( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- منع تدوين الحديث - السيد علي الشهرستاني ص 31 :

 السبب الرابع : ما ذهب إليه السمعاني والقاضي عياض


قال السمعاني : كانوا يكرهون الكتابة أيضا ، لكي لا يعتمد العالم على الكتاب ، بل بحفظه . . . فلما طالت الأسانيد وقصرت الهمم رخصت الكتابة .


وقال مثله القاضي عياض في ( الإلماع في أصول الرواية وتقييد السماع ) .


أما الشيخ أبو زهو والشيخ عبد الخالق عبد الغني فقد أرجعا الأمر ونسباه إلى رسول الله وقالا : إن رسول الله - وحفاظا على ملكة الحفظ عند العرب - نهاهم عن الكتابة ، لأنهم لو كتبوا لا تكلوا على المكتوب وأهملوا الحفظ فتضيع ملكاتهم بمرور الزمن [ الحديث والمحدثون : 123 ، حجية السنة : 428 ] .


وهذا الكلام باطل صغرى وكبرى :

أما الصغرى ، فلوجود عدة من الصحابة لا يملكون هذه المقدرة ، كما جاء عن المتشددين في الحديث الذين لا يرتضون التحديث ، أمثال سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وغيرهما ، خوفا من أن يزيدوا أو ينقصوا .


وجاء عن زيد قوله : كبرنا ونسينا والحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شديد ، وهذه النصوص تؤكد لنا سقم المدعى .

ويضاف إليه أنه جاء عن عمر أنه حفظ سورة البقرة في اثني عشر عاما ولما حفظها نحر جزورا [ الدر المنثور 1 / 21 ، سيرة عمر لابن الوزي : 165 ] ،


وهذا لا يتفق مع ما قيل عن ملكة الحفظ عند العربي ، ولو صح هذا لما أتى أصحاب الجرح والتعديل بأسماء الذين خلطوا من الصحابة .


وقال الأستاذ يوسف العشي : فذاكرة أكثر الناس أضعف من أن تتناول مادة العلم بأجمعه فتحفظها من الضياع وتقيها من الشرود ، ومهما قويت عند أناس فلا بد أن تهون عند آخرين فتخونهم وتضعف معارفهم [ مقدمة تقييد العلم : 8 ] .


إذن ، ما قيل عن حافظة العربي لا يتفق مع هذه الأقوال ، وخصوصا حينما نقف على كلام الإمام علي ( عليه السلام ) في نهج البلاغة وعند إشارته إلى أسباب اختلاف النقل عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : " ورجل سمع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلم يحمله على وجهه ووهم فيه ولم يتعمد كذبا . . . " .
 

- ص 32 -

وأما الكبرى ، فالملائكة هم أكمل من بني الإنسان وأقدر منه على الحفظ ، فلم يكلفهم عز وجل بالكتابة ويقول : ( كراما كاتبين ) [ الانفطار : 11 ] ؟

ولو كان للحفظ هذه المنزلة فلماذا لا نجد معشار الآيات التي نزلت في الكتابة قد نزلت في الحفظ ؟

ولو كان الحفظ واجبا لكانت الكتابة منهيا عنها ومحرمة ، فلماذا نراهم يدونون القرآن ولا يدونون الحديث ؟

ولو صح هذا التعليل فلماذا يكون حكرا على العرب ؟

وكيف يفعل الفرس والأتراك لو أرادوا التدوين ؟

ألم تكن الشريعة عامة للجميع ؟

وماذا نفعل بقوة الحافظة لو مات الصحابي الحافظ إن لم نسجل كلامه ؟

ألا يعني هذا أن منع التدوين بدافع المحافظة على الحديث أشبه شئ بالتناقض ؟

وكيف يتصور أن يحث المعلم تلاميذه على العلم ويحرضهم على صون محفوظاتهم من النسيان ثم يوصيهم ألا يدونونها ولا يتدارسونها ؟

أليس صون العلم والمحافظة عليه بالكتابة والتدوين أولى وأجدى من حفظه واستظهاره ؟

ولو كان ما كتب قر وما حفظ فر فلم التأكيد على حفظ الحديث وتجويزه من قبل الحفاظ والقول أن منع الكتابة جاء للمحافظة على الذاكرة ؟ !


 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب