مشبها بنفسه، قال: 510 - لقد رأيت عجبا مذ أمسا * عجائزا مثل السعالى خمسا 3 قال: وهذا قليل، لأن الخفض بعد (مذ) قليل،
(1) أي اللغة التي تشير إليها الرواية عن بعض العرب، (2) في ج 2 ص 42 (3) من شواهد سيبويه، 2 / 44، وهو من رجز أورده أبو زيد في النوادر، قال سمعته من بعض العرب، وبعده:
يأكلن ما في رحلهن همسا * لا ترك الله لهن ضرسا وزاد بعضهم فيه، وقال البغدادي بعد أن أفاض في شرح الشاهد ونقل كثيرا مما كتبه عن سيبويه: إن الشاهد من الشواهد الخمسين التي لم يعرف لها قائل، (*)
[ 228 ]
قال سيبويه 1: إذا سميت بأمس رجلا، على لغة أهل الحجاز، صرفته، كما تصرف (غاق) إذا سميت به، وذلك أن كل مفرد مبني تسمي به شخصا، فالواجب فيه الأعراب مع الصرف، كما يجيئ في باب الأعلام، وإن سميته به على لغة بني تميم، صرفته أيضا في الأحوال، لأنه لابد من صرفه في النصب والجر، لأنه مبني على الكسر عندهم فيهما، وإذا صرفته في الحالتين، وجب الصرف في الرفع، أيضا، إذ ليس في الكلام اسم منصرف في الجر والنصب، غير منصرف في الرفع، ووجه منع الصرف في أمس: اعتبار علميته المقدرة، كما قلنا في باب غير المنصرف 2، واختاروا منع صرفه رفعا، وبناءه نصبا وجرا، كما اختاروا بناء نحو: حضار، وترك صرف نحو حذام وقطام، مع أن الجميع من باب واحد، والوجه في هذا: مثل الوجه في ذاك، وذلك أنه جاز أن يعتبر فيه علة البناء، كما هو مذهب الحجازيين، وعلة منع الصرف، كما بينا فابتدأوا باعتبار الأعراب أولا إذ هو أشرف من البناء وأولى بالأسماء، واختير أسبق الأعراب وأشرفه، أعني الرفع، فصار في حال الرفع معربا غير منصرف، والحالتان الباقيتان أعني الجر والنصب مستويتان حركة في غير المنصرف، فأرادوا أن تبقى هذه الكلمة فيهما على ذلك الاستواء، فلو جعلا مستويين في الضم لم يبن إعرابها رفعا، إذ كانت تصير مثل حيث، في الأحوال، ولو سوي بينهما في الفتح لم يبن بناؤهما، إذ كانت تصير كغير المنصرف، فلم يبق إلا الكسر، وأيضا، أول ما تبنى عليه الكلمة بعد السكون: الكسر، وأيضا، تكون هذه الكلمة في حالة البناء على الحركة التي بنيت عليها
عند أهل الحجاز، وقال الزمخشري 3 وجماعة من النجاة: إن أمس معرب عند بني تميم مطلقا، أي في جميع الأحوال،
(1) في الموضع السابق، وهو منقول بمعناه، (2) في الجزء الأول، (3) انظر شرح ابن يعيش على المفصل، ج 4 ص 106 (*)
[ 229 ]
ولعله غرهم قول بعض بني تميم: لقد رأيت عجبا مذ أمسا 1 - 510 وقد قال سيبويه: إن بعضهم يفتحون أمس بعد (مذ)، فقيد هذا القول بقوله: بعضهم، وبقوله: بعد (مذ)، فكيف يطلق بأن كلهم 2 يفتحون في موضع الجر، بعد أي جار كان، فان نكر (أمس) كقولك: كل غد يصير أمسا، وكل أمس يصير أول من أمس، أو أضيف، نحو: مضى أمسنا، أو دخله اللام نحو: ذهب الأمس بما فيه: أعرب اتفاقا، لزوال علة البناء وهي تقدير اللام، وربما بني المقترن باللام، ولعل ذلك لتقدير زيادة اللام، وقال سيبويه: 3 ولا يصغر أمس، كما لا يصغر غدا، وإن ثني أو جمع فالأعراب، لأن اللام إنما قدرت لتبادر الذهن إلى واحد من الجنس لشهرته من بين أشباهه، فإذا ثني أو جمع، لم يبق ذلك الواحد المعين، فتظهر اللام، لعدم شهرة المثني والمجموع من هذا الجنس شهرة الواحد، وليس بناء أمس على الفتح لغة، كما قال الزجاجي، مغترا بقوله: لقد رأيت عجبا مذ أمسا - 510
(الآن) ومنها (الآن)، قال الزجاج: بني لتضمنه معنى الأشارة، إذ معناه: هذا الوقت، وهذا مذهبه في (أمس)، وفيه نظر، إذ جميع الأعلام هكذا متضمنة معنى الأشارة، مع إعرابها، (*)
[ 230 ]
وقال السيرافي: لشبه الحرف، بلزومها في أصل الوضع موضعا واحدا، وبقائها في الاستعمال عليه، وهو التعريف باللام، وسائر الأسماء تكون في أول الوضع نكرة، ثم تتعرف، ثم تنكر، ولا تبقى على حال، فلما لم يتصرف فيه بنزع اللام، شابه الحرف لأن الحروف لا يتصرف فيها، وقال أبو علي: بني لتضمنة اللام كأمس، وأما اللام الظاهرة فزائدة، إذ شرط اللام المعرفة أن تدخل على النكرات فتعرفها، والآن، لم يسمع مجردا عنها، وقال الفراء: أصله الفعل، من: آن يئين، أدخل عليه اللام بمعنى الذي: أي الوقت الذي حان ودخل، قال: هذا كما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن: قيل وقال) فإنهما فعلان استعملا استعمال الأسماء، وتركا على البناء الذي كانا عليه، والجواب: ان: قيل وقال، محكيان، والمعنى: نهى عن قول: قيل كذا، وقال فلان كذا، يعني كثرة المقالات، والآن ليس بمحكي، وكذا مذهب الفراء في (أمس): انه أمر من: أمسى يمسي، وقد يقال في الآن: لان، وهو من باب تخفيف الهمزة، (لما) ومنها (لما) وهو ظرف بمعنى (إذ)، اسم عند أبي علي، ويستعمل استعمال الشرط، كما يستعمل: كلما، وكلام سيبويه محتمل 1، فإنه قال: لما لوقوع أمر لغيره، وإنما يكون مثل (لو)، فشبهها بلو، ولو: حرف، فقال ابن خروف: ان (لما) حرف،
وحمل كلام سيبويه على أنه شرط في الماضي كلو، إلا أن لو، لانتفاء الأول لانتفاء الثاني، ولما لثبوت الثاني لثبوت الأول، وقال: لو كان ظرفا، لم يجز: لما أسلم دخل الجنة،
(1) سيبويه 2 / 312، (*)
[ 231 ]
والجواب: أنه على التأكيد والتشبيه، فكأنه دخلها في ذلك الوقت، ومن قال انه ظرف، قال: وضع موضع كلمة الشرط مع جملتيها للغرض الذي ذكرناه في (إذا)، 1 ويليه فعل ماض لفظا ومعنى، وجوابه، أيضا، كذلك أو جملة اسمية، مقرونة بإذا المفاجأة، قال الله تعالى: (فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم... 2)، أو مع الفاء، وربما كان ماضيا مقرونا بالفاء، وقد يكون مضارعا، (قولهم لهي أبوك) وقريب من الظروف المبنية قولهم: لهي أبوك، أي لله أبوك، لأن أصله الجار والمجرور، وحكمه حكم الظروف عندهم، حذف لام الجر لكثرة الاستعمال، وقدر لام التعريف، فبقي: لاه أبوك، كما قال: 511 - لاه ابن عمك، لا أفضلت في حسب * عني ولا أنت دياني فتخزوني 3 فبني لتضمنه الحرف، ثم قلب اللام إلى موضع العين، وسكن الهاء لوقوعه موقع الألف الساكن، ورجعت الألف إلى أصلها من الياء لسكون العين، كما هو أحد مذهبي سيبويه في (الله)، وهو أنه من: لاه يليه أي تستر، ففتح لخفة الفتحة على الياء دون الكسرة والضمة، وقد تحذف الياء فيقال: له أبوك، وإنما قلب، لأن الكسر لم يبن في: لاه، لالتباسه
