* ( ذكر مقتله رضوان الله عليه ورحمته
) *
حدثني به جماعة من الرواة منهم
: احمد بن عبيدالله بن محمد بن عمار الثقفي وعلي بن إبراهيم العلوي ، وغيرهما
ممن كتبت الشئ عنه من اخباره متفرقا ، أو رواه لي مجتمعا ، قال : احمد بن
عبيدالله بن عمار ، قال : حدثني علي بن محمد بن سليمان
النوفلي ، عن ابيه ، قال ، وحدثني احمد بن سليمان بن ابي شيخ
، وعمر بن شبة النميري ، عن ابيه قال ، وحدثني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور ،
ونسخت أيضا من أخباره ما وجدته بخط احمد بن الحرث الخراز . وحدثنا علي بن
العباس
المقانعي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن المزني ، قال : حدثنا
احمد بن الحسن بن مروان ، قال : قرأ على هذه الاخبار عبد العزيز بن عبد الملك
الهاشمي ، قال علي بن إبراهيم ، قال الحسن بن محمد المزني ، حدثني علي بن محمد
بن إبراهيم عن
بكر بن صالح ، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري وقد دخل حديث
بعضهم في حديث الباقين ، واحدهم يأتي بالشئ لا يأتي به الآخر ، وقد أثبت جميع
رواياتهم في ذلك ، إلا ما لعله أن يخالف المعنى خلافا بعيدا فأفرده ، قالوا :
كان سبب خروج
الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أن موسى
الهادي ولى المدينة إسحاق بن عيسى بن علي ، فاستخلف عليها رجلا من ولد عمر بن
الخطاب يعرف بعبد العزيز بن عبد الله ، فحمل على الطالبيين واساء
إليهم ، وافرط في التحامل عليهم ، وطالبهم بالعرض كل يوم ،
وكانوا يعرضون في المقصورة ، واخذ كل واحد منهم بكفالة قرينه ونسيبه فضمن
الحسين بن علي ويحيى ابن عبد الله بن الحسن ، الحسن بن محمد بن عبد الله بن
الحسن ، ووفى أوائل
الحاج وقدم من الشيعة نحو من سبعين رجلا ، فنزلوا دار ابن
افلح بالبقيع وأقاموا بها ، ولقوا حسينا وغيره ، فبلغ ذلك العمري فأنكره ، وكان
قد اخذ قبل ذلك الحسن ابن محمد بن عبد الله ، وابن جندب الهذلي الشاعر ، ومولى
لعمر بن
الخطاب ، وهم مجتمعون ، فأشاع انه وجدهم على شراب ، فضرب
الحسن ثمانين سوطا ، وضرب ابن جندب خمسة عشر سوطا ، وضرب مولى عمر سبعة أسواط ،
وأمر بأن يدار بهم في المدينة مكشفي الظهور ليفضحهم . فبعثت إليه الهاشمية
صاحبة الراية السوداء في ايام محمد بن عبد الله فقالت له : لا
ولاكرامة لا تشهر احدا من بني هاشم وتشنع عليهم وأنت ظالم . فكف عن ذلك وخلى
سبيلهم . رجع الحديث إلى خبر الحسين . قالوا : فلما اجتمع النفر من الشيعة في
دار ابن أفلح
اغلظ العمري أمر العرض ، وولى على الطالبيين رجلا يعرف بأبي بكر بن
عيسى الحائك مولى الانصار فعرضهم يوم جمعة فلم يأذن لهم بالانصراف حتى بدأ
أوائل الناس يجيئون إلى المسجد ، ثم أذن لهم فكان قصارى احدهم ان يغدو ويتوضأ
للصلاة
ويروح إلى المسجد ، فلما صلوا حبسهم في المقصورة إلى العصر ثم
عرضهم فدعا باسم الحسن بن محمد فلم يحضر ، فقال ليحيى والحسين بن علي :
ليأتياني به أو لاحبسنكما فان له ثلاثة أيام لم يحضر العرض ولقد خرج أو تغيب ،
فراده بعض
المرادة وشتمه يحيى ، وخرج فمضى ابن الحائك هذا فدخل على
العمري فأخبره فدعا بهما فوبخهما وتهددهما ، فتضاحك الحسين في وجهه وقال : أنت
مغضب يا أبا حفص فقال له العمرى : أتهزأ بي وتخاطبني بكنيتي ؟ فقال له : قد كان
أبو بكر وعمر ، وهما خير منك ، يخاطبان بالكنى فلا ينكران ذلك وأنت تكره الكنية
وتريد المخاطبة بالولاية .
