- مقاتل الطالبيين- ابو الفرج الاصفهاني  ص 382 : -

* ( محمد ( 1 ) بن القاسم بن علي ) *

ومحمد بن القاسم بن علي بن عمر ( 2 ) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه صفية بنت موسى بن عمر بن علي بن الحسين . ويكنى أبا جعفر . وكانت العامة تلقبه الصوفي ، لانه كان يد من لبس الثياب من الصوف الابيض ،

 

 

هامش

 
 

( 1 ) - انفردت الخطية بترجمة موجزة قبل هذه الترجمة ، وهي : " محمد بن القاسم بن علي بن عمر ، عمر بن علي بن الحسين بن علي " وأمه صفية بنت موسى بن عمر بن علي بن الحسين بن علي ، اخرج في أيام المعتصم بالطالقان فأخذه عبد الله بن طاهر وبعث به إلى

المعتصم بعد وقعة كانت بينه وبينه انهزم منها واستتر بنيسابور مدة طويلة فأدخل مقيدا عليه جبة صوف معاد له رجل من أصحاب عبد الله بن طاهر إلى سر من رأى يوم نيروز والمعتصم يشرب وبين يديه الفراغنة يلعبون فلم يزل واقفا والناس ينظرون إليه حتى فرغ الفراغنة

من لعبهم ثم أمر به فحبس في يدي مسرور في محبس في البير فكاد أن يتلف فأمر بإخراجه وحبس في قبة في بستان موسى فلم يزل محبوسا فيها . ثم إنه طلب من الموكلين به سعفة وقال لهم أريد أن أطرد بها فئرا قد آذينني يأكلن ما يحمل إلي فأتوه بها فطلب مقراضا

ليقض به أظفاره فاشترى له فجعل يقطع لبدا كانت تحته حير صيره مثل السيور ثم فتل منه حبل وقطع سعفه قطعا وشدها في ذلك الحبل ثم رمى بها إلى روزنة كانت في البيت فاعترض فيها وتسلق عليه حتى علا السطح ليلة فطر في سنة تسع عشرة ومائتين وقد مضى الموكلون به إلى منازلهم للعيد فلم يبق إلا شيخ واحد فنزل محمد بن القاسم إلى البستان وفيه جماعة من الجند =>

 

 

- ص 383 -

وكان من اهل العلم والفقه والدين والزهد وحسن المذهب .

 

 

هامش

 
 

=> فقالوا له من أنت ؟ فقال : بعض هؤلاء المرتبين الذين يقيمون بالحمام ، فقال له نم مكانك حتى تصبح ثم تمضى لا يلحقك العسس ، فنام بين الجند ثم خرج من غد حتى وافى دجلة يريد العبور في زورق إلى الجانب الغربي فصادف الشيخ الذي كان موكلا به في الزورق فعرفه

محمد ولم يعرفه الشيخ لانه كان بينه وبينه باب لا يراه فلما أراد الخروج طالبه الملاح بأجرته فحلف له أنه لا شئ معه فأعطاه الشيخ الذي كان موكلا به أجرته ومضى فاستتر مدة المعتصم والواثق ثم وجد في ايام المتوكل فحمل إليه حتى مات في مجلسه. ويقال إنه كان سقي سما

فمات منه ، وانما ذكرنا خبره في أيام المعتصم لان خروجه كان فيها وكان محمد يذهب مذهب المعتزلة فحدثني أحمد بن سعيد قال : حدثني عبيد بن حمدون قال سمعت عباد بن يعقوب يقول : كنت أناو يحيى بن الحسن بن الفرات الحريري مع محمد بن القاسم في زورق نريد الرقة

ومعنا جماعة من هذه الطبقة فظهرنا من مذهبه على شئ من الاعتزال فخرجنا وتركناه فجعل يبكي ويسألنا الرجوع فما كلمه منا أحد " .