(1) في أول الكلام على إذا من هذا الجزء (2) من الآية 77 سورة النساء، (3) من قصيدة، قالها ذو الأصبع العدواني في شأن ابن عم له كان يعاديه، وأولها:
لي ابن عم على ما كان من خلق * مختلفان فأقليه ويقليني (*)
[ 232 ]
بالجر الذي هو أصله، فأزيد التنبيه على تضمن الحرف بالبناء على حركة غير ملتبسة بالأعرابية، ولو قالوا (لاه) بلا قلب، لا لتبست بالأعرابية في نحو: ألله لأفعلن 1، (مع واستعمالاتها) وأما (مع) فهو ظرف بلا خلاف، عادم التصرف، معرب، لازم النصب، وظاهر كلام سيبويه أنه مبني، قال: 2 سألته، يعني الخليل، عن (معكم) لأي شئ نصبتها، يعني: لم لم تبن على السكون ؟، هذا لفظه، فمن قال آنها مبنية، فلمشابهتها للحرف بقلة التصرف فيها، إذ لا تكون إلا منصوبة، والأولى الحكم بإعرابه، لدخول التنوين في نحو: كنا معا، وانجراره بمن، وإن كان شاذا، نحو: جئت من معه، أي من عنده، وتسكين عينها لغة ربعية 3، يقولون: مع زيد، فإذا لاقى ساكنا بعده، كسروا عينه نحو: كنت مع القوم، قال بعضهم 4، وهو الحق، هي في هذه اللغة حرف جر، إذ لا موجب للبناء فيه (على تقدير الاسمية الا وضع الحروف، وقد ذكرنا ما عليه 5، ولو كان أيضا كذا، وكان وضعه كذلك موجبا للبناء، لبني من دون الأسكان، أيضا،) 6 ثم نقول: يلزم إضافة (مع) ان ذكر معه أحد المصطحبين، نحو كنت مع زيد، وإن ذكر قبله المصطحبان، لم يبق ما يضاف إليه، فينصب منونا على الظرفية، نحو:
(1) مجرور بحرف قسم مقدر، وهذا مما اختص به لفظ: الله، (2) في سيبويه 2 / 45، (3) منسوبة إلى بني ربيعة، (4) في مغني اللبيب لابن هشام أن صاحب هذا الرأي هو أبو جعفر النحاس، (5) هو أن الوضع على حرفين إنما يكون من أسباب البناء إذا كان الثاني معتلا،
(6) ما بين الفاصلين جاء في بعض النسخ، وقد وجدته أوضح من عبارة المطبوعة وأدل على المعنى المقصود، فأثبته، (*)
[ 233 ]
جئنا معا، أي في زمان، وكنا معا، أي في مكان، وقيل: انتصابه على الحالية، أي مجتمعين، والفرق بين: فعلنا معا، وفعلنا جميعا: أن (معا) يفيد الاجتماع في حال الفعل، وجميعا بمعنى كلنا، سواء اجتمعوا أو لا، والألف في (معا) عند الخليل، بدل من التنوين، إذ لا لام له في الأصل، عنده، وهي عند يونس، والأخفش، وهو الحق، مثل ألف فتى، بدل من اللام، استنكارا لاعراب الموضوع على حرفين، فمع، عندهما عكس (أخوك)، ترد لامها في غير الأضافة، وتحذف في الأضافة، لقيام المضاف إليه مقام لامها، (الظروف) (المضافة إلى الجمل) (قال ابن الحاجب:) (والظروف المضافة إلى الجمل، وإذ، يجوز بناؤها على الفتح) (وكذلك مثل، وغير، مع ما، وأن)، (قال الرضي:) قد مضى شرحه فيما تقدم، 1
(1) عجل الرضي بشرح هذا الجزء من كلام ابن الحاجب، وقد نبه على ذلك وقال إن التعجيل به ضروري لشرح أحكام حيث، (*)
[ 234 ]
(المعرفة والنكرة) (معنى المعرفة، وحصر المعارف) (قال ابن الحاجب:) (المعرفة والنكرة، المعرفة: ما وضع لشئ بعينه، وهي:) (المضمرات، والأعلام، والمبهمات، وما عرف بالألف) (واللام أو بالنداء، - والمضاف إلى أحدها معنى)، (قال الرضي:) قوله: (بعينه)، احتراز عن النكرات، ولا يريد به أن الواضع قصد في حال وضعه واحدا معينا، إذ لو أراد ذلك، لم يدخل في حده الا الأعلام، إذ المضمرات والمبهمات، وذو اللام، والمضاف إلى أحدهما، تصلح لكل معين قصده المستعمل، فالمعنى: ما وضع ليستعمل في واحد بعينه، سواء كان ذلك الواحد مقصود الواضع، كما في الأعلام، أو، لا، كما في غيرها، ولو قال: ما وضع لاستعماله في شئ بعينه، لكان أصرح، وإنما جعل ذا اللام موضوعا، كالرجل والفرس، وإن كان مركبا، لما مر في حد الاسم، أن المركبات، أيضا موضوعة، بالتأويل الذي ذكرنا هناك 1 أو جعل اللام من حيث عدم استقلاله وكونه كجزء الكلمة كأنه موضوع مع ما دخل عليه، وضع الأفراد،
(1) مبحث الاسم في الجزء الأول، (*)
[ 235 ]
ويدخل في هذا الحد: العلم المنكر، نحو: رب سعاد وزينب لقيتهما لأنهما وضعا لشئ معين، ويدخل فيه المضمر في نحو: ربه رجلا، ونعم رجلا، وبئس رجلا، والحق أنه منكر، ولا يعترض على هذا الحد بالضمير الراجع إلى نكرة مختصة قبل بحكم من الأحكام
نحو: جاءني رجل فضربته، لأن هذا الضمير لهذا الرجل الجائي، دون غيره من الرجال وكذا ذو اللام في نحو: جاءني رجل فضربت الرجل، وأما الضمير في نحو: رب شاة وسخلتها، فنكرة، كما في: ربه رجلا لأنه لم يختص المنكر المعود إليه بحكم أولا، والأصرح في رسم المعرفة أن يقال: ما أشير به إلى خارج مختص إشارة وضعية، فيدخل فيه جميع الضمائر وإن عادت إلى النكرات، والمعرف باللام العهدية، وإن كان المعهود نكرة، إذا كان المنكر المعود إليه، أو المعهود، مخصوصا قبل بحكم، لأنه أشير بهما إلى خارج مخصوص وإن كان منكرا، وأما إن لم يختص المعود إليه بشئ قبل، نحو: أرجل قائم أبوه، و: 512 - فإنك لا تبالي بعد حول * أظبي كان أمك أم حمار 1 كما يجيئ البحث فيه في باب كان، ونحو: ربه رجلا، وبئس رجلا ونعم رجلا، ويا لها قصة، ورب رجل وأخيه، فالضمائر كلها نكرات، إذ لم يسبق اختصاص المعود إليه بحكم، ولو قلت: رب رجل كريم وأخيه، لم يجز 2، وكذا كل شاة سوداء وسخلتها بدرهم، لأن الضمير يصير معرفة برجوعه إلى نكرة مختصة بصفة،
