( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- منع تدوين الحديث - السيد علي الشهرستاني ص 32 :

 السبب الخامس : ما ذهب إليه الخطيب البغدادي وابن عبد البر


وملخصه هو أن الخليفة فعل ذلك احتياطا للدين وخوفا من أن يعملوا بالاخبار على ظاهرها والحديث فيه المجمل والمفصل ، فخشي عمر أن يحمل الحديث على غير وجهه أو يؤخذ بظاهر لفظه [ شرف أصحاب الحديث : 97 - 98 ، السنة قبل التدوين : 106 ] . ويجاب عليه :
 

- ص 33 -

هل الخليفة أحرص من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على دين الله ؟


وما معنى خوفه واحتياطه ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : " حدث ولا حرج " ، وفي آخر : " اكتبوا ولا حرج " ؟


فكيف يحتاط الخليفة ولا يحتاط أبو ذر الغفاري الذي قال عنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء عن ذي لهجة أصدق من أبي ذر " ؟


وكيف برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يرسل الصحابة إلى القبائل والمدن المبشرين والمنذرين والخليفة يجمع الصحابة من أمثال أبي ذر وابن مسعود وأبو مسعود عنده وينهاهم من التحديث ؟


وكيف نرفع هذه الازدواجية ؟


وهل جاء هذا حرصا على الإسلام والمسلمين ؟


وما معنى قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " رحم الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فبلغها عني فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " ؟


ألم يعن أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سمح بنقل قوله على ما هو عليه إلى من هو أفقه منه ؟


ولو لاحظت سيرة الخليفة لرأيته لا يحتاط ، فقد أخذ برداء رسول الله حين صلاته على المنافق ثم ندم ، واقترح على الرسول في الحكم بن كيسان أن يضرب عنقه لأنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد أطال في وعظه ولم يفد ثم ندم لإسلام الحكم وحسن إسلامه وشهادته في آخر الأمر [ طبقات ابن سعد 4 / 137 ] .


والاحتياط يخالف التسرع والاجتهاد ، وقد ثبت عن الخليفة أنه كان يجتهد ، والعجيب أنهم يدعون أن المنع جاء احتياطا للدين ، ويفوت عليهم أن منع المنع هو الاحتياط ، لأن المنع معناه الضياع ، أما التحديث وإن كان عرضة للخطأ والتصحيف لكنه أعود على المسلمين من بقائهم في الجهل وعدم المعرفة .


ولو كان فعل عمر هو الاحتياط في الدين فلم لم يعمل بمشورة الصحابة حينما ذهبوا إلى تدوين السنة ؟
 

- ص 34 -

نعم انفرد برأيه وأحرق المدونات ومنع من التدوين وهو عين الاجتهاد ؟ !


إن الاحتياط في أن يوافق الخليفة رأي أكثر الصحابة ، لقوله تعالى : ( وأمرهم شورى بينهم ) ، ولإيمانه هو بمبدأ الشورى ، فمخالفة الخليفة للصحابة يعد نقضا للاحتياط وهدما لمبدأ الشورى الذي اتخذه عمر بن الخطاب .


وبعد هذا يتجلى ضعف هذا الرأي كذلك وعدم صموده أمام النقد .
 


 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب