السبب الخامس : ما ذهب
إليه الخطيب البغدادي وابن عبد البر
وملخصه هو أن الخليفة فعل ذلك
احتياطا للدين وخوفا من أن يعملوا بالاخبار على ظاهرها والحديث فيه المجمل
والمفصل ، فخشي عمر أن يحمل الحديث على غير وجهه أو يؤخذ بظاهر لفظه [
شرف
أصحاب الحديث : 97 - 98 ، السنة قبل التدوين : 106 ] . ويجاب عليه :
هل الخليفة أحرص من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على دين
الله ؟
وما معنى خوفه واحتياطه ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول :
" حدث ولا حرج " ، وفي آخر : " اكتبوا ولا حرج " ؟
فكيف يحتاط الخليفة ولا
يحتاط أبو ذر الغفاري الذي قال عنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : "
ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء عن ذي لهجة أصدق من أبي ذر " ؟
وكيف برسول
الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يرسل الصحابة إلى القبائل والمدن المبشرين
والمنذرين والخليفة يجمع الصحابة من أمثال أبي ذر وابن مسعود وأبو مسعود عنده
وينهاهم من التحديث ؟
وكيف نرفع هذه الازدواجية ؟
وهل جاء هذا حرصا على الإسلام
والمسلمين ؟
وما معنى قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " رحم الله امرءا سمع
مقالتي فوعاها فبلغها عني فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " ؟
ألم يعن أنه (
صلى الله عليه وآله وسلم ) سمح بنقل قوله على ما هو عليه إلى من هو أفقه منه ؟
ولو لاحظت سيرة الخليفة لرأيته لا يحتاط ، فقد أخذ برداء رسول الله حين صلاته
على المنافق ثم ندم ، واقترح على الرسول في الحكم بن كيسان أن يضرب عنقه لأنه (
صلى الله عليه وآله وسلم ) قد أطال في وعظه ولم يفد ثم ندم لإسلام الحكم وحسن
إسلامه وشهادته في آخر الأمر [ طبقات ابن سعد 4 / 137 ] .
والاحتياط يخالف
التسرع والاجتهاد ، وقد ثبت عن الخليفة أنه كان يجتهد ، والعجيب أنهم يدعون أن
المنع جاء احتياطا للدين ، ويفوت عليهم أن منع المنع هو الاحتياط ، لأن المنع
معناه الضياع ، أما التحديث وإن كان عرضة للخطأ والتصحيف لكنه أعود على
المسلمين من بقائهم في الجهل وعدم المعرفة .
ولو كان فعل عمر هو الاحتياط في
الدين فلم لم يعمل بمشورة الصحابة حينما ذهبوا إلى تدوين السنة ؟
نعم انفرد برأيه وأحرق المدونات ومنع من التدوين وهو عين
الاجتهاد ؟ !
إن الاحتياط في أن يوافق الخليفة رأي أكثر الصحابة ، لقوله تعالى :
( وأمرهم شورى بينهم
) ، ولإيمانه هو بمبدأ الشورى ، فمخالفة
الخليفة للصحابة يعد نقضا للاحتياط وهدما لمبدأ الشورى الذي اتخذه عمر بن
الخطاب .
وبعد هذا يتجلى ضعف هذا الرأي كذلك وعدم صموده أمام النقد .