( 2 ) قال الطبري في أحداث سنة تسع عشرة ومائتين : ( فمن ذلك ما كان من ظهور محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بالطالقان من خراسان يدعو إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم ، فاجتمع إليه بها ناس كثير وكانت بينه وبين قواد

عبد الله بن طاهر وقعات بناحية الطالقان وجبالها فهزم هو وأصحابه ، فخرج هاربا يريد بعض كور خراسان ، كان أهله كاتبوه فلما صار بنسا ، وبها والد لبعض من معه مضى الرجل الذي معه من نسا إلي والده ليسلم عليه ، فلما لقي أباه سأله عن الخبر فأخبره بأمرهم وأنهم

يقصدون كورة كذا فمضى أبو ذلك الرجل إلى عامل نسا فأخبره بأمر محمد بن القاسم ، فذكر أن العامل بذل عشرة آلاف درهم على دلالته عليه ، فدله عليه ، فجاء العامل إلى محمد بن القاسم فأخذه واستوثق منه ، وبعث به إلى عبد الله بن طاهر ، فبعث به عبد الله بن طاهر =>

 

 

- ص 384 -

وكان يذهب إلى القول بالعدل والتوحيد ، ويرى رأى الزيدية الجارودية ( 1 ) خرج في أيام المعتصم بالطالقان ، فأخذه عبد الله بن طاهر ، ووجه به إلى المعتصم ، بعد وقائع كانت بينه وبينه .


أخبرني بخبره احمد بن عبيدالله بن عمار ، عن محمد بن الازهر، ونسخت شيئا من أخباره من كتاب أحمد بن الحارث الخراز ، وحدثني بخبره مشروحا جعفر بن أحمد بن أبي مندل الوراق الكوفي ، قال : حدثني عبيدالله بن حمدون ، قال : حدثني

إبراهيم بن عبد الله العطار ، وكان مع أبي جعفر محمد بن القاسم بالطالقان . وفي أحوال تنقله بخراسان ، قال : نزل بمرو ، وكان معه من الكوفيين بضعة عشر رجلا ، وكان قبل ذلك قد خرج إلى ناحية الرقة ، وإلى ناحية الروز ، ومعه جماعة من وجوه الزيدية ، منهم : يحيى بن الحسن بن الفرات الفراز ؟ ، وعباد بن
 

 

هامش

 
 

=> إلى المعتصم ، فقدم به على يوم الاثنين لاربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر فحبس فيما ذكر بسامرا عند مسرور الخادم الكبير في محبس ضيق يكون قدر ثلاثة أذرع في ذراعين ، فمكث فيه ثلاثة أيام ، ثم حول إلى موضع أوسع من ذلك وأجرى عليه طعام ووكل به

قوم يحفظونه ، فلما كان ليلة الفطر واشتغل الناس بالعيد والهنئة ، احتال للخروج ، وذكر أنه هرب من الحبس بالليل ، وأنه دلى إليه حبل من كوة كانت في أعلى البيت يدخل عليه منها الضوء . فلما أصبحوا أتوا بالطعام للغداء فقعد . فذكر أنه جعل لمن دل عليه مائة الف درهم ، وصاح بذلك الصائح ، فلم يعرف له خبر " .


( 1 ) أتباع أبي الجارود زياد بن المنذر العبدي ، وقد زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي بالوصف دون الاسم ، وزعموا أن الصحابة كفروا بتركهم بيعة علي ، وإنما قيل لهم ، وللبترية التي سبقت الاشارة إليها ، زيدية لقولهم بإمامة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب في وقته . راجع الفرق بين الفرق ص 22 والملل والنحل 1 / 212 . [ * ] 

 

 

- ص 385 -

يعقوب الرواجني ، فسمعوه يتكلم مع أحدهم بشئ من مذهب المعتزلة فتفرق الكوفيون جميعا عنه ، وبقينا معه بضعة عشر رجلا ، فتفرقنا في الناس ندعوهم إليه ، فلم نلبث إلا يسيرا حتى استجاب له أربعون الفا ، واخذنا عليهم البيعة وكنا انزلناه

في رستاق من رساتيق مرو واهله شيعة كلهم ، فأحلوه في قلعة لا يبلغها الطير، في جبل حريز فلما اجتمع امره وعدهم لليلة بعينها ، فاجتمعوا إليه ونزل من القلعة إليهم ، فبينا نحن عنده إذ سمع بكاء رجل واستغاثته ، فقال لي : يا إبراهيم قم فانظر ما

