شرح الرضي على الكافية
رضي الدين الأستراباذي ج 1
[ 1 ]
شرح الرضى على الكافية
[ 2 ]
جميع حقوق الطبع محفوظة 1398 ه - 1978 م جامعة قاريونس
[ 3 ]
شرح الرضى على الكافية طبعة جديدة مصححة ومذيلة بتعليقات مفيدة الجزء الاول تصحيح وتعليق يوسف حسن عمر الاستاذ بكلية اللغة العربية والدراسات الاسلامية كلية اللغة العربية والدراسات السلامية
[ 5 ]
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله على واسع فضله، وسابغ نعمته، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وصفوة المرسلين، سيدنا محمد النبي الامين، وعلى آله وصحابته وآل بيته أجمعين،
ورضي الله تعالى عن أسلافنا وجزاهم خيرا، بما قدموا لنا من ثمار أفكارهم ونتاج عقولهم مما بذلوا فيه غاية جهدهم، وأقصى طاقتهم حتى وصل إلينا داني القطوف، شهي الثمار، وحتى تحقق بذلك قول القائل: ما ترك الاول للاخر، رحمهم الله تعالى. وأجزل لهم المثوبة،. وبعد، فإن المكتبة العربية تزخر بكنوز ثمينة من هذا التراث الفكري، العربي والاسلامي في مختلف العلوم، وعلى تعاقب العصور، وقد هيأ الله تعالى لكثير من هذا التراث أن يرى النور، فينتفع به الباحثون والدارسون، وطلاب المعرفة، بفضل ما بذله ويبذله الباحثون وما تقوم به الهيئات العلمية " الرسمية وغير الرسمية "، من نشر لهذه الكنوز، وتجليتها للناس وإبرازها في صورة مشرقة، تجمع إلى التحقيق العلمي الدقيق، جمال الطبع وحسن الاخراج، وفي مكتبة النحو، من هذا التراث، كتاب جليل القدر عظيم الفائدة يعرف
[ 6 ]
قيمته كل مشتغل بهذا العلم، بما اشتمل عليه من تحقيق لمسائله واستيعاب لاهم قواعده، حتى أصبح في مقدمة المراجع لهذا العلم، وهو كتاب: " شرح الرضى على كافية ابن الحاجب "، الذي تجلى فيه جهد اثنين من أبرز العلماء وأشهرهم، عاشا معا في القرن السابع الهجري وسبق أحدهما الاخر بما يقل عن نصف قرن من الزمان، أما أحدهما، وهو أسبقهما، فهو الامام العالم الحجة: أبو عمر: عثمان بن عمر الكردي المعروف بابن الحاجب، المتوفى سنة 646 ه، وهو من أصل كردي، نشأ بمصر لان أباه كان حاجبا لاحد أمرائها فاشتهر بابن الحاجب، وقد نبغ في كثير من العلوم العربية والاسلامية ومنها علم النحو، فألف فيه
رسالة موجزة، اشتهرت باسم " الكافية "، وهي على اختصارها وشدة وجازتها، جمعت أهم مسائل النحو، وحوت جل مقاصده، وقد تسابق العلماء من بعد ابن الحاجب، إلى شرح هذه الرسالة وتوضيح مجملها ومن شروحها شرح لمؤلفها نفسه، وقد نقل عنه كثير ممن ألفوا في النحو بعد ذلك. وأما ثانيهما فهو العلامة المحقق: " رضى الدين: محمد بن الحسن الاستراباذي المتوفى سنة 688 ه، وهو من " استراباذ " إحدي قرى " طبرستان "، وقد عاش حياته بين العراق والمدينة المنورة، وقد علم برسالة ابن الحاجب هذه وشرح مؤلفها لها، فبادر هو إلى شرحها في هذا الكتاب الذي نتحدث عنه، " كما أن لابن الحاجب رسالة صغيرة ثانية في الصرف، اسمها " الشافية " شرحها الرضي كذلك شرحا وافيا، وهي كذلك تعتبر من أهم مراجع علم الصرف وهي مطبوعة طبعا حديثا في مصر "، وجاء في مقدمة الرضى لشرحه على الكافية أنه فعل ذلك استجابة لرغبة من أحد الذين قرأوا عليه هذه الرسالة، ويقول انه أراد أن يعلق عليها ما يشبه الشرح، ثم اقتضى الحال بعد الشروح أن يتجاوز الاصول إلى الفروح،
[ 7 ]
والحق أن كتابه هذا جاء مرجعا علميا جليل القدر عظيم الفائدة في هذا العلم، وعلى كثرة ما كتبه العلماء على رسالة الكافية من شروح وتعليقات، قد نقل كثيرون ممن جاءوا بعد الرضى عن شرحه هذا وأخذوا منه. وامتاز الرضي في شرحه هذا باستقلال الرأي وحرية الفكر، فلم يتحيز ولم يتعصب لمذهب معين لاحد ممن سبقوه، وعلى ميله الغالب إلى مذهب البصريين، وتمجيده لامام النحو " سيبويه " وتقديره لكتابه، يختار كثيرا، بعض آراء الكوفيين ويدافع عنها، بل ان ذلك ظهر في كثير من تعبيراته، التي وردت في هذا الشرح،
وهو، إلى ذلك، قد ينفرد برأي خاص في بعض المسائل، بعد أن يعرض أقوال السابقين ويفندها، وقد يرجع بعضها ويدافع عنه دفاعا قويا. وقد حفل شرحه هذا بشواهد من القرآن ومن الشعر، وبعض الاحاديث النبوية، وعبارات مما تضمنه كتاب نهج البلاغة المنسوب إلى الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه، فأما الشعر فقد جاء فيه ما يقرب من ألف شاهد، وقد تكفل بشرحها شرحا علميا وأدبيا وتاريخيا: العلامة عبد القادر البغدادي من علماء القرن الحادي عشر الهجري في كتاب، هو جدير، حقا بما سماه به صاحبه: " خزانة الادب، ولب لباب لسان العرب "، وكثير من الادباء وعلماء اللغة يرجعون إليه في معظم ما يكتبون، وأما شواهده القرآنية، فمما لا شك فيه أن كتاب الله تعالى هو قمة الاستشهاد على علوم اللغة العربية، وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثار خلاف بين السابقين من علماء النحو في صحة الاستشهاد به، وتحرج كثير منهم من ذلك وخلت كتب كثيرة من ذكر الاحاديث النبوية، وهو خلاف طويل لا يتسع المجال هنا لعرضه، وقد لخص ذلك: البغدادي في مقدمة خزانة الادب، ولكنهم انتهوا أخيرا إلى صحة الاستشهاد بالحديث وبدأت مؤلفاتهم تمتلئ به، فسلك الرضى مسلكهم في ذلك.
[ 8 ]
ثم، جاء في هذا الشرح استشهاد ببعض عبارات منسوبة للامام علي بن أبي طالب، كما تقدم، ولا ريب في أن كلام علي رضي الله عنه في مقدمة ما يستشهد به، ولكن الذي منع غير الرضى من الاستشهاد بكلامه رضي الله عنه، هو ما دار حول كتاب " نهج البلاغة " من تشكيك في صحة نسبته إليه، وأنه من كلام
الشريف الرضي، أو أخيه الشريف المرتضى، وان كان بعض الباحثين يرجح نسبته إلى علي رضي الله عنه ويدافع عن ذلك، ويرد ما قيل من شبه في نسبته إليه، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال، تشيع الرضي وقد عزا بعض الباحثين السبب في استشهاد الرضي بكلام الامام علي وإطرائه لبلاغته رضي الله عنه، إلى أن الرضى رحمه الله إما أن يكون شيعيا، وإما أن يكون من سلالة الامام علي، وقد تبينت من تأملي في هذا الكتاب ما يرجح " أنه شيعي " فقد حرص في تمثيله لبعض القواعد أن يبرز هذا الاعتقاد عنده، حيث مثل لتقدم المفعول على الفاعل عند قيام القرينة بقوله: (1) " استخلف المرتضى المصطفى صلى الله عليه وسلم "، كما مثل في باب المركبات بقوله: " كما تقول: " الحسين رضي الله عنه ثالث الاثني عشر "، وهذه عبارات ناطقة بالتشيع. تقدير العلماء لهذا الشرح وقد علق الشريف الجرجاني من علماء القرن التاسع الهجري على هذا الكتاب وناقش مؤلفه في بعض المسائل، وصحح بعض عباراته وأشار إلى ما يوجد بين
(1) ص 191 من هذا الجزء. (*)
[ 9 ]
نسخه المخطوطة، المتعددة، من خلاف في العبارة، وقد أشار إل ذلك في اجازة منحها لمن قرأ عليه هذا الشرح كما أشار إلى قيمة هذا الكتاب، وإلى ما بذله من جهد في تصحيح نسخه المختلفة، وذلك حيث يقول: " وإن شرح الكافية، للعالم الكامل، نجم الائمة، وفاضل الامة، محمد ابن الحسن الرضى الاستراباذي، كتاب جليل الخطر، محمود الاثر، يحتوي
من أصول هذا الفن على أمهاتها... وجاء كتابه هذا كعقد نظم فيه جواهر الحكم بزواهر الكلم.. الخ ما قال "، ثم يشير إلى اختلاف النسخ التي اطلع عليها لهذا الكتاب فيقول: " لكن وقع فيه تغييرات، وشئ من المحو والاثبات، وبدل بذلك نسخه تبديلا بحيث لا تجد إلى سيرتها الاولى سبيلا، " وبعد أن أشار إلى ما بذله من جهد في تصحيحه يقول: " فتصحح إلا ما نذر، أو طغى به القلم، أو زاغ البصر "، وقد نقل البغدادي في مقدمة خزانة الادب جزءا من هذه الاجازة، كذلك يقول البغدادي عن هذا الشرح وهو يتحدث عنه وعن مؤلفه: إن كتب النحو بعده صارت كالشريعة المنسوخة، ولا يتحدث عن الرضى إلا بقوله: الشارح المحقق، هذه كلمة موجزة عن الرضى، وعن كتابه " شرح الكافية " الذي ظل مخطوطا إلى أواخر القرن الهجري الماضي، حيث ظهرت المطابع في كثير من البلاد، فظهرت أول طبعة منه في تركيا سنة 1275 ه وجاء في ختام هذه الطبعة أنها قد روجعت على آخر نسخة قوبلت على نسخة المؤلف، وطبعت على هوامشه تعليقات الشريف الجرجاني التي سبقت الاشارة إليها، وهي كثيرة في بعض الصفحات حتى لقد طبع ما لم تكفه الهوامش في قصاصات صغيرة، ألصقت بين الصفحات، كما خلت صفحات كثيرة من هذه التعليقات أو اشتملت على القليل منها، وأغلب هذه التعليقات يشير إلى اختلاف النسخ، وبعضها يتضمن
[ 10 ]
مناقشة للرضى، أو توضيحا لبعض عباراته، ومنها ما يتضمن استطرادا أو استشهادا أو تفسيرا لبعض الشواهد أو العبارات.
ولقد كانت حالة الطباعة في هذا الوقت سببا في وقوع كثير من الاخطاء كما جاءت هذه الطبعة متزاحمة الكلمات والسطور بحيث امتلات جميع الصفحات بالكلمات لا يفصل بينها فاصل يحدد مواقع الجمل، وبداية الكلام ونهايته، وليس في صفحات الكتاب كلها عنوان لبحث، وغير ذلك من الظواهر التي جعلت الصورة الاخيرة لهذه الطبعة، لا تعين القارئ على إدامة النظر في الكتاب وإمكان الانتفاع بما فيه. وتقع هذه الطبعة في جزأين كبيرين، مجموع صفحاتهما سبعمائة صفحة، وهي مطبوعة في مطبعة " محمد لبيب " بالاستانة سنة 1275 ه كما تقدم وفي عهد السلطان عبد المجيد، ثم ظهرت بعدها طبعتان في شكل واحد وحجم واحد وينقص عدد السطور من صفحاتهما عن الطبعة السابقة فوصلت بذلك صفحات كل منهما إلى ما يزيد عن خمسين وثمانمائة صفحة، واحدى الطبعتين طبعت في مطبعة " الحاج محرم أفندي البستوي " سنة 1305 ه وطبعت الثانية بمطبعة شركة الصحافة العثمانية سنة 1310 ه، وكلتاهما في عهد السلطان عبد الحميد، وكل ما ظهر من فرق بين هاتين الطبعتين، والطبعة الاولى إنما هو زيادة عدد الصفحات فيهما عن سابقتهما بسبب اختلاف حجم الورق، فالاخطاء هي الاخطاء، وازدحام الصفحات بالكلمات والسطور، والتعليقات المطبوعة على الهوامش والقصاصات الملصقة بين الصفحات لاستيعاب هذه التعليقات وعدم العناوين، وغير ذلك، كل هذا لم يختلف في قليل ولا كثير في هاتين الطبعتين عنه في الطبعة الاولى،
[ 11 ]
ومع كل هذه العيوب في هذه الطبعات الثلاث، كان وجودها يسد فراغا في مراجع هذا الفن على الرغم مما يلقاه الناظر فيها من صعوبات، ولكن هذه الطبعات لا يكاد يوجد منها شئ إلا أن يكون في مكتبة خاصة لبعض العلماء، أو دار من دور الكتب التي يؤمها الباحثون، وذلك يبرز، إلى حد بعيد، مدى الحاجة إلى تيسير وجود هذا الكتاب النافع بإعادة طبعه في صورة جديدة، يستفاد فيما بما وصلت إليه الطباعة في هذا العصر من التقدم والازدهار، أما إخراج الكتاب إخراجا علميا محققا يجمع شتات نسخه المخطوطة المتعددة ويحقق ما امتلا به من نصوص منقولة عن السابقين من العلماء والتي أكثر منها الرضى معزوة إلى أصحابها، فذلك أمل نرجو أن يتحقق على يد من يوفقه الله إليه، ويكون قادرا على النهوض به. وإلى أن يتحقق هذا الرجاء، إن شاء الله تعالى، وجدت أن من الميسور أن يعاد طبع هذا الكتاب في صورة جديدة تعين على الانتفاع به بتلافي ما أشرت إليه من عيوب في الطبعات السابقة، فقد استخرت الله تعالى ونظرت في هذا الكتاب طويلا، حتى استوعبت كثيرا منه، وتعرفت ما في طبعاته السابقة من أخطاء يمكن تداركها، وتبينت طريق الرضى في عرضه لمسائل هذا العلم وأسلوبه في نقد ما يعرض له من آراء العلماء، كما تبينت ما في بعض عباراته من الغموض الذي يحتاج إلى التوضيح والتفسير، فهو عندما يقصد المبالغة في الشرح والتوضيح، يسرف في التكرار وفرض الامثلة، ويستطرد إلى ما ليس من موضوع البحث، وحين يعود إلى ما كان فيه يكون قد طال الفصل وكثر الاستطراد، وقد كان من الاخطاء التي وقعت في تلك الطبعات أن انتقلت جمل وسطور من مكانها ولم ينبه عليها أحد، وبعد طول النظر وتفهم المقصود منها أمكن، بفضل الله، وضع كل شئ في مكانه فاستقام المعني، أو كاد،
[ 12 ]
ثم بدأت في نسخ الكتاب، متخذا أساس ذلك: النسخة التي طبعت سنة 1275 ه وفي خلال ذلك أصلحت كل ما بدا واضحا من أخطاء الطبع، وشرحت بعض المفردات اللغوية، ووضحت المقصود من بعض عبارات الرضى، ثم أبرزت بحوثه وموضوعاته بعناوين، كما بينت بدء كلام كل من ابن الحاجب والرضى، ولم يكن من ذلك شئ فيما طبع من هذا الشرح، وأشرت، في إيجاز إلى ما يتصل بما فيه من الشواهد، وحددت مواضع الايات القرآنية التي وردت فيه، وترجمت بكلمات قصيرة لاعلام النحاة واللغويين والقراء الذين، ذكرهم الرضى، وقد أكثر من ذكر النحاة الذين نقل عنهم بأسمائهم فكاد يستوعب كل من سبقوا عهده من أئمة النحو وعلمائه، حتى لقد نقل عن بعض معاصريه كابن مالك، وصاحب المغنى " منصور بن فلاح اليمني " والاندلسي (1)، وخلصت من ذلك كله، إلى أن الكتاب سيتم طبعه، إن شاء الله، في أربعة أجزاء كبار، وهذا هو الجزء الاول منها، أرجو أن يتحقق به بعض النفع، إلى أن يتهيأ له من يوفقه الله لاخراجه وتحقيقه، كما أشرت، ولعلي بذلك أكون قد أسهمت في إحياء بعض ما خلفه أسلافنا رحمهم الله، من تراث فكري نافع، على قدر ما استع له جهدي وتناولته قدرتي، وحسبي ممن يطلع على هذا العمل فيرضى عنه: دعوة صالحة، وممن يرى فيه شيئا من القصور
(1) أنظر مواضع ذكرهم من فهرس الاعلام. (*)
[ 13 ]
أو التقصير أن يلتمس العذر ويدعو بالمغفرة، فإن العصمة لله وحده، وفوق كل ذي علم عليم، * * * وقد ألحقت بكل جزء ما يتصل به من فهرس الموضوعات التي احتواها. وأما بقية الفهارس فإنها ستلحق بالجزء الاخير من الكتاب، إن شاء الله تعالى. * * * والله، سبحانه، المعين على إتمامه، وهو الموفق إلى كل خير، والهادي إليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، الدكتور يوسف حسن عمر ربيع الاول 1393 ه مايو 1973 م
[ 15 ]
شكر وتقدير يرجع الفضل في إخراج هذا الكتاب على هذه الصورة إلى فضيلة الاخ الشيخ ابرهيم رفيدة كلية اللغة العربية والدراسات الاسلامية بالبيضاء. فما إن علم فضيلته بالجهد الذي بذلته في هذا الكتاب واطلع عليه حتى بادر بإبلاغ المسئولين في الجامعة الليبية شارحا لهم القيمة العلمية لهذا الكتاب والثمرة المرجوة من إعادة طبعه فتقرر طبعه على نفقة الجامعة الليبة، أداء لواجبها العلمي وسيرا على السنن الحميد الذي تسير عليه، من إبراز كل ما هو نافع ومفيد من التراث العربي والاسلامي، وتمشيا مع هذه النهضة العلمية المباركة التي ازدهرت في عهد ثورة ليبيا العظيمة،
فشكر الله للجميع، وجزاهم خيرا بما يسروا من النفع بهذا الكتاب، ووفقنا جميعا إلى خدمة لغتنا وديننا، وهدانا سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. الدكتور يوسف حسن عمر
[ 17 ]
مقدمة الرضى بسم الله الرحم الرحيم الحمد لله الذي جلت آلاؤه عن أن تحاط بعد، وتعالت كبرياؤه عن أن تشتمل بحد، تاهت في موامى معرفته سابلة الافهام، وغرقت في بحار عزته سابحة الاوهام، كل ما يخطر ببال ذوي الافكار فبمعزل عن حقيقة ملكوته، وجميع ما تعقد عليه ضمائر أولي الابصار فعلى خلاف ما ذاته المقدسة عليه من نعوت جبروته، وصلواته على خاتم أنبيائه، ومبلغ أنبائه، محمد بن عبد الله المبشر به قبل ميلاده، وعلى السادة الاطهار من عترته وأولاده. وبعد فقد طلب إلي بعض من أعتنى بصلاح حاله، وأسعفه بما تسعه قدرتي من مقترحات آماله، تعليق ما يجري مجرى الشرح على مقدمة ابن الحاجب عند قراءتها علي، فانتدبت له (1) مع عوز ما يحتاج إليه الغائص في هذا اللج، والسالك لمثل هذا الفج، من الفطنة الوقادة، والبصيرة النفادة، بذلا لمسئوله، وتحقيقا لمأموله، ثم اقتضى الحال بعد الشروع، التجاوز عن (2) الاصول إلى الفروع،
(1) فانتدبت له: أي أجبته إلى طلبه، يقال ندبه إلى كذا فانتدبت له، أي دعاه وطلب منه فانتدب أي فأجاب. (2) التجاوز عن الاصول أي الانتقال منها إلى الفروع. وكان يمكن أن يقول: تجاوز الاصول إلى الفروع. لانه متعد بنفسه، وكأنه ضمنه معنى الانتقال أو التباعد. فعداه بعن. (*)
[ 18 ]
فإن جاء مرضيا، فببركات الجناب المقدس الغروي (1)، صلوات الله على مشرفه، لاتفاقه فيه (2)، وإلا فمن قصور مؤلفه فيما ينتحيه، والله تعالى المؤمل لارشاد السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، * * *
(1) الغروي المنسوب إلى الغري، والغري، معناه الحسن الجميل من كل شئ أو من الابنية والامكنة. وقد سميت بعض المواضع والابنية باسم الغري، أشهرها الغريان اللذان بناهما جذيمة الابرش لنديميه مالك وعقيل بعد أن ماتا. ويريد الرضى بالجناب المقدس الغروي. المكان القريب من قبر النبي صلى الله عليه وسلم. أو من قبر الامام علي بن أبي طالب بالنجف، كما ذكر الاستاذ عبد السلام هارون في تعليقه على مقدمة خزانة الادب في الطبعة التي أخرجها، ولعل اعتماده في ذلك على أن بعض الشيعة كانوا يطلقون كلمة " الغري " على قبر علي رضي الله عنه، وأن الرضى كان شيعيا، ويترجح عندي أن المراد بالغري: القبر النبوي الشريف، لان الرضى كان من الذين تركوا العراق بعد الغزو التتاري واستقر به المقام في المدينة وألف فيها كتابيه العظيمين، شرح الكافية وشرح الشافية. وقوله في هذه المقدمة: صلوات الله على مشرفه، ومثله في ختام الكتاب. وكذلك في شرحه على الشافية حيث يقول: " وعلى الله المعول في أن يوفقني لاتمامه، بمنه وكرمه، وبالتوسل بمن أنا في مقدس حرمه عليه من الله أزكى السلام وعلى أولاده الغر الكرام "، كل ذلك يرجح أن مراده بالجناب المقدس الغروي: القبر النبوي الشريف، ثم إن الرضى مع كونه شيعيا لم يتحدث عن الامام علي في كتابه هذا بمثل هذا الاسلوب ولم يعقب بعد ذكره بمثل هذا الدعاء بل يكتفي بقوله رضي الله عنه، وكرم الله وجهه، مع أنه قد استشهد بكلامه كثيرا. والله أعلم بحقيقة الحال. (2) لاتفاقه فيه يدل على أنه ألفه في هذا المكان أو أنه بدأ ذلك فيه (*).
[ 19 ]
الكلمة (1)
معناها. صلتها بالكلم، اشتقاقها قال ابن الحاجب: " كلمة لفظ وضع لمعنى مفرد "، قال الرضى: اعلم أن الكلم جنس الكلمة، مثل تمر، وتمرة، وليس المجرد من التاء من هذا النوع جمعا لذي التاء، كما يجئ تحقيقه في باب الجمع، بل هو جنس حقه أن يقع على القليل والكثير، كالعسل والماء، لكن الكلم لم يستعمل (2) إلا على ما فوق الاثنين، بخلاف نحو: تمر، وضرب، وقيل ان اشتقاق الكلمة، والكلام من الكلم، وهو الجرح، لتأثيرهما في النفس،
(1) كان لابد من وضع هذا العنوان، وغيره من العناوين الموجودة في هذا الكتاب، وكذلك الاشارة إلى كلام كل من المصنف: ابن الحاجب، والشارح: الرضى، قبل بدء كلام منهما، وليس شئ من ذلك كله موجودا في النسخ المطبوعة. (2) لم يستعمل أي لم يطلق ولذلك عداه بعلى. (*)
[ 20 ]
وهو اشتاق بعيد (1). وقد تطلق الكلمة مجازا على القصيدة، والجمل، يقال: كلمة شاعر، قال الله تعالى: " وتمت كلمة ربك الحسنى " (2). واللفظ في الاصل مصدر، ثم استعمل بمعنى الملفوظ به، وهو المراد به هنا، كما استعمل القول بمعنى المقول، وهذا كما يقال: الدينار ضرب الامير، أي مضروبه. والكلام بمعناه (3)، لكنه لم يوضع في الاصل مصدرا على الصحيح، إذ ليس على صيغة مصادر الافعال التي تنصبها على المصدر نحو كلمته كلاما، وتكلم تكلاما (4)، بل هو موضوع لجنس ما يتكلم به، سواء كان كلمة، على حرف كواو العطف أو على أكثر،
أو كان أكثر من كلمة، وسواء كان مهملا، أو، لا، (5) أما اطلاقه على المفردات فكقولك لمن تكلم بكلمة، كزيد، أو بكلمات غير مركبة تركيب الاعراب، كزيد، عمرو، بكر: هذا كلام غير مفيد، وأما اطلاقه على المهمل، فكقولك: تكلم فلان بكلام لا معنى له، فالقول، والكلام، واللفظ، من حيث أصل اللغة، بمعنى، يطلق على كل حرف: من حروف المعجم كان، أو من حروف المعاني، وعلى أكثر منه، مفيدا كان، أو، لا.
(1) يرى بعض أئمة اللغة أن كل الكلمات التي تتفق في الحروف الاصلية ترجع كلها إلى معنى واحد يجمع بينها، ومن هؤلا: الامام أبو الفتح بن جني في كتابه الخصائص. ج 1 ص 13. وقد يخفى المعنى المشترك الذي يجمع بينها. (2) الاية 137 من سورة الاعراف. (3) بمعناه أي بمعنى اللفظ بالتفسير الذي ذكره، أي أنه يطلق على ما يتكلم به. (4) جاءت الكلمتان كلاما وكلاما، هكذا في النسخة المطبوعة، بتشديد اللام. وقد أصلحت الثانية بزيادة تاء في أولها ليتفق التمثيل مع الضابط الذي اختاره الرض لمصادر الفعل المزيد في باب المصدر من هذا الشرح، وقد كان أسهل - لولا ذلك - أن يقول: تكليما في الاول وتكلما في الثاني. (5) المعطوف المعادل لما بعد سواء لا تلزم معه " أم " إلا إذا صرح بالهمزة مع الاول. وتحقيق ذلك في باب العطف وباب حروف العطف من هذا الشرح. (*)
[ 21 ]
لكن القول اشتهر في المفيد، بخلاف اللفظ والكلام، واشتهر الكلام لغة في المركب من حرفين فصاعدا، واللفظ خاص بما يخرج من الفم من القول، فلا يقال: لفظ الله كما يقال: كلام الله وقوله، ثم، قد استعمل الكلام استعمال المصدر فقيل كلمته كلاما، كأعطى عطاء، مع أنه في الاصل لما يعطى،
وهذا كما يحكى عنهم: عجبت من دهنك لحيتك بضم الدال بمعنى دهنك بفتحها، وقد اختص الكلام في اصطلاح النحاة بما سيجئ، والمقصود من قولهم وضع اللفظ: جعله أولا لمعنى من المعاني مع قصد أن يصير متواطئا عليه بين قوم، فلا يقال - إذا استعملت اللفظ بعد وضعه في المعنى الاول -: إنك واضعة، إذ ليس جعلا أولا،، بلى (1)، ولو جعلت اللفظ الموضوع، لمعنى آخر (2) مع قصد التواطؤ، قيل انك واضعه، كما إذا سميت بزيد (3) رجلا، ولا يقال لكل لفظة بدرت من شخص لمعنى: انها موضوعة له من دون اقتران قصد التواطؤ بها، ومحرفات العوام، على هذا، ليست ألفاظا موضوعة لعدم قصد المحرف الاول إلى التواطؤ، وعلى ما فسرنا الوضع لم يكن محتاجا إلى قوله " لمعنى "، لان الوضع لا يكون إلا لمعنى، إلا أن يفسر الوضع بصوغ اللفظ، مهملا كان، أو، لا، ومع قصد التواطؤ أو، لا، فيحتاج إلى قوله " لمعنى " لكن ذلك على خلاف المشهور من اصطلاحهم،
بلى: التي من حروف الجواب والرضى يستعملها كثيرا في هذا الشرح في مثل هذا المقام. (2) متعلق بقوله: لو جعلت اللفظ. (3) زيد في الاصل مصدر زاد يزيد زيدا، ثم سمى به. (*)
[ 22 ]
ومعنى اللفظ ما يعنى به: أي يراد، بمعنى المفعول، قوله " لمعنى مفرد " يعنى به المعنى الذي لا يدل جزء لفظ على جزئه، سواء كان لذلك المعنى جزء، نحو: معنى ضرب، الدال على المصدر والزمان، أو، لا جزء له كمعنى: ضرب ونصر، فالمعنى المركب على هذا، هو الذي يدل جزء لفظه على جزئه، نحو: ضرب زيد،
وعبد الله، إذا لم يكونا علمين، وأما مع العلمية فمعناهما مفرد، وكذا لفظهما، لان اللفظ المفرد: لفظ لا يدل جزؤه على جزء معناه، وهما كذلك، واللفظ المركب، الذي يدل جزؤه على جزء معناه، والمشهور في اصطلاح أهل المنطق، جعل المفرد والمركب صفة اللفظ، فيقال: اللفظ المفرد، واللفظ المركب، ولا ينبغي أن يخترع في الحدود ألفاظ، بل الواجب استعمال المشهور المتعارف منها فيها، لان الحد للتبيين، وليس له (1) أن يقول: إني أردت بالمعنى المفرد: المعنى الذي لا تركيب فيه، لان جميع الافعال - إذن (2) - تخرج عن حد الكلمة، ولو قال: الكلمة لفظ مفرد موضوع، سلم من هذا، ولم يرد عليه أيضا، الاعتراض بأن المركبات ليست بموضوعة، على ما يجئ (3) واحترز بقوله " لفظ " عن نحو الخط والعقد والنصبة والاشارة، فإنها ربما دلت بالوضع
(1) أي للمصنف: ابن الحاجب، وقوله بعد ذلك لان جميع الافعال تعليل لقوله وليس له. (2) في كتابة " إذن " خلاف طويل بين العلماء مبني على خلاف آخر في أصلها وهل هي بسيطة أو مركبة. وقد نسب إلى المازني والمبرد القول برسمها بالنون حيث وقعت، وكذلك فعلت في كتابتها في هذا الشرح كما فعل الرضى، إلا أن تكون نصا قرآنيا، فهي كما جاء رسمها في المصحف. (3) يأتي قريبا للمؤلف حديث عن وضع المركبات، واشارته هنا إلى احتمال الاعتراض على المصنف مبنية على ما سيجئ. (*)
[ 23 ]
على معنى مفرد، ليست بكلمات. ويجوز الاحتراز بالجنس أيضا، إذا كان أخص من الفصل بوجه، وهو ههنا كذلك لان الموضوع للمعنى المفرد قد يكون لفظا وقد لا يكون (1). واحترز بقوله " وضع " عن لفظ دال على معنى مفرد بالطبع لا بالوضع كاح، الدال
على السعال، ونحو ذلك، وعن المحرف، وعن المهمل، لانه دال أيضا على معنى كحياة المتكلم به، ولكن عقلا لا وضعا.. وبقوله " لمعنى " عما صيغ لا لمعنى كالمهملات " كلعم " ونحو من الهذيانات، وقد مر الكلام على هذا الاحتراز. وبقوله " مفرد " عن لفظ وضع للمعنى المركب نحو: عبد الله، وضرب زيد غير علمين. فإن قيل: ان التاء في لفظ الكلمة للوحدة، لان كلمة وكلما، كتمرة وتمر، واللام (2) فيه للجنس فيتنا قضان، لدلالة الجنس على الكثرة المناقضة للوحدة. فالجواب: أن اللام في مثله ليس للجنس ولا للعهد، كما يجئ في باب لمعرفة، ولئن سلمنا ذلك، قلنا: إن الجنس على ضربين. أحدهما: استغراق الجنس، وهو الذي يحسن فيه لفظة " كل " كقوله تعالى: " إن الانسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا " (3)، أي كل الانسان، وإلا، لم يجز الاستثناء، لانه (4)
(1) يجري هذا التعبير كثيرا على ألسنة المتحثين وفي عبارات المؤلفين، ونصوص النحويين صريحة في تخطئته. وإذا كان بعض الباحثين يجد له وجها لوروده في قليل من الشعر، فذلك لا يخرجه عن مخالفة القواعد لانه لم يرد في كلام فصيح غير الشعر، ويغني عنه: ربما لا يكون. (2) أي حرف التعريف، وهو رأي الرضى الذي أخذ به وإن كان كثيرا ما يقول الالف واللام. (3) الايتان 2، 3 من سورة العصر. (4) لانه أي الاستثناء. (*)
[ 24 ]
عند الجمهور من النحاة يخرج ما لولاه لوجب دخوله تحت المستثنى منه، وهذا الاستغراق مفيد للكثرة فيناقض الوحدة. والثاني: ماهية الجنس من غير دلالة اللفظ على القلة ولا الكثرة، بل ذاك احتمال عقلي، كما في قوله تعالى: " لئن أكله الذئب " (1)، ولم يكن هناك ذئب معهود، ولم يرد استغراق
الجنس أيضا. ومثله قولك: ادخل السوق، واشتر اللحم، وكل الخبز، فهذا النوع من الجنس لا يناقض الوحدة، إذ لا دلالة فيه على الكثرة. والمقصود في هذا الموضع هو الثاني، أي ماهية الجنس من حيث هي هي، لان الحد إنما يذكر لبيان ماهية الشئ، لا لبيان استغراقه. إن قيل: لم لم يقل " لفظة " ليوافق الخبر المبتدأ في التأنيث ؟ فالجواب أنه لا يجب توافقهما فيه إلا إذا كان الخبر صفة مشتقة غير سببية، نحو: هند حسنة، أوفي حكمها، كالمنسوب، أما في الجوامد فيجوز (2)، نحو: هذه الدار مكان طيب، وزيد نسمة عجيبة. وقوله " لفظ " ههنا، وإن كان بمعنى الصفة، أي ملفوظ بها، كما ذكرنا، إلا أن أصله مصدر، ويعتبر الاصل في مثله، نحو: امرأة صوم ورجلان صوم، ورجال صوم، فلا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع. فإن قيل: كان ينبغي أن يقول " لفظة " ليخرج عنه الكلمتان، إذ هما لفظتان، وكذا الكلمات. قلت: لا يخرج مثل ذلك بتاء الوحدة، لان مثل قولك: قالا، وقالوا، كارطى،
(1) الاية 14 من سورة يوسف. (2) أي يجوز أن يختلف المبتدأ والخبر في ذلك. (*)
[ 25 ]
وبرقع (1) لفظة واحدة، وكذا كل ما يتلفظ به مرة واحدة، مع أن كل واحد من الاولين كلمتان، بخلاف الثانيين. إن قيل: هلا استغنى بقوله " وضع " عن قوله " مفرد " لان الواضع لم يضع إلا المفردات، أما المركبات فهي إلى المستعمل، بعد وضع المفردات، لا إلى الواضع. فالجواب أنا لا نسلم أن المركب ليس بموضوع (2)، وبيانه أن الواضع إما أن يضع ألفاظا
معينة سماعية، وتلك هي التي تحتاج في معرفتها إلى علم اللغة. وإما أن يضع قانونا كليا يعرف به الالفاظ فهي قياسية، وذلك القانون إما أن يعرف به المفردات القياسية، وذلك كما بين أن كل اسم فاعل من الثلاثي المجرد، على وزن فاعل، ومن باب أفعل، على وزن مفعل، وكذا حال اسم المفعول، والامر، والالة، والمصغر، والجمع، ونحو ذلك، وتحتاج في معرفتها إلى علم التصريف. وإما أن يعرف به المركبات القياسية، وذلك كما بين مثلا، أن المضاف مقدم على المضاف إليه، والفعل على الفاعل، وغير ذلك من كيفية تركيب أجزاء الكلام، وتحتاج في معرفة بعضها إلى التصريف كالمنسوب، والفعل المضارع، وفي معرفة بعضها إلى غيره من علم النحو كما ذكرنا. إن قيل: ان في قولك: مسلمان، ومسلمون، وبصري وجميع الافعال المضارعة، جزء لفظ كل واحد منها يدل على جزء معناه إذ الواو تدل على الجمعية، والالف على التثنية، والياء على النسبة، وحروف المضارعة، على معنى في المضارع وعلى حال الفاعل أيضا. وكذا تاء التأنيث في " قائمة "، والتنوين، ولام التعريف، وألفا التأنيث، فيجب أن يكون لفظ كل واحد منها مركبا، وكذا المعنى فلا يكون كلمة، بل كلمتين (3).
(1) هو مجرد تمثيل بكلمتين مفردتين حقيقة. (2) تقدمت الاشارة إلى ذلك قريبا. (3) تقديره بل يكون كلمتين. (*)
[ 26 ]
فالجواب أن جميع ما ذكرت كلمتان، صارتا من شدة الامتزاج ككلمة واحدة، فأعرب المركب إعراب الكلمة، وذلك لعدم استقلال الحروف المتصلة في الكلم المذكورة، وكذلك الحركات الاعرابية. ولمعاملتها معاملة الكلمة الواحدة سكن أول أجزاء الفعل في المضارع، وغير الاسم المنسوب إليه نحو: نمري وعلوي ووشوي ونحو ذلك، فتغيرت بالحرفين (1) بنية المنسوب
إليه والمضارع وصارتا من تمام بنية الكلمة. وأما سكون لام الكلمة بلحوق التاء في نحو ضربت، فلا يوجب تغيير البينة، إذ لا تعتبر حركة اللام وسكونها في البنية، كما يجئ في أول التصريف إن شاء الله تعالى (2). أما الفعل الماضي نحو ضرب ففيه نظر، لانه كلمة بلا خلاف، مع أن الحدث مدلول حروفه المترتبة، والاخبار عن حصول لذلك الحدث في الزمن الماضي، مدلول وزنه الطارئ على حروفه والوزن جزء اللفظ، إذ هو عبارة عن عدد الحروف مع مجموع الحركات والسكنات الموضوعة وضعا معينا. والحركات مما يتلفظ به، فهو - إذن - كلمة مركبة من جزأين يدل كل واحد منهما على جزء معناه، وكذا نحو أسد، في جمع أسد، وكذا المصغر، ونحو رجال ومساجد، ونحو ضارب ومضرب، لان الدال على معنى التصغير والجمع والفاعل والمفعول والالة في الامثلة المذكورة: الحركات الطارئة مع الحرف الزائد، ولا يصح أن ندعي ههنا أن الوزن الطارئ كلمة صارت بالتركيب كجزء كلمة، كما ادعينا في الكلم المتقدمة، وكما يصح أن ندعي في الحركات الاعرابية، فالاعتراض بهذه الكلم اعتراض وارد، إلا أن نقيد تفسير اللفظ المركب فنقول: هو ما يدل جزؤه على جزء معناه وأحد الجزأين متعقب للاخر (3) وفي هذه الكلم المذكورة: الجزآن مسموعان معا.
(1) يريد ياء النسب وحرف المضارعة. (2) في اول شرح المؤلف على الشافية لابن الحاجب. (3) متعقب للاخر: أي حاصل بعده، كما يدل عليه قوله في مقابله: وفي هذه الكلم: الجزآن مسموعان معا. (*)
[ 27 ]
اقسام الكلمة قال ابن الحاجب: " وهي اسم وفعل وحرف "
قال الرضى: إنما قدم الاسم على الفعل والحرف، لحصول الكلام من نوعه دون أخويه، نحو: زيد قائم، والمقصود من معرفة الكلم الكلام والاحوال التي تعرض له من الاعراب وغيره. ثم قدم الفعل على الحرف، لانه، وإن لم يتات من الفعلين كلام كما تاتي من الاسمين، لكنه يكون أحد جزاي الكلام، نحو ضرب زيد، بخلاف الحرف، فانه لا يتاتي منه ومن كلمة أخرى كلام. فان قيل: يجب أن تكون الكلمة هذه الثلاثة معا، لان الواو للجمع، فيكون نحو: أذهب زيد، ونحو مر بزيد، كلمة، لانه اسم وفعل وحرف. فالجواب أنه كان يلزم ما قلت لو كان هذا قسمة الشئ إلى أجزائه كما تقول: السكنجبين (1) خل وعسل، وما ذكره قسمة الشئ إلى جزئياته نحو قولك الحيوان إنسان
(1) السكنجبين كلمة اعجمية معناها الشراب المتخذ من حامض وحلو، ومثل لهما المؤلف بالخل والعسل. (*)
[ 28 ]
وفرس وبقر وغير ذلك، ونريد بالجزئي ما يدخل تحت كلي، ويصح كون الكلي خبرا عنه، نحو: الانسان حيوان، وقولهم: الواو للجمع لا يريدون به أن المعطوف والمعطوف عليه يجتمعان معا في حالة واحدة، كما يجئ في باب حروف العطف، بل المراد أنهما يجتمعان في كونهما محكوما عليهما، كما في: جاءني زيد وعمرو أو في كونهما حكمين على شئ نحو: زيد قائم وقاعد، أو في حصول مضمونيهما، نحو: قام زيد وقعد عمرو، بخلاف " أو " فإنها في الاصل لحصول أحد الشيئين، فلو قال: الكلمة اسم أو فعل أو حرف لكان المعنى: الكلمة أحد الثلاثة دون الباقين. بلى، ان أريد الحصر مع " أو " قدم " إما " على المعطوف عليه نحو: الكلمة إما اسم أو فعل أو حرف، فتكون القضية مانعة الجمع والخلو، كما هو المذكور في مظانه. وكذا كان ينبغي أن يذكره المصنف لان مقصوده الحصر بدليل قوله: " لانها اما أن تدل.. " (1).
فإن قيل: إنك حكمت على الفعل والحرف أن كل واحد منهما كلمة، والكلمة اسم، فيجب أن يكونا اسمين. قلت: إن أردت بقولك إن الكلمة اسم: أن لفظها اسم لدخول علامة الاسماء كاللام والتنوين عليها، فهو مغالطة لان معنى كلامك، إذن، أن الفعل كلمة من حيث المعنى. ولفظ الكلمة اسم، وهذا لا ينتج أن الفعل اسم، لعدم اتحاد الوسط، وكذا ان أردت به أن لفظ (2) معنى الكلمة اسم، لانها لفظ دال على معنى مفرد، وكل لفظ هكذا: اسم، لانه يصح الاخبار عنه ولو بأنه دال على معنى مفرد كما تقول: ضرب دال على معنى مفرد، أو تقول: ضرب فعل ماض، فنقول: هذا أيضا مغالطة، لان معنى كلامك، وهو أن الفعل كلمة، وكل كلمة اسم: ان الفعل لفظ وضع لمعنى مفرد إذا اريد بذلك اللفظ معناه
(1) فيما يأتي قريبا تحت عنوان: دليل انحصار الكلمة. (2) هكذا جاءت هذه العبارة في النسخة المطبوعة، ولعله يريد: ان كلمة لفظ (التي جاءت في تفسير الكلمة بأنها لفظ وضع.. الخ) اسم والله أعلم ؟ (*)
[ 29 ]
الموضوع هوله، كما في، صرب زيد، وكل لفظ هكذا: اسم إذا أريد به مجرد اللفظ، كما في قولك: ضرب فعل ماض، وهذا لا ينتج أن الفع لاسم لعدم اتحاد الوسط. فإن قيل: فإذا كان نحو " من " و " ضرب " في قولك: من حرف جر، وضرب فعل ماض، اسمين، فكيف أخبرت عنهما بأن الاول حرف والثاني، فعل وهل هذا إلا تناقض ؟ قلت: لم نرد أن " من " في هذا التركيب حرف، و " ضرب " فعل، بل المعنى أن " من " إذا استعمل في المعني الذي وضع له أولا نحو: خرجت من الكوفة: حرف، وكذا ضرب فعل ماض في نحو: ضرب زيد. ومثله إذا قلت مدلول الفعل لا يخبر عنه، فإنك أخبرت عن قولك: مدلول الفعل،
بقولك: لا يخبر عنه، لان المراد: مدلول الفعل إذا كان تحت لفظ الفعل، لا يخبر عنه وقولك مدلول الفعل ليس كذا. وكذا قولك: الفعل لا يسند إليه، أي الفعل إذا كان بلفظه، نحو: ضرب زيد وقصدت معناه الموضوع هو له. وكذا قولهم: المجهول مطلقا لا يحكم عليه، أي الشئ الذي لا شعور به أصلا لا يحكم عليه، ولفظ المجهول مطلقا، مشعور بمعناه إذ هو: ما لا نعرفه. ففي جميع ذلك مبتدآن: أحدهما محكوم عليه بشئ، وهو المذكور في لفظك، والاخر محكوم عليه بنقيض ذلك وهو المكنى بلفظك عنه. فلا يلزم التناقض لان التناقض لا يكون إلا مع اتحاد الموضوعين (1).
(1) في هذا البحث علق السيد الجرجاني في النسخة المطبوعة وناقش الرضى مناقشة طويلة في الالفاظ عند الحكم عليها وفيما اشتهر من أن الالفاظ حينئذ كلها أسماء وقال إن هذا أمر ظاهري. وللرضى في باب العلم حديث طويل في هذا الموضوع. (*)
[ 30 ]
دليل انحصار الكلمة في الاقسام المذكورة قال ابن الحاجب: " لانها اما أن تدل على معنى في نفسها، أو، لا، " " الثاني الحرف، والاول إما أن يقترن بأحد الازمنة " " الثلاثة، أو، لا، الثاني الاسم، والاول الفعل، " " وقد علم بذلك حد كل واحد منها ". قال الرضي: اعلم أن اسم " أن " ضمير الكلمة والمضاف محذوف، إما من الاسم أو من الخبر،
أي لان حالها إما دلالة، أو لانها ذات دلالة (1). ويجوز أن يكون " أن تدل " مبتدأ محذوف الخبر، أي دلالتها ثابتة، ومثله قولك: زيد اما أن يسافر أو يقيم. واللام في قوله " لانها " متعلق بما دل عليه قوله " وهي اسم وفعل وحرف "، إذ المعني: الكلمة محصورة في هذه الاقسام، واستدل على الحصر بأن قال: هذا اللفظ الدال على معنى مفرد، أعني الكلمة إما أن يدل على معنى في نفسه أو على معنى لا في نفسه: الثاني الحرف أعني: الكلمة الدالة على معنى لا في نفسها، والاول، أي الكلمة الدالة على معنى في نفسها، إما أن تقترن بأحد الازمنة الثلاثة، أو، لا، الثاني، الاسم، أي الكلمة الدالة على معنى في نفسها غير مقترن بأحد الازمنة الثلاثة، والاول الفعل، أي الكلمة الدالة على معنى في نفسها مقترن بأحد الازمنة الثلاثة. فهذه قسمة دائرة بين النفي والاثبات فتكون حاصرة، أي لا يمكن الزيادة فيها ولا النقصان.
(1) المناسب لما قبله أن يقول: أو: لانها إما ذات دلالة (*).
[ 31 ]
فتبين بدليل الحصر حد كل واحد من الاقسام، لانه ذكر فيه جنس كل واحد وفصله كما بينا، والمركب من الجنس والفصل هو الحد. الكلام معناه وكيفية تركيبه قال ابن الحاجب: " الكلام ما تضمن كلمتين بالاسناد، ولا يتأتي ذلك إلا في اسمين، أو في فعل واسم " قال الرضي: إنما قدم حد الكلمة على حد الكلام مع أن المقصود الاهم من علم النحو: معرفة الاعراب الحاصل في الكلام بسبب العقد والتركيب، لتوقف (1) الكلام على الكلمة توقف
المركب على جزئه. ويعني بتضمنه الكلمتين: تركبه منهما وكونهما جزأيه، وذلك من دلالة المركب على كل جزء من أجزائه دلالة تضمن. وجزءا الكلام يكونان ملفوظين، كزيد قائم، وقام زيد، ومقدرين كنعم في جواب من قال: أزيد قائم، أو، أقام زيد، أو أحدهما دون الاخر وهو إما الفعل، كما في: إن زيد قام أو الفاعل كما في: زيد قام أو المبتدأ، أو الخبر كما في قوله تعالى: " فصبر جميل " (2). والمراد بالاسناد أن يخبر في الحال أو في الاصل بكلمة أو أكثر عن أخرى، على أن يكون المخبر عنه أهم ما يخبر عنه بذلك الخبر في الذكر وأخص به. فقولنا أن يخبر، احتراز عن النسبة الاضافية، وعن التي بين التوابع ومتبوعاتها.
(1) تعليل لقوله: إنما قدم حد الاسم. (2) الاية 18 من سورة يوسف. (*)
[ 32 ]
وقولنا في الحال، كما في: قام زيد، وزيد قائم، وقولنا: أو في الاصل ليشمل الاسناد الذي في الكلام الانشائي، نحو: بعت، وأنت حر، وفي الطلبي نحو: هل أنت قائم، وليتك، أو لعلك قائم، وكذا نحو اضرب، لانه مأخوذ من: تضرب، بالاتفاق، وقياسه: لتضرب، بزيادة حرف الطلب قياسا على سائر الجمل الطلبية، فخفف بحذف اللام وحذف حرف المضارعة لكثرة الاستعمال، بدلالة قولك فيما لم يسم فاعله: لتضرب، وفي الغائب: ليضرب، وفي المتكلم: لاضرب، ولنضرب، لما قل استعمالها. وقولنا بكلمة، كما في: زيد قائم، وقولنا أو أكثر، ليعم نحو: زيد أبوه قائم، وزيد قام أبوه، فكان على المصنف أن يقول: كلمتين أو أكثر، وليس له أن يقول: الاصل في الخبر الافراد، لانه لا دليل عليه، ويجئ فيه مزيد بحث (1)، إن شاء الله تعالى. وقولنا: على أن يكون المخبر عنه أهم ما يخبر عنه... احتراز عن كون الفعل خبرا (2)،
أيضا، عن واحد من المنصوبات في نحو: ضرب زيد عمرا أمامك يوم الجمعة ضربة،، وضرب زيد يوم الجمعة أمامك ضربة، فإن المرفوع في الموضعين أخص بالفعل، وأهم بالذكر من المنصوبات، كما يجئ في باب المصدر، وكان على المصنف أن يقول: بالاسناد الاصلي المقصود ما تركب به لذاته، ليخرج بالاصلي اسناد المصدر واسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والظرف، فإنها مع ما أسندت إليه ليست بكلام، وأما نحو: أقائم الزيدان، فلكونه بمنزلة الفعل وبمعناه، كما في أسماء الافعال، وليخرج بقوله: المقصود ما تركب به لذاته: الاسناد الذي في خبر المبتدأ في الحال أو في الاصل، وفي الصفة والحال، والمضاف إليه إذا كانت كلها جملا، والاسناد الذي في الصلة، والذي في الجملة القسمية، لانها لتوكيد جواب القسم، والذي
(1) يأتي ذلك في باب المبتدأ والخبر. (2) يريد بكون الفعل خبرا عن أحد المنصوبات أنه حديث عنه وأن له تعلقا به، وليس المراد معنى الخبر الاصطلاحي. (*)
[ 33 ]
في الشرطية لانها قيد في الجزاء، فجزاء الشرط وجواب القسم كلامان (1) بخلاف الجملة الشرطية والقسمية. والفرق بين الجملة والكلام، أن الجملة ما تضمن الاسناد الاصلي سواء كانت مقصودة لذاتها أو، لا، كالجملة التي هي خبر المبتدأ وسائر ما ذكر من الجمل، فيخرج المصدر، وأسماء الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والظرف مع ما أسندت إليه. والكلام ما تضمن الاسناد الاصلي وكان مقصودا لذاته، فكل كلام جملة ولا ينعكس. وإنما قال بالاسناد ولم يقل بالاخبار، لانه أعم، إذ يشمل النسبة التي في الكلام الخبري والطلبي والانشائي، كما ذكرنا. واحترز بقوله " بالاسناد " عن بعض ما ركب من اسمين كالمضاف والمضاف إليه، والتابع ومتبوعه، وبعض المركب من الفعل والاسم، نحو: ضربك، وعن جميع الانواع
الاربعة الاخر من التركيبات الثنائية الممكنة بين الكلم الثلاث، وهي: اسم مع حرف، وفعل مع فعل، أو حرف، وحرف مع حرف. وذلك لان أحد أجزاء الكلام هو الحكم، أي الاسناد الذي هو رابطة، ولا بد له من طرفين: مسند، ومسند إليه، والاسم بحسب الوضع يصلح لان يكون مسندا، ومسندا إليه، والفعل يصلح لكونه مسندا لا مسندا إليه، والحرف لا يصلح لاحدهما. والتركيب العقلي الثنائي بين الثلاثة الاشياء (2)، أعني الاسم والفعل والحرف لا يعدو
(1) ناقش السيد الجرجاني دعوى الرضى بأن جملة الجزاء كلام، وقال ان المعروف أن الكلام هو مجموع الشرط والجزاء وسيأتي رأي الرضى بتفصيل أكثر في قسم الافعال عند الكلام على الشرط والجزاء ! (2) جرى الرضى في تعبيره هذا على مذهب الكوفيين، إذ يجيزون في مثله تعريف الجزأين، والبصريون يقتصرون على تعريف المضاف إليه، نحو ثلاث الاثافي وخمسة الاشبار، وقد يستعمل مذهب البصريين، وقد ناقش المذهبين في بابي الاضافة والعدد. (*)
[ 34 ]
ستة أقسام: الاسمان، والاسم مع الفعل أو الحرف والفعل مع الفعل أو الحرف، والحرفان. فالاسمان يكونان كلاما، لكون أحدهما مسندا والاخر مسندا إليه، وكذا الاسم مع الفعل لكون الفعل مسندا والاسم مسندا إليه. والاسم مع الحرف لا يكون كلاما، إذ لو جعلت الاسم مسندا فلا مسند إليه، ولو جعلته مسندا إليه فلا مسند، وأما نحو: يا زيد، فسد " يا " مسد " دعوت " الانشائي (1). والفعل مع الفعل أو الحرف لا يكون كلاما لعدم المسند إليه، وأما الحرف مع الحرف فلا مسند فيهما ولا مسند إليه. فظهر بهذا معنى قوله " ولا يتأتى " أي: لا يتيسر الاسناد إلا في اسمين، أو فعل واسم، والباء في قوله " بالاسناد " للاستعانة أي تركب من كلمتين بهذا الرابط، أو بمعنى " مع " أي مع هذا الرابط.
(1) رجح الرضى تقدير حرف النداء بدعوت: مرادا به الانشاء، قال لان الجمل الفعلية المستعملة في الانشاء أكثرها بلفظ الماضي. (*)
[ 35 ]
الكلام على الاسم تعريفه قال ابن الحاجب: " الاسم ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الازمنة الثلاثة ". قال الرضى: لم يقتصر على ما تقدم، مع قوله " وقد علم بذلك حد كل واحد منها "، لانه أراد أن يصرح بحد كل واحد من الاقسام في أول صنفه، والذي تقدم لم يكن حدا مصرحا به، ولا المقصود منه الحد، بل كان المراد منه الدليل على الحصر، قوله " مادل " أي كلمة دلت، وإلا ورد عليه الخط والعقد والنصبة والاشارة، وإنما أورد لفظة " ما " مع احتمالها للكلمة وغيرها اعتمادا على ما ذكره قبل من كون الاسم أحد أقسام الكلمة في قوله " وهي اسم وفعل وحرف "، فكل اسم كلمة، لان الكلمة كلي، والاسم جزئي لها، وقوله " في نفسه " الجار والمجرور، مجرور المحل صفة لقوله " معني " والضمير البارز في " نفسه " لما، التي المراد منها الكلمة (1). كما أن الضمير في قوله قبل
(1) جملة المراد منها الكلمة: صلة الموصول (التي). (*)
[ 36 ]
" على معنى في نفسها " للكلمة. وقال المصنف (1): أن الضمير في قولهم: ما دل على معنى في نفسه، وقولهم: في غيره راجع إلى " معنى "، وأن معنى: ما دل على معنى في نفسه، أي لا باعتبار غيره، كقولهم: الدار قيمتها في نفسها كذا، أي باعتبار نفسها لا باعتبار كونها في وسط البلد أو غير ذلك.
وفيه نظر، لان قولهم في حد الحرف: على معنى في غيره نقيض قولهم على معنى في نفسه، ولا يقال في مقابلة قولك قيمة الدار في نفسها كذا: قيمة الدار في غيرها كذا، بل يقال: لا في نفسها. ومعنى الكلام على ما اخترنا، أعني جعل " في نفسه " صفة لمعنى والضمير لما: الاسم (2). كلمة دلت على معنى ثابت في نفس تلك الكلمة، والحرف كلمة دلت على معنى ثابت في لفظ غيرها، فغير، صفة للفظ، وقد يكون اللفظ الذي فيه معنى الحرف مفردا، كالمعرف باللام، والمنكر بتنوين التنكير، وقد يكون جملة، كما في: هل زيد قائم، لان الاستفهام معنى في الجملة، إذ قيام زيد مستفهم عنه، وكذا النفي في: ما قام زيد، إذ قيام زيد منفي، فالحرف موجد لمعناه في لفظ غيره، إما مقدم عليه كما في نحو بصري، أو مؤخر عنه، كما في " الرجل "، والاكثر أن يكون معني الحرف مضمون ذلك اللفظ، فيكون متضمنا للمعنى الذي أحدث (3) فيه الحرف مع دلالته على معناه الاصلي، إلا أن هذا تضمن معنى لم يدل عليه لفظ المتضمن كما كان لفظ البيت متضمنا لمعنى الجدار ودالا عليه، بل الدال على المضمون فيما نحن فيه لفظ آخر مقترن بالمتضمن، فرجل، في قولك: الرجل، متضمن لمعنى التعريف الذي أحدث فيه اللام المقترن به، وكذا: ضرب زيد، في: هل ضرب زيد، متضمن لمعنى الاستفهام، إذ ضرب زيد، مستفهم عنه،
(1) أي ابن الحاجب، وقوله هذا في شرحه على المفصل للزمخشري واسمه الايضاح، وقد أورد الجرجاني في تعليقاته هذا الرأي وشرحه، ورد على النظر الذي سيذكره الرضى. (2) خبر عن قوله: ومعنى الكلام على ما اخترنا.. الخ. (3) أي الذي أحدثه فيه الحرف، وحذف العائد في مثله قياسي وكثير، وسيتكرر مثله. (*)
[ 37 ]
ولابد في المستفهم عنه من معنى الاستفهام، وموجدة فيه " هل "، وقد يكون معنى الحرف ما دل عليه غيره مطابقة، وذلك إذا كان ذلك الغير (1) لازم الاضمار كما دل همزة " أضرب "
ونون " نضرب " على معنى الضميرين اللازم اضمارهما، وقد يكون الحرف دالا على معنيين كل منهما في كلمة (2)، كحروف المضارعة الدالة على معنى في الفعل ومعنى في الفاعل. والاغلب في معنى الحرف أن يكون معنى الاسماء الدالة على المعاني دون الاعيان، وقد تكون دالة على العين أيضا، كالهمزة في " أضرب " ونون " نضرب " وتاء " تضرب " في خطاب المذكر، فإنها تفيد معاني الفاعلين بعد الافعال. ثم نقول: إن معنى " من " الابتداء، فمعنى " من " ومعنى لفظ الابتداء سواء، إلا أن الفرق بينهما أن الفظ الابتداء ليس مدلوله مضمون لفظ آخر، بل مدلوله معناه الذي في نفسه مطابقة، ومعني " من " مضمون لفظ آخر ينضاف ذلك المضمون إلى معنى ذلك اللفظ الاصلي، فلهذا جاز الاخبار عن لفظ الابتداء، نحو: الابتداء خير من الانتهاء، ولم يجز الاخبار عن " من " لان الابتداء الذي هو مدلولها في لفظ آخر، فكيف يخبر عن لفظ ليس معناه فيه ؟ بل في لفظ غيره، وإنما يخبر عن الشئ باعتبار المعنى الذي في نفسه مطابقة، فالحرف وحده لا معنى له أصلا، إذ هو كالعلم المنصوب بجنب شئ ليدل على أن في ذلك الشئ فائدة، فإذا انفرد عن ذلك الشئ بقي غير دال على معنى أصلا. فظهر بهذا أن المعنى الافرادي للاسم والفعل في أنفسهما، وللحرف في غيره، ولا يصح الاعتراض على حد الحرف بالصفات، وذلك بأن يقال: إن لفظ (3) طويل، مثلا،
(1) كلمة " غير " ملازمة للاضافة لفظا أو تقديرا، وهي متوغلة في الابهام فلا تتعرف، حتى مع الاضافة ومنعوا دخول حرف التعريف عليها، بعض الباحثين يبرر ذلك بأن " ال " تكون فيها حينئذ، عوضا عن المضاف إليه، وهو غير متفق عليه، ولا هو ممكن في كل موضع. (2) المراد أن المعنيين اللذين يدل عليهما الحرف هما معا في كلمة واحدة كما مثل، وتعبيره لا يساعد على فهم هذا المراد، وربما كانت محرفة عن: كلاهما. (3) في النسخة المطبوعة: ان معنى طويل، ولا يستقيم الكلام إلا باصلاحها إلى: لفظ طويل وذلك يظهر بالتأمل في سياق الكلام. (*)
[ 38 ]
في جاءني رجل طويل، موجد لمعناه أي الطول في موصوفه، حتى صار الموصوف متضمنا له. وذلك أن معنى طويل: ذو طول، فهو دال على معنيين أحدهما قائم بالاخر، إذ الطول قائم بذو فمعناه: الطول وصاحبه، لا مجرد الطول الذي في " رجل " وإنما ذكر الموصوف قبله ليعين ذلك الصاحب الذي دل عليه طويل، وقام به الطول لا ليقوم به الطول. واما قولهم: النعت دال على معنى في متبوعه فلكون المتبوع معينا لذلك الذي قام به المعنى ومخصصا له وكونه اياه، بل المصدر في قولك: ضرب زيد مفيد لمعنى في لفظ غيره، أعني ضاربية زيد، لكنهم احترزوا عن مثله بقولهم " دل "، أي دل بالوضع، ولم يوضع المصدر ليفيد في لفظ غيره معنى، إذ يصح أن يقال: الضرب شديد، ولا يذكر الضارب، ولا يخرج بذلك عن الوضع. ويصح أن يعترض عليه (1) بالافعال، فإن " ضرب " وضع ليدل على ضاربية ما ارتفع به، ولا يندفع هذا الاعتراض إلا بما قال بعضهم: الحرف ما لا يدل إلا على معنى في غيره، فإن " ضرب " مفيد في نفسه الاخبار عن وقوع ضرب، وفي فاعله عن ضاربيته، بخلاف " من " فإنه لا يفيد إلا معنى الابتداء في غيره. قوله " غير مقترن " صفة بعد صفة لقوله " معنى "، ويتبين معنى قوله " غير مقترن " ببيان قوله في حد الفعل " هو ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الازمنة الثلاثة " أي على معنى واقع في أحد الازمنة الثلاثة معينا، بحيث يكون ذلك الزمان المعين أيضا مدلول اللفظ الدال على ذلك المعنى بوضعه له أولا، فيكون الظرف والمظروف مدلول لفظ واحد بالوضع الاصلي، فيخرج عن حد الفعل نحو اضرب والقتل، وإن وجب وقوعه في أحد الازمنة الثلاثة معينا في نفس الامر، لان ذلك المعين لا يدل عليه لفظ المصدر.