(1) لشاعر اسمه ثروان بن فزارة بن عبد يغوث العامري، أدرك الأسلام وأسلم ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم، ونسبه بعضهم لغيره، واستشكل بعضهم الاخبار عن الأم، بظبي أو حمار لأنهما مذكران، ورد ذلك بأن المراد بالأم معناه العام، وهو الأصل لكل شئ، (2) هو يريد بقوله لم يجز: ان الضمير في مثل ذلك لا يعتبر نكرة حيث عاد إلى نكرة مختصة بوصف، (*)
[ 236 ]
ويدخل فيه الأعلام حال اشتراكها، نحو: محمد، وعلي، إذ يشار بكل واحد منها إلى مخصوص عند الوضع،
ويخرج منه النكرات المعينة للمخاطب نحو قولك: جاءني رجل تعرفه، أو: رجل هو أخوك، لأن (رجلا) لم يوضع للأشارة إلى مختص، بل اختص في هذا الاستعمال بصفته، وكذا يخرج نحو: لقيت رجلا، إذا علم المخاطب ذلك الملقي، إذ ليس فيه إشارة، لا استعمالا، ولا وضعا، فقولنا: ما أشير به، يشترك فيه جميع المعارف، ويختص اسم الأشارة بكون الأشارة فيه حسية، كما مر في بابه، وإنما قلنا إلى خارج، لأن كل اسم فهو موضوع للدلالة على ما سبق علم المخاطب بكون ذلك الاسم دالا عليه، ومن ثمة لا يحسن أن يخاطب بلسان من الألسنة إلا من سبقت معرفته لذلك اللسان، فعلى هذا، كل كلمة: إشارة إلى ما ثبت في ذهن المخاطب أن ذلك اللفظ موضوع له، فلو لم نق إلى خارج، لدخل فيه جميع الأسماء: معارفها ونكراتها، فتبين بما ذكرنا أن قول المصنف في نحو قولك: اشرب الماء، واشتر اللحم، وقوله تعالى: (أن يأكله الذئب) 1،: ان اللام، إشارة إلى ما في ذهن المخاطب من ماهية الماء واللحم والذئب، ليس بشئ 2، لأن هذه الفائدة يقوم بها نفس الاسم المجرد عن اللام، فالحق أن تعريف اللام في مثله لفظي، كما أن العلمية في نحو أسامة لفظية، كما يجيئ في الأعلام، فنقول أولا: ان التنوين في كل اسم متمكن غير علم، يفيد التمكن، والتنكير
(1) الآية 13 سورة يوسف، (2) خبر عن قوله: ان قول المصنف... الخ، (*)
[ 237 ]
معا، ومعنى تنكير الشئ: شياعه في أمته، وكونه بعضا من جملة، إلا في غير الموجب، نحو: ما جاءني رجل، فإنه لاستغراق الجنس، فكل اسم دخله اللام، لا
يكون فيه علامة كونه بعضا من كل، إذ تلك العلامة هي التنوين، وهو لا يجامع اللام، كما مر في أول الكتاب، فينظر في ذلك الاسم، فإن لم يكن معه قرينة، لا حالية ولا مقالية دالة على أنه بعض مجهول من كل، كقرينة الشراء الدالة على أن المشترى بعض، في قولك: اشتر اللحم، ولا دالة على أنه بعض معين، كما في قوله تعالى: (أو أحد على النار هدى) 1، فهي اللام التي جيئ بها للتعريف اللفظي، والاسم المحلى بها لاستغراق الجنس، سواء كان مع علامة الوحدة، كالضربة، أو مع علامة التثنية أو الجمع، كالضربتين، والعلماء، أو تجرد عن جميع تلك العلامات، كالضرب، والماء، وإنما وجب حمله على الاستغراق لأنه إذا ثبت كون اللفظ دالا على ماهية خارجة فإما أن يكون لجميع أفرادها أو لبعضها، ولا واسطة بينهما في الوجود الخارجي، وإن كان يمكن تصورها في الذهن خالية عن الكلية والبعضية، لكن كلامنا في المشخصات الخارجية، لأن الألفاظ موضوعة بإزائها، لا في الذهنية، فإذا لم يكن للبعضية، لعدم دليلها أي التنوين، وجب كونه للكل، فعلى هذا، قوله صلى الله عليه وسلم: (الماء طاهر)، أي كل الماء، و: النوم حدث، أي كل النوم، إذ ليست في الكلام قرينة، البعضية، لا مطلقة، ولا معينة، فلهذا جاز، وإن كان قليلا، وصف المفرد بالجمع، نحو قولهم: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض، على ما حكى الأخفش، و: (لا تحرم الاملاجة والاملاجتان) 2، مفيد للاستغراق الذي يفيده الاسم لو كان منكرا، نحو: لا تحرم املاجة ولا املاجتان، فالمفرد في مثله يعم جميع المفرد،
(1) الآية 10 سورة طه، (2) الا ملاجة: المرة الواحدة من الاملاج وهو الارضاع، وهذا الكلام كله مبتدأ خبره قوله: مفيد للاستغراق، (*)
[ 238 ]
والمثنى جميع المثنى، فلا يستثنى من المفرد إلا المفرد، فقولك ان الرجل خير من المرأة
إلا الزيدين: أي إلا كل واحد منهما، وقوله تعالى: (إن الأنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا) 1، أي إلا كل واحد منهم، ولا يجوز أن تقول: الرجل يرفع هذا الحجر إلا الزيدين معا، ولا: إلا ثلاثتكم معا، بلى، يجوز ذلك إذا كان الاستثناء منقطعا، وكذا لا يستثنى من المثنى إلا المثنى، فمعنى: إن الرجلين يرفعان هذا الحجر، إلا اخوتك: أي إلا الاثنين منهم، ولا يجوز: الرجلان يرفعان هذا الحجر إلا اخوتك معا، بلى، يجوز على الانقطاع، وأما الجمع فيصح استثناء الجمع والمثنى والواحد منه نحو: لقيت العلماء إلا الزيدين وإلا زيدا، وذلك لأن الجمع المحلى باللام في مثل هذا الموضع يستعمل بمعنى منكر مضاف إليه كل مفرد وغيره، فمعنى لقيت العلماء إلا زيدا: أي: كل عالم وكل عالمين وكل علماء، وهكذا حال المفرد والمثنى والمجموع في غير الموجب، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تحرم الاملاجة) 2 أي كل واحد من هذا الجنس، وكذا: الاملاجتان، أي كل اثنين اثنين 3 من هذا الجنس، فلا يستثنى من الواحد إلا الواحد، ولا من المثنى إلا المثنى، وأما الجمع نحو: ما القيت العلماء فهو بخلافهما، بل هو بمنزلة منكر في سياق غير الموجب، مفرد، وغيره، في استعمالهم، أي: ما لقيت أحدا من العلماء، ولا الزيدين، ولا اثنين، ولا جماعة، فيصح استثناء المفرد والمثنى والمجموع منه، نحو: ما لقيت العلماء إلا زيدا، وإلا الزيدين وإلا الزيدين، فقوله تعالى: (لا تدركه الأبصار) 4، أي شئ من الأبصار، لا جميع الأبصار، كما توهمه بعضهم، فحال الجمع في الموجب وغيره، حال المثنى والمفرد،