هذا البكاء . فأتيت الموضع فوقفت فيه فاستقربت البكاء حتى انتهيت إلى رجل حائك ، قد أخذ منه رجل من اصحابنا ممن بايعنا لبدا ، وهو متعلق به ، فقلت : ما هذا وما شأنك ؟ فقال : أخذ صاحبكم هذا لبدي . فقلت : اردد عليه لبده فقد سمع

أبو جعفر بكاءه . فقال لي الرجل : إنما خرجنا معكم لنكتسب وننتفع ونأخذ ما نحتاج إليه ، فلم أزل ارفق به حتى اخذت منه اللبد ورددته إلى صاحبه ، ورجعت إلى محمد ابن القاسم فأخبرته بخبره وأنى قد انتزعت منه اللبد ورددته على صاحبه ،

فقال : يا إبراهيم ، أبمثل هذا يصردين الله ؟ ثم قال لنا : فرقوا الناس عني حتى أرى رأيى . فخرجنا إلى الناس فقلنا لهم : إن صورة الامر قد اوجبت أن تنفرقوا في هذا الوقت ، فتفرقوا . ورحل محمد بن القاسم من وقته إلى الطالقان ، وبينها وبين

مرو أربعين فرسخا ، فنزلها ، وتفرقنا ندعو الناس فاجتمع عليه عالم ، وجئنا إليه فقلنا له : إن اتممت على أمرك ، وخرجت فنابذت القوم رجونا ان ينصرك الله ، فإذا ظفرت اخترت حينئذ من ترضاه من جندك ، وإن فعلت كما فعلت بمرو ، اخذ

عبد الله بن طاهر بعقبك ، فأصلح من إسلامك إيانا ونفسك إليه ، ان تجلس في بيتك ويسعك ما يسع سائر اهل بيتك . فأتم عزمه وخرج في الناس ، وبلغ خبره عبد الله بن طاهر فوجه إليه رجلا يقال له : الحسين بن نوح ، وكان صاحب شرطته فلقيناه وقاتلناه فهزمناه هزيمة قبيحة ، ولما اتصل خبره بعبدالله قامت قيامته فجرد 
 

- ص 386 -

قائدا من أصحابه يقال له نوح بن حبان بن جبلة ، أو قال حبان بن نوح بن جبلة ، فلقيناه فهزمناه اقبح من هزيمتنا للحسين بن نوح ، وانحاز إلى بعض النواحي ولم يرجع إلى عبد الله بن طاهر ، وكتب إليه يعتذر ويحلف انه لا يرجع إلا أن يظفر أو

يقتل . فأمده عبد الله بن طاهر بجيش آخر ضخم ، فسار إليه متمهلا ونازله ، وكمن لنا كمناء في عدة مواضع ، فلما التقينا قاتلنا ساعة ثم انهزم متطاردا لنا فاتبعه أصحابنا ، فلما تفرقنا في طلبه خرجت الكمناء على اصحابنا من كل وجه فانهزمنا

وافلت محمد بن القاسم وصار إلى نسا ( 1 ) مستترا ، وثبتنا في النواحي ندعوا إليه .


وقال أبو الازهر في خبره : حدثني علي بن محمد الازدي ، قال: حدثني إبراهيم بن غسان بن الفرج العودي، صاحب عبد الله بن طاهر ، قال : دعاني الامير عبد الله بن طاهر يوما فدخلت عليه فوجدته قاعدا وإلى جانبه كرسى عليه كتاب مختوم غير

معنون ، ويده في لحيته يخللها ، وكان ذلك من فعله دليلا على غضبه ، فتعوذت بالله من شره ، ودنوت إليه فقال لي يا إبراهيم ، احذر أن تخالف أمري فتسلطني على نفسك فلا أبقى لك باقية . قلت : أعوذ بالله أن أحتاج في طاعتك إلى هذا

الوعيد ، ان أتعرض لسخطك قال : قد جردت لك ألف فارس من نخبة عسكري ، وأمرت أن يحمل معك مائة الف درهم تصرفها فيما تحتاج إلى صرفها فيه من أمورك ، فاضرب الساعة بالطبل والبوق فإنهم يتبعونك ، فاخرج واركض ، وخذ من خاص خيلي ثلاثة أفراس تجنب معك تنتقل عليها ، وخذ بين يديك دليلا قدر سمته لصحبتك ، فادفع إليه من

 

 

هامش

 
 