(1) أي على حد الحرف وهو قولهم ما دل على معنى في غيره. (*)
[ 39 ]
ويخرج نحو: الصبوح والغبوق، والقيلولة، والسرى، لان اللفظ وإن دل على زمان لكنه ليس أحد الازمنة الثلاثة، أي الماضي والحال والمستقبل. وكذا يخرج نحو: خلق السموات، وقيام الساعة، لانه، وإن اقترن الحدثان (1) كل واحد منهما بأحد الازمنة معينا عند السامع، لكن لا بدلالة اللفظ عليه وضعا. ويخرج أيضا اسما الفاعل عند اعمالهما، لانهما وإن كانا لا يعملان عندهم إلا مع اشتراط الحال أو الاستقبال، إلا أن ذلك الزمان مدلول عملهما العارض، لامدلولهما وضعا. وكذا يخرج أسماء الافعال، لان ذلك فيها ليس بالوضع الاول، بل بالوضع الثاني، كما يجئ في بابها. ويدخل فيه المضارع، لانه دال على أحد الازمنة الثلاثة بالوضع. إن قلنا إنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال، وكذا إن قلنا أيضا، باشتراكه في الحال والاستقبال، لان اللفظ المشترك في معنيين، حقيقة فيهما، موضوع لكل واحد منهما، فهو في أصل الوضع لاحد الازمنة الثلاثة معينا، وكذا في الاستعمال، والتباس ذلك المعين على السامع لا يخل بكونه لاحدهما معينا. وكذا تدخل الافعال الانشائية لعروض الانشاء، وكون الفعل لاحدهما معينا في الوضع، سواء كان الانشاء العارض لازما، كما في " عسى " أو غير لازم، كما في " بعت، واشتريت ". ولا يدخل في هذا الحد لفظ الماضي، والمستقبل، والحال، إذا أريد به الفعل الذي مضى، والفعل الاتي، والفعل الحالي، لان لفظ الماضي ليس موضوعا للحدث الكائن
(1) المراد: وان اقترن حدوث كل واحد.. فاستعمل المصدر المعرف بأل، واعماله قليل، ومقتضى ذلك أن تقرأ كلمة " كل " بعده بالرفع، على انها فاعل للمصدر. (*)
[ 40 ]
فيما مضى من الزمان، بل لكل ماض في الزمان أو في المكان، نحو: مضي في الارض وكذا المستقبل والحال. والاولى أن يقال: الفعل الفعل ما دل على معنى في نفسه مقترن بزمان من حيث الوزن، حتى لا يرد مثل هذا من الاصل، ولا يرد، أيضا، مثل الصبوح والغبوق والسرى، ولا الاسم الموضوع دالا بتركيبه على أحد الازمنة الثلاثة، كالغبور، مثلا، بمعنى كون الشئ في الماضي، أو في المستقبل، فان دلالته عل أحد الازمنة الثلاثة بالحروف المرتبة لا بالوزن، ومن ثمة تبقى هذه الدلالة مع تغير الوزن كالغابر، وغبر يغبر، والحق أنه بمعنى الماضي، أو البقاء في المكان أو الزمان، قال الله تعالى: " كانت من الغابرين " (1). وإنما لم يفسر قوله: الازمنة الثلاثة لشهرتها في الماضي والمستقبل والحال، والحق أن مثل هذا الاهمال لا يحسن في الحدود، وكذا لفظ الاقتران مهمل غير ظاهر فيما ذكرنا من تفسيره، ولا يورد في الحدود إلا الالفاظ الصريحة المشهورة في المعنى المقصود بها. إن قيل: إن ضمير الغائب، والاسماء الموصولة، وكاف التشبيه الاسمية وكم الخبرية، وأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، خارجة عن حد الاسم بقوله " في نفسه ". فالجواب: أن الضمير المذكور والاسماء الموصولة، وإن احتاجا ضرورة إلى لفظ آخر، لكن لا ليفيدا معناهما الذي هو الشئ المبهم ويحدثاه في ذلك اللفظ، فإن لفظة " الذي مثلا، تفيد معناها الذي هو الشئ المبهم في نفسها لا في صلتها، وإنما تحتاج إلى صلتها لكشف ذلك الابهام ورفعه منها، لا لاثبات ذلك الابهام في الصلة. وكذا ضمير الغائب، فهما مبهمان، لكن اشترط فيهما من حيث الوضع أنه لا بد لهما من معين مخصص، فلذا عدا من المعارف. وكذا اسم الاشارة، إلا أنه كثيرا ما يكتفي بقرينة غير لفظية للتخصيص، وأما الكاف
(1) الاية 83 من سورة الاعراف. (*)
[ 41 ]
الاسمية فمعناها المثل، بخلاف الحرفية، فإن معناها التشبيه الحاصل في لفظ آخر، وكذا معنى " كم " كثير، لا الكثرة التي هي معنى فيما بعدها، بخلاف " رب " (1) عند من قال بحرفيتها، فان معناها القلة في مجرورها، وإنما وجب القول بهذا في " رب " و " كم " والكافين: الاسمية والحرفية، صونا لحدي الاسم والحرف عن الاعتراض، ولولا ذلك لكان الفرق بين الكافين وبين " رب " و " كم " بما فرقنا تحكما، لكن لما ثبت اسمية " كم " بدخول علامات الاسماء عليها، ولم يثبت مثله في " رب " وكذا في الكافين اضطررنا إلى الفرق بينهما من حيث المعنى ليسلم الحدان. وأما اسم الاستفهام واسم الشرط فكل واحد منهما يدل على معنى في نفسه وعلى معنى في غيره، نحو قولك: أيهم ضربت ؟، وأيهم تضرب أضرب، فإن الاستفهام متعلق بمضمون الكلام، إذ تعيين مضروب المخاطب مستفهم عنه، ومعنى الشرط موجود في الشرط والجزاء، و " أي " في الموضعين دال على ذات أيضا، وهي ليست معنى فيما بعدها فسلم حد الاسم. ويجوز الجواب عنه بما قال سيبويه (2): إن حرفي الاستفهام والشرط أعني الهمزة و " إن " حذفتا وجوبا قبل مثل هذا الاسم لكثرة الاستعمال، فكان الاصل: أأيهم ضربت و: إن أيهم تضرب أضرب، ثم تضمن " أي " معنى الاستفهام والشرط، فالمعنيان عارضان فيها وإن كانا لازمين، وكذا ما سوي " أي " من أسماء الاستفهام والشرط، نحو: من تضرب ؟ أي: أمن تضرب ؟ و " من " بمعني " أي " في التعيين في الاستفهام، وكذا:
(1) من النحويين من يرى أن " رب " اسم مثل كم الخبرية، وسيذكر الشارح ذلك في الكلام عليها في باب حروف الجر، وهو يميل إلى القول بأنها اسم، سيبويه هو شيخ النحاة وإمام البصريين، وصاحب الكتاب الذي أصبح علما بالغلبة عند النحويين، واسمه عمرو بن عثمان وكنيته أبو بشر، توفي في أرجح الاقوال سنة 180 ه.
ونحن في تعليقاتنا على هذا الكتاب لن نتعرض لمن يرد اسمهم من العلماء وغيرهم إلا عند ذكره لاول مرة، فما أكثر من ذكرهم الرضى من أئمة النحو بأسمائهم، وربما أعدنا الحديث عن بعض من يقل ذكرهم.. ولولا هذا لاضفنا إلى هذا الشرح مثل حجمه أو أكثر. (*)
[ 42 ]
من تضرب أضرب، أي: إن من تضرب أضرب، فجميع أسماء الاستفهام والشرط، بمعني " أي " الشرطية والاستفهامية. هذا، ولو قلنا: الحرف ما لا يدل إلى على معنى في غيره لم يرد عليه الاعتراض بمثلها، وبالكاف، ورب، وكم.
[ 43 ]
خواص الاسم قال ابن الحاجب: " ومن خواصه دخول اللام، والجر، والتنوين والاسناد إليه، والاضافة ". قال الرضى: الفرق بين الحد والخاصة، أن الحد مطرد ومنعكس، والخاصة مطردة غير منعكسة، والمراد بالاطراد أن تضيف لفظ كل إلى الحد فتجعله مبتدأ وتجعل المحدود خبره، كقولك في قولنا الاسم ما دل على معنى في نفسه غير مقترن: كل ما دل على معنى في نفسه غير مقترن فهو اسم. وكذا تقول في الخاصة: كل ما دخله لام التعريف فهو اسم. والمراد بالعكس عند النحاة أن تجعل مكان هذين نقيضيهما فتقول: كل ما لم يدل على معنى في نفسه غير مقترن فليس باسم، ولا يصح أن تقول في الخاصة: كل ما لم يدخله لام التعريف فليس باسم. وقد يقال: العكس أن يجعل المبتدأ خبرا والخبر مبتدأ مع بقاء النفي والايجاب بحاله،
وهذه عبارة المنطقيين، فتطرد قضية الحد والمحدود كلية مع جعل المحدود موضوعا، نحو: كل اسم: دال على معنى في نفسه غير مقترن، وتنعكس كلية نحو: كل دال على معنى في نفسه غير مقترن: اسم.
[ 44 ]
وقضية الخاصة تنعكس كلية ولا تطرد كذا، نحو: كل ما دخله اللام: اسم، ولا يقال: كل اسم: يدخله اللام. قوله " دخول اللام "، أي لام التعريف الحرفية بخلاف لام الموصول في نحو: الضارب والمضروب فانها لا تدخل إلا على فعل في صورة الاسم، كما يجئ في الموصولات، وبخلاف سائر اللامات كلام الابتداء ولام جواب " لو "، وغير ذلك. وإنما اختصت لام التعريف بالاسم، لكونها موضوعة لتعيين الذات المدلول عليها مطابقة في نفس الدال، والفعل لا يدل على الذات إلا ضمنا، والحرف مدلوله في غيره لا في نفسه. وأما قول الشاعر: 1 - يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا * إلى ربنا صوت الحمار اليجدع (1) فليست اللام فيه للتعريف، بل هي اسم موصول دخل على صريح الفعل لمشابهته لاسم المفعول، وهو مع ذلك شاذ قبيح لا يجي إلا في ضرورة الشعر. وإنما اختص الجر بالاسم، لانهم قصدوا أن يوفوا الاسم لاصالته في الاعراب، حركاته الثلاث، وينقصوا من المضارع الذي هو فرعه واحدا منها، فنقصوه ما لا يكون معمول الفعل وهو الجر وأعطوه ما يكون معموله وهو الرفع والنصب.
(1) البيت، كما قال البغدادي في خزانة الادب: لذي الخرق الطهوي، من أبيات يرد بها على أبي مذعور: طارق بن ديسق الثعلبي (من بني ثعلبة) وأول هذه الابيات: أتاني وعيد الثعلبي ابن ديسق * ففي أي هذا ويله يتترع
وذكر البغدادي خلافا في اسم ذي الخرق وفي أنه جاهلي. وموضوع الاستشهاد بينه الشارح، وفي شعر ذي الخرق المشار إليه ورد شاهد آخر على مثل ذلك وهو قوله: فيستخرج اليربوع من نافقائه * ومن حجره بالشيخة اليتقصع (*)
[ 45 ]
وأما التنوين، فاختص من جملة أقسامها الخمسة (1) بالاسم، ما ليس للترنم، فهي إذن، أربعة أقسام: أحدها للتنكير، نحو: صه، ومه، ودج (2)، وسيبويه (3)، قيل: ويختص بالصوت واسم الفعل، وأما التنوين في نحو: رب أحمد، وابراهيم، فليس يتمحض للتنكير، بل هو للتمكن أيضا، لان الاسم ينصرف، وأنا لا أرى منعا من أن يكون تنوين واحد للتمكن والتنكير معا، فرب حرف يفيد فائدتين، كالالف، والواو، في مسلمان، ومسلمون فنقول: التنوين في: رجل، يفيد التنكير أيضا، فإذا سميت بالاسم تمحضت للتمكن. وإنما اختص تنوين التنكير بالاسماء لمثل ما ذكرنا في لام التعريف. وثانيها للتمكن، ومعناه كون الاسم معربا، فلا يمكن إلا في الاسم، وإنما لم يجعل لاعراب المضارع علامة لعروضه. وإنما حذفت علامة الاعراب من غير المنصرف مع كونه معربا، لمشابهته للفعل الذي الذي أصله البناء. وثالثها للتعويض عن المضاف إليه، كحينئذ، ومررت بكل قائما، وسيجئ أن المضاف لا يكون إلا اسما. ورابعها لمقابلة نون جمع المذكر السالم في جميع المؤنث السالم نحو: مسلمات، على الاعرف من أقوالهم، ولا معنى له إلا في الاسم.
(1) يتحدث الرضى في هذا الشرح عن الالفاظ والكلمات بأسلوب المذكر مرة وبأسلوب المؤنث أخرى ولا شئ في ذلك، على اعتبار اللفظ فيذكر أو الكلمة فيؤنث. ولكنه يسرف في ذلك إلى حد أن يجمع بين الاسلوبين
في حديث واحد. كما يأتي بعد قليل. (2) دج، بفتح الدال وسكون الجيم أو كسرها منونة وهو المراد هنا. وهو اسم صوت لزجر الدجاج، وسيأتي ذكر ذلك وغيره في أسماء الاصوات من هذا الكتاب (3) المراد حين يسمى به شخص ما، فيكون نكرة. (*)
[ 46 ]
وإنما قالوا إنه تنوين مقابلة، إذ لو كانت للتمكن (1) لم تثبت في قوله تعالى: " من عرفات " (2)، ولو كانت للتنكير لم تثبت في الاعلام، وليست عوضا عن المضاف إليه ولا للترنم، فلم يبق إلا أن يقال هي في جمع المؤنث في مقابلة النون في جمع المذكر، لان هذا معنى مناسب، ألا ترى إلى جعلهم نصب هذا الجمع تابعا للجر، كما في جمع المذكر، فالنون (3) في جمع المذكر قائم مقام التنوين التي في الواحد، في المعنى الجامع لاقسام التنوين فقط، وهو كونه علامة تمام الاسم، وليس في النون شئ من معاني الاقسام الخمسة المذكورة، فكذلك التنوين التي في جمع المؤنث السالم علامة لتمام الاسم فقط، وليس فيها أيضا، شئ من تلك المعاني، لكنهم حطوها عن النون بسقوطها مع اللام وفي الوقف دون النون لان النون أقوى وأجلد بسبب حركتها. وقال الربعي (4)، وجار الله (5): ان التنوين في نحو مسلمات للصرف، قال جار الله، وإنما لم تسقط في عرفات: لان التأنيث فيها ضعيف لان التاء التي كانت (6) فيها لمحض التأنيث سقطت، والتاء فيها علامة لجمع المؤنث. وفيما قاله نظر، لان " عرفات " مؤنث وإن قلنا إنه لا علامة تأنيث فيها، لا متمحضة للتأنيث ولا مشتركة، لانه لا يعود الضمير إليها إلا مؤنثا تقول: هذه عرفات مباركا فيها ولا يجوز: مباركا فيه، إلا بتأويل بعيد (7) كما في قوله:
(1) أي التنوين، وكذا في قوله لم تثبت. (2) من الاية 198 من سورة البقرة. (3) تحدث هنا عن النون بلفظ المذكر فقال قائم، ثم تحدث عن التنوين فوصفه بالتي.. وقد أشرنا إلى
ذلك في الصحيفة السابقة. (4) الربعي نسبة إلى ربيعة، وهو أبو الحسن علي بن عيسى الربعي من علماء القرن الخامس، أخذ عن السيرافي والفارسي، توفي ببغداد سنة 420 ه. (5) جار الله: هو العلامة محمود بن عمر الزمخشري، أقام بمكة زمنا إلى جوار الحرم الشريف فأطلق عليه جار الله، توفي سنة 538 ه والرضى يذكره بلقبه، ونسبته. (6) في النسخة المطبوعة: لان التاء التي فيها كانت لمحض التأنيث. ولا يفهم المقصود منها إلا بتكلف، وإصلاحها إلى ما أثبتناه يوضح المراد منها، وربما كان ما في المطبوعة تحريفا. (7) بأن يراد من عرفات المكان أو الموضع. (*)
[ 47 ]
2 - فلا مزنة ودقت ودقها * ولا أرض أبقل إبقالها (1) فتأنيثها لا يقصر عن تأنيث " مصر " الذي هو بتأويل البقعة. والاولى عندي، أن يقال إن التنوين للصرف والتمكن، وإنما لم يسقط في نحو: من عرفات، لانه لو سقط لتبعه السكر في السقوط، وتبع النصب، وهو خلاف ما عليه الجمع السالم، إذ الكسر فيه متبوع لا تابع، فهو فيه كالتنوين في غير المنصرف للضرورة، لم يحذفا لمانع، هذا، مع أنه جور المبرد (2)، والزجاج (3)، ههنا، مع العلمية حذف التنوين وإبقاء الكسر، ويروي بيت امرئ القيس: 3 - تنورتها من أذرعات وأهلها * بيثرب أدنى دارها نظر عالى (4) بكسر التاء بلا تنوين، وبعضهم يفتح التاء في مثله مع حذف التنوين ويروى: من أذرعات، كسائر ما لا ينصرف. فعلى هذين الوجهين: التنوين للصرف بلا خلاف، والاشهر بقاء التنوين في مثله مع العلمية أيضا.
(1) إقتصر الشارح الرضى على ذكر الشطر الثاني من البيت وهو موضع الاستشهاد وقد جريت على إكمال
الشواهد ما أمكن اعتمادا على ما جاء في خزانة الادب للبغدادي. والبيت المذكور ورد في شعر لعامر بن جوين الطائي، في وصف سحابة أمطرت مطرا غزيرا فأنبتت الارض نباتا لم تنبت أرض أخرى مثله، وموضع الشاهد قوله ولا أرض أبقل حيث ذكر الفعل المتحمل لضمير الارض باعتبارها مكانا أو موضعا وفي البيت تأويلات أخرى. (2) المبرد هو أبو العباس محمد بن يزيد، من أشهر علماء البصرة، أخذ عن الجرمي والمازني، واتصل بعلماء الكوفة في بغداد، من أشهر آثاره العلمية كتابه الكامل في اللغة والادب، وله كتاب المقتضب في النحو، توفي سنة 285 ه. (3) الزجاج: هو أبو إسحاق إبراهيم بن السري، لقب بالزجاج لانه كان يحترف خراطة الزجاج، عاش في بغداد وأخذ عن ثعلب والمبرد توفي سنة 310 ه. (4) هذا أحد أبيات القصيدة اللامية المشهورة لامرئ القيس بن حجر الكندي والتي أولها: الاعم صباحا أيها الطلل البالي. وهي من جيد شعره وقد وردت منها شواهد كثيرة في هذا الشرح، ولهذا شرح البغدادي في خزانة الادب معظم هذه القصيدة شرحا موزعا على ما ذكر من شواهدها. أما موضع الاستشهاد فقد بينه الشارح الرضى. (*)
[ 48 ]
وقال بعضهم: التنوين فيه عوص من منع الفتحة. وأما تنوين الترنم فهو في الحقيقة لترك الترنم، لانه إنما يؤتى به اشعارا بترك الترنم عند بني تميم في روي مطلق، وذلك أن الالف والواو، والياء في القوافي تصلح للترنم بما فيها من المد، فيبدل منها التنوين لمناسبته إياها، إذا قصد الاشعار بترك الترنم لخلو التنوين من المد، وهذا التنوين يلحق الفعل أيضا والمعرف باللام، قال: 4 - اقلي اللوم عاذل والعتابن * وقولي إن أصبت لقد أصابن (1) ولم يسمع دخولها الحرف، ولا يمتنع ذلك في القياس نحو نعمن (2)، في القافية. وقد يلحق عند بعضهم الروي المقيد فيخص باسم الغالي، لان الغلو تجاوز الحد، وحد
هذا التنوين أن يكون بدلا من حرف الاطلاق دلالة على ترك الترنم، فإذا دخل القافية المقيدة فقد جاوز حده، ويخرج به الشعر عن الوزن، فهو غال بهذا الوجه أيضا، وهو، كقوله: 5 - وقاتم الاعماق خاوي المخترقن (3) فيفتح ما قبل النون تشبيها لها بالخفيفة (4)، أو يكسر للساكنين، كما في حينئذ، على ما يجئ في آخر الكتاب.
(1) مطلع قصيدة طويلة لجرير. مما هجا به الفرزدق والراعي النميري وهي إحدى النقائض ومنها البيت المشهور الذي يقول فيه مخاطبا الراعي: فغض الطرف انك من نمير * فلا كعبا بلغت ولا كلابا والشاهد فيه إلحاق تنوين الترنم بالفعل وبالمقرون بأل كما قال الشارح: وإلحاق هذا التنوين إنما يكون عند الانشاء في بعض الحالات: وهو وجه من وجوه إنشاد الشعر. (2) التمثيل بنعم في هذا الموضع خطأ، لان آخرها ساكن والتمثيل الصحيح يكون برب مثلا، أوليت، وإنما يصلح التمثيل بنعم في النوع الذي بعده وهو الغالي. (3) البيت، أول أرجوزة مشهورة لرؤبة بن العجاج وهي أرجوزة طويلة ومنها بعض الشواهد في هذا الشرح وبعد هذا الشاهد: " مشتبه الاعلام لماع الخفق ". وكان رؤبة وأبوه العجاج من أشهر الرجاز، ومن العجب أن له سميا اسمه رؤبة بن العجاج، كان هو وأبوه شاعرين أيضا، ورؤبة صاحب الشاهد يكنى أبا الجحاف، أما سميه فإنه يكنى أبا بيهس. (4) أي نون التوكيد الخفيفة. (*)
[ 49 ]
إنما الحق في الروي المقيد تشبيها له بالمطلق. وإنما اختص كون الشئ مسندا إليه بالاسم، لان المسند إليه مخبر عنه، إما في الحال أو في الاصل، كما ذكرنا، ولا يخبر إلا عن لفظ دال على ذات في نفسه مطابقة، والفعل
لا يدل على الذات إلا ضمنا والحرف لا يدل على معنى في نفسه، ولهذه العلة: اختص التثنية والجمع والتأنيث والتصغير والنسبة والنداء بالاسم، وأما نحو: ضربت وضربا وضربوا، فالتأنيث والتثنية والجمع فيه راجع إلى الاسم، وكذا التصغير في نحو قوله: 6 - ياما أميلح غزلانا شدن لنا * من هؤلياء بين الضال والسمر (1) راجع إلى المفعول المتعجب منه، أي: هن مليحات والتصغير للشفقة نحو: يا بني، فهو شئ موضوع غير موضعه، كما أن التأنيث في ضربت في غير موضعه. وأما نحو قوله تعالى: " رب ارجعون " (2) على تأويل ارجعني، وقول الحجاج (3) يا حرسي اضربا عنقه (4)، أي: اضرب، اضرب، فليس الاول بجمع والثاني بتثنية، إذ التثنية ضم مفرد إلى مثله في اللفظ غيره في المعنى، والجمع ضم مفرد إلى مثليه أو أكثر في اللفظ غيره في المعنى، و: ارجعون، و: اضربا، بمعنى التكرير كما ذكرنا، والتكرير ضم الشئ إلى مثله في اللفظ مع كونه إياه في المعنى للتأكيد والتقرير والغالب فيما يفيد التأكيد أن يذكر بلفظين فصاعدا، لكنهم اختصروا في بعض المواضع باجرائه مجرى المثنى و المجموع لمشابهته لهما من حيث إن التأكيد اللفظي، أيضا، ضم شئ
(1) أحد أبيات غزلية أولها: صوراء لو نظرت يوما إلى حجر * لاثرت سقما في ذلك الحجر وهي أبيات مختلف في نسبتها فقيل انها للفرجى ونسبت لذي الرمة ولمجنون بني عامر، وغيرهم، والاستشهاد به على تصغير فعل التعجب وقد وجهه الشارح كما أن فيه شاهدا آخر على تصغير اسم الاشارة شذوذا. (2) الاية 99 من سورة: المؤمنون. (3) الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي. والى العراق من قبل عبد الملك بن مروان، اشتهر بالقوة في حكمه حتى ضرب به المثل في ذلك. (4) الشاهد فيه أن الكلام موجه إلى شخص واحد وهو الحرسي أي واحد الحرس وهم الجند الذين حول السلطان، فقوله: اضربا بصيغة التثنية يراد منها تكرير الفعل لا تكرير الفاعل (*).
[ 50 ]
إلى مثله في اللفظ وإن كان إياه في المعنى. فقوله: اضربا عنقه، مثل لبيك وسعديك، وقوله تعالى: " ثم ارجع البصر كرتين " (1)، في كون اللفظ في صورة المثنى وليس به. واختص الاضافة، أعني كون الشئ مضافا بالاسم، لان المضاف إما متخصص كما في: غلام رجل، وإما متعرف، كما في غلام زيد، والتعرف والتخصص من خصائص الاسم، كما مر في لام التعريف. وأما الاضافة في نحو: ضارب زيد وحسن الوجه ومؤدب الخدام، وإن لم تخصص المضاف ولم تعرفه، فهي فرع الاضافة المحضة، فلا يكون المضاف أيضا في مثلها إلا اسما. ولم يذكر المصنف من خواص الاسم كونه مضافا إليه، لئلا يرد عليه مثل قوله تعالى: " يوم يجمع الله الرسول " (2) من إضافة الظروف إلى الافعال، وعده بعضهم من خواصه أيضا، واعتذروا عن الايراد المذكور بأن المضاف إليه في الحقيقة: المصدر المدلول عليه بالفعل، أي: يوم جمع الله، قيل والدليل على أن المضاف إليه هو المصدر: تعرف المضاف به مع خلو الفعل من التعريف، نحو: أتيتك يوم قدم زيد الحار، أو البارد (3)، وأما أنا فلا أضمن صحة هذا المثال ومجئ مثله في كلامهم. والظاهر أن المضاف إليه لفظا في نحو: يوم قدم زيد: الجملة الفعلية، لا الفعل وحده، كما أن الاسمية في قولهم: أتيتك زمن الحجاج أمير، هي المضاف إليها، وأما من حيث المعنى، فالمصدر هو المضاف إليه الزمان في الجملتين.
(1) الاية 4 من سورة الملك. (2) الاية 110 من سورة المائدة (3) أي أن تعريف الحار والبار لانهما وصفان لليوم المضاف إلى جملة قدم زيد فاستفاد التعريف لان مضمون الجملة معرفة في هذا المثال، وتوقف الشارح في صحة وروده. (*)
[ 51 ]
المعرب والمبنى تعريف المعرب قال ابن الحاجب: " وهو معرب ومبني، فالمعرب: المركب الذي لم يشبه " " مبني الاصل ". قال الرضى: هذا حد معرب الاسم لا مطلق المعرب، لانه في صنف الاسماء، فلا يذكر إلا أقسامها، فكأنه قال: الاسم المعرب هو الاسم المركب، وكذا جميع الحدود التي نذكرها في صنف الاسم. ولفظ المركب يطلق على شيئين: على أحد الجزأين أو الاجزاء بالنظر إلى الجزء الاخر أو الاجزاء الاخر، كما يقال في: ضرب زيد: مثلا، إن زيدا مركب إلى ضرب، وضرب مركب إلى زيد، فهما مركبان، ويطلق على المجموع فيقال: ضرب زيد، مركب من ضرب ومن زيد. وهذا كما تقول لاحد الخفين هو زوج الاخر، وتقول لهما معا: زوج، ومراد المصنف: المعنى الاول، وليس بمرضي، لان المركب في اصطلاحهم، في المجموع أشهر منه في كل واحد من جزأيه، أو أجزائه، فيوهم أن المعرب من الاسماء لا يكون إلا مركبا من شيئين فصاعدا، كخمسة عشر ونحوه، وهذا دأب المصنف: يورد في حدود هذه المقدمة ألفاظا
[ 52 ]
غير مشهورة في المعنى المقصود، اعتمادا منه على عنايته (1)، وينبغي أن يختار في الحدود والرسوم أوضح الالفاظ في المعنى المراد، ويحترز عن الالفاظ المشتركة، فكيف باستعمال لفظ هو في غير المعنى المقصود أظهر. ثم، وإن نزلنا عن هذا المقام، وسلمنا أن المركب في الظاهر هو أحد الجزأين أو
الاجزاء، فليس كل اسم مركب إلى غيره غير مشابه لمبنى الاصل: معربا، بل الاسم المركب إلى عامله، ألا ترى أن المضاف اسم مركب إلى المضاف إليه، ولا يستحق بهذا التركيب اعرابا، بل المضاف إليه يستحقه بالتركيب الاضافي، لان المضاف عامله، على قول، أو الحرف المقدر، على الاخر، كما يجئ، وكذا التابع مع متبوعه، لا يستحق أحدهما بهذا التركيب اعرابا معينا، وكذا أسماء الحروف الموجودة في أوائل السور، نحو: حم، ويس. قوله " مبني الاصل "، هذا أيضا من ذاك (2)، لانه اصطلاح مجدد منه مراد به الحرف والفعل الماضي والامر، على ما فسره في الشرح (3). وإن أخذنا لفظ " المبني الاصل " على ما يقتضيه اللفظ من المعنى المشهور، دخل فيه مطلق الافعال وإن كانت مضارعة، إذ أصل جميع الافعال: البناء على ما ذهب إليه البصرية: فيرد عليه اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر، وجميع باب ما لا ينصرف. بلى، إن اختار مذهب الكوفيين من كون المضارع أصيلا في الاعراب كالاسم، لتوارد المعاني عليه كما يجئ في بابه، لم يرد عليه ما ذكرنا. ولا يرد على تفسيره المبني الاصل بالحرف والماضي والامر: المصدر (4) في نحو:
(1) أي على قصده ومراده. (2) قوله: هذا أيضا من ذاك، إشارة ما تقدم من نقده للمصنف بأنه يورد في الحدود ألفاظا غير مشهورة في المعنى المراد منها. (3) أي شرح ابن الحاجب على رسالته هذه (4) المصدر فاعل لقوله: لايرد... (*)
[ 53 ]
أعجبني ضرب زيد عمرا أمس، وذلك بأن يقال: المصدر ههنا يشبه الماضي لتقديره به مع: " أن " أي: أن ضرب، وإلا لم يعمل، فهو مشابه للماضي مع أنه معرب، - لان (1) مشابهة المصدر لمطلق الفعل سبب عمله، لا مشابهته للماضي، بدليل أنه يعمل وان كان
بمعنى الحال أو الاستقبال. وإنما ذكر في حد المعرب التركيب، وكونه غير مشابه لمبني الاصل، احترازا من قسمي المبني، وذلك لان الاسم إما أن يبنى لعدم موجب الاعراب، أعني المعاني المتعاقبة على الاسم الواحد كالفاعلية والمفعولية والاضافة، وهو (2) الاسماء المعددة تعديدا، كأسماء العدد نحو: واحد اثنان ثلاثة، وأسماء حروف التهجي، نحو: ألف، با: تا، ثا، ونحو: زيد، بكر، عمرو والاصوات، كنخ (3)، وهدع (4)، والمعاني الموجبة للاعراب إنما تحدث في الاسم عند تركيبه مع العامل فالتركيب شرط حصول موجب الاعراب، فلهذا قال: المركب، أي الاسم الذي فيه سبب الاعراب فتخرج هذه الاسماء المجردة عن السبب، ويجئ في التصريف (5) في باب التقاء الساكنين، تحقيق الكلام في الاسماء المعددة تعديدا، إن شاء الله تعالى. وإما أن يبني مع حصول الموجب للاعراب، لوجود المانع منه، والمانع مشابهته للحرف أو للفعل على ما يجئ في باب المبني، وذلك في المضمرات والمبهمات وأسماء الافعال، والمركبات، وبعض الظروف على ما يأتي، فقوله: الذي لم يشبه مبني الاصل يخرج هذه الاسماء. وإنما صح الاحتراز بالجنس أيضا، لكون أخص من الفصل بوجه.
(1) تعليل لقوله: ولا يرد على تفسيره.. إلخ. (2) وهو أي النوع الذي يبني لعدم موجب الاعراب. (3) نخ صوت لاناخة البعير، وفيه عدة لغات وتأتي في أسماء الاصوات. (4) هدع بكسر الهاء صوت تسكن به صغار الابل. (5) في شرح الشافية الذي ألفه الرضى. (*)
[ 55 ]
حكم المعرب من الاسماء
قال ابن الحاجب: " وحكمه أن يختلف آخره لاختلاف العوامل " " لفظا أو تقديرا " قال الرضى: هذا الذي جعله المصنف بعد تمام حد المعرب، حكما من أحكامه لازما له، جعله النحاة حد المعرب، فقالوا: المعرب: ما يختلف آخره باختلاف العامل. قال المصنف (1)، وهو الحق (2)، يلزم منه الدور، لان المقصود ليس بمطلق اختلاف الاخر، بل اختلاف الذي يصح لغة، ومعرفة مثل هذا الاختلاف موقوفة على معرفة المعرب أولا، فإن حددنا المعرب باختلاف العامل كان معرفة المعرب متوقفة على معرفة الاختلاف توقف كل محدود على حده، فيكون دورا.
(1) معترضا على الحد الذي ذكره النحاة. (2) في بعض النسخ التي أشار إليها السيد الجرجاني: " وهذا الحد " بدلا من قوله " وهو الحق " الذي يعتبر اعتراضا من الرضى لتأييد رأي المصنف في الاعتراض على تعريف النحاة. (*)
[ 56 ]
هذا إن قصد تعريف حقيقة المعرب ليتميز عند المنشئ للكلام فيعطيه بعد تعقل حقيقته حقه من اختلاف الاخر. أما إن عرف الاختلاف الصحيح لا من معرفة المعرب بل بحصول الاختلاف في كلام صحيح موثوق به، كالقرآن وغيره، جاز تعريف المعرب بذلك الاختلاف، لعدم توقف معرفته، إذن، على معرفة المعرب. إن قيل: أي فرق بين المعرب والمبني في الحكم المذكور ؟ فإن المبني، أيضا، يختلف تقديرا، وذلك في أحد قسميه، أعني المركب منه مع العامل، نحو: جاءني هؤلاء، فهو مثل: جاءني قاض. فالجواب: أن المعرب يختلف آخره تقديرا، أي يقدر الاعراب على حرفة الاخير،
ولا يظهر، إما للتعذر، كما في المقصور، أو للاستثقال، كما في المنقوص، بخلاف المبني، فإن الاعراب لا يقدر على حرفه الاخير، إذ المانع من الاعراب في جملته، وهو مشابهته للمبني، لا في آخره، نحو: هؤلاء، وأمس، وقد يكون في آخره أيضا كما في جملته نحو: هذا، فلهذا يقال في نحو: هؤلاء، إنه في محل الرفع أي في موضع الاسم المرفوع، بخلاف المقصور في: جاءني الفتى، فإنه يقال: إن الرفع مقدر في آخره. قوله: " لفظا أو تقديرا " مصدران بمعنى المفعول أي يختلف آخره اختلافا ملفوظا أو مقدرا، فهما نصب (1) على المصدر، ويجوز أن يكون المضاف مقدرا، أي اختلاف لفظ أو تقدير. معنى الاعراب قال ابن الحاجب: " الاعراب ما اختلف آخره به ".
(1) فهما نصب أي منصوبان، وهو تعبير شائع على ألسنة المعربين. (*)
[ 57 ]
قال الرضى: هذا تمام الحد، على ما يؤذن به كلامه في الشرح (1). سبب الاعراب في الاسم قال ابن الحاجب: " ليدل على المعاني المعتورة عليه ". قال الرضى: بيان لعلة وضع الاعراب في الاسماء، والضمير في قوله " آخره " للمعرب وفي قوله " به " لما.
قوله " المعتورة " أي المتعاقبة، قوله " عليه " أي على المعرب، قوله " ليدل " فيه ضمير الاختلاف، أو ضمير " ما " ويعني بما: الحركات والحروف، ويدخل في عموم لفظة " ما " العامل أيضا، لانه الشئ الذي يختلف آخر المعرب به: لان الاختلاف حاصل من العامل بالالة التي هي الاعراب، فهما في الظاهر كالقاطع والسكين، وإن كان فاعل الاختلاف في الحقيقة هو المتكلم بآلة الاعراب، إلا أن النحاة جعلوا العامل كالعلة المؤثرة، وإن كان علامة لا علة، ولهذا سموه عاملا. ويمكن الاعتذار للمصنف بناء على ظاهر اصطلاحهم، أعني أن العامل كالعلة الموجدة بأن يقال: باء الاستعانة: دخولها في الالة أكثر منه في الموجد. ولا يعترض على الحد بكسر الاخر لاجل ياء الاضافة وياء النسبة وفتحه لاجل تاء التأنيث بأن يقال: الاعراب الذي كان على الاخر، انتفى، لاجل ياء الاضافة من غير انتقال إلى شئ آخر، وانتفى لاجل ياء النسبة وتاء التأنيث وانتقل إلى الياء والتاء بتركبهما.
(1) أي في شرح الكافية، لابن الحاجب نفسه. (*)
[ 58 ]
مع الاسم، وهذا تغيير في الاخر، وكذا في ألف المثنى ويائه، وواو الجمع ويائه. وذلك (1) لانه قال: الاعراب ما اختلف آخر المعرب به، والمعرب، كما ذكرنا هو المركب مع عامله، ولا يذخل العامل في المضاف إلى الياء والمنسوب والمؤنث بالتاء والمثنى والمجموع إلا بعد لحاق الاحرف المذكورة بها، لانك أخبرت، مثلا، في قولك: جاءني مسلمان، عن المثنى، ولم تخبر عن المفرد ثم تثنيه، وكذا البواقي، فقبل لحاق هذه الاحرف كان الاسم مبنيا لعدم التركيب، فلم يختلف آخر المعرب بهذه الاحرف. ولا يقال: ان الحد غير جامع، لان التغيير في نحو مسلمان ومسلمون، ليس في الاخر، إذ الاخر هو النون، وذلك لان النون فيهما كالتنوين فكما أن التنوين لعروضه لم يخرج ما قبله عن أن يكون آخر الحروف، فكذا النونان.
قال المصنف: إنما اخترت هذا الحد، وهو مختار عبد القاهر (2)، على ما نسب إليه الاندلسي (3)، على حد (4) بعض المتأخرين: الاعراب اختلاف الاخر، لان الاختلاف أمر لا يتحقق ثبوته في الاخر حتى يسمى اعرابا. ولهم أن يقولوا: إنك أيضا أثبت الاختلاف من حيث لا تدري بقولك: ما اختلف آخره به، ولا يختلف آخر شئ بشئ إلا وهناك اختلاف، إذ الفعل متضمن للمصدر. وقال (5): ولو ثبت الاختلاف أيضا، فهو أمر واحد ناشئ من مجموع الضم والفتح والكسر، لا من كل واحد منها، إذ لو لزم آخر الكلمة واحد منها لم يكن هناك اختلاف،
(1) مرتبط بقوله قبل قليل: ولا يعترض على الحد.. (2) الامام عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني من علماء القرن الخامس. (3) أبو محمد، القاسم بن أحمد الاندلسي، نشأ بالاندلس ونسب إليها ثم تنقل بين دمشق وبغداد حتى توفي بدمشق سنة 661 ه وكان قريب العهد من الرضى حيث عاشا معا في القرن السابع، قال السيوطي في البغية أن له شرحا على المفصل للزمخشري، ويوجد عالم آخر اسمه الاندلسي متأخر عن الرضى واسمه أبو جعفر أحمد بن يوسف الرعيني توفي سنة 779 ه. (4) أي إنما اخترته على حد بعض المتأخرين، أي فضلته عليه. (5) أي المصنف. (*)
[ 59 ]
فالاختلاف شئ واحد، والاعراب بالاتفاق ثلاثة أشياء، فكيف يكون الاعراب اختلافا. ولهم أن يقولوا: هذا منك بناء على أن معنى الاختلاف: انقلاب حركة حركة أخرى، وانقلاب حرف حرفا آخر، والانقلاب من حيث هو هو، شئ واحد. والحق: أن معنى قولنا: يختلف الاخر، أي يتصف بصفة لم يكن عليها قبل، فإن " زيد " مثلا في حال الافراد لم يستحق شيئا من الحركات، فلما ضممت الدال بعد التركيب في حالة الرفع، فقد اختلفت، أي انتقلت من حالة السكون إلى هذه الحركة المعينة، فقد حصل بالحركة الواحدة اختلاف في الاخر، وانتقال الاخر إلى الفتحة غير
انتقاله إلى الضمة، وكذا انتقاله إلى الكسرة، فههنا ثلاثة اختلافات مغاير بعضها لبعض بحسب تغاير الحالات المنتقل إليها، وإن كانت داخلة في مطلق الاختلاف. فالاختلاف، إذن، ثلاثة كالاعراب، والاعراب أيضا هو الانتقالات المذكورة. هذا إذا أعرب بالحركات، وإن أعرب بالحروف، فاختلاف الاخر، إذن أحد نوعين: إحدهما: رد حرف محذوف من الكلمة، فقط، أو رده مع القلب، كما إذا أردت، مثلا، إعراب " أب " بالحروف: رددت عليه الواو المحذوفة رفعا، ورددتها وقلبتها ألفا في النصب، وياء في الجر. وثانيها جعل العين أو الحرف الذي زيد في الاخر لغرض بعينه، اعرابا أيضا، أو جعله مع القلب اعرابا، كما جعلت الالف والواو المزيدتين علامتين للتثنية والجمع في نحو: مسلمان ومسلمون، علامتي الرفع أيضا وجعلتهما مع القلب علامتي النصب والجر، وكذا: فوه، وذو مال، فقد اختلف حال الواو والالف رفعا، لانهما صارا لشيئين بعد ما كانا لشئ واحد. وينبغي أن يقدر كل واحدة من الكسرتين في نحو: إن المسلمات، وبالمسلمات، غير الاخرى، فالاختلاف في آخره ثلاثة، فهما كضمتي " فلك " مفردا، و " فلك " مجموعا (1).
(1) يقول النحاة: ان ضمة فلك مفردا تعتبر مثل ضمة قفل، وضمته مجموعا تقابل ضمة حمر جمع أحمر، فهما متغايرتان تقديرا. (*)
[ 60 ]
وكذا فتحتا نحو: إن أحمد، وبأحمد، وياءا: ان المسلمين وبالمسلمين، وإن المسلمين وبالمسلمين. وليس كذا ألف المثنى وواو المجموع، إذا جعلتا اعرابا، لان علامتي التثنية والجمع لا يجوز حذفهما.
فتبين لك بهذا أن الاختلاف في كل اسم ثلاثة كالاعراب، وهو هو، ولو جعلنا أيضا، الاختلاف تحول حركة حركة، أو حرف حرفا، كما فهم المصنف، فهي، أيضا، ثلاثة اختلافات بحسب التحولات: تحول الضمة فتحة، وتحول الضمة كسرة وتحول الفتحة كسرة، وكذا في الحروف. ولو جعلنا تحول الضمة فتحة غير تحول الفتحة ضمة حصل ستة اختلافات، والحق أن معنى الاختلاف: ما ذكرنا أولا وهو ثلاثة. وقال أيضا: لو كان الاعراب هو اختلاف، لزم أن يكون الاسم في أول تركيبه غير معرب، كما لو جعل، مثلا، " زيد " اسما لشخص، ثم ركب مع عامله أول تركيب نحو: جاءني زيد، فلا اختلاف، إذ لم تتحول حركة إلى حركة بعد. والجواب: أن معنى الاختلاف، كما ذكرنا: انتقال الاخر من السكون إلى حركة ما، ففيه، إذن، اختلاف. ثم نقول: ولو فسرنا الاختلاف، أيضا، بانقلاب حركة حركة، لكان الالزام مشتركا بينه وبين النحاة، لقوله: ما اختلف آخره به، فما لم تنقلب حركة حركة لم يكن ما اختلف آخره به. فإن قال: أردت ما يكون به الاختلاف، إذا كان. قيل: العبارة الصحيحة عن مثل هذا المراد: ما يختلف آخره به، لا ما اختلاف قوله " ليدل على المعاني " تعليل لوضع الاعراب في الاسماء، اعلم أن ما يحتاج إلى التمييز بين معاني الكلم على ضربين.
[ 61 ]
أحدهما: أن يكون في كلمة معنيان أو أكثر غير طارئ أحدهما على الاخر، كمعاني الكلم المشتركة، نحو: " القرء " في الطهر، والحيض، و " ضرب " في التأثير المعروف. والسير، وكذا جمع الافعال المضارعة عند من قال باشتراكها، و " من " للابتداء والتبيين
والتبعيض، فمثل هذا لا يلزمه العلامة المميزة لاحد المعنيين، أو المعاني عن الاخر، لان جاعله لاحد المعنيين، واضعا كان، أو مستعملا، لم يراع فيه المعنى الاخر، حتى يخاف اللبس، فيضع العلامة لاحدهما. والثاني: أن يكون في الكلمة معنيان أو أكثر يطرأ أحدهما أو أحدها على الاخر أو الاخر، فلا بد للطارئ ان لم يلزم، من علامة مميزة له من المطروء عليه ومن ثم احتاج كل مجاز إلى قرينة، دون الحقيقة، وهذا الطارئ غير اللازم للكلمة لا يلزم أن يطلب له أخف العلامات، بل قد تغير له صيغة الكلمة، كما في التصغير والجمع المكسر والفعل المسند إلى المفعول، كرجيل، ورجال، وضرب، وقد يجتلب له حرف دال عليه صائر كأحد حروف تلك الكلمة، كما في المثنى والجمع السالم والمنسوب والمؤنث والمعرف، نحو: مسلمان ومسلمون، ومسلمات، وزيدي، ومسلمة، والمسلم. وقد تكون قرينة المعنى الطارئ على الكلمة كلمة أخرى مستقلة كالوصف الدال على معني في موصوفه، والمضاف إليه الدال على معنى في المضاف. وإن كان طرءان (1) المعني لازما للكلمة، فإن كان الطارئ معنى واحد لا غير (2)، ككون الفعل عمدة فيما تركب منه ومن غيره، فلا حاجة إلى العلامة، لانها تطلب للملتبس بغيره. وإن كان الطارئ اللازم أحد الشيئين أو الاشياء، فاللائق بالحكمة أن يطلب له أخف
(1) استعمل الرضى هذا اللفظ مصدرا لطرا، وهو مصدر نادر، ولم أجده في القاموس ولا في الصحاح ولا في اللسان. والرضي يستعمله كثيرا في هذا الكتاب. (2) شرح الرضى في باب الاستثناء هذا الاستعمال " لا غير " شرحا وافيا. (*)
[ 62 ]
علامة تمكن لازمة ولا يقتصر - للتمييز - على الكلمة الاخرى التي بها طرأ ذلك المعنى، كما اقتصر في المضاف والموصوف، لان المعنى المحناج فيهما إلى العلامة غير لازم لهما،
بخلاف ما نحن فيه. فاحتاطوا في هذا النوع أتم احتياط، حتى إن (1)، بعد ما طرأ بسببه المعنى كأن هناك علامة لازمة للكلمة الدالة على معناها الطارئ. ومثل هذا المعنى إنما يكون في الاسم، لانه بعد وقوعه في الكلام لابد أن يعرض فيه: إما معنى كونه عمدة الكلام، أو كونه فضلة، فجعل علامته أبعاض حروف المد التي هي أخف الحروف، أعني الحركات، وجعلت في بعض الاسماء حروف المد، وهي الاسماء الستة والمثنى والمجموع بالواو والنون، لعلة نذكرها في كل واحد منها، ولم تجتلب حروف مد أجنبية لما قصد ذلك، بل جعلت في الاسماء الستة لام الكلمة أو عينها علامة، وفي المثنى والمجموع حرفا التثنية والجمع علامتين، كل ذلك لاجل التخفيف، وجعل الرفع الذي هو أقوى الحركات، للعمد وهي ثلاثة: الفاعل، والمبتدأ والخبر، وجعل النصب للفضلات سواء اقتضاها جزء الكلام بلا واسطة كغير المفعول معه من المفاعيل وكالحال والتمييز، أو اقتضاها بواسطة حرف، كالمفعول معه والمستثنى غير المفرغ، والاسماء التي تلي حروف الاضافة، أعني حروف الجر. وإنما جعل للفضلات النصب الذي هو أضعف الحركات وأخفها لكون الفضلات أضعف من العمد وأكثر منها. ثم أريد أن يميز بعلامة، ما هو فضلة بواسطة حرف، ولم يكن بقي من الحركات غير الكسر، فميز به، مع كونه منصوب المحل لانه فضلة.
(1) هكذا جاء في النسخة المطبوعة، ولا يتم فهم المقصود إلا باعتبار أن اسمها ضمير الشأن فيكون التقدير حتى أنه بعدما طرا.. كأن هناك علامة.. (*)
[ 63 ]
فصار معنى كون الاسم مضافا إليه معنى العمدة بحرف: معنى آخر منضما إلى المعنيين المذكورين علامته الجر، فإن سقط الحرف ظهر الاعراب المحلي في هذه الفضلة،
نحو: الله لافعلن، فإذا عطف على المجرور، فالحمل على الجر الظاهر أولى من الحمل على النصب المقدر، وقد يحمل على المحل كما في قوله تعالى: " وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم " (1)، بالنصب، فإن سقط الجار مع الفعل لزوما كما في الاضافة زال النصب المقدر، كما سيجئ. ثم اعلم أن محدث هذه العماني في كل اسم هو المتكلم، وكذا محدث علاماتها لكن نسب احداث هذه العلامات إلى اللفظ الذي بواسطته قامت هذه المعاني بالاسم، فسمي عاملا، لكونه كالسبب للعلامة، كما أنه كالسبب للمعنى المعلم، فقيل: العامل في الفاعل هو الفعل، لانه به صار أحد جزأي الكلام، وكذا: العامل في كل واحد من المبتدأ والخبر هو الاخر على مذهب الكسائي (2) والفراء (3) إذ كل واحد منهما صار عمدة بالاخر، واختلف في ناصب الفضلات، فقال الفراء: هو الفعل مع الفاعل، وهو قريب على الاصل المذكور، إذ باسناد أحدهما إلى الاخر صار فضلة، فهما معا سبب كونها فضلة فيكونان، أيضا، سبب علامة الفضلة. وقال هشام بن معاوية (4): هو الفاعل، وليس ببعيد، لانه جعل الفعل الذي هو الجزء
(1) الاية 6 من سورة المائدة. (2) الكسائي: هو أبو الحسن علي بن حمزة. من أصل فارسي، تعلم النحو بعد أن كبر ثم صار إماما فيه وأصبح زعيم نحاة الكوفة وهو أحد القراء السبعة توفي سنة 189 ه. (3) الفراء: هو أبو زكريا: يحيي بن زياد، أصله من الديلم وكان أعلم أهل الكوفة بالنحو بعد الكسائي. وعنه أخذ النحو، ومع تعصبه الزائد ضد سيبويه، وجد كتاب سيبويه تحت وسادته بعد موته. له كتاب معاني القرآن توفي سنة 207 ه. (4) هشام بن معاوية: أبو عبد الله النحوي الكوفي كان من أبرز أصحاب الكسائي وله آراء بارزة في النحو. وينقل عنه الرضى كثيرا ويطلق عليه: هشام الضرير لانه كان أعمى. وقد يكتفي الرضي في النقل عنه بقوله وقال هشام، لاشتهاره (*).
[ 64 ]
الاول بانضمامه إليه كلاما، فصار غيره من الاسماء فضلة. وقال البصريون: العامل هو الفعل نظرا إلى كونه المقتضى للفضلات، وقول الكوفيين أقرب بناء على الاصل الممهد المذكور. وجعل الحرف الموصل لاحد جزاي الكلام إلى الفضلة عاملا للجر في ظاهر الفضلة إذ بسببه حصل كون ذلك الاسم مضافا إليه تلك العمدة. ثم، قد يحذف حرف الجر لزوما مع الفعل الذي أوصله الحرف إلى الفضلة لغرض التخصيص أو التعريف في الاسم كما يجئ في باب الاضافة فيزول النصب المحلي عن المجرور لفظا، لكون الناصب، أي الفعل مع الفاعل محذوفا نسيا منسيا مع حرف الجر الدال عليه، فكأن أصل: غلام زيد: غلام حصل لزيد، فإذا حذف الجار قام الاسم المراد تخصيصه أو تعريفه، مقام الحرف الجار لفظا فلا يفصل بينهما كما لم يفصل بين الحرف ومجروره. ومعنى أيضا، لدلالته على معنى اللام في نحو: غلام زيد، إذ هو مختص بالثاني، وعلى معنى " من " في نحو: خاتم فضة، إذ هو مبين بالثاني، فيحال عمل الجر على هذا الاسم، كم أحيل على حرف الجر، كما يجئ. فأصل الجر أن يكون علم الفضلة التي تكون بواسطة، ثم يخرج في موضعين عن كونه علم الفضلة ويبقي علما للمضاف إليه فقط: أحدهما فيما أضيف إليه الاسم، والثاني في المجرور إذا أسند إليه، نحو مر بزيد، والاصل فيهما أيضا ذلك كما بينا. وكان قياس المستثنى غير المفرغ، بالا، والمفعول معه: الجر أيضا، إذ هما فضلتان بواسطة الحرفين، لكن لما كان الواو في الاصل للعطف، وغير مختص بأحد القبيلين، وكان " إلا " يدخل على غير الفضلة أيضا، كالمستثنى المفرغ، لم يروا إعمالهما، فبقي ما بعدهما منصوبا في اللفظ. هذا، وأما الحروف فلا يطرأ على معانيها شئ، بل معانيها طارئة على معاني ألفاظ
أخر، كما مر في حد الاسم. وأما الافعال فلا يلزمها إلا معنى واحد طارئ، كما مر، بلى، قد يطرأ عليها في
[ 65 ]
بعض المواضع أحد المعنيين الملتبسين، كما في قولك: ما بالله حاجة فيظلمك (1)، على ما يجئ في قسم الافعال، فاعتبر ذلك الكوفيون، وقالوا إعراب المضارع أصلي، لا بمشابهته للاسم، خلافا للبصريين على ما يجئ في بابه. فظهر بهذا التقرير أن الاصل في الاعراب: الاسماء دون الافعال والحروف، وأن أصل كل اسم أن يكون معربا. فإن قيل: كيف حكم بذلك، وأصل الاسماء الافراد، وهي في حالة الافراد غير مستحقة للاعراب، كما تقدم في الاسماء المعددة ؟. قلت: انما حكم بذلك لان الواضع لم يضع الاسماء إلا لتستعمل في الكلام مركبة، فاستعمالها مفردة مخالف لنظر الواضع، فبناء المفردات وإن كانت أصولا للمركبات عارض لها لكون استعمالها مفردة عارضا لها غير وضعي ! وقد خرج من عموم قولهم: أصل الاسماء الاعراب صنفان منها: أحدهما أسماء الاصوات، كنخ، وجه، وده (2)، لان الواضع لم يضعها إلا لتستعمل مفردة، لانها لم تكن في الاصل كلمات، كما يجئ في بابها، والثاني أسماء حروف التهجي، لانها كالحكاية لحروف التهجي التي ليس بكلم، ومن ثم كانت أوائلها تلك الحروف المحكية، إلا لفظة " لا "، فإنهم لما لم يمكنهم النطق بالالف الساكنة، توصلوا إليه باللام المتحركة، كما توصلوا إلى النطق بلام التعريف الساكنة بالالف المتحركة أعني الهمزة. وأما " ألف " فهو اسم الهمزة لان أوله الهمزة، فينبغي أن تقول: " لا " ولا تقول:
(1) يأتي في نواصب المضارع أن الفعل المضارع الواقع بعد الفاء في جواب النفي يحتمل أكثر من معنى،
ومن هنا قال الكوفيون انه تتعاقب عليه المعاني المختلفة المقتضية للاعراب كالاسم. (2) تقدم أن: نخ صوت لاناخة الابل، ودج صوت يزجر به الدجاج، وأما جه وده، فهما لزجر الابل، وستأتي هذه الكلمات موضحة المعاني في باب أسماء الاصوات، (*)
[ 66 ]
" لام ألف "، وأما قوله: 7 - تكتبان في الطريق لام الف (1) فمقصوده: اللام والهمزة (2)، لا صورة " لا ". ولو نظر الواضع في الصنفين إلى وقوعهما مركبين، لكانا معربين في نظره، فلم يجز أن يصوغهما على أقل من ثلاثة أحرف، لانك لا تجد معربا على أقل من ثلاثة أحرف إلا وقد حذف منه شئ، كيد، ودم وقد صاغ كثيرا منهما (3) على حرفين، كنخ، وجه، وبا، وتا، وثا، وإنما صاغ على أقل من ثلاثة ما كان يعرف أنه يكون في التركيب مشابها للحرف، كما، ومن، وتاء الضمير، وكافه، فعلم أنه يبنى لثبوت علته فجوز بناءه على أقل من ثلاثة. ثم نقول: لا يلزم الكسائي والفراء ما ألزما في ترافع المبتدأ والخبر، من أنه يجب تقدم كل واحد من المبتدأ والخبر على الاخر لانه يجب تقديم العامل على المعمول، فيلزم تقدم الشئ على نفسه، لان المتقدم على المتقدم على الشئ متقدم على ذلك الشئ. وإنما لم يلزمهما ذلك، لان العامل النحوي ليس مؤثرا في الحقيقة، حتى يلزم تقدمه على أثره، بل هو علامة كما مر، ولو أوجبنا أيضا تقدمه لكونه كالسبب كما مر، قلنا: إن كل واحد من المبتدأ والخبر متقدم على صاحبه من وجه، متأخر عنه من وجه آخر، فإذا اختلفت الجهتان، فلا دور: أما تقدم المبتدأ فلان حق المنسوب أن يكون تابعا للمنسوب إليه وفرعا له، وأما تقدم الخبر فلانه محط الفائدة وهو المقصود من الجملة،
(1) هذا أحد أشطار ثلاثة لابي النجم العجلي، وقبله:
أقبلت من عند زياد كالخرف * تخط رجلاي بخط مختلف.. وزياد: صديق لابي النجم كان يسقيه الخمر. (2) فكأنه قال لاما وألفا، وقيل انه قصد صورة " لا " وقيل أراد حروف المعجم وذكر منها اللام والالف على سبيل المثال. (3) أي من النوعين اللذين تحدث عنهما، وهما أسماء الاصوات وحروف المعجم. (*)
[ 67 ]
لانك إنما ابتدأت بالاسم لغرض الاخبار عنه، والغرض وإن كان متأخرا في الوجود، إلا أنه متقدم في القصد، وهو العلة الغائية وهو الذي يقال فيه: أول الفكر آخر العمل فيرفع كل منهما صاحبه بالتقدم الذي فيه، فترافع المبتدأ والخبر، إذن، كعمل كلمة الشرط والشرط، كل منهما في الاخر في نحو قوله تعالى: " أيا ما تدعوا " (1)، فأداة الشرط متقدمة على الشرط، إذ هي مؤثرة لمعنى الشرط فيه، متأخرة عنه تأخر الفضلات عن العمد، فالمبتدأ والخبر، على هذا التقدير، أصلان في الرفع، كالفاعل، وليسا بمحمولين في الرفع عليه، وهو مذهب الاخفش (2)، وابن السراج (3)، ولا دليل على ما يعزى إلى الخليل (4) من كونهما فرعين على الفاعل، ولا على ما يعزى إلى سيبويه من كون المبتدأ أصل الفاعل في الرفع. وعلى التقرير المذكور: التمييز، والحال، والمستثنى الفضلة، أصول في النصب كالمفعول، وليست بمحمولة عليه، كما هو مذهب النحاة. ولما كان مستنكرا في ظاهر الامر ترافع المبتدأ والخبر لما تقرر في الاذهان من تقدم المؤثر على الاثر، واستحالة تقدم الشئ على مؤثره ضعف عملهما، فنسخ عملهما كثير مما دخل عليهما مؤثرا فيهما معنى، ككان، وظن، وكان، وإن، وأخواتها، وما، ولا التبرئة (5)، على ما يجئ في أبوابها، فصارت العمدة في صورة الفضلة منتصبة، وهي اسم
(1) الاية 110 من سورة الاسراء
(2) الاخفش إذا أطلق كان المراد به: أبا الحسن سعيد بن مسعدة تلميذه سيبويه، وهو الاخفش الاوسط. أما الاكبر فهو أبو الخطاب عبد الحميد شيخ سيبويه والاخفش الاصغر هو أبو الحسن علي بن سليمان تلميذ المبرد. (3) ابن السراج هو: أبو بكر محمد بن السرى، أخذ عن المبرد وقرأ عليه كتاب سيبويه توفي سنة 310 ه (4) الخليل بن أحمد الفراهيدي أو الفرهودي، إمام في النحو واللغة وهو واضع علم العروض ونسب إليه أنه واضع علم النحو وهو شيخ سيبويه وتلميذ أبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر وغيرهما من أوائل أئمة النحو، وأكثر ما جاء في كتاب سيبويه منقول عنه. (5) يطلق النحاة على " لا " النافية للجنس: لا التبرئة، لانها بسبب نفي معنى الخبر عن الاسم كأنها برأت الاسم من الاتصاف بمضمون الخبر. (*)
[ 68 ]
" ان " و " لا " التبرئة، وخبر " كان " و " كاد " ومفعولا " ظن " ووجه مشابهتها للفضلة يجئ في أبوابها. وإنما جاز تقدم كل واحد من جزأي الجملة الاسمية على الاخر لعمل كل واحد منهما في الاخر، والعامل مقدم الرتبة على معموله، لكن الاولى تقدم المسند إليه لسبق وجود المخبر عنه على الخبر، وإن كان الخبر متقدما في الغاية ولم يلزم على هذا جواز تقدم الفاعل على الفعل لان الفاعل معمول للفعل وليس عاملا فيه، كما كان المبتدأ في الخبر (1). ولم يعتنوا بحال المفاعيل ولم يلزموها موضعها الطبيعي أعني ما بعد العامل، لكونها فضلات. فظهر لك أن أصل الاسماء الاعراب، فما وجدت منها مبنيا فاطلب لبنائه علة، كما نذكره في المضمرات والمبهمات وأسماء الافعال، والكنايات وبعض الظروف. وأما أسماء الاصوات، وأسماء حروف التهجي، فبناؤهما أصلي ولا يحتاج إلى تعليل، واعرابهما في نحو قوله:
8 - تداعين باسم الشيب في متثلم * جوانبه من بصرة وسلام (2) وقوله: 9 - إذا اجتمعوا على ألف وواو * وياء، هاج بينهم جدال (3) معلل بكونها مركبين، وهو خلاف الاصل، والله أعلم بالصواب.
(1) أي كما كان المبتدأ عاملا في الخبر، بناء على القول بذلك. (2) البيت من قصيدة لذي الرمة، يصف الابل حين قطعها للقفار، وتداعين أي دعا بعضها بعضا وروي: تنادين. والشيب اسم صوت حكاية لمشافر الابل عند الشرب يريد أن الابل شكت العطش في هذا المكان القفر الذي تهدمت جوانبه والبصرة بفتح الباء الحجارة البيض. والسلام بكسر السين: الحجارة أيضا، أو أراد بالمتثلم: الحوض المتهدم. (3) هذا البيت ليزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي، وهو يريد في هذا البيت ذم النحويين، روي عن الاصمعي أنه قال: أنشدني عيسى بن عمر، بيتا، هجابه النحويين وليس المراد أن البيت لعيسى بن عمر، ومعنى البيت أنهم إذا اجتمعوا وتحدثوا في سبب الاعلال في حروف العلة هاج الجدال بينهم وطالت المناقشة. (*)
[ 69 ]
أنواع الاعراب ودلالة كل منها على معنى قال ابن الحاجب: " وأنواعه رفع ونصب وجر، فالرفع علم الفاعلية ". " والنصب علم المفعولية، والجر علم الاضافة ". قال الرضى: اعلم أن الحركات في الحقيقة أبعاض حروف العلة فضم الحرف في الحقيقة، إتيان بعده بلا فصل ببعض الواو، وكسره: الاتيان بعده بجزء من الياء، وفتحه: الاتيان بعده
بشئ من الالف، وإلا، فالحركة والسكون من صفات الاجسام فلا تحل الاصوات، لكنك لما كنت تأتي عقيب الحرف بلا فصل ببعض حروف المد، سمي الحرف متحركا، كأنك حركت الحرف إلى مخرج حرف المد، وبضد ذلك: سكون الحرف، فالحركة - إذن - بعد الحرف، لكنها من فرط اتصالها به يتوهم أنها معه لا بعده بلا فصل، فإذا أشبعت الحركة وهي بعض حرف المد، صارت حرف مد تاما. وإنما قيل لعلم الفاعل رفع، لانك إذا ضممت الشفتين لاخراج هذه الحركة ارتفعتا عن مكانهما، فالرفع من لوازم هذا الضم وتوابعه، فسمي حركة البناء ضما، وحركة الاعراب رفعا، لان دلالة الحركة على المعنى تابعة لثبوت نفس الحركة أولا.
[ 70 ]
وكذلك نصب الفم تابع لفتحه، كأن الفم كان شيئا ساقطا فنصبته، أي أقمته بفتحك إياه، فسمي حركة البناء فتحا، وحركة الاعراب نصبا. وأما جر الفك إلى أسفل وخفضه فهو ككسر الشئ، إذ المكسور يسقط ويهوي إلى أسفل، فسمى حركة الاعراب جرا وخفضا، وحركة البناء كسرا، لان الاولين أوضح وأظهر في المعنى المقصود من صورة الفم من الثالث، ثم: الجزم بمعنى القطع، والوقف، والسكون بمعنى واحد والحرف الجازم كالشئ القاطع للحركة أو الحرف، فسمي الاعرابي جزما والبنائي وقفا وسكونا. وإنما سمي المعرب، لان الاعراب ابانة المعنى والكشف عنه، من قوله صلى الله عليه وآله: " الثيب يعرب عنها لسانها " أي يبين وسمي المبني مبنيا لبقائه لبقائه على حالة واحدة كالبناء المرصوص. قوله: " فالرفع علم الفاعلية " أي علامتها، والاولى، كما بينا أن يقال: " الرفع علم كون الاسم عمدة الكلام، ولا يكون في غير العمد. والنصب علم الفضلية في الاصل، ثم يدخل في العمد، تشبيها بالفضلات كما مضى،
وعلى قول المصنف: الرفع في الاصل علم الفاعلية والنصب علم المفعولية، ثم يكونان فيما يشابههما وأما الجر فعلم الاضافة، أي كون الاسم مضافا إليه معنى أو لفظا كما في: غلام زيد، وحسن الوجه. فالرفع ثلاثة أشياء: الضم، والالف، والواو، في نحو: جاء مسلم، ومسلمان، ومسلمون، وأبوك. والنصب أربعة: الفتح، والكسر، والالف، وإلياء، في نحو: إن مسلما ومسلمات وأباك، ومسلمين ومسلمين. والجر ثلاثة أشياء: الكسر، والفتح، والياء، في نحو: يزيد، وبأحمد وبمسلمين، وبمسلمين وبأبيك.
