* ( ذكر من خرج معه وبايعه ) *
حدثني محمد بن الحسين
الاشناني ، قال : حدثني أبي ، قال : خرج مع أبي السرايا أكثر أهل الكوفة إلا من
لا فضل فيه ولا غناء ، فإنما عد من تخلف عنه ثم ذكر لي أن مبلغهم كان زهاء
مائتي ألف وأكثر ، فقلت لمحمد بن الحسين : إن
أحمد بن عبيدالله بن عمار روى لنا عن محمد بن داود بن
الجراح ، عن محمد بن أبي خيثمة ، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني ، قال : رأيت
أبا بكر وعثمان ابني شيبة وقد خرجا مع أبي السرايا وعلى أحدهما عمامة صفراء
والآخر حمراء ،
وقالا : يتأسى بنا الناس . فقال : لم يكونا في ذلك الوقت
بهذا المحل ، وقد بايع لمحمد بن ابراهيم الاكابر ممن حدث عنه ابنا أبي شيبة مثل
يحيى بن آدم فإنه بايعه فجعل محمد يشترط عليه ويحيى يقول : ما استطعت ما استطعت
، ويقول له محمد :
هذا قد استثناه لك القرآن إن الله تعالى يقول :
( فاتقوا الله ما استطعتم ) ثم حدثني الاشناني ،
عن أحمد بن حازم الغفاري ، أن مخول بن إبراهيم خرج معه أيضا ، وذكر جماعة منهم
عاصم بن عامر ، وعامر بن كثير السراج وأبو نعيم الفضل بن دكين وعبد ربه بن علقة
، ويحيى بن الحسن بن الفرات الفزار ونظراء هؤلاء .
حدثني أبو أحمد بن سعيد ، قال
: حدثنا محمد بن المنصور ، قال : حدثني الحسين بن علي بن أخي ليث ، وموسى بن
أحمد القطواني : أنه حضر يحيى بن آدم يبايع محمد بن إبراهيم ، وذكر مثل حديث
الاشناني .
( حدثني أحمد بن سعيد قال :
حدثني الحسين بن القاسم ، قال : حدثني جعفر ابن هذيل ، قال : سمعت ابن نمير
يقول ، وكان قد فاته أكثر كتب أبي معاوية عن الاعمش ، قال : لما قدم يحيى بن
عيسى جعلت أكتب عنه حديث الاعمش الحمد لله الذي
كفاني مؤنة أبي معاوية ذلك المرح أتبدل به من يحيى بن
عيسى فما مكثنا إلا يسيرا حتى خرج أبو السرايا ، فخرج معه يحيى بن عيسى ، فقلت
: إنا لله فررت من ذلك ووقعت مع هذا ) .
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد ،
قال : حدثنا محمد بن المنصور ، قال : سمعت مصفى بن عاصم يقول : سمعت أبا
السرايا يقول : ما دخلت في معصية الله جل وعز من الفواحش قط .
قال : وسمعته يقول : ما هبت أحد قط هيبتي محمد بن
إبراهيم . حدثني أبو عبيد الصيرفي ، قال : حدثني أبي ، قال : رأيت أبا السرايا
يؤتى بمكوكي شعير فيطرح أحدها بين يديه والآخر بين يدي فرسه فيستوفي الشعير قبل
فرسه .
حدثني محمد بن الحسين
الاشناني ، قال : حدثني إبراهيم بن سليمان المقرئ ، قال : كنت واقفا مع أبي
السرايا على القنطرة ، ومحمد بن محمد بصحراء أثير ، فجاءه رجل دسه هرثمة فقال
له : إن المسودة قد دخلت من جانب الجسر ، وأخذ محمد بن
محمد . وإنما أراد أن ينتحى أبو السرايا عن موضعه ، فلما
سمع ذلك وجه فرسه نحو صحراء أثير ، وأقبل هرثمة حتى دخل الكوفة ، وبلغ إلى موضع
يعرف بدار الحسن ، وصار أبو السرايا إلى الموضع فوجد محمدا قائما على المنبر
يخطب . فعلم
أنها حيلة ، فكر راجعا ومعه رجل يقال له مسافر الطائي ،
وكان ، من بني شيبان إلا أنه نزل في قبائل طي فنسب إليهم ، فحمل على المسودة
فزمهم حتى ردهم إلى موقفهم . وجاءه رجل فقال : ان جماعة منهم قد كمنوا لك في
خرابة هاهنا .