( 1 ) نسا : مدينة بخراسان ، وكان سبب تسميتها بهذا الاسم أن المسلمين لما وردوا خراسان قصدوها فبلغ أهلها فهربوا ، ولم يتخلف غير النساء ، فلما أتاها المسلمون لم يروا بها رجلا ، فقالوا هؤلاء نساء ، والنساء لا يقاتلن فننسئ أمرها الآن إلى أن يعود رجالهن ، فتركوها ومضوا فسموا بذلك نساء ، والنسبة الصحيحة إليها نسائي ، راجع معجم البلدان 8 / 282 - 283 [ * ] 

 

 

- ص 387 -

المال ألف درهم ، واحمله على فرس من الثلاثة فليركض بين يديك ، فإذا صرت على فرسخ واحد من نسا ، فافضض الكتاب واقرأه ، واعمل بما فيه ، ولا تغادر منه حرفا ، ولا تخالف مما رسمته شيئا ، واعلم أن لي عينا في جملة من صحبك

يخبرني بأنفاسك ، فاحذرثم احذر ، ثم احذر وأنت أعلم . قال إبراهيم بن غسان : فخرجت وضربت بالطبل ، ووافاني الفرسان جميعا بشادياج وهو موضع قصور آل طاهر ، وعبد الله يشرف من شرف علينا ، فعبأت أصحابي ودفعت فرسى أركضه ،

ويتبعوني نسير خببا حينا وتقريبا حينا ، حتى صرنا في اليوم الثالث إلى نسا ، على فرسخ منها ففضضت الكتاب فقرأته فإذا فيه : سر على بركة الله وعونه ، فإذا كنت على فرسخ فعبئ أصحابك تعبئة الحرب ، وأدخل نسا ، وأنفذ قائدا من قوادك في

ثلثمائة يأخذ على أصحاب البريد داره فيحدق بها هو وأصحابه ، وأنفذ قائدا في خمسمائة فارس إلى باب عاملها ، تحرزا من وقوع حيلة ببيعة وقعت في أعناقهم لمحمد بن القاسم ، وسر في باقي أصحابك إلى محلة كذا وكذا ، ودرب كذا وكذا ، دار

فلان بن فلان ، وادخل الدار الاولى ، ثم أنفذ فيها إلى دار ثانية ، فإذا دخلتها فانفذ منها إلى دار ثالثة ، فإذا دخلتها فارق على درجة فيها على يمينك ، فانك تصير إلى غرفة فيها محمد بن القاسم العلوي الصوفي ، ومعه رجل من أصحابه يقال له :

أبو تراب ، فاستوثق منهما بالحديد استيثاقا شديدا وأنفذ إلي خاتمك مع خاتم محمد بن القاسم ، لاعلم ظفرك به قبل كتابك ، وأنفذ الخاتمين مع الرسول ومره فليركض بهما ركضا حتى يصير إلي في اليوم الثالث إن شاء الله ، ثم اكتب إلي بعد ذلك

بشرح خبرك ، وكن على غاية التحرز والتحفظ والتيقظ في أمره حتى تصير به وصاحبه إلى حضرتي . قال إبراهيم : فما رأيت خبرا كان كانه وحى مثله ، فصرت إلى الموضع فامتثلت أمره ، فوجدت محمد على رأس الدرجة ، متلثما بعمامة وقد شد له على 

- ص 388 -

بغل أسفل الدرجة، وهو يريد الرحيل إلى خوارزم، فقبضت عليه ، فقال : ما شأنك ومن تريد ؟ قلت : محمد بن القاسم. قال : أنا محمد بن القاسم . قلت هات خاتمك فأعطاني خاتمه ، فأنفذته مع خاتمي إلى عبد الله بن طاهر مع رجل دفعت إليه فرسا

من تلك الخيل يركبه ، وجنيبة يجنبها مخافة أن يعثر فرسه ، وأمرت بعض أصحابي بدخول الغرفة ، فقال لي : ما تريد من دخول الغرفة ، وقد أخذتني وليس هناك أحد فلم التفت إليه ، وأمرت أصحابي فدخلوا الغرفة ففتشوها فوجدوا أبا تراب تحت

