( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )

- منع تدوين الحديث - السيد علي الشهرستاني ص 45 :

خاتمة المطاف


فتلخص : بأن منع التدوين مر بثلاث مراحل :

 الأولى : فترة الشيخين .

 الثانية : فترة من سار على نهجهما ، كعثمان ومعاوية .

 الثالثة : فترة الحكم الأموي بعد معاوية وحتى عصر التدوين الحكومي .


أما المرحلة الأولى : فجاءت بعد تسليم كون طمس الفضائل دخيلا في المنع ، لعجزهما الفقهي وعدم إحاطتهما بجميع أحاديث رسول الله ، إذ قلنا بأن مقام الخلافة يستوجب العلم بما حكم به رسول الله ، والخليفة لم يعرف جميع الأحكام الصادرة عنه ،

فواجه مشكلة عظيمة ، وهي مخالفة فتاواه لأقوال رسول الله ، مما يسبب تخطئة الصحابة إياه حتى ربات الحجال له ، وهذا هو الذي دعاه ليمنع تدوين الحديث حسب التفصيل الذي قلناه .


وأما المرحلة الثانية : فجاءت لدعم موقف الشيخين ، إذ جاء عن عثمان ابن عفان ومعاوية بن أبي سفيان أنهما نهيا عن التحديث عن رسول الله إلا بما عمل به على عهد الشيخين .


وأما المرحلة الثالثة : فهي مرحلة الخلفاء الذين حكموا بعد معاوية إلى عصر التدوين الحكومي ، حيث إن هؤلاء استغلوا الأفكار السائدة في العهد الأول والثاني لطمس فضائل أهل البيت ، ولترسيخ ما يبغون من أهداف .
 

- ص 46 -

فاتضح لك أن أسباب منع تدوين الحديث ، اختلفت بين فترة وأخرى : إذ كان المنع في العصر الإسلامي الأول - على عهد الشيخين - لسد العجز الفقهي عند الخليفة وتحكيم ركائز حكمهم ودفع خصمهم .

وأما في العهد الثاني فجاء لتحكيم ما سن على عهد الشيخين وعدم الأخذ بغيرهما .

وأما في العهد الأموي فكان بشكل مفضوح ، للمخالفة مع علي بن أبي طالب وأهل بيته .


وقد فصلنا الحديث عن هذه المراحل وغيرها في كتابنا المزبور ، فمن شاء المزيد فليراجعه . وبعد هذا ، فلا يمكن حصر سبب منع تدوين الحديث في المخالفة مع فضائل أهل البيت في جميع العصور بعد ما عرفت احتياجات العهود الثلاثة السابقة


بعد هذا التلخيص نأتي لنستلهم من هذا البحث العلمي موضوعا مهما ، ألا وهو تقييم السنة عند الفريقين " الشيعة الإمامية وأهل السنة والجماعة " ، إذ السنة النبوية قد مرت عند أهل السنة والجماعة بمراحل :

 1 - مرحلة منع تدوين حديث رسول الله .

 2 - مرحلة تشريع اجتهاد الصحابي ، أي : سيرة الشيخين أولا ثم تطويرها إلى تحكيم اجتهادات جميع الصحابة و . . .

 3 - جمع موقوفات الصحابة مع مرفوعات الرسول في مدونات ، وذلك على عهد المروانيين ، الذين كان زمانهم أشد الأزمنة عداوة لأهل البيت ، وهذا يعني أنهم منعوا تدوين حديث رسول الله ، ثم شرعوا الرأي في دائرة الفراغ ، ثم
 

- ص 47 -

اختلطت سنة رسول الله بآراء واجتهادات الصحابة ، وبعد مائة عام دونوا تلك الأحاديث مع اجتهادات الصحابة ، وعلى ضوء المحفوظات لا المدونات ، وفي زمن غلبت فيه العصبية والقبلية ، فصارت هذه الأحاديث شريعة يأخذ بها كثير من المسلمين .


وأما الحديث عند الشيعة فلم يمر إلا بمرحلة واحدة ، وهي التدوين فقط والأخذ عن رسول الله وما كتبه علي بن أبي طالب " من فيه صلى الله عليه وآله وسلم ليده " فكان لجميع أهل البيت صحف وكتب ( 1 ) .


فأهل البيت لم يكونوا يفتون بالرأي ، بل يحكمون النص وكتاب علي في كلماتهم وأقوالهم واستدلالاتهم على الخصم .


ومن هنا صار عند المسلمين اتجاهان :
 أحدهما : يعتبر الرأي .
 والآخر : يستقي من النص لا غير .


وبما أن أهل البيت كانت عندهم صحف ومدونات ( ومنها كتاب علي ) ، وأنهم كانوا لا يفتون بالرأي والقياس ، فقد أمروا أصحابهم بتدوين ما قالوه ، فصارت عند أصحاب الأئمة مدونات وأصول يستقون منها الأحكام ، وقد سميت هذه الأصول بـ‍ ( الأصول الأربعمائة ) ، تمثلت بالكتب الأربعة الشيعية
 

 

* هامش *

 

 

(1) لعلي بن أبي طالب عدة كتب منها : الصحيفة ، الكتاب ، الجامعة ، . . . . وقد جمع أخبار صحيفة علي بن أبي طالب عن رسول الله الأستاذ فوزي عبد المطلب في كتاب وطبع في حلب عن دار السلام . ولو أردت أن تنظر قسما آخر من صحف أهل البيت ، فراجع كتاب منع تدوين الحديث للمحاضر : 397 - 465 . ( * )

 

- ص 48 -

لتي أخذت عن الأصول الأربعمائة . فما هذه الأصول الأربعمائة إلا مدونات لأقوال الأئمة الذين كانوا لا يقولون بالرأي ، بل يتحدثون بالنص عن رسول الله طبق الصحف والمدونات عندهم عن رسول الله .


وعليه فالأحاديث عند الشيعة الإمامية هي أقرب إلى سنة رسول الله ، لأنها لم تمر بمراحل متعددة متأثرة بالظروف والحكومات ، بل مرت بمرحلة واحدة ، وهي التدوين فقط ، ولم يحكم فيها الاجتهاد والرأي .


وأما الأحاديث عند أهل السنة والجماعة فقد مرت بمراحل .
 1 - المنع .
 2 - تشريع الرأي والاجتهاد المخالف للنصوص في كثير من الأحيان .
 3 - جمع موقوفات الصحابة مع مرفوعات الرسول في مدونات في عصر يغلب عليه العصبية والقبلية .
 4 - تعميم ذلك للأمصار وإجماع الأمة عليها من بعد ذلك بمرور الأزمان وتعاقب الحكومات .
 

وبهذا ، فإن البحث عن منع تدوين الحديث لم يكن بحثا علميا مجردا بقدر ما هو بيان لآثار قد انعكست على واقع المسلمين إلى هذا اليوم ، وإن الاختلاف في الفقه بنظرنا يرجع إلى اختلاف آراء الصحابة وما شرع جراء المنع ، حتى في الأصول كان بسبب الروايات المستقاة عند الطرفين .


وأنت حينما تعرف تاريخ السنة المطهرة وملابساتها وما منيت به من تحريفات ، تعرف كل شئ وتتجلى لك صورة الأمر وبشكل آخر .

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
 


 

 

الصفحة الرئيسية

 

مكتبة الشبكة

 

فهرس الكتاب