فقال له : آخر قولك شر من أوله . فقال : معاذ الله ، يأبى
الله لي ذلك ومن أنا منه . فقال له : أفأنما أدخلتك إلي لتفاخرني وتؤذيني ؟
فغضب يحيى بن عبد الله فقال له : فما تريد منا ؟ فقال : أريد أن تأتياني بالحسن
بن محمد . فقال : لا نقدر عليه ،
هو في بعض ما يكون فيه الناس ، فابعث إلى آل عمر ابن الخطاب
فاجمعهم كما جمعتنا، ثم اعرضهم رجلا رجلا فان لم تجد فيهم من قد غاب أكثر من
غيبة الحسن عنك فقد أنصفتنا ، فحلف على الحسين بطلاق امرأته وحرية مماليكه أنه
لا يخلي عنه
أو يجيئه به في باقي يومه وليلته ، وأنه إن لم يجئ به ليركبن
إلى سويقة فيخربها ويحرقها ، وليضربن الحسين الف سوط ، وحلف بهذه اليمين إن
وقعت عينه على الحسن بن محمد ليقتلنه من ساعته . فوثب يحيى مغضبا فقال له : أنا
أعطي الله عهدا،
وكل مملوك لي حر إن ذقت الليلة نوما حتى آتيك بالحسن بن محمد
أولا اجده ، فأضرب عليك بابك حتى تعلم أني قد جئتك . وخرجا من عنده وهما مغضبان
، وهو مغضب ، فقال الحسين ليحيى بن عبد الله : بئس لعمر الله ما صنعت حين تحلف
لتأتينه
به ، وأين تجد حسنا ؟ قال : لم أرد أن آتيه بالحسن والله ،
وإلا فأنا نفي من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن علي عليه السلام بل أردت إن
دخل عيني نوم حتى أضرب عليه بابه ومعي السيف ، إن قدرت عليه قتلته . فقال له
الحسين : بئسما
تصنع تكسر علينا أمرنا . قال له يحيى : وكيف أكسر عليك أمرك ،
وإنما بيني وبين ذلك عشرة ايام حتى تسير إلى مكة ، فوجه الحسين إلى الحسن بن
محمد فقال : يابن عمي ، قد بلغك ما كان بيني وبين هذا الفاسق ، فامض حيث أحببت
.
فقال الحسن : لا والله يابن عمي ، بل أجئ معك الساعة حتى اضع
يدي في يده . فقال له الحسين : ما كان الله ليطلع علي وانا جاء إلى محمد صلى
الله عليه وآله وهو خصمي وحجيجي في دمك ، ولكن اقيك بنفسي لعل الله أن يقيني من
النار .
قال : ثم وجه ، فجاءه يحيى ، وسليمان ، وإدريس ، بنو عبد الله
بن الحسن وعبد الله بن الحسن الافطس ، وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا وعمر بن
الحسن بن علي ابن الحسن بن الحسين بن الحسن ، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن
الحسن بن
الحسن بن علي ، وعبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب ووجهوا إلى فتيان من فتيانهم ومواليهم ، فاجتمعوا ستة
وعشرين رجلا من ولد علي ، وعشرة من الحاج ، ونفر من الموالي . فلما اذن المؤذن
للصبح
دخلوا المسجد ثم نادوا : " أحد ، أحد " وصعد عبد الله بن
الحسن الافطس المنارة التي عند رأس النبي - صلى الله عليه وآله - عند موضع
الجنائز فقال للمؤذن : أذن بحي على خير العمل ، فلما نظر إلى السيف في يده اذن
بها وسمعه العمري فأحس
بالشر ودهش ، وصاح : اغلقوا البغلة الباب واطعموني حبتي ماء .
قال علي بن إبراهيم في حديثه : فولده إلى الآن بالمدينة يعرفون ببني حبتي ماء .
قالوا : ثم اقتحم إلى دار عمر بن الخطاب وخرج في الزقاق المعروف بزقاق عاصم بن
عمر ، ثم
مضى هاربا على وجهه يسعى ويضرط حتى نجا ، فصلى الحسين بالناس
الصبح ودعا بالشهود العدول الذين كان العمري اشهدهم عليه أن يأت ، بالحسن إليه
ودعى بالحسن وقال للشهود : هذا الحسن قد جئت به فهاتوا العمري وإلا والله خرجت
من يميني ومما علي . ولم يتخلف عنه احد من الطالبيين إلا
الحسن بن جعفر ابن الحسن بن الحسن ، فانه استعفاه فلم يكرهه . وموسى بن جعفر بن
محمد .