نقير ، والنقير شبيه بالحوض من خشب يعجن فيه الدقيق ويعصر فيه العنب ، فأخذتهما واستوثقت منهما بالقيود الثقال ، وكتبت إلى عبد الله بن طاهر بخبرهما وسرت إلى نيسابور ستة أيام ، فصيرت محمد بن القاسم في بيت في داري ، ووكلت

به من أثق به من أصحابي ، ووكلت بأبي تراب عبد الشعراني ، فوضع محمد كساءه وقام يصلي، وعبد الله يشرف من غرفة في الشادياج علينا ، فلما فرغت من الاحتياط صرت إلى عبد الله بن طاهر فأخبرته االخبر وقصصته عليه شفاها . فقال لي :

لابد من أن أنظر إليه ، إلي مع المغرب وعليه قميص وسراويل ونعل ورداء ، وهو متنكر ، فلما نظر إلى محمد بن القاسم وثقل الحديد عليه قال لي : ويلك يا إبراهيم أما خفت الله في فعلك ؟ أتقيد هذا الرجل الصالح بمثل هذا القيد الثقيل ؟ فقلت

أيها الامير خوفك أنساني خوف الله ، ووعدك الذي قدمته إلي أذهل عقلي ، عما سواه . فقال لي : خفف هذا الحديد كله عنه ، وقيده بقيد خفيف في حلقتة رطل بالنيسابوري - ووزن الرطل النيسابوري مائتا درهم - وليكن عموده طويلا ، وحلقتاه

واسعتين ليخطو فيه ومضى وتركه . فأقام بنيسابور ثلاثة أشهر يريد بذلك أن يعمى خبره على الناس كيلا يغلب عليه لكثرة من بايعه بكور خراسان . وكان عبد الله يخرج من إصطبله بغالا عليها القباب ليوهم الناس أنه قد أخرجه ، ثم يردها حتى استر بنيسابور سله في 
 

- ص 389 -

جوف الليل وخرج به مع إبراهيم بن غسان الذي أسره من نسا ووافى به الري ، وقد أمره عبد الله بن طاهر أن يفعل به كما فعل هو ، يخرج في كل ثلاث ليال ومعه بغل عليه قبة ومعه جيش حتى يجوز الري بفراسخ ، ثم يعود إلى أن يمكنه سله في

ليلة مظلمة ، ففعل ذلك خوفا من أن يغلب عليه لكثرة من أجابه ، حتى أخرجه من الري ، ولم يعلم به أحد ، ثم اتبعه حتى أورده بغداد على المعتصم . قال إبراهيم بن غسان : فعرضوا على محمد بن القاسم كل شئ نفيس من مال وجوهر وغير ذلك

، فلم يقبل إلا مصحفا جامعا ( كان ) لعبدالله بن طاهر ، فلما قبله سر عبد الله بذلك وإنما قبله لانه كان يدرس فيه . قال : وما رأيت قط أشد اجتهادا منه ، ولا أعف ولا أكثر ذكر الله تعالى مع شدة نفس ، واجتماع قلب ، ما ظهر منه جزع ولا انكسار

، ولا خضوع في الشدائد التي مرت به ، وأنهم ما رأوه قط مازحا ولا هازلا ، ولا ضاحكا إلا مرة واحدة . فإنهم لما انحدروا من عقبة حلوان أراد الركوب ، فجاء بعض أصحاب إبراهيم بن غسان فطأطأ له ظهره ، حتى ركب في المحمل على

البغل فلما استوى على المحمل قال للذي حمله على ظهره مازحا : أتأخذ أرراق بني العباس وتخدم بني علي بن أبي طالب ! وتبسم ، وكان يقال للرجل محمد الشعراني ، وكان من شيعة ولد العباس الخراسانية . فقال له : جعلت فداك ، ولد علي وولد

العباس عندي سواء ، فما سمعناه مزح ولا رأيناه تبسم قبل ذلك ولا بعده ، ولا رأيناه اغتم من شئ جرى عليه إلا يوم ورد عليه كتاب المعتصم وقد وردنا النهروان ، فكتبنا إليه بالخبر وأستأذناه في الدخول به ، فورد علينا كتابه يأمرنا أن نأخذ جلال