[ 71 ]
وكل ما سوى الضم في الرفع، والفتح في النصب، والكسر في الجر: فروعها كما يجئ، وبين الضم والرفع عموم وخصوص من وجه، أما كون الرفع أعم، فلوقوعه على الضم والالف والواو، وأما كونه أخص فلان الضم قد يكون علم العمدة كما في: جاء الرجل، وقد (1) لا يكون كما في حيث. وكذا الكلام في النصب والجر. وإذا اطلق الضم والفتح والكسر في عبارات البصرية، فهي لا تقع إلا على حركات غير اعرابية، بنائية كانت، كضمة " حيث " أو، لا، كضمة قاف " قفل "، ومع القرينة تطلق على حركات الاعراب أيضا، كقول المصنف بالضمة رفعا، والكوفيون يطلقون ألقاب أحد النوعين على الاخر مطلقا. قوله " وأنواعه رفع ونصب وجر "، الرفع والنصب والجر عنده: الحركات كما ذكرنا، أو الحروف، وعلى مذهب من قال: الاعراب: الاختلاف، قال الرفع انتقال
الاخر إلى علامة العمدة، والنصب انتقاله إلى علامة الفضلة والجر انتقاله إلى علامة الاضافة والظاهر في اصطلاحهم أن الاعراب هو الاختلاف، ألا ترى أن البناء ضده، وهو عدم الاختلاف اتفاقا، ولا يطلق البناء على الحركات، وإنما جعل الاعراب في آخر الكلمة، لانه دال على وصف الاسم، أي كونه عمدة أو فضلة، والدال على الوصف بعد الموصوف.
(1) أنظر هامش رقم 1 في صفة 23. (*)
[ 72 ]
العامل قال ابن الحاجب: " والعامل ما به يتقوم المعنى المقتضى ": قال الرضى: إنما بين العامل، لاحتياج قوله قبل (1): ويختلف آخره لاختلاف العامل، إلى بيانه، ويعني بالتقوم نحوا من (2) قيام العرض بالجوهر، فان معنى الفاعلية والمفعولية والاضافة: كون الكلمة عمدة أو فضلة أو مضافا إليها، وهي كالاعراض القائمة بالعمدة والفضلة والمضاف إليه، بسبب توسط العامل. فالموجد كما ذكرنا لهذه المعاني هو المتكلم، والالة: العامل، ومحلها: الاسم، وكذا الموجد لعلامات هذه المعاني هو المتكلم، لكن النحاة جعلوا الالة كأنها هي الموجدة للمعاني ولعلاماتها، كما تقدم، فلهذا سميت الالات عوامل. فالباء في قوله " به يتقوم " للاستعانة، نظرا إلى أن المسمى عاملا في الحقيقة: آلة، والمقوم هو المتكلم، وليس الباء كما في قولك قام هذا العرض بهذا المحل، ولا شك أن في لفظ المصنف ايهاما، لان الظاهر في نحو: قام به: وتقوم به: هذا المعنى الاخير. فإذا ثبت أن العامل في الاسم: ما يحصل بوساطته في ذلك الاسم المعنى المقتضى
للاعراب، وذلك المعنى كون الاسم عمدة أو فضلة أو مضافا إليه العمدة أو الفضلة، فاعلم أن بينهم خلافا في أن العامل في المضاف إليه هو اللام المقدرة أو " من "، أو المضاف، فمن قال إنه الحرف المقدر نظر إلى أن معناه في الاصل هو الموقع المقدم لاضافة بين الفعل والمضاف إليه، إذ أصل غلام زيد: غلام حصل لزيد، فمعنى الاضافة قائم بالمضاف إليه لاجل الحرف، ولا ينكر ههنا عمل حرف الجر مقدرا، وإن ضعف مثله في نحو " خير "،
(1) في البحث السابق على هذا. (2) أي معنى قريبا من معني قيام العرض بالجوهر. (*)
[ 73 ]
في قول رؤبة (1)، وذلك لقوة الدال عليه بالمضاف الذي هو مختص بالمضاف إليه أو متبين به، كما أن نصب " أن " المقدرة في نحو: 10 - ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي (2) ضعيف، فإذا وقع موقعها فاء السببية، أو واو الجمع، كما يجئ في نواصب المضارع، جاز نصبها (3) مطردا، وكذا الجر برب المقدرة بعد الواو والفاء وبل، ليس بضعيف. ومن قال إن عامل الجر هو المضاف، وهو الاولى، قال: إن حرف الجر شريعة منسوخة، والمضاف مفيد معناه، ولو كان مقدرا لكان " غلام زيد " نكرة، كغلام لزيد، فمعني كون الثاني مضافا إليه حاصل له بواسطة الاول، فهو الجار بنفسه وقال بعضهم: العامل معنى الاضافة، وليس بشئ، لانه أن أراد بالاضافة كون الاسم مضافا إليه، فهذا هو المعنى المقتضى، والعامل: ما به يتقوم المعنى المقتضى، وان أراد بها النسبة التي بين المضاف والمضاف إليه، فينبغي أن يكون العامل في الفاعل والمفعول، أيضا، النسبة التي بينها وبين الفعل، كما قال " خلف " (4): العامل في الفاعل هو الاسناد، لا الفعل. * * *
(1) أي رؤبة بن العجاج وقد قيل له: كيف أصبحت. فقال: خير، أي بخير، أو على خير.
(2) أورد الرضى من هذا الشاهد قوله: أحضر الوغى، فقط، وهو موضع الاستشهاد على عمل أن. النصب وهي محذوفة وليس قبلها شئ من الامور التي تأتي في النواصب. والبيت من معلقة طرفة بن العبد. يقول فيها بعد هذا البيت: فان كنت لا تستطيع دفع منيتي * فدعني أبادرها بما ملكت يدي (3) أي جاز عملها النصب مقدرة. (4) هو خلف بن يوسف الاندلسي الشنتريني من إشهر نحاة المغرب روي أنه كان يحفظ كتاب سيبويه والمقتضب للمبرد وغيرهما، توفي بقرطبة سنة 532 ه. (*)
[ 74 ]
الاسماء المعربة وحق كل منها من أنواع الاعراب قال ابن الحاجب: " فالمفرد المنصرف، والجمع المكسر المنصرف، بالضمة رفعا، والفتحة نصبا، والكسرة جرا، جمع (1) المؤنث السالم بالفتحة والكسرة، غير المنصرف بالضمة والفتحة، أخوك وأبوك وهنوك وفوك وذو مال، مضافة إلى غير ياء المتكلم بالواو، والالف، والياء. المثني وكلا مضافا إلى مضمر، واثنان، بالالف والياء، جمع المذكر السالم، وأولو، وعشرون وأخواتها بالواو والياء ". قال الرضى: هذا تقسيم الاسماء المعربة بحسب اعراباتها المختلفة، وذلك أنا بينا أن الرفع ثلاثة أشياء، والنصب أربعة، والجر ثلاثة، فهو يريد بيان محال هذه الاعرابات، وأن كل واحد منها في أي معرب يكون. فبدأ بمعربات اعرابها بالحركات لانها الاصل في الاعراب لخفتها، وقسمها ثلاثة أقسام: أحدها: ما استوفى الحركات الثلاث، كل واحدة منها في محلها، أعني الضم
في حالة الرفع، والفتح في النصب، والكسر في الجر، وهو شيئان: أحدهما: المفرد، أي الذي لا يكون مثنى، ولا مجموعها، سواء كان مضافا، أو، لا، المنصرف، احتراز عن غير المنصرف. وكان عليه أن يضم إليه قيدا آخر، وهو ألا يكون من الاسماء الستة، ولا يجوز أن
(1) بحذف حرف العطف في هذا وما بعده، وهو أسلوب يجري عليه المؤلفون كثيرا، وبعضهم يجيزه في الواو وفيه خلاف. (*)
[ 75 ]
يكون قوله " المفرد " احترازا عن المضاف فيخرج الاسماء الستة، إذ لو احترز عنه لوجب ألا يستوفي شئ من المضاف الحركات الثلاث. وثانيها: الجامع لثلاثة قيود، الجمعية، احترازا عن المثنى، إذ اعرابه بالحروف، وعن المفرد، إذ قد مر ذكره، والتكسير احترازا عن السالم، لان اعراب المذكر منه بالحروف والمؤنث غير مستوف للحركات، والانصراف، احترازا عن غير المنصرف نحو مساجد وأنبياء. وإنما أعرب الجمع المكسر اعراب المفرد، أي بجميع الحركات إذا كان منصرفا لمشابهته للمفرد بكونه صيغة مستأنفة مغيرة عن وضع مفرده، وبكون بعضه مخالفا لبعض في الصيغة كالمفردات المتخالفة الصيغ، وأيضا، لم يطرد في آخره حرف لين صالح لان يجعل اعرابا، كما في الجمع بالواو والنون. قوله " بالضمة رفعا "، الجار والمجرور خبر المبتدأ، وقوله " رفعا " مصدر بمعنى المفعول كقولهم: الفاعل رفع أي مرفوع، وانتصابه على الحال أي مرفوعين، والعامل فيه الجار والمجرور، وذو الحال: الضمير المستكن فيه، والباء في قوله " بالضمة " بمعنى " مع "، ويجوز أن يكون المعنى: ملتبسان بالضمة، ومعنى الكلام: هما مع هذه الحركة المعينة في حال كونهما مرفوعين، أي مصاحبين لعلم العمدة.
وكذا قوله: " والفتحة نصبا "، وأمثاله، وهذا من باب العطف على عاملين مختلفين، المجوز عند المصنف قياسا، نحو: إن في الدار زيدا، والحجرة عمرا، على ما يجئ (1). والثاني من الثلاثة الاقسام (2): ما فيه الضمة رفعا، والكسرة جرا، ونصبا، وهو شئ واحد، أعني الجمع بشرطين: أحدهما أن يكون جمع المؤنث احترازا عن جمع المذكر
(1) يأتي الكلام على العطف على معمولي عاملين مختلفين وما فيه من خلاف بين النحاة، في باب العطف ان شاء الله. (2) تقدم التنبيه على أن هذا الاستعمال للعدد مذهب الكوفيين ص 33 من هذا الجزء، هامش رقم 2 (*).
[ 76 ]
الذي هو بالواو والياء والثاني أن يكون سالما احترازا عن المكسر المستوفي للحركات نحو رجال، أو للضم والفتح نحو مساجد. وإنما نقص هذا الجمع الفتح واتبع الكسر، اجراء له مجرى أصله، أعني جمع المذكر السالم، على ما يجئ بعد. والثالث: ما فيه الضمة رفعا، والفتحة نصبا وجرا، وهو أيضا، شئ واحد: غير المنصرف، مفردا كان، أو مجموعا مكسرا، نحو: أحمد، ومساجد، وإنما نقص الكسر واتبع الفتح، لما يجئ في بابه. ثم ثني بمعربات اعرابها بالحروف، وقسمها، أيضا، ثلاثة أقسام: أحدهما: ما استوفى الحروف الثلاثة، كلا في محلها، وهي الاسماء الستة، بشرط افرادها، وكونها غير مصغرة، واضافتها إلى غير ياء المتلكم، لانها إذا ثنيت أو جمعت، فإعرابها إعراب سائر الاسماء المثناة والمجموعة، وكذلك إذا صغرت، لان المصغر منها يتحرك عينه ولامه وجوبا، ليتم وزن فعيل، وحرف العلة المجعول اعرابا يجب سكونه ليشابه الحركة، وإنما اشترط إضافتها إلى غير ياء المتكلم، لما سيجئ أن المقطوع منها عن الاضافة محرك بالحركات لما سنذكر، والمضاف إلى ياء المتكلم لا يتبين اعرابه على ما سيجئ.
وتصريحه (1) بهذه الاسماء الستة يغني عن الاحتراز عن تثنيتها وجمعها وتصغيرها. آراء العلماء (2) في اعراب الاسماء الستة فلهم في إعراب هذه الاسماء أقوال: الاقرب عندي أن اللام في أربعة منها، وهي:
(1) أي تعبيره عنها بالصورة المطلوبة في اعرابها بالحروف. حيث مثل بها مستوفية لهذه الشروط. (2) ما تحت هذا العنوان استمرار لكلام الرضي، وليس لشرح شئ جديد من كلام ابن الحاجب وسيأتي مثل ذلك كثيرا. (*)
[ 77 ]
أبوك، وأخوك، وحموك، وهنوك، أعلام للمعاني المتناوبة كالحركات، وكذا العين في الباقيين منها أعني: فوك، وذومال فهي في حال الرفع: لام الكلمة أو عينها، وعلم العمدة، وفي النصب والجر: علم الفضلة والمضاف إليه فهي مع كونها بدلا من لام الكلمة أو عينها: حرف إعراب. وسنشيد (1) هذا الوجه بعد ذكر الاوجه المقولة فيها. فعن سيبويه: أن هذه الاسماء ليست معربة بالحروف،، بل بحركات مقدرة على الحروف فاعرابها كاعراب المقصور،، لكن أتبعت في هذه الاسماء حركات ما قبل حروف اعرابها، حركات اعرابها، كما في " امرئ، وابنم "، ثم حذفت الضمة للاستثقال، فبقيت الواو ساكنة، وحذفت الكسرة، أيضا، للاستثقال، فانقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، والاعتراض عليه: أنه كيف خالفت الاربعة منها، أعني المحذوفة اللام، أخواتها، من " يد " و " دم "، في رد اللام في الاضافة، وأيش (2) الغرض من ردها، إذا لم يكن لاجل الاعراب بالحرف، وأيضا، اتباع حركة ما قبل الاعراب لحركة الاعراب أقل قليل (3)، وأيضا، يستفاد من الحروف، ما يستفاد من الحركات في الظاهر، فهلا نجعلها
مثلها في كونها أعلاما على المعاني، وقال المصنف: ظاهر مذهب سيبويه: أن لها اعرابين: تقديري، بالحركات، ولفظي بالحروف، قال: لانه قدر الحركة ثم قال في الواو: هي علامة الرفع، وهو ضعيف لحصول الكفاية بأحد الاعرابين، وقال الكوفيون: انها معربة بالحركات على ما قبل الحروف، وبالحروف أيضا،
(1) أي نقويه ونستدل عليه. (2) أيش: أي: أي شئ، وهو تعبير مستحدث جرى على ألسنة كثير من العلماء وهو مختصر من " أي شئ ". (3) أي نادر جدا. (*)
[ 78 ]
وهو ضعيف لمثل ما ضعف له ما تأول به المصنف كلام سيبويه، وقال الاخفش (1): انها مزيدة للاعراب، كالحركات، ويتعذر ما قال في " فوك " و " ذومال "، لبقاء المعرب على حرف واحد، وذلك مالا نظير له، وقال الربعي (1): انها معربة بحركات منقولة من حروف العلة إلى ما قبلها وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وألفا لانفتاحه كما في " ياجل ". وهو ضعيف، لان نقل حركة الاعراب إلى ما قبل حرفها لم يثبت الا وقفا بشرط سكون الحرف المنقول إليه. وقال المازني (2): انها معربة بالحركات، والحروف ناشئة من الاشباع، كما في قوله: 11 - وانني حيثما يدني الهوي بصري * من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور (3) وقوله: 12 - ينباع من ذفري غضوب جسرة * زيافة مثل الفنيق المكدم (4) وهو، أيضا ضعيف، لان مثل ذلك لضرورة الشعر، ويسوغ حذفه بلا اختلال
إلا في الوزن، وأيضا: يبقى: " فوك " و " ذو مال " على حرف،
(1) الاخفش والربعي تقدم ذكرهما وكما قلنا لن نتحدث عمن يرد ذكرهم في هذا الباب إلا عند ورود اسمه لاول مرة، إلا إذا طال العهد، أو كان ممن يقل ذكرهم في هذا الشرح. (2) المازني هو أبو عثمان بكر بن محمد ولد بالبصرة ونشأ في بني مازن بن شيبان فنسب إليهم وهو تلميذ الاخفش سعيد بن مسعدة، توفي سنة 249 ه. (3) استشهاد الشارح بقوله: أدنو فأنظور فقط، على اشباع ضمة الظاء حتى تولدت منها واو. والبيت ثاني بيتين أنشدهما الفراء. ولم ينسبهما هو ولا أحد ممن استشهد بذلك البيت. (4) هذا البيت من معلقة عنترة العبسي، والضمير في ينباع راجع الى الرب أو الكحيل في بيت قبله وهو: وكان ربا أو كحيلا معقدا * حسن الوقود به جوانب قمقم. (*)
[ 79 ]
وقال الجرمى (1): انقلابها هو الاعراب، وأما هي، فاما لام، أو عين، فعلى قوله: لا يكون في الرفع اعراب ظاهر، وهو ضعيف، لدلالة الواو في الظاهر على الفاعلية كالضمة، وقال أبو علي (2): انها حروف اعراب، وتدل على الاعراب، فإن أراد أنها كانت حروف اعراب يدور الاعراب عليها، ثم جعلت كالحركات، فذلك ما اخترنا، وان أراد أن الحركات مقدرة الان مع كونها كالحركات الاعرابية، فهو ما حمل المصنف كلام سيبويه عليه، (3) وقال المصنف: ان الواو، والالف، والياء، مبدلة من لام الكلمة في أربعة منها، ومن عينها في الباقيتين، لان دليل الاعراب لا يكون من سنخ الكلمة (4)، فهي بدل، يفيد ما لم يفده المبدل منه وهو الاعراب، كتاء في " بنت "، تفيد التأنيث بخلاف الواو التي هي أصلها ولا يبقى: " ذو " و " فوك: على حرف، لقيام البدل مقام المبدل منه، هذا آخر كلامه، ويقال عليه، أي محذور يلزم من جعل الاعراب من سنخ الكلمة لغرض التخفيف، فيقتصر على ما يصلح للاعراب من سنخها كما اقتصر في المثنى والمجموع
على ما يصلح للاعراب من سنخهما، أعني علامة التثنية والجمع، إذ هي من سنخ المثنى والمجموع، ثم نقول: (5) انما جعل اعرابها بالحروف الموجودة، دون الحركة، على ما اخترنا، توطئة لجعل اعراب المثنى والمجموع بالحروف، لانهم علموا أنهم يحوجون (6) إلى اعرابها بها، لاستيفاء
(1) الجرمي: أبو عمر صالح بن اسحاق، وكان معاصرا للمازني وشاركه في الاخذ عن شيوخ البصرة توفي سنة 225 ه. (2) أبو علي: الحسن بن أحمد الفارسي أستاذ ابن جني وينقل الرضى عنه كثيرا توفي سنة 377 ه. (3) أي وقد أبطلناه فيما تقدم. (4) من سنخ الكلمة أي من أصلها وجوهرها. (5) هذا ما أشار إليه من قبل بقوله: وسنشيد هذا الوجه ص 76. (6) يحوجون بالبناء للمجهول أي تدفعهم الحاجة. (*)
[ 80 ]
المفرد للحركات، والحروف وان كانت فروعا للحركات في باب الاعراب لثقلها وخفة الحركات، الا أنها أقوى من حيث تولدها منها، فاستبد بالحركات المفرد الاول، وإنما كانت الحروف أقوى، لان كل حرف منها كحركتين أو أكثر، فكرهوا أن يستبد المثنى والمجموع مع كونهما فرعين للمفرد بالاعراب الاقوى، فاختاروا من جملة المفردات هذه الاسماء، وأعربوها بهذا الاقوى، ليثبت في المفردات الاعراب بالحركات التي هي الاصل في الاعراب، وبالحروف التي هي أقوى منها، مع كونها فروعا لها، وفضولها على المثنى والمجموع باستيفائها للحركات الثلاث، كلا في موضعه، وكل واحد من المثنى والمجموع لم يستوفها، ولا كان كل حرف فيهما في موضعه، وانما اختاروا هذه الاسماء بخلاف نحو " غد " لمشابهتها للمثنى، باستلزام كل واحد
منها ذاتا أخرى، كالاخ للاخ، والاب للابن، وخصوا ذلك بحال الاضافة ليظهر ذلك اللازم فتقوى المشابهة، وخصوا هذه الاسماء من بين الاسماء المفردة المشابهة للمثني، لان لام بعضها وعين الاخر حرف علة، يصلح أن يقوم مقام الحركات، فاستراحوا من كلفة اجتلاب حروف أجنبية، مع أن اللام في أربعة منها، كأنها مجلوبة للاعراب فقط، لكونها محذوفة قبل نسيا منسيا، فهي، اذن، كالحركات المجتلبة للاعراب، وكذا الواو في " فوك " لانها كانت مبدلة منها الميم في الافراد، فلم ترد إلى أصلها الا للاعراب، وأما في نحو " حر " (1) فليس لامه حرف علة، وأما نحو: ابن، واسم، فهمزة الوصل فيه بدل من اللام بدليل معاقبتها اياها في النسب نحو: ابني وبنوي، فكان لامهما ليست حرف علة، والحرف المقصود جعله كالحركات من هذه الاسماء واو، فاختاروها، لتكون الواو التي فيها أصلا، للرفع الذي هو أسبق الاعراب، فمن ثم لم يجعلوا منها نحو: " يد " و " دم "، إذ لامه ياء،
(1) أي الفرج. ولامه حاء بدليل جمعه على احراح. (*)
[ 81 ]
ثم نقول: جعلوا الواو يا في الجر، وألفا في النصب، ليكون الالف اعرابا مثل الفتح، والياء مثل الكسر، لا لانفتاح (1) ما قبلها وانكساره، وجعلت ساكنة للتخفيف في المعرب بالحروف التي هي أثقل من الحركات، ولتناسب الحركات التي قامت مقامها، لان الحركات أبعاض حروف المد الساكنة، وجعل ما قبلها من الحركات من جنسها للتخفيف، وللتنبيه في الاربعة منها على أن ما قبل لام الكلمة كان حرف اعراب، وأما في الباقيتين فطردا للباب، ومعنى " حموك " أبو زوجك أو أخوه أو ابنه، وبالجملة. فالحم نسيب (2) زوج المرأة، والهن، الشئ المنكر الذي يستهجن ذكره من العورة والفعل القبيح، أو غير ذلك.
(1) جاء في النسخة المطبوعة: لانفتاح بدون حرف النفي، وأشار السيد الجرجاني إلى أن في بعض النسخ: لا لانفتاح ما قبلها.. وهي تتفق مع المعنى الذي يقصده الشارح فكان لابد من اثبات حرف النفي قبل قوله: لانفتاح. (2) أي قريب زوج المرأة أيا كانت صلة القرابة فليس قاصرا على الاب أو الاخ أو الابن وان كان المستعمل في الكلام مقصورا على الاب الان. (*)
[ 83 ]
[ اعراب المثنى، وجمع المذكر السالم ] (1) والثاني من الثلاثة الاقسام التي اعرابها بالحروف: ما رفعه ألف، ونصبه وجره ياء، وهو المثنى وما حمل عليه، ونعني بالمثنى، كل اسم كان له مفرد ثم ألحق بآخره ألف ونون، ليدل على أن معه مثله من جنسه على ما يجيئ في باب المثنى، فلم يكن " كلا " على هذا داخلا في المثنى إذ لم يثبت " كل " في المفرد، وأما قوله: 13 - في كلت رجليها سلامى زائدة (2) فالالف محذوفة للضرورة، كما يجئ، وكذلك: اثنان، إذ لم يثبت للمفرد " اثن "، لكن " كلا " ليس بمثنى، ولا وضعه وضع المثنى، لان ألفه كألف " عصا "، بخلاف " اثنان "، فانه ليس بمثنى كما ذكرنا، لكن وضعه وضع المثنى، إذ هو كقولك: ابنان، واسمان، محذوف اللام مثلهما، لانه من الثني، وكان عليه، أن يذكر أيضا، مذروان (3)، إذ لم يستعمل مفرده، فان زعم أنه ثابت
(1) وما تحت هذا العنوان أيضا استمرار لكلام الشارح الرضى. (2) بعده: كلتاهما قد قرنت بواحدة. وهو في وصف تعامة: والسلامي واحدة السلاميات وهي عقد الاصابع، قال البغدادي رأيت هذا البيت في حاشية الصحاح، ونقل أيضا روايته عن الفراء ولم ينسبه لاحد. (3) المذروان طرفا الاليتين، وقد ورد استعماله في شعره عنترة:
أحولي تنفض استك مذرويها * لتقتلني فها أنذا عمارا ولا يستعمل هذا اللفظ إلا مثنى كما قال الشارح. (*)
[ 84 ]
في التقدير إذ كأنه كان " مذرى " ثم ثني، لم يمكنه مثل ذلك في " ثنايان " فكان عليه أن يذكره، وذلك أن معنى " ثناء "، لو استعمل: طرف الحبل، وليس في الطرف الواحد معنى الثنى، كما لم يمكن أن يقال لمفرد " اثنان ": " اثن "، إذ ليس في المفرد معنى الثني، فالثنايان: طرفا الحبل المثني، فالثني في مجموع الحبل، لا في كل واحد من طرفيه، وكان عليه، أيضا، أن يذكر ههنا: هذان، واللذان، ونحوهما، لان ظاهر مذهبه، كما ذكر في شرح المفصل: أنها صيغ موضوعة للمثنى غير مبنية على الواحد، وقال: ويدل عليه: جواز تشديد نون " هذان "، وأنهم لم يقولوا: ذيان، واللذيان (1)، فنحو ذان، واللذان، عنده، في المثنى ينبغي أن يكون مثل: عشرون، في الجمع، كلاهما صيغة موضعة وان ثبت في الظاهر ما يوهم أنه مفردها، وانما أعرب المثنى وجمع المذكر السالم بالحروف، لان الحركات استوفتها الاحاد، مع أن في آخرهما ما يصلح لان يكون اعرابا من حروف المد، ومن ثم، أعرب المكسر، وجمع المؤنث السالم بالحركات، وانما أعرابا هذا الاعراب المعين، لان الالف كان جلب (2) قبل الاعراب في المثنى علامة للتثنية، وكذا الواو في الجمع، علامة للجمع، لمناسبة الالف بخفته لقلة عدد المثنى، والواو بثقله لكثرة عدد الجمع، وهذا حكم مطرد في جميع المثنى والمجموع، نحو: ضربا، وضربوا، وأنتما، وأنتموا، وهما، وهموا، وكما، وكموا (3)، ثم أرادوا اعرابهما، فان المثنى والمجموع متقدم (4)، لا محالة، على اعرابهما،
(1) لان المفرد صغر فيها وان كان التصغير فيه شاذا. وعدم تصغير المثنى يدل على انه صيغة مستقلة كما قال.
(2) سيأتي في باب خبر كان: ان المصنف يختار وقوع خبرها فعلا ماضيا بدون تقدير قد، وقال انه لا حاجة إلى تقديرها في نحو قوله تعالى " ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل " وسيذكر آراء النحاة في ذلك ويناقشها. (3) اقتصر على ذكر الضمير المتصل بنحو أكرمتكما وأكرمتكمو، لتحديد المراد من التمثيل. (4) أي أن وجودهما متقدم على اعربهما. (*)
[ 85 ]
فجعل فيهما ما يصلح لان يكون إعرابا، وأسبق الاعراب الرفع لانه علامة العمد، كما ذكرنا، فجعلوا ألف المثنى وواو المجموع علامتي الرفع فيهما، ولم يبق من حروف اللين، التي هي أولى بالقيام مقام الحركات، إلا الياء للجر والنصب في المثنى والمجموع، والجر أولى بها، فقلبت ألف المثنى وواو الجمع في الجر ياء، فلم يبق للنصب حرف، فاتبع الجر، دون الرفع، لكونهما علامتي الفضلات، بخلاف الرفع، وترك فتح ما قبل الياء في المثنى، ابقاء على الحركة الثابتة قبل اعراب المثنى، مع عدم استثقالها، وأما الضم قبل ياء الجمع فقلب كسرا لاستثقاله قبل الياء الساكنة لو أبقى، والتباس الرفع بغيره، وبطلان السعي (1) لو قلبت الياء لضمة ما قبلها واوا، مع أن تغير الحركة أولى من تغيير الحرف، فارتفع التباس المجموع بالمثنى بسبب كسر ما قبل ياء المجموع ان حذف نوناهما بالاضافة، وكسر النون في المثنى لكونه تنوينا ساكنا في الاصل، والاصل في تحريك الساكن، إذا اضطر إليه أن يكسر، لما يجئ في التصريف، وفتح في الجمع للفرق، فحصل الاعتدال في المثنى بخفة الالف وثقل الكسرة، وفي الجمع بثقل الواو، وخفة الفتحة، وأما الياء فيهما، فطارئة للاعراب كما ذكرنا، وقال سيبويه (2): حروف المد في المثنى والمجموع حروف اعراب، فقال بعض أصحابه: الحركات مقدرة عليها قياسا على مذهبه في الاسماء الستة، فالمثنى والمجموع، إذن معربان بالحركات المقدرة كالمقصور. وفهم الاعراب من هذه الحروف يضعف هذا القول.
وقال أبو علي (3): لا اعراب مقدر عنه سيبويه على الحروف، لان النون عوض من الحركة والتنوين، قال: وانما أبدل من الحركة مع كون انقلاب الحرف دالا على المعنى، لان الانقلاب معنى لا لفظ، فقصد الاعراب اللفظي،
(1) وهو قصد جعل الياء علامة الجر والنصب. (2) كتاب سيبويه ج 1 ص 4. (3) أي الفارسي، وقد تقدم. (*)
[ 86 ]
ونقول: بأي شئ نعرب أن هذه أن هذه الحروف كانت في الاصل حروف الاعراب، ولم لا يجوز، كما اخترنا، أن يجعل ما هو علامة المثنى والمجموع قبل كونه حرف الاعراب، علامة الاعراب أيضا، فيكون علامة المثنى والمجموع وعلامة الاعراب معا، إذ لا تنافي بينهما، ثم نقول: الدال على المعنى هو الالف والواو والياء، وهي لفظية، فان قيل: كيف يكون معرب بلا حرف اعراب ؟ قلنا: ذاك انما يلزم إذا أعرب بالحركات لانها لا بد لها من الحروف فأما إذا أريد الاعراب بالحروف، فان الحرف لا يحتاج إلى حرف آخر يقوم به، وقال الاخفش، والمازني، والمبرد (1): إنها دلائل الاعراب، لا حروف الاعراب، وقال الكوفيون: هي الاعراب. ومعنى القولين سواء، فان أرادوا أنها زيدت من أول الامر للاعراب ففيه نظر، إذ ينبغي أن يصاغ المثنى والمجموع أولا ثم يعربا. وان أرادوا أنهم جعلوا علامتي المثنى والمجموع دلائل الاعراب، فذلك ما اخترناه، وقال الجرمي (1): هي حروف الاعراب، وانقلابها علامة الاعراب، فعلى مذهبه، يكونان في الرفع معربين بحركة مقدرة، إذ الانقلاب لم يحصل بعد، كما ذكرنا على مذهبه في الاسماء الستة. (2).
وقال بعضهم: الاعراب بالحركات مقدر في متلو الالف والواو والياء والحروف دلائل الاعراب،
(1) تقدم ذكر هؤلاء جميعا. (2) ص 79 من هذا الجزء. (*)
[ 87 ]
وهذا قريب من قول الكوفيين في الاسماء الستة، والكلام عليه ما مر هناك (1)، فان قيل: علامة الاعراب لا تكون الا بعد تمام الكلمة، وأنتم اخترتم في الاسماء الستة وفي المثنى والمجموع حصولها قبل تمام حروفها، فالجواب أن حق اعراب الكلمة أن يكون بعد صوغها وحصولها بكمال حروفها وفي آخرها، لما تقدم من أن الاعراب دال على صفات الكلمة، فيكون بعد ثبوتها، فان كان بالحركات فلا بد أن يكون على حرفها الاخير، ومحل الحركة بعد الحرف، كما مر، فتكون الحركة بعد جميع حروف الكلمة، وأما إذا كان بالحروف التي هي من سنخ الكلمة، فلا بعد أن يكون الحرف آخر حروفها، ويكون الاعراب بها أيضا بعد ثبوت جميع حروف الكلمة لانها انما تجعل اعرابا بعد ثبوت كونها آخر حروف الكلمة، أما نون المثنى والمجموع، فالذي يقوي عندي، أنه كالتنوين في الواحد في معنى كونه دالا على تمام الكلمة، وانها غير مضافة، لكن الفرق بينهما ان التنوين مع افادته هذا المعنى يكون على خمسة أقسام، كما مر (2)، بخلاف النون، فانه لا يشوبها من تلك المعاني شئ. وانما يسقط التنوين مع لام التعريف لاستكراه اجتماع حرف التعريف مع حرف يكون في بعض المواضع علامة للتنكير، ولا تسقط النون معها، لانها لا تكون للتنكير، وكذا يسقط التنوين للبناء في نحو: " يا زيد " و " لا رجل "، بخلاف النون في نحو: " يا زيدان " و " يا زيدون " و " لا مسلمين " و " لا مسلمين "، لانها ليست للتمكن
كالتنوين.
(1) ص 77 من هذا الجزء. (2) ص 45 من هذا الجزء. (*)
[ 88 ]
وكذا يسقط التنوين رفعا وجرا في الوقف، بخلاف النون، لانها متحركة واسكان المتحرك يكفي في الوقف، وان كان الحرف الاخير ساكنا فان كان ذلك بعد حركة الاعراب وهو التنوين فقط، حذف بعد الضم والكسر وقلب ألفا بعد الفتح لانه حرف معرض للحذف، لعدم لزومه للكلمة، وضعفه بالسكون، والوقف محل التخفيف والحذف، فخففت (1) بعد الفتح بقلبها ألفا لخفة الالف، وحذفت بعد الضم والكسر لثقل الواو والياء وقلبهما حرف علة، لما يجئ في التصريف من المناسبة بينهما، وان كان الساكن حرفا أخيرنا من جوهر الكلمة فان كان حرفا صحيحا، نحو: ليضرب، و " من "، و " كم "، بقيت (2) بحالها، وكذا ان كانت ألفا لخفتها، نحو: الفتي، وحبلي، ويخشي، وان كانت واوا، أو ياء، نحو: القاضي، ويرمي، ويدعو، فالاولى الاثبات، وجاز الحذف، كما يجئ في باب الوقف، وقال سيبيويه: النون في الاصل عوض من حركة الواحد وتنوينه معا (3)، لان حروف المد، عنده، حروف اعراب امتنعت من الحركة فجئ بالنون بعدها، عوضا من الحركة والتنوين اللذين كان المفرد يستحقهما ثمة، والحركة وان كانت مقدرة على الحروف عند بعض أصحابه، لكن لما لم تظهر كانت كالعدم، ثم انه رجح جانب الحركة مع اللام أي جعل عوضا منها بعد ما كان عوضا منهما، فثبت معها ثبات الحركة، وجانب التنوين مع الاضافة فحذف معها حذف التنوين، فهي في نحو: جاءني رجلان يا فتى، عوض منهما، وهو الاصل، وفي: الرجلان، عوض من الحركة فقط، وفي: رجلا زيد، من التنوين فقط، وفي: رجلان، وقفا، ليس عوضا منهما ولا من أحدهما، وفي نحو: يا زيدان، ولا رجلين: عوض من حركة البناء فقط،
(1) يريد التنوين (2) الحديث عن الحرف الاخير من الكلمة. وقد جرى هنا على التعبير عنه بأسلوب المؤنث: في قوله بقيت.. وكذا ان كانت ألف لخفتها.. الخ. (3) كتاب سيبويه ج 1 ص 4. (*)
[ 89 ]
وفيما قال بعد، لان حروف العلة الدالة على ما دلت عليه الحركة، مغنية عن التعويض من الحركة، وقال بعض الكوفيين: انه تنوين، حركت للساكنين فقويت بالحركة، وهو ما اخترنا، ان ارادوا انه كالتنوين في معنى كونه علامة التمام، لا في المعاني الخمسة، وقيل: هو بدل من الحركة وحدها، وهو ضعيف لحذفها في الاضافة، وقال الفراء: هو للفرق بين المفرد المنصوب الموقوف عليه بالالف، والمثنى المرفوع، وثبوته مع اللام يضعفه، وكذا مع الياء وواو الجمع، وقيل: هو بدل من تنوينين في المثنى، ومن أكثر في المجموع، بناء على أن المثنى، كان في الاصل مفردا مكررا مرتين، والجمع مفردا مكررا أكثر منهما، ودون تصحيح (1) ذلك خرط القتاد، ومع تسليمه نقول: انهما مصوغان صيغة اسم مفرد، ككلا، ورجال، وعشرة، فلا يستحقان الا تنوينا واحدا لانه أهدر ذلك التكرير اللفظي،
(1) أي دون اثباته. وهذا مبالغة منه في الرد على هذا الرأي (*)
[ 91 ]
[ كلا وكلتا ] (1) [ وتفصيل أحكامهما ] وأما " كلا " فاعرب اعراب المثنى، لشدة شبهه به لفظا، بكون آخره ألفا، ولا
ينفك عن الاضافة، حتى يتميز عنه بالتجرد عن النون، ومعنى، بكونه مثنى المعنى، وخص ذلك بحال إضافته إلى المضمر، وهو ثلاثة أشياء، نحو: كلاهما، وكلاكما، وكلانا، لانه إذا كان مضافا إلى المضمر فالاغلب كونه جاريا على المثنى تأكيدا له نحو جاءني الرجلان كلاهما، وجئتما كلاكما، وجئتنا كلانا، وان جاز أيضا، ان تقول: كلاهما جاءني بعد ذكر شخصين فلا يكون تأكيدا، وكذا: كلاكما جئتما، وكلانا جئنا، وإذا كان في الاغلب جاريا على المثنى، وهو موافق له معنى ولفظا، كما مر، وأصل المثنى أن يكون معربا، فالاولى جعله موافقا لمتبوعه في الاعراب، ثم طرد ذلك فيما إذا إذا لم يتبع المثنى المعرب نحو: جئنا كلانا، وجئتما كلاكما، وجاءا كلاهما، وكلاهما جاءاني، (2)
(1) هذا العنوان كما تقدم في الاسماء الستة والمثنى. وما بعده استمرار لكلام الشارح. (2) كلاهما جاءاني بتثنية الضمير العائد على كلا أحد وجهين جائزين: والمؤلف يستعمل كلا من الوجهين. (*)
[ 92 ]
وأما إذا أضيف إلى المظهر فانه لا يجري على المثنى أصلا، إذ لا يقال جاءني أخواك كلا أخويك، وكنانة يعربونه، مضافا إلى المظهر أيضا اعراب المثنى، وذكر صاحب المغني (1) أن بعض العرب يثبت الالف في " كلا وكلتا " مضافين إلى المضمر في الاحوال كلها، كما في المضافين إلى المظهر، ولا أدري ما صحته ! وألف " كلا " بدل من الواو عند سيبويه، لابدال التاء منها في المؤنث كما في بنت، وأخت، ولم تبدل التاء من الياء الا في " اثنتين "، وقال السيرافي (2): هو بدل من الياء لسماع الامالة فيه، وأما الكسرة فلا تؤثر عند المصنف في امالة الالف المنقلبة عن الواو، ويجئ الكلام
عليه في باب الامالة، و " كلتا ": فعلى (3)، والالف للتانيث جعل اعرابا كما في " كلا " وانما جئ بالف التأنيث بعد التاء ولم يكن جمعا بين علامتي تأنيث، لان التاء لم تتمحض للتانيث، فلهذا جاز توسطها، بل فيها رائحة منه لكونها بدلا من اللام في المؤنث، كاخت، وبنت،
(1) صاحب المغني الذي يقصده الشارح هو منصور بن فلاح اليمني من علماء القرن السابع. وكان معاصرا للرضى فقد ذكر في كشف الظنون أنه انتهى من تأليف كتابه " المغني " سنة 672 ه والرضى انتهى من تأليف هذا الشرح سنة 686 ه. ولم يذكره الرضى باسمه في هذا الشرح وترجم له السيوطي في بغية الوعاة ولم يذكر من مؤلفاته " المغني " ولكنه نقل عنه في كتابه: الاشباه والنظائر كثيرا، باسمه مرة، وبقوله صاحب المغني أخرى. (2) السيرافي هو أبو سعيد بن عبد الله نشا بسيراف من بلاد فارس ورحل إلى عمان وانتهى به المطاف في بغداد وأخذ عن ابن دريد وابن السراج وشرح كتاب سيبويه توفي سنة 368 ه. (3) ومن هنا ترسم بالياء أحيانا. (*)
[ 93 ]
وثنتان، ولهذا لم يفتح ما قبلها، ولم تنقلب تاء بنت وأخت في الوقف هاء، وأجاز يونس (1): أختي وبنتي، ولو كانت لمحض التأنيث لم تجز هذه الامور، والالف، أيضا، لما كانت تتغير للاعراب صارب كأنها ليست للتانيث، فجاز الجمع بينهما، وعند الجرمي: وزنه فعتل، ولم يثبت مثله في كلامهم، وعند الكوفيين: الالف في: كلا، وكلتا للتثنية، ولزم حذف نونيهما، للزومهما للاضافة، وقالوا: أصلهما " كل " المفيد للاحاطة، فخفف بحذف احدى اللامين، وزيد ألف التثنية، حتى يعرف أن المقصود: الاحاطة في المثنى، لا في الجمع، قالوا: ولم يستعمل واحدهما، إذ لا احاطة في الواحد، فلفظهما كلفظ الاثنين سواء، وقالوا: ويجوز للضرورة: استعمال الواحد، قال:
في كلت رجليها سلامى زائدة * كلتاهما مقرونة بواحدة (2) - 13 وقال: 14 - كلت كفيه توالي دائما * بجيوش من عقاب ونعم (3) والجواب: أنهما لو كانا مثنيين، لم يجز رجوع ضمير المفرد إليهما، قال: 15 - كلانا إذا ما نال شيئا أقاته * ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل (4)
(1) يونس بن حبيب الضبي وكنيته أبو عبد الرحمن من أوائل أئمة النحو أخذ عن أبي عمرو بن العلاء، وواجه العرب وأخذ عنهم وتلقى عنه الكسائي والفراء، ونقل عنه سيبويه كثير في كتابه، توفي سنة 182 ه. (2) تقدم هذا الشاهد قريبا ص 83 من هذا الجزء، بالرقم المذكور معه. وكذلك نفعل في كل ما يتكرر ذكره من الشواهد. (3) شرحه البغدادي وبين وجه الشاهد فيه ولم ينسبه. (4) الارجح أن هذا البيت من أبيات لتابط شرا - ثابت بن جابر، وهو يتحدث عن الذئب الذي جاء ذكره في بيت قبل هذا. وزعم بعضهم أنه من معلقه امرئ القيس وأنه بعد قوله في المعلقة: كان الثريا علقت في مصامها * بامراس كتان إلى صم جندل ومعنى قوله: ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل: ان كسبي وكسبك قليل، ومن يكون مثلنا في كسبه يموت من الهزال، وقيل فيه أوجه أخرى. (*)
[ 94 ]
وقال تعالى: " كلتا الجنتين آتت أكلها " (1)، ولوجب قلت ألفيهما نصبا وجرا، أضيفا إلى المضمر، أو إلى المظهر، كسائر التثاني، (2) وأما البيتان، فالالف حذف فيهما للضرورة بدليل فتح التاء، ولو كانت مفردة لوجب كسر التاء في قوله " في كلت " وضمه في قوله " كلت كفيه، ولكان معنى المفرد مخالفا لمعنى المثنى، واعلم أن كلا وكلتا، لا تضافان إلا إلى المعارف، لان وضعهما للتأكيد ولا يؤكد التأكيد المعنوي الا المعارف، كما يجئ في بابه،
والمضاف إليه يجب أن يكون مثنى، إما لفظا ومعنى، نحو: كلا الرجلين، أو معنى، نحو: كلانا..، ولا يجوز تفريق المثنى الا في الشعر، نحو: كلا زيد وعمرو، والحاق التاء بكلا مضافا إلى مؤنث أفصح من تجريده، نحو: كلا المراتين، ويجوز الحمل على اللفظ مرة، وعلى المعنى أخرى، قال تعالى: " كلتا الجنتين آتت أكلها "، ثم قال: " وفجرنا خلالهما نهرا " (3)، والقسم الثالث ما فيه الواو والياء، قال: إنما افردت " أولو "، وعشرون وأخواتها بالذكر، لان جمع المذكر السالم: كل اسم ثبت مفردة ثم ألحق بذلك المفرد واو ونون، دلالة على ما فوق الاثنين، وليس " أولو " و " عشرون " وأخواتها (4) كذلك، لان " أولو " موضوع وضع جمع السلامة، وليس به، إذ لم يات " أول " في المفرد، وكذا، عشرون وأخواته، وليس " عشر " و " ثلاث " و " أربع " آحادا لعشرون وثلاثون وأربعون، وان أوهم ذلك، إذ لو كان كذلك لقيل لثلاث عشرات مع كل عشرة تزيد عليها: عشرون، لان أقل الجمع ثلاثة، وكذا قيل ثلاثون للتسعة مع كل ثلاثة تزيد عليها،
(1) من الاية 33 من سورة الكهف. (2) يريد كسائر المثنيات، والكلمة هكذا وردت في النسخة المطبوعة. (3) متصلة بالاية السابقة 33 سورة الكهف. (4) أي أخوات عشرين. وهي ثلاثون... إلى تسعين ويسمونها العقود. (*)
[ 95 ]
وأما عليون، وقلون (1)، ونحوها، فانها جمع عليه، وقلة ونحوها وان كانت على خلاف القياس، هذا قوله، ولنا أن نحد المثنى بانه اسم دال على مفردين في آخره ألف، أو ياء، ونون مزيدتان، فيدخل فيه، اثنان، وثنايان ومذروان، واللذان، وهذان، بخلاف " كلا "، فلا نحتاج إلى إفراد هذه المثنيات بالذكر، ونحد جمع المذكر السالم بانه اسم
دال على أكثر من اثنين في آخره واو، أو ياء، ونون مزيدتان، فيدخل فيه أولو، وعشرون وأخواته، وأما ذوو، فهو داخل في حد الجمع المذكور على أي وجه كان، لان واحده: ذو، قال: 16 - فلا أعني بذلك أسفليكم * ولكني أريد به الذوينا (2)
(1) قلون جمع قلة، وهي لعبة للصبيان، تتخذ من الاعواد، والعصي. (2) هذا البيت من قصيدة طويلة للكميت بن زيد يهجو بها أهل اليمن، والمعنى: لا أقصد بهجائي أراذلكم وأسافلكم وإنما أعني به الذوينا أي الملوك والاكابر وكانوا يلقبون (بذو كذا) كذي نواس وذي رعين وذي يزن الخ. (*)
[ 97 ]
الاعراب اللفظي والاعراب التقديري قال ابن الحاجب: " التقدير فيما تعذر، كعصا، وغلامي مطلقا، أو استثقل " كقاض رفعا وجرا، ونحو " مسلمي " رفعا، واللفظي فيما عداه "، قال الرضى: هذا بيان أن الاعراب المذكور، في أي الاسماء المعربة يكون مقدرا، وفي أيها يكون ظاهرا، صحر الاسماء المقدرة الاعراب لا مكان ضبطها فبقى ما لم يذكر منها ظاهر الاعراب، قوله " فيما تعذر "، أي في معرب تعذر اعرابه، فحذف المضاف وهو " اعراب " وأقام المضاف إليه، أعني الضمير، مقامه، فصار مرفوعا، فاستتر في الفعل، اعلم أن تقدير الاعراب لاحد شيئين: إما تعذر النطق به واستحالته وإما تعسره واستثقاله.
فالمعتذر في بابين يستحيل في كل واحد منهما على الاطلاق، أي رفعا ونصبا وجرا، الاول باب " عصا " يعني كل معرب مقصور، فانه يتعذر اعرابه لفظا في الاحوال الثلاث، لان الالف لو حاولت تحريكه لخرج عن جوهره وانقلب حرفا آخر، أي همزة، فلا
[ 98 ]
يمكن تحريك الالف مع بقائه ألفا، والثاني باب " غلامي "، يعني كل مفرد احترازا عن نحو: غلاماي، ومسلمي، مضافا إلى ياء المتكلم فانه يتعذر الاعراب اللفظي فيه مطلقا أيضا، لان اعراب المضاف متاخر عن اضافته، وذلك لان الاسم انما يستحق الاعراب بعد تركيبه مع عامله، كما نقرر، ففي قولك: جاء غلام زيد، مثلا، لم يستحق المضاف الاعراب الا بعد كونه مسندا إليه، أي كونه عمدة الكلام، إذ هو المقتضى لرفع الاسماء، وكونه مسندا إليه مسبوق بثبوته أولا في نفسه، والمسند إليه المجئ في مثالنا ليس مطلق الغلام، بل الغلام المتصف بصفة الاضافة إلى زيد، فالاعراب مسبوق بالاضافة فالاول الاضافة ثم كون المضاف عمدة أو فضلة، ثم الاعراب. ثم نقول: لما أضافوا الاسم المفرد إلى ياء المتكلم، التزموا أن يكون حركة ما قبل الياء كسرة لتوافقها، فلما أرادوا الاعراب بعد ذلك وجدوا محل الاعراب مشتغلا بحركة لازمة، واحتمال الحرف لحركتين متخالفتين كانتا أو متماثلتين، مستحيل ضرورة. وكذا في نحو: قاضي في المفرد، يستحيل ظهور الاعراب فيه لوجوب ادغام حرف الاعراب. وأما المستثقل اعرابه فشيئان، يستثقل في أحدهما رفعا وجرا، وفي الاخر رفعا، فالاول الاسم المنقوص، أي الذي حرف اعرابه ياء قبلها كسرة، فيستثقل الضم والكسر على الياء المكسور ما قبلها، وذلك محسوس لضعف الياء، وثقل الحركتين مع تحرك ما قبلها بحركة ثقيلة، فان سكن ما قبلها، وما قبل الواو، لم تستثقل الحركتان عليهما، نحو: ظبي، ودلو، وكرسي، ومغزو، وأما الفتحة فلخفتها لا تستثقل على الياء مع كسرة ما
قبلها، نحو: رايت القاضي. ويسمى هذا النوع منقوصا لانه نقص حركتين، وسمي نحو: الفتى، والعصا، مقصورا، لكونه ضد الممدود، أو لكونه ممنوعا من مطلق الحركات، والقصر: المنع، والاول أولى، لانه لا يسمى نحو: غلامي مقصورا وان كان ممنوعا من الحركات الاعرابية أيضا. هذا، مع أنه لا يجب اطراد الالقاب، وأيضا، مذهب النحاة أن نحو: غلامي
[ 99 ]
مبني على ما يجئ، والمقصور من ألقاب المعرب. والثاني: كل جمع مذكر سالم مضاف إلى ياء المتكلم، فان رفعه، وحده، مقدر فيه، وذلك نحو: جاءني مسلمي والاصل مسلموي، اجتمعت الواو والياء مع تماثلهما في اللين وأولاهما ساكنة مستعدة للادغام، فقلب أثقلهما إلى أخفهما، أعني الواو إلى الياء، إذ المراد بالادغام التخفيف، وكذا يعمل لو كانت الثانية واوا، نحو سيد وميت، وان كان القياس في ادغام المتقاربين قلب الاول إلى الثاني، كما يجئ في التصريف، ان شاء الله تعالى، وأدغم بعد القلب أولاهما في الاخرى وكسر ما قبل الياء لاتمام ما شرعوا فيه من التخفيف، ولكون الضمة قريبة من الطرف، والطرف محل التغيير، فمن ثم، لم يكسر الضم في نحو: سيل، وميل، أي لانه لم يسبقه تخفيف آخر حتى يتمم به، ولم يكن الضم قريبا من الطرف، وليست الياء الساكنة المدغمة (1)، في امتناع انضمام ما قبلها كالياء الساكنة غير المدغمة، فان ذلك (2) لا يجوز فيها، ولذا قيل في جمع أبيض: بيض، وفي " فعلى " من الطيب: طوبي، وأما المدغمة في المتحركة، فكأنها متحركة، لصيرورتها مع المتحركة كحرف واحد، فنحو سيل كهيام. وإن كان الاسم الذي قلب واوه ياء للادغام في الياء، على أخف الاوزان، أي ثلاثيا ساكن الوسط، جوزوا، أيضا، بقاء الضم على حاله، فقالوا في جمع ألوي، لي،
فثبت أن الواو الذي هو علامة الرفع مقدر في جاءني مسلمي. وأما في حالة الجر والنصب، فالياء باقية، الا أنها أدغمت، والمدغم ثابت، ولعله انما لم يعد نحو: جاءني صالحا القوم، وصالحو القوم، ورايت صالحي القوم، ومررت بصالحي القوم، من المقدر حرفه، لظهور عروض الحذف لان الكلمتين مستقلتان، بخلاف نحو: مسلمي، فان المضاف إليه لكونه ضميرا متصلا، كجزء المضاف.
(1) أي التي تكون قريبة من الطرف. (2) أي امتناع انضمام ما قبلها، وكان أوضح من هذا أن يقول فان ذلك يجوز فيها وتكون الاشارة إلى انضمام ما قبلها. أو ان ذلك لا يمنتع فيها. (*)
[ 100 ]
وأما لفظة " في (1) " في الاحوال الثلاث، فقد دخلت في باب " غلامي " فلذا لم تفرد بالذكر. وكان عليه أن يعد في المستثقل اعرابه: الموقوف عليه رفعا وجرا بالسكون نحو جاءني زيد، ومررت بزيد، وأن يعد في قسم المتعذر اعرابه مطلقا: المحكي في نحو: من زيد، ومن زيدا، ومن زيد، لكونه معربا مقدرا الاعراب وجوبا، لاشتغال محله بحركة الحكاية. واعلم أن مذهب النحاة أن باب " غلامي " مبني لاضافته إلى المبنى، وخالفهم المصنف، كما رأيت، لانه عده من قسم المعرب المقدر اعرابه وهو الحق، بدليل اعراب نحو: غلامه، وغلامك، وغلاماي. ومن أين لهم أن الاضافة إلى المبنى مطلقا سبب البناء، بل لها شرط، كما يجئ في الظروف المبنية. فإذا عرفت المعرب الذي اعرابه مقدر، اما مطلقا، أو في بعض الاحوال دون بعض، فما بقي من المعربات: اعرابه ظاهر، وهو قوله: " واللفظي فيما عداه.
* * * ما لا ينصرف حصر العلل المانعة من الصرف ووجه مشابهته للفعل قال ابن الحاجب: غير المنصرف ما فيه علتان من تسع، أو واحدة منها تقوم " مقامهما، وهي:
(1) أي لفظ " فو " مضافا إلى ياء المتكلم. (*)
[ 101 ]
" عدل ووصف وتأنيث ومعرفة * وعجمة ثم جمع ثم تركيب " " والنون زائدة من قبلها ألف * ووزن فعل وهذا القول تقريب " " مثل: عمر، وأحمر، وطلحة، وزينب، وابراهيم ومساجد ومعديكرب " " وعمران، وأحمد، وحكمه أن لا كسر ولا تنوين "، قال الرضى: أعلم أولا أن قول النحاة: ان الشئ الفلاني علة لكذا، لا يريدون به أنه موجب له، بل المعنى أنه شئ إذا حصل ذلك الشئ ينبغي أن يختار المتكلم ذلك الحكم، لمناسبة بين ذلك الشئ وذلك الحكم، والحكم في اصطلاح الاصوليين: ما توجبه العلة، واياه عني المصنف بقوله: " وحكمه أن: لا كسر ولا تنوين "، لان سقوط الكسر والتنوين في غير المنصرف مقتضى العلتين، وتسميتهم، أيضا، لكل واحد من الفروع في غير المنصرف سببا وعلة: مجاز، لان كل واحد منها جزء العلة لا علة تامة إذ باجتماع اثنين منها يحصل الحكم، فالعلة التامة، إذن، مجموع علتين، أو واحدة منها تقوم مقامهما، مع حصول شرط كل واحد منها وستعرف الشروط ان شاء الله تعالى: ويدخل في الحد الذي ذكره المصنف لغير المنصرف: ما دخله الكسر والتنوين
للضرورة أو التناسب، وكذا المجموع بالالف والتاء علما، والمجموع بالواو والنون علما للمؤنث، كمسلمات ومسلمون، وان لم يحذف منهما الكسر والتنوين، لثبوت العلتين في جميع ذلك. ففي قوله بعد: " ويجوز صرفه للضرورة أو التناسب " نظر، لان الصرف، على قوله عبارة عن تعري الاسم عن السببين المعتبرين، وعن السبب القائم مقامهما، وهو في حال الضرورة، وقصد التناسب غير مجرد عنهما، فكان الوجه أن يقول، ويزول حكم غير المنصرف للضرورة أو للتناسب، لان حكم غير المنصرف حكم قد يتخلف عن العلة، بخلاف حكم المعرب أعني اختلاف الاخر باختلاف العوامل لفظا أو تقديرا فانه لا يتخلف عن علة الاعراب. وعلى ما حد النحاة غير المنصرف أعني قولهم: هو ما لا يدخله الكسر والتنوين للسببين،
[ 102 ]
يجوز أن يقال: يجوز صرفه للضرورة. وكذا، على ما حد المصنف، يكون ما دخله اللام أو الاضافة مما فيه علتان من التسع غير منصرف، وعند غيره هو منصرف، سواء قالوا: ان الكسر سقط تبعا للتنوين، أو قالوا: ان الكسر والتنوين سقطا معا، وذلك أن أكثرهم قالوا: ان الاسم لما شابه الفعل، حذف لاجل مشابهته اياه علامة تمكنه التي هي التنوين، أي علامة اعرابه، لان أصل الاسم الاعراب، وأصل الفعل البناء وجعلوا ترك الصرف عبارة عن حذف التنوين، وقالوا: ثم تبعه الكسر بعد صيرورة الاسم غير منصرف، وقووا هذا القول بأنه لما لم يكن مع اللام والاضافة تنوين حتى يحذف لمنع الصرف لم يسقط الكسر، فظهر أن سقوطه لتبعية التنوين بالاصالة. فعلى قول هؤلاء: نحو الاحمر، وأحمركم، منصرف لان التنوين لم يوجد فيحذف، كما في أحمران وأجمعون.
وقال بعضهم: انه لما شابه الفعل حذف الكسر والتنوين معا لمنع الصرف ونحو: الاحمر وأحمركم، عندهم، أيضا منصرف، لان الكسر والتنوين لم يحذفا، ولا أحدهما مع اللام والاضافة لمنع الصرف. والاول أقرب أعني أن الكسر سقط تبعا للتنوين، وذلك أنه يعود في حال الضرورة مع التنوين تابعا له، مع أنه لا حاجة داعية إلى اعادة الكسر، إذ الوزن يستقيم بالتنوين وحده، فلو كان الكسر حذف أيضا لمنع الصرف كالتنوين، لم يعد بلا ضرورة إليه، إذ مع الضرورة، لا يرتكب الا قدر الحاجة. وانما تبعه الكسر في الحذف، لان التنوين يحذف لا لمنع الصرف أيضا، كما في الوقف، ومع اللام والاضافة والبناء، فأرادوا النص من أول الامر على أنه لم يسقط الا لمشابهة الفعل لا للاضافة ولا للبناء ولا لشئ آخر، فحذفوا معه صورة الكسر التي لا تدخل
[ 103 ]
الفعل، ولهذا يؤتى بنون العماد (1) في نحو: ضربني، ويضربني، وانما لم يظهر أثر منع الصرف في المثنى وجمع المذكر السالم مع اجتماع السببين نحو أحمران، ومسلمون علمين للمؤنث، لان النون فيهما ليس للتمكن كما ذكرنا حتى يحذف فيتبعه الكسر، وأيضا، فان النصب فيهما تابع للجر، فلم يتبع الجر النصب، بلى، ان سمي بهما وأعربا اعراب المفرد، أي جعل النون معتقب الاعراب، وجب منع صرفهما للعلتين، لان فيهما، اذن، تنوين التمكن، ولا يتبع نصبهما الجر. ثم نقول: أصل الاسم الاعراب، كما ذكرنا، ثم قد يتفق مشابهته للفعل وهي على ثلاثة أضرب: احدها، وهو أقواها: أن يصير معنى الاسم: معنى الفعل سواء كما في أسماء الافعال، فيبنى الاسم، نظرا إلى أصل الفعل الذي هو البناء ويعطي عمله. وثانيها، وهو أوسطها، أن يوافقه من حيث تركيب الحروف الاصلية ويشابهه في
شئ من المعنى كاسم الفاعل والمفعول والمصدر والصفة فيعطي عمل الافعال التي فيه معناها، ولا يبنى لضعف أمر الفعل في البناء بتطفل بعضه وهو المضارع على الاسم في الاعراب، فلا يبنى منه الا قوي المشابهة للافعال أي الذي معناه معنى الفعل سواء كاسم الفعل، وثالثها، وهو أضعفها: ألا يشابهه لفظا، ولا يتضمن معناه، ولكن يشابهه بوجد بعيد، ككونه فرعا لاصل، كما أن الافعال فرع الاسماء افادة واشتقاقا، فأما الافادة فلاحتياج الفعل في كونه كلاما إلى الاسم، واستغناء الاسم فيه (2) عنه، وأما الاشتقاق، فيجئ في باب المصدر، فلا يبنى بهذه المشابهة، لضعفها مع ضعف الفعل في البناء ولا يعطى بها عمل الفعل، لان ذلك بتضمن معناه الطالب للفاعل والمفعول
(1) أي نون الوقاية، ووجه تسميتها نون العماد أنها تكون عمادا للفعل أي حاجزا وحصنا له من الكسر، وهو معنى قولهم نون الوقاية. (2) أي في كونه كلاما لامكان تركب الكلام من اسمين. (*)
[ 104 ]
وهو خلو منه، بل تنزع بهذه المشابهة علامة الاعراب (1) فيكون اسما معربا بلا علامة اعراب، ثم يتبعه الكسر على قول، أو ينزع التنوين والكسر معا، كما تقدم، وانما احتيج في هذا الحكم إلى كون الاسم فرعا من جهتين، ولم يقتنع بكونه فرعا من جهة واحدة، لان المشابهة بالفرعية مشابهة غير ظاهرة ولا قوية، إذ الفرعية ليست من خصائص الفعل الظاهرة، بل يحتاج في إثباتها فيه، إلى تكلف، كما مضى، وكذا اثبات الفرعية في الاسماء بسبب هذه العلل غير ظاهر، كما يجئ، فلم تكف واحدة منها الا إذا قامت مقام اثنتين. فان قلت: إذا شابه الاسم غير المنصرف الفعل، فقد شابهه الفعل، أيضا، فلم كان اعطاء الاسم حكم الفعل أولى من العكس ؟ فالجواب أن الاسم تطفل على الفعل فيما هو من خواص الفعل، وليس ذلك لمطلق
المشابهة بينهما، وذلك كما يصير اسم الفعل بمعنى الفعل، ويتضمن اسم الفاعل، والمفعول والصفة المشبهة والمصدر، معنى الفعل، فيتطفل الاسماء على الافعال في المعنى، فتعطى حكم الفعل، وذلك ببناء اسم الفعل وعمله عمله معا، وعمل البواقي عمله، حسب، وهذا مطرد في كل ما يعطي حكما لاجل مشايهته لنوع آخر، كما إذا اتفق مشابهة الحرف للفعل بتضمن معناه، كان واخواتها، و " ما " و " لا "، عمل عمل الفعل. وإذا اتفق مشابهة الاسم للحرف باحتياجه إلى غيره كالموصولات، والمضمرات، والغايات، أو بتضمن معناه كأسماء الشرط والاستفهام ونحو ذلك، كما يجئ في باب المبنى، بني الاسم لتطفله على الحرف فيما يخصه، وههنا يكفي أدنى مشابهة لاجل بناء الاسم، بخلاف مشابهته للافعال، وذلك لتمكن الحرف ورسوخه في البناء، دون الفعل وإذا شابه الفعل الحرف بلزوم معنى الانشاء الذي هو بالاصالة للحرف أعطى حكم
(1) أي التنوين كما هو اختياره. (*)
[ 105 ]
الحرف في عدم التصرف، كما في " عسي "، وفعل التعجب، وان شابه الاسم، كالمضارع أعرب، كما يجئ في بابه، فظهر أن الاسم قد يشابه الفعل والحرف، وكذا الفعل، قد يشابه الاسم الفعل والحرف، وأما الحرف فيشابه الفعل فقط. قوله: " والنون زائدة "، نصب زائدة، على أنها حال من النون، والعامل معنى الكلام، فان معنى قوله " وهي عدل ووصف " إلى آخره: أي: تكون علل منع الصرف عدلا ووصفا، وكذا، وكذا، والنون زائدة (1). وقد ألحق بالاسباب المذكورة ما شابه ألف التأنيث المقصورة، وهو كل ألف زائدة في آخر الاسم العلم، سواء كانت للالحاق، كما في: أرطى، وذفري، وحبنطى، أو، لا، كقبعثرى، لانها بالعلمية تمتنع من التاء كألف التأنيث، فإذا عد الالف والنون
سببا، لمشابهة ألف التأنيث بالامتناع من التاء، فعد الالف المقصورة الممتنعة من التاء، أولى، لمشابهتها لها لفظا، وامتناعا من التاء. وأما ألف الالحاق الممدودة فلم تلحق مع العلمية بألف التأنيث الممدودة وان كانت، أيضا، ممتنعة من التاء مثل ألف التأنيث الممدودة، لاجتماع شيئين: أحدهما ضعف ما يشبهه ألف الالحاق الممدودة، أي الهمزة في نحو صحراء، في باب التأنيث، دون الالف في نحو سكري، لكون الهمزة في الاصل ألفا، والثاني كون همزة الالحاق في مقابلة الحرف الاصلي ولذلك اثر الالف والنون في نحو: سكران، لمشابهته ألف التأنيث الممدودة، لان النون ليست في مقام حرف أصلي. وألف الالحاق المقصورة وان كانت في مقابلة حرف أصلي، لكنها تشبه علامة التأنيث الاصلية، أي الالف المقصورة، لا المنقلبة عن علامة التأنيث، أي ألف التأنيث الممدودة
(1) فكأن قوله: والنون. فاعل، فجاءت الحال من الفاعل والعامل فيما معنى الفعل. (*)
[ 106 ]
وأما فرعية هذه العلل، فان العدل فرع ابقاء الاسم على حاله، والوصف فرع الموصوف، والتأنيث فرع التذكير، والتعريف فرع التنكير إذ كل ما نعرفه كان مجهولا في الاصل عندنا، والعجمة في كلام العرب فرع العربية، إذا الاصل في كل كلام ألا يخالطه لسان آخر، فيكون العربية، اذن، في كلام العجم فرعا، والجمع فرع الواحد، والتركيب فرع الافراد، والالف والنون فرع ألفي التأنيث كما يجئ بعد، أو فرع ما زيدا عليه، ووزن الفعل في الاسم فرع وزن الاسم، إذا كان خاصا بالفعل، أو أوله زيادة كزيادة الفعل، لان أصل كل نوع ألا يكون فيه الوزن المختص بنوع غيره. وههنا فروع أخر لم يعتبروها، ككون الاسم مصغرا، أو منسوبا، أو شاذا، وغير ذلك مما لا يحصى، وذلك اختيار منهم بلا علة مخصصة، قوله: " وحكمه أن: لاكسر " ولم يقل: أن: لا جر، لانه يدخله الجر عند الجمهور، إذ هو عندهم معرب،
والجر أنواع، وجره فتح، فالفتح الذي في " بأحمد " عندهم، عمل الجار، وهو يعمل الجر، لا محالة. وقال الاخفش، والمبرد، والزجاج: غير المنصرف في حال الجر مبني على الفتح لخفته، وذلك لان مشابهته للمبني، أي الفعل، ضعيفة فحذفت علامة الاعراب مطلقا، أي التنوين، وبني في حالة واحدة فقط، واختص بالبناء في حالة الجر ليكون كالفعل المشابه في التعري من الجر. صرف ما لا ينصرف في الضرورة والتناسب قال ابن الحاجب: " ويجوز صرفه للضرورة، أو التناسب، مثل: سلاسلا وأغلالا، وقواريرا ". قال الرضى: قال الاخفش: ان صرف ما لا ينصرف مطلقا، أي في الشعر وغيره: لغة الشعراء، وذلك أنهم كانوا يضطرون كثيرا، لاقامة الوزن، إلى صرف مالا ينصرف فتمرن على
[ 107 ]
ذلك ألسنتهم، فصار الامر إلى أن صرفوه في الاختيار، أيضا، وعليه حمل قوله تعالى: " سلاسلا، واغلالا، وقواريرا " (1) وقال هو والكسائي: ان صرف مالا ينصرف مطلقا لغة قوم، الا " أفعل منك "، وأنكره غيرهما، إذ ليس بمشهور عن أحد في الاختيار نحو: جاءني احمد وابراهيم، ونحو ذلك، واما للضرورة فلا خلاف في جواز صرفه فلا يصرف ما فيه الالف المقصورة لعدم الضرورة (2). ومنع الكوفيون صرف " أفعل من " في الضرورة، لان " من " مع مجروره كالمضاف إليه، فلا ينون ما هو كالمضاف، والاصل الجواز، لان الكلام في الضرورة، وفرق بين المضاف، وما هو كالمضاف.