فقال : أرينهم ، فأراه الخرابة ، فدخل إليهم فأقام طويلا
ثم خرج يمسح سيفه وينفض علق الدم عن نفسه ، ومضى لوجهه نحو هرثمة ، فدخلت فإذا
القوم صرعى وخيلهم يثب بعضها على بعض . فعددنهم فإدا هم مائة رجل ، أو مائة رجل
إلا رجلا .
حدثني أحمد بن سعيد ، قال :
حدثني محمد بن المنصور ، قال : سمعت القاسم ابن إبراهيم ونحن في منزل للحسينيين
يقال له الورينة ، يقول : انتهى إلي نعي أخي محمد وأنا بالمغرب ، فتنحبت فأرقت
من عيني سجلا أو سجلين ثم رثيته بقصيدة على أنه كان يقول بشئ من التشبيه ، قال
: ثم قرأها علي من رقعة ، فكتبتها وهي هذه :
يادار دار غرور لا وفاء لها * حيث
الحوادث بالمكروه تستبق
أبرحت أهلك من كد ومن أسف * بمشرع شربه التصدير والرنق
فأن يكن فيك للاذان مستمع * يصبى
ومرأى تسامى نحوه الحدق
فأي عيشك إلا وهو منتقل * وأي شملك إلا وهو مفترق
من سره أن يرى الدنيا معطلة * بعين من لم يخنه الخدع والملق
فليأت دارا جفاها الانس موحشة * مأهولة حشوها الاشلاء والخرق
قل للقبور إذا ما جئت زائرها * وهل يزار تراب البلقع الخلق ؟
ماذا تضمنت يا ذا اللحد من ملك * لم يحمه منك عقيان ولا ورق
بل أيها النازح المرموس يصحبه * وجد ويصحبه الترجيع والحرق
يهدى لدار البلى عن غير مقلية * قد خط في عرصة منها له نفق
وبات فردا وبطن الارض مضجعة * ومن ثراها له ثوب ومرتفق
نائى المحل بعيد الانس اسلمه * بر الشفيق فحبل الوصل منخرق
قد اعقب الوصل منك اليأس فانقطعت * منك القرائن والاسباب والعلق
يا شخص من لو تكون الارض فديته * ما ضاق مني بها ذرع ولا خلق
بينا ارجيك تأميلا واشفق أن * يغبر منك جبين واضح يقق
أصبحت يحثى عليك الترب في جدث * حتى عليك بما يحثى به طبق
إن فجعتني بك الايام مسرعة * فقل مني عليك الحزن والارق
فأيما حدث تخشى غوائله * من بعد هلكك يغنيني به الشفق
قال أبو الفرج : وأخبرنا احمد
بن سعيد ، عن محمد بن منصور ، قال : سمعت القاسم بن إبراهيم يقول : اعرف رجلا
دعا الله في ليلة وهو في بيت فقال : اللهم إني أسألك بالاسم الذي دعاك به (
صاحب ) سليمان فجاءه السرير فتهدل البيت عليه رطبا.