(1) من الآيتين 2، 3 في سورة العصر، (2) جزء من حديث المتقدم ولم ينص هناك على أنه حديث، (3) تكرار كلمة اثنين مقصود لأن المعنى لا يتم الا به، (4) الآية 103 من سورة الأنعام، (*)
[ 239 ]
هذا هو المعلوم من استقراء كلامهم، وأما النكرة المستغرقة، نحو: ما لقيت رجلا، أو رجلين أو رجالا، فلا يستثنى من واحدها ومثناها ومجموعها إلا أمثالها، فقولك: ما لقيت رجلا إلا الزيدين، أي إلا كل واحد منهما، ويجوز أن تقول: لا يرفع هذا الحجر رجل إلا الزيدين معا، وتقول: ما لقيت أخوين متصافيين إلا الزيدين، وإلا بني فلان أي إلا اثنين منهم، ولا يجوز إلا زيدا، وتقول: ما لقيت رجالا إلا الزيدين، ولا يجوز: إلا أخويك، ولا: إلا زيدا، إلا على الانقطاع، لأن المعنى: ما لقيت جماعة من الرجال، وإن كان هناك قرينة دالة على أنه ليس المراد به الاستغراق، فإن كان هناك عهد، فاللام عهدية للتعريف، على ما يجيئ في بابه، وإن لم يكن، فإنه كان فيه علامة الوحدة أو التثنية نحو: ما أعطيك إلا التمرة أو التمرتين، فلا فرق، إذن، بين المعرف والمنكر معنى، فكأنك قلت: ما أعطيك إلا تمرة أو تمرتين، وإن لم يكن فيه علامتاهما، نحو: اشتريت التمر، ولقيت الرجال، فالفرق بين ذي اللام والمجرد: أن المجرد، لأجل التنوين الذي فيه للتنكير، يفيد أن ذلك الاسم بعض من جملة، فمعنى اشتريت تمرا، ولقيت رجالا: شيئا من التمر، وجماعة من الرجال، بخلاف المعرف باللام، فإن المراد به: الماهية مجردة عن البعضية، لكن البعضية مستفادة من القرينة كالشراء، واللقاء، فكأنك قلت: لقيت هذا الجنس واشتريت هذا الجنس، فهو كعام مخصوص بالقرينة، فالمجرد، وذو اللام، إذن، بالنظر إلى القرينة، بمعنى وبالنظر إلى أنفسهما مختلفان، فمن ثمة جاز وصف المعرف باللام من هذا النوع، بالمنكر نحو قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني - 1 56 وكذا: مررت بالرجل مثلك، وما يحسن بالرجل خير منك، كما مر في باب الوصف، فعلى هذا، كل تعريف، لا معنى للتعريف فيها إلا التي للمعهود الخارجي،
(1) تكرر ذكر هذا الشاهد والمقصود من ذكره في كل مرة لا يتغير، (*)
[ 240 ]
قوله: (وهي المضمرات)، قد تقدم ذكرها، ويعني بالمبهمات: أسماء الأشارة والموصولات، وقد تقدم ذكرهما، وإنما سميت مبهمات، وإن كانت معارف لأن اسم الأشارة من غير إشارة حسية إلى المشار إليه مبهم عند المخاطب، لأن بحضرة المتكلم أشياء يحتمل أن تكون مشارا إليها، وكذا الموصولات، من دون الصلات مبهمة عند المخاطب، ولم يقولوا للمضمر الغائب: مبهم لأن ما يعود إليه متقدم، فلا يكون مبهما عند المخاطب عند النطق به، وكذا ذو اللام العهدية، قوله: (وما عرف باللام)، هذا مذهب سيبويه، أعني أن حرف التعريف هو اللام 1 وحدها، والهمزة للوصل، فتحت مع أن أن أصل همزات الوصل: الكسر، لكثرة استعمال لام التعريف، والدليل على أن اللام هي المعرفة فقط: تخطي العامل الضعيف اياها، نحو: بالرجل، وذلك علامة امتزاجها بالكلمة وصيرورتها كجزء منها، ولو كانت على حرفين، لكان لها نوع استقلال، فلم يتخطها العامل الضعيف، وأما نحو: أن لا تفعل، وإن لا تفعل، وبلا مال فلجعلهم (لا)، خاصة، من جميع ما هو على حرفين، كجزء الكلمة، فلذا يقولون اللافرس، واللا انسان، وأما نحو بهذا، و: (فبما رحمة) 2، فإن الفاصل بين العامل والمعمول، ما لم يغير معنى ما قبله ولا معنى ما بعده، عد الفصل به كلا فصل، وللامتزاج التام بين اللام وما دخلته، كان نحو: الرجل، مغايرا لرجل حتى جاز تواليهما في قافيتين، ولم يكن ايطاء، 3 وإنما وضعت اللام ساكنة ليستحكم الامتزاج، وأيضا، دليل التنكير، أي التنوين: على حرف، فالأولى كون دليل التعريف مثله، وقال الخليل: (أل) بكمالها: آلة التعريف، نحو: هل، وقد، استدلالا بفتح
(1) على أساس هذين المذهبين في وضع حرف التعريف نجد الرضى يعبر مرة باللام، ومرة بالألف واللام، (2) من الآية 159 سورة آل عمران،
(3) الايطاء في الشعر ان يكرر الشاعر كلمة بعينها في القافية بحيث تكون الكلمتان متفقتين لفظا ومعنى، قبل أن يفصل بين الكلمتين بعدد معين من الأبيات، (*)
[ 241 ]
الهمزة، وقد سبق العذر عنه 1، وبأنه يوقف عليها في التذكر 2، نحو قولك: (ألى)، إذا تذكرت ما فيه اللام، كالكتاب، وغيره، وبفصلها من الكلمة والوقف عليها عند الاضطرار، كالوقف على (قد) في نحو قوله: 513 - أزف الترحل غير أن ركابنا * لما تزل برحالنا وكأن قد 3 وذلك 4 قوله: 514 - يا خليلي اربعا واستخبرا * المنزل الدارس عن أهل الحلال 5 وإنما حذف عنده، همزة القطع في الدرج لكثرة الاستعمال، وذكر المبرد في كتابه (الشافي)، أن حرف التعريف: الهمزة المفتوحة وحدها، وإنما ضم إليها اللام لئلا يشتبه التعريف بالاستفهام، وفي لغة حمير، ونفر من طئ: إبدال الميم من لام التعريف، كما روى النمر بن تولب عنه صلى الله عليه وسلم: (ليس من امبر امصيام في امسفر)،
(1) تضمن حديثه عن رأي سيبويه بيان وجه الفتح في الهمزة، وحديث سيبويه عن حرف التعريف ورأي الخليل في الجزء الثاني من الكتاب ص 64، (2) قالوا: ان المتكلم إذا أراد أن يتذكر كلمة أثناء حديثه جاز له أن يقف على الكلمة التي انتهى إليها، فإن كانت ساكنة حاكها بالكسر وزاد بعد الكسرة ياء بجعلها مدا لصوته حتى يتذكر ما يريد، وقد عرض الرضي لهذا بالتفصيل في آخر الكتاب وقال: إنه لم يرد في كلام فصيح، (3) هذا من قصيدة النابغة الذبياني التي وصف فيها المتجردة امرأة النعمان بن المنذر وبالغ في وصف محاسنها حتى أغضب النعمان، وأول هذه القصيدة،
أمن آل مية رائح أو مغتدي * عجلان ذا زاد وغير مزود (4) وذلك أي فصلها من الكلمة، (5) الحلال بكسر الحاء جمع حلة، وهي مجموعة البيوت، والبيت من قصيدة لعبيد بن الأبرص، أوردها ابن جني في الخصائص، ج 2 / 255 بين فيها مقدرة الشعراء على التزام شئ معين لا ينخرم منهم إلا قليلا، وفي هذه القصيدة التزم الشاعر أن يكون آخر الشطر الأول في كل أبياتها كلمة أل، إلا بيتا واحدا منها جاء آخر الشطر الأول فيه كلمة في، (*)