وجوز الكوفيون وبعض البصريين للضرورة ترك صرف المنصرف، لا مطلقا، بل بشرط العلمية دون غيرها من الاسباب لقوتها، كما نبين لك عند الكلام في تفصيل الاسباب، وذلك بكونها شرطا لكثير من الاسباب مع كونها سببا، واستشهدوا بقوله: 17 - فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في مجمع (3)
(1) من الايتين 4، 15 من سورة الدهر. (2) جوزه بعضهم واستدل عليه بقول الشاعر: اني مقسم ما ملكت فجاعل * جزءا لاخرتي ودنيا تنفع بتنوين " دنيا " والخلاف بينهم مبني على خلافهم في معنى الضرورة: هل هي ما وقع في الشعر وان كان للشاعر عنه مندوحة أو هي مالا ليس للشاعر عنه مندوحة. (3) من أبيات للعباس بن مرداس السلمي الصحابي: قالها وقد أعطاه الرسول من غنائم حنين بعض الابل في حين أنه أعطى كثيرا من المؤلفة قلوبهم كلا منهم مائة بعير فقال العباس هذه الابيات ومنها: وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع وحصن وحابس، هما والدا: عيينة بن حصن والاقرع بن حابس وكانا ممن أعطاهما الرسول مائة بعير، فلما قال ذلك أمر النبي بارضائه، فأعطي مثل ما أعطوا. (*)
[ 108 ]
ومنعه الباقون، استدلالا بأن الضرورة تجوز رد الاشياء إلى أصولها فجاز صرف غير المنصرف، ولا تخرج، لاجلها، الاشياء عن أصولها، وقريب من هذا الوجه: جواز قصر الممدود في الشعر، دون مد المقصور، إلا نادرا، ومنعوا روايتهم بأن قالوا: الرواية يفوقان شيخي. والانصاف: ان الرواية لو ثبتت عن ثقة لم يجز ردها وان ثبتت عندك رواية أخرى. قوله: " سلاسلا " صرف ليناسب المنصرف الذي يليه، أي " أغلالا " فهو كقولهم:
هنأني الشئ ومرأني، والاصل: امرأني. قوله: " وقواريرا " يعني إذا قرئ منونا، لا إذا وقف عليه بالالف لان الالف حينئذ، كما تحتمل أن تكون بدلا من التنوين، تحتمل أن تكون للاطلاق، كما في قوله تعالى: " الظنونا، والسبيلا، والرسولا " (1)، فلا يكون نصا فيما استشهد له من صرف غير المنصرف، وانما صرف ليناسب أواخر الاي في هذه السورة، لان أواخر الاي كالقوافي، يعتبر توافقها وتجانسها، وكذا كل كلام مسجع، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام " خير المال سكة مأبورة وفرس مأمورة " أي مؤمرة، يعني كثيرة النتاج، وقال تعالى: " والفجر " (2)، ثم قال: " يسر (3) " ويمال " سجا (4) " لموافقة: " قلى (5) ". ما يقوم مقام علتين قال ابن الحاجب: " وما يقوم مقامهما: الجمع، وألفا التأنيث "
(1) من الايات 10، 66، 67 من سورة الاحزاب. (2) (3) الايتان 1، 4 من سورة الفجر. (4) و (5) الايتان 2، 3 من سورة الضحى. (*)
[ 109 ]
قال الرضى: اعلم أن الاكثرين على أن قيام الجمع الاقصى مقام سببين وقوته، لكونه لا نظير له في الاحاد العربية. أما نحو: ثمان، ورباع، أي الذي ألقى رباعيته، ورجل شتاح أي طويل، وحمار حزاب، أي غليظ قصير، فشواذ. وأما نحو: الترامي والتغازي، فالاصل فيه ضم ما قبل الاخر، لكنه كسر لاجل الياء، وأما نحو: هوازن وشراحيل، علمين فمنقول عن الجمع وسيجئ حكمه، وأما يمان وشآم (1) فالالف فيهما عوض من احدى ياءى النسب، فهذا الوزن عارض لم يعتد
به، وذلك لانهما صارا إلى هذا الوزن بسبب احدى ياءي النسب، والالف الذي هو بدل من الاخرى، وياء النسب عارضة، لا يعتد بها في الوزن، نحو: جمالي وكمالي في المنسوب إلى: جمال، وكمال. وكذا: تهام بفتح التاء في المنسوب إلى التهم بمعنى " تهامة " قال: 18 - أرقني الليلة برق بالتهم * يا لك برقا من يشقه لا يلم (2) قال سيبويه: منهم من يقول يماني وشآمي بتشديد الياء وهو قليل ويجئ وجهه في التصريف، ان شاء الله تعالى (3). وانما لم تعد ياء النسب عارضة في: قماري، وكراسي، وعواري، وبخاتي،
(1) في النسب إلى اليمن والشام (2) بعد أن شرحه البغدادي قال ان ابن الاعرابي أورده في نوادره غير منسوب لاحد وأورد بعده. ما زال يسري منجدا حتى عتم * كان في ريقه إذا ابتسم * بلقاء تنفي الخيل عن طفل متم (3) في باب النسب من شرحه على الشافية. (*)
[ 110 ]
ودباسي (1)، ونحوها، لانها ثبتت في آحادها، وصيغت هذه الجموع على اعتبار تلك الياءات في الاحاد، وليس ذلك، أي اعتداد الياء في المفرد وصوغ الجمع عليه، مطردا، ألا ترى أنك لا تقول في جمع عجمي: عجامي، وان كان ياؤه للوحدة كما في بختي وقيل: ان " ثمانيا " مثل " يمان ": الالف والياء للنسب إلى الثمن الذي هو جزء الثمانية. وفيه نظر، إذ لا معنى للنسب في " ثمان " فانه بالاضافة الى " ثمن " كالاربع إلى الربع، والخمس إلى الخمس، ولا معنى لنسب هذين العددين إلى جزأيهما، وتقدير النسب في الرباعي أنسب، فيكون منسوبا إلى الرباعية، وهي السن، ويجوز أن يقال في الثماني، انه منسوب إلى الثمانية، أي مجرد العدد، لان الثماني (2)،
لا يستعمل إلا في المعدود، والثمانية في الاصل: العدد، لا المعدود، كما تقول في صريح العدد: ستة ضعف ثلاثة، ولا تقول: ست ضعف ثلاث، وقد يجئ تحقيقه في باب العدد، فالالف فيهما، اذن، غير الالف في المنسوب إليه تقديرا، لكونه بدلا من احدى ياءي النسب، وكذلك الياء غير الياء، كما قيل في: هجان وفلك. وقد جاء " ثمان " في الشعر غير منصرف شاذا، قال الشاعر: 19 - يحدو ثماني مولعا بلقاحها * حتى هممن بزيفة الارتاج (3)
(1) القمري نوع من اليمام، والقمرة لون بين البياض والسواد. والعواري جمع عارية أي ما يستعار. وفي الصحاح كأنها منسوبة إلى العار. والدبسي طائر أدكن. (2) أي بدون تاء، ومع التاء يستعمل إذا كان المعدود مذكرا. ولذلك قال ان ثمانية بالثاء في الاصل للمعدود. (3) من قصيدة لابن ميادة واسمه الرماح بن يزيد من بني مرة. وميادة اسم أمه، عاش في عهد بني أمية وأدرك العباسيين، وقبل البيت: وكأن أصل رحالها وحبالها * علقن فوق قويرح شحاج يصف ناقتة فشبهها في سرعتها بالقويرح الشحاج أي حمار الوحش. والقويرح الذي انتهت اسنانه من الظهور. والشحاج من أسماء حمار الوحش وهو بدل أو عطف بيان من قويرح والمراد بالثماني أتن الحمار أي الاناث. يريد أنه يسوقها أمامه مولعا بلقاحها لتحمل وهي لا تمكنه فتهرب فهو يجري سريعا خلفها. حتى أوشكت الاتن أن تسقط ما ارتجت وأغلقت عليه أرحامها لانهن كن حوامل. (*)
[ 111 ]
وهو على التوهم، لما رأي فيه معنى الجمع، ولفظة يشبه لفظ الجمع ظنه جمعا، أما سراويل فأعجمي في الاشهر، وقد قيدنا الاحاد بالعربية، أو عربي مفرد شاذ، أو جمع تقديرا، كما يجئ، وأما نحو: أكلب وأجمال، فانهما، وان لم يأت لهما نظيرا في الاحاد، الا أن كونهما جمعي قلة، وحكم جمع القلة حكم الاحاد، بدليل تصغيره على لفظه: فت في عضد جمعيتهما مع أنه نسب إلى سيبويه: أن أفعالا مفرد، ولذا، قال تعالى: " مما في بطونه " (1) والضمير للانعام، وجاز وصف المفرد به نحو: برمة
أعشار، وثوب أسمال، ونطفة أمشاج، ولم يوصف المفرد بغير هذا الوزن من الجموع. ولا يصح الاعتذار بمجئ " أفعل " في الواحد، نحو " أدرج " في اسم موضع، لكونه منقولا من الجمع كمدائن، ولا بآجر، وآنك (2)، لانهما أعجميان، ولا بأبلم (3)، لانها لغة رديئة شاذة، والفصيح ضم الهمزة، ولا بأشد، لانه جمع شدة على غير القياس، أو هو جمع لا واحد له بدليل قوله: 20 - بلغتها واجتمعت أشدي (4) فانث الفعل. وقال بعضهم: انما قوي حتى قام مقام السببين، لكونه نهاية جمع التكسير، أي يجمع الجمع إلى أن ينتهي إلى هذا الوزن فيرتدع، ولهذا سمي بالجمع الاقصى، نحو: كلب، وأكلب، وأكالب، ونعم وأنعام وأناعيم، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: " انكن صواحبات يوسف "، وقوله:
(1) الاية: 66 من سورة النحل. (2) الانك: من معانية: الرصاص أو الذائب منه. (3) الابلم: خوص شجر الدوم. (4) روي مجتمع الاشد فلا شاهد فيه. وهو من رجز لابي نخيلة السعدي في مدح هشام بن عبد الملك. وبلغتها بفتح التاء خطاب للمدوح. ومن هنا قال البغدادي إنه لا يصلح للاستشهاد ثم قال: ولعل ما أورده الشارح من أرجوزة أخرى. أي ليتم له الاستشهاد به. (*)
[ 112 ]
21 - جذب الصراريين بالكرور (1) جمع صراء، جمع صار بمعنى الملاح، فهما جمعا سلامة، ونحن قلنا: نهاية جمع التكسير. وقيل: لما لم يكن له في الاحاد نظير، أشبه الاعجمي الذي لا نظير له في كلام
العرب، ففيه الجمع وشبه العجمة، وعلى هذا ففيه سببان، لا سبب كالاسببين. وقال الجزولي (2): فيه الجمع وعدم النظير في الاحاد، وعدم النظير فيها عنده، سبب مستقل، لا يحتاج إلى الجمعية، كما ياتي في سراويل ففيه عنده، أيضا سببان والاسباب عنده أكثر من التسعة. وقال المصنف: منع صرف مثل هذا الجمع لتكرر الجمع حقيقة، كاكالب، أو كونه على وزن جمع الجمع كمساجد، فلا أثر عنده لكونه أقصى جموع التكسير. وأما قيام ألفي التأنيث، أعني الممدودة والمقصورة مقام سببين فللزومهما الكلمة وبناء الكلمة عليها، بخلاف تاء التأنيث فان بناءها على العروض وان اتفق في بعض الاسماء لزومها كعنصوة (3)، وقمحدوة، وحجارة، وخزاية (4)، وغيرها، كما يجئ في باب التأنيث.
(1) من أرجوزة طويلة للعجاج وقبله: لايا يثانيها من الجئور: جذب الصراريين... يثانيها من الثني وهو العطف اي يميلها، وروي ينائيها من الناي أي يبعدها والجؤور مصدر سماعي بمعنى الجور وهو العدول عن القصد. والكرور الحبال. وجذب بالضم فاعل ينائيها. يقول في وصف سفينته إنه لا يبعدها عن الميل والانحراف إلا جذب الصراريين بالحبال بعد لاي. وهي صورة معروفة إلى الان في تسيير السفن. (2) الجزولي بضم الجيم نسبة إلى جزولة بضم الجيم والزاي احدى قبائل البربر بالمغرب. وهو من علماء القرن السادس اشتهر بمقدمة في النحو سماها الجزولية اهتم بها العلماء قال عنها في كشف الظنون أنها تسمى بالقانون: اسم الجزولي عيسى وكنيته أبو موسى توفي سنة 605 ه. (3) العنصوة مضمومة الصاد مثله العين: القليل المتفرق من النبت. والقمحدوة احدى الرباعيات أي الاسنان. (4) مصدر خزي بمعنى استحيا. (*)
[ 113 ]
العدل صورة في الكلام ووجه منعه الصرف
قال ابن الحاجب: " فالعدل خروجه عن صيغته الاصلية، تحقيقا، كثلاث " ومثلث، وأخر، وجمع، أو تقديرا، كعمر، وباب قطام " " في تميم ". قال الرضى: العدل اخراج الاسم عن صيغته الاصلية بغير القلب، لا للتخفيف، ولا للالحاق، ولا لمعنى، فقولنا بغير القلب، ليخرج نحو: أيس، في يئس، وقولنا: لا للتخفيف احتزار عن مقام، ومقول، وفخذ، وعنق، وقولنا ولا للالحاق، ليخرج نحو كوثر، وقولنا ولا لمعنى ليخرج نحو: رجيل ورجال، قوله: " خروجه " أي خروج الاسم، ولو قال إخراجه لكان أوفق لمعنى العدل، وهو الصرف، يقال اسم معدول أي مصروف عن بنيته، والعدول: الانصراف والخروج. قوله: " عن صيغته الاصلية " يخرج عنه " أخر " ان قلنا انه معدول عن " الاخر "، وسحر عند من قال انه معدول غير منصرف، وأمس عند تميم، إذ هما معدولان عن السحر والامس، واللام ليست من صيغة الكلمة، لان الكلمة لم تصغ عليها، الا أن نقول:
[ 114 ]
كأنها من صيغة الكلمة وبنيتها لشدة امتزاجها بها. قوله " تحقيقا " نصب على المصدر، لان الخروج، اما خروج تحقيق أي خروج محقق، كرجل سوء بمعنى رجل سيئ، أو خروج تقدير، أي خروج مقدر. ويعني بالعدل المحقق، ما يتحقق حاله بدليل يدل عليه غير كون الاسم غير منصرف، بحيث لو وجدناه، أيضا، منصرفا، لكان هناك طريق إلى معرفة كونه معدولا، بخلاف العدل المقدر، فانه الذي يصار إليه لضرورة وجدان الاسم غير منصرف وتعذر سبب اخر غير العدل، فان " عمر " مثلا، لو وجدناه منصرفا، لم نحكم قط بعد له عن عامر،
بل كان كادد. وأما ثلاث ومثلث، فقد قام دليل على أنهما معدولان عن " ثلاثة ثلاثة " وذلك أنا وجدنا ثلاث، وثلاثة ثلاثة، بمعنى واحد، وفائدتهما تقسيم أمر ذي أجزاء على هذا العدد المعين، ولفظ القسوم عليه في غير لفظ العدد مكرر على الاطراد في كلام العرب، نحو قرات الكتاب جزءا جزءا، وجاءني القوم رجلا رجلا، وأبصرت العراق بلدا بلدا، فكان القياس في باب العدد، أيضا، التكرير، عملا بالاستقراء، والحاقا للفرد المتنازع فيه بالاعم الاغلب، فلما وجد " ثلاث " غير مكرر لفظا، حكم بان أصله لفظ مكرر، ولم يات لفظ مكرر بمعنى " ثلاث " الا " ثلاثة ثلاثة " فقيل انه أصله. وقد جاء فعال، ومفعل في باب العدد، من واحد إلى أربعة اتفاقا وجاء فعال من عشرة في قول الكميت: 22 - ولم يستر يثوك حتى رمي * - ت فوق الرجال خصالا عشارا (1) والمبرد، والكوفيون يقيسون عليها إلى التسعة، نحو: خماس ومخمسن، وسداس
(1) البيت من شعر للكميت بن زيد الاسدي يمدح به أبان بن الوليد بن عبد الملك، وقبله: رجوك ولم يبلغ العمر من * - ك عشرا ولا نبت فيك أثغارا لادنى خسا أو زكا من سنيك * إلى أربع فبقوك انفطارا (*)
[ 115 ]
ومسدس، والسماع مفقود. بلى، يستعمل على وزن فعال من واحد إلى عشرة مع ياتي النسب، نحو الخماسي والسداسي والسباعي والثماني والتساعي. وعند سيبويه: أن منع الصرف في هذا للعدل والوصف. فان قيل: الوصف في هذا المكرر عارض كعروضة في " أربع " في نحو: نسوة أربع، فكيف أثر فيه، ولم يؤثر في أربع ؟
قلت: هذا التركيب المعدول، لم يوضع الاوصفا، ولم يستعمل الا مع اعتبار معنى الوصف فيه، ووضع المعدول غير وضع المعدول عنه. والفراء يجيز صرف هذا المعدول إذا لم يجر على الموصوف، وليس بوجه إذا الموضوع على الوصفية، كاحمر يؤثر فيه الوصف، وان لم يتبع الموصوف. وقال ابن السراج (1) انما لم ينصرف لكون " مثنى " مثلا معدولا عن لفظ اثنين، وعن معناه أيضا، لانه عدل عن معناه مرة واحدة إلى معنى: اثنين اثنين، ففيه عدل لفظي وعدل معنوي. وقيل ان فيه عدلا مكررا من حيث اللفظ، لان أصله كان: اثنين مرتين، فجعل مرة واحدة، ثم غير لفظ اثنين، إلى لفظ مثنى. وقال الكوفيون، وابن كيسان (2): ان فيه العدل والتعريف، كما في عمر، إذ لا
= وبعدهما الشاهد يقول: تبينوا فيك السؤدد لسنة أو سنتين. (لادنى خسا أو زكا) والخسا الفرد والزكا الزوج وأقلهما الواحد والاثنان. وقوله ولا نبت فيك، أي ولم يبلغ نبت فمك أسنانك أثغارا والاثغار سقوط الاسنان الرواضع، وقوله بقوك اي انتظروك حتى تكبر. كانه يقول أبقوك. (1) تقدم ذكره ص 67 من هذا الجزء (2) أبو الحسن محمد بن ابراهيم بن كيان. من مشاهير النحاة الذين جمعوا في معارفهم بين مذهبي البصرة والكوفة ومهدوا لظهور المذهب البغدادي. أخذ عن المبرد وعن ثعلب توفي سنة 299 ه. (*)
[ 116 ]
يدخله اللام، وإذا أجرى على النكرة فمحمول على البدل. ولا دليل على ما قالوا، ولو كان معرفة، ولا شك أن فيه. معنى الوصف لجرى على المعارف، وكيف يكون معرفة، وهو يقع حالا، نحو جاءني القوم مثنى ؟. وأما " أخر " فانه جمع أخرى التي هي مؤنث آخر، وهو أفعل التفضيل بشهادة
الصرف (1)، نحو: آخر، آخران، آخرون وأواخر، وأخرى، أخريان أخريات وأخر، مثل: الافضل، الافضلان، الافضلون، والافاضل، والفضلي، الفضليان، والفضليات والفضل، فمعنى " آخر " في الاصل: أشد تأخرا، وكان، في الاصل، معنى جاءني زيد ورجل آخر، أشد تأخرا من زيد في معنى من المعاني ثم نقل إلى معنى " غير " فمعنى: رجل آخر: رجل غير زيد، ولا يستعمل إلا فيما هو من جنس المذكور أولا. فلا يقال: جاءني زيد وحمار آخر، ولا: وامراة أخرى. وتستعمل " أخريات " في المعنى الاول، ولا تستعمل الا مع اللام أو الاضافة، كما هو حقها، نحو: جاءني فلان في أخريات الناس، أي في الجماعات المتأخرة، وكذا: الاواخر. فلما خرج آخر وسائر تصاريفه عن معنى التفضيل، استعملت من دون لوازم أفعل التفضيل أعني " من " والاضافة، واللام، وطوبق بالمجرد عن اللام والاضاقة ما هو له، نحو: رجلان آخران، ورجال آخرون، وامراة أخرى، وامراتان أخريان، ونسوة أخر، قيل: الدليل على عدل أخر، أنه لو كان مع " من " المقدرة كما في: الله أكبر، للزم أن يقال: بنسوة آخر، على وزن أفعل، لان أفعل التفضيل ما دام بمن ظاهرة أو مقدرة لا يجوز مطابقته لمن هوله، بل يجب افراده، ولا يجوز أن يكون بتقدير الاضافة، لان المضاف إليه لا يحذف الا مع بناء المضاف، كما في الغايات، أو مع ساد مسد المضاف إليه وهو التنوين كما في " حينئذ "، و " كلا آتينا (2) " أو، مع دلالة ما أضيف إليه تابع
(1) أي بدليل تصرف الكلمة في تأنيثها وتثنيتها وجمعها كما مثل الشارح. (2) من الاية 79 من سورة الانبياء. (*)
[ 117 ]
ذلك المضاف نحو قوله: 23 - إلا علالة أو بدا * هة سابح. نهد الجزارة (1)
أخذا من استقراء كلامهم فلم يبق الا أن يكون أصله اللام. ولمانع أن يمنع الحصر فيما ذكر من الوجوه بما ذهب إليه الخليل في أجمع وأخواته من كونها معرفات بتقدير الاضافة مع عريها من تلك الوجوه، فالاولى أن يقال في امتناع كون أخر بتقدير الاضافة، أن المضاف إليه لا يحذف إلا إذا جاز اظهاره، ولا يجوز اظهاره ههنا. ومنع أبو علي (2) من كون " أخر " معدولا عن اللام، استدلالا بانه لو كان كذا لوجب كونه معرفة، كامس وسحر، المعدولين عن ذي اللام، وكان لا يقع صفة للنكرات كما في قوله تعالى: " من أيام أخر " (3). وأجيب بانه معدول عن ذي اللام لفظا ومعنى، أي عدل عن التعريف إلى التنكير، ومن أين له أنه يجوز تخالف المعدول والمعدول عنه تعريفا وتنكيرا: ولو كان معنى اللام في المعدول عن ذي اللام واجبا، لوجب بناء " سحر " كما ذهب إليه بعضهم (4) لتضمنه معنى الحرف، فتعريف سيحر ليس لكونه معدولا عن ذي اللام، بل لكونه علما.
(1) من أبيات للاعشى ميمون بن قيس يخاطب بها شيبان بن شهاب وكان بينهما مهاجاة وزعم شيبان أن قوم الاعشى لا يستطيعون غزوهم فقال الاعشي: وهناك يكذب ظنكم * أن لا اجتماع ولا زيارة.. وقوله الاعلالة... العلالة بضم العين بقية جري الفرس والبداهة أول جرية وهو استثناء منقطع من قوله: أن لا اجتماع ولا زيارة * والسابح الفرس ونهد الجزارة بضم الجيم أي مرتفع الراس والرجلين. (2) تقدم ذكر أبي علي الفارسي ص 79 من هذا الجزء وتكرر ذكره بعد ذلك. (3) من الاية 184 من سورة البقرة. وتكررت في الاية التي بعدها. (4) هو صدر الافاضل ناصر بن علي المطرزي من خوارزم أخذ عن الزمخشري وعرف بالادب والشعر وله آراء في النحو. حكى عنه القول بالبناء ابن هشام في أوضح المسالك - توفي سنة 610 ه. (*)
[ 118 ]
وذهب ابن جني (1)، إلى أن قياس " أخر " لما تجرد من اللام والاضافة أن يستعمل بمن، ويفرد لفظه في جميع الاحوال، فاخر، في قولك بنسوة أخر، معدول عن: آخر من... ويلزم على هذا القول أن يكون: آخران، وآخران، وأواخر، وأخرى وأخريات، معدولات، أيضا، عن: آخر من.. الا أن أخرى وأواخر غنيان عن اعتبار العدل بالف التأنيث والجمعية، والمثنى والمجموع بالواو والنون لا يتبين فيهما حكم منع الصرف في موضع، نحو: أحمران وأجمعون كما مر، وأما أخريات فاستعمالها باللام والاضافة كما هو الاصل، ولو لم يكن أيضا يبن فيه أثر منع الصرف لكونه كعرفات. هذا، وفي ادعاء كون ألفاظ المؤنث والمثنيين والمجموعين، معدولة عن لفظ الواحد المذكر: بعد، فالاولى ألا يدعى كون أخر وتصاريفه معدولة عن أحد لوازم أفعل التفضيل على التعيين، بل نقول هي معدولة عما كان حقها ولازمها في الاصل، أعني أحد الاشياء الثلاثة مطلقا. وانما عدل عنه لتعريه عن معنى أفعل التضيل الذي هو المستلزم لاحدها كما يجئ في باب أفعل التفضيل، وذلك لانه صار بمعنى " غير " كما ذكرنا، فعلى هذا لا يفسر العدل بما فسره به المصنف، أعني خروجه عن صيغته الاصلية، بل نقول العدل اخراج اللفظ، كما ذكرنا (2)، عما الاصل أن يكون معه من الصيغة، أو استلزام كلمة أخرى، فيدخل فيه سحر وأمس، ونحو: ضحى، وعشية، ومساء، وبكر، معينات، لان الاصل في تخصيص اللفظ المطلق بشئ معين مما كان يقع عليه وضعا أن يكون باللام والاضافة. ويدخل فيه الغايات أيضا نحو قبل وبعد، لقطعهما عن المضاف إليه الذي كان يقتضيه
(1) ابن جني هو العالم المشهور: أبو الفتح عثمان بن جني. ولد بالموصل ونبغ صغيرا ولزم أبا على الفارسي وأخذ عنه كثيرا حتى إنه خلفه بعد وفاته ومن أبرز آثاره العلمية: الخصائص. وسر الصناعة والمحتسب. توفى سنة 392 ه (2) في أول هذا الفصل. (*)
[ 119 ]
وضعا، فعلى هذا، إذا كان المعدول معربا، وانضم إلى عدله سبب آخر، امتنع صرفه، فلم يمنع ضحى وأخواته لعدم اعتبار لعدم اعتبار العلمية فيها كما اعتبرت في سحر، على ما يجئ. وأما جمع، ومثله أخواته من: كتع وبصع وبتع، فالاكثرون على أنه معدول عن جمع، لانه جمع جمعاء وقياس جمع فعلاء أفعل: فعل، كحمراء وحمر. قال أبو علي: ليس قياس كل فعلاء أن يجمع على فعل، بل (1) قياس مؤنث أفعل المجموع على فعل أيضا، واجمع مجموع على " أجمعون " لا " جمع ". وقوله: 24 - فما وجدت نساء بني نزار * حلائل أسودين وأحمرينا (2) شاذ، كما يجئ في باب الجمع، ولو كان جمع معدولا عن جمع، وفعل يصلح لجمع المذكر والمؤنث، لجاز: جاءني الرجال جمع، قال (3). والحق أن جمعاء: اسم لا صفة وقياس جمع فعلاء اسما: فعالى في التكسير، وفعلاوات في التصحيح، كصحاري وصحراوات، فجمع معدول عن أحدهما. ويرد عليه أن جمعاء لو كان اسما لكان أجمع أيضا، كذلك، فجمعه، إذن، على أجمعون: شاذ، إذ لا يجمع بالواو والنون الا العلم أو الوصف، كما يجئ في باب الجمع. وأما السبب الاخر فيه، وفي " أجمع "، فعن الخليل أنه تعريف إضافي وكذا في أجمع (4)، لان الاصل في جاءني القوم أجمعون: أجمعهم أي جميعهم وقرات الكتاب أجمع: أي جميعه.
(1) أي بل هو قياس لفعلاء الذي هو مؤنث أفعل المجموع على فعل أيضا. (2) من قصيدة للاعور الكلبي: حكيم بن عياش هجا بها مضرا وقوم الكميت وكان ذلك سببا في رد الكميت عليه بقصيدة طويلة تقدم منها الشاهد السادس عشر في هذا الجزء. (3) قال: أي أبو على الفارسي. (4) لا حاجة إلى قوله: وكذا في اجمع لان الكلام عنه وعن جمع في
قوله وأما السبب فيه (أي في جمع) وفي الجمع. (*)
[ 120 ]
قيل: هو ضعيف، لان تعريف الاضافة غير معتبر في منع الصرف: وله (1) أن يقول: انما لم يعتبر ذلك مع وجود المضاف إليه، لان حكم منع الصرف لا يتبين فيه، كما يجئ، وأما مع حذفه، فما المانع من اعتباره ؟ وقال بعضهم (2): فيه التعريف الوضعي كالاعلام، أي وضع تأكيدا للمعارف بلا علامة التعريف، والمؤكد لا يكون إلا معرفة، إلا ما جوز الكوفيون من نحو قوله: 25 - قد صرت البكرة يوما أجمعا (3) مما كان المؤكد فيه محدودا، ففيهما على هذا القول شبه العلمية. ويرد عليه: صباحا، ومساء، وبكرا، وضحى، وعتمة، وضحوة إذا كانت معينات، فانها، إذن، معارف بلا علامة مخصصة بعد العموم، كالاعلام الغالبة نحو: النجم، والصعق، ففيها العدل عن اللام مع شبه العلمية مع أن جميعها منصرفة، وأيضا، شبه العلم لم يثبت جمعه بالواو والنون بل المجموع هذا الجمع إما العلم، وإما الوصف. وقال المصنف: فيه وفي اجمع مع العدل: الوصف الاصلي، وان صارا بالغلبة في باب التأكيد، فهما عنده، كاسود وارقم، ونحو هما. وهذا قريب، لكن بقي الكلام في أن أجمع في الاصل من أي الصفات هو ؟ أمن باب أحمر حمراء، أم من باب الافضل والفضلي ؟ لا يجوز أن يكون من باب أحمر، لجمعه على " أجمعون "، وجمعه بالنظر إلى أصله: " فعل "، وبالنظر إلى نقله إلى الاسماء الغالبة: أفاعل، كاساود، وأداهم، قال: 26 - أتاني وعيد الحوص من آل جعفر * فيا عبد عمرو، لو نهيت الاحاوصا (4)
(1) أي للخليل، وهو دفاع من الرضى عن راي الخليل. (2) نسبب هذا الراي لابن مالك.
(3) شاهد مجهول القائل حتى قال بعض البصريين أنه مصنوع. ونقل البغدادي عن العيني في الشواهد الكبرى أن صدره: انا إذا خطافنا تقعقعا.. ورد عليه بان هذا لا يصلح للارتباط بالشاهد. (4) من شعر الاعشى قيس مما قاله متصلا بتفضيل عامر بن الطفيل على علقمة بن علاثة الصحابي رضي الله عنه.. = (*)
[ 121 ]
فافعلون، لا يجوز فيه، لا قبل الغلبة ولا بعدها، وأيضا، أفعل فعلاء لا يجئ الا في الالوان والخلق. والاولى أن يقال: إنه في الاصل أفعل التفضيل، بشهادة " أجمعون " وجمع، فكان معنى قولنا: قرات الكتاب أجمع، في الاصل: أنه أتم جمعا في قراءتي من كل شئ فهو تفضيل لقولهم جميع، نحو: أحمد وأشهر في المحمود والمشهور، ثم جعل بمعنى جميعه، وانمحى عنه معنى التفضيل، فعدل في اللفظ عن لوازم أفعل التفضيل الثلاثة، أعنى اللام والاضافة " ومن "، كما ذكرنا في أخر، فالجمع وآخر فيهما العدل والوصف والوزن، وأخر وجمع فيهما العدل والوصف. ويرد على جعل أجمع من باب الافضل أن مؤنثه جمعاء، وحقه: جمعى، كاخرى. والجواب عنه: أنه لما انمحى عنه معنى التفضيل، جاز أن يغير بعض تصاريفه عما هو قياسه. ولما بقى فيه معنى الصفة مع أن وزنه أفعل، صار كاحمر الذي هو على أفعل وهو صفة، فجاز: جمعاء كحمراء، وإذا جاز لك أن تقول حسناء، وخشناء، وعلياء، مع أن مذكراتها: حسن وخشن وعال، لكونها (1) صفات فكيف إذا انضم إلى الصفة وزن افعل. هذا، وكان على المصنف أن يذكر " سحر " معينا في العدل المحقق، إذ هو غير منصرف في القول المشهور، ويذكر، أيضا أمس، رفعا على لغة بني تميم، كما يجئ في الظروف المبنية، لقيام الدليل على عدلهما، وهو أن كل لفظ جنس أطلق، وأريد به فرد من أفراده معين، فلا بد فيه من لام العهد، سواء صار بالغلبة علما نحو: النجم، والصعق،
= والحوص جمع أحوص وهم قوم علقمة جمعه على فعل باعتبار الوصف ثم جمعه على الاحاوص باعتبار الاسمية وعبد عمرو أحد بني الاحوص. ومن هذا الشعر قوله: فان تتعدني اتعدك بمثلها * وسوف أزيد الباقيات القوارصا (1) يريد أن الوصف في كل من حسن وخشن وعال. كان كافيا في مجئ مؤنثها على فعلاء فمن باب أولى إذا كان المذكر على وزن أفعل. (*)
[ 122 ]
أو، لا، نحو قوله تعالى: " فعصى فرعون الرسول " (1)، أخذا من استقراء كلامهم، فثبت عدل سحر، وأمس محققا، وأما علميتهما فمقدرة، كما يجئ في الظروف المبنية، قوله " أو تقديرا "، قد مضى التقدير (2). اعلم أن ما هو على وزن فعل من الاسماء على ثلاثة أضرب: إما اسم جنس غير صفة، وذلك على ضربين: مفرد، كصرد، وهدى، وجمع كغرف وحجر، فهذه كلها منصرفة وان سمي بها إذا كان المسمى مذكرا، وإما صفة، وذلك على ثلاثة أقسام، أحدها مبالغة فاعل غير مختصة بالنداء، كحطم وختع (3) في مبالغة حاطم وخاتع، فهو كضروب في مبالغة ضارب، وثانيها مبالغة فاعل مختصة بالنداء، نحو يا فسق، ويا لكع، فهو في المذكر كفعال في المؤنث نحو يا فساق ويا لكاع، كما يجئ في باب النداء، وفعل وفعال، المختصان بالنداء، معدولان عند النحاة، بخلاف نحو حطم وختع، قالوا: لو لم يكونا معدولين، بل كانا كحطم، لم يختصا بالنداء، بل ساوقا (4) ما هما لمبالغة في شيوع الاستعمال، كما ساوق حطم في الاستعمال حاطما، ولم يختص بباب دون باب. وأنا لا أرى في نقصان بعض الاشياء المشتركة في معنى عن بعض في التصرف، دليلا على أن الناقص معدول عن الشائع، وسيجئ لهذا مزيد بحث في أسماء الافعال. ولما كان من مذهبهم أن جميع أنواع " فعال "، مبنية كانت، أو ممنوعة من الصرف
معدولة، وكذا " فعل " المختص بالنداء، فرعوا عليه أنك إذا سميت بها، ففعل لا ينصرف اتفاقا، نحو فسق علما، للعدل والعلمية، وكذا: فعال عند بني تميم، نحو: نزال وفجار وفساق، أعلاما، وهذا الذي قالوا: حق: لو ثبت لهم أن جميعها معدول
(1) الاية 16 من سورة المزمل. (2) أي معنى العدل التقديري. (3) الحطم: الشديد: والختع الماهر الحاذق في الدلالة وهو أيضا من أسماء الضبع. (4) أي سارا مثله في عدم الاختصاص بالنداء. (*)
[ 123 ]
ولم يثبت، ودونه خرط القتاد، كما يجئ في أسماء الافعال. وثالث الاقسام: جمع فعلى أفعل التفضيل، ولا عدل فيها إلا في أخر وجمع وأتباعه، كما ذكرناهما. وإما علم، وهو - ان جمع شرطين: ثبوت فاعل وعدم فعل قبل العلمية، فهو غير منصرف، كقثم (1) وجحى، لانه ثبت قاثم وجاح، وعدم قثم وجحى قبل العلمية، فحكمنا بكونه معدولا عن فاعل جنسا، وقطعنا بعدم نقله عن فعل الجنسي، فقلنا: هو علم مرتجل، أي غير منقول عن شئ، وهو معدول، وانما حملناه على كونه معدولا، ولم نجوز أن يكون مرتجلا غير معدول، كعمران وسعاد لكثرة كون فعل الجامع للشرطين، غير منصرف واضطرارنا حينئذ إلى تقدير العدل فيه على ما تقدم لئلا تنخرم القاعدة الممهدة (2)، فكل فعل علم جامع للشرطين يجهل كونه في كلامهم منصرفا أو غير منصرف فعلينا أن نقدر العدل فيه ونمنعه الصرف، الحاقا للمشكوك فيه بالاغلب. أما " أدد " فانه وإن جمع الشرطين، لكنه سمع في كلامهم منصرفا فلا نقدر العدل فيه. وان اختل أحد الشرطين، وذلك بالا يجئ له فاعل قبل العلمية، ولا فعل، فهو منصرف، لو جاء مثل ذلك في كلامهم، ولا أعرف له مثالا، وكذا ان جاء له فاعل قبل
العلمية مع ثبوت فعل أيضا قبلها، فهو منصرف، كحطم وختع علمين، لجواز نقله عن فعل جنسا وألا يكون معدولا عن فاعل، ولا سيما أن النقل في الاعلام أكثر وأغلب من العدل، أما عمر وزفر، علمين، فكان الواجب على هذا الاصل صرفهما، لانه كما جاء
(1) القثم من أسماء الذكر من الضباع، وقثم بمعنى أعطى. وجحى من جحا بالمكان إذا أقام، ويقال جحاه جحوا واجتحاه: بمعنى اجتاحه أي استاصله. (2) وهي وجود سببين في الممنوع من الصرف أو واحد يقوم مقامهما. (*)
[ 124 ]
لهما فاعل قبل العلمية، جاء فعل أيضا، نحو: عمر جمع عمرة، والزفر: السيد، قال الاعشى (1): 27 - أخور غائب يعطيها ويسالها * يابي الظلامة منه النوفل الزفر (2) لكنهما لما سمعا غير منصرفين، حكمنا بانهما حال العلمية غير منقولين عن فعل الجنسي، بل هما معدولان عن فاعل، وان اختل الشرطان كلاهما فلا كلام في كونه منصرفا، أيضا، لو اتفق مجيئه. فان قيل: هلا حكم في المرتجلة التي هي نحو موهب، ومكوزة، ومحبب، وحيوة، أنها معدولة عن: موهب، ومكازة، ومحب وحية ؟ قلت: لانها وان كانت خارجة عن القياس، الا أنه هذه التغييرات رجوع إلى الاصل من وجه، فكأنها ليست بمعدولة، إذ العدل خروج عن الاصل، وهذا رجوع إليه. أما في محبب ومكوزة فظاهر، وأما موهب فانه وان كان قياس معتل الفاء بالواو أن يساغ منه مفعل بكسر العين، لكن الاصل في يفعل مفتوح العين، ان يبني منه مفعل بالفتح، فالعدول إلى الكسر في موضع وموجل مخالفة للاصل. وانما خولف، حملا على الاكثر، وذلك لان معتل الفاء الواوي أكثر من باب يفعل بكسر العين، والموضع (3) مبني على المضارع.
وقد حكى الكوفيون: موضع بفتح الضاد على الاصل ؟
(1) المراد أعشى باهلة وهو عامر بن الحارث وكنيته أبو قحفان، وجاء في بعض النسخ: الاعشى الباهلي. (2) من قصيدة له يرثي بها المنتشر بن وهب الباهلي وهو أخو الاعشى لامه وكان قد قتل في سفره إلى حج ذي الخلصة (صنم كانوا يعبدونه) فقتله بنو نفيل بن عمر بن كلاب. وهي قصيدة جيدة قال البغدادي: ولجودتها وندرتها نشرحها. وشرحها كلها وذكر قصة قتل المنتشر. وقال ان القصيدة نسبت في بعض الاراء إلى أخت المنتشر (3) يريد اسم المكان لا خصوص هذه الكلمات وهي فيما عدا ذلك مما ذكره مراد بها اللفظ نفسه. (*)
[ 125 ]
وأما مورق في اسم رجل، فانما صرف إما بناء على أنه فوعل، أو على أنه مفعل، لكن كونه أكثر من مفعل كما يجئ في التصريف أوهمهم أنه غير معدول عن مفعل بالكسر، وكذلك موكل علما، وأما: 28 - شمس بن مالك (1) بضم الشين، فلما لم يلزم لم يعتبر في الوزن، ولو سلمنا لزومه قلنا: انه منقول عن جمع شموس، والا لزم جواز صرفه وترك صرفه كما في هند، لان أمر العدل ظاهر وليس كالعجمة في نوح ولوط، حتى يقال إنه لا يؤثر في الثلاثي الساكن الاوسط. وأما حيوة فان الصيغة لم تتغير، والعدل خروج عن الصيغة الاصلية، فوزن حيوة، وحية: فعلة، فلنا (2) أن نرتكب كونها معدولة، قوله " وقطام في تميم "، أي في لغة بني تميم، أما في لغة أهل الحجاز ففيها، أيضا، عدل مقدر عند النحاة، لكنها مبنية، وكلامه في المعربات غير المنصرفة، ونعني بباب " قطام "، ما هو على وزن فعال من أعلام الاعيان المؤنثة. وذلك أن " فعال " على أربعة أقسام، كما يجئ: اسم فعل كنزال، وبناؤه ظاهر، وعلم للمصادر على راي النحاة، كفجار للفجرة، وصفة للمؤنث كفساق بمعنى فاسقه، وهما، أيضا، مبنيان باتفاق، قالوا لمشابهته (3) باب نزال، عدلا ووزنا، ولم يكتفوا في
المشابهة بالوزن لئلا يرد نحو: سحاب، وجهام، وكلام، وكهام، فانها معربة، فقالوا:
(1) قال الرضى في الاستشهاد بهذا: وأما شمس بن مالك... واقتصر على ذلك ولكن البغدادي جعله أحد الشواهد لانه ورد في شعر لتابط شرا، ثابت بن جابر يرثي بها شمس بن مالك. وهي أبيات عشرة أوردها أبو تمام في أول الحماسة في باب المراثي. والبيت المقصود منها قوله: واني لمهد من ثنائي فقاصد * به لابن عم الصدق شمس بن مالك (2) هكذا ورد: والصواب: فليس لنا أن نرتكب ولم يشر الجرجاني إلى شئ من النسخ الاخرى يكون فيها هذا التصحيح للعبارة. (3) المناسب: لمشابهتهما أي علم المصادر ووصف المؤنث ويمكن أن يكون التقدير: لمشابهة كل منهما. (*)
[ 126 ]
كما أن نزال معدول عن: انزل، ففساق وفجار في التقدير معدولتان عن فاسقة والفجرة. والقسم الرابع: علم الاعيان المؤنثة، فغلة الحجازيين بناؤه كله، قيل لمشابهتها أيضا، لنزال، وزنا وعدلا مقدرا. وبنو تميم افترقوا فرقتين: أكثرهم على أن ذات الراء من هذا القسم مبنية على الكسر للوزن والعدل المقدر، كحضار، وانما قدروا العدل فيها تحصيلا للكسر اللازم بسبب البناء، إذ كسر الراء مصحح للامالة المطلوبة المستحسنة. وغير ذات الراء كقطام معربة غير منصرفة للتانيث والعلمية، ولم يحتاجوا في ترك الصرف ههنا إلى تقدير العدل، كما احتيج إليه في عمر، الا أن بعض النحاة يقدرونه فيه من غير ضرورة، لانه من باب حضار الذي وجب تقدير العدل فيه لغرض البناء الذي هو سبب الامالة، فقدروه فيه أيضا طردا للباب. وأقلهم (1) على أن جميع هذا القسم غير منصرف، من ذوات الراء كان، أو، لا، وسيجئ الكلام على تقدير العدل في مثله في أسماء الافعال. الوصف
وشرط تأثيره في منع الصرف قال ابن الحاجب: " الوصف، شرطه أن يكون في الاصل فلا تضره الغلبة فلذلك " " صرف: مررت بنسوة أربع، وامتنع: أسود وأرقم للحية، " " وأدهم للقيد، وضعف منع: أفعى للحية، وأجدل للصقر، " " وأخيل لطائر ".
(1) أي أقل بني تميم، وهو مقابل لقوله قبل: أكثرهم (*)
[ 127 ]
قال الرضى: قوله: " الوصف "، تقدير الكلام: شرطه أن يكون في الاصل فلذلك صرف: مررت بنسوة أربع، ولا تضره الغلبة، فلذلك امتنع: أسود وأرقم. وأنا إلى الان لم يقم لي دليل قاطع على أن الوصف العارض غير معتد به في منع الصرف، أما قولهم: مررت بنسوة أربع مصروفا، فيجوز أن يكون الصرف لعدم شرط وزن الفعل على ما يذكر، وهو عدم قبوله للتاء، فانه يقبلها لقولهم: أربعة، لا لعدم شرط الوصف. وليس قولهم: ان التاء في أربعة ليست بطارئة على أربع، لان أربعة للمذكر، وأربعا للمؤنث والمذكر في الرتبة قبل المؤنث بخلاف يعمل ويعملة، فان يعملة للمؤنث فالتاء طارئة، بشئ (1)، وان دققوا فيه النظر، لانه إذا جاز ألا يعتد بالوزن الاصلي في يعمل، لكونه قد يعرض له بعد، (2) ما يخرجه عن الاعتبار وهو التاء في المؤنث، فكيف يعتد بالوزن العارض في أربع مع كونه قبل، على حالة خرج بها عن شرط اعتبار الوزن، وهي اتصاله بالهاء ؟ فإذا كان الوزن في الحال حاصلا فيهما والمخرج عن اعتباره في حال أخرى، فسواء كانت تلك الحال قبل أو بعد، بل الاول ينبغي أن يكون أضعف، لانه عارض غير لازم، إذ قد يجوز في أربع للمؤنث استعمال الاصل أعني أربعة للمذكر، وفي الثاني
أعني يعملا وزن الفعل أصل لكنه غير لازم لانه يقال للمؤنث يعملة، فالوزنان متساويان في عدم اللزوم، وأربع يزيد ضعفا بعروض الوزن، على يعمل. قوله: " فلا تضر الغلبة "، معنى الغلبة أن يكون اللفظ في أصل الوضع عاما في أشياء، ثم يصير بكثرة الاستعمال في أحدها أشهر به بحيث لا يحتاج لذلك (3) الشئ إلى قرينة، بخلاف سائر ما كان واقعا عليه، كابن عباس، فانه كان عاما يقع على كل واحد من بني
(1) خير عن قوله: وليس قولهم أن الثاء في اربعة الخ.. (2) بعد أي بعد جعله وصفا وفيما ياتي قوله في أربع: مع كونه قبل أي قبل جعله وصفا. (3) أي لدلالته على ذلك الشئ. وكذلك في قوله بعد. فلا يحتاج له. (*)
[ 128 ]
العباس، ثم صار أشهر في عبد الله فلا يحتاج له إلى قرينة، بخلاف سائر أخوانه وكذا النجم، في الثريا، والبيت في الكعبة، فكذا أسود، كان عاما في كل ما فيه سواد، فكثر استعماله في الحية السوداء حتى لا يحتاج فيها إلى قرينة من الموصوف أو غيره إذا عنيت به ذلك النوع من الحيات بخلاف سائر السود، فانه لا بد لكل منها إذا قصدته من قرينة، إما الموصوف نحو: ليل أسود، أو غيره نحو: عندي أسود من الرجال، وبهذا الشرح يتبين لك أنه لا تخرج الاوصاف العامة بالغلبة عن معنى الوصفية، ولا سيما إذا لم تصر أعلاما بالغبلة، فان اعتبار الوصف مع العلمية فيه نظر، كما يجئ، وكيف يخرج عن الوصف، ومعنى الغلبة تخصيص اللفظ ببعض ما وضع له، فلا يخرج عن مطلق الوصف، بل انما يخرج عن الوصف العام، اي لا يطلق على كل ما وضع له، بلى يخرج الوصف لفظا عن كونه وصفا أي لا يتبع الموصوف لفظا، فلا يقال: قيد أدهم، لكن المقصود في باب ما لا ينصرف: الوصف من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، فبان بهذا ضعف قول المصنف في شرح قوله بعد: (1) وخالف سيبويه الاخفش، وهو قوله: ومذهب سيبويه أولى لما ثبت متقدما من اعتبار الوصفية الاصلية وان زال تحقيقها معنى، بل لا استدلال له في باب
أحمر إذا نكر بعد العلمية بباب اسود الغالب، لان معني الوصف في احمر، إذا زال بالعلمية تحقيقا لم يعد بعد التنكير، لان معنى: رب أحمر، إذن، رب مسمى باحمر، كان فيه الحمرة، أو، لا، حتى يجوز في السودان المسمى كل واحد منهم باحمر: رب أحمر لقيته، فإذا لم يعد تحقيقا لم يعتبر في منع الصرف. ويجوز مع العلمية، أيضا بقاء معنى الوصف كما يجئ، فيجوز أن يعتبر بعدها فليس اعتبار الوصف بعد العلمية بلازم، وهو في الوصف الغالب من دون العلمية، كاسود، لازم، لبقائه بحاله قطعا.
(1) في بحث الاخير من باب ما لا ينصرف عنه الكلام على تنكير نحو أحمر بعد العلمية. (*)
[ 129 ]
ويعضد بقاء معنى الوصف في مثله عندهم قول أبي علي في كتاب الشعر (1): الابرق، والابطح، وإن استعملا الاسماء، وكسرا تكسيرها، لم يخلع عنهما معنى الوصف، بدلالة أنهم لم يصرفوهما، ولا نحوهما، في النكرة فعلمت أن معنى الوصف مقر فيهما، وإذا أقر فيهما معنى الوصف علقت الحال والظرف بهما. هذا لفظه، ونحن نعلم أن معنى أسود الغالب، حية فيها سواد، ومعنى أرقم حية فيها سواد وبياض، ومعنى أدهم، قيد فيه دهمة أي سواد، أي قيد من حديد لان الحديد أسود. فلم يثبت بنحو أسود أن الوصفية الاصلية تعتبر بعد زوالها، فلا حجة، إذن، لسيبويه، في منع صرف أحمر المنكر بعد العلمية، كما أنه لم يثبت باربع: ان الوصفية العارضة لا تعتبر. وقال بعضهم: ربما لا تعتبر الصفة في الغالبة نحو أبطح ونحوه من الغالبات فتصرف، وذلك لنقصانها عن سائر الصفات لفظا لعدم جريها على الموصوف، وان كان معنى الوصف باقيا فيها.
قوله: " وضعف منع أفعى "، معطوف على قوله: صرف.. أي ولكون الوصف الاصلي معتبرا، ضعف من أفعى، لانه لم يتحقق كونه وصفا في أصل الوضع، ولا يثبت أيضا في الاستعمال نحو أيم أفعى، بل تؤهم أنها موضوعة للصفة، لما راوا أنها للحية الخبيثة الشديدة، من قولهم فعوة السم، أي شدته. وكذا توهم الصفة في الاجدل الذي هو الصقر، أنه موضوع في الاصل للوصف، أي طائر، ذو جدل وهو الاحكام، وقد قيل للدرع جدلاء، فكأنها مؤنث أجدل.
(1) لابي علي الفارسي كتاب اسمه: الايضاح الشعري. وينقل الرضى في شرحه هذا عن الفارسي فيقول مرة عنه: كتاب الشعر، ومرة: الكتاب الشعري. وذكر السيوطي في البغية أن للفارسي كتابا اسمه: أبيات الاعراب، فربما كان هو المقصود من كلام الرضى. (*)
[ 130 ]
وكذا توهم في أخيل أن معناه الاصلي: طائر ذو خيلان، ولم يثبت ما توهموه تحقيقا. ولنا أن نقول: صرف هذه الكلمات ونحوها، لان مستعملها لا يقصد معنى الوصف مطلقا، لا عارضا ولا أصليا، فافعى وان كانت في نفسها خبيثة، وأجدل، طائرا ذاقوة (1)، وأخيل طائرا ذا خيلان، الا أنك إذا قلت مثلا: لقيت أجدلا، فمعناه هذا الجنس من الطير، من غير أن تقصد معنى القوة، كما تقول: رايت عقابا، لا تقصد فيها معنى الوصف بالشدة، وان كانت أقوى من الصقر، وليس صرفها لكونها غير موضوعة للوصف تحقيقا كما أشار إليه المصنف، فاما منع صرف مثله، فغلط ووهم.
(1) أي وان كان أجدل طائرا ذاقوة. وكذا فيما بعده. بالعطف على قوله: وان كانت في نفسه خبيثة. (*)
[ 131 ]
التأنيث المانع من الصرف أنواعه وأحكامه وشرط تأثيره قال ابن الحاجب:
" التأنيث بالتاء، شرطه العلمية، والمعنوي كذلك وشرط تحتم " " تأثيره: زيادة على الثلاثة أو تحرك الاوسط أو العجمة، فهند " " يجوز صرفه، وزينب، وسقر، وماه، فقدم منصرف، " " وعقرب ممتنع ". قال الرضى: اعلم أن التأنيث على ضربين: تأنيث بالالف وتانيث بالتاء، فما هو بالالف متحتم التأثير بلا شرط، للزوم الالف وضعا على ما مر، ولذا قام مقام سببين. ونريد بتاء التأنيث تاء زائدة في آخر الاسم مفتوحا ما قبلها تنقلب هاء في الوقف، فنحو: أخت وبنت ليس مؤنثا بالتاء بل التاء بدل من اللام، لكنه اختص هذا الابدال بالمؤنث دون المذكر، لمناسبة التاء للتانيث، فعلى هذا لو سميت ببنت وأخت وهنت مذكرا لصرفتها، والتانيث بالتاء على ضربين: أحدهما أن يكون التاء فيه ظاهرا، فشرطه العلمية،
[ 132 ]
سواء كان مذكرا حقيقيا كحمزة، أو مؤنثا حقيقيا، كعزة، أو، لا هذا ولا ذاك، كغرة، فالعلمية شرط تأثيره متحتما، فلا يؤثر من دون العلمية بدليل نحو: امراة قائمة، وفي قائمة الوصف الاصلي والتانيث بالتاء، فالخلل لم يجئ إلا من التأنيث، لان شرط الوصف وهو كونه وضعيا على ما ذكر المصنف حاصل، وذلك الخلل ان وضع تاء التأنيث في الاصل على العروض وعدم الثبات، تقول في قائمة: قائم، فلم يعتد بالعارض. وإنما قلنا في الاصل، لان أصل وضعها للفرق بين المذكر والمؤنث ولا تجئ لهذا المعنى في الصفات والاسماء إلا غير لازمة للكلمة، كضاربة ومضروبة وحسنة، وامراة، ورجلة (1)، وحمارة. وأما في غير هذا المعنى فقد تكون لازمة، كما في حجارة، وغرفة، كما يجئ في باب التأنيث.
ثم ان العلمية حيث كانت الكلمة من الكلمات العربية صيرتها مصونة عن النقصان، فتلزم التاء بسببها، فتاء عائشة كراء جعفر، صارت لازمة لا تحذف إلا في الترخيم كما يحذف الحرف الاصلي. وانما ذلك لان التسمية باللفظ وضع له، وكل حرف وضعت الكلمة عليه لا ينفك عن الكلمة، فقولك: عائشة، في الجنس ليس موضوعا مع التاء، فإذا سميت به، فقد وضعته وضعا ثانيا مع التاء، فصار التاء كلام الكلمة في هذا الوضع. وأما ان كانت العلمية في غير الكلم العربية، فربما تصرف العرب فيها بالنقص وتغيير الحركة وقلب الحرف، ان استثقلوها، كما في جبرائيل وميكائيل، وارسطاطاليس، فقالوا: جبريل وجبرال وجبرين، وميكال، وارسطو، وارسطاليس ونحو ذلك، وذلك لورودها على غير أوزان كلمهم الخفيفة وتركيب حروفها المناسبة مع عدم مبالاتهم بما ليس من أوضاعهم، ولذلك قالوا أعجمي فالعب به ما شئت.
(1) ورد استعمال " رجلة " مؤنث رجل. في قوله: (مزقوا جيب فتاتهم. لم يبالوا حرمة الرجلة). (*)
[ 133 ]
وأما الزيادة في الاعلام، فنقول: ان كان الحرف الزائد لا يفيد معنى كالف التأنيث في نحو بشرى وذكرى، وتاء التأنيث في نحو غرقة، وألف الالحاق في نحو معزى، لم يجز زيادته، لان مثل ذلك لا يكون الا حال الوضع، وكلامنا فيما يزاد على العلم بعد وضعه، إذا استعمل على وضعه العلمي، وكذا الحكم ان لم تفد الزيادة الا ما أفاد العلم، كتاء الوحدة ولام التعريف من غير اشتراك العلم. وان أفادت الزيادة معنى آخر، فان لم يقع لفظ العلم بذلك المعنى على ما وضع له أولا، لم يجز زوال الوضع العلمي، فلا نزيد عليه التاء المفيدة لمعنى التأنيث. وان بقى لفظ العلم مع تلك الزيادة واقعا على ما كان موضوعا له جازت مطلقا ان لم يخرج العلم بها عن التعيين كياء النسبة وياء التصغير، وتنوين التمكن، نحو هاشمي
وطليحة، وان خرج بها عن التعيين جازت بشرط جبران التعيين بعلامته، كما في: الزيدان والزيدون، على ما يجئ في باب الاعلام. فان قيل: فإذا صار التاء بالعلمية لازما (1)، فهلا قيل في نحو: حمزة، انه قائم مقام سببين كالالف، فتكون العلمية شرط قيامه مقام سببين، ولا تكون سببا. قلت: لما ذكرنا من أن وضع التاء في الاصل على العروض، فلزومه عارض، فلم يبلغ مبلغ الالف التي وضعها على اللزوم. وثانيهما أن يكون التاء مقدرا وهو الذي سماه المصنف بالمعنوي، سواء كان حقيقيا، كهند وزينب، أو غير حقيقي كحلب ومصر، والالف لا تقدر كالتاء، إذ الالف، للزومها، لا تحذف حتى تقدر، ولا تؤثر التاء مقدرة الا مع العلمية. ولا يصح الاستدلال على كون التأنيث المعنوي أيضا مشروطا بالعلمية بانصراف نحو: حائض، وامراة جريح، كما فعل المصنف في شرحه (2)، لان المراد بالمؤنث المعنوي
(1) قوله فإذا صار التاء لازما. مما جرى عليه في تعبيراته عن الحروف والالفاظ مطلقا، انظر ص 45 من هذا الجزء هامش رقم (1) وسيعود بعد قليل إلى التأنيث. (2) أي في شرحه على هذه الرسالة " الكافية ". (*)
[ 134 ]
ما كان التاء فيه مقدرا كما مر، لا المؤنث الحقيقي، وفي نحو حائض، لا تاء مقدرا، إذ لو كان كذلك غير منصرف مع كونه علما للمذكر كعقرب وليس كذلك، ولكنت تقول في تصغيره تصغير الترخيم: حييضة، كما تقول في سماء: سمية، وليس كذلك، لانك تقول فيه: حييض، الا ترى إلى نحو حائض منصرفا مع التأنيث والوصف، ومثله مع العلمية، أيضا، غير منصرف، كما يجئ. وانما شرط فيه العلمية أيضا، لان المقدر عندهم أضعف من الظاهر وشرط الظاهر العلمية.