قال : وسمت القاسم يقول : أعرف رجلا دعاالله فقال :
اللهم إني أسألك بالاسم الذي من دعاك به اجبته وهو في ظلمة ، فأمتلا البيت نورا
. قال محمد : عنى به نفسه ، وقد كان القاسم بن إبراهيم أراد الخروج واجتمع
له أمره فسمع في عسكره صوت طنبور فقال : لا يصلح هؤلاء
القوم ابدا وهرب وتركهم . قال أبو الفرج علي بن الحسين الاصبهاني : وفيما كتب
به إلي علي بن احمد العجلي ، قال : اخبرنا يحيى بن عبد الرحمن قال : قال الهيثم
بن عبد الله الخثعمي يرثى ابا السرايا وذكرها ابن عمار ووصف انه لا يعرف قائلها
:
وسل عن الظاعنين ما فعلوا * واين
بعد ارتحالهم نزلوا
ياليت شعري والليت عصمة من * يأمل ما حال دونه الاجل
أين استقرت نوى الاحبة أم * هل يرتجى للاحبة القفل
ركب الحت يد الزمان على * إزعاجهم في البلاد فانتقلوا
بني البشير النذير الطاهر الطهر * الذي اقرت بفضله الرسل
خانهم الدهر بعد عزهم * والدهر بالناس خائن ختل
بانوا فظلت عيون شيعتهم * عليهم لا تزال تنهمل واستبدلوا
بعدهم عدوهم * بئس لعمري بالمبدل البدل
يا عسكرا ما اقل ناصره * لم تشفه من عدوه الدول
فبكتهم بالدماء إن نفذ الدم * ع قد خان فيهم الامل
لا تبك من بعدهم على احد * فكل خطب سواهم جلل
أخوهم يفتدي صفوفهم * زحفا إليهم وما بها خلل
في فيلق يملا الفضاء به * كأنما فيه عارض وبل
رماهم الشيخ من كنانته * والشيخ لا عاجز ولا وكل
بالخيل تردى وهن ساهمة * تحت رجال كأنها الإبل
والسابقات الجياد فوقهم * والبيض والبيض والقنا الذبل
والرجل يمشون في اظلتها * كما تمشى المصاعب البزل
واليزنيات في اكفهم * كأنما في
رؤوسها الشعل
حتى إذا ما التقوا على قدر * والقوم في هوة لهم زجل
شدوا على عترة الرسول ولم تثنيهم رهبة ولا وهل
فما رعوا حقه وحرمته * ولا استرابوا في نفس من قتلوا
والله املى لهم وامهلهم * والله في امره له مهل
بل ايها الراكب المخب اوالنا * عي ابن لي لامك الهبل
ما فعل الفارس المحامي إذا ما ال * حرب فرت أنيابها العصل
أأنت أبصرته على شرف * لله عيناك أيها الرجل
من فوق جذع اناف شائلة * ترمى إليها بلحظها المقل
إن كنت أبصرته كذاك فما * أسلمه ضعفه ولا الفشل
ولو تراه عليه وشكته * والموت دان والحرب تشتعل
في موطن والحتوف مشرعة * فيها قسى المنون تنتضل
والقوم منهم مضرج بدم * وموثق أسره ومنجدل
وفائظ نفسه وذو رمق * يطمع فيه الضباع والحجل
في صدره كالوجارمن يده * يغيب فيها السنان والفتل
يميل منها والموت يحفزه * كما يميل المرنح الثمل
في كفه عضبة مضاربها * وذابل كالرشاء معتدل
لخلت أن القضاء من يده * وللمنايا من كفه رسل
يا رب يوم حمى فوارسه * وهو لا مرهق ولا عجل
كأنه آمن منيته * في الروع تشاجر
الاسل
في موطن لا يقال عاثره * يغص فيه بريقه البطل
أبا السرايا نفسي مفجعة * عليك والعين دمعها خضل
من كان يغضى عليك مصطبرا * فان صبري عليك مختزل
هلا وقاك الردى الجبان إذا * ضاقت عليه بنفسه الحيل
أم كيف تخشك المنون ولم * يرهبك إذ حان يومك الاجل
فاذهب حميدا فكل ذي اجل * يموت يوما إذا انقضى الاجل
والموت مبسوطة حبائله * والناس ناج منهم ومحتبل
من تعتلقه تفت به ابدا * ومن نجا يومه فلا يئل ( 1 )
هذا آخر خبر أبي السرايا ( 2
) رحمه الله .
|
هامش |
|
|
( 1 ) - فلا يئل : أي فلا يخلص ، جاء في تاج العروس
: " وفي حديث علي رضى الله عنه أن درعه كانت صدرا بلا ظهر ، فقيل له :
لو احترزت من ظهرك ، فقال : إذا أمكنت من ظهرك فلا وألت أي لا نجوت " .
( 2 ) راجع الطبري 10 / 245 ( * )
|
|
|