[ 242 ]
ولام العهد: التي عهد المخاطب مدلول مصحوبها قبل ذكره، أي لقيه وأدركه، يقال: عهدت فلانا أي أدركاته، وعهده إما بجري ذكره مقدما، كما في قوله تعالى: (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا، فعصى فرعون الرسول) 1، أو بعلم المخاطب به قبل الذكر، بلا جري ذكره نحو قولك: خرج الأمير، أو القاضي، إذا لم يكن في البلد إلا قض واحد مشهور، أو أمير واحد، وقد تزاد اللام في العلم كقوله: 515 - أما ودماء مائرات تخالها * على قنة العزى وبالنسر عندما 2 على ما يجيى، وفي الحال نحو: الجماء الغفير، وفي التمييز، نحو: الأحد عشر الدرهم، على قبح، كما يأتي في باب العدد، وقد تكون الزائدة لازمة، كما في (الذي) ومتصرفاته، ويكون اللام، عند الكوفيين، عوضا من الضمير، نحو: برجل حسن الوجه، أي وجهة، وعند البصريين، لا يعوض اللام من الضمير في كل موضع شرط فيه الضمير، كالصلة والصفة إذا كانت جملة والخبر المشتق، ويجوز في غيره، كقوله: لحافي لحاف الضيف والبرد برده * ولم يلهني عنه غزال مقنع 3 - 284 وقال الكوفيون: قد يكون اللام للتعظيم، كما في (الله)، وفي الأعلام، ولا يعرفها البصريون،
واللام في وصف اسم الأشارة، ووصف المنادى، نحو: هذا الرجل، ويا أيها الرجل: لتعريف الحاضر بالأشارة إليه، وهي في غير هذين الموضعين لتعريف الغائب، نحو: ضرب الرجل،
(1) من الآيتين 15، 16 سورة المزمل، (2) العزى والنسر من أصنام الجاهلية، وجواب القسم قوله في البيت الذي بعد هذا، وهو: لقد ذاق منا عامر يوم لعلع * حساما إذا ما هز بالكف صمما والشاهد: أحد أبيات ثلاثة لشاعر جاهلي اسمه عمرو بن عبد الجن التنوخي، وقوله مائرات، يريد كثيرة، (3) تقدم ذكره في باب الاضافة في الجزء الثاني، (*)
[ 243 ]
ويعرض للام العهدية: الغلبة، كالصعق 1، والبيت، كما نذكر في الأعلام، قوله: (والنداء)، نحو: يا رجل، ومن لم يعده من النحويين في المعارف فلكونه فرع المضمرات، لأن تعرفه، لوقوعه موقع كاف الخطاب، كما مر في باب النداء، 2 قوله: (والمضاف إلى أحدها معنى)، احتراز عن الأضافة اللفظية، وإنما يتعرف بالاضافة المعنوية: ما ليس من الأسماء المتوغلة في الأبهام، كغير، ومثل، وشبه، على ما مر في باب الأضافة، 3
(1) هو زيد بن عمرو بن نفيل، مات بصاعقة، أو أنه كان يسمع الصوت القوي فيصعق فلقب بذلك، (2) في الجزء الأول من هذا الشرح (3) هو في الجزء الثاني من هذا الشرح (*)
[ 245 ]
(تفصيل الكلام) (على المعارف)...
(العلم) (تعريفه وأنواعه) (قال ابن الحاجب:) (العلم ما وضع لشئ بعينة غير متناول غيره بوضع واحد)، (قال الرضي:) قوله: (غير متناول غيره) يخرج سائر المعارف، لتناولها بالوضع أي معين كان، بخلاف العلم على ما تقدم، قوله: (بوضع واحد)، متعلق بمتناول، أي لا يتناول غير ذلك المعين بالوضع الواحد، بل إن تناول، كما في الأعلام المشتركة، فإنما يتناوله بوضع آخر، أي بتسمية أخرى، لا بالتسمية الأولى، كما إذا سمي شخص بزيد، ثم يسمى به شخص آخر، فإنه وإن كان متناولا بالوضع لمعينين، لكن تناوله المعين الثاني بوضع آخر غير الوضع الأول، بخلاف سائر المعارف، كما تبين، فإنما ذكر قوله: (بوضع واحد)، لئلا تخرج الأعلام المشتركة عن حد العلم، ولا يخرج علم الجنس نحو: أسامة عن هذا الحد، على ما ذكر المصنف، وذلك (*)
[ 246 ]
أنه قال: أعلام الأجناس وضعت أعلاما للحقائق الذهنية المتعقلة كما أشير باللام في نحو: اشتر اللحم، إلى الحقيقة الذهنية، فكل واحد من هذه الأعلام موضوع لحقيقة في الذهن متحدة، فهو، إذن، غير متناول غيرها وضعا، وإذا أطلق على فرد من الأفراد الخارجية، نحو: هذا أسامة مقبلا، فليس ذلك بالوضع، بل لمطابقة الحقيقة الذهنية لكل فرد خارجي مطابقة كل كلي عقلي لجزئياته الخارجية، نحو قولهم: الأنسان حيوان ناطق، فلفظ أسد، مثلا، موضوع حقيقة لكل فرد من أفراد الجنس في الخارج، على وجه التشريك، وأسامة، موضوع للحقيقة الذهنية حقيقة، فإطلاقه على الخارجي ليس
بطريق الحقيقة، ولم يصرح المصنف بكونه مجازا، ولا بد من كونه مجازا في الفرد الخارجي، إذ ليس موضوعا له على ما اختار، وقال: ان الحقيقة الذهنية والفرد الخارجي لمطابقتها له كالمتواطئين، قال الأندلسي، فلا تقول في أسد معين في الخارج: أسامة، كما تقول: الأسد، لأن المطابق للحقيقة الذهنية في الخارج ليس إلا شيئا من هذا الجنس مطلقا، لا واحدا معينا محصور الأوصاف المعرفة، وكذا ينبغي، عنده، ألا يقع أسامة على الجنس المستغرق خارجا، فلا يقال: ان اسامة كذا، 1 إلا الأسد الفلاني، لأن الحقيقة الذهنية ليس فيها معنى الاستغراق كما أنه ليس فيها التعيين، والحامل للنجاة على هذا التكلف في الفرق بين الجنس وعلم الجنس: أنهم رأوا نحو أسامة، وثعالة، وأبي الحصين، وأم عامر 2، وأويس 3: لها حكم الأعلام لفظا من منع صرف أسامة، وترك إدخال اللام على نحو أويس، وإضافة أب وأم، وابن وبنت إلى غيرها، كما في الكني في أعلام الأناسي، وتجيئ عنها الأحوال، وتوصف بالمعارف،
(1) لفظ كذا، كناية عن خبر إن في المثال، (2) كنية الضبع، (3) علم جنس للذئب، وهو بصيغة المصغر، (*)
[ 247 ]
ومع هذا كله، تطلق على المنكر، بخلاف نحو: أسد، وذئب، وضبع، فإن ذلك لا يجري مجرى الأعلام في الأحكام المذكورة، وأقول: إذا كان لنا تأنيث لفظي، كغرفة، وبشرى، وصحراء، ونسبة لفظية، نحو: كرسي، فلا بأس أن يكون لنا تعريف لفظي، إما باللام، كما ذكرنا قبل، وإما بالعلمية، كما في أسامة، وثعالة،