فحدثني علي بن إبراهيم العلوي ، قال : حدثني
حمدان بن إبراهيم ، قال : حدثنا يحيى بن
الحسين بن الفرات ، قال : حدثني عنيزة القصباني ، قال : رأيت
موسى بن جعفر بعد عتمة وقد جاء إلى الحسين صاحب فخ ، فانكب عليه شبه الركوع
وقال : أحب أن تجعلني في سعة وحل من تخلفي عنك ، فأطرق الحسين طويلا لا يجيبه ،
ثم رفع
رأسه إليه فقال : انت في سعة . حدثني علي بن إبراهيم ، قال :
حدثني جعفر بن محمد الفزاري ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : حدثنا عنيزة
القصباني بهذا : رجع الحديث إلى حيث انتهى من قصصهم . قال : وقال الحسين لموسى
بن جعفر في
الخروج فقال له : إنك مقتول فأحد الضراب فان القوم فساق
يظهرون إيمانا ، ويضمرون نفاقا وشركا ، فانا لله وإنا إليه راجعون . وعند الله
عزوجل أحتسبكم من عصبة . قال : وخطب الحسين بن علي بعد فراغه من الصلاة فحمد
الله واثنى عليه
وقال : أنا ابن رسول الله ، على منبر رسول الله ، وفي حرم
رسول الله ، ادعوكم إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله - أيها الناس :
أتطلبون آثار رسول الله في الحجر والعود ، وتتمسحون بذلك ، وتضيعون بضعة منه !
فقال الراوي للحديث :
فقلت في نفسي قولا أسره : إنا لله ما صنع هذا بنفسه . قال :
وإلى جنبي عجوز مدنية فقالت : اسكت ويلك ، الابن رسول الله تقول هذا ؟ قلت
يرحمك الله والله ما قلت هذا إلا للاشفاق عليه . قالوا : فأقبل خالد البربري
وكان مسلحة للسلطان بالمدينة
في السلاح ومعه اصحابه حتى وافوا باب المسجد الذي يقال له :
باب جبرائيل ، فنظرت إلى يحيى ابن عبد الله قد قصده وفي يده السيف فأراد خالد
أن ينزل فبدره يحيى فضربه على جبينه ، وعليه البيضة والمغفر والقلنسوة ، فقطع
ذلك كله وأطار قحف رأسه
وسقط عن دابته ، وحمل على أصحابه فتفرقوا وانهزموا . وحج في
تلك السنة مبارك التركي فبدأ بالمدينة للزيارة فبلغه خبر الحسين فبعث إليه من
الليل : إنى والله ما احب ان تبتلي بي ولا ابتلي بك ، فابعث الليلة إلي نفرا من
اصحابك ولو عشرة
يبيتون عسكري حتى انهزم واعتل بالبيات ، ففعل ذلك الحسين ،
ووجه عشرة من اصحابه فجعجعوا بمبارك وصيحوا في نواحي عسكره فطلب دليلا يأخذ به
غير الطريق فوجده فمضى به حتى انتهى إلى مكة . وحج في تلك السنة العباس بن
محمد ، وسليمان بن أبي جعفر ، وموسى بن عيسى ، فصار مبارك
معهم ، واعتل عليهم بالبيات . وخرج الحسين بن علي قاصدا إلى مكة ومعه من تبعه
من اهله ومواليه واصحابه وهم زهاء ثلاثمائة ، واستخلف على المدينة دينار
الخزاعي ، فلما
قربوا من مكة فصاروا بفخ وبلدح تلقتهم الجيوش فعرض العباس على
الحسين الامان والعفو والصلة فأبى ذلك اشد الإ باء . قال الحسين بن محمد :
وحدثني سليمان بن عباد قال : لما أن رأى الحسين المسودة اقعد رجلا على جمل ،
معه سيف يلوح
به والحسين يملي عليه حرفا حرفا يقول : ناد فنادى : يا معشر
الناس ، يا معشر المسودة ، هذا الحسين بن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وابن
عمه ، يدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله . قال الحسن :
وحدثني محمد بن
مروان عن أرطاة ، قال لما كانت بيعة الحسين ابن علي صاحب فخ
قال : ابايعكم على كتاب الله وسنة رسول الله ، وعلى ان يطاع الله ولا يعصى ،
وادعوكم إلى الرضا من آل محمد وعلى ان نعمل فيكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله
عليه وآله ،
والعدل في الرعية ، والقسم بالسوية ، وعلى أن تقيموا معنا
وتجاهدوا عدونا فان نحن وفينا لكم وفيتم لنا ، وإن نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا
عليكم . قال الحسن بن محمد في حديثه : فحدثني كثير بن إسحاق بن إبراهيم قال :
سمعت الحسين ليلة جمعة ونحن ببطن مر ، ولقينا عبيد بن يقطين ،
ومفضل الوصيف وهما في سبعين فارسا ، والحسين راكب على حمار إدريس بن عبد الله
وهو يقول : يا اهل العراق ، إن خصلتين إحدهما الجنة لشريفتان ، والله لو لم يكن
معي
غيري لحاكمتكم إلى الله عزوجل حتى الحق بسلفي . رجع الحديث
إلى أوله . قال : ولقيته الجيوش بفخ وقادها : العباس بن محمد ، وموسى بن عيسى ،
وجعفر ومحمد ابنا سليمان ، ومبارك التركي ، ومنارة ، والحسن الحاجب والحسين ابن
يقطين،
فالتقوا في يوم التروية وقت صلاة الصبح ، فأمر موسى بن عيسى
بالتعبئة فصار محمد بن سليمان في الميمنة ، وموسى في الميسرة ، وسليمان بن أبي
جعفر والعباس ابن محمد في القلب . فكان أول من بدأهم موسى فحملوا عليه فاستطرد
لهم شيئا
حتى انحدروا في الوادي وحمل عليهم محمد بن سليمان من خلفهم ،
فطحنهم طحنة واحدة حتى قتل اكثر اصحاب الحسين . وجعلت المسودة تصيح للحسين : يا
حسين ، لك الامان فيقول : ما اريد الامان ، ويحمل عليهم حتى قتل . وقتل معه
سليمان
بن عبد الله بن الحسن ، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن
الحسن وأصابه الحسن بن محمد بنشابة في عينه وتركها في عينه ، وجعل يقاتل اشد
القتال ، فناداه محمد بن سليمان : يابن خال ، اتق الله في نفسك ولك الامان .
فقال : والله مالكم أمان ولكني
اقبل منكم ، ثم كسر سيفا هنديا كان في يده ، ودخل إليهم ،
فصاح العباس بن محمد بابنه عبد الله : قتلك الله إن لم تقتله ، ابعد تسع جراحات
تنتظر هذا ؟ فقال له موسى بن عيسى : إي والله عاجلوه ! فحمل عليه عبيدالله
فطعنه ، وضرب العباس ابن
محمد عنقه بيده صبرا ، ونشبت الحرب بين العباس بن محمد ،
ومحمد بن سليمان وقال : أمنت ابن خالي فقتلتموه فقالوا : نحن نعطيك رجلا من
العشيرة تقتله مكانه . وذكر احمد بن الحرث في روايته : أن موسى بن عيسى هو الذي
ضرب عنق الحسن بن محمد .
قال احمد بن الحرث : وحدثني يزيد بن عبد الله الفارسي ، قال :
كان حماد التركي ممن حضر وقعة فخ ، فقال للقوم : أروني حسينا ، فأروه إياه ،
فرماه بسهم فقتله فوهب له محمد بن سليمان مائة الف درهم ومائة ثوب . قالوا :
وغضب موسى على
مبارك التركي لانهزامه عن الحسين وحلف ليجعلنه سائسا . وغضب
على موسى في قتله الحسن بن محمد صبرا وقبض اموالهم . وكان يقول : متى توافي
فاطمة اخت الحسين بن علي ؟ والله لاطرحنها إلى السواس ، فمات قبل أن يوافي بها
.
حدثني علي إبراهيم العلوي ، قال : حدثنا الحسن بن
علي بن هاشم ، قال : حدثني محمد بن منصور عن القاسم بن إبراهيم ، عمن ذكره ،
قال : رأيت الحسين صاحب فخ وفد دفن شيئا ، فظننت انه شئ له مقدار ، فلما كان من
أمره ما كان نظرنا فإذا هو قطعة من جانب قد قطع فدفنه ثم عاد فكر عليهم .