والفرق بينهما أن العلمية تصير التاء الظاهرة متحتمة التأثير مطلقا وان كانت الكلمة على ثلاثة ساكنة الاوسط، كشاة علما، لان العلامة ظاهرة، وأما التاء المقدرة فضعيفة، فان سد مسدها في اللفظ حرف آخر، أثرت وجوبا، والا ففيه الخلاف كما يجئ، وما يسد مسدها: الحرف الاخير في الزائد على الثلاثة، لان موضع التاء في كلامهم فوق الثلاثة ولا تزاد ثالثة، وأما نحو ثبة وشاة، فمحذوف اللام، ودليل سده مسد التاء: تصغيرهم عقربا على عقيرب من دون التاء، بخلاف: قدر فان تصغيره: قديرة، فالمؤنث بالتاء المقدرة حقيقيا كان، أولا، إذا زاد على الثلاثة وسميت به لم ينصرف، سواء سميت به مذكرا حقيقيا، أو مؤنثا حقيقيا، أو، لا هذا ولا ذاك، وذلك لان فيه تاء مقدرة وحرفا سادا مسدها فهو بمنزلة حمزة. وان كان ثلاثيا فاما أن يكون متحرك الاوسط، أو، لا. والاول ان سميت به مؤنثا حقيقيا كقدم في اسم امراة، أو غير حقيقي كسقر، لجهنم، فجميع النحويين على منع صرفه للتاء المقدرة، ولقيام تحرك الوسط مقام الحرف الرابع القائم مقام التاء، والدليل على قيام حركة الوسط مقام الحرف الرابع أنك تقول في حبلى: حبلي وحبلوي، ولا تقول في: جمزى إلا جمزي، كما لا تقول في: جمادى الا جمادي.
[ 135 ]
وخالفهم ابن الانباري (1)، فجعل سقر، كهند في جواز الامرين نظرا إلى ضعف الساد مسد التاء. وان سميت به مذكرا حقيقيا أو غير حقيقي، فلا خلاف عندهم في وجوب صرفه لعدم تقدير تاء التأنيث، وذلك كرجل سميته بسقر، وكتاب سميته بقدم، وانما لم يقدر لطران (2) التذكير في الوضع الثاني على ما ضعف تأنيثه في الوضع الاول، فعلى هذا تقول في تصغير سقر اسم رجل: سقير، وأما أذيته، وعينية لرجل فسمي بهما بعد التصغير.
وان لم يسد مسد التاء، ولا مسد الساد مسده شئ، وذلك إذا كان ثلاثيا ساكن الاوسط، فلا يخلو إما أن يكون فيه عجمة، أو، لا، فان لم يكن فان سميت به مذكرا، سواء كان حقيقيا، أو، لا، كهند، إذا جعلته اسم رجل أو اسم سيف مثلا، فلا خلاف في صرفه، وإن سميت به مؤنثا حقيقيا أو غيره، فالزجاج، وسيبويه، والمبرد (3): جزموا بامتناعه من الصرف لكونه مؤنثا بالوضعين: اللغوي، والعلمي، فظهر فيه أمر التأنيث، وغيرهم خيروا فيه بين الصرف وتركه، لفوات الساد مسد حرف التأنيث، وما يسد مسد الساد. وكذا الخلاف فيما سكن حشوة للاعلال لا وضعا، كدار ونار، وفي الثنائي كيد اسم امراة. وان كان فيه العجمة، كماه وجور، فان سميت به مذكرا حقيقيا، أو، لا، فالصرف لا غير، إذ هما كنوح ولوط، كما يجئ.
(1) أبو بكر محمد بن القاسم، أخذ عن ثعلب وكان يمتاز بحافظة نادرة وهو الذي ينقل عنه النحاة كثيرا من الاراء توفي سنة 327 ه وهو غير أبي البركات كمال الدين بن محمد الانباري صاحب كتاب الانصاف والمتوفى سنة 577 ه والاشهر في الحديث عنه أن يقال: الانباري بدون ابن. (2) تقدم أن هذا المصدر نادر ويستعمله المؤلف كثيرا، انظر ص 61 من هذا الجزء هامش (1). (3) تكرر ذكر هؤلاء جميعا. (*)
[ 136 ]
وان سميت به مؤنثا حقيقيا أو، لا، فترك الصرف لا غير، لان العجمة، وان لم تكن سببا في الثلاثي الساكن الاوسط كما يجئ، لكن مع سقوطها عن السببية لا تقصر عن تقوية السببين حتى يصير الاسم بهما متحتم المنع. فظهر بهذا التفضيل أن المؤنث إذا سمي به مذكر، حقيقي أو غير حقيقي، يعتبر في منع صرفه: زيادة على ثلاثة أحرف، ولا يعتبر تحرك الاوسط ولا العجمة.
وههنا شروط أخر لمنع صرف المؤنث إذا سمي به المذكر تركها المصنف: أحدها: ألا يكون ذاك المؤنث منقولا عن مذكر، فان ربابا، اسم امراة، لكن إذا سميت به مذكرا انصرف، لان الرباب قبل تسمية المؤنث به كان مذكرا بمعنى الغيم، وكذا لو سميت بنحو حائض وطالق مذكرا انصرف، لانه في الاصل لفظ مذكر وصف به المؤنث إذ معناه في الاصل شخص حائض، لان الاصل المطرد في المشتقات أن يكون المجرد من التاء منها صيغة المذكر، وذو التاء موضوعا للمؤنث، فكل نعت لمؤنث، بغير التاء فهو صيغة موضوعة للمذكر، استعملت للمؤنث. وثانيها، ألا يكون تأنيث المؤنث الذي سمي به المذكر تأنيثا يحتاج إلى تأويل غير لازم، فان نساء، ورجال، وكل جمع مكسر خال من علامة التأنيث لو سميت به مذكرا انصرف، لان تأنيثها لاجل تأويلها بجماعة، ولا يلزم هذا التأويل، بل لنا أن نؤولها بالجمع فيكون مذكرا، ولم يبق التأنيث الحقيقي الذي كان في المفرد، ولا التذكير الحقيقي، في نحو نساء ورجال، بل تأنيثهما باعتبار التأويل بالجماعة وهو غير لازم، كما ذكرنا، وثالثها: ألا يغلب استعماله في تسمية المذكر به، وذلك لان الاسماء المؤنثة السماعية، كذراع، وعناق، وشمال، وجنوب، على أربعة أضرب، قسمة عقلية، إما أن يتساوى استعمالها مذكرة ومؤنثة، فإذا سمي بها مذكر جاز فيها الصرف وتركه، أو يغلب استعمالها مذكرة، فلا يجوز بعد تسمية المذكر بها الا الصرف أيضا، أو لا تستعمل إلا مؤنثة، فليس فيها بعد تسمية المذكر بها الا منع الصرف، أما إن عكست الامر أعني سميت المؤنث باسم المذكر حقيقيين كانا، أو، لا، فان كان الاسم ثلاثيا متحرك الاوسط، كجبل وحسن، أو زائدا على الثلاثة كجعفر، فلا كلام في منع صرفهما لظهور أمر التأنيث بالطرءان
[ 137 ]
مع ساد مسد التاء، أو ساد مسد الساد، وان كان ثلاثيا ساكن الاوسط كزيد وبحر يسمى بمثلها امراة، فالخليل وسيبويه وأبو عمرو (1)، يمنعونه الصرف متحتما، كماه، وجور،
لظهور أمر التأنيث بالطرءان. وأبو زيد (2)، وعيسى (3)، والجرمي (4)، يجعلونه مثل هند في جواز الامرين، ويرجحون صرفه على صرف هند نظرا إلى أصله. قوله: " وشرط تحتم تأثيره "، أي تأثير المعنوي، والمراد به تأنيث ما التاء فيه مقدرة، سواء كان حقيقيا كزينب، أو، لا، كعقرب. قوله: " زيادة على الثلاثة أو تحرك الاوسط أو العجمة "، أي إذا سمي به المؤنث وذلك لما ذكرنا أن آخر حروف الزائد على الثلاثة يقوم مقام التاء، وتحرك الاوسط يقوم مقام الزائد الساد مسد التاء. وأما العجمة فانها وان لم تسد مسد التاء ولا مسد الزائد المذكور، وليست أيضا، سببا في الثلاثي الساكن الاوسط كما يجئ، لكنها مقوية للتانيث الضعيف تأثيره لكون علامته مقدرة بلا نائب، فالضعف من قبله لا من قبل العلمية، فهو المحتاج إلى التقوية لا العلمية، فلذا قال: وشرط تحتم تأثيره أي تأثير التأنيث المعنوي. قوله: " فهند يجوز صرفه "، لخلوه من جميع شرائط التحتم الثلاث، وزينب ممتنع، للزيادة، وسقر، لتحرك الاوسط، وماه وجور للعجمة.
(1) المراد أبو عمرو بن العلاء بن عمار، وأرجح الاقوال أن اسمه زبان وهو المقصود في البيت المشهور هجوت زبان ثم جئت معتذرا * من هجو زبان لم تهجو ولم تدع وهو من متقدمي النحاة، وأحد أئمة الطبقة الثانية من علماء البصرة توفي سنة 154 قالوا انه لم يترك آثارا مكتوبة لانه تنسك في آخر حياته فاحرق كتبه. وهو أحد القراء السبعة. (2) المراد: أبو زيد الانصاري واسمه سعيد بن أوس بن ثابت. كان اماما نحويا ولغويا وله مؤلفات كثيرة أكثرها في اللغة ومن أشهرها النوادر توفي سنة 215 ه على الارجح. (3) أي عيسى بن عمر الثقفي امام من متقدمي النحاة وهو ممن أخذ عنهم سيبويه. توفي سنة 149 ه. (4) أما الجرمي فقد تقدم ذكره أكثر من مرة. انظر ص 79 من هذا الجزء. (*)
[ 138 ]
قوله: " فان سمي به مذكر، أي بالمؤنث المقدر تاؤه الذي عبر عنه بالمعنوى، قوله: " فشرطه الزيادة، أي الزيادة على الثلاثة، ولا يفيد تحرك الاوسط ولا العجمة، لضعف أمر التأنيث في الاصل بسبب تقدير علامته، فيزيل التذكير الطارئ في الوضع العلمي ذلك الامر الضعيف، الا إذا سد مسد علامته حرف، ولا تقاومه الحركة القائمة مقام الساد، ويكون ماه، وجور، إذن، كنوح ولوط، لان الجميع علم المذكر، فلا تكون التاء مقدرة، وسيجئ أن العجمة لا تأثير لها في الثلاثي الساكن الاوسط بالسببية، بل انما تؤثر بالشرطية بعد ثبوت سببين دونها، فقدم وجور منصرفان، لعدم الحرف الزائد وعقرب ممتنع، لان الباء قام مقام تاء التأنيث.
[ 139 ]
أسماء القبائل والبلدان وأما أسماء القبائل والبلدان فان كان فيها مع العلمية سبب ظاهر بشروطه فلا كلام في منع صرفها، كباهلة، وتغلب، وبغداد، وخراسان ونحو ذلك. وان لم يكن فالاصل فيها الاستقراء، فان وجدتهم سلكوا في صرفها أو ترك صرفها طريقة واحدة، فلا تخالفهم، كصرفهم ثقيفا، ومعدا، وحنينا ودابقا، وترك صرفهم سدوس، وخندف، وهجر، وعمان، فالصرف في القبائل بتأويل الاب، ان كان اسمه كثقيف، أو الحي، وفي الاماكن بتأويل المكان والموضع ونحوهما، وترك الصرف في القبائل بتأويل الام ان كان في الاصل، كخندف، أو القبيلة، وفي الاماكن بتأويل البقعة والبلدة ونحوهما. وان جوزوا صرفها وترك صرفها كما في " ثمود " و " واسط "، و " قريش "، فجوزهما أيضا على التأويل المذكور. وان جهلت كيفية استعمالهم فلك فيها الوجهان.
هذا، وربما جعلوا الاب مؤولا بالقبيلة فمنعوه الصرف، قال:
[ 140 ]
29 - وهم قريش الاكرمون إذا انتموا * طابوا فروعا في العلا وعروقا (1) ويصفونه ببنت، نحو تميم بنت مر، وقيس بنت عيلان. وكذا قد يؤول اسم الام بالحي فيصفونه بابن نحو باهلة بن أعصر، وباهلة امراة، وقد يؤنث ما أسند إلى اسم الاب مع صرفه بتأويل حذف مضاف مؤنث، نحو جاءتني قريش مصروفا، أي أولاد قريش قال الله تعالى: " كذبت ثمود المرسلين " (2) بصرف ثمود، على ما قرئ، فيعتبر المضاف المحذوف، كما في قوله تعالى: " وكم من قرية أهلكناها فجاءها باسنا بياتا أو هم قائلون " (3). ويجوز أن يكون صرف مثله لتاويله بالحي، وتانيث المسند لتاويله بالقبيلة، فهو مؤول بالمذكر والمؤنث باعتبار شيئين: الاسناد والصرف ولا منع فيه. وأما نحو قولهم: قرات هود، فان جعلته اسم النبي صلى الله عليه وسلم، على حذف المضاف، أي سورة هود، فالصرف، وان جعلته اسم السورة فترك الصرف، لانه كماه وجور. وأما أسماء الكلم المبنية في الاصل، نحو: " ان " تنصب وترفع، و: " ضرب " فعل ماض، فالاكثر الحكاية، وان أعربتها فلك الصرف، بتأويل اللفظ، وتركه بتأويل الكلمة واللفظة (4)، ويجئ بسط القول فيها وفي أسماء حروف التهجي إذا سميت بها السور أو غيرها في باب الاعلام، إن شاء الله تعالى.
(1) أورده شارحنا وتكلم عليه البغدادي واقتصر في شرحه على اشتقاق قريش وأرده له أمثله ولم ينسبه. ولم يستشهد به غير الرضى ممن اطلعت على كتبهم. وأما وجه الشاهد فيه فقد وضحه الشارح الرضى. (2) الاية 141 من سورة الشعراء.
(3) الاية 4 من سورة الاعراف. (4) وعلى هذا جرى استعمال الرضى كما قلنا غير أنه يخلط بين الاستعمالين أحيانا. (*)
[ 141 ]
المعرفة وشرط منعها من الصرف قال ابن الحاجب: " المعرفة شرطها أن تكون علمية ". قال الرضى: وذلك لان المعارف خمس: المضمرات، والمبهمات، وهما مبنيان فلا مدخل لهما في غير المنصرف، إذ هو معرب. وأما ذو اللام والمضاف فلا يمكن فيهما منع الصرف عند من قال: غير المنصرف: ما حذف منه التنوين والكسر تبعا للتنوين وإذا لم يدخلهما التنوين ليحذف فكيف يتبعه الكسر ؟ وكذا عند من قال: هو ما حذف منه الكسر والتنوين معا، وأما عند المصنف، فيمكن منع صرفهما لانه قال: هو ما فيه علتان أو واحدة قائمة مقامهما، لكنه لا يظهر فيهما عنده حكم منع الصرف، وهو أن لا كسر ولا تنوين، لمشابهتهما الفعل، فلم يبق من جملة المعارف، إلا العلم. وانما اعتبر الخليل في " أجمع " وأخواته تعريف الاضافة لسقوط المضاف إليه منها، وتعرض المضاف لدخول التنوين، فيظهر أثر منع الصرف. العجمة الصور الممنوعة من الصرف قال ابن الحاجب: " العجمة شرطها علمية في العجمية، وتحرك الاوسط أو زيادة "
[ 142 ]
" على الثلاثة، فنوح منصرف، وشتر وابراهيم ممتنع ". قال الرضى: قوله: " علمية في العجمية " أي كون الاسم علما في اللغة العجمية، أي يكون قبل استعمال العرب له علما، وليس هذا الشرط بلازم، بل الواجب ألا يستعمل في كلام العرب أولا إلا مع العلمية سواء كان قبل استعماله فيه، أيضا علما، كابراهيم واسماعيل، أو، لا، كقالون (1)، فانه الجيد بلسان الروم سمى به نافع (2) راوية عيسى، لجودة قراءته. وانما اشترط استعمال العرب له أولا مع العلمية، لان العجمة في الاعجمي تقتضي ألا يتصرف فيه تصرف كلام العرب، ووقوعه في كلامهم يقتضي أن يتصرف فيه تصرف كلامهم، فإذا وقع أولا فيه مع العلمية، وهي منافية للام والاضافة فامتنعا معها، جاز أن يمتنع ما يعاقبهما أيضا، أعني التنوين رعاية لحق العجمة حين أمكنت، فيتبع الكسر التنوين على ما هو عادته، وبقي الاسم بعد ذلك قابلا لسائر تصرفات كلامهم على ما يقتضيه وقوعه فيه، لما تقرر أن الطارئ يزيل حكم المطروء عليه، فيقبل الاعراب وياء النسبة وياء التصغير، ويخفف ما يستثقل فيه بحذف بعض الحروف وقلب بعضها نحو: جرجان، وآذربيجان، في كركان، وآذربايجان، ونحو ذلك. وإذا لم يقع الاعجمي في كلام العرب أولا مع العلمية، قبل اللام والاضافة إذ لا مانع، فيقبل التنوين أيضا مع الجر مع سائر التصرفات، كاللجام والفرند والبرق والبذح (3)، فيصير كالكلمة العربية، فان جعل بعد ذلك علما، كان كانه جعلت الكلمة العربية علما،
(1) قالون: لقب عيسى بن مينا وكنيته أبو موسى. وكما قال الشارح لقبه شيخه نافع بهذا اللقب لجودة قراءته، وهو أحد راويي نافع والراوي الثاني ورش، وسيأتي ذكره. توفي قالون سنة 220 ه. (2) نافع بن عبد الرحمن وكنيته أبو رويم اصفهاني الاصل أحد القراء السبعة توفي بالمدينة المنورة سنة 169 ه. (3) اللجام قيل انه معرب لغام بالغين، وقيل انه عربي، والفرند معرب. وهو بمعنى جوهر السيف، وأما البرق فهو
بفتح الباء والراء، معرب بره بمعنى صغير من الضان. والبذح: هكذا جاءت في النسخة المطبوعة التي نقلنا عنها. والموجود في المعاجم أن البرخ بالراء الساكنة والخاء المعجمة: كلمة عبرانية وقيل سريانية ومعناها: الرخيص: وفي اللسان: البرخ بالضبط السابق: الكبير الرخص: وكثير مما قيل انه أعجمي يرى بعض أئمة اللغة أنه عربي. والله أعلم. (*)
[ 143 ]
فينظر، ان كان فهى مع العلمية سبب آخر غير العجمة منع الصرف، كنرجس، وبقم، ففيهما الوزن، وكذا: آجر مخففا، وان لم يكن: صرف كلجام علما. ففي العجمة على ما قال المصنف: مجموع الشرطين واجب، العلمية في العجمية مع أحد الشرطين الباقيين وهو إما الزيادة أو تحرك الاوسط. وعند سيبويه، وأكثر النحاة: تحرك الاوسط لا تأثير له في العجمة، فنحو لمك، عندهم منصرف متحتما كنوح ولوط، فهم يعتبرون الشرطين المعينين: كون الاعجمي علما في أول استعمال العرب له والزيادة على الثلاثة. وهو أولى، وذلك أن تحرك الاوسط في المؤنث نحو سقر، انما اثر، لقيامه مقام الساد ملسد علامة التأنيث، وأما العجمة فلا علامة لها حتى يسد مسدها شئ، بل الاعجمي بمجرد كونه ثلاثيا، سكن وسطه، أو تحرك يشابه كلام العرب، ويصير كانه خارج عن وضع كلام العجم لان أكثر كلامهم على الطول، ولا يراعون الاوزان الخفيفة، بخلاف كلام العرب. والزمخشري (1) تجاوز عما ذهب إليه المصنف، بان جعل الاعجمي إذا كان ثلاثيا ساكن الاوسط جائزا صرفه وترك صرفه مع ترجيح الصرف، فقد جوز تأثير العجمة مع سكون الوسط أيضا، فكيف لا تؤثر مع تحركه ؟ وليس بشئ (2)، لانه لم يسمع نحو: لوط غير منصرف في شئ من الكلام، والقياس المذكور أيضا، يمنعه.
والذي غره تحتم منع صرف ماه وجور، ولولا العجمة لكان مثل هند ودعد، يجوز صرفه وترك صرفه، وذهل عن أن تأثير الشئ على ضربين: إما لكونه شرطا كالزيادة على
(1) تكرر ذكره، وأنظر ص 46 من هذا الجزء، وقوله تجاوز عما ذهب.. معناه زاد على ما قاله المصنف. (2) أي ما ذهب إليه الزمخشري. (*)
[ 144 ]
الثلاثة في التأنيث المعنوي، وإما لكونه سببا، كالعدل في: ثلاث، والعجمة في ماه وجور من القسم الاول، إذ لو كانت سببا في الثلاثي الساكن الاوسط لسمع نحو لوط غير منصرف في كلام فصيح، أو غير فصيح. ويتبين بما تقدم علة وجوب صرف نحو لوط ونوح، وجواز منع نحو هند، مع أن كل واحد منهما، ثلاثي ساكن الاوسط، وذلك أن خفة الاول ألحقته بالعربي، وأيضا فالتانيث له معنى ثبوتي في الاصل، وله علامة مقدرة تظهر في بعض التصرفات وهو التصغير، بخلاف العجمة، فانه لا معنى لها ثبوتي، بل معناها أمر عدمي، وهو أن الكلمة ليست من أوضاع العرب، ولا علامة لها مقدرة، فالتانيث أقوى منها. قوله: " وشتر " وهو حصن بأران (1)، ويجوز أن يقال: ان امتناعه من الصرف لاجل تأويله باليقعة أو القلعة، الا أن يقول: انه لا يستعمل إلا مذكرا فلا يرجع إليه إلا ضمير المذكر، لكن ذلك مما لم لم يثبت فالمثال الصحيح، لمك، لانه اسم أبي نوح عليه السلام
(1) أران: على وزن شداد أقليم باذربيجان. وهو أيضا اسم قلعة بقزوين. (*)
[ 145 ]
الجمع صيغة منتهى الجموع وما حمل عليها قال ابن الحاجب: " الجمع شرطه صيغة منتهى الجموع بغير هاء، كمساجد "
" ومصابيح، وأما نحو: فرازنة فمنصرف، وحضاجر علما " " للضبع غير منصرف لانه منقول عن الجمع، وسراويل إذا لم " يصرف، وهو الاكثر، فقد قيل: أعجمي حمل على " " موازنه، وقيل عربي جمع سروالة تقديرا، وإذا صرف فلا " " اشكال، ونحو: جوار، رفعا وجرا كقاض ". قال الرضى: قوله: " صيغة منتهى الجموع " أي وزن غاية جموع التكسير، لانه، يجمع الاسم " جمع التكسير جمعا بعد جمع فإذا وصل إلى هذا الوزن امتنع جمعه التكسير كجمع كلب على أكلب، وجمع أكلب على أكالب، وكجمع نعم على أنعام وجمع أنعام على أناعيم. وانما قيدنا بغاية جمع التكسير، لانه لا يمتنع جمعه جمع السلامة، وان لم يكن قياسا مطردا، على ما يجئ في التصريف في باب الجمع، نحو قوله صلى الله عليه وسلم:
[ 146 ]
" انكن صواحبات يوسف " وقوله: جذب الصراريين بالكرور (1) 21 وقوله: 30 - وإذا الرجال راوا يزيد رايتهم * خضع الرقاب نواكسي الابصار (2) كما ذكره أبو علي في الحجة (3). وضابط هذه الصيغة: أن يكون أولها مفتوحا، وثالثها ألفا وبعدها حرفان، أدغم أحدهما في الاخر، أو، لا، كمساجد، ودواب، أو ثلاثة ساكنة الوسط، فلو فات هذه الصيغة لم تؤثر الجميعة، كما في حمر، وحسان، مع أن في كل واحد منهما الجميعة والصفة. وانما شرط في هذه الصيغة أن تكون بغير هاء احترازا عن نحو: ملائكة لان التاء
تقرب اللفظ من وزن المفرد، نحو كراهية وطواعية وعلانية، فتكسر من قوة جمعيتة، فلا يقوم مقام السببين، ولا سيما على مذهب من قال إن قيامه مقامهما لكونه لا نظير له في الاحاد، كما ذكرنا قبل، ولا يلزم منع ثمان ورباع وحزاب، وان حصلت فيها صيغة منتهى الجموع لان هذه الصيغة شرط السبب، والمؤثر هو المشروط مع الشرط. قوله: " وحضاجر علما للضبع غير منصرف "، قوله علما حال من الضمير الذي في
(1) تقدم هذا الشاهد في ص 112 من هذا الجزء. (2) هذا البيت للفرزدق من قصيدة في مدح بني المهلب وخص من بينهم يزيد بن المهلب بن أبي صفرة أحد شجعان العرب وكرمائهم. فيقول الفرزدق في هذا الشعر. فلا مدحن بني المهلب مدحة * غراء ظاهرة على الاشعار ثم قال: أما يزيد فانه تابي له * نفس موطنة على المقدار ورداه شعب المنية بالقنا * فتدر كل معاند نعار تدر أي تسيل الدم من كل معاند نعار والمعاند العرق إذا سال فلم يرقا، والنعار الذي يفور منه الدم، هذا وروى البيت نواكس بدون جمع التصحيح. وتحدث البغدادي في هذا البيت كثيرا. (3) الحجة: من مؤلفات أبي علي الفارسي وهو في توجيه القراءات السبع. (*)
[ 147 ]
" غير منصرف "، أي لا ينصرف في حال كونه علما للضبع. والضبع لا يطلق الا على الانثى، والذكر ضبعان. وذلك لانه لا يبقى، إذن، فيه معنى الجمع، إذ يقع على كل واحدة منها، وهي علم للجنس، لا لواحدة معينة، فهي كاسامة للاسد، على ما يجئ في باب الاعلام، ففيه، إذن الشرط وحده وهو الصيغة من دون معنى الجمع، فكان ينبغي أن يكون منصرفا كثمان ورباع. والجواب عنه عند المصنف أن الجمع الاقصى إذا سمي به لا ينصرف لان المعتبر،
أن يكون في الاصل كما ذكرنا في الوصف، فلا يضر زوال الجمع، بالعلمية لعروض الزوال، فلا أثر على هذا القول للعلمية في منع مساجد علما، بل المؤثر: الجمعية الاصلية القائمة مقام سببين. فان قيل: أليس يين الجمعية والعلمية تضاد، كما يذكر المصنف بعد من تضاد الوصف والعلمية (1) ؟ فالجواب: ليسا بمتضادتين، ويصح اعتبار حقيقة الجمعية مع العلمية، كما يسمى جماعة معينة من الرجال بكرام. مثلا، فيكون معناه: هذه الجماعة المسماة بهذا اللفظ، فيكون معنى الجمعية باقيا، وهذا كما سمي بابانين (2) جبلان فروعي مع العلمية معنى التثنية، فهما، وان جعلا كشئ واحد مسمى بلفظ المثنى، لكن يفهم من معنى: أبانين، معنى التثنية، إذ معناه هذان الجبلان المعينان، فلا تنافي بين العلمية، والجمعية أو التثنية. والاولى، عندي، ألا تنافي أيضا بين الوصف والعلمية، وأما قول المصنف بعد في الشرح: إن العلمية تفيد الخصوص، والصفة تفيد العموم فتنافتا، فنقول: الاطلاق لا ينافي الخصوص إلا إذا كان الاطلاق قيدا، كما يقال: الوصف لا بد فيه ألا يكون
(1) ياتي هذا البحث عند الكلام على تنكير نحو أحمر بعد كونه علما. (2) أبانين: متالع وأبان جبلان متقابلان لبني فزارة أطلق عليهما معا اسم: أبانان. (*)
[ 148 ]
لا عاما ولا خاصا بل لا بد فيه من الاطلاق، ولا نسلم أن هذا القيد شرط في الصفة، لانك تقول هذا العالم، وكل عالم، والاول خاص والثاني عام وكلاهما وصفان (1). وان أراد المصنف بالاطلاق العموم، قلنا: لا نسلم أن ماهية الوصف لا بد فيها من معنى العموم، بل الصفة المرادة في باب منع الصرف أن يكون الاسم وضع دالا على معنى غير الشمول وصاحبه صحيح التبعية لما يخصص ذلك الصاحب، كما يجئ في باب الوصف (2)، فإذا ثبت في اسم أن دلالته على ما ذكرنا، وصحة تبعيته لذلك المخصص وضعيتان، فلا
يضره في منع الصرف عروض ما يمنع جريه على ذلك المخصص وتبعيته له، ألا ترى أن نحو أسود وأرقم عرض فيه ما يمنع الجري وهو الغلبة، لكن لما كان المعنى الموضوع له الوصف، وهو العرض وصاحبه باقيا لم يضره ذلك العارض. على أن لي في اعتبار كون دلالة الاسم على المعنى وصاحبه وضعية في باب منع الصرف، نظرا، كما ذكرنا في أربع، فنقول. يمكن أن يعتبر في حاتم معنى الحتم، فيكون دالا على معنى وصاحبه، لكن عرض له المانع من الجري وهو العلمية، كما عرض في نحو أسود وأرقم: الغلبة المانعة من الجري، فالعلمية ههنا كالغلبة هناك، لا فرق بينهما الا أن الكلمة بالعلمية تصير أخص منها بالغلبة وحدها، لان العلمية تخصصها بذات واحدة، والغلبة بنوع واحد، بلى، الفرق بين العلمية والغلبة مطلقا: ان الغلبة لا تنفك عن مراعاة معنى الوصف كما في أسود وأرقم، والاكثر في العلمية عدم مراعاته، والدليل على امكان لمح الوصف مع العلمية قولهم، انما سميت هانئا لتهنا، وقول حسان:
(1) وصفان: روعي معنى كلا فاخبر عنهما بالمثنى وهو حائز والمؤلف يستعمل الوجهين. (2) هذا الذي ذكره هنا هو تعريف النعت كما يجئ في الكلام على التوابع. (*)
[ 149 ]
31 - وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد (1) وأيضا، فنحن نعلم أن اللقب، كالمظفر، وقفة، من الاعلام، واللقب هو الذي يعتبر فيه المدح أو الذم، فيمكن فيه معنى الوصف الاصلي. ويؤكد هذا قول النحاة: انما تدخل اللام على الاعلام التي أصلها المصادر والصفات، كالفضل والعباس للمح الوصفية الاصلية، فلو لم يجتمع الوصف مع العلمية فكيف لمح ؟، ولو كانت الصفة من حيث هي هي، تقتضي العموم وتنافي الخصوص لم يجز نحو: هذا العالم فانه خاص بالضرورة مع اعتبار معنى الوصف فيه.
فان قلت: فإذا لم يكن بينهما تناف، فلم لم يمتنع (2): هانئ، ومحمد، في المثل والبيت المذكورين، وكذا كل علم ملموح فيه الوصف الاصلي ؟ قلت: كذا كان يجب، الا أن المقصود الاهم الاعم في وضع الاعلام لما كان تخصيص المسمى بها، سواء لمح فيها المعنى الاصلي كما في اللقب، أو لم يلمح كتسميتهم الاحمر بالاسود وبالعكس، وكان المعنى الاصلي انما يلمح لمحا خفيا فيها، ويوما إليه إيماء مختلسا في بعض الاعلام، لم يعتد بذلك الوصف الاصلي لكونه كالمنسوخ مع لمحه، وكذا نقول في الجمعية في نحو مساجد علما: انما لم تعتبر وان لم تنافها العلمية، وأمكن لمحها في بعض الاعلام، لان المقصود الاهم في وضع العلم غير معنى الجمعية. فإذا ثبت أن معنى الوصف والجمعية لا يعتبران في الموضع الذي يصح لمحهما فيه، فكيف بالاعتبار في نحو: مساجد اسم رجل الذي لم يلمح فيه معنى الجمع، وفي حاتم، إذا لم يلمح فيه معنى الوصف.
(1) من أبيات لحسان بن ثابت الانصاري في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وقال البغدادي انه أول الابيات بعده: نبي أتانا بعد ياس وفترة * من الرسل والاوثان في الارض تعبد قال وذلك فالصواب فيه: شق له من اسمه بدون عطف وان لزم منه أن يكون في البيت الخرم: ثم نقل عن المواهب اللدنية أبياتا أخرى فيها هذا البيت ثالث الابيات وقبله: وضم الالة اسم النبي إلى اسمه * إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له.. الخ ثم قال وعلى هذا فرواية البيت بالواو صحيحة. (2) أي لم لم يمتنع كل من اللفظين من الصرف للعلمية والوصف. (*)
[ 150 ]
فالاولى، إذن، في منع صرف: مساجد علما: ما قال أبو علي، وهو أن فيه العلمية وشبه العجمة، حيث لم يكن له في الاحاد نظير، كما أن الاعجمي ليس يشبه العربي، فيزيد عنده في الاسباب شبه العجمة.
وعند الجزولى: فيه سببان تامان، غير مبني أحدهما على سبب آخر، كما قال أبو علي إن فيه شبه العجمة، وذلك أن الجزولي يعد عدم النظير في الاحاد سببا من الاسباب كالعلمية والوصفية وغيرهما، ولم يعده شرط السبب كما فعل غيره، وكان سعيد الاخفش (1) يصرف نحو مساجد علما لزوال السبب وهو الجمع، وهو خلاف المستعمل عندهم. قوله: " وسراويل "، الاكثرون على أنه غير منصرف، قال: 32 - أتى دونها ذب الرياد كانه * فتى فارسي في سراويل رامح (2) واختلف في تعليله، فعند سيبويه وتبعه أبو علي: أنه اسم أعجمي مفرد، عرب كما عرب الاجر، ولكنه أشبه من كلامهم ما لا ينصرف قطعا نحو قناديل، فحمل على ما يناسبه فمنع الصرف، ولم يمنع الاجر، مخففا، لان جمع ما وازنه ليس ممنوعا من الصرف، ألا ترى إلى نحو أكلب وأبحر، فعلى قوله: ليس فيه من الاسباب شئ، لان العجمة شرطها العلمية، وفيه التأنيث المعنوي، وشرطه، أيضا، العلمية، وأما الصيغة فليست سببا، بل هي شرط لسبب الجمعية الا عند الجزولي. فسيبويه يمنعه الصرف لا لسبب، بل لموازنة غير المنصرف، وقال الجزولي: فيه عدم النظير والعجمة الجنسية، ويجوز له أن يعتبرها في هذا الوزن خاصة لا في غيره،
(1) الاخفش المشهور: اسمه سعيد، كما تقدم وفي النسخة المطبوعة: سعيد بن الاخفش. (2) البيت لتميم بن أبي بن مقبل في وصف الثور الوحشي فشبه ما على قوائمه من الشعر الغزير بالسراويل. وخص الفتى الفارسي لان لباس الفرس السراويل. وعنهم أخذت. وروى البغدادي أن أبا هلال العسكري نسب البيت للراعي. قال والصواب ما قدمناه. أي انه لتميم بن أبي بن مقبل.. ويختصر اسم هذا الشاعر فيقال تميم بن مقبل. (*)
[ 151 ]
لاطراد منع صرف جميع ما على هذا الوزن.
وقال المبرد: هو عربي جمع سروالة، والسروالة قطعة خرقة، قال: 33 - عليه من اللؤم سروالة * فليس يرق لمستعطف (1) ويشكل عليه: أن اطلاق لفظ الجمع على الواحد، لم يجئ في الاجناس، فلا يقال لرجل: رجال، بلى، جاء ذلك في الاعلام، كمدائن في مدينة معينة. وجوابه: أن الجمع فيه مقدر لا محقق، كالعدل في عمر، وذلك أن لنا قاعدة ممهدة: أن ما على هذا الوزن لا ينصرف الا للجمعية، ولم تتحقق فيه لكونه لالة مفردة (2)، فقدرناها لئلا تنخرم القاعدة، وأيضا، إذا اشتمل الشئ على الاقطاع (3)، جاز لك أن تطلق اسم تلك الاقطاع على المجتمع منها، كبرمة أعشار. وليس للخصم أن يقول: ان مثل هذا مختص بوزن أفعال، لانه قد جاء نحو قوله: 34 - جاء الشتاء وقميصي أخلاق * شراذم يعجب منه التواق (4) وشراذم لفظ جمع بالاتفاق. وقد نسب إلى سيبويه أن أفعالا مفرد. وقال أبو الحسن (5): ان من العرب من يصرف سراويل لكونه مفردا.
(1) وجه الاستشهاد بالبيت على ما ذهب إليه المبرد ظاهر. ولكنهم قالوا ان البيت مصنوع، أو أنه مجهول القائل. وإذا كان جمع سروالة فكان المعنى عليه قطعة من اللوم. ولا يتفق مع الذم المقصود من البيت. (2) أي لان السراويل موضوع لشئ مفرد وهو اللباس المعين. (3) أي الاجزاء. (4) شراذم أي قطع. والتواق بالتاء المثناة وآخره قاف. قال البغدادي نقلا عن الفراء وغيره انه اسم ابن الشاعر. ولم يذكر أحد اسم هذا الشاعر أكثر من أنه بعض الاعراب. وروى: النواق بالنون. والنواق: الذي يرود الامور ويصلح ما فسد منها. فكأنه يريد به الرفاء. (5) يريد به الاخفش الاوسط سعيد بن مسعدة وتقدم ذكره. (*)
[ 152 ]
ونسب بعضهم إلى سيبويه أنه يقول بانصرافه أيضا، نظرا إلى قوله " عرب كما عرب الاجر "، وهو غلط، لان تشبيه سيبويه (1) له بالاجر لاجل الثعريب فقط، لا لكونه منصرفا مثله، ألا ترى إلى قوله بعد " الا أنه أشبه من كلامهم ما لا ينصرف ". قوله: " وإذا صرف فلا اشكال " لان السبب أعني الجمعية غير حاصل، فلا يفيد الشرط وحده. هذا، ويمكن تقدير الجمع في سراويل مطلقا، صرف، أو لم يصرف، وذلك لاختصاص هذا الوزن بالجمع، فمن لم يصرفه فنظرا إلى ذلك المقدر ومن صرفه فلزواله بوقوعه على الواحد، وكذا يجوز في نحو حمار حزاب، أن يقدر الجمع، وذلك لتجويز بعضهم فيه الصرف وتركه، نحو رايت حمارا حزابي وحزابيا، فنقول: هو جمع حزباء أي الارض الغليظة والجمع الحزابي كالصحارى بالتخفيف. قوله: " ونحو جوار " أي المنقوص من هذا الجمع، اعلم أن الاكثر على أن " جوار " في اللفظ كقاض رفعا وجرا، وقد جاء عن بعض العرب في الجر جواري، قال الفرزدق: 35 - فلو كان عبد الله مولى هجوته * ولكن عبد الله مولى مواليا (2) وقال آخر: 36 - له ما رات عين البصير وفوقه * سماء الاله فوق سبع سمائيا (3)
(1) انظر سيبويه ج 2 ص 16. (2) هو بيت مفرد قاله الفرزدق يهجو عبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي وكان يخطئه في شعره قالوا ولذلك صواب البيت: لو كان لانه شئ قبله يعطف عليه فيكون البيت مخروما. (3) سمائي جمع سماء، فهو منقوص ممنوع من الصرف على وزن منتهى الجموع. فكان القياس سماء وفيه مخالفة أخرى وهي جمع سماء على صيغة منتهى الجموع مع ابقاء الهمزة العارضة وانظر الخزانة والبيت من قصيدة لامية بن أبي الصلت يقول فيها: ألا كل شئ هالك غير ربنا * ولله ميراث الذي كان فانيا
قال البغدادي: الضمير في له في بيت الشاهد يرجع إلى الذي كان فانيا في هذا البيت وشرح الابيات. (*)
[ 153 ]
وهي قليلة، واختارها الكسائي، وأبو زيد، وعيسى بن عمر، ولا خلاف في النصب أنه جواري وأنه غير منصرف. ثم اختلفوا في كون جوار، رفعا وجرا، منصرفا أو غير منصرف. فقال الزجاج (1): ان تنوينه للصرف، وذلك أن الاعلال مقدم على منع الصرف لان الاعلال سبب قوي، وهو الاستثقال الظاهر المحسوس في الكلمة، وأما منع الصرف فسببه ضعيف، إذ هو مشابهة غير ظاهرة بين الاسم والفعل، على ما تبين قبل، قالوا (2): فسقط الاسم بعد الاعلال عن وزان (3) أقصى الجموع الذي هو الشرط، فصار منصرفا. والاعتراض عليه أن الياء الساقط في حكم الثابت بدليل كسرة الراء في: جاءتني جوار، وكسر الراء حكم لفظي كالمنع من الصرف، فاعتبار أحدهما دون الاخر تحكم، وكل ما حذف لاعلال موجب فهو بمنزلة الباقي، كعم وشج، والا كان كالمعدوم، كيد ودم، ومن ثم صرف جندل، وذلذل (4)، مقصوري جنادل وذلاذل. وقال المبرد: التنوين عوض من حركة الياء، ومنع الصرف مقدم على الاعلال، وأصله: جواري بالتنوين ثم جواري بحذفها، ثم جواري بحذف الحركة ثم جوار، بتعويض التنوين من الحركة، ليخف الثقل بحذف الياء للساكنين. وقال سيبويه (5)، والخليل: ان التنوين عوض من الياء، ففسر بعضهم هذا القول بان منع الصرف مقدم على الاعلال، فاصله: جواري بالتنوين، ثم جواري بحذفها ثم جواري بحذف الحركة للاستثقال ثم جوار بحذف الياء، لاستثقال الياء المكسور ما قبلها في غير المنصرف الثقيل بسبب الفرعية، وانما أبدل التنوين من الياء ليقطع التنوين الحاصل طمع الياء الساقطة في الرجوع، إذ يلزم اجتماع الساكنين لو رجعت.
(1) تقدم ذكره أكثر من مرة انظر ص 47 من هذا الجزء. (2) لعله أراد الزجاج ومن وافقه فعبر بقالوا
(3) أي عن موازنة الجمع الاقصى. (4) الذلذل. مختصر من الذلاذل. وهي أسفل القميص مما يلي الارض. (5) كتاب سيبويه ج 2 ص 57. (*)
[ 154 ]
والاعتراض عليه وعلى مذهب المبرد: أنه لو كان منع الصرف مقدما على الاعلال، لوجب الفتح في قولك: مررت بجواري، كما في اللغة القليلة، الخبيثة، وذلك لان منع الصرف يقتضي شيئين: حذف التنوين وتبعية الكسر له في السقوط وصيرورته فتحا، وأيضا يلزم أن يقال: جاء الجوار ومررت بالجوار عند سيبويه بحذف الياء، لان الكلمة لا تخف بالالف واللام، وثقل الفرعية باق معهما. وفسر السيرافي (1)، وهو الحق، قول سيبويه بان أصله جواري بالتنوين والاعلال مقدم على منع الصرف لما ذكرنا فحذف الياء لالتقاء الساكنين، ثم وجد بعد الاعلال صيغة الجمع الاقصى حاصلة تقديرا، لان المحذوف للاعلال كالثابت، بخلاف المحذوف نسيا، كما ذكرنا، فحذف تنوين الصرف ثم خافوا رجوع الياء لزوال الساكنين في غير المنصرف المستثقل لفظا بكونه منقوصا، ومعنى بالفرعية، فعوض التنوين من الياء، بخلاف نحو: أحوى وأشقى، فانه قدم الاعلال في مثلهما أيضا، ووجد علة منع الصرف بعد الاعلال حاصلة، لان ألف أحوى المنون ثابت تقديرا، فهو على وزن أفعل، فحذف تنوين الصرف، لكن لم يعوض التنوين من الالف المحذوفة ولا من حركة اللام، كما فعل في جوار، لان أحوى، بالالف أخف منه بالتنوين، وأما جوار فهو بالتنوين أخف منه بالياء، والخفة اللفظية مقصودة في غير المنصرف بقدر ما يمكن، تنبيها بذلك على ثقله المعنوي بكونه متصفا بالفرعيتين، ألا ترى أنك تقول: خطايا، وبرايا، وأداوي بلا تنوين اتفاقا، لما انقلبت الياء ألفا في الجمع الاقصى. وكل غير منصرف منقوص حكمه حكم جوار فيما ذكرنا، ويجئ فيه الخلاف المذكور، نحو قاض اسم امراة، وأعيل تصغير أعلى.
وإذا جعل هذا النوع أعني جوار وأعيل علما، فيونس يجعل حاله مخالفا لحاله في التنكير، وذلك بانه يقدم منع الصرف على الاعلال، فتبقى الياء ساكنة في الرفع، ومفتوحة في النصب والجر، نحو جاءتني جواري وقاضي وأعيلي، بياء ساكنة، ورايت جواري
(1) هذا التفسير مثبت على هامش كتاب سيبويه ج 2 ص 57 نقلا عن شرح السيرافي. (*)
[ 155 ]
و قاضي وأعيلي، ومررت بجواري وقاضي وأعيلي بياء مفتوحة في الحالين. وانما قدم منع الصرف لان العلمية سبب قوي في باب منع الصرف، حتى منع الكوفيون الصرف لها وحدها في نحو قوله: فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في مجمع (1) - 17 كما تقدم. وأما عند سيبويه والخليل، فحال نحو جوار وأعيل علما كان أو نكرة سواء. واعلم أنك إذا صغرت نحو: أحوى، قلت: أحي بحذف الياء الاخيرة نسيا، لكونها متطرفة بعد ياء مكسورة مشددة في غير فعل أو جار مجراه، كاحيي، والمحيي، وقياس مثلها الحذف نسيا كما يجئ في التصريف ان شاء الله تعالى، فسيبويه بعد حذف الياء نسيا يمنع الصرف لانه بقي في أوله زيادة دالة على وزن الفعل، وعيسى بن عمر، يصرفه لنقصانه عن الوزن بحذف الياء نسيا، بخلاف نحو جوار، فان الياء كالثابت بدليل كسرة الراء كما ذكرنا، فلم يسقط عن وزن أقصى الجموع. والاولى قول سيبويه، ألا ترى أنك لا تصرف نحو: يعد، ويضع، علما وإن كان قد سقط حرف من وزن الفعل. وأبو عمرو بن العلاء لا يحذف الياء الثالثة من نحو أحى نسيا، بل يعله إعلال أعيل، وذلك لان في أول الكلمة الزيادة التي في الفعل وهي الهمزة، بخلاف عطى تصغير عطاء، فجعله كالجاري مجرى الفعل، أعني المحيي، في الاعلال، فاحي عنده كاعيل سواء،
في الاعلال ومنع الصرف وتعويض التنوين من الياء كما ذكرنا. وبعضهم يقول: أحيو، في تصغير أحوى كاسيود في تصغير أسود، كما يجئ في التصريف، ويكون في الصرف وتركه كاعيل، على الخلاف المذكور.
(1) تقدم هذا الشاهد في صفحة 107 من هذا الجزء. (*)
[ 156 ]
التركيب شرط تأثيره في منع الصرف قال ابن الحاجب: " التركيب شرطه العلمية، وألا يكون باضافة ولا إسناد ". " مثل بعلبك ". قال الرضى: إنما كان شرط التركيب العلمية لان الكلمتين معا تدخلان في وضع العلم، فيؤمن حذف إحداهما، إذ العلمية، كما قلنا، تؤمن من النقصان ولولاها لكان التركيب عرضة للانفكاك والزوال. قوله، " وألا يكون باضافة ولا إسناد "، لانه لو كان باحدهما، وجب إبقاء الجزاين على حالهما قبل العلمية، كما يجئ في باب المبنيات. وكان عليه أن يقول: ولا معربا جزؤه الاخير قبل العلمية، ليخرج نحو: " ان زيدا " علما، وكذلك نحو: " ما زيد ". ويقول أيضا: وألا يكون الثاني مما يبنى قبل العلمية ليخرج نحو: سيبويه، وخمسة عشر علما فان الافصح، إذن، مراعاة البناء الاول، على ما يجئ في باب المبنيات.
[ 157 ]
المختوم بالالف والنون
شرطه، وبيان وجه تأثير هما في منع الصرف قال ابن الحاجب: " ما فيه ألف ونون، ان كان اسما فشرطه العلمية كعمران " " أوصفة فانتفاء فعلانة، وقيل وجود فعلي، ومن ثم " " اختلف في رحمن، دون سكران وندمان ". قال الرضى: اعلم أن الالف والنون إنما تؤثران، لمشابهتهما ألف التأنيث الممدودة من جهة امتناع دخول تاء التأنيث عليهما معا، وبفوات هذه الجهة يسقط الالف والنون عن التأثير. وتشابهها، أيضا، بوجوه أخر، لا يضر فوتها، نحو تساوي الصدرين وزنا، فسكر من سكران، كحمر من حمراء، وكون الزائدين في نحو سكران مختصين بالمذكر، كما أن الزائدين في نحو حمراء مختصان بالمؤنث، وكون المؤنث في نحو سكران صيغة أخرى مخالفة للمذكر، كما أن المذكر في نحو حمراء كذلك، وهذه الاوجه الثلاثة موجودة في فعلان فعلى، غيرها حاصلة في عمران، وعثمان، وغطفان ونحوها.
[ 158 ]
وتشابهها أيضا بوجهين آخرين، لا يفيدان من دون الامتناع من التاء، وهما زيادة الالف والنون معا كزيادة زائدي حمراء معا، وكون الزائد الاول في الموضعين ألفا، فانه اجتمع الوجهان في ندمان وعريان مع انصرافهما، فالاصل، على هذا، هو الامتناع من تاء التأنيث. وقال المبرد: جهة الشبه أن النون في الاصل كانت همزة بدليل قلبها إليها في صنعاني وبهراني، في النسب إلى صنعاء وبهراء. وليس بوجه، إذ لا مناسبة بين الهمزة والنون حتى يقال: ان النون أبدل منها، وأما صنعاني وبهراني فالقياس صنعاوي وبهراوي، كحمراوي، فابدلوا النون من الواو شاذا
وذلك للمناسبة التي بينهما، ألا ترى إلى ادغام النون في الواو، وجر أهم على هذا الابدال قولهم في النسب إلى اللحية والرقبة: لحياني، ورقباني، بزيادة النون من غير أن تبدل من حرف، فزيادتها مع كونها مبدلة من حرف يناسبها، أولى. ثم أنهم بعد اتفاقهم على أن تأثير الالف والنون لاجل مشابهة ألف التأنيث، اختلفوا، وقال الاكثرون: تحتاج إلى سبب آخر، ولا تقوم بنفسها مقام سببين كالالف لنقصان المشبه عن المشبه به، وذلك الاخر إما العلمية كعمران، وإما الصفة كما في سكران. وذهب بعضهم إلى أنها كالالف غير محتاجة إلى سبب آخر، فالعلمية عندهم، في نحو عمران ليست سببا، بل شرط الالف والنون، إذ بها يمتنع عن زيادة التاء، وهذا الانتفاء هو شرطها، سواء كانت مع العلمية أو الوصف، والوصف عندهم في نحن سكران لا سبب ولا شرط. والاول أولى، لضعفها فلا تقوم مقام علتين. قوله: " ان كان اسما " أي غير صفة، وانما شرط فيه العلمية ليؤمن بها من دخول التاء كما ذكرنا في التأنيث بالتاء. قوله: " أو صفة فانتفاء فعلانة "، عطف باو، على عاملين مختلفين، عطف صفة، على كان، وقوله: فانتفاء على " إن "، لان التقدير: أو إن كان صفة فشرطه انتفاء فعلانة،
[ 159 ]
وليس هذا مما جوز المصنف مثله كما يجئ في باب العطف. وقوله: " وقيل وجود فعلي "، والاول أولى لان وجود " فعلي " ليس مقصودا لذاته، بل المطلوب منه انتفاء التاء، لان كل ما يجئ منه " فعلى " لا يجئ " فعلانة " في لغتهم، الا عند بعض بني أسد، فانهم يقولون في كل فعلان جاء منه فعلى: فعلانة أيضا، نحو غضبانة وسكرانة فيصرفون، اذن، فعلان فعلى، وهذا دليل قوي على أن المعتبر في تأثير الالف والنون انتفاء التاء، لا وجود فعلي، فإذا كان المقصود من وجود فعلي انتقاء التاء،
وقد حصل هذا المقصود في رحمن، لا بواسطة وجود رحمي، بل لانهم خصصوا هذه اللفظة بالباري تعالى، فلم يطلقوه على غيره ولم يضعوا منه مؤنثا، لا من لفظه، أعني بالتاء، ولا من غير لفظه أعني فعلى، فيجب أن يكون غير منصرف. فان قلت: لا نسلم أن وجود فعلى مطلوب ليتطرق به إلى انتفاء فعلانة بل هو مقصود بذاته لانه يحصل بوجودها مشابهة بين الالف والنون وبين ألف التأنيث، لكون مؤنث هذا على غير لفظه، كما أن مذكر ذاك على غير لفظه. قلت: هذا الوجه، وان كان يحصل به بينهما مشابهة، الا أنه ليس وجها للمشابهة ضروريا، بحيث لا يؤثر الالف والنون بدونه، بل الوجه الضروري، كما ذكرنا، في في التأثير: انتفاء التاء، ألا ترى إلى عدم انصراف مروان، وعثمان بمجرد انتفاء التاء، التاء، من دون وجود فعلى. ثم نقول: منع الصرف في رحمن: أولى، لان الممنوع من الصرف مما هو على هذا الوزن وصفا في كلام العرب أكثر من المصروف فثبت بهذا أيضا أن اشتراط انتفاء التاء، أولى من اشتراط وجود فعلى. وللخصم أن يقول: بل الصرف فيما يشك فيه هل صرفته العرب أو، لا: أولى لانه الاصل. وهكذا (1) الخلاف بينهم قائم في فعلان صفة، هل انتفى منه فعلانة، أو، لا، وهل
(1) هذا تلخيص لما تقدم من حكم فعلان الوصف (*)
[ 160 ]
وجد له فعلى، أو، لا فبعضهم يصرفه لان الصرف هو الاصل وبعضهم يمنعه الصرف، لانه الغالب في فعلان. وقد جاء عريان في ضرورة الشعر ممنوع الصرف تشبيها بباب سكران، قال: 37 - كم دون بيشة من خرق ومن علم *
كانه لامع عريان مسلوب (1) وقد جاءت ألفاظ تحتمل نونها الاصالة، فتكون مصروفة إذا سميت بها وتحتمل الزيادة فلا تصرف، نحو: حسان، وقبان، فهما إما من الحسن والقبن، فيصرفان، وإما من الحس والقب فلا يصرفان، وكذا نحو: شيطان ورمان. وقال الاخفش: إذا سميت باصيلال (2) منعت الصرف، لان اللام بدل من النون، كما لا تصرف إذا سميت بهراق، إذ الهاء بدل من الهمزة. قوله: " ومن ثم اختلف في رحمن "، يعني ومن أجل الاختلاف في الشرط، فمن قال الشرط: انتفاء فعلانة، لم يصرفه في قولك: الله رحمن رحيم، لحصول الشرط، إذ لم يجئ رحمانة، ومن قال: الشرط وجود فعلى، صرفه، إذ لم يجئ رحمى، ولم يختلف في منع سكران لحصول الشرط على المذهبين، ولا في صرف ندمان، لانتفاء الشرط على المذهبين.
(1) البيت لذي الرمة. وروى كم دون مية، وهو الاسم الذي يتردد في شعره. والحزق الارض الواسعة والعلم الجبل. شبهه برجل عريات قد سلب ثوبه. ثم يصف الارض الواسعة بعد ذلك فيقول: كان حرباءها في كل هاجرة * ذو شيبة من رجال الهند مصلوب يقصد استقبال الحرباء للشمس وهي فوق أغصان الشجر. (2) أي على اعتبار انه تصغير أصيل المفرد تصغيرا شاذا بزيادة ألف ونون ثم ابدال النون لاما - وفيه وجه ضعيف انه تصغير أصلان جمع أصيل. (*)
[ 161 ]
وزن الفعل تحديد الاوزان المؤثرة في منع الصرف قال ابن الحاجب:
" وزن الفعل شرطه أن يختص بالفعل، كشمر، وضرب " " أو يكون أوله زيادة كزيادته، غير قابل للتاء، ومن ثم " " امتنع أحمر، وانصرف يعمل ". قال الرضى: لمجئ يعملة بالتاء (1)، قوله: يختص بالفعل نحو شمر " فان هذا الوزن لم يات في الاسماء الا أعجميا، نحو: بقم، ونحو شلم لبيت المقدس. وكلامنا في كلام العرب، أو منقولا عن الفعل نحو: شمر، لفرس، وبذر لماء، وعثر لموضع، وخضم لرجل، فاصل هذه الكلمات كلها أفعال، ونحو يزيد، ويشكر ونرجس خواص، لعدم هذه
(1) هكذا جاءت هذه العبارة ويحتمل أنها من المتن. غير أن أسلوب الاختصار الذي جرى عليه ابن الحاحب رجح أنها من كلام الرضى وأنه بدا بها قبل أن يبدا في الشرح. (*)
[ 162 ]
الاوزان في أجناس الكلمات العربية، فيزيد ويشكر في الاسماء منقولان، ونرجس أعجمي، ونحو تنضب، ويرمع وأعصر، اصبع، وتدرا، وإثمد من الغالبة في الفعل. وأما فعل فمن الخواص إذ لم يات فعل في أسماء الاجناس الا دئل لدويبة وقيل: ان العرب قد تنقل الفعل إلى إسماء الاجناس وان كان قليلا، كقوله صلى الله عليه وسلم: " ان الله تعالى نهاكم عن قيل وقال "، وقولهم لطائر: تبشر، ولاخر تنوط، لتنويطه عشه، فيجوز في مثل دئل بمعنى دويبة، أن يكون منقولا من فعل ما لم يسم فاعله من قولهم: دئل فيه أي أسرع، والدالان: مشي سريع، وأما دئل علما، فيجوز أن يكون من ذلك، ويجوز أن يكون منقولا من دال، والتغيير دلالة النقل إلى العلم، كما قيل: شمس بن مالك (1)، فيكون في دئل، علما " الوزن والعدل مع العلمية، وان صح ما نقل: أن الوعل لغة في الوعل، والرئم بمعنى الاست، فهما شاذان. قوله: " أو يكون أوله زيادة كزيادة "، أي أول وزن الفعل الذي في الاسم، زيادة
كزيادة الفعل من حروف " أتين (2) " وغيرها. فاولق، المشتق من مالوق، إذا سمي به انصرف، لان الهمزة أصلية وكذا أيقق علما لكونه ملحقا بجعفر، كمهدد فالهمزة أصلية، ولو كان أفعل لوجب الادغام، كاشد، وأحب، وأما ألبب، علما فممنوع من الصرف لكونه منقولا من جمع " لب " والفلك شاذ، ولم يات في الكلام فعلل حتى يكون ملحقا به، ونون نهشل، أصلية لصرفه مع العلمية. والنحاة قالوا في موضع قول المصنف: أو يكون أوله زيادة كزيادته: " أو يغلب عليه "، أي يكون ذلك الوزن في الافعال أكثر منه في الاسماء، حتى يصح أن يقال: وزن الفعل،
(1) أنظر الشاهد رقم 28 في ص 125 من هذا الجزء. (2) الحروف الاربعة التي تسمى حروف المضارعة جمعت في كلمات كثيرة ليسهل حفظها. ومن ذلك قول الشارح أتين، وهو بصورة فعل ماض مسند إلى نون النسوة. (*)
[ 163 ]
فيضاف إلى الفعل، إذ لو غلب الوزن في الاسماء، أو تساوى فيه الفعل والاسم، لم يقل إنه وزن الفعل. والذي حمل المصنف على مخالفتهم شيئان: أحدهما أنه رأى " فاعل " في الافعال، أغلب، ولو سميت بخاتم لانصراف اتفاقا، فلو كانت الغلبة في الافعال معتبرة، لم ينصرف، والدليل على غلبته في الافعال أن باب المفاعلة أكثر من أن يحصى، والماضي منه، فاعل، وفاعل الاسمي أقل قليل (1)، كخاتم، وعالم وساسم، والثاني أنه راى أن نحو: أحمد وأحمر، لا ينصرف، وعنده أن هذا الوزن في الاسم أكثر منه في الفعل قال: لان كل فعل ثلاثي ليس من الالوان والعيوب، يجئ منه أفعل التفضيل، ومنهما يجئ: أفعل فعلاء، كاحمر وأعور، وكلاهما اسمان. وأما افعل الفعلي، فلم يجئ إلا ماضيا للافعال (2) من بعض الافعال الثلاثية، كاخرج،
وأذهب، لا من كلها، فلم يسمع نحو: أقتل وأنصر، ولذا رد على الاخفش: قياس أحسب وأخال وأظن وأوجد وأزعم، على: أعلم وأرى، قال: ويجئ أفعل ماضيا للافعال من غير ما جاء منه فعل ثلاثي قليلا، كاشحم وألحم وأتمر، ويقابله في الاسماء ومن غير الفعل الفعل الثلاثي أيضا في القلة نحو: إيدع، وأفكل، وأرنب. ولقائل أن يقول على قوله: (أفعل فعلاء لم يجئ من جميع الافعال الثلاثية): بلى، جاء، على ما اخترت أنت من مذهب البصريين وهو أن أفعل التعجب فعل، ومن كل ما يجئ منه أفعل التفضيل، يجئ منه أفعل التعجب الفعلي، والذي جاء في فعل يفعل مفتوحي العين، وفي فعل يفعل بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع من حكاية النفس في المضارع نحو: أذهب وأحمد، يزيد على: أفعل فعلاء، إذ لا يجئ (3) من غير باب فعل يفعل إلا قليلا، كاشيب، على ما يجئ في التصريف ان شاء الله تعالى.
(1) أي نادر وقد سبق له مثل هذا التعبير. (2) يقصد المصدر الذي على وزن إفعال بكسر الهمزة نحو اكرام. (3) أي باب افعل فعلاء. (*)
[ 164 ]
لكن الانصاف أن الغلبة في أفعل الفعلي ليست بظاهرة، إذ كون الوزن غالبا في أحد القبيلين، لا يمكن الحكم به الا بعد الاحاطة بجميع أوزان القبيلين، وهو إما متعذر أو متعسر، ولا سيما على المبتدئ، فلا يصح أن تجعل الغلبة شرط وزن الفعل. وفيه نظر، إذ ربما يمكن معرفة ذلك بمجرد كون ذلك الوزن قياسيا في أحدهما دون الاخر، كما نعرف، مثلا، أن: إفعل، في الفعل مثلا قياس في الامر من يفعل الكثير الغالب كاذهب واحمد، وليس في الاسم قياسا في شئ، كاصبع، وأيضا، كون الوزن خاصا باحد القبيلين، وهو القائل به في نحو شمر، وضرب، لا يمكن إلا بالاحاطة بجميع اوزان القبيل الاخر، وهو متعذر، أو متعسر.
وانما اشترط في وزن الفعل تصديره بالزيادة المذكورة لكون هذه الزيادة قياسية في جميع الافعال المتصرفة، دون الاسماء، إذ لا فعل متصرف الا وله مضارع، ولا يخلو المضارع من الزيادة في أوله. وأما غير المتصرف، كنعم، وبئس، وعسى، فاقل قليل، فصارت هذه الزيادة، لاطرادها في جميع الافعال دون الاسماء أشد اختصاصا بالفعل، فجرت الوزن، وان كان مشتركا، إلى جانب الفعل، حتى صح أن يقال: هو وزن الفعل، وأيضا فان هذه الزوائد في الفعل لا تكون الا لمعنى، وأما في الاسماء، فقد تكون لمعنى كاحمر، وأفضل منك، وقد لا تكون (1)، كارنب وأفكل وأيدع، فكأنها لم تزد فيها، فصارت بالفعل أشهر وأخص، لان أصل الزيادات أن تكون لمعنى. وانما اشترط مع هذا الشرط ألا يكون الوزن مما تلحقه تاء التأنيث ولا يكون عرضة له، لان الوزن بهذه التاء يخرج من أوزان الفعل، إذ الفعل لا تلحقه هذه التاء، فكما تجر الزيادة المتصدرة الوزن الى جانب الفعل، تجره التاء الى جانب الاسم لاختصاصها بالاسم، وتترجح التاء في الجر، إذ الوزن في الاسم، فانصرف: أرمل ويعمل مع الوصف
(1) أنظر هامش رقم (1) في ص 23 من هذا الجزء. (*)
[ 165 ]
الاصلي السليم من الخلل، والوزن المشروط بتصدر الزيادة، لجواز الحاق التاء نحو: أرملة، ويعملة أما الحاق التاء باسودة في الحية، فلا يضر، لان هذا اللحاق عارض بسبب غلبة هذا اللفظ في الاسماء، والاصل أن يقال في مؤنثه: سوداء، هذا، والاوزان الخاصة كثيرة نحو: استفعل واستفعل واستفعل، واستبرق أعجمي، ومنها تفاعل وتفوعل وتفاعل، ودحرج ودحرج (1)، وافتعل وافتعل وافتعل، وكذا: انفعل وانفعل وانفعل، وغير ذلك.