ثم نقول: هذه الأعلام اللفظية، وضعوها لغير الأناسي، من الطير والوحوش، وأحناش الأرض، والمعاني، فوضعوا لبعضها اسما وكنية، نحو: أسامة، وأبي الحارث، في الأسد، ولبعضها اسما بلا كنية، كقثم للضبعان 1، ولبعضها كنية بلا اسم نحو: أبي براقش 2، ثم، بعضها مما لا اسم جنس له، نحو: ابن مقرض، 3 وحمار قبان 4، وفي أكثر أمثال 5 هذه الأعلام لمحوا معنى يناسب المسمى بها، كحضاجر 6، لعظم بطنها، وابن دأية 7، لوقوعه على دأية البعير، ونحو ذلك، وقالوا في المعاني، للمنية: شعوب، وأم قشعم، وللمبرة: برة، وللكلية 8: زوبر، وللعذر: كيسان، وقالوا في الأوقات: غدوة، وبكرة، قالوا: ومنه: سبحان، علم التسبيح، ولا دليل على علميته، لأنه أكثر ما يستعمل:
(1) ذكر الضباع، (2) كنية طائر ذي ألوان تتغير أثناء النهار (3) حيوان صغير مثل الفأر، يقتل الحمام، (4) دويبة مستطيلة ذات أرجل تدخل في الأرض، (5) أي ما يماثل هذه الأعلام، (6) لقب الضبع، وذلك لعظم بطنها، (7) كنية الغراب لأنه يقع على دأية البعير فينقرها، ودأية البعير: الموضع الذي يقع عليه خشب الرحل فيعقره، (8) أي معنى الأحاطة والشمول، (*)
[ 248 ]
مضافا، فلا يكون علما، وإذا قطع عن الأضافة فقد جاء منونا في الشعر، كقوله: سبحانه ث سبحانا نعود به * وقبلنا سبح الجودي والجمد 1 - 225 وقد جاء باللام كقوله:
516 - سبحانك اللهم ذا السبحان 2 قالوا: ودليل علميته قوله: أقول لما جاءني فخره * سبحان من علقمة الفاخر 3 - 226 ولا منع من أن يقال: حذف المضاف إليه، وهو مراد للعلم به، فأبقى المضاف على حاله، مراعاة لأغلب أحواله، أعني التجرد عن التنوين، كقوله: خالط من سلمى خياشيم وفا 4 - 232 وأما: أولى لك، فهو علم للوعيد، فأولى: مبتدأ، ولك: خبره، والدليل على أنه ليس بأفعل تفضيل، ولا أفعل فعلاء 5، وأنه علم: ما حكى أبو زيد 6، من قولهم: أولاة الآن، 7 وهاه الآن، إذا أو عدوا، فدخول تاء التأنيث دال على أنه ليس أفعل التفضيل ولا أفعل فعلاء، بل هو مثل: أرمل وأرملة وأضحاة 8، وأولاة، أيضا، علم، فمن ثمة
(1) تقدم في الجزء الثاني، (2) أورده ابن الشجري في أمالية، وحكاه ابن مالك في منظومته: الكافية حيث يقول: وشذ قول راجز رباني * سبحانك اللهم ذا السبحان والرباني، المتعبد، ولم ينسب لأحد معين، (3) تقدم في الجزء الثاني، (4) تقدم في الجزء الثاني، (5) يعني وزن أفعل الذي مؤنثة فعلاء، وهو صفة مشبهة يأتي من الألوان والعيوب الخلقية... (6) أبو زيد الأنصاري صاحب النوادر وتقدم ذكره، (7) موضوع الحديث عن أولاة، وكلمة هاه مما ذكره الأنصاري وهي أيضا كلمة تهديد، وقد أوردهما معا: ابن جني في الخصائص ج 3 ص 44، (8) في لسان العرب أن أضحاة بمعنى الأضحية التي تذبح، وقال ان كلمة أضحى جمع لها، يريد أنها من قبيل اسم = (*)
[ 249 ]
لم ينصرف، وهو من وليه الشر، أي: قربة، وليس أولى، اسم فعل أيضا، بدليل أولاة في تأنيثة، بالرفع، والآن 1: خبر أولاة، أي: الشر القريب الآن، وأما هاه، الآن، فالزمان متعلق باسم الفعل، كذا قال أبو علي، فتجرد أولى، من التنوين، للعلمية والوزن، وقبوله التاء لا يضر الوزن، لأن ذلك في علم آخر، فهو كما لو سميت بأرمل، وأرملة، فكلاهما ممتنعان 2 من الصرف، إذ كل علم موضوع وضعا مستأنفا، واعلم أن العلمية وإن كانت لفظية، إلا أنها لما منعت الاسم تنوين التنكير صار لفظ أسامة وثعالة ونحوهما، كالأسد والثعلب، إذا كان اللام فيهما للتعريف اللفظي، فكما أن مثل ذلك من المعرف باللام، يحمل على الاستغراق إلا مع القرينة المخصصة، فكذا مثل هذا العلم، يقال: أسامة خير من ثعالة أي كل واحد من أفراد هذا الجنس، خير من كل واحد من أفراد هذا الجنس من حيث الجنسية المحضة، قال: ولأنت أشجع من أسامة إذ * دعيت نزال ولج في الذعر 3 - 456 فيصح الاستثناء من مثله، كما صح في قوله تعالى: (ان الأنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا) 4، تقول: أسامة يفرس الأنسان 5 إلا الداجن 6 منه، والقرينة المخصصة،
= الجنس الجمعي الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء... ولم يذكر الرضى في الأصل المطبوع إلا أضحاة بدون ذكر المجرد من التاء، (1) يعني كلمة الآن في قولهم أولاة الآن وهاه الآن، (2) يجوز في خبر كلا وكلتا مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى وجاء كل منهما في القرآن، (3) تقدم ذكره في هذا الجزء وهو ملفق من بيتين لشاعرين (4) من الآيتين 2، 3 في سورة العصر (5) بمعنى يفترسه أي يقتله أو يأكله
(6) الداجن من الوحوش ما يألف الناس لأقامته معهم في البيوت، من قولهم: دجن أي أقام، (*)
[ 250 ]
نحو: لقيت أسامة، فحال هذه الأعلام كحال ذي اللام المفيدة للتعريف اللفظي إذا كان ذو اللام مفردا مجردا عن علامة الوحدة والتثنية نحو: الضرب، واللحم، والسوق، وقد عرفت حكمه، (الأوزان المستعملة) (في اصطلاحات العلوم) وقد أجرى النجاة في اصطلاحهم، من غير أن يقع ذلك في كلام العرب: الأمثلة التي يوزن بها، إذا عبر بها عن موزوناتها: مجرى الاعلام إذا لم يدخل عليها ما يختص بالنكرات، ككل، ورب، على ما يجيئ، فقالوا: فعلان الذي مؤنثة فعلانة منصرف، فوصفوها بالمعرفة، ونصبوا عنها الحال كقولهم: لا ينصرف أفعل صفة، ومنعوا الصرف منها: ما جامع العلمية فيه سبب آخر، كتاء التأنيث، نحو: فاعلة، أو وزن الفعل المعتبر، كأفعل، أو الألف والنون المزيدتين، كفعلان، أو الألف الزائدة المقصورة، لا للتأنيث، 1 وإذا نكرت هذه كلها بدخول كل، أو، رب، أو، من الاستغراقية أو غيرها من علامات التنكير: انصرفت، نحو: كل فعلان حالة كذا... وإن كان 2 على وزن أقصى الجموع أو مع ألف التأنيث، لم ينصرف معرفة، ونكرة، فإن صلحت الألف للتأنيث ولغيره، نحو: كل فعلى، ينقلب ألفه في التثنية ياء، فإنه يجوز فيه الاعتبار ان: إن جعلت ألفه للتأنيث لم تصرفه، وإن جعلتها لغيره، صرفته، لتنكيرة بدخول (كل)، وذلك لأن نحو أرطى وسلمى، داخلان في (فعلى)، فهذه الأوزان: يقصد بها استغراق الجنس، لأن معنى قولك: فعلان الذي مؤنثة فعلى: غير منصرف: كل واحد من أفراد هذا الجنس حتى يستغرقه، كما أن معنى قولك: تمرة خير من جرادة، ورجل خير من امرأة، ذلك 3،