القبة ونسير به مكشوفا ، وإذا وردنا النهرين أن نأخذ عمامته وندخله بغداد حاسرا وذلك قبل أن يبنى سر من رأى ، فلما أردنا الرحيل به من النهروان نزعنا جلال القبة ، فسأل عن السبب في ذلك فأخبرناه ، فاغتم بذلك . ولما صرنا بالنهرين قلنا له يا أبا جعفر انزع عمامتك فان أمير المؤمنين أمران تدخل حاسرا ، فرمى بها إلي ودخل الشماسية 
 

- ص 390 -

في يوم النيروز ، وذلك في سنة تسع عشرة ومائتين ، وهو في القبة وهي مكشوفة وهو حاسر ، وعديله شيخ من أصحاب عبد الله بن طاهر ، واصحاب السماجة بين يديه يلعبون ، والفراغنة يرقصون ، فلما رآهم محمد بكي قال : اللهم إنك تعلم أني

لم ازل حريصا على تغيير هذا وإنكاره . قال : وجعلت الفراغنة يحملون على العامة ويرمونهم بالقذر والميتة ، والمعتصم يضحك ، ومحمد بن القاسم يسبح ويستغفر الله ويحرك شفتيه يدعو عليهم ، والمعتصم جالس في جوسق كان له بالشماسية

ينظر إليهم ، ومحمد واقف . ولما فرغ من لعبه مروا بمحمد بن القاسم عليه ، فأمر بدفعه إلى مسرور الكبير ، فدفع إليه ، فحبس في سرداب شبيه بالبئر فكاد ان يموت فيه ، وانتهى ذلك إلى المعتصم فأمر باخراجه منه فأخرجه وحبس في قبة في

بستان موسى مع المعتصم في داره ، ووكل به مسرور عدة من غلمانه وثقاته ، وكانت في القبة التي هو فيها محبوس عدة روازن وكوى واسعة الضوء ، فطلب مقراضا يكون عنده يقص به اظفاره ، فدفع إليه ، فعمد إلى لبد كان تحته فقطع نصفه

بالمقراض وقصصه كهيئة السيور ، وعمل منه مثل السلم ، وطلب منهم سعفة ذكر انه يريد ان يطرد بها الفأر ، فإنه يأكل خبزه فينجسه عليه فأعطوه فقطعها ، وخرز حواليها بالمقراض حتى كسرها ثلاث قطع ، وقرنها بمسواكه وجعلها في رأس

السلم ، وحلق به في اقرب روزنة من تلك الروازن إليه فعلق فيها وتسلق عليه ، وجذبه إليه لما صعد فنجا ، وكانت ليلة الفطر من سنة تسع عشرة ومائتين ، وقد ادخلت الفواكه والرياحين وآله العيد على رؤوس الحمالين إلى البستان وصار

الحمالون جميعا إلى القبة التي فيها محمد بن القاسم فباتوا حولها ، ورموا بناتيجهم وناموا ، فرمى بنفسه من القبة إلى اسفل ، ونام بين الحمالين ، وتحركت خرزة من فقار ظهره ولم تنفك ، فنام بين الحمالين ثم عجل فأخذ بنتيجة احدهم وذهب ليخرج

فقال احد البوابين : من أنت ؟ فقال : احد الحمالين اردت الانصراف إلى اهلي فقال له نم عندي مكانك لا يأخذك العسس ، فنام عنده . فلما طلع الفجر 
 

- ص 391 -

خرج الحمالون ، وخرج معهم وافلت فلما اصبحوا فتحوا الباب فلم يجدوه ، فأعلموا مسرورا بخبره ، فدخل على المعتصم ، حافيا مستسلما للقتل واعلمه الخبر ، فقال له المعتصم : لا بأس عليك ، إن كان ذهب فلن يفوت ، إن ظهر اخذناه ، وإن آثر

السلامة واستتر تركناه . فقال مسرور بعد ذلك : هذا من تفضل امير المؤمنين علي ولو جرى هذا في ايام الرشيد لقتلني فقيل : إنه رجع إلى الطالقان فمات بها وقيل إنه انحدر إلى واسط ، وذلك الصحيح ( 1 ) .