وإذا سميت بنرجس بكسر النون، وترتب بضم التاء الاولى، فالصرف واجب لعدم الوزن، والزيادة المذكورة شرط الوزن فلا تؤثر من دون المشروط. ولم يصرفهما (الزجاج (2) نظرا إلى وزنيهما المشهورين، أعني نرجس على وزن نضرب، وترتب على وزن تقتل.) وإذا غير وزن الفعل عما كان عليه، فان كان بابدال الزيادة المعتبرة في أوله حرفا آخر، كهراق وهرق (3) فانه لا يضر ذلك بوزن الفعل، وان كان الهاء لا اختصاص له بالفعل كالهمزة، وذلك لعدم لزوم ذلك الابدال، لان الاكثر في الاستعمال: أراق وأرق. وان كان التغيير بغير ذلك، فان كان بعد التغيير: الزيادة المعتبرة حاصلة فلا يضر ذلك
(1) المقصود من التمثيل بمادة دحرج هو الماضي المبني للمجهول والامر فقط، بخلاف بقية ما مثل به فان المقصود منه الماضي معلوما ومجهولا والامر. وفي النسخة المطبوعة جاءت كلمة دحرج ثلاث مرات كغيرها من الصيغ، وواضح أن الثالثة زائدة فحذفتها. (2) ما بين هذين القوسين، وقع في غير موضعه من صفحة 56 من النسخة المطبوعة فاضطرب المعنى. وقد وفق الله إلى إزالة هذا الاضطراب بالنظر في معنى الكلام حتى استقام الامر. (3) هرق، أي أرق، فعل أمر من أراق الماء. (*)
[ 166 ]
التغيير أيضا، لانهما تحرز (1) وزن الفعل وتدل عليه، نحو: يعد ويهب، وكذا المحذوف نحو: تقل وتبع وتخف من قولك لم تقل ولم تبع ولم تخف، وكذا المحذوف اللام نحو: يخش، ويرم، ويغز، وكذا: اخش، وارم، واغز، لان همزة الوصل بالفعل أيضا أخص لانها مطردة في الفعل، إذ لا فعل ثلاثي متصرف الا وقياس أمره أن يكون بهمزة الوصل، ونحو: عد، وقل، أصله الهمزة لو لم يتحرك في المضارع ما بعد حرف المضارعة. فإذا سميت بفعل محذوف العين أو اللام لاجل الجزم أو الوقت، رددت المحذوف لان
سقوطه انما كان للجزم والوقف الجاري مجراه، والجزم لا يكون في الاسماء فتقول في المسى بتقل واخش: جاءني تقول واخشى، وكذا في المسمى بقل وبع: جاءني قول " وبيع "، (2) وان لم يكن في المغير الزيادة المعتبرة المصدرة، وكان التغيير لازما كالمسى بقل، وبع، وعد، أو بقيل وبيع، لم يعتبر الوزن الفائت الاصلي تقول: جاءني قيل " وبيع "، وفي: قل وبع وخف، جاء قول وبيع وخاف. وان لم يكن التغيير لازما، كما يقال في علم: علم، فهو عند سيبويه يضر أيضا بالوزن، كما في رد وبيع، وقال المبرد: ان كان التغيير قبل النقل أخل بالوزن، لانه لا يجامع، إذن، العلمية، وأما ان كان بعد النقل والتسمية كما إذا سمي بعلم ثم خفف فالوزن معتبر لانه: جامع الوزن العلمية، وزوال الوزن فيه يكون عارضا غير لازم، وأما التغيير في الاول فهو في العلمية لازم، إذ لم يصادفه الوزن العلمي إلا مخففا. هذا، واعلم أن الوزن المشترك فيه بين الاسم والفعل الذي لا اختصاص له بالفعل بوجه، لا يؤثر مطلقا، خلافا ليونس، فانه اعتبر وزن الفعل مطلقا، سواء غلب على الفعل أول لم يغلب، فمنع الصرف في نحو جبل وعضد وكتف، وجعفر، وحاتم، أعلاما.
(1) لانها تحرز وزن الفعل أي تدل عليه كما فسر الشارح وهي من الحزر أي التخمين. والتقدير عن طريق الظن، وهو نوع من الدلالة. (2) قوله وكذا في المسمى بعل وبع: استطراد، ولا دخل له بمنع الصرف. كما سيذكر بعد ذلك. (*)
[ 167 ]
واعتبره عيسى بن عمر بشرط كونه منقولا عن الفعل نحو: كعسب، واستدل بقوله: 38 - أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * متى أضع العمامة تعرفوني (1) والجواب أنه ان كان علما فمحكي، لكون الفعل سمي به مع الضمير فيكون جملة، كيزيد في قوله: 39 - نبئت أخوالي بني يزيد * ظلما علينا لهم فديد (2)
وان لم يكن علما فهو صفة موصوف مقدر، أي أنا ابن رجل جلا أمره أي انكشف، أوجلا الامور أي كشفها، وفيه ضعف، لان الموصوف بالجمل لا يقدر الا بشرط نذكره في باب الصفة (3)، وأما بغير ذلك فقليل نادر (4)، ولا سيما إذا لزم منه إضافة غير الظرف إلى الجملة. تنكير الممنوع من الصرف وما يترتب عليه قال ابن الحاجب: " وما فيه علمية مؤثرة إذ نكر صرف، لما تبين أنها لا تجامع " " مؤثرة إلا ما هي شرط فيه، الا العدل ووزن الفعل، وهما "
(1) هو أول أبيات لسحيم بن وتيل الرياحي كما حقق ذلك البغدادي ورد على من زعم أنه للعرجى كما خطا العيني حيث نسبه إلى سحيم عبد بني الحسحاس، ثم أورد معه أبياتا للمثقب العبدي. كما نفى البغدادي أن يكون علما بقوله ليس في نسب سحيم من اسمه جلا.. وقال ان لفظ جلا يطلق على كل منكشف واضح. وأفاض في توجيه البيت: وشرحه، (2) وجه الشاهد واضح كما شرحه الرضى. فيزيد بضم الدال في موضع الجر دليل على أنه محكي من جملة. ورواه بعضهم: بني تزيد بالثاء الفوقية وقال ابن الحاجب إنه خطا وإنما ذلك اسم آخر وهو منقول من الفعل فقط فهو مثل تغلب. وهو تزيد بن حلوان. تنسب إليه البرود التزيدية. (3) هو أن يكون الموصوف بعض اسم متقدم مجرور بمن أو في... نحو منا ظعن ومنا أقام: أي فريق.. (4) مثل قوله: " ترمى بكفي كان من أرمى البشر "، (*)
[ 168 ]
" متضادان، فلا يكون الا أحدهما، فإذا نكر بقي بلا سبب، أو " " على سبب واحد ". قال الرضى:
يعني بكون العلمية مؤثرة أن يكون منع صرف الاسم موقوفا عليها، وذلك على ثلاثة أضرب: لانها إما أن تكون سببا لا غير، أو شرطا لا غير، أو شرطا وسببا معا. فالاول في موضعين اتفاقا: أحدهما أن تكون مع العدل في اسم لم يوضع الا علما، كعمر، وقطام في تميم، والثاني أن تكون مع الوزن سواء كان الاسم ممنوع الصرف قبل العلمية، كاحمر، أو، لا كاصبع، واثمد، ويزيد، ويشكر. وفي موضعين على الخلاف، الاول: باب مساجد علما فان العلمية سبب فيه عند أبي علي والجزولي، والسبب الثاني عند أبي علي شبه العجمة، وعند الجزولي عدم النظير في الاحاد، وليست سببا عند المصنف لاعتباره الجمع الاصلي، فيكون، إذن، نحو: ثمان ورباع علمين، منصرفا عند المصنف غير منصرف عند غيره. وأما سراويل علما فعند سيبويه فيه العلمية والتانيث المعنوي، وقد يذكر لكن التأنيث أغلب، فلذلك اعتبر، كما مر، في التأنيث، فقال سراويل كعقرب إذا سمي به، وعند الجزولي فيه العلمية والتانيث والعجمة وعدم النظير، وكان القياس يقتضي ألا تؤثر العلمية عنده لحصول الاكتفاء بالعملية الجنسية عنده وعدم النظير، لكن عادته (1) ألا يلغي سببا فيقول: في حمراء علما، سببان. الثاني من الموضعين: كل عدل كان قبل العلمية ممنوع الصرف، نحو مثنى وثلاث، فالاخفش، وأبو علي، وأكثر النحاة، يصرفونه لزوال الوصف بالعلمية وزوال العدل ببطلان معنى العدد.
(1) أي الجزولي. (*)
[ 169 ]
وذهب الجرمي وابن بابشاذ (1) إلى منع صرفه اعتبارا للعدل الاصلي مع العلمية، وهو قياس قول سيبويه، في أحمر، المنكر بعد العلمية، ولا تنافي بين العدل والعلمية بدليل عمر، وأما أخر وجمع علمين فغير منصرفين، عند سيبويه اعتبارا للعدل الاصلي مع
العلمية، وكذا لكع، لان فيه العدل، كما ذكرنا عندهم، وأما ان سميت بفضل من قولك: الفضل، فانه ينصرف إذ لا عدل في الاصل. والاخفش والكوفيون يصرفون أخر وجمع ولكع أعلاما، إذ العلمية وضع آخر. وقول سيبويه أقرب، لان العدل أمر لفظي، وبالعلمية لم يتغير اللفظ، وعكس سيبويه الامر في: سحر، إذا سمي به غير ما وضع له أولا من ظرف زمان أو ظرف مكان أو رجل أو غيره، فجعله منصرفا، ولعل ذلك لظهور فعل في باب العدل نحو عمر، وزفر، ولكع، عندهم، بخلاف فعل. والثاني، أعني كون العلمية شرطا لا غير ففي موضع واحد على الخلاف، وهو: الالف والنون مع العلمية، سبب قائم مقام سببين عند بعضهم، والعلمية شرطه، وفي الحقيقة: الشرط انتقاء التاء وهو معلل باحد ثلاثة أشياء: العلمية، كما في عمران، ووجود فعلى كما في سكران، واختصاص اللفظ كما في رحمن، وعند الباقين: الالف والنون سبب والعلمية سبب آخر. كما مر، فان العلمية شرطهما عند بعضهم في الاسم نحو: عمران وعثمان، لانه يمتنع بها من التاء فتشابه ألف التأنيث، فتقوم مثلها مقام سببين، وعند الباقين: العلمية سبب معها كما مر. والثالث: أعني أن تكون العلمية شرطا وسببا معا في أربعة مواضع اتفاقا: في المؤنث بالتاء لفظا أو تقديرا، وفي الاعجمي، وفي المركب، وفي ذي الالف الزائدة المقصورة.
(1) اسمه طاهر بن أحمد بن باب بن شاذ. بتخفيف الذال ومعنى شاذ: الفرح والسرور. هكذا في البغية للسيوطي. وربما يكون قد ركب من اسم جديه: باب وشاذ اسم واحد. والمعروف أن كلمة بابشاذ كلمة أعجمية معناها الفرح والسرور. وقد كان ابن بابشاذ إماما في العربية. ورد العراق تاجرا في اللؤلؤ. وعاش بمصر زمنا وتوفي بها سنة 469 ه. (*)
[ 170 ]
وحال العلمية غير المؤثرة على ضربين: إما ألا تجامع السبب وذلك مع الوصف،
على ما ذكره المصنف، وقد ذكرنا أنها تجامعه، لكن الوصف لا يعتبر معها، وإما أن تجامع ولا تؤثر، وهو إذا كانت مع ألف التأنيث نحو صحراء، وبشرى، خلافا للجزولي، فانه لا يلغي سببا، فهذا حال العلمية في جميع باب ما لا ينصرف، رجعنا إلى شرح كلام المصنف، فنقول: إنما انصرف كل ما فيه علمية مؤثرة إذا نكر، لان جميع ما العلمية المؤثرة شرط فيه فقط، أو شرط وسبب معا، خمسة أشياء: التأنيث بالتاء والعجمة والتركيب والالف المقصورة الزائدة والالف والنون في الاسم، فلو فرضنا اجتماعها في اسم مع استحالة مجامعة الالف المقصورة للالف والنون، وأقصى ما يمكن اجتماعه من هذه: العلمية والتانيث والعجمة والتركيب، كما في: أذربيجان، لكان يزول تأثير الجميع بزوال العلمية، لان الشروط لا يؤثر بدون الشرط. وجميع ما العلمية المؤثرة سبب فيه ثلاثة أشياء: العدل والوزن وشبه العجمة، أو عدم النظير في الاحاد في باب مساجد، على الخلاف المذكور، ولا يجتمع اثنان منها مع العلمية المؤثرة لوجهين: الاول: أن كل واحد منها يضاد الاخرين، لان أوزان العدل إما: فعال، أو مفعل، أو فعل أو فعل، أو فعل، أو فعال، كثلاث ومثلث وأخر وسحر وأمس عند تميم وقطام عندهم أيضا، وليس شئ منها وزن الفعل ولا أوزان الجمع الاقصى، وليس الجمع أيضا من أوزان الفعل، الثاني أنه لو لم يتضاد الثلاثة أيضا، لم يجتمع مع العلمية المؤثرة اثنان منها، إذ العلم يكون، إذن، منقولا مما اجتمع فيه اثنان منها فلم تكن العلمية الطارئة مؤثرة، لاستقلالهما بمنع الصرف قبل ورود العلمية: فإذا ثبت أنه لا يجتمع مع العلمية اثنان منها ثبت أنه لا يكون معها إلا أحدها، فإذا نكر ذلك الاسم بقي على سبب واحد فيصرف. هذا غاية ما يمكن أن يتمحل لتمشية قول المصنف.
[ 171 ]
ويمكن أن يرتكب عدم التضاد بين العدل والوزن، كما قلنا في دئل، وكما يمكن أن يقال في " إصمت " علم المكان القفر، إذ إصله " أصمت " بضمتين فعدل إلى إصمت في حال العلمية، ولم تطرا العلمية فيه على وزن الفعل والعدل حتى يقال ليست بمؤثرة لاستقلالهما بالتأثير دونها، لانه إنما عدل علما كما قلنا في " شمس بن مالك " (1)، فإذا نكر مثله بقي فيه الوزن والعدل فلا ينصرف، لان العدل وإن حصل فيه لاجل العلمية، لكنه لا يخرج العلم إذا نكر عن صيغته، ومن أين له أن صيغة العدل محصورة فيما ذكر من الاوزان ؟ هذا كله إن قلنا إن العلم بعد التنكير لا يعتبر أصله، كما هو مذهب الاخفش، وإن اعتبرنا، كما هو مذهب سيبويه، السبب الاصلي الذي ألغيناه لاجل العلمية، قلنا في ثلاث ومثلث وبابهما: إنها لا تنصرف لاعتبار الوصف الاصلي مع العدل، كما في أحمر. وفرق بعضهم بين هذا الباب وباب أحمر، بان قال: الوصف ههنا لا يثبت من دون العدد، وقد زال العدد بالتسمية ولا يرجع بعد التنكير، إذ معنى: رب ثلاث، رب مسمى بهذا اللفظ، بخلاف أحمر المنكر فانه لا منع أن يكون معنى رب أحمر، رب مسمى بهذا اللفظ فيه الحمرة. والذي يقوي عندي: أن الزائل بالكلية لا يعتبر، وصفا كان أو غيره، في باب أحمر، كان، أو في غيره، وسيأتي تمام الكلام عليه في موضعه. وقياس قول سيبويه في أحمر: أن ينصرف أخر وجمع بعد التنكير، لانهما من باب أفعل التفضيل كما ذكرنا، وسيأتي أن أفعل التفضيل لا يعتبر فيه الوصف بعد التنكير. وإذا نكر سحر بعد التسمية به، فالواجب الصرف، لانه لا علمية فيه، إذن،
(1) انظر ص 125 من هذا الجزء. (*)
[ 172 ]
ولا عدل، إذ العدل إنما ثبت له قبل التسمية به لكون المراد به سحر يومك، وكذا أمس رفعا عند بني تميم. وإذا نكرت مساجد بعد التسمية به فهو غير منصرف عند الاكثرين، أما عند المصنف فلانه يعتبر الجمع الاصلي مع العلمية التي ظاهرها مناقض له. فكيف لا يعتبره بعد التنكير ؟ وأما عند الجزولي فلسبب واحد وهو عدم النظير في الاحاد وشبه سبب آخر، يعني الجمع، إذ لفظه لفظه. ونسب أبو علي إلى الاخفش أنه لا يصرفه بعد التنكير أيضا، ويفرق بينه وبين أحمر، بان علامة الجمع باقية فيه بعد التنكير بخلاف نحو أحمر، إذ مثل هذا الورق قد يكون غير صفة كارنب وأفكل. وقال العبدي: لا فرق بينه وبين أحمر، ولا نص للاخفش في ترك صرفه. وقول الجزولي أولى. وإذا نكرت سراويل بعد التسمية فهو عند المبرد كمساجد، إذ هو جمع سروالة، وقياس قول سيبويه أيضا ترك الصرف. إذ هو أعجمي حمل على موازنه كما كان قبل التسمية، وكذا قياس قول الجزولي: يعتبر فيه عدم النظير والعجمة الجنسية، كما اعتبرها قبل العلمية. ومن صرفه قبل التسمية يصرفه، أيضا، بعدها. وأما الكلام في أحمر بعد التنكير، فسيجئ، ومثله: فعلان الصفة، إذا سمي به ثم نكر، سواء: يصرفه الاخفش خلافا لسيبويه.
(1) اسمه: أحمد بن بكر وكفيته أبو طالب أحد أئمة النحو المشهورين أخذ عن السيرافي والفارسي ومعاصريهما وقال السيوطي في البغية أن عقله اختل آخر حياته وتوفي سنة 406 ه. (*)
[ 173 ]
وقال الاخفش: لو سميت باسم مركب آخر جزاية ذو ألف التأنيث أو الجمع الاقصى، نحو: معدى صحراء، أو معدى مساجد ثم نكرته صرفته لان الاسم الاخير بعد التسمية صار جزء الكلمة فليس مجموع الكلمة، إذن، ذا ألف التأنيث ولا الجمع الاقصى حتى يمتنعا عن الصرف بعد التنكير، والاخرون لم يصرفوهما بعد التنكير نظرا إلى إفرادهما، وقول الاخفش إن مجموع الكلمة ليس ذا ألف التأنيث مع جعل الجزء الاخير كجزء الكلمة ممنوع، وأما قوله: مجموع الكلمة ليس الجمع الاقصى فمسلم. قوله " مؤثرة " حال، ومفعول تجامع: " ما " ويعني بما هي شرط فيه: التأنيث بالتاء، والعجمة والتركيب والالف والنون في الموضوع اسما. قوله " إلا العدل " مستثنى مما بقي من المستثنى منه المقدر الذي استثنى منه لفظة " ما " بعد استثنائها، أي لا تجامع سببا غير السبب الدي هي شرط فيه إلا العدل، فكلا المستثنيين من ذلك المقدر، نحو قولك: ما ضربت إلا زيدا إلا عمرا، أي ما ضربت أحدا غير زيد إلا عمرا. فالعلمية المؤثرة تجامع الاربعة الاشياء، وهي شرط فيها. وتجامع العدل والوزن وليست شرطا فيهما، بل هي سبب معهما. فان كانت في اسم واحد مع الاربعة الاول كاذربيجان، فإذا نكر بقي بلا سبب لزوال شرط الاربعة الاسباب. وكذا إن كانت مع اثنين أو ثلاثة من الاربعة، وإن كانت مع العدل أو الوزن، قال: ولا يمكن أن تكون معهما معا لتضادهما، فلا تكون إلا مع أحدهما كما في نحو: عمر، وأحمد. فإذا نكر الاسم بقي على سبب واحد، قال وإنما قلت: وهما متضادان، ليصح حكمي الكلي بكون كل ما فيه علمية مؤثرة منصرفا بعد التنكير، إذ لو لم يتضادا وجاز اجتماعهما مع العلمية المؤثرة في اسم، لكان ذلك الاسم غير منصرف بعد التنكير لبقاء السببين المستغنيين عن العلمية المؤثرة، وأما بيان تضادهما فما تقدم.
واعترض على قوله بان قيل: لم يكن محتاجا إلى هذا الاحتراز لان كلامه في العلمية المؤثرة، ولو اتفق اجتماعهما لم تكن العلمية مؤثرة، لان مثل هذا العلم، لو وقع، لكان منقولا عن اسم فيه العدل ووزن الفعل، فلا تؤثر فيه العلمية الطارئة، كما في حمراء،
[ 174 ]
وسعدى علمين، بلى، لو كانت الاسباب الثلاثة مجتمعة بحيث لم يطرا بعضها على بعض لجاز أن يقال: إن حكم منع الصرف منسوب إلى اثنين منها غير معينين فيكون للعلمية تأثير ما، بكونها أحد الثلاثة المؤثر اثنان منها. ويمكن أن يجوز اجتماعها ويمنع طرءان العلمية، إذن، على الوزن والعدل، كما في نحو: إصمت (1) على ما مر، إذ لو لم يتضادا أيضا واجتمعا في اسم لم تكن العلمية مؤثرة معهما، إذا كانت العلمية، إذن، طارئة عليهما بعد استقلالهما بالتأثير. والجواب عن الاعتراض: منع وجوب طرءان العلمية على الوزن والعدل، إذن، كما ذكرنا في إصمت. والاعتراض الحق إن يمنع التضاد بينهما، وذلك بمنع حصر أوزان العدل فيما ذكر قبل، كما بينا.
(1) اصمت بقطع همزته مكسورة علم على مفازة، وقد حدث فيه بعد العلمية تغيير عن صيغته الاصلية لان أصله فعل أمر من صمت وميم الامر مضمومة، وقد ورد في شعر الراعي النميري. وياتي شاهدا في هذا الشرح في باب العلم، في الجزء الثالث من هذه الطبعة. (*)
[ 175 ]
تنكير نحو أحمر والخلاف فيه بين سيبويه والاخفش قال ابن الحاجب: " وخالف سيبويه الاخفش في مثل أحمر علما ثم ينكر "
" اعتبارا للصفة بعد التنكير، ولا يلزم باب حاتم لما يلزم " " من إيهام اعتبار متضادين في حكم واحد ". قال الرضى: قوله: " اعتبارا "، منصوب على أنه حال من سيبويه، أي خالف سيبويه معتبرا، أو مصدر لقوله: خالف، إذ معناه: اعتبر سيبويه دون الاخفش. قوله: " ولا يلزم باب حاتم " هذا جواب عن إلزام الاخفش لسيبويه في اعتبار الصفة بعد زوالها، وتقريره: أن الوصف الاصلي لو جاز اعتباره لكان باب حاتم غير منصرف، للعلمية الحالية، والوصف الاصلي. فأجاب المصنف عن سيبويه بان هذا الالزام لا يلزمه، لان في حاتم ما يمنع من اعتبار
[ 176 ]
ذلك الوصف الزائل بخلاف أحمر المنكر، وذلك المانع: اجتماع المتضادين، وهما الوصف والعلمية، إذ الوصف يقتضي العموم والعلمية الخصوص، وبين العموم والخصوص تناف. قوله " في حكم واحد " يعني في الحكم بمنع الصرف، لانك تحتاج في هذا الحكم إلى اجتماع سببين، فتكون قد جمعت المتضادين في حالة واحدة ولو لم يكن اعتبار المتضادين في حكم واحد، جاز إذ لا يلزم اجتماعهما في حالة واحدة، كما إذا حكمنا بجمع أحمر على حمر، لان أصله صفة، وعلى أحامر، لاجل العلمية، فقد حصل في هذه اللفظة متضادان لكن بحكمين فلم يجتمعا في حالة، فإذا نكر أحمر، فانه يصح اعتبار الوصف، وليس معنى الاعتبار أن يرجح معنى الصفة الاصلية، حتى يكون معنى رب أحمر: رب شخص فيه معنى الحمرة، بل معنى رب أحمر: رب شخص مسمى بهذا اللفظ، سواء كان أسود، أو أبيض، أو أحمر. فمعني اعتبار الوصف الاصلي بعد التنكير، أنه كالثابت مع زواله لكونه أصليا، وزوال ما يضاده وهو العلمية، فصار اللفظ بحيث
لو أراد مريد إثبات معنى الوصف الاصلي فيه، لجاز بالنظر إلى اللفظ، لزوال المانع. هذا، والحق أن اعتبار ما زال بالكلية ولم يبق منه شئ: خلاف الاصل، إذ المعدوم من كل وجه، لا يؤثر بمجرد تقدير كونه موجودا. فالاولى أن يقال: ان اعتبر معنى الوصف الاصلي في حال التسمية، كما لو سمى، مثلا، باحمر: من فيه حمرة، وقصد ذلك، ثم نكر، جاز اعتبار الوصف بعد التنكير لبقائه في حال العلمية أيضا، لكنه لم يعتبر فيها، لان المقصود الاهم في وضع الاعلام المنقولة: غير ما وضعت له لغة، ولذلك نراها في الاغلب مجردة عن المعنى الاصلي، كزيد، (1) وعمرو، وقليلا ما يلمح ذلك. وإن كان لم يعتبر في وضع العلم الوصف الاصلي، بل قطع النظر عنه بالكلية،
(1) لان أصل زيد: مصدر زاد، وأصل عمر: الحياة والبقاء. (*)
[ 177 ]
كما لو سمى باحمر: أشقر أو أسود، لم يعتبر بعد التنكير أيضا. وقال الاخفش في كتاب الاوسط: (1) إن خلافه في نحو أحمر، إنما هو في مقتضى القياس. وأما السماع فهو على منع الصرف. هذا كله في أفعل فعلاء وكذا فعلان فعلى. وأما أفعل التفضيل نحو: أعلم، فانك إذا سميت به ثم نكرته، فان كان مجردا من " من " التفضيلية، انصرف إجماعا، ولا يعتبر فيه سيبويه الوصف الاصلي، كما اعتبر في نحو أحمر، وإن كان مع " من " لم يصرف إجماعا بلا خلاف من الاخفش، كما كان في أحمر. أما الاول فلضعف أفعل التفضيل في معنى الوصف، ولذا لا يعمل في الظاهر كما يعمل أفعل فعلاء، فإذا تجرد من " من " التبس بافعل الاسمي الذي لا معنى للوصف فيه كافكل (2) وأيدع، ولا يظهر فيه معنى الوصف.
وأما أفعل فعلاء، فثبوت عمله في الظاهر قبل العلمية وإشعار لفظه بالالوان والخلق الظاهرة في الوصف، يكفي في بيان كونه موضوعا صفة،. فإذا اتصل أفعل " يمن " فقد تميز عن نحو أفكل، وظهر فيه معنى التفضيل الذي هو وصف. وأما الثاني فانما وافق الاخفش سيبويه. في منع الصرف مع " من " لظهور وصفه، إذن، كما ذكرنا، ولكون " من " مع مجرورها كالمضاف إليه. ومن تمام أفعل التفضيل من حيث المعنى الوضعي، فلو نون لكان الثاني متصلا منفصلا، لان التنوين يشعر بالانفصال، بسبب وجود علامة الوصف أعني " من " بخلاف باب أحمر لعريه عن
(1) اسم كتاب من مؤلفات الاخفش في النحو. وله من المؤلفات: المسائل الكبير وغيره. (2) الافكل على وزن أحمر: الرعدة والارتعاش. والابدع بوزن أحمر أيضا: الزعفران. (*)
[ 178 ]
العلامة الدالة على الوصف. ولو سميت رجلا باجمع الذي يؤكد به، ثم نكرته، صرفته البتة إجماعا. لكونه في معنى الوصف، أخفى من أفعل التفضيل، لانه كان بمعنى " كل " قبل العلمية، وانمحى عنه معنى الوصف على ما تقدم في " جمع ". هذا حكم جميع ما لا ينصرف في حال العلمية وبعدها. التصغير وتاثيره في الممنوع من الصرف ثم اعلم أن التصغير يخل، من أسباب منع الصرف، بالعدل عن وزن إلى آخر، فانه يزول الوزن المعدول إليه بالتصغير، وذلك الوزن مراعى في العدل، إذ العدل أمر لفظي. وكذا الجمع الاقصى، يجتل بالتصغير لوجوب رده إلى واحده فيقال في: رباع
ومساجد: ربيع ومسيجد. ولو سميت بالجمع المذكر ثم صغرته، انصرف أيضا لزوال علامة الجمع ووزنه المعتبر. وإذا صغرت سراويل علما لم ينصرف لان التصغير لا يذهب بالتأنيث المعنوي الذي يكون فيه، فيكون كعناق (1)، إذا صغر بعد التسمية به، ويختل بالتصغير، أيضا، وزن الفعل، إن لم يكن أوله زيادة كزيادة الفعل،
(1) اسم لانثى المعز. (*)
[ 179 ]
كخضيضم ودحيرج في: خضم ودحرج، وأما إن كان أوله زيادة كزيادته فان التصغير لا يزيله كما تقول في تصغير أحمد ونرجس ويشكر وتغلب: أحيمد، ونريجس ويشيكر وتغليب، لانه على وزن مضارع فيعل، نحو: بيطر يبيطر. وأما ان عرض الوزن في المصغر ولم يكن في المكبر، كما تقول في تضارب علما: تضيرب، وفي تحلي (1): تحيلي، فبعضهم لا يعتبره لعروضه. والاكثرون يعتبرونه، لان التصغير وضع مستانف. قال بعضهم يعتبر الوصف العارض في التصغير لكونه بناء مستانفا كما اعتد بالوصف العارض في نحو مثنى وثلاث لكونه وضعا مستانفا، فلا يتصرف: أدير. تصغير أدور، للوزن والوصف العارض في التصغير، والدليل على عروض الوصف في التصغير قولهم: غليمون، ورجيلون. في جمع مصغر غلام ورجل، قال، فكان القياس أن ينصرف العلم في نحو حميزة تصغير حمزة لعروض الوصف المنافي للعلمية، إلا أنه لما لم يكن ظاهرا في التصغير لم يعتدوا به. والدليل على خفاء معنى الوصف في المصغر عدم جريه (2)، فلا يقال: شخص رجيل. وفيما قال نظر، إذ لو لم يكن ظاهرا لم يعتدوا به في أدير. والاولى أن يقال: لا تنافي بين الوصف والعلمية كما ذكرنا، لان الوصف المعتبر
في باب منع الصرف، هو الذي وضع صحيح التبعية لمما يخصص الذات المبهمة المدلول عليها، كما ذكرنا قبل، وذلك لان الفرعية إنما تتبين في مثل هذا الوصف، وهي المطلوبة في غير المنصرف. وأما التنافي بين الوصف والعلمية، فقد ذكرنا ما عليه. وأما الالف والنون فنقول: إن بقي الالف في التصغير كما كان، فلا يخل التصغير
(1) التحلئ بكسر التاء ما يتساقط من الجلد إذا حك بسكين أو نحوه. (2) أي عدم تبعيته لموصوف قبله كغيره من المشتقات. (*)
[ 180 ]
بهما، نحو سكيران وعثيمان في سكران وعثمان. وإن انقلب ياء كما تقول في سلطان علما سليطين فانه يخل بهما، ومعرفة ما يقلب ألفه مما لا يقلب، تتبين في التصريف في باب التصغير. فعلى هذا: التصغير يخل بالعدل عن وزن وبالجمع مطلقا وبالالف والنون وبالوزن من وجه دون وجه، ولا يخل بالوصف والعلمية، والتانيث والتركيب والعجمة. الاضافة وحرف التعريف مع ما لا ينصرف قال ابن الحاجب: " وجميع الباب باللام والاضافة ينجر بالكسرة ". قال الرضى: أي كان بدونهما ينجر بالفتح، فصار بسببهما ينجر بالكسر. اعلم أن من ذهب في منع غير المنصرف الكسر إلى أنه لاجل تبعية التنوين المحذوف لمنع الصرف، قال لم يحذف الكسر مع اللام والاضافة، لانه لم يحذف التنوين معهما لمنع الصرف حتى يتبعها الكسر بل حذفت لانها لا تجامعهما، إذ التنوين دليل تمام الاسم، وإضافته مشعرة بعدم تمامه فتنافرا، وأما تنافر اللام والتنوين فقد مر في بيان
نوني المثنى والمجموع. ويجوز أن يقال: لما عاقبت اللام والاضافة التنوين صارتا كالعوض منه فكأنه ثابت فلم يحذف الكسر. ومن لم يقل بتبعية الكسر للتنوين قال: لم يحذف مع اللام والاضافة، لانهما من خواص الاسماء فترجح بهما جانب الاسمية فضعف شبه الفعل، فكأنه ليس فيه علتان من تسع، فدخله الكسر، فعلى هذا صار الاسم بهما منصرفا، وعلى الوجه الاول:
[ 181 ]
هو باق على حاله من عدم الانصراف [ إذ ] (1) لا سبب في الاسم، وقد ذكرنا هل يكون الاسم بهما منصرفا، أو باقيا على عدم الانصراف في أول باب ما لا ينصرف (2). ويرد على الثاني أن كون الاسم فاعلا ومفعولا ومضافا إليه بحرف جر ظاهر أو مقدر من خواص الاسم، أيضا، ولا يعود الكسر، فالاول أولى.
(1) زيادة لا بد منها لاستقامة الكلام. (2) ص 101 من هذا الجزء. (*)
[ 183 ]
المرفوعات بيان علة الرفع في الاسم قال ابن الحاجب: " المرفوعات هو ما اشتمل على علم الفاعلية ". قال القرطبي: قدم المرفوعات على المنصوبات والمجرورات، لان المرفوع عمدة الكلام كالفاعل والمبتدا والخبر، والبواقي محمولة عليها، والمنصوب في الاصل فضلة لكن يشتبه بها
بعض العمد، كاسم " ان " وخبر " كان " وأخواتها، وخبر " ما " و " لا "، والمجرور في الاصل منصوب المحل كما تقدم تحقيقه. قوله: " هو ما اشتمل " ذكر الضمير مع رجوعه إلى المؤنث، أي المرفوعات نظرا إلى خبر الضمير، أعني " ما " لان المبتدا هو الخبر، فيجوز مطابقة المبتدا له، كمطابقته للمعود إلى، ومثله قولهم: من كانت أمك (1).
(1) روي بنصب " أمك ". فيكون التأنيث في الضمير المستتر في كانت مع أنه عائد إلى من باعتبار أن الخبر مؤنث. (*)
[ 184 ]
ويعني باشتماله على علم (1) الفاعلية تضمنه إياه بحيث يكون علم الفاعلية أحد أجزائه، ويعني بعلم الفاعلية: الضم والالف والواو، إذا دل كل واحد منها على كون الاسم الذي هو في آخره عمدة الكلام، فكل ما فيه أحد هذه الاشياء مرفوع. والاولى، على ما اخترناه قبل أن يقال: المرفوعات ما اشتمل على علم العمدة، لان الرفع في المبتدا والخبر وغيرهما من العمد ليس بمحمول على رفع الفاعل، كما بينا، بل هو أصل في جميع العمد على ما تقرر قبل.
(1) علم أي علامة وتتكرر هذه الكلمة في هذا الشرح كثيرا مرادا بها ذلك. (*)
[ 185 ]
الفاعل تعريفه قال ابن الحاجب: " فمنه الفاعل. وهو ما أسند إليه الفعل أو شبهه وقدم " " عليه على جهة قيامة به مثل قام زيد، وزيد قام أبوه ". قال الرضى:
أي فمما اشتمل على علم الفاعلية، وقال بعد: ومنها المبتدا والخبر، حملا على معنى " ما ". وإنما قدم الفاعل على سائر المرفوعات بناء منه على أنه أصل المرفوعات، ولهذا سمى الرفع علم الفاعلية، وقد ذكرنا ما عليه (1). قوله: " ما أسند إليه "، قد عرفت في حد الكلام معنى الاسناد، ولم يقل: ما أخبر بالفعل عنه، ليدخل فيه فاعل الفعل الانشائي، نحو: بعت، وهل ضرب زيد، ونحوه.
(1) أنظر بحث الاعراب وسببه في الاسماء ص 57 من هذا الجزء. (*)
[ 186 ]
قوله: " أو شبهه "، يعني به اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والمصدر، واسم الفعل، ولم يقل، أو معناه فيدخل الظرف والجار والمجرور المرتفع بهما الضمير في نحو: زيد قدامك، أو في الدار، أو الظاهر، نحو: زيد أمامك غلامه، لكون الرافع في الحقيقة عنده: الفعل أو اسم الفاعل المقدر، خلافا لمن قال: إنه الظرف والجار، على ما يجئ في باب المبتدا. قوله: " وقدم عليه "، الضمير فيه للفعل أو شبهه، وفي " عليه " لما، واحترز بقوله: وقدم عليه، عن المبتدا، لان نحو: زيد، في قولك: زيد قام، مسند إليه قام، لان قام خبر عنه، والمسند إليه هو المخبر عنه في الحال أو في الاصل، كما مر في حد الكلام (1)، فكل خبر يرفع ضمير المبتدا. يجوز أن يقال: هو مسند إلى المبتدا، وأن يقال هو مسند إلى ذلك الضمير والمجموع مسند إلى المبتدا، وكل رافع لغير ضمير المبتدا فهو ومرفوعه مسند إلى المبتدا، وكل خبر غير رافع لشئ كالجوامد فهو، وحده، مسند إلى المبتدا، نحو: أنت زيد. إن قيل: فالمبتدا في قولك: قائم زيد، يدخل في حد الفاعل لان المسند قدم عليه. قلت: هو مؤخر تقديرا، وتقديمه كلا تقديم. قوله: " على جهة قيامه به "، أي قيام الفعل أو شبهه، والضمير في " به " لما، أي
على طريقة قيامه به وشكله، سواء كان قائما به، أو، لا، يقال: عملت هذا على وجه عملك وعلى جهته، أي على طرزه وطريقته. والجار في قوله على جهة، متعلق باسند، أو صفة لمصدره، أي إسنادا على طريقة إسناد القيام، ويعني بتلك الجهة: ألا يغير صيغة الفعل إلى: فعل، ويفعل، وأشباههما، وذلك أن طريقة إسناد الفعل القائم مصدره بالفاعل حقيقة، نحو ظرف زيد: عدم
(1) ص 31 من هذا الجزء. (*)
[ 187 ]
التغيير، فكل ما أسند الفعل إليه على هذا النمط من الاسناد: فاعل عند النحاة، وإن لم يكن الفعل قائما به على الحقيقة كالامور النسبية، نحو: قرب ويعد، وكذا الافعال المتعدية نحو ضرب وقتل، لان الضرب نسبة بين الضارب والمضروب، لا يقوم باحدهما دون الاخر، بل بهما، لصدوره عن أحدهما ووقوعه على الاخر. وبقوله: على جهة قيامه به يخرج مفعول ما لم يسم فاعله، وهو عند عبد القاهر. والزمخشري (1)، فاعل اصطلاحا، فلا يحترزان عنه ليدخل في الحد. وعند من حد بهذا الحد، ليس بفاعل، وخلافهم لفظي راجع إلى أنه هل يقال له في اصطلاح النحاة فاعل، أو، لا، وليس خلافا معنويا. وتمثيله بزيد قائم أبوه، لرفع شبه الفعل للفاعل، ليس نصا فيما قصد، لاحتمال كون " قائم " خبرا مقدما على " أبوه "، ولو قال: أبواه. لكان نصا. والعامل في الفاعل: المسند، خلافا لخلف (2)، فانه قال هو الاسناد، وقد ذكرنا في حد الاعراب علة وجوب تقدم الفعل على الفاعل. مرتبة الفاعل بعد الفعل قال ابن الحاجب:
" والاصل أن يلي فعله، فلذلك جاز: ضرب غلامه زيد ". " وامتنع: ضرب غلامه زيدا ". قال الرضى: قوله: " يلي فعله " أي يكون بعده بلا فصل، من قولك: وليك الشئ أي قرب منك.
(1) تقدم ذكر عبد القاهر الجرجاني ص 58 والزمخشري ص 46 من هذا الجزء. (2) خلف بن يونسف الشنترين من علماء الاندلس تقدم ذكره ص 73 من هذا الجزء. (*)
[ 188 ]
قوله: " فلذلك جاز "، أي جواز هذه المسالة معلل بكون الاصل في الفاعل أن يلي الفعل، وذلك إن يقال: إنما جاز: ضرب غلامه زيد، مع أن ما يرجع إليه الضمير: مؤخر عنه، لان " زيد " فاعل وأصله أن يلي الفعل، فهو متقدم على الضمير تقديرا، وكذلك عدم جواز: ضرب غلامه زيدا، معلل بما ذكر، وذلك بان يقال: إنما لم يجز ضرب غلامه زيدا، لان " غلامه " فاعل، وأصل الفاعل أن يلي الفعل، فهو مقدم على زيد، لفظا وأصلا، فيكون الضمير قبل الذكر، ولا يجوز ذكر ضمير مفسره بعده، إلا في ضمير الشان لغرض تفخيم الشان بذكره مبهما ثم مفسرا، ليكون أوقع في النفس كما يجئ. وليس هذا الغرض مقصودا فيما نحن فيه، أو في الضمير الذي يجئ مفسره فيما بعده منصوبا على التمييز، لان ذلك المنصوب لايجاء به إلا لغرض رفع الابهام عن الضمير، فلا يلبس، بخلاف " زيدا " في مسالتنا، فان مجيئه، ليكون مفعولا، لا لكونه للتمييز فقط، وأنت إذا جئت بعد المبهم بشئ: الغرض من مجيئك به تفسيره فقط لم يبق الابهام، وأما إذا جئت بعده بشئ: الغرض الاصلي منه غير التفسير كالمفعول ههنا، فلا يكفي في التفسير، لانه يحمل على ما هو المراد الاصلي منه، ويبقى الابهام بحاله. فمن ثم منع الفراء، والكسائي في باب التنازع إعمال الثاني إذا توجه الاول إلى
المتنازع فيه بالفاعلية، كما يجئ خلافا للبصرية. وقد جوز الاخفش وتبعه ابن جني، نحو: ضرب غلامه زيدا، أي اتصال ضمير المفعول به بالفاعل مع تقدم الفاعل لشدة اقتضاء الفعل للمفعول به كاقتضائه للفاعل، واستشهد (1) بقوله: 40 - جزى ربه عني عدي بن حاتم * جزاء الكلاب العاويات وقد فعل (2)
(1) استشهد: أي الاخفش، وتبعه ابن جني. وقد تقدم ذكر كل منهما. (2) البيت لابي الاسود الدؤلي في عدي بن حاتم الطائي. وفي شعر للنابغة الذبياني: جزى الله عبسا عبس آل بفيض * جزاء الكلاب العاويات وقد فعل واشتبه هذا على ابن جني فنسب بيت الشاهد للنابغة. (*)
[ 189 ]
وبقوله: 41 - لما عصى أصحابه مصعبا * أدى إليه الكيل صاعا بصاع (1) ويجوز التأويل برب الجزاء، وأصحاب العصيان، وبقوله: 42 - ألا ليت شعري هل يلومن قومه * زهيرا على ما جر من كل جانب (2) والاولى تجويز ما ذهبا إليه، لكن على قلة، وليس للبصرية منعه مع قولهم في باب التنازع بما قالوا. (3) وكذا نقول: يحسن: أعطيت درهمه زيدا: لان مرتبة المفعول الاولى قبل الثاني، وإن تأخر عنه لكونه فاعلا معنى، كما يجئ في باب مفعول ما لم يسم فاعله. ويقل نحو: أعطيت صاحبه الدرهم، قلة: ضرب غلامه زيدا. وكذا إذا كان للفعل مفعول يتعدي إليه الفعل بنفسه، فمرتبته أقدم مما يتعدى إليه الفعل بحرف الجر، ظاهرا، نحو: قتلت باخيه زيدا، أو مقدرا، نحو: اخترت قومه زيدا، أي من قومه. فمن ثم حسن رجوع الضمير إلى المتأخر في المسالتين.
(1) البيت من قصيدة في المفضليات للسفاح بن بكير يرثي بها يحيى بن شداد من بني يربوع، ومصعب هو
مصعب بن الزبير. ومعنى أدى إليه الكيل صاعا بصاع أنه كافاه بفعله: احسانا باحسان واساءة. (2) من شعر أبي جندب بن مرة القروي - شاهر جاهلي - يذكرون أنه كان مريضا وكان له جار. قتله زهير اللحياني من بني لحيان وقتل امراته فلما أبل جندب من مرضه استعان باخوان له واغار على بني لحيان وقتل منهم وسبى من نسائهم وذراريهم وباع سبيه في قبيلتي لخم وغالب، وقال هذا الشعر. وبعده: بكفي زهير عصبة العرج منهم * ومن بيع في الركبين لخم وغالب. (3) سيأتي في باب التنازع قول البصريين بعود الضمير على المتأخر لفظا ورتبة. (*)
[ 190 ]
الترتيب بين الفاعل والمفعول قال ابن الحاجب: " وإذا انتفى الاعراب لفظا فيهما والقرينة، أو كان مضمرا " " متصلا، أو وقع مفعوله بعد " الا "، أو معناها وجب تقديمه ". قال الرضى: هذا بيان لما يعرض فيوجب تقديم الفاعل على المفعول بعد أن كان جائز التاخير عنه. قوله: " لفظا "، منصوب على التمييز، اي انتفى لفظ الاعراب لا تقديره، قوله: " فيهما "، أي في الفاعل والمفعول به الذي دل عليه سياق الكلام، أي إذا انتفى الاعراب اللفظي في الفاعل والمفعول معا، مع انتفاء القرينة الدالة على تمييز أحدهما عن الاخر وجب تقديم الفاعل لانه إذا انتفت العلامة الموضوعة للتمييز بينهما أي الاعراب، لمانع، والقرائن اللفظية والمعنوية التي قد توجد في بعض المواضع دالة على تعيين أحدهما من الاخر، كما يجئ فليلزم كل واحد منهما مركزه ليعرفا بالمكان الاصلي. والقرينة اللفظية كالاعراب الظاهر في تابع أحدهما أو كليهما نحو: ضرب موسى
عيسى الظريف (1)، واتصال علامة الفاعل بالفعل نحو ضربت موسى حبلى، أو اتصال ضمير الثاني بالاول نحو: ضرب فتاه موسى.
(1) أي أنه إذا رفع الوصف كان الاول مفعولا وهو موسى. وإذا نصب كان الثاني أي عيسى هو المفعول. (*)
[ 191 ]
والمعنوية نحو: أكل الكمثري موسى، واستخلف المرتضى المصطفى صلى الله عليه وسلم (1)، ونحو ذلك. وكذا إن كان الفاعل ضميرا متصلا، وجب تقديمه على المفعول، سواء كان المفعول اسما ظاهرا، كضربت زيدا، أو مضمرا منفصلا، كما ضربت إلا إياك، أو مضمرا متصلا، كضربتك، لئلا يصير المتصل منفصلا. فان قيل: ففي المثال الذي أوردته أخيرا، أعني ضربتك، صار الذي هو ضمير متصل منفصلا عن عامله. قلت: لما كان التاء فاعلا وضميرا متصلا، وكلا الامرين موجب للاتصال بالعامل صار بهما (2) كبعض حروف الفعل، ألا ترى إلى إسكان لام ضربت بخلاف: ضربك، وذلك أنهم لا يجيزون توالي أربع حركات في كلمة واحدة، فلما صار هذا المركب كالكلمة الواحدة عاملوه معاملتها فصار ضمير المفعول في ضربتك كانه اتصل بالعامل. أما لو تقدم المفعول على الفاعل مع اتصالهما لكان الفاعل المتصل غير متصل بعامله، ولا بما هو كالجزء من عامله، لان المفعول، وإن كان من حيث كون ضميرا متصلا كالجزء، لكنه من حيث كونه مفعولا، فضلة. قوله: " أو وقع مفعوله بعد " إلا "، أي مفعول الفاعل نحو قولك: ما ضرب زيد إلا عمرا. وينبغي أن تعرف أولا، أنك إذا ذكرت قبل أداة الاستثناء معمولا خاصا للعامل فيما بعدها وجب أن يكون ما لذلك المتقدم من الفاعلية أو المفعولية، أو الحالية، أو غير
ذلك محصورا في المتأخر، وما لذلك المتأخر من تلك المعاني باقيا على الاحتمال، لم يدخله
(1) هذا التمثيل مما يدل على تشيع الرضى. فهو يريد بالمرتضى علي بن ابي طالب رضي الله عنه وتلك هي عقيدة الشيعة. (2) بهما أي بكونه فاعلا وكونه متصلا. (*)
[ 192 ]
الخصوص ولا العموم، كما إذا قلت مثلا: ما ضرب زيد إلا عمرا، فضاربية زيد محصورة في عمرو، أي ليس ضاربا لاحد إلا لعمرو، وأما مضربية عمرو، فعلى الاحتمال، أي يجوز أن يكون مضروبا لغير زيد أيضا، وبالعكس لو قلت ما ضرب عمرا إلا زيد. مضروبية عمرو، مقصورة على زيد، أي لم يضربه إلا زيد، وضاربية زيد باقية على الاحتمال، أي يصح أن يكون ضاربا لغير عمرو، أيضا، وكذا في نحو: ما جاء زيد إلا راكبا، يجوز أن تكون حالة الركوب لغير زيد، أيضا، بخلاف: ما جاء راكبا إلا زيد. فإذا تقرر هذا تبين أن ضرب زيد، في قولك ما ضرب زيد إلا عمرا مقصور على عمرو، ومضروبية عمرو، على الاحتمال، فلو قدمت عمرا على زيد فاما أن تقدمه عليه من دون " إلا " نحو: ما ضرب عمرا إلا زيد، وفيه انعكاس المعنى، إذ تصير المضروبية خاصة والضاربية باقية على الاحتمال. فلا يجوز، وإما أن تقدمه عليه مع إلا، نحو: ما ضرب إلا عمرا زيد، فعند هذا نقول: إن أردت أن عمرا وزيد مستثنيان معا والمراد: ما ضرب أحدا أحد، إلا عمرا زيد، اختل أيضا، لان مضروبية عمرو في أصل المسالة أعني في: ما ضرب زيد إلا عمرا، كانت على الاحتمال، وبالتقدير المذكور الان. صارت مضروبيتة مختصة بزيد، لان الاحتمال المذكور فيما بعد " إلا "، إنما يكون في الفاعل إذا ذكرت مفعولا خاصا نحو: ما ضربني إلا زيد. وكذا يكون في المفعول إذا ذكرت فاعلا خاصا نحو: ما ضربت إلا زيدا، أما إذا لم تذكرهما، أو ذكرتهما
عامين، فليس فيما بعد " إلا " إلا الاحتمال المذكور، فاعلا كان، أو مفعولا، نحو: ما ضرب إلا زيد، وما ضرب احد إلا زيد، في الفاعل، وما ضرب إلا زيدا، وما ضرب أحد إلا زيدا، في المفعول، وكذا إذا ذكرت فاعلا ومفعولا عامين، نحو: ما ضرب أحد أحدا، إلا زيدا عمرا بقي المستثنيان غير محتملين، وإنما كان كذا إذ ليس هناك غير ذلك المفعول العام شئ يتعلق به الفاعل المستثنى، وكذا، ليس غير ذلك الفاعل العام شئ يتعلق به المفعول المستثنى، كما كان حين ذكرتهما خاصين، فيكون في: ما ضرب إلا عمرا زيد: المضروبية المطلقة مقصورة على عمرو، والضاربية المطلقة مقصورة على زيد، وتختص مضروبية عمرو بزيد وهو عكس المعنى.
[ 193 ]
هذا مع أن استثناء شيئين باداة واحدة، بلا عطف غير جائز مطلقا عند الاكثرين، لضعف أداة الاستثناء، إذ الاصل فيه " إلا " وهي حرف. فلا يستثنى بها شيئان، لا على وجه البدل ولا على غيره، فلا تقول في البدل ماسخا أحد بشئ إلا عمرو بدرهم، ولا تقول في غير البدل: ماسخا أحد بشئ إلا عمرو الدينار (1). ويجوز مطلقا عند جماعة، وبعضهم فصلوا فقالوا: إن كان المستثنى منهما مذكورين، والمستثنيان بدلين منهما جاز، نحو: ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا، وذلك لان الاسمين بكونهما بدلين مما قبل إلا كأنهما واقعان موقع ما أبدلا منهما، أي كأنهما وقعا قبل " إلا "، وليسا بمستثنيين، فكانك قلت: ضرب زيد عمرا ومثل هذا عند الاولين بدل (2)، ومعمول عامل مضمر من جنس الاول، لا بدلان، والتقدير: ما ضرب أحد أحدا إلا زيد، ضرب عمرا. وإن كان المستثنى منهما مقدرين: نحو: ما ضرب إلا زيد عمرا، أو كان أحدهما مذكورا دون الاخر نحو: ما ضرب القوم إلا بعضهم بعضا أو كلاهما مذكورين، لكن المستثنيين لم يبدلا منهما نحو: ما ضرب أحد بشئ إلا زيدا، أو الازيد السوط، لم يجز،
لان المستثنيين، إذن، ليسا كالواقعين قبل إلا، وهي تضعف عن استثناء شيئين إلا على الوجه المذكور. فان استدل من أجاز مطلقا بقوله تعالى: " وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الراي " (3)، فانه لم يذكر المستثنى منهما، والتقدير: وما نراك اتبعك أحد في حالة إلا أراذلنا في بادي الراي، أي بلا روية، فلغيرهم أن يعتذروا بانه منصوب بفعل مقدر،
(1) أي برفع عمرو، بدلا من أحد، وجر الدينار، بدلا من شئ، (2) أي أن الاول بدل والثاني معمول عامل مضمر أي محذوف. كما سيشرح بالمثال، (3) الاية 27 من سورة هود، (*)
[ 194 ]
أي اتبعوا في بادي الراي، أو بان الظرف يكفيه رائحة الفعل، فيجوز فيه ما لا يجوز في غيره. وإن أردت في أصل المسالة، أعني: ما ضرب إلا عمرا زيد: أن زيدا مقدم معنى وليس بمستثنى وأن المراد: ما ضرب زيد الا عمرا. فالمعنى لا ينعكس ولا يلزم استثناء شيئين باداة واحدة. إلا أن أكثر النحاة منعوا أن يعمل ما قبل " إلا " فيما بعد المستثنى بها إلا أن يكون معموله الواقع بعد المستثنى هو المستثنى منه، نحو: ما جاءني إلا زيدا أحد، أو تابعا للمستثنى نحو: ما جاءني إلا زيد الظريف أو معمولا لغير العامل في المستثنى نحو: قولك: رايتك إذ لم يبق إلا الموت ضاحكا، وذلك أن ما بعد " إلا " من حيث المعنى من جملة مستانفة غير الجملة الاولى، لان قولك ما جاءني إلا زيد بمعنى: ما جاءني غير زيد وجاءني زيد، فاختصر الكلام، وجعلت الجملتان واحدة، فالاولى ألا يتوغل المعمول في الحيز الاجنبي عن عامله، أما المستثنى فانه على طرف ذلك الحيز غير متوغل فيه، وانما جاز وقوع المستثنى منه وتابع المستثنى بعد المستثنى لان المستثنى له تعلق بهما من وجه، فكأنه وكل واحد منهما كالشئ الواحد،
وأما نحو " ضاحكا " فليس في الحيز الاجنبي من عامله، إذ قولك: إذ لم يبق إلا الموت معمول رايتك وضاحكا معموله الاخر. فإذا ثبت هذا، فان وقع معمول آخر لما قبل " الا " بعد المستثنى غير الثلاثة المذكورة. إما مرفوع أو منصوب. ولا يكون إلا في الشعر كقوله: 43 - كان لم يمت حي سواك ولم تقم * على أحد الا عليك النوائح (1)
(1) من أبيات لاشجع السلمي. وهو متاخر. حيث كان يمدح الرشيد والبرامكة. قال البغدادي: وشعره لا يحتج به فكان حقه أن يؤخره على البيت الذي بعده. وقصده بذلك أن يتحقق الاستشهاد بالبيت الاتي ثم ياتي هذا البيت فيكون تمثيلا لا استشهادا. وهذا مبني على ما استقر عليه راي المتقدمين من تحديد الزمن الذي ينتهي عنده الاستشهاد بالشعر. والابيات في الامالي (2 - 118) منسوبة لاشجع أيضا. وقال محقق الامالي ان الابيات في شرح الحماسة للتبريزي لمطيع بن أياس في رثاء بحيى بن زياد وهي أبيات جيدة وبعد هذا البيت: لئن حسنت فيك المراتي وذكرها * لقد حسنت من قبل فيك المدائح (*)
[ 195 ]
وكقوله: 44 - لا أشتهي يا قوم إلا كارها * باب الامير ولا دفاع الحاجب (1) أضمروا له عاملا آخر من جنس الاول، أي قامت النوائح، وأشتهي باب الامير كارها. والكسائي جوز مطلقا عمل ما قبل " إلا " فيما بعد المستثنى بها سواء كان العمل رفعا أو نصبا، صريحا كان النصب كما ذكرنا، أو، لا، كما في قولك: ما مررت إلا راكبا بزيد، في الشعر وفي غيره بلا تقدير ناصب ولا رافع. وابن الانباري جوز رفع ما بعد المستثنى فقط، دون النصب. فتبين لك، على هذا، أن ما قبل " إلا " لا يعمل فيما بعد المستثنى على الاصح سواء كان ذلك أيضا، مستثنى، أو، لا، كما مضى، فلا يجوز في: ما ضرب زيد إلا عمرا: ما ضرب عمرا إلا زيد.
وإنما قلت في بيان المسالة: معمولا خاصا لانه إذا كان المعمول عاما. نحو: ما ضرب أحد إلا زيدا فلا يقال إن مضروبية زيد باقية على الاحتمال، لانه لم يبق بعد " أحد " شئ يمكن أن يضرب زيدا، كما كان في: ما ضرب زيد إلا عمرا: أمكن أن يضرب عمرا غير زيد. قوله: أو معناها يعني ما في " إنما " من معنى الحصر. وذلك أن المشهور عند النحاة والاصوليين أن معنى: إنما ضرب زيد عمرا: ما ضرب زيد إلا عمرا، فان قدمت المفعول على هذا، انعكس الحصر، كما ذكرنا في: ما ضرب زيد إلا عمرا.
(1) من أبيات لموسى بن جابر الحنفي من بني حنيفة وبعده بيتان يقول فيهما: ومن الرجال أسنة مذروبة * ومزيدون شهودهم كالغائب منهم أسود لا ترام وبعضهم * مما قمشت وضم حبل الحاطب أما معنى البيت فواضح ووجه الاستشهاد به بينه الشارح. (*)
[ 196 ]
وقد خالف بعض الاصوليين في إفادته الحصر، استدلالا بنحو قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الاعمال بالنيات "، و " إنما الولاء للمعتق ". وأجيب بان المراد في الخبرين: التأكيد، فكأنه ليس عمل إلا بالنية، وليس الولاء إلا بالعتق، كقوله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ". وجوب تأخير الفاعل قال ابن الحاجب: " وإذا اتصل به ضمير مفعول أو وقع بعد " إلا " أو معناها ". " أو اتصل مفعوله وهو غير متصل، وجب تأخيره ". قال الرضى:
بيان لما يعرض فيوجب مخالفة الاصل أي تأخير الفاعل عن المفعول، قوله: " اتصل به " أي بالفاعل ضمير مفعول راجع إلى مفعول وجب تأخير الفاعل عند الاكثرين، ومثاله: ضرب زيدا غلامه، إذ لو قدمته لكان إضمارا قبل الذكر لفظا وأصلا، كما مر (1). وينبغي أن يجوز عند الاخفش وابن جنى كما تقدم (2). وكذا الحكم لو اتصل ضمير المفعول بصلة الفاعل أو صفته، نحو: ضرب زيدا الذي ضرب غلامه، وأكرم هندا رجل ضربها. هكذا قيل، ولو قيل يجوز أكرم هندا رجل ضربها لجاز، لان الفصل بين الوصف والموصوف بالاجنبي غير ممتنع، بخلاف الصلة والموصول، إذ الاتصال الذي بين الاولين أقل مما بين الاخيرين.
(1) في الكلام على وجوب تقديم الفاعل وتاخير المفعول ص 187 من هذا الجزء. (2) الموضع المتقدم. (*)
[ 197 ]
قوله: " أو وقع بعد إلا " أي وقع الفاعل، نحو ما ضرب عمرا إلا زيد، أو معناها نحو: إنما ضرب عمرا زيد، وإنما وجب تأخير الفاعل ههنا لما ذكرنا بعينه في وجوب تقديمه في: ما ضرب زيد إلا عمرا، فان مضروبية ما قبل إلا محصورة فيما بعدها، والضاربية محتملة، فلو قدمت الفاعل بلا " إلا " انعكس المعنى، ولو قدمته معها لجاء المحذور المذكور (1). جواز حذف الفعل ووجوبه قال ابن الحاجب: " وقد يحذف الفعل لقيام قرينة، جوازا في مثل: زيد، لمن " " قال: من قام ؟ و: ليبك يزيد ضارع لخصومة ووجوبا. في " " مثل: " وإن أحد من المشركين استجارك "، وقد يحذفان ".
" معا، مثل: نعم لمن قال: أقام زيد ؟ ". قال الرضى: قوله: " لقيام قرينة جوازا ". لا يحذف شئ من الاشياء إلا لقيام قرينة، سواء كان الحذف جائزا أو واجبا. قوله: " زيد، لمن قال من قام "، الظاهر أن " زيد " مبتدا لا فاعل لان مطابقة الجواب للسؤال أولى، ومن ثم قالوا في جواب " ماذا " إذا كان " ذا " بمعنى " الذي ". إنه رفع، لان السؤال بجملة اسمية بخلاف ما إذا كان " ذا " زائدا، فان الاولى نصب الجواب، كما يجئ في باب الموصولات، وأيضا فالسؤال عن القائم لا عن الفعل، والاهم تقديم المسئول عنه، فالاولى أن يقدر: زيد قام، بلى، قولهم: ان لا حظية فلا ألية، برفع حظية من باب حذف الفعل بلا خلاف. أي: ان لا يتفق لك حظية
(1) على التفضيل السابق في تأخير المفعول إذا كان محصورا ص 191 من هذا الجزء. (*)
[ 198 ]
من النساء، فانا لا ألية، أي غير مقصرة فيما تحظى به النسوان عند أزواجهن من الخدمة والتصنع. وروى النصب فيهما على تقدير: إن لا أكن حظية فلا أكون ألية. قوله: 45 - ليبك يزيد ضارع لخصومة (1)... هذا أيضا من جنس الاول أي مما القرينة فيه السؤال، إلا أن السؤال ههنا مقدر مدلول عليه بلفظ الفعل المبني للمفعول، لانه يلتبس الفاعل، إذن، على السامع فيسأل عنه فكأنه لما قال: ليبك يزيد، سال سائل: من يبكيه، فقيل: ضارع، أي يبكيه ضارع، والسؤال في الاول مصرح به. والبيت للحارث بن نهيك وعجزه: * ومختبط مما تطيح الطوائح (1)
يقال: بكيته أي بكيت عليه بحذف حرف الجر لكثرة الاستعمال وليس بقياس، كما يجئ في باب المتعدي، وغير المتعدي من قسم الافعال. والضارع: الذليل، من قولهم: ضرع ضراعة. قوله: لخصومة، متعلق بضارع وإن لم يعتمد على شئ، لان الجار والمجرور يكتفي برائحة الفعل، أي يبكيه من يضرع ويذل لاجل الخصومة فان يزيد، كان ملجا وظهرا للاذلاء والضعفاء، والمختبط: الذي ياتيك للمعروف من غير وسيلة، يقال: اختبطني فلان، وأصله من: خبطت الشجرة إذا ضربتها بالعصا ليسقط ورقها، مما تطيح،
(1) قد وفى الشارح البيت حقه من التوضيح. لانه من عبارة ابن الحاجب. والبيت لنهشل بن حري في رثاء يزيد بن نهشل ونسب لكثير غيره وحقق البغدادي أنها لنشهل وقبل هذا البيت ببضعة أبيات: لعمري لئن أمسى يزيد بن نهشل * حشا جدت تسفى عليه الروائح لقد كان ممن يبسط الكف للندى * إذا ضن بالخير الاكف الشحائح (*)
[ 199 ]
أي تذهب وتهلك، والطوائح بمعنى المطيحات، يقال طوحته الطوائح وأطاحته الطوائح، أي ذهبت به ورمت به، ولا يقال: المطوحات ولا المطيحات، وهو إما على حذف الزوائد، مثل: أورس فهو وراس، وأعشب فهو عاشب، أو على النسب، مثل ماء دافق أي ذو دفق. يقال: طاح يطوح، مثل: قال يقول، وطاح يطيح وهو واوى من باب فعل يفعل بكسر العين فيهما عند الخليل. وقوله مما تطيح متعلق بمختبط، أي يسال من أجل إذهاب الوقائع ماله، و " ما مصدرية " أو، بيبكي المقدر، أي يبكي لاجل إهلاك المنايا يزيد، ويجوز أن تكون " ما " بمعنى التي، أي لاجل خلال الكرم التي طوحتها الطوائح، وتطيح على كل تقدير: حكاية حال ماضية: يورد الماضي بصورة الحال إذا كان الامر هائلا لتصويره للمخاطب،
نحو: لقيت الاسد، فاضربه فاقتله. قوله: " ووجوبا في مثل: " وان أحد من المشركين استجارك " (1)، إنما كان الحذف واجبا مع وجود المفسر نحو: استجارك، الظاهر، لان الغرض من الاتيان بهذا الظاهر: تفسير المقدر، فلو أظهرته لم تحتج إلى مفسر لان الابهام المحوج إلى التفسير، إنما كان لاجل التقدير، ومع الاظهار لا إبهام، والغرض من الابهام ثم التفسير، إحداث وقع في النفوس ذلك المبهم، لان النفوس تتشوق، إذا سمعت المبهم، إلى العلم بالمقصود منه، وأيضا، في ذكر الشئ مرتين: مبهما ثم مفسرا توكيد ليس في ذكره مرة، وإنما لم يحكم بكون " أحد " مبتدا، واستجارك خبره لعلمهم بالاستقراء باختصاص حرف الشرط بالفعلية. على أنه نسب إلى الاخفش جواز وقوع الاسمية بعدها بشرط كون الخبر فعلا، فمثالنا، على مذهبه، إذن، ليس من قبيل ما نحن فيه.