قال الحسن : وحدثني محمد بن منصور ، قال : حدثني مصفى بن عاصم
، قال : حدثني سليمان بن إسحاق القطان ، قال : حدثني ابوالعرجا الجمال : أن
موسى بن عيسى دعاه فقال له : احضرني جمالك . قال : فجئته بمائة جمل ذكر ، فختم
اعناقها
وقال : لا افقد منها وبرة إلا ضربت عنقك ، ثم تهيأ للمسير إلى
الحسين صاحب فخ فسار حتى اتينا بستان بني عامر فنزل فقال لي : إذهب إلى عسكر
الحسين حتى تراه وتخبرني بكل ما رأيت . فمضيت فدرت فما رأيت خللا ولا فللا .
ولا رأيت
إلا مصليا أو مبتهلا ، أو ناظرا في مصحف أو معدا للسلاح قال :
فجئته فقلت : ما اظن القوم إلا منصورين . فقال : وكيف ذاك يابن الفاعلة ؟
فأخبرته فضرب يدا على يد وبكى حتى ظننت انه سينصرف ثم قال : هم والله اكرم عند
الله ، واحق بما
في ايدينا منا ، ولكن الملك عقيم ، ولو ان صاحب القبر - يعني
النبي صلى الله عليه وآله - نازعنا الملك ضربنا خيشومه بالسيف ، يا غلام . اضرب
بطبلك ، ثم سار إليهم ، فوالله ما انثنى عن قتلهم .
رجع الحديث إلى حيث انقطع . قالوا : جاء الجند بالرؤس إلى
موسى ، والعباس ، وعندهم جماعة من ولد الحسن والحسين ، فلم يتكلم احد منهم بشئ
إلا موسى بن جعفر فقال له : هذا رأس الحسين . قال : نعم إنا لله وإنا إليه
راجعون ، مضى والله
مسلما صالحا صواما قواما آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ، ما
كان في اهل بيته مثله . فلم يجيبوه بشئ . قال : وحملت الاسرى إلى موسى الهادى ،
وفيهم العذافر الصيرفي ، وعلي بن سابق القلانسي ، ورجل من ولد الحاجب بن زارة ،
فأمر
بهم فضربت اعناقهم ، ومن بين يديه رجل آخر من الاسرى واقف ،
فقال انا مولاك يا امير المؤمنين فقال : مولاي يخرج علي ، ومع موسى سكين ، فقال
: والله لاقطعنك بهذه السكين مفصلا مفصلا قال : وغلبت عليه العلة فمكث ساعة
طويلة ثم
مات ، وسلم الرجل من القتل فأخرج من بين يديه . فحدثني احمد
بن عبيدالله بن عمار ، قال : قال احمد بن الحارث ، عن عمر ابن خلف الباهل ، ،
عن بعض الطالبيين ، قال : لما قتل اصحاب فخ جلس موسى بن عيسى بالمدينة ، وامر
الناس
بالوقيعة على آل أبي طالب ، فجعل الناس يوقعون عليهم حتى لم
يبق احد ، فقال بقي احد قيل له : موسى بن عبد الله . واقبل موسى بن عبد الله
على اثر ذلك ، وعليه مدرعة وإزار غليظ ، وفي رجليه نعلان من جلود الاءبل ، وهو
اشعث اغبر حتى
قعد مع الناس ولم يسلم عليه ، وإلى جنبه السري بن عبد الله من
ولد الحرث بن العباس بن عبد المطلب ، فقالو لموسى بن عيسى : دعني اكشف عليه
باله ، واعرفه نفسه . قال أخافه عليك . قال : دعني ، فأذن له فقال له يا موسى .
قال أسمعت فقل . قال : كيف رأيت مصارع البغي الذي لا تدعونه لبني عمكم المنعمين
عليكم . فقال موسى اقول في ذلك :
بني عمنا ردوا فضول دمائنا * ينم
ليلكم اولا يلمنا اللوائم
فانا وإياكم وما كان بيننا * كذي الدين يقضي دينه وهو راغم
فقال السري : والله ما يزيدكم البغي إلا ذلة ، ولو كنتم مثل بني عمكم سلمتم -
يعني موسى بن جعفر - وكنتم مثله ، فقد عرف حق بني عمه وفضلهم عليه فهو لا يطلب
ما ليس له . فقال له موسى بن عبد الله :
فان الاولى تثني عليهم تعيبني * اولاك
بنو عمي وعمهم ابي
فانك إن تمدحهم بمديحة * تصدق وإن تمدح اباك تكذب
قالوا : ولما بلغ العمري وهو بالمدينة قتل الحسين بن علي صاحب فخ عمد إلى داره
ودور أهله فحرقها وقبض اموالهم ونخلهم ، فجعلها في الصوافي المقبوضة .