قال محمد بن الازهر في خبره : فرأيت محمد بن القاسم يوم ادخل إلى بغداد كان ربعة من الرجال اسمر ، في وجهه اثر جدري ، قد اثر السجود في وجهه . قال : وحدثني علي بن محمد الازدي ، والحسين بن موسى بن منير : ان محمد ابن

القاسم لما هرب صار إلى قطيعة الربيع ( 2 ) إلى منزل ( منير ) بن موسى بن منير ، فنقله إلى منزل إبراهيم بن قيس ، فاجتمعا إليه وقالا له : ان الطلب لك سيشتد ، وليست
 

 

هامش

 
 

( 1 ) - في مروج الذهب 2 / 246 " " وقد تنوزع في محمد بن القاسم فمن قائل إنه قتل بالسم ، ومنهم من يقول : إن ناسا من شيعته من الطالقان أتوا ذلك البستان فتاقوا للخدمة فيه من غرس وزراعة ، واتخذوا سلالم من الحبال واللبود والطالقانية ونقبوا الازج وأخرجوه ،

فذهبوا به فلم يعرف له خبر إلى هذه الغاية ، وقد انقاد إلى امامته خلق كثير من الزيدية إلى هذا الوقت ، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة ومنهم خلق كثير يزعمون أن محمدا لم يمت ، وأنه حي يرزق ، وأنه يخرج فيملؤها عدلا كما ملئت جورا ، وأنه مهدي هذه الامة ، وأكثر هؤلاء بناحية الكوفة وجبال طبرستان والديلم وكثير من كور خراسان "


( 2 ) - لما بنى المنصور بغداد أقطع قواده ومواليه قطائع وكذلك فعل غيره ، من الخلفاء ، وقد أضيفت كل قطيعة إلى واحد من رجل أو امرأة ، وقطيعة الربيع منسوبة إلى الربيع بن يونس حاجب المنصور ومولاه ، راجع معجم البلدان 7 / 128 ( * ) 

 

 

- ص 392 -

بغداد لك بمنزل ( فارحل من وقتك قبل ان يشتد عليك الطلب إلى واسط ) فانحدر إلى واسط ، وقد شد وسطه للوهن الذي اصاب فقار ظهره ، فلما صار بواسط مات رحمة الله عليه .


قال علي بن محمد الازدي : فحدثني ابنه علي بن محمد بن القاسم الصوفي: انه لما صار إلى واسط عبر بها دجلة إلى الجانب الغربي ، فنزل إلى ام ابن عمه علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ، وكانت عجوزا مقعدة ، فلما نظرت

إليه وثبت فرحا به وقالت : محمد والله ، فدتك نفسي واهلي ، الحمد لله على سلامتك ، فقامت على رجلها ، وما قامت قبل ذلك بسنين ، فأقام عندها مديدة ، ومرضته من الوهن الذي اصاب ظهره حتى مات بواسط . وذكر احمد بن الحرث الخزاز :

ان محمد بن القاسم لما هرب عبر من الجانب الغربي ، فلما حصل في دجلة نظر فإذا معه في المعبر شيخ من الرجالة الموكلين به ، كان محمد يراه من خلف الباب فعرفه محمد ولم يعرفه الشيخ ، فلما اراد الخروج قال له الملاح : اعطني

اجري ، فحلف له ما معي شئ ، ولا يملك غير الجبة الصوف التي عليه ، فرق له الشيخ الموكل فأعطى الملاح اجرته من عنده . قال احمد : وتوارى محمد بن القاسم ايام المعتصم ، وايام الواثق ، ثم اخذ في ايام المتوكل ، فحمل إليه فحبس حتى مات في محبسه . قال : ويقال انه دس إليه سما فمات منه .


حدثني احمد بن سعيد ، قال : حدثني عبيد بن حمدون ، قال : سمعت عباد ابن يعقوب ، يقول : كنت انا ويحيى بن الحسن بن الفرات الفراز ، مع محمد بن القاسم في زورق نريد الرقة ، ومعنا جماعة من اهل هذه الطبقة ، فظهرنا من مذهبه إلى انه يقول بالاعتزال ، فخرجنا وتركناه ، فجعل يبكي ويسألنا الرجوع فلم نفعل . 

 

- ص 393 -

* ( عبد الله بن الحسين بن عبد الله ) *


وعبد الله بن الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب امتنع من لبس السواد ، وخرقه لما طولب بلبسه فحبس بسر من رأى حتى مات في حبسه ، رضوان الله عليه . 

 

 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب