* ( ذكر أيام الواثق بن المعتصم )
*
قال أبو الفرج علي بن الحسين : لا نعلم أحدا قتل في أيامه ،
ألا أن علي ابن محمد بن حمزة ذكر أن عمرو بن منيع ، قتل علي بن محمد بن عيسى بن
زيد بن علي ابن الحسين ، ولم يذكر السبب في ذلك ، فحكيناه عنه على ما ذكره ،
فقتل في
الواقعة التي كانت بين محمد بن مكيال ومحمد بن جعفر هذا
بالري . وكان آل أبي طالب مجتمعين بسر من رأى في أيامه تدر الارزاق عليهم حتى
تفرقوا في أيام المتوكل .
* ( ذكر أيام المتوكل جعفر بن
محمد المعتصم ) *
ابن هارون الرشيد ومن ظهر فيها فقتل أو حبس من آل أبي طالب
عليه السلام وكان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب ، غليظا على جماعتهم
مهتما بأمورهم شديد الغيظ والحقد عليهم ، وسوء الظن والتهمة لهم ، واتفق له ان
عبيدالله ابن يحيى
بن خاقان وزيره يسئ الرأى فيهم ، فحسن له القبيح في
معاملتهم ، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله، وكان من ذلك
أن كرب قبر الحسين وعفى أثاره ، ووضع على سائر الطرق مسالح له لا يجدون أحدا
زاره إلا أتوه به فقتله أو
أنهكه عقوبة . فحدثني أحمد بن الجعد الوشاء ، وقد شاهد
ذلك ، قال : كان السبب في كرب قبر الحسين أن بعض المغنيات كانت تبعث بجواريها
إليه قبل الخلافة يغنين له إذا شرب ، فلما وليها بعث إلى تلك المغنية فعرف أنها
غائبة ، وكانت قد
زارت قبر الحسين ، وبلغها خبره ، فأسرعت الرجوع ، وبعثت
إليه بجارية من جواريها كان يألفها ، فقال لها : أين كنتم ؟ قالت : خرجت مولاتي
إلى الحج وأخرجتنا معها وكان ذلك في شعبان ، فقال : إلى أين حججتم في شعبان ؟
قالت : إلى قبر
الحسين فاستطير غضبا ، وأمر بمولاتها فحبست ، واستصفى
أملاكها ، وبعث برجل من أصحابه يقال له : الديزج ، وكان يهوديا فأسلم ، إلى قبر
الحسين ، وأمره بكرب قبره ومحوه وإخراب كل ما حوله ، فمضى ذلك وخرب ما حوله ،
وهدم
البناء وكرب ما حوله نحو مائتي جريب ، فلما بلغ إلى قبره
لم يتقدم إليه احد ، فأحضر قوما من
اليهود فكربوه ، وأجرى الماء حوله ، ووكل به مسالح بين
كل مسلحتين ميل ، لا يزوره زائر إلا أخذوه ووجهوا به إليه . فحدثني محمد بن
الحسين الاشناني ، قال : بعد عهدي بالزيارة في تلك الايام خوفا ، ثم عملت على
المخاطرة بنفسي فيها
وساعدني رجل من العطارين على ذلك ، فخرجنا زائرين نكمن
النهار ونسير الليل حتى أتينا نواحي الغاضرية ، وخرجنا منها نصف الليل فسرنا
بين مسلحتين وقد ناموا حتى أتينا القبر فخفي علينا ، فجعلنا نشمه ونتحرى جهته
حتى أتيناه ، وقد قلع
الصندوق الذي كان حواليه وأحرق ، وأجري الماء عليه
فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق ، فزررناه وأكببنا عليه فشممنا منه رائحة ما
شممت مثلها قط كشئ من الطيب ، فقلت للعطار الذي كان معي : أي رائحة هذه ؟ فقال
: لا والله ما شممت
مثلها كشئ من العطر ، فودعناه وجعلنا حول القبر علامات
في عدة مواضع فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة حتى صرنا
إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات وأعدناه إلى ما كان عليه . واستعمل على المدينة
ومكة عمر بن الفرج
الرخجي فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس ، ومنع
الناس من البر بهم ، وكان لا يبلغه أن أحدا أبر أحدا منهم بشئ وان قل إلا أنهكه
عقوبة ، وأثقله غرما ، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه
واحدة بعد واحدة ،
ثم يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر ، إلى أن قتل
المتوكل ، فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم ، ووجه بمال فرقه فيهم ، وكان يؤثر
مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادة مذهبه طعنا عليه ونصرة لفعله .