قال عيسى : قلت لابي الصلت : من أبوبكركم ؟ فقال : علي
بن موسى الرضا ، كان يكنى بها ، وامه ام ولد . كان المأمون عقد له على العهد من
بعده ، ثم دس إليه فيما بعد ذلك سما فمات منه .
* ( ذكر الخبر في ذلك ) *
أخبرني ببعضه علي بن الحسين بن علي بن حمزة ، عن عمه
محمد بن علي بن حمزة العلوي ، واخبرني بأشياء منه احمد بن محمد بن سعيد ، قال :
حدثنا يحيى بن الحسن العلوي ، وجمعت أخبارهم : أن المأمون وجه إلى جماعة من آل
أبي طالب
فحملهم إليه من المدينة : وفيهم علي بن موسى الرضا ،
فأخذ بهم على طريق البصرة حتى جاؤه بهم ، وكان المتولي لاشخاصهم المعروف
بالجلودي من اهل خراسان ، فقدم بهم على المأمون فأنزلهم دارا ، وانزل علي بن
موسى الرضا دارا .
ووجه إلى الفضل ابن سهل فأعلمه انه يريد العقد له ،
وأمره بالاجتماع مع اخيه الحسن بن سهل على ذلك ، ففعل واجتمعا بحضرته ، فجعل
الحسن يعطم ذلك عليه ، ويعرفه ما في إخراج الامر من اهله عليه . فقال له : إني
عاهدت الله أن أخرجها
إلى أفضل آل أبي طالب إن ظفرت بالمخلوع وما أعلم أحدا
أفضل من هذا الرجل . فاجتمعا معه على ما أراد، فأرسلهما إلى علي بن موسى فعرضا
ذلك عليه فأبى ، فلم يزالا به وهو يأبي ذلك ويمتنع منه ، إلى أن قال له أحدهما
: إن فعلت وإلا فعلنا
بك وصنعنا ، وتهدده ، ثم قال له أحدهما : والله : أمرني
بضرب عنقك إذا خالفت ما يريد. ثم دعا به المأمون فخاطبه في ذلك فامتنع ، فقال
له قولا شبيها بالتهدد ، ثم قال له : إن عمر جعل الشورى في ستة أحدهم جدك ،
وقال : من خالف فاضربوا
عنقه ، ولابد من قبول ذلك . فأجابه علي بن موسى إلى ما
التمس . ثم جلس المأمون في يوم الخميس ، وخرج الفضل بن سهل فأعلم الناس برأي
المأمون في علي بن موسى ، وأنه ولاه عهده ، وسماه الرضا
. وأمرهم بلبس الخضرة والعود لبيعته في الخميس الآخر على أن يأخذوا رزق سنة ،
فلما كان ذلك اليوم ركب الناس من القواد والقضاة وغيرهم من الناس في الخضرة ،
وجلس المأمون
ووضع للرضا وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلسه وفرشه .
وأجلس الرضا عليهما في الحضرة ، وعليه عمامة وسيف . ثم أمر ابنه العباس بن
المأمون فيابع له أول الناس فرفع الرضا يده فتلقى بظهرها وجه نفسه وببطنها
وجوههم . فقال له
المأمون : ابسط يدك للبيعة . فقال له : إن رسول الله صلى
الله عليه وآله هكذا كان يبايع ، فبايعه الناس ، ووضعت البدر : وقامت الخطباء
والشعراء ، فجعلوا يذكرون فضل علي بن موسى وما كان من المأمون في أمره . ثم دعا
أبو عباد بالعباس
بن المأمون ، فوثب ، فدنا من أبيه فقبل يده وامره
بالجلوس ثم نودي محمد بن جعفر بن محمد ، فقال له الفضل بن سهل قم . فقام ، فمشى
حتى قرب من المأمون ولم يقبل يده ، ثم مضى فأخذ جائزته وناداه المأمون ، ارجع
يا ابا جعفر إلى مجلسك ،
فرجع . ثم جعل أبو عباد يدعو بعلوي وعباسي فيقبضان
جوائزهما حتى نفذت الاموال . ثم قال المأمون للرضا ، قم فاخطب الناس وتكلم فيهم
. فقال بعد حمد الله والثناء عليه إن لنا عليكم حقا برسول الله صلى الله عليه
وآله ، ولكم علينا حق به ، فإذا
اديتم الينا ذلك وجب علينا الحق لكم . ولم يذكر عنه غير
هذا في ذلك المجلس . وامر المأمون فضربت له الدراهم وطبع عليها اسمه . وزوج
إسحاق بن موسى ابن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد ، وامره ان يحج بالناس ،
وخطب للرضا في كل بلد بولاية العهد .
فحدثني احمد بن محمد بن سعيد
، قال : حدثنا يحيى بن الحسن ( العلوي ) ، قال : حدثني من سمع عبد الجبار بن
سعيد يخطب تلك السنة على منبر رسول الله
بالمدينة فقال في الدعاء له : اللهم وأصلح ولي عهد
المسلمين ، علي بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، عليهم
السلام . ستة آباء هم ما هم * هم خير من يشرب صوب الغمام
حدثني الحسن بن الطبيب البلخي
، قال : حدثني محمد بن أبي عمر العدني ، قال : سمعت عبد الجبار يخطب ، فذكر
مثله .
رجع الحديث إلى نظام خبر علي بن
موسى .
قال : وزوج المأمون ابنته أم الفضل محمد بن علي بن موسى على حلكة لونه وسواده ،
ونقلها إليه فلم تزل عنده . واعتل الرضا علته التي مات فيها ، وكان قبل ذلك
يذكر ابني سهل عند المأمون فيزرى عليهما ، وينهي المأمون عنهما ، ويذكر له
مساوئهما . ورآه يوما يتوضأ للصلاة والغلام يصب على يده
الماء فقال : يا أمير المؤمنين ، لا تشرك بعبادة ربك أحدا . فجعل المأمون يدخل
إليه ، فلما ثقل تعالل المأمون وأظهر أنهما أكلا عنده جميعا طعاما ضار مرضا ،
ولم يزل الرضا عليلا حتى
مات . واختلف في أمر وفاته ، وكيف كان سبب السم الذي
سقيه ، فذكر محمد بن علي بن حمزة أن منصور بن بشير ذكر عن أخيه عبد الله بن
بشير ، ان المأمون أمره ان يطول اظفاره ففعل ، ثم اخرج إليه شيئا يشبه التمر
الهندي ، وقال له :
افركه واعجنه بيديك جميعا ، ففعل . ثم دخل على الرضا
فقال له : ما خبرك ؟ قال ، ارجو ان اكون صالحا . فقال له : هل جاءك احد من
المترفقين اليوم ؟ قال : لا ، فغضب وصاح على غلمانه ، وقال له : فخذ ماء الرمان
فانه مما لا يستغنى عنه .
ثم دعا برمان فأعطاه عبد الله بن بشير وقال له : اعصر
ماءه بيدك ، ففعل وسقاه المأمون الرضا بيده فشربه ، فكان ذلك سبب وفاته ولم
يلبث إلا يومين حتى مات . قال محمد بن علي بن حمزة ، ويحيى : فبلغني عن أبي
الصلت الهروي : أنه دخل
على الرضا بعد ذلك فقال له : يا أبا الصلت قد فعلوها : (
أي قد سقوني السم ) . ( وجعل يوحد الله ويمجده ) . قال محمد بن علي : وسمعت
محمد بن الجهم يقول : إن الرضا كان يعجبه العنب فأخذ له عنب وجعل في موضع
أقماعه الابر ، فتركت
أياما فأكل منه في علته فقتله وذكر أن ذلك من لطيف
السموم . ولما توفي الرضا لم يظهر المأمون موته في وقته ، وتركه يوما وليلة ،
ثم وجه إلى محمد بن جعفر بن محمد ، وجماعة من آل أبي طالب . فلما أحضرهم وأراهم
إياه صحيح الجسد لا
أثر به ، ثم بكى وقال : عز علي يا أخي أن أراك في هذه
الحالة ، وقد كنت أؤمل أن أقدم قبلك ، فأبى الله إلا ما أراد . وأظهر جزعا
شديدا وحزنا كثيرا . وخرج مع جنازته يحملها حتى أتى الموضع الذي هو مدفون فيه
الآن ، فدفنه هناك إلى
جانب هارون الرشيد . وقال أشجع بن عمرو السلمي يرثيه ،
هكذا أنشدنيها علي بن الحسين بن علي ابن حمزة ، عن عمه ، وذكر أنها لما شاعت
غير اشجع ألفاظها فجعلها في الرشيد :
يا صاحب العيسى يحدي في أزمتها *
اسمع واسمع غدا يا صاحب العيس
اقرا السلام على قبر بطوس ولا * تقرا السلام ولا النعمى على طوس
فقد أصاب قلوب المسلمين بها * روع وأفرخ فيها روع أبليس
وأخلست واحد الدنيا وسيدها * فأي مختلس منا ومخلوس
ولو بدا الموت حتى يستدير به * لاقى وجوه رجال دونه شوس
بؤسا لطوس فما كانت منازله * مما تخوفه الايام بالبوس
معرس حيث لا تعريس ملتبس * يا طول ذلك من نأي وتعريس
إن المنايا أنالته مخالبها * ودونه عسكر جم الكراديس
أوفى عليه الردى في خيس أشبله * والموت يلقي أبا الاشبال في الخيس
ما زال مقتبسا من نور والده * إلى النبي ضياء غير مقبوس
في منبت نهضت فيه فروعهم * بباسق
في بطاح الملك مغروس
والفرع لا يرتقي إلا على ثقة * من القواعد والدنيا بتأسيس
لا يوم أولى بتخريق الجيوب ولا * لطم الخدود ولا جدع المعاطيس
من يوم طوس الذي نادت بروعته * لنا النعاة وأفواه القراطيس
حقا بأن الرضا أودى الزمان به * ما يطلب الموت إلا كل منفوس
ذا اللحظتين وذا اليومين مفترش * رمسا كآخر في يومين مرموس
بمطلع الشمس وافته منيته * ما كان يوم الردى عنه بمحبوس
يا نازلا جدثا في غير منزله * ويا فريسة يوم غير مفروس
لبست ثوب البلى اعزز علي به * لبسا جديدا وثوبا غير ملبوس
صلى عليك الذي قد كنت تعبده * تحت الهواجر في تلك الاماليس
لولا مناقضة الدنيا محاسنها * لما تقايسها اهل المقاييس
احلك الله دارا غير زائله * في منزل برسول الله مأنوس
قال أبو الفرج : هذه القصيدة
ذكر محمد بن علي بن حمزة انها في علي بن موسى الرضا .