(1) وتكون للالحاق، وللتكثير، (2) أي ما يذكر بعد كل، (3) خبر عن قوله كما أن معنى... والأشارة إلى ما ذكره وهو: كل واحد من أفراد هذا الجنس، (*)
[ 251 ]
وإنما عد الأول من الأعلام دون الثاني، بدليل صرف: تمرة، وجرادة، لأنهم رأوا بعضه منقولا كالأعلام، من مدلول إلى آخر، فإن (أفعل) مثلا، وضع لغة، للزائد في الفعل على آخر، فهو، من الفعل، كأكبر من الكبر، ثم عبر به عن كل لفظ أوله همزة مزيدة مفتوحة، وثانية فاء ساكنة بعدها عين مفتوحة، بعدها لام، وبعضه مرتجلا كارتجال الأعلام، نحو قولك: فعللة التي هي مصدر الرباعي حكمها كذا، فإن (فعللة) لا معنى لها لغة، وقوى هذا الوجه المجوز لالحاقها بالأعلام: أنهم رأوها إذا عبرت بها عن موزوناتها: لم تقع على فرد مشاع منها، كما تقع النكرات، فبعدت من النكرات لفظا ومعنى، فإن قلت: فلم جعلوا هذه الكنايات من قسم الأعلام، دون الأوزان التي يكنى بها عن موزوناتها مع اعتبار معنى الموزونات، كما تقول: مررت برجل فاعل، أي عاقل، أو جاهل، على حسب القرينة القائمة على المعنى المراد ؟ قلت: لأنها لما كانت دالة على لفظة معينة لها معنى معين، والمراد من لفظة الكناية ذلك المعنى بتوسط اشعاره بذلك اللفظ الذي هو صريح فيه: صارت كموزوناتها دالة على المعنى الجنسي، فكأن لفظ الكناية منقول من جنس إلى جنس آخر، أو مرتجل لجنس، فلم يصلح أن يجعل علما، بخلاف الأول، فإن المراد منه: موزونه فقط من غير اعتبار المعنى الجنسي، ومن ثمة قال الخليل: لما سأله سيبويه 1 عن قولهم: كل أفعل، إذا كان صفة لا ينصرف: كيف تصرف (أفعل) وقد قلت لا ينصرف ؟ فقال: أفعل ههنا ليس بوصف، وإنما زعمت أن ما كان على هذا المثال وكان وصفا: لا ينصرف،
وكما أن (أفعل) في هذا الكلام، ليس بوصف: ليس بعلم أيضا، لدخول لفظ (كل) المختص بالنكرات عليه، ففي (أفعل) ههنا وزن الفعل فقط بلا وصف ولا علمية، وإن كان موزون هذه الأوزان معها، كما تقول: وزن إصبع: إفعل، فالأولى والأكثر
(1) هذا منقول بمعناه من الكتاب وكذلك كل ما يتصل بهذا البحث، وهو في أوائل الجزء الثاني من ص 5، وما بعدها، (*)
[ 252 ]
أنه لا يجري مجرى الأعلام، فيصرف (إفعل) إذ كان الأول أعني الذي عبر به عن لفظ موزونه إنما أجري مجرى الأعلام لكونه كالعلم منقولا إلى مدلول آخر، أعني الموزون أو مرتجلا له، و (أفعل) في قولك: وزن إصبع: إفعل، ليس عبارة عن الموزون، بل عن الوزن فقط، أي: وزن أصبع: هذا الوزن لا هذا الموزون، فعلى هذا كان القياس أن نقول: وزن طلحة: فعلة بالتنوين في الوزن، إذ ليس فيه العلمية، إلا أنه حذف منه التنوين ليقابل موزونه في التجرد من التنوين ولم يحذف لمنع الصرف، والزمخشري 1 جعل هذا القسم، أيضا، علما، وهو الحق، فيقول: وزن إصبع: إفعل بحذف التنوين، قال المصنف: إنما ذهب إليه إجراء له مجرى أسامة إذا أطلقتها على واحد من الآساد، فإنك تجريه مجرى الأعلام، كما كان في هذا الجنس علما نحو قولك: أسامة خير من ثعالة، فكذا يجري الوزن ههنا مجرى الجنس، أعني الذي ليس معه الموزون، نحو: أفعل حكمه كذا، وهذا القياس الذي ذكره فيه نظر، لأن مثل هذا الوزن إذا لم يكن معه الموزون فمعناه الموزون، وإذا كان معه الموزون، إذ معنى: وزن إصبع إفعل، وزن اصبع هذا الوزن المعين، فليس في الحالين كأسامة في حاليه، أي كونه جنسا وكونه فردا من أفراده، فإنه في الحالين بمعنى، وأيضا، ليس تعريف أسامة لكونه علما لماهية معينة، كما ادعى، وليس أسامة
المراد به واحد من الجنس مجازا عنها محمولا عليها في العلمية، كما بينا، بل تعريفه في الحالين لفظي، سواء كان جنسا، أو فردا مشاعا، وليس قياسيا فيقاس عليه، والأولى أن يقال 2: إنما ذهب إليه، لكونه منقولا من معنى إلى معنى آخر، هو الوزن، أو مرتجلا له، ومع إجرائه، لمثل هذا، مجرى الأعلام ينون نحو: مفاعلة، نحو
(1) شرح ابن يعيش على المفصل ج 1 ص 39، (2) يعني في تعليل ما ذهب إليه الزمخشري، لأنه نقد ما قاله ابن الحاجب من ذلك، (*)
[ 253 ]
قولك: ضارب يضارب مضاربة: على وزن فاعل يفاعل مفاعلة، وهو تنوين المقابلة، عنده، لا تنوين الصرف، والقسم الذشي هو كناية عن موزونة فقط مع اعتبار معناه: حكمه عند سيبويه 1 في الصرف وتركه: حكم الموزون، قال المتنبي: كأن فعلة لم تملأ مواكبها * ديار بكر ولم تخلع ولم تهب 2 - 475 فمنعه الصرف، لأن موزونة: خولة، وتقول: مررت برجل أفعل معنى الوصف، فهو، إذن، ينظر إلى لفظ الكناية، لا إلى الموزون المكنى عنه، فلا يصرف نحو: فعلى ومفاعل، لاشتمالهما على سبب منع الصرف، ويصرف نحو: مررت برجل أفعل أي أحمق، وفعلة، أي حمزة، ومذهب سيبويه هو الحق، إذ معناه معنى الموزون، والكناية عن العلم جارية في اللفظ مجراه، بدليل ترك إدخالهم اللام على فلان، وفلانة، 3 ومنعهم صرف فلانة، كما يجيئ، وأما إن أردت بالأوزان الفعل، فحكمها حكم موزوناتها، حركة وسكونا، وتجردا عن التنوين، كان الموزون معها أو، لا، نحو قولك: افعل: أمر، واستفعل: حكمه كذا، وضارب يضارب، على وزن فاعل يفاعل، اشعارا بكونه مرادا به الفعل،
الذي لا حظ له، لا في الصرف، ولا في تركه، أو مرادا به وزن الفعل، لكنه مع ذلك علم لوصفه بالمعرفة، كقولك: افعل الذي همزته مكسورة: أمر للمخاطب، فجملة الكلام: أن الأوزان: إما أن يراد بها الموزونات أو، لا، والأول إن كان