(1) الاية 6 من سورة التوبة. (*)
[ 200 ]
ويبطل ما نسب إليه بوجوب النصب في: ان زيدا ضربته، إلا على ما أجازه بعض الكوفيين من نحو: 46 - لا تجزعي إن منفس أهلكته * فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي ومع ذلك، ما أولوه إلا باضمار فعل رافع لمنفس، أي إن هلك منفس وهو مع ذلك مردود، على ما يجئ الكلام عليه بعد. وجميع ما ذكرنا من الوفاق والخلاف يطرد في نحو: لو ذات سوار لطمتني (2)، و: هلا زيد قام، أعني كل حرف لا يليه إلا الفعل. ومفسر الفعل المقدر إما فعل صريح كما مر، أو حرف يؤدي معنى الفعل مثل " أن " الموضوعة للثبوت والتحقيق، فهي، إذن، دالة على ثبت وتحقق، والتزم أن
يكون خبرها فعلا كما يجئ في قسم الحروف ليكون " أن " مشعرا بمعنى الفعل المقدر، وخبرها في صورة ذلك الفعل، أعني الفعل الماضي، فيكونان معا كالفعل الصريح المفسر، وذلك بعد " لو " خاصة، نحو قوله تعالى: " لو أن الله هذاني (3) "، أي لو ثبت وتحقق أن الله هداني، فان، مع ما في حيزها فاعل ذلك الفعل المقدر. قوله: " وقد يحذفان معا مثل: نعم "، أي يحذف الفعل والفاعل معا، أما حذف
(1) هو آخر أبيات للنمر بن تولب. شاعر صحابي. أولها: قالت لتعذلني من الليل اسمع * سفه تبيتك الملامة فاهجعي لا تجزعي لغد وأمر غد له * أتعجلين الشر ما لم تمنعي أي اتتعجلين. ينهاها عن تعجل الشر ما دامت غير ممنوعة من الخير. (2) هذا من كلام حاتم الطائي، وهو كلام صار مثلا، قال ذلك حين لطمته جارية. ويقصد بذات السوار الحرة. وكان أسيرا مرة. فقالت امراة الرجل الذي لجاريتها مري هذا الاسير ليفصد لنا الناقة. حتى نشوى دمها. فقالت له الجارية ذلك، فنحر الناقة نحرا فلطمته الجارية وقالت له إنما قلت لك افصدها، فقال هكذا فزدي انه. أي فصدي بابدال الصاد زايا.. ثم قال لو ذات سوار لطمتني. (3) الاية 57 من سورة الزمر. (*)
[ 201 ]
الفاعل وحده، فلم يثبت إلا عند الكسائي، كما يجئ في باب التنازع. وإنما حكم بعد " نعم " بحذف الفعل والفاعل معا، لان " نعم " حرف لا يفيد معناه الافرادي إلا بانضمامه إلى غيره كما سبق في حد الاسم، وههنا أفاد المعنى الكلامي، فلا بد من تقدير الكلام المدلول عليه بقرينة الكلام الذي صدقه " نعم " وذلك الكلام في مثالنا جملة فعلية، فيقدر بعد " نعم " جملة فعلية، وإذا كان السؤال بجملة إسمية، كان المقدر بعد " نعم " اسمية، كما يقال: أزيد قائم فتقول: نعم، أي نعم زيد قائم. وحذف الجملتين بعد حرف التصديق جائز لا واجب، ولذا قال: وقد يحذفان.
التنازع حقيقته وصور وقوعه قال ابن الحاجب: " وإذا تنازع الفعلان ظاهرا بعدهما، فقد يكون في الفاعلية " " مثل: ضربني وأكرمني زيد، وفي المفعولية، مثل ضربت " " وأكرمت زيدا، وفي الفاعلية والمفعولية مختلفين ". قال الرضى: اعلم أنه لو قال: الفعلان فصاعدا، أو شبههما ليشمل اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة، نحو: أنا قاتل وضارب زيدا وليشمل. أيضا، أكثر من عاملين نحو: ضربت وأهنت وأكرمت زيدا، لكان أعم، لكنه اقتصر على الاصل وهو الفعل، وعلى أول المتعددات وهو الاثنان. قوله: " ظاهرا بعدهما "، إنما قال ذلك بعض المضمرات لا يصح تنازعه، وذلك لان المضمر المتنازع، لا يخلو من أن يكون متصلا، أو منفصلا، ويستحيل التنازع
[ 202 ]
في المضمر المتصل بالعامل الاخير مرفوعا ومنصوبا، لان التنازع إنما يكون حيث يمكن أن يعمل في المتنازع فيه وهو في مكانه: كل واحد من المتنازعين لو خلاه الاخير، والعامل الاول يستحيل عمله في المضمر المتصل بالعامل الاخير، لان المتصل يجب اتصاله بعامله، أو بما هو كجزئه، ولا يتصل بعامل آخر، وأما المنفصل، فإن كان مرفوعا، نحو: ما ضرب وما أكرم إلا أنا، وكذا الظاهر الواقع هذا الموقع، نحو ما قام وما قعد إلا زيد، فلا يجوز أن يكون أيضا من باب التنازع على الوجه الذي التزمه البصريون وهو أن الاول إذا توجه إلى المتنازع (1) بالفاعلية وألغيته، فلا بد أن يكون في العامل الملغى ضمير موافق للمتنازع، وإنما لم يجز أن يكون منه إذ
لو كان الملغى ههنا هو الاول وأضمرت فيه ضميرا مطابقا للمتنازع، فإن كان بدون " إلا " صار هكذا: ما ضربت، وما أكرم إلا أنا، وما قام. أي هو، أعني زيدا، وما قعد إلا زيد، فيكون " إلا أنا " مستثنى من المتعدد المقدر في: ما أكرم، و: " الا زيد " مستثنى من المتعدد المقدر في: ما قعد، ولا يجوز أن يكونا مستثنيين من: ما ضربت، وما قام، لانه لا متعدد فيهما، لا ظاهرا ولا مقدرا، فيصير الضرب والقيام منفيين عن المتنازع بعدما كان مثبتين له، وشرط باب التنازع ألا يختلف المعني بالاضمار في الملغي. وإن كان الاضمار في الملغى مع " الا " قلت في الاول ما ضرب إلا أنا وما أكرم إلا أنا إذ لا يمكن اتصال الضمير مع الفصل بإلا، فلا يكون من باب التنازع، لان الملغى في باب التنازع إما أن يكون خاليا من العمل في المتنازع وفي نائبه أعني الضمير، كضربت، وأكرمني زيد، وكذا ضرب وأكرمت هند، عند الكسائي (2)، أو يكون فيه نائب عن المتنازع أعني الضمير في نحو: ضربا وأكرمت الزيدين، ليظهر كونه ملغى وكون الاخر هو المعمل، ولا يظهر في " إلا أنا " الذي بعد ما ضرب، نيابة عن " إلا
(1) أي المتنازع فيه. والرضى يعبر عنه في هذا البحث كثيرا بالمتنازع فقط بصيغة اسم المفعول. وهو تعبير سليم لان مادة تنازع متعدية بنفسها. وقد يقول المتنازع فيه. (2) يعني بحذف الفاعل من الاول وعدم اضماره وسيأتي. (*)
[ 203 ]
أنا " الذي بعد: ما أكرم، كما ظهرت في ألف ضربا نيابة عن الزيدين في قولك: ضربا وأكرمت الزيدين، فلا يظهر كون: ما ضرب ملغى، وكون: ما أكرم معملا، إذ لكل منهما من الفاعل مثل ما للاخر على السواء، وكان يجب أن تقول في الثاني: ما قام إلا هو، وما قعد إلا زيد، ولا يستعمل مثله في كلامهم، بل المستعمل: ما قام وما قعد إلا زيد. ويجوز أن يكون هذا من باب التنازع عند الكسائي، ويكون الفاعل محذوفا من
الاول مع إعماله للثاني، كما هو مذهبه على ما يجئ. ويلزم البصريين أيضا في هذا المقام متابعة الكسائي في مذهبه، لانهم يوافقونه ههنا في أن هذا من باب الحذف لا من باب الاضمار، لانهم حذفوا الفاعل مع " الا " لدلالة الثاني عليه، لانه هو. وكل ما ذكرنا على إعمال الاول في المنفصل المرفوع يجئ مثله في إعمال الثاني فيه. وإن كان المتنازع فيه منفصلا منصوبا، نحو ما ضربت وما أكرمت إلا إياك، جاز أن يكون من باب التنازع، وتكون قد حذفت المفعول مع " إلا " من الاول مع إعمال الثاني، أو من الثاني مع إعمال الاول، إذ المفعول يجوز حذفه بخلاف الفاعل، وكذا المجرور المنصوب المحل، نحو قمت وقعدت بك. فعلى هذا، يجوز التنازع في المضمر المنفصل (1) والمجرور، ولا سيما إذا تقدم ذلك الضمير على العاملين، نحو: إياك ضربت وأكرمت. فقول المصنف " ظاهرا " غير وارد مورده، وكذا قوله " بعدهما "، لا حاجة إليه، إذ قد يتنازعان فيما هو قبلهما، إذا كان منصوبا، نحو: زيدا ضربت وقتلت، وبك قمت، وقعدت، وإياك ضربت وأكرمت. قوله: " فقد يكون في الفاعلية "، أي يكون التنازع.
(1) أي غير المرفوع. وتقدم قريبا أنه لا يجوز التنازع في الضمير المنفصل المرفوع الواقع بعد الا. (*)
[ 204 ]
اعلم أن العاملين في التنازع على ضربين، إذ هما إما متفقان أو مختلفان، والمتفقان على ثلاثة أضرب، لانهما إما أن يتفقا في التنازع في الفاعلية حسب، نحو: ضربني وأكرمني زيد، أو في المفعولية حسب، نحو: ضربت وأكرمت زيدا، أو في الفاعلية والمفعولية معا. نحو: ضرب وأكرم زيد عمرا، ولم يذكر المصنف هذا الثالث، لانه يتبين بالقسمين الاولين، لانهما إذا تنازعا في الفاعلية والمفعولية معا، فقد تنازعا في الفاعلية وتنازعا أيضا في المفعولية.
والمختلفان على ضربين، لانه اما أن يطلب الاول الفاعلية، والثاني المفعولية، نحو: ضربني وأكرمت زيدا، أو بالعكس نحو: ضربت وأكرمني زيد، فقوله: " مختلفين " حال من الفعيلن، لان معنى قوله: فقد يكون أي التنازع: فقد يتنازعان، أي فقد يتنازع الفعلان في الفاعلية والمفعولية مختلفين، واحترز بقوله مختلفين، عن القسم الثالث من أقسام المتفقين لانهما تنازعا في ذلك القسم في الفاعلية والمفعولية أيضا، لكن متفقين في التنازع، وإنما احترز عنه، لان هذا القسم كما ذكرنا يتبين من القسمين الاولين حتى لا يتكرر بعض الاقسام. اختيار كل من البصريين والكوفيين قال ابن الحاجب: " ويختار البصريون إعمال الثاني، والكوفيون الاول ". قال الرضى: أي البصريون يقولون: المختار إعمال الثاني مع تجويز إعمال الاول. وكذا الكوفيون: يختارون إعمال الاول مع تجويز إعمال الثاني. وإنما اختار البصريون إعمال الثاني لانه أقرب الطالبين إلى المطلوب فالاولى أن
[ 205 ]
يستبد به دون الابعد، وأيضا لو أعملت الاول في العطف في نحو: قام وقعد زيد، لفصلت بين العامل ومعموله بأجنبي بلا ضرورة ولعطفت على الشئ وقد بقيت منه بقية، وكلاهما خلاف الاصل. ولا تجئ هذه العلة في غير العطف نحو: جاءني لاكرمه زيد، وكاد يخرج زيد. وقال الكوفيون: إعمال الاول أولى لانه أول الطالبين، واحتياجه إلى ذلك المطلوب أقدم من احتاج الثاني، ولا شك مع الاستقراء أن إعمال الثاني أكثر في كلامهم.
قوله: الاول، أي إعمال الاول: أثر إعمال الثاني قال ابن الحاجب: " فإن أعملت الثاني، أضمرت الفاعل في الاول على وفق ". " الظاهر، دون الحذف خلافا للكساني، وجاز، خلافا ". " للفراء، مثل ضربني وضربت زيدا، وحذفت المفعول إن " " استغنيت عنه وإلا أظهرت ". قال الرضى: هذا بيان أنه إذا أعملت الثاني على ما هو اختيار البصريين فكيف يكون حال الاول، فقال: الاول، إذن، إما أن يطلب المتنازع للفاعلية أو للمفعولية، فإن كان الاول، نحو: ضربني وأكرمت زيدا. فالبصريون يضمرون في الاول فاعلا مطابقا للاسم المتنازع، في الافراد والثنية والجمع والتذكير والتأنيث، فتقول: ضربني وأكرمت زيدا. ضرباني وأكرمت الزيدين، ضربوني وأكرمت الزيدين، ضربتني وأكرمت هندا، ضربتاني وأكرمت الهندين، ضربنني وأكرمت الهندات. والكسائي يحذف الفاعل من الاول حذرا من الاضمار قبل الذكر، كما ذكرنا
[ 206 ]
قبل، فحاله كما قيل: 47 - فكنت كالساعي إلى مثعب * موائلا من سبل الراعد (1) وذلك لان حذف الفاعل أشنع من الاضمار قبل الذكر، لانه قد جاء يعده ما يفسره في الجملة، وإن لم يجئ لمحض التفسير، كما جاء في نحو ربه رجلا. فهو يقول: ضربني وأكرمت زيدا أو الزيدين أو الزيدين أو هندا أو الهندين أو الهندات. ونقل المصنف عن الفراء منع هذه المسألة أي إعمال الثاني إذا طلب الاول للفاعلية (2)،
وقال إنه يوجب إعمال الاول في مثل هذا، والنقل الصحيح عن الفراء في مثل هذا أن الثاني إن طلب أيضا للفاعلية نحو: ضرب وأكرم زيد جاز أن تعمل العاملين في المتنازع، فيكون الاسم الواحد فاعلا للفعلين. لكن اجتماع المؤثرين التامين على أثر واحد مدلول على فساده في الاصول. وهم يجرون عوامل النحو كالمؤثرات الحقيقية، قال: وجاز أن تأتي بفاعل الاول ضميرا بعد المتنازع، نحو ضربني وأكرمني زيد هو، جئت بالمنفصل لتعذر المتصل بلزوم الاضمار قبل اللذكر. وإن طلب الثاني للمفعولية مع طلب الفعل الاول له الاجل الفاعلية. نحو ضربني وأكرمت زيدا هو، تعين عنده الاتيان بالضمير بعد المتنازع كما رأيت، كل هذا حذرا مما لزم البصريين والكسائي من الاضمار قبل الذكر، أو حذف الفاعل. قوله: " وحذفت المفعول إن استغنيت عنه وإلا أظهرت ". يعني إذا أعملت الثاني
(1) ليس هذا شاهدا على قاعدة وإنما هو تمثيل لحال الكسائي حيث فر من الاضمار قبل الذكر فحذف الفاعل. فهو كقولهم وقع فيما فر منه لانه هرب من محظور فوقع في محظور أشد. والمثعب مسيل الماء في الوادي. وسبل الراعد يريد به المطر. والساعي اللاجئ والذاهب والموائل الذي يتخذ موئلا أي ملجا، والبيت من شعر سعيد بن حسان كما قال العيني. وقبله: قررت من معن وافلاسه * إلى اليزيدي أبي واقد ومعن هو ابن زائدة الجواد المشهور. واليزيدي أحد أبناء يزيد بن عبد الملك ويقصد أن كلا منهما لكرمه وكثرة انفاقه قد أفلس. (2) جرى الرضى على هذا الاستعمال كثيرا وهو تعدية طلب باللام. (*)
[ 207 ]
وطلب الاول للمفعولية فالواجب حذف المفعول. وافق البصريون ههنا الكسائي في حذف المفعول بخلاف الفاعل، لان الحذف هناك أيضا، كان الوجه، للزوم الاضمار قبل الذكر إلا أنه تعذر، لان الفاعل لا يحذف، وفي المفعول: هذا المانع مرتفع لانه فضلة يحذف في السعة، فكيف مع مثل هذا المحوج، أي الاضمار قبل الذكر، قوله:
" إن استغنيت عنه " في مثل ضربت وأكرمني زيد، لا تقول: ضربته وأكرمني زيد. وقال المالكي (1): يجوز ذلك على قلة. قوله: " والا أظهرت " يعني إن لم تستغن عن المفعول أظهرت، وذلك لكونه أحد مفعولي باب " عملت " مع ذكر الاخر، فإنه لا يجوز حذفه على ما هو المشهور عندهم، وذلك لكون مضمون الفعلين هو المفعول الحقيقي، لان المعلوم في قولك علمت زيدا قائما: مصدر المفعول الثاني مضافا إلى الاول، أي علمت قيام زيد، بخلاف مفعولي " أعطيت " فإن كل واحد منهما مفعول به، إذ زيد في قولك أعطيت زيدا درهما: معطي، وكذا الدرهم، ولا يجوز، أيضا إضماره لكونه إضمارا قبل الذكر في المفعول لا في الفاعل، فلم يبق بعد تعذر الحذف والاضمار، إلا الاظهار. واعترض على هذا بأنه يجوز في السعة وإن كان قليلا، حذف أحد مفعولي باب علمت عند قيام القرينة، لان كل واحد منهما في الظاهر منصوب برأسه، ظاهر في المفعولية، كمفعولي أعطيت. وقد جاء ذلك في القرآن والشعر، قال الله تعالى: " ولا يحسبن الذين يبخلون بما
(1) نقل الرضى في هذا الشرح في مواضع كثيرة عن الامام جمال الدين بن مالك النحوي المعروف صاحب الالفية والتسهيل.. وسماه كثيرا باسم المشهور: ابن مالك: وجاءت بعض نقوله منسوبة إلى المالكي، كما هنا. ولم أجد من اسمه المالكي من النحويين ممن سبقوا الرضى أو عاصروه وقد رجحت أنه يقصد بقوله المالكي: ابن المالك أيضا. إذ أن بعض ما نقله منسوبا إلى المالكي معروف أنه من آراء ابن مالك. وفي هذا الموضع بالذات وجدت هذا الراي منسوبا إلى ابن مالك في التسهيل وان كان في الالفية أوجب الحذف. انظر شرح الاشموني في باب التنازع. وليس عجيبا أن ينقل الرضى عن ابن مالك المعاصر له فقد نقل عن غيره من المعاصرين ومنهم منصور بن فلاح الذي عبر عنه بصاحب المغني انظر ص 92 من هذا الجزء، (*)
[ 208 ]
آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم " (1) أي بخلهم هو خيرا، فحذف أولهما، وقال:
48 - لا تخلنا على غرائك إنا * طالما قد وشى بنا الاعداء (2) أي لا تخلنا أذلاء، فحذف ثانيهما. سلمنا أنه امتنع الحذف، لم امتنع الاضمار، نحو حسبنيه وحسبت زيدا قائما. قوله: " لكونه إضمارا قبل الذكر في المفعول "، قلنا: ان جاز الحذف في هذا المفعول فاحذف وإن لم يجز فهو كالفاعل، فيجز فيه أيضا، الاضمار قبل الذكر، لمشاركته الفاعل في علة جواز الاضمار قبل الذكر، وهي امتناع حذفه، سلمنا أنه يمتنع الاضمار قبل الذكر في مطلق المفعول، لم لا يجوز إضماره بعد الذكر، كما هو مذهب الفراء في: ضربني وأكرمت زيدا هو، فنقول ههنا: حسبني وحسبت زيدا قائما إياه، كما ذكر السيرافي، هذا، والحق أن يقال في هذا الاخير: إن الفصل بين المبتدأ والخبر بالاجنبي قبيح، ولا سيما إذا صارا في تقدير اسم مفرد بسبب كون مضمونهما مفعولا حقيقيا، لعلمت وبابه.
(1) الاية 180 من سورة آل عمران. (2) هذا البيت من معلقة الحارث بن حلزة اليشكري التي أولها آذنتنا ببينها أسماء * رب ثاو يمل منه الثواء والخطاب في قوله لا تخلنا. للواشي الذي يقصده في البيت السابق على هذا يقوله: أيها الناطق المرقش عنا * عند عمرو وهل لذاك انتهاء والمعنى كما قال الشارح لا تخلنا اذلاء وغرائك بمعنى اغرائك أي اغرائك الملك بنا. وبعده: فبقينا على الشماتة تنمي * نا جدود وعزة قعساء. (*)
[ 209 ]
إعمال الاول وما يترتب عليه قال ابن الحاجب:
" وإن أعملت الاول أضمرت الفاعل في الثاني، والمفعول " " على المختار، إلا أن يمنع مانع فتظهر ". قال الرضى: هذا بيان أنه إذا أعملت الاول على ما هو المختار عند الكوفيين فكيف يكون حال الثاني، فقال: لا يخلو إما أن يطلبه للفاعلية أو للمفعولية، فتقول في الاول: ضربت وضربني زيدا، وضربت وضرباني الزيدين، وضربت وضربوني الزيدين، وضربت وضربتني هندا، وضربت وضربتاني الهندين، وضربت وضربنني الهندات، تضمر الفاعل في الثاني على وفق الظاهر بلا خلاف من أحد، لانه ليس إضمارا قبل الذكر، لكون المتنازع من حيث كونه معمولا للاول مقدما على العامل الثاني تقديرا، وإن كان مؤخرا لفظا. قوله: " والمفعول على المختار " أي وأضمرت المفعول أيضا في الثاني كالفاعل على الوجه المختار، فيكون ضميرا بارزا، ولا تحذفه، نحو ضربني وضربته زيد، ويجوز حذفه أيضا لكونه فضلة، أما اختيار الاضمار فلان الثاني أقرب الطالبين، فالاولى، إذا لم يحظ بمطلوبة مع الامكان أن يشغل بما يقوم مقام المطلوب ويخلفه. حتى يترك ذلك المطلوب للابعد الذي حقه ألا يعمل مع وجود الاقرب، وحتى لا يظن بسبب عدم تأثيره فيه مع القرب أنه ليس مطلوبه وأنه موجه إلى غيره. فلما اتفق البصريون والكوفيون في مثل هذه المسالة، أعني عند إعمال الاول وطلب
[ 210 ]
الثاني للمفعول: على أن المختار أضمار المفعول في الثاني، كان خلو الثاني عن الضمير في قوله تعالى: " هاؤم اقرؤوا كتابيه " (1)، وقوله تعالى " آتوني أفرغ عليه قطرا " (2)، دليلا للبصريين على أن المختار إعمال الثاني، وإلا كان أفصح الكلام أي القرآن، على غير المختار، أي على حذف المفعول من الثاني عند إعمال الاول.
قوله: " إلا أن يمنع مانع فتظهر "، على المختار، وذلك إذا كان ذلك المفعول أحد مفعولي باب علمت ويلزم من إضماره مطابقا للمعود إليه مخالفة بينه وبين المفعول الاول في الافراد أو التثنية أو الجمع، أو التذكير أو التأنيث، نحو: حسبني وحسبتهما منطلقين الزيدان منطلقا. قال المصنف، لم يجز حذف منطلقين، لكونه ثاني مفعولي حسبت، ولا أضماره لانك لو أضمرته مثني ليطابق المفعول الاول، إذ هما مبتدا وخبر في الاصل وتطابقهما في الافراد والتثنية والجمع والتذكير والتانيث واجب، لخالف المعود إليه، وهو منطلقا، ولو أضمرته مفردا ليطابق المرجوع إليه لخالف المفعول الاول، فلما امتنع الحذف والاضمار، وجب إظهاره. هذا كلامه، والكلام على عدم جواز حذف أحد مفعولي حسبت، قد سبق، ولو سلم له لم يسلم وجوب المطابقة بين الضمير والمعود إليه، إذا لم تلبس المخالفة بينهما، قال تعالى: " وإن كانت واحدة " (3) وقبله: " فإن كن نساء " (3)، والضمير للاولاد. فالاضمار قد ياتي على المعنى المقصود، فيجوز: حسبني وحسبتهما إياهما الزيدان منطلقا، وان كان المعود إليه مفردا. مراعاة للمسند إليه وكذا نقول: حسبت وحسباني اياه الزيدين قائمين، وحسبت وحسبتني اياه هندا قائمة، وحسبتني وحسبتها إياها هند قائما. وفي كل هذا، القبح حاصل لفصل الاجنبي بين العامل والمعمول، وفي بعضها بين المبتدا والخبر في الاصل.
(1) الاية 19 من سورة الحاقة (2) الاية 96 من سورة الكهف. (3) الاية 11 من سورة النساء. (*)
[ 211 ]
صورة ليست من التنازع ورد على استدلال
قال ابن الحاجب: " وقول امرئ القيس: كفاني ولم أطلب قليل من المال (1)، ليس منه " " لفساد المعنى ". قال الرضى: هذا جواب عن استدلال الكوفية بهذا البيت في كون إعمال الاول هو المختار، وذلك أنهم قالوا: الشاعر فصيح، وقد أعمل الاول بلا ضرورة، إذ لو أعمل الثاني لم ينكسر عليه الوزن، ولا غيره، وأيضا لو أعمل الثاني لم يلزمه محذور، إذ كان يكون الفاعل مضمرا في " كفاني "، فاختار إعمال الاول مع أنه لزمه شئ غير مختار بالاتفاق، وهو حذف المفعول من الثاني، كما مر، وفيه دليل على أن إعمال الاول مختار عند الفصحاء، إذ العاقل لا يختار أحد الامرين مع لزوم مشقة ومكروه له في ذلك الامر دون الامر الاخر، إلا لزيادة ذلك الذي اختاره في الحسن على الاخر.
(1) ياتي تمام البيت في الشرح وهو من قصيدة امرئ القيس بن حجر صاحب المعلقة والقصيدة التي منها الشاهد تقدم بعضها شاهدا في ص 47 من هذا الجزء. وشرح الرضى هذا البيت شرحا لا مجال للزيادة عليه. (*)
[ 212 ]
أجاب البصرية بان هذا الاستدلال إنما يصح إذا كان هذا البيت من باب التنازع، وليس منه لفساد المعنى. وبيانه مبني على مقدمة، وهي أن " لو " تنفي شرطها وجزاءها (1) سواء كانا مثبتين أو منفيين، فإن كانا مثبتين وجب انتفاؤهما، نحو لو كان لي مال لحججت، فالحج ووجود المال منفيان، وإن كانا منفيين، وجب ثبوتهما لان نفي النفي إثبات، نحو لو لم تزرني لم أكرمك، فالزيارة والاكرام مثبتان، وإن كان أحدهما مثبتا دون الاخر، وجب ثبوب المنفي وانتفاء المثبت، نحو: لو لم تشتمني أكرمتك، ولو شتمتني لم أكرمك. رجعنا إلى بيان فساد معنى البيت لو كان من باب التنازع، فنقول:
أوله: 49 - فلو أن ما أسعى لادنى معيشة... وقوله: أن ما أسعى لادنى معيشة، شرط " لو "، أي لو ثبت أن سعيي لادني معيشة، فيكون المعنى: لم يثبت أن سعيي لادنى معيشة، أي: أن طلبي: لقليل من المال، وقوله: كفاني، جزاء " لو " وقوله: لم أطلب قليل من المال عطف عليه، فيكون حكمه حكم الجواب، فيكون عدم طلب قليل من المال منفيا، أي ثبت أن طلبي: لقليل من المال، وهو إثبات لما نفاه بعينه في المصراع الاول، فيكون تناقضا فيفسد المعنى. فإن قال الكوفي: إن التناقض إنما جاء لجعلك الواو في: ولم أطلب للعطف، ونحن نقول إن الواو للحال. فالجواب: انك تكون إذن، مستشهدا بما يحتمل العطف الراجح، والحال المرجوح، إذ واو العطف اكثر من واو الحال، والاستشهاد ينبغي أن يكون بالراجح، أو بما هو
(1) هذا المشهور عند النجاة ويسمونها حرف امتناع لامنتاع. وقد ناقش ابن هشام في المغني هذا القول ورد عليه وقال إنه لا يستقيم في كثير من الامثلة. (*)
[ 213 ]
نص في المقصود، لا بما يحتمله وغيره على السواء، فكيف إذا كان غير المقصود راجحا والمقصود مرجوحا. فإن قلت: فالام توجه قوله: ولم أطلب إذا لم يكن موجها إلى قليل ؟ قلنا: قيل إلى المجد المحذوف المدلول عليه بقوله بعد: ولكنما أسعى لمجد مؤثل * وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي والمعنى: لو كان سعيي لتحصيل أقل ما يعاش به، لكنت أكتفي بذلك لانه قد حصل لي ذلك، ولم أكن أطلب المجد. والاظهر أن مفعول: لم أطلب محذوف نسيا، كما في قوله تعالى: " يقبض ويبسط " (1)،
أي له القبض والبسط، وكذا ههنا: معنى البيت: لو كان سعيي لقليل من المال لمنعني ما وجدته منه عن السعي، ولم يكن مني طلب، مع ذلك الوجدان، بل كنت أستقر، وأطمئن، ولكني أسعى لتحصيل مجد مؤثل أي مؤصل مدخر لنفسي ولعقبي، يرجع إليه عند التفاخر. واعلم أنه قد يتنازع الفعلان المتعديان إلى ثلاثة، خلافا للجرمي، نحو أعلمت وأعلمني زيد عمرا قائما، على إعمال الثاني وحذف مفاعيل الاول، وأعلمني، وأعلمته إياه زيد عمرا قائما على إعمال الاول وإضمار مفاعيل الثاني، والاولى أن يقال: وأعلمته ذلك، قصدا للاختصار، إذ مفعول " علمت " في الحقيقة، كما ذكرنا، هو مضمون المفعولين، فيكون " ذلك " إشارة إليه، وإنما منعه الجرمي لعدم السماع. وكذا: يتنازع فعلا تعجب، خلافا لبعضهم، نظرا إلى قلة تصرف فعل التعجب، تقول: ما أحسن، وما أكرم زيدا، على إعمال الثاني وحذف مفعول الاول، وما أحسن وما أكرمه زيدا، على أعمال الاول (2).
(1) الاية 245 من سورة البقرة. (2) يعني مع اضمار المفعول في الثاني من فعلى التعجب. (*)
[ 215 ]
نائب الفاعل الاشياء التي تنوب عن الفاعل قال ابن الحاجب: " مفعول ما لم يسم فاعله: كل مفعول حذف فاعله وأقيم هو " " مقامه، وشرطه أن تغير صيغة الفعل إلى فعل ويفعل ولا يقع " " المفعول الثاني من باب علمت، ولا الثالث من باب أعلمت، " " والمفعول له والمفعول معه كذلك، وإذا وجد المفعول به تعين " " له. تقول: ضرب زيد، يوم الجمعة أمام الامير ضربا شديدا " " في داره، فتعين زيد، فإن لم يكن فالجميع سواء، والاول من "
" باب أعطيت أولى من الثاني ". قال الرضى: قولهم: مفعول ما لم يسم فاعله، أي مفعول الفعل الذي لم يسم فاعله، وقولهم: فعل ما لم يسم فاعله، أي فعل المفعول الذي يسم فاعله، أضيف الفعل إلى المفعول لانه صيغ له.
[ 216 ]
قوله: " الى فعل ويفعل " أي إلى فعل ويفعل ونظائرهما مما يضم أوله في الماضي ويكسر ما قبل آخره، حتى يعم نحو: أفعل، وافتعل، واستفعل، وفعل، وفوعل، وفعلل، وتفعلل، وأمثالها، ويضم أوله ويفتح ما قبل آخره في المضارع حتى يعم يفتعل، ويستفعل ويفعلل وأمثالها، لكنه اقتصر على الثلاثي لكونه أصلا للرباعي وذي الزيادة. قوله: " ولا يقع المفعول الثاني من باب علمت ولا الثالث من باب أعلمت "، اعلم أن الثالث من باب أعلمت هو الثاني من باب علمت، كما يجئ في بابه، والذي زاد بسبب الهمزة هو المفعول الاول، إذ معنى أعلمت زيدا عمرا فاضلا: صيرت زيدا يعلم عمرا فاضلا، والثاني والثالث مفعولا " علمت " فكل ما ثبت للمفعول الثاني من باب " علمت "، يثبت لثالث مفاعيل " أعلمت " فنقول: إذا كان ثاني مفعولي علمت ظرفا غير متصرف، أو جارا ومجرورا، أو جملة، نحو: علمت زيدا عندك، أو أبوه منطلق أو في الدار، لم يقم مقام الفاعل، إذ معنى الظرف الذي لا يتصرف، لزوم نصبه على الظرفية أو انجراره بمن، نحو: من قبلك، والجار لا ينوب مع المفعول به الصريح كما يجئ. والجملة، كما لا تقع فاعلا: لا تقع موقعه أيضا. بلى، إذا كانت محكية جاز قيامها مقامه، لكونها بمعنى المفرد، أي اللفظ، نحو قوله تعالى: " وقيل يا أرض ابلعي ماءك " (1) أي قيل هذا القول وهذا اللفظ، وكذا قد تجئ الجملة في مقام الفاعل، ومفعول ما لم يسم فاعله وهي في الحقيقة مؤولة بالاسم
الذي تضمنته، كقوله تعالى: " وتبين لكم كيف فعلنا بهم " (2)، وقوله تعالى: " أولم يهدلهم كم أهلكنا " (3). أي تبين لكم فعلنا بهم، وألم يهدلهم اهلاكنا، فيصح نحو: بين لكم كيف فعلنا: وما أجازه الكسائي، والفراء من قيام الجملة التي هي خبر لكان وجعل، مقام
(1) الاية 44 من سورة هود. (2) الاية 45 من سورة إبراهيم. (3) الاية 26 من سورة السجدة. (*)
[ 217 ]
الفاعل، نحو: كين يقام، وجعل يفعل، فبعيد لوجهين: أحدهما: أن هذين الفعلين من عوامل المبتدا والخبر، وما حذف في هذا الباب فليس بمنوي، ولا يحذف المبتدا إلا مع كونه منويا، فلا ينوب على هذا، خبر كان المفرد، أيضا، عن الفاعل نحو: كين قائم، وقد أجازه الفراء دون الكسائي. والثاني: أن الجملة لا تقوم مقام الفاعل إلا محكية، أو مؤولة بالصدر المضمون، ولا معنى لكين القيام. والمتقدمون منعوا من قيام ثاني مفعولي " علمت " مطلقا مقام الفاعل، قالوا: لانه مسند أسند إلى المفعول الاول، فلو قام مقام الفاعل والفاعل مسند إليه، صار في حالة واحدة مسندا ومسندا إليه فلا يجوز. وفيما قالوا نظر، لان كون الشئ مسندا إلى شئ ومسندا إليه شئ آخر في حالة واحدة، لا يضر، كما في قولنا: أعجبني ضرب زيد عمرا، فاعجبني مسند إلى ضرب، وضرب مسند إلى زيد، ولو كان لفظ مسندا إلى شئ، أسند أي ذلك الشئ إلى ذلك اللفظ بعينه لم يجز، وهذا كما يكون الشئ مضافا، ومضافا إليه بالنسبة إلى شيئين، كغلام في قولك: فرس غلام زيد. وأما المتأخرون فقالوا: يجوز نيابته عن الفاعل إذا لم يلتبس، كما إذا كان نكرة،
وأول المفعولين معرفة نحو: ظن زيدا قائم، لان التنكير يرشد إلى أنه هو الخبر في الاصل. والذي أرى، أنه يجوز قياسا نيابته عن الفاعل، معرفة كان أو نكرة، واللبس مرتفع مع إلزام كل من المفعولين مركزة، وذلك بان يكون ما كان خبرا في الاصل بعدما كان مبتدا (1)، فلا يجوز في نحو: علمت زيدا أباك، مع اللبس تقديم الثاني على الاول، وهذا كما قلنا في نحو: ضرب موسى عيسى، وكذا في نحو: أعلمتك زيدا أباك، فإذا لزم كل واحد مركزه لم يلتس إذا قام مقام الفاعل وهو في مكانه.
(1) أي واقعا بعد ما كان مبتدا. (*)
[ 218 ]
وليس معنى قيام المفعول مقام الفاعل أن يلي الفعل بلا فصل، بل معناه أن يرتفع بالفعل إرتفاع الفاعل، فتقول: علم زيدا أبوك، والمرفوع ثاني المفعولين، وأعلمك زيدا أبوك، والمرفوع ثالث المفاعيل، وكذا يجب حفظ المراتب في باب " أعطيت " إذا ألبست مخالفته، نحو: أعطيت زيدا أخاك، فإن لم تلبس لقرينة جاز العدول، كقوله تعالى: " أفرايت من اتخذ إلهه هواه " (1). هذا الذي قلنا من حيث القياس، ولا شك أن السماع لم يات إلا بقيام أول مفعولي علمت، لكون مرتبته بعد الفاعل بلا فصل، والجار أحق بصقبه. وكذا: لم يسمع إلا قيام أول مفاعيل " أعلمت " كقوله: 50 - نبتت عمرا غير شاكر نعمتي * والكفر مخبثة لنفس المنعم (2) لانه في الحقيقة: فاعل " علم "، إذ معنى: أعلم زيد عمرا منطلقا، علم زيد عمرا منطلقا. وقيام ثاني مفاعيل " أعلمت " مقام الفاعل أولى من حيث القياس. من قيام ثالثها، كما كان قيام أول مفعولي " علمت " أولى، فتقول: أعلمك زيدا أباك، ولا يلبس
مع لزوم كل مركزه. قوله: " والمفعول له والمفعول معه كذلك "، إنما لا يقومان مقام الفاعل، لان النائب منابه ينبغي أن يكون مثله في كونه من ضروريات الفعل من حيث المعنى، وإن جاز ألا يذكر لفظا، كما أن الفاعل من ضروريات الفعل، ولا شك أن الفعل لا بد له
(1) الاية 23 من سورة الجاثية. (2) من معلقة عنترة بن شداد العبسي. والكفر: انكار النعمة وجحدها. ومعنى أنه مخبثة لنفس المنعم أنه سبب لتغير نفس المنعم. والشطر الثاني يجري مجرى المثل. (*)
[ 219 ]
من مصدر، إذ هو جزؤه، وكذا لا بد له من زمان ومكان يقع فيهما، ولا بد للمتعدي من مفعول يقع عليه، وكذا المجرور مفعول به لكن بواسطة حرف الجر، ولهذا كان كل مجرور ليس من ضروريات الفعل لم يقم مقام الفاعل، كالمجرور بلام التعليل، نحو: جئتك للسمن، فلا يقال: جئ للسمن، إذ رب فعل بلا غرض، لكونه عبثا، فمن ثم لم يقم المفعول له مقام الفاعل، وإنما لم يقم المفعول معه مقامه، إذ هو مصاحب، ورب فعل يفعل بلا مصاحب، مع أن معه الواو التي أصلها العطف وهي دليل الانفصال، والفاعل كجزء الفعل، ولو حذفتها لم يعرف كونه مفعولا معه،. وكذا التمييز، والمستثنى ليسا من ضرورياته، وأجاز الكسائي نيابة التمييز، لكونه في الاصل فاعلا، فقال في: طاب زيد نفسا: طيبت نفس زيد، وأما الحال فإنها، وإن كانت من ضروريات الفعل، لكن قلة مجيئها في الكلام منعتها من النيابة عن الفاعل الذي لا بد لكل فعل منه. قوله: " وإذا وجد المفعول به تعين له، " أي للقيام مقام الفاعل، وذلك لكون طلب الفعل للمفعول به بعد الفاعل أشد منه لسائر المنصوبات. هذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون، ووافقهم بعض المتأخرين فذهبوا إلى أن
قيام المفعول به المجرور مقام الفاعل أولى، لا أنه واجب، استدلالا بالقراءة الشاذة: " لولا نزل عليه القران " (1)، بالنصب، ويقول الشاعر: 51 - ولو ولدت قفيرة جرو كلب * لسب بذلك الجرو الكلابا (2) وامثاله،
(1) الاية 32 من سورة الفرقان. (2) قفيرة بصيغة التصغير اسم أم الفرزدق. والبيت من قصيدة جرير التي أولها: اقلي اللوم عاذل والعتابا * وقولي ان اصبت لقد أصابا وهي في هجاء الفرزدق وتقدم هذا المطلع شاهدا في هذا الجزء. (*)
[ 220 ]
ومنع الجزولي نيابة المنصوب لسقوط الجار مع وجود المفعول به المنصوب من غير حذف الجار كما في: 52 - أمرتك الخير فافعل ما أمرت به * فقد تركتك ذا مال وذا نشب (1) والوجه الجواز، لالتحاقه بالمفعول به الصريح. والاخفش أجاز نيابة الظرف والمصدر مع وجود المفعول به بشرط تقدمهما على المفعول به ووصفهما، والشرط في المفعول المطلق القائم مقام الفاعل أن يكون ملفوظا به. وقد أجاز سيبويه إضمار المصدر المعهود، فيقال لمن ينتظر العقود: قد قعد، أو الخروج: قد خرج، بناء على قرينة التوقع أي قعد القعود المتوقع. ويجوز نيابة المصدر المدلول عليه بغير لفظ العامل إذا كان المصدر مفعولا به نحو قولك: قمت فاستحسن، أي استحسن قيامي. ويشترط في المفعول المطلق، أيضا، ألا يكون لمجرد التوكيد إذ النائب عن الفاعل يجب أن يكون مثله في إفادة ما لم يفده الفعل حتى يتبين احتياج الفعل إليه، ليصيرا
معا كلاما، فلو قلت: ضرب ضرب لم يجز، لان " ضرب " مستغن بدلالته على " ضرب " عن قولك: ضرب، بل يقال: ضرب ضربة أو: الضرب الفلاني، ولذلك قال المصنف ضربا شديدا، وكذا يشترط الفائدة المتجددة في كل ما ينوب عن الفاعل، فلا يقال: ضرب شئ، ولا: جلس مكان أو زمان أو في موضع، لان هذه الاشياء معلومة من الفعل، ولا فائدة متجددة في ذكرها.
(1) هذا بيت ورد في شعر شاعرين أحدهما أعشى طرود. ولم يعرف من اسمه إلا هذا والاخر مختلف في اسمه، وكلا الشعرين يذكر نصيحة تلقاها الشاعر من أبيه أو غيره والبيت بروايتيه في خزانة الادب: الشاهد رقم 52. (*)
[ 221 ]
ويشترط في الظرف النائب أن يكون متصرفا ملفوظا به، وقد أجاز بعضهم في غير المتصرف نحو: قعد عندك، وليس بوجه، وأجاز بعضهم في غير الملفوظ به مع القرينة، نحو: أنت في دار ضرب، أي ضرب فيها. وقوله تعالى: " كل أولئك كان عنه مسئولا " (1): عنه مرفوع المحل، بمسئولا المقدر المفسر بمسئولا الظاهر، كما في قوله تعالى، " وان أحد من المشركين استجارك " (2)، لكن ليس في " مسئولا " المفسر ضمير كما كان في: استجارك المفسر، وذلك لاصالة الفعل في رفع المسند إليه، فلا يجوز خلوه منه، بخلاف اسمي الفاعل والمفعول. والاكثرون على أنه إذا فقد المفعول به تساوت البواقي، في النيابة ولم يفضل بعضها بعضا، ورجح بعضهم الجار والمجرور منها، لانها مفعول به لكن بواسطة حرف، ورجح بعضهم الظرفين (3) والمصدر لانها مفاعيل بلا واسطة، وبعضهم المفعول المطلق لان دلالة الفعل عليه أكثر. والاولى أن يقال: كل ما كان أدخل في عناية المتكلم واهتمامه بذكره وتخصيص الفعل به فهو أولى بالنيابة، وذلك أذن (4) اختياره.
قوله: " من باب أعطيت " أي مما له مفعولان أولهما ليس بمبتدأ، وإنما كان اولى، لان فيه معنى الفاعلية، دون الثاني، ففي أعطيت زيدا درهما، زيد عاط، أي آخذ، والدرهم معطو، وفي كسوت عمرا جبة: عمرو مكتس، والجبة مكتساة، وكذا في غيره.
(1) الاية 36 من سورة الاسراء. (2) الاية 6 من سورة التوبة وتقدمت. (3) أي ظرف الزمان وظرف المكان. (4) إذن بكسر الهمزة وسكون الذال أي أنه في هذه الحالة يكون الاهتمام بذكره وعناية المتكلم به مرجحا لاختياره وعلامة على جعله نائبا عن الفاعل. (*)
[ 223 ]
المبتدأ والخبر تعريف كل منهما وصور الخبر قال ابن الحاجب: " ومنها المبتدأ والخبر، فالمبتدأ هو الاسم المجرد عن العوامل " " اللفظية مسندا إليه، أو الصفة الواقعة بعد حرف النفي وألف " الاستفهام رافعة لظاهر، مثل زيد قائم، وما قائم الزيدان " " وأقائم الزيدان فإن طابقت مفردا جاز الامران، والخبر هو " " المجرد. المسند المغاير للصفة المذكورة ". قال الرضي: اعلم أن المبتدأ اسم مشترك بين ماهيتين، فلا يمكن جمعهما في حد، لان الحد مبين للماهية بجميع أجزائها، فإذا اختلف الشيئان في الماهية لم يجتمعا في حد، فأفرد المصنف لكل منهما حدا، وقدم منهما ما هو الاكثر في كلامهم.
[ 224 ]
وفسر الزمخشري والمصنف، العوامل اللفظية في حد المبتدأ، بنواسخ المبتدأ وهي: كان، وإن، وظن، وأخواتها، وما، ولا، والاولى أن نطلق ولا نخص عاملا دون عامل صونا للحد عن اللفظ المجمل، ونجيب عن قولهم: بحسبك زيد، وما في الدار من أحد. بزيادة الباء ومن، فكأنهما معدومان وعن قولهم. في نحو: إن زيدا منطلق وعمرو، ان " عمرو " معطوف على محل اسم ان، لكونه مرفوع المحل بالابتداء، أو بجواب قريب من الاول (1)، وذلك أن لفظة " إن " لعدم تغييرها معنى الجملة صارت كالحروف الزائدة التي لا فائدة فيها إلا التأكيد. لكنه يشكل بقولهم: لا رجل ظريف في الدار، حملا لرفع هذه الصفة على محل الاسم الذي هو المبتدأ، ان اخترنا مذهب الاخفش والمبرد، وهو أن " لا " هذه عاملة وخبرها مرفوع بها واسمها منصوب المحل. ووجه الاشكال هو أن " لا " ليس زائدا ولا جاريا مجرى الزائد، فاسمها، إذن، ليس بمجرد عن العامل اللفظي، وهو مبتدأ، وإلا لم يجز الحمل على موضعه بالرفع. ولا يشكل إن اخترنا مذهب سيبويه، وهو أن " لا " هذه ليست بعاملة والخبر مرفوع لكونه خبر المبتدأ. فإن قيل: نحن لا نحمل الصفة المرفوعة على اسمها وحده، بل على محل المركب الذي هو " لا " مع اسمها، وهذا المركب مجرد عن العوامل. فالجواب أنه قد خرج، إذن، هذا المركب عن حد المبتدأ بقولهم هو الاسم المجرد، وليس هذا المركب باسم، بل هو حرف مع اسم، إلا أن يقال: إنه بالتركيب صار كاسم واحد، لكن الاعتراض وارد على كل حال على مذهب من أجاز رفع صفة " لا " التبرئة، إذا كان مضافا، نحو: لا غلام رجل ظريف في الدار، لانه لا يصح فيه
(1) أي القول بزيادة الباء في بحسبك زيد. وزيادة " من " في: ما في الدار من أحد. (*)
[ 225 ]
فيه دعوى التركيب وصيرورتهما كاسم واحد. قوله: " الاسم المجرد "، لا يرد عليه نحو، تسمع بالمعيدي لا أن تراه، وقوله تعالى: " سواء عليهم أأنذرتهم " (1)، عند من قال: أأنذرتهم مبتدأ، لتأويلهما بالاسم، أي سماعك بالمعيدي، وسواء عليهم إنذارك وتركه. ولو قال: المبتدأ: الاسم المسند إليه، لدخل فيه الفاعل، ولو اقتصر على قوله: الاسم المجرد عن العوامل اللفظية، لدخل فيه الاسماء التي لا تركب مع عاملها، نحو: واحد، إثنان، والخبر، والمبتدأ الثاني، فبقوله مسندا إليه خرجت الثلاثة. قوله: " أو الصفة الواقعة.. إلى آخره " هذا هو حد المبتدأ الثاني (2). والنحاة تكلفوا إدخال هذا، أيضا، في حد المبتدأ الاول، فقالوا إن خبره محذوف لسد فاعله مسد الخبر، وليس بشئ، بل لم يكن لهذا المبتدأ أصلا من خبر، حتى يحذف ويسد غيره مسده، ولو تكلفت له تقدير خبر لم يتأت، إذ هو في المعنى كالفعل، والفعل لا خبر له، فمن ثم، تم بفاعله كلاما من بين جميع اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة، ولهذا أيضا، لا يصغر ولا يوصف ولا يعرف ولا يثنى ولا يجمع إلا على لغة أكلوني البراغيث. ويعني بالصفة: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، قوله: " رافعة لظاهر "، احتراز عن نحو: أقائمان الزيدان، و: أقائمون الزيدون، فإنه خبر، ويريد بالظاهر ما كان بارزا غير مستكن، سواء كان مظهرا، نحو أقائم الزيدان، أو مضمرا كقولك بعد ذكر الزيدين: أقائم هما، فإن قولك " هما " فاعل مع كونه مضمرا،.
(1) الاية 6 من سورة البقرة. (2) يريد النوع الثاني من المبتدأ. وهو الوصف الرافع لفاعل يغني عن الخبر. وقد كرر هذا التعبير في هذا الباب مريدا به هذا النوع. (*)
[ 226 ]
قوله " بعد حرف النفي وألف الاستفهام "، وكذا بعد " هل " الاستفهامية، نحو: ما قائم الزيدان، وإن قائم الزيدان، وأقائم الزيدون، وهل حسن الزيدان. والاخفش، والكوفيون جوزوا رفع الصفة للظاهر على أنه فاعل لها من غير اعتماد على استفهام أو النفي، نحو: قائم الزيدان، كما يجيزون في نحو: في الدار زيد، أن يعمل الظرف بلا اعتماد، وأجري نحو: غير قائم الزيدان، مجرى: ما قائم الزيدان، لكونه بمعناه، قال: 53 - غير مأسوف على زمن * ينقضي بالهم والحزن (1) ومثل ذلك: أقل رجل يقول ذلك إلا زيد، عند أبي علي، كما يجئ في باب الاستثناء، وكذا قولهم: خطيئة يوم لا أصيد فيه، أي: قل رجل يقول ذلك، ويخطئ يوم لا أصيد فيه، أي يقل ويندر، فهذه كلها مبتدآت لا أخبار لها لما فيها من معنى الفعل. ولا تدخل نواسخ المبتدأ عليها لما فيها من معنى النفي فتلزم الصدر، و " رب " (2) عند أبي علي، مبتدأ لا خبر له. كأقل رجل لما فيه من معنى التقليل الذي هو قريب من النفي، كما يجئ في باب حروف الجر. ويجوز عند الاخفش والفراء: ان قائما الزيدان، وسوغ الكوفيون هذا الاستعمال في " ظن " أيضا، نحو: ظننت قائما الزيدان: وكلاهما بعيد عن القياس، لان الصفة لا تصير مع فاعلها جملة كالفعل إلا مع
(1) هذا من شعر أبي نواس: الحسن بن هانئ. وبعده: إنما يرجو الحياة فتى * عاش في أمن من المحن وأبو نواس من المحدثين الذين جاءوا بعد انقضاء عهد الاحتجاج بالشعر قال البغدادي: أورده على أنه مثال لا شاهد. وفي البيت أوجه أخرى من الاعراب. (2) يأتي في حروف الجر بيان المذاهب في أن رب اسم أو حرف. والرضى يميل إلى رأي الفارسي في أنها اسم. وسيأتي أنه يستشكل القول بحرفيتها وكذلك يستشكل القول باسميتها. (*)
[ 227 ]
دخول معنى يناسب الفعل عليها، كمعنى النفي والاستفهام، أو دخول ما لا بد من تقديرها فعلا بعده كاللام الموصولة، وأما إن وظن، فليسا من ذينك في ذينك في شئ، بل هما يطلبان الاسمية، فلا يصح تقديرها فعلا بعدهما. وأما العامل في المبتدأ، فقال البصريون: هو الابتداء، وفسروه بتجريد الاسم عن العوامل للاسناد إليه، ويكون معنى الابتداء في المبتدأ الثاني (1) تجريد الاسم عن العوامل لاسناده إلى شئ. واعترض بأن التجريد أمر عدمي فلا يؤثر وأجيب بأن العوامل في كلام العرب علامات في الحقيقة لا مؤثرات والعدم المخصوص أعني عدم الشئ المعين يصح أن يكون علامة لشئ لخصوصيته. وفسر الجزولي الابتداء بجعل الاسم في صدر الكلام لفظا تحقيقا. أو تقديرا للاسناد إليه أو لاسناده (2)، حتى يسلم من الاعتراض بأن التجريد أمر عدمي فلا يؤثر. ثم قال المتأخرون كالزمخشري والجزولي: هذا الابتداء هو العامل في الخبر أيضا، لطلبه لهما على السواء. ونقل الاندلسي عن سيبويه أن العامل في الخبر هو المبتدأ، ويحكي هذا عن أبي علي وأبي الفتح (3). وقال الكسائي والفراء: هما يترافعان، وقد قوينا هذا في حد العامل. وقال بعضهم: المبتدأ الاول يرتفع بإسناد الخبر إليه، كما قال خلف في ارتفاع الفاعل، وقال الكوفيون: المبتدأ الاول يرتفع بالضمير العائد من الخبر إليه، لاشتراطهم الضمير في الخبر الجامد أيضا، كما يجئ.
(1) أي النوع الثاني من نوعي المبتدأ كما تقدم. (2) ليشمل الوصف المكتفي بمرفوعه. (3) أي ابن جني وتقدم ذكره. (*)
[ 228 ]
قوله: " فإن طابقت مفردا جاز الامران "، أي إن كانت الصفة المذكورة مطابقة للمرفوع بعدها في الافراد، جاز الامران: كونها مبتدأ ما بعدها فاعلها، وكونها خبرا عما بعدها. فنقول: الصفة الواقعة بعد حرف الاستفهام وحرف النفي، إما أن تكون مفردة، أو، لا، فإن كانت مفردة فالمسند إليه بعدها إما مفرد، أو، لا. والمفردة المفرد ما بعدها تحتمل وجهين كما ذكرنا الان، (1) والمفردة التي ما بعدها ليس بمفرد مبتدأ لا غير، ما بعدها فاعلها، والتي ليست بمفردة فلا بد من مطابقة ما بعدها لها، نحو: أقائمان الزيدان، وأقائمون الزيدون، والاظهر أنها خبر عما بعدها وتحتمل أن تكون مبتدأ ما بعدها فاعلها على لغة " يتعاقبون فيكم ملائكة " (2). والعامل في المبتدأ الثاني: تجريده عن العوامل لاسناده إلى شئ آخر، وعلى ما اخترنا في حد العامل يترافع هو وفاعله كالمبتدأ الاول. وخبره لان كون كل واحد منهما عمدة يقوم بالاخر كالمبتدأ والخبر. قوله: " والخبر هو المجرد "، دخل فيه المبتدأ الاول والثاني. والاسماء المعدودة. قوله: " المسند " أخرج منه المبتدأ الاول والاسماء المعدودة. قوله: " المغاير للصفة المذكورة " أخرج منه المبتدأ الثاني.
(1) في أول التقسيم الذي بدأ به قبل سطرين، (2) النحاة يطلقون عل اللغة التي تجمع بين الفاعل الظاهر وعلامة التثنية أو الجمع في الفعل: لغة " أكلوني البراغيث " وتقدم الشارح بها. ويطلقون عليها أيضا لغة " يتعاقبون فيكم ملائكة " بناء على ما قيل إنه ورد في حديث: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار وقد رد المحققون هذا بأن المذكور في كلام النحاة جزء من الحديث. وهو بتمامه: إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم: ملائكة بالليل وملائكة بالنهار. وبهذا تكون: ملائكة بالليل: بدل مما قبلها، وما قبلها كلام تام. (*)
[ 229 ]
الاصل في المبتدأ التقديم قال ابن الحاجب: " وأصل المبتدأ التقديم، ومن ثم جاز: في داره ". " زيد، امتنع: صاحبها في الدار ". قال الرضى: إنما كان أصل المبتدأ التقديم، لانه محكوم عليه، ولا بد من وجوده قبل الحكم، فقصد في اللفظ أيضا، أن يكون ذكره قبل ذكر الحكم عليه. وأما تقديم الحكم في الجملة الفعلية، فلكونه عاملا في المحكوم عليه، ومرتبة العامل قبل المعمول. وإنما اعتبر هذا الامر اللفظي أعني العمل، وألغى الامر المعنوي أعنى تقدم المحكوم عليه على الحكم، لان العمل طارئ، والاعتبار بالطارئ دون المطروء عليه. وأما وجوب تقديم الحكم في نحو: أقائم الزيدان، مع أن كل واحد عامل في
[ 230 ]
الاخر على الصحيح (1)، فلكون الصفة فرعا على الفعل في العمل، وقيل إنما قدم الفعل في الفعلية لكون الفعل محتاجا إلى الاسم واستغناء الاسم عنه، فأرادوا في الجملة المركبة منهما تتميم الناقص بالكامل، وقصدوا أيضا الايذان من أول الامر أنها فعلية، فلو قدم الفاعل لم تتعين للفعلية من أول الامر، إذ (2) يمكن صيرورته كلاما باسم آخر. قوله: " ومن ثم " أي ومن جهة كون الاصل في المبتدأ التقديم جازت هذه المسألة، يعني إن قيل: لم جازت، وفيها إضمار قبل الذكر ؟ قلنا إن أصل المبتدأ التقديم، فالتقدير: زيد في داره، فالمعود إليه بعد الضمير لفظا وقبله تقديرا.
قوله: " وامتنع صاحبها في الدار " امتناع هذه أيضا معلل بكون أصل المبتدأ التقديم، فيكون الضمير في " صاحبها " راجعا إلى الدار المؤخر عن صاحبها، لفظا وأصلا فيكون ضميرا قبل الذكر فلا يجوز، ومن جوز ثمة، ضرب غلامه زيدا، ينبغي أن يجوز هذا، لان طلب المبتدأ لخبره كطلب الفعل للمفعول بل أشد. وكان ترتيب الكلام يقتضي أن يذكر المصنف ههنا، المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ، والمواضع التي يجب فيها تأخيره، ثم يذكر المواضع التي يصح فيها تنكير المبتدأ. مسوغات الابتداء بالنكرة قال ابن الحاجب: " وقد يكون المبتدأ نكرة، إذا تخصصت بوجه ما ".
(1) تقدمت الاشارة إلى أن الرضى يرجح أن المبتدأ والخبر يترافعان: وهنا يقصد أن الخبر رافع للمبتدأ الذي هو وصف معتمد على الاستفهام والوصف بحكم عمل الفعل رافع له. (2) أي قبل أن يذكر الفعل الذي فرضنا تأخيره عن الفاعل: يمكن حمل الكلام على أنه جملة اسمية بإضافة اسم آخر إلى ذلك الاسم الذي قدمناه. (*)
[ 231 ]
" مثل " ولعبد مؤمن خير من مشرك " (1)، و: أرجل في الدار " " أم امرأة، و: ما أحد خير منك، وشر أهر ذا ناب و: في " الدار رجل. و: سلام عليك ". قال الرضى: اعلم أن جمهور النحاة على أن يجب كون المبتدأ معرفة أو نكرة فيها تخصيص ما، قال المصنف، لانه محكوم عليه، والحكم على الشئ لا يكون إلا بعد معرفته، وهذه العلة تطرد في الفاعل مع أنهم لا يشترطون فيه التعريف ولا التخصيص، وأما قول المصنف إن الفاعل يختص بالحكم المتقدم عليه، فوهم، لانه إذا حصل تخصيصه بالحكم فقط
كان بغير الحكم غير مخصص، فتكون قد حكمت على الشئ قبل معرفته، وقد قال إن الحكم على الشئ لا يكون إلا بعد معرفته. وقال ابن الدهان (2)، وما أحسن ما قال، إذا حصلت الفائدة فأخبر عن أي نكرة شئت، وذلك لان الغرض من الكلام إفادة المخاطب فإذا حصلت، جاز الحكم، سواء تخصص المحكوم عليه بشئ أو، لا. فضابط تجويز الاخبار عن المبتدأ وعن الفاعل، سواء كانا معرفتين أو نكرتين مختصتين بوجه أو نكرتين غير مختصتين، شئ واحد وهو عدم علم المخاطب بحصول ذلك الحكم للمحكوم عليه، فلو علم في المعرفة ذلك، كما لو علم قيام زيد مثلا فقلت زيد قائم، عد لغوا، ولو لم يكن يعلم كون رجل ما من الرجال قائما في الدار، جاز لك أن تقول: رجل قائم في الدار وإن لم تتخصص النكرة بوجه. وكذا تقول: كوكب انقض الساعة، قال الله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة " (3).
(1) الاية 221 من سورة البقرة. (2) هو أبو محمد ناصح الدين: سعيد بن المبارك البغدادي من علماء القرن السادس عاش في بغداد ومات بالموصل سنة 569 ه وله آراء ومؤلفات في النحو. (3) الاية 22 من سورة القيامة. (*)
[ 232 ]
وكذلك في الفاعل: لا يجوز مع علم المخاطب بقيام زيد أن تقول قام زيد، ويجوز مع عدم علمه بقيام رجل في الدار أن تقول: قام في الدار رجل. ولا أنكر أن وقوع المبتدأ معرفة أكثر من وقوعه نكرة، لاشتباه الخبر بالصفة في كثير من المواضع بخلاف الفاعل، فإن فعله لتقدمه عليه وجوبا لا يلتبس بصفته. ثم نقول: يقع المبتدأ نكرة من غير تخصيص في كثير من المواضع: أحدها: ما التعجبية، على مذهب سيبويه، كما يجئ في بابه.