قال أبو الفرج : وانشدني
علي بن سليمان الاخفش لدعبل بن علي الخزاعي يذكر الرضا والسم الذي سقيه ، ويرثى
ابنا له ، وينعى على الخلفاء من بني العباس :
على الكره ما فارقت احمد وانطوى *
عليه بناء جندل ورزين
واسكنته بيتا خسيسا متاعه * وإنى على رغمي به لضنين
ولو لا التأسي بالنبي واهله * لا سبل من عيني عليه شؤون
هو النفس إلا ان آل محمد * لهم دون نفسي في الفؤاد كمين
اضر بهم إرث النبي فأصبحوا *
يساهم فيه ميتة ومنون
دعتهم ذئاب من امية وانتحت * عليهم دراكا ازمة وسنون
وعاثت بنو العباس في الدين عيثة * تحكم فيه ظالم وظنين
وسموا رشيدا ليس فيهم لرشده * وها ذاك مأمون وذاك امين
فما قبلت بالرشد منهم رعاية * ولا لولي بالامانة دين
رشيدهم غاو وطفلاه بعده * لهذا رزايا دون ذاك مجون
الا ايها القبر الغريب محله * بطوس عليك الساريات هتون
شككت فما ادري امسقى بشربة * فأبكيك ام ريب الردى فيهون ؟
وايهما ما قلت إن قلت شربة * وإن قلت موت إنه لقمين
ايا عجبا منهم يسمونك الرضا * ويلقاك منهم كلحة وغضون
اتعجب للاجلاف ان يتخيفوا * معالم دين الله وهو مبين
لقد سبقت فيهم بفضلك آية * لدي ولكن ما هناك يقين
هذا آخر خبر علي بن موسى الرضا .
اخبرنا أبو الفرج قال : حدثنا
الحسن بن علي الخفاف ، قال : حدثنا أبو الصلت الهروي ، قال : دخل المأمون إلى
الرضا يعوده فوجده يجود بنفسه فبكى وقال : اعزز علي يا اخي بأن اعيش ليومك ،
وقد كان في بقائك امل ، واغلظ علي من ذلك
واشد ان الناس يقولون : إني سقيتك سما ، وانا إلى الله
من ذلك برئ . فقال له الرضا : صدقت يا امير المؤمنين ، انت والله برئ . ثم خرج
المأمون من عنده : ومات الرضا ، فحضره المأمون قبل ان يحفر قبره وامر ان يحفر
إلى جانب ابيه ، ثم
اقبل علينا فقال : حدثني صاحب هذا النعش انه يحفر له قبر
فيظهر فيه ماء وسمك ، احفروا ، فحفروا فلما انتهوا إلى اللحد نبع ماء وظهر فيه
سمك ، ثم غاض الماء ، فدفن فيه الرضا عليه السلام .
* ( محمد بن عبد الله بن الحسن )
*
ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن علي ابن الحسين بن
علي بن أبي طالب عليهم السلام ويكنى ابا جعفر . وهو ابن الافطس الذي ذكرنا خبر
قتل ابيه في ايام الرشيد وامه زينب بنت موسى بن عمر بن علي بن الحسين .
اخبرنا علي بن الحسن بن علي
بن حمزة العلوي ، قال : اخبرني عمي محمد بن علي قال : اخبرني إبراهيم بن ابي
محمد البريدي ، قال : كنا عند المعتصم وهو ولي عهد في ايام المأمون ، فأخذ عمود
حديد ثقيل فشاله ثم قصر به ثماني قصرات ،
ثم طرحه من يده إلى العباس بن علي بن ريطة فقصر به ،
سبعا ، ثم طرحه وفيه فضل فالتفت المعتصم إلى محمد بن عبد الله بن الافطس فقال
له : اما انتم يا ابا جعفر فليس عندكم من هذا شئ . فقال له : إلي تقول هذا ؟
هاته ، فطرحه إليه ، فقال
هاها وهو يجيله ويقلبه حتى قصر به ست عشرة مرة ، ووجه
المعتصم يتغير صفرة وحمرة وكان قد كلم المأمون في امره فقلده البصرة ، فلما
طرحه من يده قال له : ودعني واخرج إلى عملك ، ففعل ، فلما خرج من عنده أتبعه
بشربة مسمومة ،
وقال له : أحب ان تشرب هذا الشراب فانى ذكرتك واحببت ان
تشربه وقت وصوله ، فشربه فمات من وقته .