(1) يستفاد من كلامه ج 2 ص 6، (2) تقدم في أول باب الكنايات من هذا الجزء، وهو للمبتني، وكنى بفعلة عن خولة أخت سيف الدولة، (3) يعني إذا كانا كنايتين على علمي المذكر والمؤنث من الأناسي (*)
[ 254 ]
وزن فعل فحكمه في جميع الأشياء حكم موزونه مع كونه علما، وإن كان وزن الاسم، فإن كان كناية عن موزونة، ومعناه: معناه فليس بعلم، إلا إذا كان كناية عن العلم نحو قوله: كأن فعلة لم تملأ مواكبها.... البيت - 475 وفي جرية مجرى موزونه في الصرف وعدمه خلاف بين سيبويه والمازني، وإن لم يكن معناه معنى الموزون، بل المراد لفظ الموزون فقط، فالكل اعلام، لا ينصرف، إذا انضم إلى العلمية سبب آخر، وإن نكرته فحكمه حكم النكرات في الصرف وتركه، وإن لم يرد بها الموزونات بل أريد الأوزان فهي أعلام وفاقا لجار الله 1 العلامة، (ألفاظ العدد) (وحكمها في العلمية) وقال ابن جني 2، في سر الصناعة، وكذا في بعض نسخ المفصل ما معناه: ان الأعداد إذا قصد بها مطلق العدد، لا المعدود، كانت أعلاما، فلا تنصرف إذا انضم إلى العلمية سبب آخر، كقولك: ستة ضعف ثلاثة، غير منصرفين، ومائة ضعف خمسين، قال المصنف 3: الظاهر: أن جار الله كان أثبته، ثم أسقطه لضعفه، قال: ووجه اثباته أن (ستة) مبتدأ فلولا أنه علم لكنت مبتدئا بالنكرة من غير تخصيص، وأيضا،
المراد به: كل ستة، فلو لا أنه علم لكنت مستعملا مفردا نكرة في الأيجاب، للعموم،
(1) أي الزمخشري، وكأنه يقرظ رأيه هذا، إذ يصفه بالعلامة، (2) أبو الفتح عثمان بن جني، وسر الصناعة من أبرز كتبه كالخصائص، (3) ابن الحاجب، وله شرح على مفصل الزمخشري، اسمه الأيضاح وأشرنا إلى ذلك فيما سبق، (*)
[ 255 ]
قال 1: ونعم ما قال: ووجه ضعفه: أنه يؤدي إلى أن تكون أسماء الأجناس كلها أعلاما، إذ ما من نكرة إلا ويصح استعمالها كذلك، نحو: رجل خير من امرأة، أي كل رجل، وذلك جائز في كل نكرة قامت قرينة على أن الحكم غير مختص ببعض من جنسها، فمجوز الابتداء بالنكرة ههنا، كونها للعموم، وقد جاءت النكرة غير المبتدأ، أيضا، في الأيجاب المستغرق، لكن قليلا، كقوله تعالى: (علمت نفس ما قدمت)، 2 وقوله: (ونفس وما سواها)، 3 (الكلمات) (عند قصد ألفاظها) واعلم أنه إذا قصد بكلمة: ذلك اللفظ، دون معناها، كقولك: أين: كلمة استفهام، و: ضرب: فعل ماض، فهي علم، وذلك لأن مثل هذا: موضوع لشئ بعينه غير متناول غيره، وهو منقول، لأنه نقل من مدلول هو المعنى، إلى مدلول آخر هو اللفظ، (العلم الاثفاقي) (ومعنى الغلبة في الأعلام) وقد يكون بعض الأعلام اتفاقيا، أي يصير علما، لا بوضع واضع معين بل لأجل الغلبة، وكثرة استعماله في فرد من أفراد جنسه،
(1) أي المصنف ابن الحاجب، والموضوع الذي أشير إليه هنا وانه ليس في بعض نسخ المفصل، غير موجود
في النسخة التي شرحها ابن يعيش، (2) الآية 5 سورة الانفطار، (3) الآية 7 سورة الشمس، (*)
[ 256 ]
ثم اعلم أن اسم الجنس إنما يطلق على بعض أفراده المعين: بأداتي التعريف، وهما: اللام والأضافة، فالعلم الغالب: اما مضاف، أو ذو لام، فالمضاف نحو: ابن عباس، غلب بالأضافة، على عبد الله، من بين أخوته، وكذلك: ابن عمر، وغير ذلك، وذو اللام، كالصعق 1 والنجم، واللام في الأصل لتعريف العهد، وقد تقدم أن العهد قد يكون جري ذكر المعهود قبل، وقد يكون بعلم المخاطب به قبل الذكر، لشهرته، فاللام التي في الأعلام الغالبة من القسم الثاني، فإن معنى النجم، قبل العلمية: الذي هو المشهور المعلوم للسامعين من النجوم، لكون هذا الاسم أليق به من بين أمثاله، وكذا: البيت في بيت الله، لأن غيره كأنه بالنسبة إليه، ليس بيتا، وكذا: المضاف نحو: ابن عباس، لأن التعريف الحاصل بالأضافة كالتعريف الحاصل بلام العهد، سواء، فلا يقال غلام زيد، إلا لأليق غلمانه بهذا الاسم، بكونه أعظمهم أو أخصهم به، وبالجملة: لأشهرهم بغلاميته حتى كأن غيره، ليس غلاما له بالنسبة إليه، فالحاصل أن المضاف، وذا اللام، الغالبين في العلمية، يجب كونهما أشهر فيما غلبا فيه، منهما في سائر الأفراد التي شاعا فيها قبل العلمية، فإذا صارا علمين، اتفاقيا، لزمت الأضافة فيما كان مضافا، فلا يجوز تجريده عنها، وأما ذو اللام فالأكثر فيه، أيضا، لزوم اللام، وقد يجوز تجريده عنها، كما قيل في النابغة: نابغة، وذلك قليل، قال سيبويه: يكون (اثنان) علما لليوم المعين بلا لام، تقول: هذا يوم اثنين، مباركا فيه، ورده المبرد، وقال: هو حال من النكرة، قال: ولا يكون علما إلا مع اللام
لكونه من الغالبة، وقد ذكرنا الغوالب يتقاسيمها في باب النداء، فليرجع إليه، 2
(1) تقدم تفسيره قريبا، (2) انظره في الجزء الأول من هذا الشرح (*)
[ 257 ]
(تنكير الأعلام) (وأثره) وقد ينكر العلم، قليلا، فإما أن يستعمل بعد، على التنكير، نحو: رب زيد لقيته، وقولك، لكل فرعون موسى، لأن رب، وكل، من خواص النكرات، أو يعرف، وذلك بأن يؤول بواحد من الجماعة المسماة به، فيدخل عليه اللام، كقوله: رأيت الوليد بن اليزيد مباركا * شديدا بأعباء الخلافة كاهله 1 - 116 أو الأضافة، نحو قوله: علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم * بأبيض ماضي الشفرتين يماني 2 - 114 وهي أكثر من اللام، وقد يضاف العلم مع بقاء تعريفه، كما مر في باب الأضافة، نحو: زيد الخيل وأنمار الشاء، ومضر الحمراء، 3 وإن لم يكن اشتراك في العلم، وإذا ثني العلم أو جمع، فلا بد من زوال التعريف العلمي، لأن هذا التعريف إنما كان بسبب وضع اللفظ على معين، والعلم المثنى أو المجموع ليس موضوعا إلا في أسماء معدودة، نحو: أبانين، 4 وعمايتين، وعرفات، كما يجيئ، فإذا زال التعريف العلمي، وقد قلنا ان تنكير الأعلام قليل، قال المصنف: وجب 5 جبر ذلك التعريف الفائت بأخصر