والثاني: المبتدأ الذي هو فاعل في المعنى نحو: شر أهر ذا ناب، وأمر أقعده عن الحرب، وشر ما ألجاك إلى مخة عرقوب (1). الثالث المبتدأ الذي خبره ظرف أو جار ومجرور. الرابع: كلمات الاستفهام، نحو: من عندك، و: ما حدت ؟ أو ما يقع بعد حرف الاستفهام، نحو: أرجل في الدار ؟ وهل رجل في الدار ؟ و: أرجل في الدار أم امراة. الخامس: ما بعد واو الحال، نحو، ما أراك إلا شخص يضربك. السادس: بعد " أما " نحو: أما غلام فليس عندك، و: أما جارية فلا أملكها. السابع: الجواب: نحو قولك رجل في جواب من جاءك، أي رجل جاءني، لان السؤال بالاسمية، فالجواب بمثلها أولى. وغير ذلك مما لا يحصى ولا ضابط له، كقولهم شهر ثرى، وشهر ترى، وشهر
(1) المخة: القطعة من المخ. ومن معاني المخ ما يوجد داخل العظم من دهن، والعرقوب عصب غليظ موتر فوق رجل الانسان وهو في الدابة بمنزلة الركبة في رجليها الخليفتين. والمعنى الاصلي لهذا التعبير أن الضرورة تلجئ الانسان إلى أكل هذا الشئ الذي لا يحرص عليه أحد. وهو مثل يضرب في الحاجة إلى اللئيم، (*)
[ 233 ]
مرعي (1)، وقولهم: أمت في حجر لا فيك، وقوله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة " (2). أما قول المصنف في " ما " التعجبية، وفي نحو: شر أهر ذا ناب، ان ذلك لما كان في المعني فاعلا، والفاعل يختص بالحكم المتقدم عليه، فكذا يختص هذا أيضا، فقد ذكرنا ما عليه، وهو أن المحكوم عليه إذا اختص بعين الحكم فأنت حاكم على غير المختص، فلا يتم قولهم، إذن، في تعليل كون المبتدأ معرفة أو مختصا: إن الحكم ينبغي أن يكون على مختص، ولو كفى الاختصاص الحاصل من الخبر، لجاز الابتداء بأي نكرة كانت، سواء تقدم الخبر عليها، أو تأخر، لان المخصص في الصورتين
حاصل على الجملة، فظهر بما ذكرنا أن قول المصنف في نحو: في الدار رجل، أن المبتدأ يخصص المتقدم: ليس بشئ، وأما قوله في نحو: أرجل في الدار أم امرأة: إن التخصيص حاصل عند المتكلم لانه يعلم كون أحدهما في الدار، فنقول: لو كفى الاختصاص الحاصل عند المتكلم في جواز تنكير المبتدأ، لجاز الابتداء بأي نكرة كانت، إذا كانت مخصوصة عند المتكلم، بل إنما يطلب الاختصاص في المبتدأ عند المخاطب، على ما ذكروا. ولو كان المجوز للتنكير في: أرجل في الدار أم امرأة، معرفة المتكلم بكون أحدهما في الدار، للزم امتناع: أرجل في الدار ؟ وهل رجل في الدار ؟ وأرجل في الدار أو امرأة، لعدم لفظة " أم " الدالة على حصول الخبر عند المتكلم، وعدم شئ آخر يتخصص به المبتدأ: وقوله في " ما أحد خير منك "، إن وجه التخصيص فيه: أن النكرة في سياق
(1) الثرى التراب أو الندي منه. وتقول العرب: شهر ثرى وشهر ترى وشهر مرعى. يريدون أن السماء تمطر فيبتل التراب، ثم يخرج النبات فيكون منظرا تراه العيون، ثم يطول ويكبر فترعاه الانعام ! (2) تقدمت قريبا. (*)
[ 234 ]
النفي تفيد العموم، فقولك " أحد " عم جنس الانس، حيث لم يبق أحد منهم. ففيه نظر، وذلك أن التخصيص: أن يجعل لبعض من الجملة شئ ليس لسائر أمثاله، وأنت إذا قلت: ما أحد خير منك، فالقصد أن هذا الحكم وهو عدم الخيرية ثابت لكل فرد فرد، فلم يتخصص بعض الافراد، لاجل العموم، بشئ، وكيف ذلك، والخصوص ضد العموم، بل الحق أن يقال: إنما جاز ذلك، لانك عينت المحكوم عليه، وهو كل فرد فرد، ولو حكمت بعدم الخيرية على واحد غير معين لم يحصل
للمخاطب فائدة لعدم تعين المحكوم عليه، أما إذا بينت أن حكمي على الواحد: حكمي على كل فرد فرد فقد تعين المحكوم عليه، وهو كل فرد فرد، وكذلك كلمات الشرط، نحو: من صمت نجا، تحصل الفائدة فيها بسبب التعين الحاصل من العموم، لا بسبب تخصصها بشئ. وقد اضطربت أقوالهم فيها، فاختار الاندلسي أن الخبر هو الشرط دون الجزء، لجواز خلوه من الضمير إذا ارتفعت كلمة الشرط بالابتداء، دون الشرط، فإنه إذا ارتفعت كلمة الشرط على الابتداء فلا بد للشرط من ضمير نحو: من قام قمت، وفي الدعاء: من كان الناس ثقته ورجاءه فأنت ثقتي ورجائي. وقيل: الخبر هو الشرط والجزاء معا، لصيرورتها بسبب كلمة الشرط، كالجملة الواحدة. وقيل كلمة الشرط مبتدأ لا خبر له. هذا ما قيل فيها، ويمكن أن يقال، على مذهب سيبويه: إن كلمات (1) الشرط والاستفهام كانت مع حروف الشرط وحرف الاستفهام، فحذفا لكثرة الاستعمال، على ما ذكرنا في حد الاسم: إن كلمات (2) الشرط إما فاعلة لفعل مقدر، أو مفعولة له، أو للظاهر،
(1) بيان لمذهب سيبويه. (2) مرتبط بقوله: ويمكن أن يقال. (*)
[ 235 ]
فقولك: من قام قمت: اي إن من قام أي ان إنسان قام كقوله تعالى: " إن امرؤ هلك " (1)، وقولك: من ضربت ضربته، أي إن من ضربت أي إن إنسانا ضربت، فهو مفعول للفعل الظاهر، وقولك: من ضربته ضربته، أي إن من ضربته، فهو مفعول للفعل المقدر المفسر بالظاهر، وكذا في " ما "، نحو: ما كان فليكن كذا، هو فاعل، وفي: ما فعلت أفعل، هو مفعول للفعل الظاهر بعده، وفي: ما فعلته أفعله. مفعول للفعل المقدر، وما تفعل أفعل، وما تفعله أفعله. وكذا في كلمات الاستفهام.
وقوله: في سلام عليك، إنه مختص بنسبته إلى السلام، لان أصله: سلمت سلاما، فسلاما المنصوب منسوب إلى المتكلم، فإذا رفعته فهو باق على ما كان عليه في حال النصب، غير مطرد في جميع الدعاء، إذ ليس معنى: ويل لك، ويلي لك، لان معنى: ويل: الهلاك، ولو قدرت، أيضا، ويلك لك، لكان خلفا من القول، بل المراد مطلق الهلاك، فالاولى أن يقال: تنكيره لرعاية أصله حين كان مصدرا منصوبا، ولا تخصيص فيه، إذ تخصيصه بالنظر إلى المخاطب إنما كان بذكر الفعل الناصب والمسند إليه، وإنما تأخر الخبر عنه مع كونه جارا ومجرورا لتقديم الاهم، وللتبادر (2) إلى ما هو المراد، إذ لو قدمت الخبر وقلت: عليك، فقبل أن تقول سلام، ربما يذهب الوهم إلى اللعنة، فيظن أن المراد: عليك اللعنة، ولهذا، انخزل أبو تمام، وترك الانشاد على ما يحكي، لما ابتدأ القصيدة وقال: 54 - على مثلها من أربع وملاعب (3).
(1) الاية 176 من سورة النساء. (2) يريد المبادرة أي المسارعة. (3) هذا ليس شاهدا بالمعنى الاصطلاحي، وإن كان بعض المتقدمين يجوزون الاستشهاد بكلام أبي تمام ومن هو في درجته. ولكن الرضى ذكره استطرادا لتوضيح المعنى الذي ذهب إليه في شرح قولهم سلام عليك. من أن تأخير الخبر انما هو للمبادرة إلى المراد وخشية أن يوضع في مكان المبتدأ " لو قدم الخبر " شئ غير المقصود كما حدث مع أبي تمام. والبيت مطلع قصيدة لابي تمام: حبيب بن أوس * في مدح أبي دلف العجلي. ومن جيد أبياتها قوله: تكاد عطاياه يجن جنونها * إذا لم يعوذها بنغمة طالب
[ 236 ]
فعارضه شخص كان حاضرا، وقال: لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وبعد المصراع: تذال مصونات الدموع السواكب
هذا، مع أن " سلام " لا يجوز أن يكون بمعنى مصدر سلمت، لان سلمت مشتق من: سلام عليك، كلبيت من لبيك. وسبحلت من سبحان الله، فمعنى سلمت، قلت سلام عليك، كما أن لبيت وسبحلت: بمعنى قلت: لبيك الله وسبحان الله، فمعنى سلام الذي هو بمعنى مصدر سلمت قول سلام عليك. فعلى ما فسر المصنف ينبغي أن يكون معنى سلام عليك، قول للفظ سلام عليك، وليس كذا، بل سلام في قولك: سلام عليك، بمعنى مصدر سلمك الله، أي جعلك سالما، فالاصل: سلمك الله سلاما، ثم حذف الفعل لكثرة الاستعمال فبقي المصدر منصوبا، وكان النصب يدل على الفعل، والفعل على الحدوث، فلما قصدوا دوام نزول سلام الله عليه، واستمراره أزالوا النصب الدال على الحدوث، فرفعوا سلام. وكذا أصل: ويل لك هلكت ويلا، أي هلاكا، فرفعوه بعد حذف الفعل، نفضا لغبار معنى الحدوث.
[ 237 ]
الخبر يكون جملة صور الجملة وشروطها قال ابن الحاجب: " والخبر قد يكون جملة، نحو: زيد أبوه قائم، وزيد " " قام أبوه، فلا بد من عائد، وقد يحذف ". قال الرضى: اعلم أن خبر المبتدأ، قد يكون جملة اسمية أو فعلية، كما مثل به المصنف، وإنما جاز أن يكون جملة لتضمنها للحكم المطلوب من الخبر، كتضمن المفرد له، وقال ابن الانباري وبعض الكوفيين، لا يصح أن تكون طلبية، لان الخبر ما يحتمل الصدق والكذب، وهو وهم، وإنما أتوا (1)، من قبل إيهام لفظ خبر المبتدأ، وليس المراد بخبر
المبتدأ عند النحاة ما يحتمل الصدق والكذب كما أن الفاعل عندهم ليس من فعل شيئا، ففي قولك: زيد عندك، يسمون الظرف خبرا، مع أنه لا يحتمل الصدق
(1) أي وإنما أتاهم الغلط من قبل إيهام. الخ.. (*)
[ 238 ]
والكذب، بل الخبر عندهم ما ذكره المصنف، وهو المجرد المسند المغاير للصفة المذكورة. ويدل على جواز كونها طلبية قوله تعالى: " بل أنتم لا مرحبا بكم " (1)، وأيضا، اتفقوا على جواز الرفع في نحو قولهم: أما زيد فاضربه. وقال ثعلب: لا يجوز أن يكون قسمية (2)، نحو زيد والله لاضربنه، والاولى الجواز، إذ لا منع. قوله: " فلا بد من عائد "، لا تخلو الجملة الواقعة خبرا من أن تكون هي المبتدأ معنى، أو، لا: فإن كانت لم تحتج إلى الضمير، كما في ضمير الشأن، نحو: هو زيد قائم، وكما في قولك: مقولي: زيد قائم لارتباطها به بلا ضمير، لانها هو. وإن لم تكن إياه فلا بد من ضمير، ظاهر أو مقدر. وقد يقام الظاهر مقام الضمير. وإنما احتاجت إلى الضمير، لان الجملة في الاصل كلام مستقل، فإذا قصدت جعلها جزء الكلام فلا بد من رابطة تربطها بالجزء الاخر، وتلك الرابطة هي الضمير، إذ هو الموضوع لمثل هذا الغرض، فمن ثم قيل في بعض الاخبار، كما يجئ، إن الظاهر قائم مقام الضمير. وهذا الضمير الرابط يجوز حذفه قياسا وسماعا فالقياس في موضع وهو أن يكون الضمير مجرورا بمن والجملة الخبرية ابتدائية. والمبتدأ فيها جزء من المبتدأ الاول، نحو: البر: الكر (3) بستين، أي الكر منه لان جزئيته تشعر بالضمير فيحذف الجار والمجرور معا، فإن كان المبتدأ الثاني نكرة فالجار والمجرور صفة له، نحو: السمن منوان بدرهم
(1) الاية 60 من سورة ص.
(2) أي لا يجوز أن يكون الخبر جملة قسمية. (3) الكر بضم الكاف مكيال معروف عندهم: كالصاع. (*)
[ 239 ]
وكذا إذا كان معروفا باللام، كما في البر الكر منه بستين، لان التعريف غير مقصود قصده، فهو كقوله: 55 - ولقد أمر على اللئيم يسبني * فمضيت ثمت قلت لا يعنيني (1) ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في الخبر، والعامل فيه الخبر، أي: البر الكر كائن بستين كائنا منه. قال الفراء: ويحذف أيضا قياسا إذا كان الضمير منصوبا مفعولا به والمبتدأ " كل " قال: 56 - قد أصبحت أم الخيار تدعى * علي ذنبا كله لم أصنع (2) وقال: 57 - ثلاث كلهن قتلت عمدا * فأخزى الله رابعة تعود (3) قال: لان " كلهم ضربت " بمعنى الجحد، أي ما منهم إلا ضربت. وقال السيرافي: ليس هذ بحجة، إذ كل موجب يتهيا رده إلى الجحد، كما تقول في: زيد ضربت: ما زيد إلا مضروب، ثم يقال له: لا تأثير للجحد في جواز حذف الضمير معه. والسماع في غير ذلك.
(1) قال البغدادي انه لرجل من بني سلول وهو أحد بيتين، ثانيهما قوله: غضبان ممتلئا على إهابه * إني وحقك سخطه يرضيني (2) الدليل على جوازه قراءة ابن عامر: وكل وعد الله الحسنى " الحديد آية 10 ". وهذا الشاهد من أرجوزة لابي النجم العجلي. وهو مطلعها ومن الارجوزة أبيات وردت في شواهد النحو منها قوله:
يا ابنة عما لا تلومي واهجعي * لا يخرق اللوم حجاب مسمعي (3) مثل الذي قبله في الاستشهاد. قال البغدادي انه من أبيات سيبويه ولم يعرف قائله ولا أي شئ قبله ولا بعده. والبيت في سيبويه ج 1 ص 44 (*)
[ 240 ]
أما في المجرور فنحو قوله تعالى: " ولمن صبر وغفر، إن ذلك لمن عزم الامور " (1)، أي إن ذلك منه. وأما في المنصوب فيشترط كونه بفعل لفظا، قال: 58 - فأقبلت زحفا على الركبتين * فثوب لبست وثوب أجر (2) أو بصفة محلا، نحو: أنا زيد ضارب، ولا يختص مع كونه سماعيا بالشعر خلافا للكوفيين. وأما المرفوع فلا يحذف لكونه عمدة، وقد يحذف في الصلة في بعض الاحوال لكونها أشد ارتباطا بالموصول من المبتدأ، كما يجئ في باب الموصولات، وجواز حذف الضمير في الصلة أحسن منه في الصفة، لكون اتصالها بالموصل أشد، إذ لا غنى للموصول عنها، وهما بتقدير مفرد نحو قوله تعالى: " أهذا الذي بعث الله رسولا " (3)، ثم الحذف بعدها في الصفة أحسن منه في خبر المبتدأ، نحو: جاءني رجل ضربت، لانها مع الموصوف جزء الجملة، بخلاف الخبر فإنه مع المبتدأ جملة، فالتخفيف فيما هو مع غيره ككلمة أولى. وإنما كان الحذف في الصفة أنقض حسنا منه في الصلة، إذ ليست الصفة من ضروريات الموصوف، كما كانت الصلة من لوازم الموصول وضرورياته. فالحذف في الجملة إذا كانت خبرا للمبتدأ، على ما قال سيبويه، يجوز في الشعر بلا وصف ضعف، وهو في غيره ضعيف.
(1) الاية 43 من سورة الشورى.
(2) من قصيدة لامرئ القيس وهو من شواهد سيبويه ج 1 ص 44. ويروى الشطر الاول: فلما دنوت تسديتها... وبعده في القصيدة: ولم يرنا كالئ كاشح * ولم يفش منا لدى البيت سر. والكالئ الحارس والرقيب. والكاشح: المبغض. ومن القصيدة شواهد أخرى في هذا الشرح، وفي غيره من كتب النحو. (3) الاية 41 من سورة الفرقان. (*)
[ 241 ]
وأما وضع الظاهر مقام الضمير، فإن كان في معرض التفخيم جاز قياسا كقوله تعالى: " الحاقة، ما الحاقة " (1)، أي: ما هي، وإن لم يكن فعند سيبويه يجوز في الشعر بشرط أن يكون بلفظ الاول، قال: 59 - لعمرك ما معن بتارك حقه * ولا منسئ معن ولا متيسر (2) بجر منسئ، فإذا رفعته فهو خبر مقدم على المبتدأ، وقال: 60 - لا أرى الموت يسبق الموت شئ * نغص الموت ذا الغني والفقيرا (3) وإن لم يكن بلفظ الاول لم يجز عنده. وقال الاخفش: يجوز وإن لم يكن بلفظ الاول، في الشعر كان أو في غيره، قال: 61 - إذا المرء لم يغش الكريهة أو شكت * حبال الهوينا بالفتى أن تقطعا (4) وليس هذا في خبر المبتدأ، قال: ويجوز: زيد قام أبو طاهر، إذا كان زيد يكني
(1) أول سورة الحاقة. 1 و 2. (2) أول بيتين للفرزدق وبعده: أتطلب يا عوران فضل نبيذهم * وعندك يا عوران زق موكر ومراده بمعن: رجل كان يبيع بالنسيئة وكان يضرب به المثل في شدة التقاضي. قال البغدادي: أخطا من قال ان المراد به معن بن زائدة، أحد أجواد والعرب، قال لانه متاخر عن الفرزدق. (3) الاستشهاد به كالذي قبله. والبيت من قصيدة لعدي بن زيد، وهو الصحيح وقيل انها لابنه سوادة بن عدى، وأولها: طال ليلي أراقب التنويرا * أرقب الليل بالصباح بصيرا
ضمنها كثيرا من الحكم. وعدي بن زيد من شعراء الجاهلية في عهد النعمان بن المنذر، (4) شاهد على جواز إعادة الاسم بغير لفظ الاول وأجازه الاخفش ومنعه سيبويه. كما قال الشارح، وهو من أبيات لشاعر اسمه الكلحبة العريني أو اليربوعي واسمه هبيرة بن عبد مناف، وهي أبيات حماسية يخاطب فيها حزيمة بن طارق من بني تغلب وكان قد أغار على بني مالك فاستصرخوا بني يربوع فهزموه واستخلصوا منه ما كان قد سباه. وقد ورد مثل هذا البيت في شعر لشبيب بن البرصاء وهو شاعر أموي. ولم يتغير فيه إلا القافية وهو: إذا المرء لم يغش الكريهة أو شكت * حبال الهوينى بالفتى أن تجذما (*)
[ 242 ]
بابي طاهر، قال الله تعالى: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا " (1). ومنع بعضهم في غير التفخيم مطلقا، ولا وجه له، لوروده.
(1) الاية 30 من سورة الكهف. (*)
[ 243 ]
كيفية تقدير الخبر إذا كان ظرفا قال ابن الحاجب: " وما وقع ظرفا فالاكثر أنه مقدر بجملة ". قال الرضى: أي ظرفا، أو جارا ومجرورا، ولم يذكره لجريه مجراه في جميع أحكامه حتى سماه بعضهم ظرفا اصطلاحا. وانتصاب الظرف خبرا للمبتدأ عند الكوفيين على الخلاف، يعنون أن (1) الخبر لما كان هو المبتدا في النحو: زيد قاتم، أو كانه هو في: " وازواجه أمهاتهم " (2)، ارتفع ارتفاعه،
ولما كان مخالفا له بحيث لا يطلق اسم الخبر على المبتدأ، فلا يقال في نحو زيد عندك، ان زيدا " عنده " خالفه (3) في الاعراب، فيكون العامل عندهم معنويا وهو معنى المخالفة
(1) زيادة يقتضيها المعنى (2) الاية 6 من سورة الاحزاب (3) قوله خالفه جواب: لما كان مخالفا له، (*)
[ 244 ]
التى اتصف بها الخبر، ولا يحتاج عندهم إلى تقدير شئ يتعلق به الخبر. وأما البصريون فقالوا: لا بد للظرف من محذوف يتعلق به، لفظي (1)، إذ مخالفة الشئ للشئ لا توجب نصبه. وقال بعض النحاة: العامل فيه المبتدأ. وقال البصريون: الظرف منصوب على أنه مفعول فيه، كما أنه كذلك اتفاقا في نحو: جسلت أمامك، وخرجت يوم الجمعة، والجار والمجرور منصوب المحل على أنه مفعول به، كما أنه كذلك اتفاقا في نحو: مررت بزيد، إلا أن العامل ههنا مقدر. وينبغي أن يكون ذلك العامل من الافعال العامة، أي مما لا يخلو منه قعل نحو: كائن، وحاصل، ليكون الظرف دالا عليه، ولو كان خاصا كاكل وشارب، وضارب وناصر، لم يجز لعدم الدليل عليه. وقد يحذف خاص لقيام الدليل، نحو: من لك بالمهذب، أي من يضمن، ولا يجوز عند الجمهور إظهار هذا العامل أصلا لقيام القرينة على تعيينه وسد الظرف مسده، كما يجئ في: لولا زيد لكان كذا، فلا يقال: زيد كائن في الدار، وقال ابن جني بجوازه، ولا شاهد له. وأما قوله تعالى: " فلما راه مستقرا عنده " (2)، فمعناه ساكنا غير متحرك، وليس بمعنى " كائنا ". وكذا حال الظرف في ثلاثة مواضع أخر: الصفة، والصلة، والحال، وفيما عدا
(1) لفظي صفة لقوله " محذوف " ولا معنى له هنا إلا أن يكون المراد أن العامل في هذه الحالة يكون لفظيا لا معنويا، كما أن قوله بعد ذلك: إذ مخالفة: يقصد بها التعليل لقول البصريين وعدم اعترافهم بان الخبر منصوب في هذه الحالة. (2) الاية 40 من سورة النمل. (*)
[ 245 ]
المواضع الاربعة، لا يتعلق الظرف والجار والمجرور إلا بملفوظ موجود. وأكثرهم على أن المحذوف المتعلق به: فعل، لانا نحتاج إلى ذلك المحذوف للتعلق، وإنما يتعلق الظرف باسم الفاعل في نحو: أنا مار بزيد لمشابهته للفعل، فإذا احتجنا إلى المتعلق به فالاصل أولى، وأيضا، للقياس على: الذي في الدار زيد، و: كل رجل في الدار فله درهم، والمتعلق في الموضعين فعل، لا غير، كما ياتي. وذهب ابن السراج (1)، وأبو الفتح (2)، إلى أنه اسم لكونه مفردا والاصل في خبر المبتدأ أن يكون مفردا. ولمانع أن يمنع. قالوا: إنما كان أصله الافراد، لانه القول المقتضي نسبة أمر إلى آخر. فينبغي أن يكون المنسوب شيئا واحدا كالمنسوب إليه، وإلا لكانت هناك نسبتان أو أكثر، فيكون خبران أو أكثر، لا خبر واحد، فالتقدير في: زيد ضرب غلامه: زيد مالك لغلام ضارب. والجواب: أن المنسوب يكون شيئا واحدا كما قلتم، لكنه ذو نسبة في نفسه فلا نقدره بالمفرد، فالمنسوب إلى زيد في الصورة المذكورة: ضرب غلامه، الذي تضمنته الجملة. قالوا: إنه يفصل بالظرف بين " أما " وجوابها، ولا يفصل بينهما إلا بالمفرد، كما يجئ. والجواب: أن الظرف في مثله ليس بمستقر، أي بمتعلق بمحذوف بل هو منصوب
بالملفوظ بعد الفاء، نحو: أما قدامك فزيد قائم، فهو كالمفعول به في نحو، أما زيدا
(1) تقدم ذكره ص 67 من هذا الجزء. (2) كنيته ابن جني. وتقدم ذكره كثيرا. (*)
[ 246 ]
فانا ضارب، كما يجئ في حروف الشرط. واعلم أن صيرورة الجملة ذات محل من الاعراب بعد أن لم تكن، لا يدل على كونها بتقدير المفرد، بل يكفي في صيرورتها ذات محل وقوعها موقع المفرد. وإن كان بعد الظرف معمول، نحو: زيد خلفك واقفا، فعند أبي علي (1)، هو معمول الظرف لقيامه مقام العامل، ومن ثم وجب حذفه. وقال غيره: هو للعامل المقدر، لان الظرف جامد لا يلاقي الفعل في تركيبه ملاقاة اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والمصدر، له. وكذا الخلاف في أن الخبر أيهما هو. ثم ذهب السيرافي إلى أن الضمير حذف مع المتعلق، وذهب أبو علي ومن تابعه إلى أنه انتقل إلى الظرف، لانه يؤكد، كقوله: 62 - فإن يك جثماني بارض سواكم * فإن فؤادي عندك الدهر أجمع (2) ويعطف عليه، كقوله: 63 - ألا يا نخلة من ذات عرق * عليك ورحمة الله السلام (3)
(1) أي الفارسي، وتكرر ذكره (2) لان " أجمع " تأكيد للضمير المستقر في الظرف " عندك ". والبيت من قصيدة لجميل بن معمر صاحب بثينة. وقبله: ألا تتقين الله فيمن قتلته * فامسى إليكم خاشعا يتضرع، (3) أي أن قوله ورحمة الله معطوف على ضمير السلام المستقر في الخبر " عليك " والمبتدأ متقدم بحسب الاصل.
وكنى بالنخلة في البيت عن المراة ونسب البيت إلى الاحوص. وهو أحد ثلاثة أبيات أوردها البغدادي وقد كرر هذا الشاهد برقم 110 في باب المنادى، وفي حديثه عنه هنا قال انه لا يعرف قائله. ثم قال وينسب إلى الاحوص. ولما أعاده ذكر الابيات الثلاثة وهو أولها وبعده: سالت الناس عنك فاخبروني * هنا من ذاك تكرهه الكرام وليس بما أحل الله عيب * إذا هو لم يخالطه الحرام (*)
[ 247 ]
وينتصب عنه الحال، كقوله تعالى: " ففي الجنة خالدين فيها " (1). قال أبو علي، وادعى بعضهم أنه مجمع عليه: إن الظرف إذا اعتمد على موصول، أو موصوف، أو ذي حال، أو حرف استفهام، أو حرف نفي، فانه يجوز أن يرفع الظاهر، لتقويه بالاعتماد، كاسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة، وكذا قال: إذا وقعت بعده " أن " المصدرية، كقوله تعالى " ومن آياته أنك ترى الارض خاشعة " (2)، لا صريح المصدر، أما قوله: 64 - أحقا بنى أبناء سلمى بن جندل * تهددكم إياي وسط المجالس (3) فلاعتماد الظرف. قيل: إنما عمل في " أن " بلا اعتماد لشبهها بالمضمر في أنها لا توصف مثله. ويجوز أن يقال في جميع ذلك: ان الظرف خبر قد تقدم على مبتدئه، أما في غير المواضع المذكورة، نحو: في الدار رجل، فالمرفوع مبتدأ، مقدم الخبر. وعند الكوفيين والاخفش في أحد قوليه، هو فاعل للظرف لتضمنه معنى الفعل، كما قالوا في نحو: قائم زيد. وإنما قال الكوفيون ذلك، لاعتقادهم أن الخبر لا يتقدم على المبتدأ، مفردا كان أو جملة، فيوجبون ارتفاع " زيد " في نحو: في الدار زيد، وقائم زيد، على الفاعلية،
(1) الاية 108 من سورة هود. (2) الاية 39 من سورة فصلت، (3) أي ان قوله: تهددكم فاعل لحقا، لاعتماده على الاستفهام، وتقديره: أفي حق تهددكم. والبيت للاسود ابن يعفر: جاهلي، يخاطب جماعة من بني جندل تهددوه في فرس غنمها مع أمهار لها. فرد إليهم الفرس وأبقى الامهار فهددوه فرد عليهم تهديدهم في قصة ذكرها البغدادي وذكر ما قاله من الشعر في ذلك. (*)
[ 248 ]
لئلا يتقدم الضمير على مفسره. وليس بشئ، لان حق المبتدأ التقدم، فالضمير متاخر تقديرا، كما في: ضرب غلامه زيد. وأما الاخفش فلا يوجب ذلك، بل يجوز ارتفاعه بالابتدا أيضا، إذ هو يجوز تقدم الخبر على المبتدأ، لكن لما أجاز عمل الصفة بلا اعتماد أجاز كون " زيد " في قائم زيد، فاعلا، أيضا. وله في جواز عمل الظرف بلا اعتماد قولان، وذلك لان الظرف أضعف في عمل الفعل من الصفة، وثبوت الاجماع على جواز: في داره زيد، يصحح تقديم الخبر ويمنع كون زيد فاعلا وإلا لزم الاضمار قبل الذكر، ومنع بعض البصريين من نحو: في داره قيام زيد، وفي دارها عبد هند، وذلك لان المبتدأ حقه التقديم فجاز عود الضمير من الخبر إليه. نحو: في داره زيد، فأما ما أضيف إليه المبتدأ، فليس له التقدم الاصلي. والاولى جواز ذلك، كما ذهب إليه الاخفش، وذلك لانه عرض للمضاف إليه بسبب التركيب الاضافي الحاصل بينه وبين المبتدأ وصيرورته معه كاسم واحد، مرتبة التقديم تبعا للمبتدأ وإن لم يكن له ذلك في الاصل. وقد ورد في كلامهم: في أكفانه درج الميت. واعلم أن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن اسم عين، ولا حالا منه، ولا صفة له،
لعدم الفائدة، إلا في موضعين (1): أحدهما: أن يشبه العين المعنى في حدوثها وقتا دون وقت، نحو: الليلة الهلال، الثاني: أن يعلم إضافة معنى إليه تقديرا نحو قال امرئ
(1) جاء في بعض نسخ هذا الشرح التي أشار إليها الجرجاني في تعليقاته بهامش المطبوعة: أنها ثلاثة. وأن الثالث هو أن يكون اسم العين عاما واسم الزمان خاصا ومثل له بقوله تعالى: ليس لوقعتها كاذبة، (الواقعة آية 2). ! وذلك على أن كاذبة اسم الفاعل وقيل إنه مصدر والتقدير ليس لوقعتها تكذيب فيكون خبرا عن اسم معنى، (*)
[ 249 ]
القيس: اليوم خمر وغدا أمر (1). أي شرب خمر، وقوله: 65 - أكل عام نعم تحوونه * يلقحه قوم وتنتجونه (2) أي حوايته، ولو قلت: الارض يوم الجمعة، وزيد يوم السبت لم يجز، لانه لا فائدة لتخصيص حصول شئ بزمان هو في غيره حاصل مثله. ويكون ظرف الزمان خبرا عن اسم معنى بشرط حدوثه، ثم ينظر، فإن استغرق ذلك المعنى جميع الزمان أو أكثره وكان الزمان نكرة رفع غالبا، نحو: الصوم يوم، والسير شهر، إذا كان السير في أكثره لانه باستغراقه إياه كأنه هو، ولا سيما مع التنكير المناسب للخبرية. ويجوز نصب هذا الزمان المنكر، وجره بفي نحو: الصوم في يوم، أو يوما، خلافا للكوفيين، وذلك أن " في " عندهم، توجب التبعيض، فلا يجيزون: صمت في يوم الجمعة، بل يوجبون النصب. والاولى جوازه، كما هو مذهب البصريين، ولا يعلم إفادة " في " للتبعيض. وإن كان الزمان معرفة، نحو: الصوم يوم الجمعة لم يكن الرفع غالبا كما في الاول عند البصريين، وأوجب الكوفيون النصب، كما أوجبوه في المنكر للعلة المذكورة. فإن وقع الفعل لا في أكثر الزمان، سواء كان الزمان معرفا أو منكرا، فالاغلب
نصبه أو جره بفي، اتفاقا بين الفريقين، نحو: الخروج يوما. أو في يوم، والسير يوم الجمعة أو في يوم الجمعة.
(1) من قول امرئ القيس الكندي قاله حين أخبر بموت أبيه وهو على الشراب. (2) أي بتقدير مضاف قبل " نعم " تقديره حواية. وهذا مما قيل في أحد أيام العرب وهو يوم الكلاب الثاني. وقاتله رجل من بني ضبه قال بعضهم انه قيس بن حصين بن يزيد وهو من الارجاز التي كان يتبادلها الفرسان في هذا اليوم. وجاء في آخر هذا الرجز قوله: أيهات أيهات لما ترجونه. ويريد هيهات هيهات. (*)
[ 250 ]
وأما قوله تعالى: " الحج أشهر معلومات " (1) فلتأكيد أمر الحج ودعاء الناس إلى الاستعداد له حتى كان أفعال الحج مستغرقه لجميع الاشهر الثلاثة. وإذا كان ظرف المكان خبرا عن اسم عين، سواء كان اسم مكان أو، لا فإن كان غير متصرف، نحو زيد عندك، فلا كلام في امتناع رفعه، وإن كان متصرفا وهو نكرة فالرفع راجح، نحو: أنت مني مكان قريب، ودارك مني يمين أو شمال، وهو باق على الظرفية عند البصريين، والمضاف محذوف، إما من المبتدأ، أي مكانك مني مكان قريب، أو من الخبر، أي أنت مني ذو مكان قريب، ومثله عند الكوفيين بمعنى اسم الفاعل فيجب رفعه، وليس بظرف، كما يجئ عن قريب. وإن كان معرفة فالرفع مرجوع، نحو: زيد خلفك، وداري أمامك، وذلك لان أصل الخبر التنكير، ومع ذلك، فرفع المعرفة لا يختص بالشعر نحو قوله: 66 - شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة * يد الدهر الا جبرئيل أمامها (2) خلافا للجرمي والكوفيين. وإذا كان المكان في موضع الخبر عن عين، والمراد تعيين المنزلة من قرب أو بعد، قال سيبويه: لا يستعمل منه إلا ما استعملته العرب، فلا تقل: هو مني مجلسك، ومتكأة زيد، ومربط الفرس، قال: ولو أظهرت المكان في هذه الاشياء، جاز نحو: هو مني
مكان مجلسك ومكان متكأة زيد، وذلك أن المكان يستعمل قياسا في تعيين القرب أو البعد. ومما استعملته العرب، قولهم: هو مني مزجر الكلب، أي مهان، ومقعد القابلة،
(1) الاية 197 من سورة البقرة. (2) الشاهد رفع الظرف: أمام. لانه معرف، فهو خبر عن جبرئيل وهو لغة في جبريل وقوله يد الدهر منصوب على الظرفية بمعنى مدى الدهر وطول الدهر. وشهدنا أي شهدنا الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم. وهو من شعر كعب بن مالك الانصاري ونسبه بعضهم إلى حسان بن ثابت. (*)
[ 251 ]
أي قريب، وكذا معقد الازار ومقعد الخائن، وهو مني مناط الثريا، أي بعيد، قال أبو ذؤيب: 67 - فوردن والعيوق مقعد رابئ ال * ضرباء فوق النجم لا يتتلع (1) أي عال مشرف، كالامين على الياسرين (2) فإنه أعلى منهم ليشرف عليهم، كي لا يخونوا (3). قال بعضهم: ما كان من هذه الظروف بمعنى القرب نحو معقد الازار، فجعله ظرفا أولى من رفعه، وما كان منها في معنى البعد، كمناط الثريا فرفعه أولى، قال: لان الظرف حاو للمظروف فقربه من المظروف يحقق له الاحتواء، وبعده عنه يبعده عن الاحتواء. وفيه نظر، وذلك لان الظرف في قولك: أنت مني مناط الثريا ليس بعيدا من المظروف، بل هو محتو عليه، لكنهما بعيدان عن المتكلم. ويجب رفع كل واحد من ظرفي الزمان والمكان إذا كان متصرفا ومؤقتا محدودا، وأخبرت به عن اسم عين لارادة تقدير المسافة القريبة، أو البعيدة، نحو: دارك مني فرسخ، وأنت مني بريد، ومنزلك مني ليلة. أي: ذات مسافة فرسخ على حذف مضاف بعد مضاف، وكذا: ذو مسافة سرى ليلة، ومني متعلق بمدلول الخبر، أي بعيدة مني
هذا القدر.
(1) من قصيدة أبي ذؤيب الهذلي المشورة في رثاء بنيه. والعيوق كوكب يطلع حيال الثريا، والضرباء جمع ضريب وهو الذي يضرب القداح، وهو الموكل بها ! (2) أي الذين يلعبون الميسر، (3) كتب البغدادي في هذا الموضع على شاهد أورده بعد قوله فوردن والعيوق وهو قوله: انصب للمنية تعتريهم * رجالي أم هم درج السيول وليس هذا الشاهد في النسخة المطبوعة ولعله موجود في النسخة التي أخذ منها البغدادي شواهده. ولم ينبه أحد ممن علقوا على خزانة الادب على ذلك. ولم يشيروا إلى عدم وجوده في شرح الرضى. والبيت من شعر ابراهيم ابن هرمة. (*)
[ 252 ]
وكذا قولهم: هو مني فوت اليد، إي: إذا مددت يدي لم أنله، وهو مني دعوة الرجل، أي: إذا صاح الرجل لم (1) تبلغه صيحته، والتقدير: ذو مكان فوت اليد، وذو مكان بلوغ دعوة الرجل. وأما انتصاب نحو قولك: داري خلف دارك فرسخين، وميلا. وبريدا، أو يوما وليلة، فلان الخبر هو " خلف دارك " ونصبها على الحال عند المبرد، من الضمير في الخبر، أي ذات مسافة فرسخين. وعلى التمييز عند الجمهور، وهو تمييز عن النسبة، أي تباعدت فرسخين، فالفرسخان مبعدان لها، كما أن الماء في: امتلاء الاناء ماء، مالئ. ويجوز أن ينتصب على المصدر كقولك: دنوت أنملة، أي دنو أنملة كما قيل في قوله تعالى: " ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات " (2). ويجوز رفعها، وخلف، ظرف للخبر، أي ذات مسافة فرسخين خلف دارك، أو هما خبران.
وكذا قولهم: داري من خلف دارك فرسخين أو فرسخان، لان دخول " من " في مثله، وخروجها على السواء. كما في قولك: جئت قبلك، ومن قبلك. قال أبو عمرو (3): إذا دخلت " من " وجب الرفع في الظروف التي بعد المجرور، لان التمييز فضلة، وبدخول " من " خرج الكلام عن التمام، وليس بشئ، إذا يقال: داري من خلف دارك ويسكت عليه.
(1) مقتضى تفسيره الاتي للمثال أن تكون " لم " زائدة. (2) آية 32 سورة الزخرف. (3) المراد أبو عمرو بن العلاء وتقدم ذكره أكثر من مرة. انظر ص 137 من هذا الجزء. (*)
[ 253 ]
ويجوز أيضا، أنت مني فرسخين بالنصب، على أن " مني " خبر المبتدأ، أي من أشياعي، وفرسخين: حال، أي ذوي سير فرسخين أو على الظرف أي في فرسخين، أي أنت من أشياعي ما سرنا فرسخين، كقوله صلى الله عليه وسلم: " سلمان منا ". واعلم أن نحو: خلف، وقدام، ومن الظروف: ظروف عند البصريين، أضيفت أو لم تضف، وترك الاضافة قليل عندهم. وهي عند الكوفيين لا تكون ظروفا إلا مع الاضافة، أما عند الافراد فهي بمعني اسم الفاعل، فمعنى جلست خلفا، عندهم أي متاخرا، نصب على الحال، وقام مكانا طيبا، أي مغتبطا، فإذا وقعت خبرا عن المبتدأ وجب عندهم رفعها، نحو أنت خلف وقدام، أي متاخر، ومتقدم، والبصرية تجوز نصبها على قلة، كما ذكرنا، وأما رفعها عندهم فعلى حذف المضاف، كما مر، وهي باقية على الظرفية، وهو الاولى، إذ خروج الشئ عن معناه خلاف الاصل فلا يرتكب ما أمكن حمله على عدم خروجه عنه. وقوله: 68 - وساغ لي الشراب وكنت قبلا * أكاد أغص بالماء الحميم (1)
أي قبل ذلك، يقوي مذهب البصريين.
(1) روي مثله بقافية أخرى.. بالماء الفرات والذي هنا من أبيات ليزيد بن الصعق قالها وقد انتقم لنفسه من الربيع ابن زياد العبسي وكنيته أبو حريث وكان الربيع قد أغار على يزيد وقومه فلم يتمكن منهم فاخذ ابلا لجيرانه فاقسم يزيد بن الصعق لينتقمن، فلما تحقق له الوفاء بقسمه قال: الا أبلغ لديك أبا حريث * وعاقبة الملامة للمليم وقبل الشاهد: فنمت الليل إذ أوقعت فيكم * قبائل عامر وبني تميم... وساغ الخ أما البيت الاخر: الذي آخره بالماء الفرات فلم ينسبه أحد ولم يذكروا شيئا قبله ولا بعده. وقال العيني إن بيت الشاهد لعبد الله بن يعرب بن معاوية وكان له ثار فادركه والذي أثبتناه هنا منقول من خزانة الادب للبغدادي.
[ 254 ]
واعلم أن " اليوم " إذا وقع خبرا عن لفظي الجمعة والسبت جاز نصبه على ضعفه، لكونهما في الاصل مصدرين، فمعنى: اليوم الجمعة أو السبت: أي الاجتماع، أو السكون، والاولى رفعه لغلبة الجمعة والسبت في معنى اليومين. ولا يجوز نصب " اليوم " خبرا عن الاحد، والاثنين، إذ هما بمعنى اليومين، واليوم لا يكون في اليوم، وأجازه الفراء، وهشام (1)، وذلك لتأويلهما اليوم بالان، كما يقال: أنا اليوم، أفعل كذا، أي الان. فمعنى: اليوم الاحد، أي الان الاحد، والان أعم من الاحد فيصح أن يكون ظرفه. هذا، ولنذكر طرفا مما يتعلق بخبر المبتدأ، إذا كان مفردا. فنقول: هو إما مشتق أو جامد، وكلاهما إما أن يغاير المبتدأ لفظا، أو، لا. والاول: إما أن يتحد به معنى، نحو: زيد أخوك، وزيد قائم، أو يغايره معنى أيضا، والمغاير، يقع خبرا عنه إما لمساواته في معنى كقوله تعالى: " وأزواجه أمهاتهم " (2)،
أو لحذف المضاف من المبتدأ، أو الخبر نحو: داري منك فرسخان، أي بعد داري فرسخان، أو داري منك ذات مسافة فرسخين، أو لكون واحد من المبتدأ والخبر معنى والاخر عينا. ولزوم ذلك المعنى لتلك العين حتى صار كأنه هي، كقول الخنساء: 96 - ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت * فإنما هي إقبال وإدبار (3)
(1) المراد به هشام بن معاوية ويقال له هشام الضرير وهو من متقدمي الكوفيين وتقدم ذكره في هذا الجزء ص 63. أما الفراء فقد تكرر ذكره كثيرا (2) الاية من سورة الاحزاب وتقدمت قبل ذلك. (3) من قصيدة لها في رثاء أخيها صخر، أولها: قذى بعينك أم بالعين عوار * أم أقفرت إذ خلت من أهلها الدار وبيت الشاهد في وصف ناقة شبهت بها نفسها. فان قبله فما عجول على بوتطيف به * قد ساعدتها على التحنان أظار وبعده: لا تسمن الدهر في أرض وإن رتعت * وإنما هي تحنان وتسجار يوما بأوجد مني حين فارقني * صخر وللدهر إحلاء وامرار (*)
[ 255 ]
وقوله تعالى: " ولكن البر من آمن " (1)، وان قدرنا المضاف في مثله في المبتدأ، أي لكن ذا البر من آمن، وحالها إقبال، أو في الخبر نحو: بر من آمن، وذات إقبال. أو جعلنا المصدر بمعنى الصفة، نحو: ولكن البار، وهي مقبلة، جاز، لكنه يخلو من معنى المبالغة. والثاني أي الذي لا يغاير المبتدأ لفظا، يذكر للدلالة على الشهرة، أو عدم التغير، كقوله: 70 - أنا أبو النجم وشعري شعري (2). أي: هو المشهور المعروف بنفسه لا بشئ آخر، كما يقال مثلا: شعري مليح، وتقول: أنا أنا، أي ما تغيرت عما كنت، قال:
71 - رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع * فقلت وأنكرت الوجوه هم هم (3) وأما الجامد فإن كان مؤولا بالمشتق نحو قولك: هذا القاع عرفج كله أي غليظ، تحمل الضمير، فكله ههنا تأكيد للضمير، ويجوز أن يكون مبتدأ مؤخرا عن الخبر. وإن لم يكن مؤولا به، لم يتحمله خلافا للكسائي، فكأنه نظر إلى أن معنى: زيد أخوك، متصف بالاخوة، وهذا زيد، أي متصف بالزيدية أو محكوم عليه بكذا،
(1) الاية 177 من سورة البقرة. (2) من أرجوزه لابي النجم العجلي وبعده: لله دري ما أجن صدري * من كلمات باقيات الحر تنام عيني وفؤادي يسري * مع العفاريت بارض قفر (3) لابي خراش الهذلي من قصيدة يذكر فيها تفلته من أعداء له كانوا يترصدونه، ومعنى رقوني: سكنوني أي فعلوا ما يطمئنني ويجعلني أسكن إليهم ولكني عرفت خدعتهم. لانهم هم أعدائي الذين يقصدون قتلي ! (*)
[ 256 ]
وذلك لان الخبر عرض فيه معنى الاسناد بعد أن لم يكن، فلا بد من رابط، وهو الذي يقدره أهل المنطق بين المبتدأ والخبر، فالجامد كله، على هذا، متحمل للضمير عند الكسائي، لكنه كما لم يشابه الفعل، لم يرفع الظاهر كالمشتق، وكذا لم يجر على ذلك الضمير تابع لخفائه، وأما المشتق فهو متحمل للضمير اتفاقا، إن لم يرفع الظاهر. خبرا كان، أو نعتا، أو حالا، فيستكن فيه إن جرى على من هوله، نحو زيد قائم، وإن جرى على غير من هوله، أكد المستكن به بمنفصل، خبرا كان المتحمل للضمير، نحو: أنا زيد ضاربه أنا، أو نعتا، نحو: لقيت رجلا ضاربه أنا، أو حالا نحو: لقيك زيد مكرمه أنت، أو صلة نحو: الضاربة أنا: زيد، وإن أمن اللبس جاز ترك الضمير المنفصل في هذه الصور عند الكوفية، وأما البصرية فأوجبوه طردا، نحو: هند: زيد ضاربته هي، وتمام البحث فيه يجئ في باب الاضمار (1) إن شاء الله تعالى:
وجوب تقديم المبتدأ قال ابن الحاجب: " وإذا كان المبتدأ مشتملا على ما له صدر الكلام مثل من " " أبوك، أو كانا معرفتين، أو متساويين مثل: أفضل منك " " أفضل مني، أو كان الخبر فعلا له مثل: زيد قام، وجب " " تقديمه ". قال الرضي: قوله: " من أبوك "، مبني على مذهب سيبويه، وذلك لانه يخبر عنده بمعرفة عن
(1) أي في باب الضمائر من قسم المبنيات. (*)
[ 257 ]
نكرة مضمنة استفهاما، أو نكرة هي أفعل التفضيل مقدم " على خبره، والجملة صفة لما قبلها، نحو مررت برجل أفضل منه أبوه. وغير سيبويه على أن مثل هذين خبران مقدمان، والمثال المتفق عليه في مثل هذا المقام: من قام ؟ وما جاء بك ؟ وأيهم قام ؟ ومن قام قمت. وإنما كان للشرط والاستفهام والعرض والتمني ونحو ذلك مما يغير معنى الكلام، مرتبة التصدر، لان السامع يبنى الكلام الذي لم يصدر بالمغير على أصله، فلو جوز أن يجئ بعده ما يغيره، لم يدر السامع إذا سمع بذلك المغير: أهو راجع إلى ما قبله بالتغيير، أو مغير لما سيجئ بعده من الكلام، فيتشوش لذلك ذهنه. وكذلك حكم المضاف إلى أداة الشرط أو الاستفهام، يجب تصدره نحو: غلام من قام ؟، وغلام من يقم أقم ؟ لان معنى الشرط والاستفهام يسري إلى المضاف، وإلا لم يجز تقدمه على ماله الصدر.
قوله: " أو كانا معرفتين، أو متساويين "، ليس على الاطلاق بل يجوز تأخر المبتدأ عن الخبر، معرفتين أو متساويين مع قيام القرينة المعنوية الدالة على تعيين المبتدأ، كما في قوله: 72 - بنونا بنو أبنائنا. وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الاباعد (1) وذلك لانا نعرف أن الخبر محط الفائدة، فما يكون فيه التشبيه الذي تذكر الجملة لاجله فهو الخبر، كقولك: أبو يوسف أبو حنيفة، أي مثل أبي حنيفة، ولو أردت تشبيه أبي حنيفة بأبي يوسف، فأبو يوسف هو الخبر، ومثله قول أبي تمام:
(1) لانه يريد تشبيه بني الابناء بالابناء فيكون المبتدأ هو المشبه والخبر هو المشبه به. وحمله بعضهم على ظاهره وقال إنه من عكس التشبيه، قال البغدادي بعد أن شرح البيت انه مع شهرته في كتب النحو لا يعرف قائله. وهو كذلك في غير كتب النحو، وان بعضهم نسبه إلى الفرزدق. ثم قال والله أغلم بحقيقة الحال. (*)
[ 258 ]
73 - لعاب الافاعي القاتلات لعابه * وأرى الجني اشتارته أيد عواسل (1) أي: بنو أبنائنا مثل بنينا، ولعابه مثل لعاب الافاعي. قوله: " أو كان الخبر فعلا له "، أي فعلا مسندا إلى ضمير المبتدأ، نحو زيد قام، فإنه لو قدم: اشتبه المبتدأ بالفاعل. فإن قيل: فليجز إن كان الضمير بارزا، نحو: الزيدان قاما، والزيدون قاموا. قلت يشتبه المبتدأ بالبدل من الضمير، أو بالفاعل على لغة: يتعاقبون فيكم ملائكة، أو نقول، منع ذلك حملا على المفرد. مع أنه قيل في قوله تعالى: " ثم عموا وصموا كثير منهم " (2)، وقوله تعالى: " وأسروا النجوى الذين ظلموا " (3)، إن " كثير " والذين، مبتدان مقدما الخبرين. ويجب، أيضا تأخير الخبر إذا اقترن بالفاء، نحو: الذي يأتيني فله درهم، نظرا إلى أصل الفاء الذي هو التعقيب، وأيضا لكونها فاء الجزاء، وهو عقب الشرط،
لاستحقاق أداته صدر الكلام. ويجب، أيضا، تأخير الخبر إذا جاء بعد " إلا " لفظا أو معنى، نحو: ما زيد إلا قائم، وإنما زيد قائم، لانك إن قدمته من غير " إلا " انعكس المعنى، كما ذكرنا في تقديم الفاعل وتأخيره، ولا يجوز التقديم مع " إلا " لما يجئ في باب الاستثناء.
(1) قوله ومثله على أنه لا يريد الاستشهاد بناء على ما سبق التنبيه إليه من أن المتقدمين لا يستشهدون بشعر أبي تمام، والبيت من قصيدة له في وصف القلم يقول قبله مخاطبا محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم لك القلم الاعلى الذي بشباته * يصاب من الامر الكلى والمفاصل (2) الاية 71 من سورة المائدة. (3) الاية 3 من سورة الانبياء. (*)
[ 259 ]
ويجب أيضا تأخير الخبر، إذا اقترن المبتدأ بلام الابتداء، نحو: لزيد قائم، أو كان ضمير الشأن. للزوم تصدرهما. تقديم الخبر وجوبا قال ابن الحاجب: " وإذا تضمن الخبر المفرد ما له صدر الكلام مثل: أين زيد " " أو كان مصححا، مثل في الدار رجل، أو لمتعلقه ضمير في " " المبتدأ، مثل: على التمرة مثلها زبدا، أو عن " أن " مثل: " " عندي أنك قائم، وجب تقديمه ". قال الرضى: هذا بيان لموجبات تقديم الخبر، وإنما قال: الخبر المفرد، لانه إن كان جملة متضمنة لما يقتضي صدر الكلام، لم يجب تقديمه، نحو: زيد من أبوه ؟ إذ الاستفهام وسائر ما يقتضي صدر الكلام يكفيها أن تقع صدر جملة من الجمل بحيث لا يتقدم عليها أحد ركني تلك الجملة ولا ما صار من تمامها من الكلم المغيرة لمعناها، كان وأخواتها
وسائر ما يحدث معنى من المعاني في والجملة التي يدخلها، فلا يقال: إن من يأتني أشكره. وأما قولهم: علمت أيهم في الدار، فإن الفعل لما كان من أفعال القلوب، وليس أثرها المعنوي بظاهر كأفعال العلاج فإنها محسوسة الاثار كالضرب والمشي، جوز تقديمه على الكلام المصدر بأداة الاستفهام والنفي ولام الابتداء، مع تأثيره فيه معنى، مع أن تقدمه كلا تقدم، إذ معنى ظننت زيدا قائما: زيد قائم في ظني، ومنع من العمل فيه ظاهرا، احتراما للفظ المقتضي للصدر. وأما قولهم: الذي ما يضرب، والذي إن تضربه يضربك، فإن الموصول وإن كان مع الصلة ككلمة واحدة، إلا أنه لا يؤثر في صلته معنى، ونحو قولهم: زيد من أبوه،
[ 260 ]
وعمرو في دار من هو، أولى بالجواز، لان المبتدأ كما أنه لا يؤثر معنى من المعاني في الخبر، ليس هو معه، أيضا، كالمفرد، كما كان الموصول مع صلته كذلك. فإن قيل: كيف الجمع بين قوله ههنا: أين مفرد (1)، وقوله قبل: وما وقع ظرفا فالاكثر أنه مقدر بجملة. قلت: لا شك أن لفظ " أين " اسم مفرد في الوضع، سواء قدر بالجملة أو بالمفرد، فأين في: أين زيد، مفرد واقع موقع الجملة على الاصح، فيصح أن يقال: إنه خبر مفرد. وإن كان الاستفهام ظرفا متعلقا بالخبر المفرد الملفوظ به وجب تقديمه على المبتدأ، إما مع الخبر، نحو: علام راكب زيد، أو بدونه نحو: علام زيد راكب. قوله: " وإذا تضمن الخبر المفرد "، اعلم أنه لا يقع من جملة مقتضيات الصدر، خبرا مفردا، إلا كلمة الاستفهام، نحو: من زيد، أو مضاف إليها، نحو: غلام من زيد ؟ قوله: " أو كان مصححا "، أي كان الخبر، أي تقدمه مصححا لمجئ المبتدأ
نكرة، على ما ذكر قبل في جواز تنكير المبتدأ، أن تقدم حكم النكرة عليها، خصصها حتى جاز وقوعها مبتدأ، وقد قلنا عليه ما فيه كفاية. والاولى أن يقال في ايجاب تقدم الظرف خبرا عن المبتدأ المنكر، في الاغلب مما لا يتضمن معنى الدعاء: إن العلة فيه خوف لبس الخبر بالصفة مع كثرة استعمال الظرف خبرا، فلو قل وقوع الظرف خبرا عن المنكر، اغتفر ذلك اللبس القليل، كما في قوله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة، ووجوه يومئذ باسرة " (2).
(1) في تمثيله للخبر المفرد المتضمن ما له صدر الكلام بقوله: أين زيد، (2) الايتان 22 و 24، من سورة القيامة. (*)
[ 261 ]
وتقديم الخبر غير الظرف على المبتدأ، لا يرفع اللبس ولا يعينه للخبرية إذ لو قلت في رجل قائم: قائم رجل، احتمل كون رجل خبرا عن قائم، أو بدلا منه، وأما الظرف فإنه إذا تقدم تعين للخبرية بسبب انتصابه لفظا أو محلا، هذا كله على مذهب سيبويه. وأما على مذهب الاخفش والكوفيين، فالظرف عامل في الاسم الذي بعده، فليس، إذن، من هذا الباب. قولنا في الاغلب، احتراز عن قولهم: أمت في حجر لا فيك، (1) وقولنا مما لا يتضمن معنى الدعاء، احتراز عن نحو: سلام عليك. وويل لك، فإن الاغلب تأخير الخبر، لما ذكرنا قبل. قوله: " أو لمتعلقه " أي لمتعلق الخبر بكسر اللام، ونعني بالمتعلق جزء الخبر، فقولك: على التمرة خبر، والمجرور جزؤه، ويجوز أن يريد بالخبر ذلك المقدر، لان الجار والمجرور متعلق به، والمجرور وحده يتعلق بعامله، لان الجار ليس بمتعلق في الحقيقة، بل بسبب تعلق المجرور بعامله القاصر. يعني إذا اتصل بالمبتدأ ضمير يرجع إلى جزء الخبر، وجب تقديم الخبر حتى لا يلزم
ضمير قبل الذكر، فلو قلت: مثلها زبدا على التمرة، لكان مثل: صاحبها في الدار، وقد تقدم امتناعه، وإذا كان الضمير في صفة المبتدأ، نحو على التمرة زبد مثلها، جاز تأخير الخبر عن المبتدأ بان يتوسط بينه وبين صفته، نحو: زبد على التمرة مثلها، إذ الفصل بين الصفة والموصوف جائز. فإن تقدم المفسر المتعلق بالخبر على المبتدأ ذي الضمير وتأخر الخبر عنه نحو: في الدار مالكها نائم جاز عند البصريين، وعند هشام من الكوفيين خلافا للباقين، وكأن المانع نظر إلى أن المفسر مرتبته التأخر لتعلقه بالخبر، وليس بشئ لان التقدم اللفظي كاف في صحة عود الضمير.
(1) الامت الاعوجاج وعدم الاستقامة، (*)
[ 262 ]
ألا ترى إلى قوله تعالى: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه " (1)، ووافق الكسائي البصريين في جواز نحو: زيدا غلامه ضارب، لا في نحو: زيدا غلامه ضرب، وكأنه نظر إلى شدة طلب الفعل لمفعوله، فكأن مفعوله متأخر عنه، بخلاف اسم الفاعل، فإن طلبه له بالمشابهة. والاولى: الجواز في الكل، لما ذكرنا من الاكتفاء بالتقدم اللفظي. قوله: " أو عن أن " يعني: أو كان الخبر عن أن مع أسمها وخبرها. يريد: إذا كان: أن مع صلتها مبتدأ وجب تقديم خبرها عليها، وقد تقدم أنها مع صلتها فاعل عند أبي علي، إذا كان الخبر ظرفا. وإنما تعين تقديم الخبر لئلا يلتبس بإن المكسورة، لانك لو جئت بالخبر، بعد خبر أن المفتوحة، إما ظرفا نحو: أن زيدا قائم عندي، أو غير ظرف نحو: أن زيدا قائم حق، لاشتبهت المفتوحة بالمكسورة، ولم تدفع الفتحة الخفية اللبس، لكون الموقع موقع المكسورة، لان لها صدر الكلام بخلاف المفتوحة، كما يجئ في باب الحروف
المشبهة بالفعل. ولا يرفع مجئ خبر المبتدأ بعد خبر " أن " اللبس أيضا، إذ ربما يظن أنه خبر بعد خبر لان المكسورة، أو يظن في الظرف تعلقه بخبر " أن "، وإذا تقدم الخبر على " أن " عرف أنه خبر المبتدأ، وأنه ليس في حيز " أن " المفتوحة، إذ هي حرف موصول، ويجئ في باب الموصول أن ما في حيز الصلة لا يتقدم على الموصول، ولا ما في حيز خبر " إن " المكسورة، لان لها الصدر، فإذا تعين أن المقدم خبر، والمكسورة مع اسمها وخبرها لا يصح أن تكون مبتدأ، لانها جملة والمبتدأ مفرد، تعين أن ما بعد الخبر هي أن المفتوحة لا غير.
(1) الاية 124 من سورة البقرة. (*)
[ 263 ]
وإذا كانت " أن " المفتوحة مع صلتها بعد " أما " نحو: أما أنك خارج فلا أصدقه، فإنها تتقدم على خبرها، لما نذكر في حروف الشرط: أن الجملة التامة، لا تتوسط بين " أما " وفائها. ويجب أيضا، تأخير المبتدأ الذي بعد " الا " لفظا نحو: ما قائم إلا زيد، أو معنى، نحو: إنما قائم زيد، لانك إن قدمته من دون " الا " انعكس الحصر، وإن قدمته مع " إلا " لم يجز لتقدم أداة الاستثناء على الحكم في الاستثناء المفرغ، ولا يجوز ذلك، كما يجئ في باب الاستثناء. وإذا كان تقديم الخبر يفهم منه معنى لا يفهم بتأخيره، وجب التقديم، نحو قولك: تميمي أنا، إذا كان المراد التفاخر بتميم، أو غير ذلك مما يقدم له الخبر. تعدد الخبر قال ابن الحاجب: " وقد يتعدد الخبر، مثل زيد عالم عاقل ".
قال الرضى: اعلم أن تعدد الخبر، أما أن يكون بعطف أو بغيره، فالاول نحو: زيد عالم وعاقل، وليس قولك: هما عالم وعاقل من هذا، لان كلامنا فيما تعدد فيه الخبر عن شئ واحد، وههنا، الخبر عنه بالمعالم غير المخبر عنه بالجاهل. والثاني على ضربين، لان الاخبار المتعددة، إما أن تكون متضادة أو، لا، وليس ما تعدد لفظا دون معنى، من هذا في الحقيقة، نحو: زيد جائع نائع، لانهما بمعنى واحد والثاني في الحقيقة تأكيد للاول. فإن لم تكن متضادة، كقوله تعالى: " وهو الغفور الودود، ذو العرش المجيد،
[ 264 ]
فعال لما يريد " (1)، ففي كل واحد ضمير يرجع إلى المبتدأ، إن كان مشتقا، ولا إشكال فيه. وإن كانت متضادة فهي على ضربين: إما ان يتصف جزء المبتدأ ببعض تلك الاخبار، والجزء الاخر بالخبر الاخر، أو يتصف المجموع بكل واحد منهما، فالاول نحو قولك للابلق: هذا أبيض أسود. وليس هو في الحقيقة مما تعدد فيه الخبر، لانه مثل قولك: هما عالم، وجاهل، إلا أن الفرق بينهما أن الضمير في كل واحد من: عالم، وجاهل، لا يرجع إلى مجموع المبتدأ، بل المعنى: هما رجل عالم ورجل جاهل. وأما الضمير في كل واحد من: أبيض، وأسود، فإنه يرجع إلى مجموع المبتدأ، بدليل مطابقتهما له إفرادا وتثنية وجمعا، كقولك: هما أبيضان أسودان، وهم بيض سود. وإنما جاز ذلك مع أن المراد: بعضه أبيض وبعضه أسود، كما أن المراد بالاول: أحدهما عالم والاخر جاهل، لاتصال البعضين بخلاف جزأيهما، فإن كل واحد منهما منفصل عن الاخر. وإذا جاز إسناد الشئ إلى الشئ، مع أن المسند إليه في الحقيقة متعلقه الخارج
عنه مع قيام القرينة، نحو: هذا حسن الغلام بنصب الغلام وجره، فلان يجوز إسناد الشئ إلى الشئ مع أن المسند إليه في الحقيقة جزء المسند إليه في الظاهر: أولى، وهذا كما تقول: النارنج أحمر، أي ظاهر قشره، ومنه قولهم: زيد حسن الوجه وحسن وجه وحسن وجها، نصبا وجرا. وأما الثاني، أعني ما اتصف فيه المجموع بكل واحد منهما، نحو: هذا حلو حامض، فلا إشكال فيه، لان الضمير يرجع من كل واحد من الخبرين إلى مجموع المبتدأ، إذ المعنى: في جميع أجزائه حلاوة وفيها كلها حموضة، لانه امتزج الطعمان في جميع